المجموع : 26
خير النفوس العارفات ذواتها
خير النفوس العارفات ذواتها / وحقيق كمّيات ماهياتها
وبما الذي كانت ومم تكونت / أعضاء بنيتها على هيئاتها
نفس النبات ونفس حس ركّبا / هذا كذاك سماته كسماتها
ما العلّة السبب الذي من أجله / صارت مسلطة على اخواتها
هل من فتى فطن أريه دلائل / يجلو بها عن شَكّنا شبهاتها
يا للرجال لعظم رزء لم تزل / منه النفوس تخبّ في ظلماتها
محرك الكل أنت القصد والغرض
محرك الكل أنت القصد والغرض / وغاية مالها إن قستها عرض
من كان في قلبه مثقال خردلة / سوى جلالك فاعلم أنها مرض
يا ممرضي بجفون لأمراض بها
يا ممرضي بجفون لأمراض بها / صحّت ومن طبعها التمريض والمرض
أمنن علىّ بوصل منك يسعدني / فقد يسدّ الجوهر العرض
أخي خلّ حّيز ذى باطل
أخي خلّ حّيز ذى باطل / وكن للحقائق في حيّز
فما الدار دار مقام لنا / وما المرء في الأرض بالمعجز
تنافس هذا لهذا على / أقلّ من الكلم الموجز
محيط السموات أولى بنا / فكم ذا التخلف في المركز
وما نحن إِلا خطوط وقع / ن على نقط وقع مستوفز
هو الشيب لا بدّ من وخطه
هو الشيب لا بدّ من وخطه / فقرّضه إن شئت أوغطه
أقلقك الطلّ من وبله / جزعت من البحر في شطه
وكم منك سرّك غصن الشبا / ب وريقا فلا بدّ من خبطه
فلا تجزعن لطريق سلك / ت انبّ غيرك في وسطه
ولا تجشعن فما إن ينا / ل من الرزق كل سوى قسطه
وكم حاجة بذلت نفسها / ففوّتها الحرص من فرطه
إذا أخصب المرء من غفلة / يسانى الزّمان على قطحه
ومن عاجل الحزم في عزمه / فإنّ الندامة من شرطه
وكم راحة نالها جازم / على ما تألم من سعطه
وكم غرّ من متخم ممعص / وفور اللذاذة في سرطه
وكم ملق تحته غيلة / كما يمرط الشعر في مشطه
إذا ما أحال أخو زلة / على العذر فاعجل إِلى بسطه
وما يتعب النفس تمييزه / فلا تعجلن إِلى خلطه
ووقر أخا الشيب والح الشبا / ب إذا ما تعسف في خبطه
ولا تبغ في العذل واقصد فكم / كتبت قديماً على خطه
وكم عاند النصح ذو شيبة / عناد القتاد لدى خرطه
تراه سريعا إِلى مطمع / كما انشط البكر عن نشطه
وكم رام ذو ملل حاشم / ليغضب حلمى فلم أعطه
وذى حسدٍ لي أسقطته / لقى يأنف الدهر عن لقطه
يحاول حطى عن رتبتي / قد ارتفع النجم عن حطه
يظل على دهره ساخطا / وكم يضحك الدهر من سخطه
أما أصبحت عن ليل التصابي
أما أصبحت عن ليل التصابي / وقد أصبحت عن ليل الشباب
تنفس في عذارك صبح شيب / وعسعس ليله فكم التصابي
شبابك كان شيطاناً مريدا / فرجّم من مشيبك بالشهاب
واشهب من بزاة الدهر خوّى / على فودى فألمأ بالغراب
عفا رسم الشباب ورسم دار / لهم عهدى به مغنى رباب
فذاك ابيضّ من قطرات دمعى / وذاك اخضّر من قطر السحاب
وذا ينعى إليك النفس نعيا / وذلكم نشور للروابي
كذا دنياك ترأب لانصداع / مغايظة وتبنى للخراب
ويعلق مشمئز النفس عنها / باشراك تعوق عن اضطراب
ولولاها لعجّلت انسلاخى / عن الدنيا وإن كانت إهابي
عرفت عقوقها فسلوت عنها / فلما عفتها اغربتها بى
بليت بعالم يعلو أذاه / سوى صبري ويسفل عن عتابي
وشب لي الصواب خلاط قوم / وكم كان الصواب سوى الصواب
أخالطهم ونفسي في مكان / من العلياء عنهم في حجاب
ولست بمن يلطخه خلاط / متى اغبّرت اياة عن تراب
إذا ما لحت للأبصار نالت / خيالا واسمدرّت عن لبابي
هذي منازلهم أما تتذكر
هذي منازلهم أما تتذكر / درست معاهدهم فأمست تنكر
عفت السيول طلولها فكأنها / خدّى يخددها دموع تهمر
درست رسومهم ورسم شبيبتى / وعلاهما نَور وشيب أزهر
لون المشيب على عذارى آية / بيضاء من سوء تروع وتنذر
قالوا الخضاب فقلت أني ماقت / حىّ المشيب فكيف ميتا يقبر
يا ربع نَكّرك الأحداث والقدم
يا ربع نَكّرك الأحداث والقدم / فصار عينك كالآثار تتهم
كأنما رسمك السرّ الذي لهم / عندي ونؤيك صبري الدارس الهدم
كأنما سفعة الأثقى باقية / بين الرياض قطاجونية جثم
أو حسرة بقيت في القلب مظلمة / عن حاجة ما اقتضوها أذهم أمم
ألا بكاه سحاب دمعه همع / بالرعد مزدفر بالبرق مبتسم
لم لا يجدها سحاب جودها ديم / من الدموع الهوامي كلهن دم
ليت الطلول أجابت من به أبداً / فى حبهم صحة في بغضهم سقم
أو علّها بلسان الحال ناطقة / قد تفهم الحال ما لا تفهم الكلم
أما ترى شيبتى تنبيك ناطقة / بأنّ حدّى الذى استذلقته ثلم
الشيب يوعد والآمال واعدة / والمرء يغترّ والأيام تنصرم
مالى أرى حكم الأفعال ساقطة / وأسمع الدهر قولا كله حكم
ما لى أرى الفضل فضلا يستهان به / قد أكرم النقص لمّا اتنقض الكرم
جولت في هذه الدنيا وزخرفها / عينى فألفيت داراً ما بها أرم
كجيفة دوّدت والدود منشؤها / منها ومنها ترى الأرزاء والطعم
سيّان عندي أن برّوا وإن فجروا / فليس يجرى على أمثالهم قلم
لا تحسدنهم إن جُدّوا بجَدّهم / فالجِدّ يجدى ولكن ماله عصم
ليسوا وإن نعموا عيشاً سوى نعم / وربّما نعمت في عيشها النعم
الواجدون غنى والعادمون نهى / هل الذي وجدوا مثل الذي عدموا
خلقت فيهم وأيضا قد خلطت بهم / فليس فيهم غنى عنهم ولا بهم
أسكنت بينهم كالليث في الأجم / رأيت ليثاً له من جنسه أجم
إنى وإن كان عنى من بليت به / في عينه كمه في أذنه صمم
مميّز من بنى الدنيا يميزني / أقلّ ما فيّ ليس الجلّ والعظم
بأى مأثرة ينقاس بي أحد / بأى مكرمة تحكينى الأمم
أمثل عنجهة شوكاء يلحق بى / أو مثل شغبر حش عرضه زيم
فذا عجوز ولكن بعد ما قعدت / وذاك جود مشاع الملك مستهم
إنى وإن كانت الأقلام تخدمنى / كذاك يخدم كفى الصارم الخذم
قد أشهد الروع مرتاحاً فأكشفه / إذا تناكص عن تيّاره الهم
الضرب محتدم والطعن منتظم / والدمع مرتكم والبأس مغتلم
والجوّ يافوخه من نقعهم قتر / والأفق فسطاطه من سفكهم قتم
والبيض والسمر حمر تحت غبرته / والموت يحكم والأبطال تختصم
واعدل القسم في حربى وحربهم / منهم لنا غنم منّا لهم غرم
أمّا البلاغة فاسألنى الخبير بها / أنا اللسان قديماً والزمان فم
لا يعلم غيرى معلماً علما / لأهله أنا ذاك المعلم العلم
كانت قناة علوم الحق عاطلة / حتى جلاها بشر البند والعلم
نبيد أرواحهم بالرعب نقذفه / فيهم وأجسادهم بالقضب تلتحم
ماتت أنالة ذا الدهر اللقاح على / عزائمى وأسفت بى لها الهيم
لو شبت كان الذى لو شئت بحت به / مالخوف أسكت بل إن تلزم الحشم
ولو وجدت طلوع الشمس متسعا / لحط رجل غريمى كنت أغترم
ولو بكت غير ما بى دونها الحشم / ولم يغم سبيلى نحوها الغمم
وكانت البيض ظلف للغمودله / وقد تشاغل عرض الحيد والحكم
وظن أن ليس تحجيل سوى شعر / وإن للخيل في ميلادها اللجم
وغشيت صفحات الأرض معدلة / فالأسد تنفر عن مرعى به غنم
لكنّها بقعة حفّ الشتاء بها / فكل صاغ إليها صاغر سدم
قفا نجزى معاهدهم قليلا
قفا نجزى معاهدهم قليلا / روت بدموعنا الربع المحيلا
تخوّنه العفاء كما تراه / فأمسى لا رسوم ولا طلولا
لقد عشنا بها زمناً قصيرا / نقاسى بعدهم زمناً طويلا
ومن يستثبت الدنيا بحال / يرُم من مستحيل مستحيلا
إذا ما استعرض الدنيا اعتبارا / تنحّى الحرص عنها مستقيلا
خليلَى بلغا العذّال انى / هجرت تجمّلى هجراً جميلا
وإني من أناس ما أحلنا / على عزم فأعقبنا نزولا
مآقينا وأيدينا إذا ما / همين رأيتنا نعصى العذولا
وقفت دموع عينى بعد سُعدى / على الأطلال ما وجدت مسيلا
على جفنى لسعدى فرض دمع / أقمت له به قلبى كفيلا
عقدت له الوفاء وإن عقدى / هو العقد الذى لن يستحيلا
وكم أخت لها خطبت فؤادى / فما وجدت إِلى عذرى سبيلا
أعاذلُ لست في شىء فأسهب / يدَ الملوين أو أقصر قليلا
فلم ترى مثل ما قلبى ألوفاً / ولم تر مثل ما أذنى ملولا
وعذل الشيب اولانى لو أنّى / أطقت وإن جهدت له قبولا
أجل قد كورت هذا الليالي / على ليلى زمانا لن تزولا
أتنكر داره لمّا علىّ / برين كرتبة الأثر النصولا
تعيّرني ذبولى أو نحولى / نسيت الذبل والخدّ النحيلا
كما أن الحفيش أبو وجيم / يعيرني بأن لست البخيلا
بقول منذر ليغض عنّى / يعد علوّ ذى كرم سفولا
متى وسعت لقصدي الأرض حتى / أبرز أو أنيل به جزيلاً
يقول به انخراق الكفّ جدّا / وكم خرق رقعت به منيلا
فحص خلل الأصابع منك واجهد / عسى أن لا يطوف ولا يبولا
بفحش إن مالك فوق مالى / تقايس ما يصان بما أذيلا
حكاك غبار ما أفناه بذلى / يباع ببعض ما يحوى كميلا
يحذرك الأحبة وقع كيدي / فليس بذاك مذعورا مهولا
سقطت الأحبة وقع كيدي / فطب نفسا ولا تفرق قبيلا
فإما أن أرعك بغير قصدى / فقدما روّع الفيل الأفيلا
أساجية الجفون أكلّ خود
أساجية الجفون أكلّ خود / سجاياها استُعِرن من الرّحيق
هي الصهباء مخبرها عدوّ / وإن كانت تناغى عن صديق
ما المبتلى بهم وإن
ما المبتلى بهم وإن / حسّدته ورغمت أنفا
إلا كنضو دبّت ال / أنباء في متنيه صفا
فتورّمت أشلاؤه / وتخاله سمنا وسحفا
أو كالقراظ المستشي / ط وإن أراك سنا ورفا
وكما يقاسى الجمر عو / داً كرة ينشيك عرفا
أكاد أجنّ ممّا قد أجنّ
أكاد أجنّ ممّا قد أجنّ / فلم ير ما أرى انس وجنّ
رميت من الخطوب بمصيات / نوافذ لا يقوم لها مجنّ
وجاورنى أناس لو أريدوا / على منفت ما أكلوه ضنوا
فإن عنّت مسائل مشكلات / أجال سهامهم حدس وظنوا
وإن عرضت خطوب معضلات / تواروا واستكانوا واستكنوا
محن اليّ توجهت فكأنني
محن اليّ توجهت فكأنني / قد صرت مغناطيس وهي حديد
أشكوا إِلى الله الزمان فصرفه / أبلى جديد قواى وهو جديد
خفيت على الجهّال أعلام الهدى
خفيت على الجهّال أعلام الهدى / كالشمس خافية على العميان
هبطت إليك من المحلّ الأرفع
هبطت إليك من المحلّ الأرفع / ورقاء ذات تعزّز وتمنّع
محجوبة عن كلّ مقلة عارف / وهي التي سفرت ولم تتبرقع
وصلت على كرهِ اليك وربما / كرهت فراقك وهي ذات تفجع
أنفت وما أنست فلما واصلت / ألفت مجاورة الخراب البلقع
وأظنّها نسيت عهوداً بالحمى / ومنازلا بفراقها لم تقنع
حتى إذا اتصلت بهاء هبوطها / في ميم مركزها بذات الأجرع
علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت / بين المعالم والطلول الخضّع
تبكي إذا ذكرت جواراً بالحمى / بمدامع تهمى ولمّا تقطع
وتظل ساجمة على المن التي / درست بتكرار الرياح الأربع
إذ عاقها الشرك الكثيف وصدّها / قفص عن الأوج الفسيح الأربع
حتى إذا قرب المسير من الحمى / ودنا الرحيل إِلى الفضاء الأوسع
وعذت مفارقة لكلّ مخلّف / عنها حليف الترب غير مشيّع
سجعت وقد كشف الغطاء فابصرت / ما ليس يدرك بالعيون الهجّع
وغدت تغرد فوق ذروة شاهق / سام إِلى قعر الحضيض الأوضع
إن كان أرسلها الإله لحكمة / طويت عن الفذ اللبيب الأروع
فهبوطها إن كان ضربة لازب / لتكون سامعة لما لم تسمع
وتعود عالمة بكل خفية / في العالمين فخرقها لم يرقع
وهي التي قطع الزمان طريقها / حتى لقد غربت بعين المطلع
وكأنها برق تألق بالحمى / ثم انطوى فكأنّه لم يلمع
هذّب النفس بالعلوم لترقى
هذّب النفس بالعلوم لترقى / وخذ الكل فهي للكلّ بيت
إنما النفس كالزجاجة والعل / م ضياء وحكمة الله زيت
فإذا أشرقت فإنك حىّ / وإذا أظلمت فإنك ميت
رضيت من الدنيا بقوت وشملة
رضيت من الدنيا بقوت وشملة / وشربة ماء كوزه متكسّر
فقل لبنى الدنيا اعزلوا من أردتم / وولّوا وخلوني من البعد أنظر
فما ملِك الدنيا اعزلوا خراجها / إليه ولا ذاك الأمير المؤمّر
بأهنأ منى عيشة لو عرفتم / ولكن أسير الحرص عن ذاك أعور
وجماد ظل ينمو في العلي
وجماد ظل ينمو في العلي / يا لشىء هو نام وجماد
وأبدت لردّ الليل سود ضفائر
وأبدت لردّ الليل سود ضفائر / فضاء محياها وأعجزها الردّ
فؤادي هوى صبرا وقلبك قسوة / فقلتُ كلانا في الهوى حجر صلد
تكلم في خصالك كلّ عيّ
تكلم في خصالك كلّ عيّ / وعىّ النفس دون مدى خصالك