القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أبو الفضل الوليد الكل
المجموع : 422
كتبتُ عهوداً من دمي وودادي
كتبتُ عهوداً من دمي وودادي / لكل كريم يستحق ودادي
وما كان رسمي حاجباً لحقيقتي / وفي نظراتي من خفوق فؤادي
هذا مليكُ القبّةِ الزرقاءِ
هذا مليكُ القبّةِ الزرقاءِ / يَنضو نِقابَ الليلةِ الورقاءِ
والأرضُ بالأنوارِ مثلُ قصيدةٍ / كُتِبَت على المصقولةِ البيضاءِ
فَرنَوتُ مبتهجاً وقلتُ مناجياً / والضوءُ في الأجفانِ والأحشاءِ
يا أيُّها القمرُ المطلُّ على الحمى / حدّث عن العشاقِ والشعراء
فَلكَم غدَوت سميرَهم في ليلةٍ / نسماتُها كَتَنفُّسِ الصعداء
لا تفضَحنَّ العاشقين فَحَولَهم / كَثرت عيونُ الحُسَّدِ الرُّقَباء
عندَ اللقاءِ استُر أَشِعَّتَك التي / هيَ أنسُهُم بالغيمة الدكناء
وأنِر لهُم سُبُلاً عليها دَمعُهم / يَنهَلُّ وامزُج مزنة بضياء
فمِنَ الأشعَّةِ والمدامعِ في الهوى / نُظمت قصائدُ لم تكن لِغِناء
وارفع عُيونَ اليائسينَ إِلى السنى / وتَفَقَّدَنَّ نَوافذَ السجناء
وعُدِ العليلَ وعَزِّهِ بِتَعِلَّةٍ / واهدِ الضليلَ هناكَ في البيداء
وأسِل لُجينَكَ للتُرابِ مُفَضَّضاً / فطلاوَةُ الأشياء حُسنُ طلاء
فلطالما كَشَفَت مؤانسةٌ جوىً / وسَرى الضياءُ على الثَّرى بثراء
وانظر إلى الوادي العميقِ فإنَّه / قلبٌ يَحنُّ إِليكَ في الظلماء
حَجَبَتكَ عَنهُ الرّاسياتُ فلم تزَل / أسرارُهُ في الضفّةِ اللمياءِ
فاطلع عليه وسُلَّها من قَلبِه / بأشِعَّةٍ كخَواطرِ العُلمَاءِ
يا بدرُ ما أبهاكَ في كدَري وما / أشهاكَ في سمَري مع الحسناء
هي نجمتي في الحيِّ إذ لك نجمةٌ / في الجوِّ تؤثرُها لِفَرطِ بهاء
فالنجمتانِ شَبيهتانِ وهكذا / يُدعى كِلانا عاشقَ الزهراء
لما طلعتَ عليّ في ليلِ الأسى / أعرَضتُ عن يأسي لحسنِ رَجائي
كالأنسِ في حزن ومثل العدل في / ظلمٍ ضياؤكَ لاحَ في الأرجاء
ما أنت إِلا عائدٌ مترئفٌ / يَفترُّ للمرضى وللبؤساء
أو محسنٌ صَدَقاتُهُ وهِباتُه / أبداً موزّعةٌ على الفقراء
ما الكلُ مثلي شاعرون بما بدا / من حسنِ هذي الطلعة الغراء
يا بدرُ كم أرعاكَ والغبراءُ قد / سَكنت وقلبي واسعٌ كفضاء
فلقد رعيتُكَ للدياجي خارقاً / بأشعةٍ تسري مع السرّاء
كالفاتحِ المجتازِ سورَ مدينةٍ / يدعو الى التأمينِ في الهيجاء
ولقد رَعيتُك في تمامكَ طالعاً / فوقَ الربى والذّروةِ الشماء
فبدَوتَ لي ملكاً على العرش استوى / ليزفّ بشرى الصلح للوزراء
ولقد رعيتُكَ والسماءُ نقيةٌ / في الصيفِ فوقَ المرجةِ الخضراء
فذكرت مرآةً صَفَت وغلالةَ / خضراءَ من عذراءِ وَسطَ خباء
ولقد رَعيتُكَ ثمّ فوقَ بحيرةٍ / فرأيتُ وجهك في صفيّ الماء
فاشتَقتُ وجهَ مليحةٍ نظرت الى / مرآتِها وتبسّمَت للرائي
ولقد رعيتُك والرياضُ تحوكُها / كفُّ الربيعِ وأنتَ كالوشَّاء
وعلى خليجٍ منهُ تطلعُ جمرةً / من فحمةٍ في ليلةِ الرمضاء
حتى إذا ما ابيضَّ خدُّكَ وانجلى / عنهُ احمرارُ الكاعبِ العذراء
حبّرتَ زرقاءَ الخميلِ بفضّةٍ / وفتحتَ لي في الموجِ نهجَ سناء
فوددتُ أن أمشي عليهِ إليك من / شوقي وألمس جانبَ الزرقاء
فلكم حسدتُ النسرَ في طيرانِه / وجناحُ قلبي هيض في البرحاء
خذني إليك لكي أُطِلَّ على الورى / من حالقٍ فالنفسُ بنتُ علاء
فلربما نظروا إليّ فشاقَهم / نوري وصار أحبّةً أعدائي
وأفِض على قلبي ضياءً ساطعاً / منهُ دواءُ اليأسِ والسَّوداء
فعلى أشعّتِك التي أدليتَها / آيات هَديي وابتِسامُ هنائي
يا حبّذا دارُ الهناءِ فلَيتَني / ما كنتُ مَولُوداً لدارِ عناء
أبدأ أحنُّ الى الثريّا في الثَّرى / والجسمُ في حربٍ معَ الحَوباء
يا ساكنَ الزَّرقاءِ نورُكَ صَفحةٌ / مَكتوبةٌ من ساكِنِ الغبراء
ألقى تحيّتَهُ فرَدَّ بِمِثلِها / ما أنتَ أعلى منهُ في العلياء
وعن النّوافِذِ ردَّ نورَك ساعةً / إن جاءَ يَطلبُ راحَةَ الإغفاء
وابعَث من السّجفِ الأشِعَّةَ عندما / يَلهو بذاتِ ملاحة وذكاء
أنتَ اللَّطيفُ فَكُن به مُتَلَطِّفاً / كتَلَطُّفِ الأكفاء بالأكفاء
تِلكَ الخمائلُ عُرِّيَت أشجارُها
تِلكَ الخمائلُ عُرِّيَت أشجارُها / يَبست وليسَ بمُمكِنٍ إنضارُها
ذهَبَ الشتاءُ بعِطرِها وبِنضرها / بعدَ الخَريفِ فودّعت أطيارها
في كلّ ريحِ أنّةٌ من نَوحِها / وصَدى صفيرٍ قد رَماهُ هزارها
عنّا الطيورُ ترحَّلَت فدِيارُنا / قد أوحَشَت وخلَت هناكَ ديارها
ما كان أجملَها وألطفَ شَدوها / إن غرَّدَت وإزاءَها أوكارها
يا ليتَ لي مِنها الجناح ولَيتَني / في كلِّ أرضٍ يَمَّمتها جارها
فأطير في الآفاق بينَ سروبِها / جذلاً وقُوتي حَبُّها وثمارها
ومن الجِناحَينِ الخفوقُ يشوقني / حتى يَقُرَّ من الطيورِ قَرارها
وطَني يضيقُ عنِ المَطالبِ والمُنى / فالنَّفسُ لا تُقضى هنا أوطارها
تَصبُو إِلى السَّفَرِ البَعيدِ وطالما / لذَّت لِعاشِقَةِ العُلى أسفارها
أَأَسيحُ في هَذي البسيطةِ آملاً / وسُهولُها لي رحبَةٌ وبِحارها
أنا خاملٌ في بُقعةٍ مَجهُولةٍ / أَسرى بها أحرارُها وخيارها
وصخورُها في غابها وهِضابُها / حَرَسٌ مَجَرَّدةٌ عليَّ شِفارها
ما كان أتعسني بقلبٍ واسعٍ / في صدرِ ضيّقةٍ يُشدُّ إزارها
عادَ الشتاءُ بغيمِهِ ورياحهِ / والنفسُ عادت نحوَها أَكدارها
قلبي ذوى فيهِ الرجاءُ كروضةٍ / ذَبلت لشدّةِ بردهِ أزهارها
والقبةُ الزرقاءُ حالت دونَها / سودُ الغيومِ فلا يُزاحُ سِتارها
تسري ببطءِ والرياحُ تسوقُها / مثلَ النفوسِ تسوقُها أَقدارها
تلكَ السحائبُ طلُّها في مُقلتي / وعلى فؤادي ركمُها ومدارها
حمَلت صواعقَ من تصادمها غدت / تنقضُّ والبرقُ المحرّقُ نارها
والجوُّ فيهِ للرعودِ تجاوبٌ / والأرضُ غَرقى لا يلوحُ شِعارها
فبمَ العيون تقرُّ وسطَ طبيعةٍ / جذّاءَ يُنزعُ نضرها ونضارها
صنّبرها جلادُها وثلوجُها / أكفانُها ودموعُها أمطارها
عُد يا ربيعُ إلى المرابعِ مؤنساً / مِن بَعدِكَ اللذات شطَّ مزارها
أبكي عليكَ ولا عزاءٌ في الأسى / كم فيكَ أياماً حلا تذكارها
واصَبوتاه إلى صبائحكَ التي / أهدَت إليَّ نسيمَها أسحارها
فاطلع بها متبسِّماً متهلِّلاً / فالأرضُ مثلَ الليلِ صارَ نهارها
وأعد طيورَكَ والأزاهرَ والندى / فعلى البعادِ تشوقني أخبارها
لم يبقَ من أثرٍ لها فوقَ الثرى / وكثيرةٌ في مهجتي آثارها
فمتى تعودُ مع السعادةِ والهوى / ورئيّتي يحلو لها مزمارها
الجسمُ بعدَكَ باردٌ متشنِّجٌ / والنفسُ نارٌ يَستطيرُ شرارها
قد أبهجتكَ بنورِها وصباها
قد أبهجتكَ بنورِها وصباها / أيامُ صيفٍ لا يطيبُ سِواها
فقلِ السلامُ على ثلاثة أشهرٍ / ما كان أجملها وما أحلاها
فإذا ذكرتُ ضياءَها ونسيمها / وأريجَها وزلالَها ونَداها
ومروجَها وحقولَها وكرومَها / وطيورَها وظلالَها ورُباها
أصبُو إليها ثمّ أبكيها كما / تَبكي السماءُ بطَلّها وحَياها
تلك الطيورُ تفرَّدت وترحَّلت / فالأنس ناء عَنكَ بَعدَ نواها
وكذا الأزاهرُ في الرياحِ تناثرت / تلكَ الأزاهرُ لن تَشُمَّ شَذاها
لو كانَ أمٌّ للمَصيفِ بكت على / أنفاسهِ وتنشَّقت ريّاها
فيه الطَّبيعةُ كالعَروسِ تبرّجاً / وتزيّناً بثِيابها وحُلاها
والقلبُ مثلُ حَبيبِها مُتَنَعِّماً / بجمالِها مُتَوقّعاً نُعماها
إني مُحِبٌّ للطّبيعةِ عابدٌ / أبداً أدينُ بحُسنِها وهواها
جاءَ الخريفُ وفيهِ آخرُ بسمةٍ / من ثغرِ صَيفٍ راحلٍ ألقاها
هِيَ بَعضُ لَيلاتٍ بَهيَّاتٍ بها / حيَّا النفوسَ وطالما أحياها
يا صاحِ آثارُ المَصِيفِ قَليلةٌ / فتمتّعنَّ بطِيبها وسَناها
واملأ فؤادكَ من نَعِيمٍ زائلٍ / وامنَع جُفونَكَ أن تذوقَ كراها
هلا سهرتَ وقَد طربتَ لِليلَةٍ / قمراءَ تَنفُخُ في الرّياضِ صَباها
وذكرت صيفاً قد حلَت أسمارُهُ / وثِمارُهُ مع غادَةٍ تَهواها
فضَمَمتَ قَلبكَ مثلها إن أقبَلَت / ضمّاً تلطَّف خَصرُها وحَشاها
ونشَقت حِيناً هبَّةً شَرقيةً / جاءت تُبرِّدُ مِن حشاكَ لَظاها
وهَتَفتَ من ذكرِ المَصيفِ وذكرها / ما كان أطيَبَهُ وأطيَبَ فاها
يا صَيفُ ما للصَّبِّ بَعدَكَ بهجةٌ / فالنَّفسُ فِيكَ أمانُها ومُناها
عبَرَت لياليكَ الحِسانُ ولم تزَل / صورُ النَّعيمِ تَلوحُ من ذكراها
إنَّ الطّبيعَةَ في الخريفِ مراسلٌ / قامَت تجدّدُ لِلغرامِ صِباها
لاَ عطرَ بعدَ عَرُوسِها فأعِد لَها / ثوباً جَميلاً منه قد عرّاها
علَيك سلامُ الحبّ يا أيُّها الوادي
علَيك سلامُ الحبّ يا أيُّها الوادي / فمن نَهرِكَ الفياضِ تَبريدُ أكبادِ
ألا حبّذا نومي على جَوهَرِ الحَصى / لأغفي على الألحانِ من طَيركَ الشادي
وقد خيّم الصّفصافُ للماءِ عاشقاً / على ضفّةٍ خضراءَ في ظلّ أطواد
فما كان أحلى ذلَّه وخشوعَهُ / لدى حوَرٍ ريّانَ أَهيفَ ميّاد
ترنَّحَ مُختالاً فكانَ خفيفُهُ / صدَى زفراتِ الصبّ أو نغَمَ الحادي
فكَم فيكَ أياماً تولّت سريعةً / وكم فيكَ أصواتاً ورنات أعواد
وكم فيكَ من حلمٍ ولهوٍ ونُزهة / وسلمى لتسليمٍ وسعدى لإسعاد
رَعى اللهُ أيامي عليكَ منعّماً / بعشرةِ خلّانٍ على خيرِ مِيعاد
وقد مرّتِ اللذاتُ سرباً فصدتها / بأشراكِ حظّ للأمانيّ منقاد
فأجمل بيومٍ فيهِ طالَ خُمارُنا / بإطلاقِ بنتِ الحانِ من دَيرِ زهاد
ويومَ تغَنَّينا على جسّ مزهرٍ / يُهَيِّجُ تذكارَ الهوى والورى هادي
هلِ الضّفةُ الغناءُ بعدَ تفرُّقٍ / ترانا جميعاً من نيامٍ وورّاد
نحنُّ إلى نعماكَ يا واديَ الهوى / ولَسنا على ظني إليكَ بعوّاد
حبيبٌ إِلينا من مغارَتِكَ التي / غدَت منتدَى أنسٍ وكَعبةَ قصّاد
نميرٌ وظلٌّ من صخورٍ وجدولٌ / ونارُ شواءٍ أُوقِدَت أيَّ إيقاد
أواديَ نهرِ الكلبِ لا زلتَ حافلاً / بمبيَضّ أمواه ومُخضَرّ أعواد
فأسمعُ في ليلِ الشتاءِ وقد صفا / دويَّ هديرٍ بعدَ تَجليلِ رعّاد
إِلامَ تُناجيني النُّجومُ الزَّواهرُ
إِلامَ تُناجيني النُّجومُ الزَّواهرُ / وقَلبي إليها في السَّكينةِ طائرُ
كأنَّ رسولَ الحبِّ بَيني وبَينَها / ضياءٌ على قَلبي وعَينَيَّ باهر
فأرنو إليها ساهياً متأمّلاً / فيهبِطُ منها الوَحيُ وهو الخَواطر
عَجيبٌ من الزَّهراءِ كُتمانُ سِرّها / بأنوارِها حَيثُ المُنجّمُ حائر
فَمِن رعيِها أنسٌ وعِلمٌ وحِكمةٌ / وما هَيّجت إِلا اللّطيفَ المناظر
فكم أسهرُ اللّيلَ الطويلَ لأجلِها / وبُردي بَلِيلٌ في الخَميلةِ عاطر
وتَحتي مِنَ العشبِ النّديّ وسادةٌ / وفَوقي من الدّوحِ العَليّ سَتائر
وما شاقَني إِلا تَذَكُّر لَيلةٍ / وقَلبي على عهدِ الصبوَّةِ ناضر
ولُبنى إِلى جَنبي فتاةٌ صَغيرةٌ / كَنوّارةٍ فيها نَدَى الصّبحِ طاهِر
فَقَالَت ورأسانا كسُنبُلَتَينِ قد / تَلامَسَتا في المَرجِ والمَرجُ مائر
أتسهَرُ حتّى تَشهَدَ الزَّهرَ والدُّجى / يُنَوُّرُ مثلَ الزُّهر واللَيلُ سائر
فَقُلتُ نَعَم والرّيحُ تنشُرُ شَعرَها / عَليَّ وذاك الشَعرُ للطّيبِ ناشر
ملاكينِ بِتنا ساهِرَينِ وهَكَذا / تَفتَّحَتِ الأزهارُ والنَّجمُ ساهر
ألا هَل قُلُوبٌ لِلهَوى بَعدَ قَلبِها / وهل بعدَ عَينَيها عُيونٌ نَواظِر
فأَطلِعْهما نَجمَينِ في فَلَكِ الحَشَى / فلا تَتَصَبّاكَ النجومُ السّوافِر
نَسِيمُ الصّبحِ باكَرَني بَلِيلا
نَسِيمُ الصّبحِ باكَرَني بَلِيلا / فأبرأ طيبُهُ قلباً عَلِيلا
وأشرقَتِ الغزالةُ من سماءٍ / كبلّورٍ غداً ملآنَ نِيلا
فَتَحتُ لها الفؤادَ جناحَ نسرٍ / فأدفأ نُورُها جسمي النّحيلا
وفاحَ الزَّهرُ يَجمعُ كلَّ لونٍ / لدَى شَجَرٍ عَلَيه حَنا ظَلِيلا
فَخِلتُ الحَقلَ طاوُوساً تَمَشّى / يُجرّر ريشَهُ ذَيلاً خَضِيلا
وغرّدَتِ الطُّيورُ بألفِ لحن / تُحيِّي المشَهدَ الحسَنَ الجَليلا
فَهاج الشّوقُ فيّ إِلى رُبُوع / سأذهَبُ في محبّتِها قتيلا
بها علّقتُ آمالي وحبي / فقلبي لن يملّ ولن يميلا
أأرتعُ في حماها بين صَحبي / وأشفي من أطايبها الغليلا
وبعد الموت أُدفَنُ في ثَراها / فأبقى بَينَ أحبابي نزيلا
وتسقي زهَرهُ رشّاتُ مزنٍ / مكافأةً لمن صَنعَ الجميلا
وبنت الحيّ تذكرُني وتبكي / بكاءَ حمامةٍ فَقَدت هَديلا
وحينَ ينوحُ غصنُ الدوحِ فوقي / صدى قبري يجاوِبُه طويلا
تَثاقلَ لَيلي والظَّلامُ ثقيلُ
تَثاقلَ لَيلي والظَّلامُ ثقيلُ / وأقصَرُ ليلٍ في الهُمُومِ طَويلُ
كأنّ على قلبي رصاصاً مِنَ الأسى / وليسَ إلى الصبرِ الجميل سبيل
فكيفَ وحولي ظلمةٌ فوقَ ظلمةٍ / ولا ضوءَ فيها والسراجُ ضئيل
فما الجوُّ إِلا قبرُ نجم مغوّرٍ / إليه يحنُّ الطَّرفُ وهو كليل
هو الليلُ للأرواحِ مجرى ومَلعَبٌ / وللريحِ فيه زفرةٌ وعويل
وتحتَ دَياجِيهِ النّفوسُ تناوَحت / فلم يَشفَ من تِلكَ النُّفُوسِ غليل
لقد راعَني ليلٌ يخافُ سُكُونَه / عَليلٌ ويخفى في دُجاه قتيل
ويُرخي على شرّ الجّرائمِ سِترَهُ / وييأسُ فيه آرِقٌ وخَلِيل
هو اللّيلُ يخفي الويلَ والنّاسُ نُوَّمٌ / وسيفُ الرّدَى فوقَ النيامِ صقيل
وكم أرَقٍ يأتي على قَلقٍ بهِ / فأوقِدُ قلبي شمعَةً ويَسيل
وقد أَتأسَّى بامرئ القيسِ قائلاً / سَيطلعُ صُبحٌ كالرّجاءِ جَميل
ويَقشَعُ نورُ الشمسِ غَيماً مُلبَّداً / ويَسري نسيمٌ والغُصُونُ تميل
فلا ذقتُ إِلا في الصّباحِ مَنيّتي / ولا مات إِلا في الضّياء عليل
إذا البَدرُ زار الأفقَ وهُو بَهيجُ
إذا البَدرُ زار الأفقَ وهُو بَهيجُ / إِلى الشّعرِ أصبُو والشجُونُ تُهِيجُ
وقد أَهجرُ الشِعرَ اللّطيفَ مَلالةً / وعلماً بأنّ الصّنفَ ليسَ يَرُوج
ولكنّما الشوقُ القديمُ يهزُّني / فألقي القَوافي في البُحورِ تَموج
فما الشعرُ في صَدرى سِوى السّيلِ جارفاً / أو النارِ تذكو والشّعورُ أجيج
فقل للذي يَلقى المحاسنَ هادئاً / لحى اللهُ علجاً ما رأتهُ عُلوجُ
على اللّيلةِ القمراءِ طالَ تَسهُّدي / وحلَّ سُكوتٌ حيثُ كان ضَجيج
فبتُّ وقد هاجَت غَرامي سَكِينةٌ / ونشّطني تحتَ الغُصونِ أَريج
أرى البدرَ لي من جانِبِ السّهلِ طالعاً / وكم أطلَعتهُ لي ذُرىً وثلوج
كما أشرَقت من قَصرِها ذات عفّةٍ / على رَوضةٍ فيها الربيعُ نَسيج
فخلتُ فؤادي طائراً من صَبابَتي / ولَيسَ لما بينَ الضّلوعِ خروج
أَحَبَّ التي أحبَبتُها ولأجلِها / أطلَّ فضاءَت من سناهُ مروج
فأوشكَ أن يَهوي إلى الأرضِ قائلاً / إِلى الحبِّ في أعلى السّماءِ أحوج
إذا الليلُ زاح السترَ عن شَفقٍ وردِ
إذا الليلُ زاح السترَ عن شَفقٍ وردِ / فأسفَرَتِ الزرقاءُ مَصقولةَ الخدّ
تَطلّعتُ مشتاقاً الى الأُفقِ الذي / تَعصفَر والدنيا مُزَعفَرةُ البُرد
وبتُّ لأنفاسِ الصبا مُتَنشّقاً / فأطهرُها ما خبّ صُبحاً على برد
ونظّمت في الباقات زهراً أشمّهُ / فذكّرني ثَغراً لهُ عبقُ النّد
وكم شاقَني قرنُ مِنَ الشمسِ قد بَدا / إلى أن غدا في الجوّ قرصاً من الشّهد
فبشّت لهُ الدنيا وهشّت كطفلةٍ / رأت أُمّها تحنو وتكشفُ عن نهد
وكم لَذَّ لي في الحقلِ والغابِ مَسرحٌ / لأشهدَ حسنَ الكون في القرب والبعد
وأسمَع تَغريداً وألمسَ خضرةً / وأنشُقَ طيبا حيثُ أرغَبُ في الزّهد
وتحتَ ظلال ورّفت في صنوبرٍ / من الوَرقِ المَنثورِ نمتُ على مهد
نعم إنني أعرَضتُ عن لذّة الكرى / لأستَعرِضَ الدنيا وأَرقبها وَحدي
فمن يعتدِ النوم الطويلَ يمُت به / ومَن يَغتَد افترّت له جَنّةُ الخُلد
فَيَسكرُ مِن خَمر الجمالِ بنَظرةٍ / وَيحلمُ أحلامَ السعادةِ والمَجد
لم أنسَ ليلاً بالنجومِ ترصّعا
لم أنسَ ليلاً بالنجومِ ترصّعا / والطيبُ فيهِ معَ النسيمِ تضوَّعا
وغَدت دموعُ العاشقين له نَدىً / مُتنثِّراً في زَهرِهِ متجمّعا
فسرَيتُ أنتشُقُ الأريجَ وأشتهي / ما مرّ من عمرِ الصبوّةِ مُسرعا
وأقول إنَّ سعادتي ولذاذتي / كالشمسِ أيامَ الشتاء تمنّعا
هذا الصبى يمضي ويتبَعُهُ الهوى / ما كانَ أطيَبَ مدة لن تَرجعا
كم مرة خفقان قلبي راعني / فظَننتُهُ حينا يشقُّ الأضلُعا
وضَممتُه بيديَّ ضمّةَ خائفٍ / من خِشيتي في الوَجدِ أن يتصدّعا
حتى إذا شارَفتُ دار حبيبتي / فَذَكرتُ لي فيها لياليَ أربعا
صارت حياتي لذة ما شابَها / ألمٌ كأني لم أكُن متوجّعا
القلبُ في زَمَن الصِبى متقلّبٌ / إذ لا يكونُ مروّضاً ومُطوَّعا
أبدا أُنقّلهُ كما شاءَ الهوى / وكأنه لحنٌ يطيبُ مرجّعا
ولقد جَمعتُ الكونَ تحتَ شغافهِ / ما كانَ أضيعَهُ وأوسَعَهُ معا
تعالَ نفرح فالشتاء هربا
تعالَ نفرح فالشتاء هربا / وفَرَّتِ الشّمأل قدّام الصبا
والربعُ بالربيع قد تَجَلبَبا / وصار بعدَ العُريِ يُكسى قَشبا
كأنَّه الفتى الذي تعذَّبا / في حبّهِ حتى غدا مهذَّبا
للطيرِ ترنيمٌ يهيجُ الطربا / والزَّهرُ ينمو في المروج والربى
فتَنثُرُ الشمسُ عليهِ الذهبا / وحرُّها ثَلجَ الجبال ذوَّبا
فصيّرَ الوادي جميلاً مخصبا / والظلُّ في الغاب يشوقُ المُتعَبا
يا أيها الفصلُ اللطيف مرحبا / العيشُ أضحى فيك رغداً طيّبا
إليكَ قلبي في الشتاءِ قد صبا / كصبوةِ الساري إلى نورٍ خبا
إذا الصِبى أو الربيعُ ذهبا / لا خَيرَ في العيشِ فقل مُكتَئبا
أيا نجمة في قربها القلبُ طامعُ
أيا نجمة في قربها القلبُ طامعُ / ضِياؤك وَعدٌ للمحبين جامعُ
أطالعَةٌ بين الغيومِ كأنها / مُخَدَّرةٌ تنجابُ عنها البراقع
أرى ليلتي في الروضِ مثلي حزينةً / تنوحُ وتبكي والعيونُ هواجع
إليّ انظري إني إليكِ لناظرٌ / فيا حبذا منك السنى والمَرابع
ففي القبَّةِ الزرقاءِ نورُكِ مُشرِقٌ / ونوري على وَجهِ البَسيطَة لامع
إليكِ يحنُّ القلب في ظلمة الأسى / وتشتاقُ مرآكِ الجفونُ الدوامع
فكم آنسَ العشاقَ في سمراتهم / ضياءٌ على كلّ البريّةِ ساطِعُ
أطلّي على أطلالهم وقبورِهم / وولّي عليها كي تصانَ الودائع
فيا ليت نفسي في سناك مقيمة / فقد راعَها لونٌ من الأرضِ سافِع
وما هي إلا ذاتُ نورٍ تدَهورت / إلى ظلمةٍ فاستعبدتها المطامِع
ولكنها عند التَّذكُّرِ تنتمي / إلى الملإ الأعلى فتقوى المنازِع
أَطالعةٌ زهراءُ من ليلِ أحزانِ
أَطالعةٌ زهراءُ من ليلِ أحزانِ / كحبَّةِ درٍّ في قِلادةِ عُقيانِ
إليّ انظري إن كنت ساهرة معي / ليملأ مِنك النّور صَدري وأجفاني
كلانا له نورٌ وحوليهِ ظُلمةٌ / فَنَحنُ على بُعدِ المزارِ رَفيقان
ضياء الهُدى يبدو لحيران في الدُّجى / شِراعَ نجاةٍ لاحَ للغارقِ العاني
على الأُفقِ الدّاجي لمعتِ كدمعةٍ / على خدّ صبٍّ والِهٍ بَينَ أشجان
أفيكِ دموعُ الصّالحينَ تجمّعت / فأشبهتِ منها كنزَ درٍّ ومُرجان
أم امتزجَت يوماً فصارت أشعّةً / على ظُلمةٍ أو رَحمةً عند طُغيان
فكوني لنفسي في الضّلالِ دليلةً / وإن لم يكن هديٌ رضيتُ بسلوان
وبوحي على النّجوى بسرِّك لي كما / أبوحُ بسرّي في حرارةِ إيماني
أنا شاعر يشكو الهوى لا مُنجِّمٌ / ولا أُنسَ لي بين الهمومِ بإنسان
تصبّاكَ التمَوُّجُ والهديرُ
تصبّاكَ التمَوُّجُ والهديرُ / فسرتَ وحَولكَ الزَّبدُ النثيرُ
أمن طرب لصوتِ البحرِ تحنو / عليهِ أو إليهِ تستطِير
فخُذ مِنه القَصائدَ والقوافي / ففي أمواجهِ شعرٌ كثير
وخُذ مِنه اتّساعاً واقتداراً / لنفسكَ فهو جبارٌ كبير
ولا تُرهبكَ غارتُه غَضوباً / وكن مُتقَحِّماً وهو المُغير
وقُل يا بحرُ قد لاقيت بحراً / فأنت لهُ رفيقٌ أو نظير
يا طُيوراً بعدها النضرُ ذوى
يا طُيوراً بعدها النضرُ ذوى / في ربوعٍ خَلَعت ثوبَ الهوى
مرحباً حاملةَ البُشرى لنا / مرحباً بعد اغترابٍ ونوى
ملأت بُشراك بُشراً أرضنا / وعَنِ القَطرِ ابن نضرٍ قد روى
فاسرَحي أو نقّري آمِنَةً / وارتوي مِمّا به قَلبي ارتوى
واجمعي القَشَّ وحُوكي العِشّ في / بَيتِنا فالحَبَّ والحُبَّ حَوى
حَبذا منكِ حُلُولٌ دائمٌ / في رُبُوع ورَبيع ما ذوَى
أيّها العصفور قُل لي
أيّها العصفور قُل لي / أَتُغَنّي أم تُصلّي
هذه تغريدةٌ قد / طَيّرت قَلبِي وعقلي
رجِّعَنْها لحزَينٍ / يرتجي منكَ التّسلّي
أنتَ بالإنشادِ فوقي / إن تَكُن بالنّظمِ مثلي
زادَكَ اللهُ جمالاً / في التّغَنّي والتّفلّي
أعطِني وَزناً جديداً / لم يكُن للشّعر قبلي
ما أجمل التغريدَ والطّيرانا
ما أجمل التغريدَ والطّيرانا / والحبّ يَفتَحُ مُقلةً وجَنانا
فأنا السّجينةُ والطيورُ طليقَةٌ / تَتَعهَّدُ الأوكارَ والأغصانا
الحبُّ هذّبَني فقلبي شيّقٌ / يتعشَّقُ الأنوارَ والألحانا
إني أحنُّ إلى أليفٍ صوتُه / ما زالَ بين أضالِعي رنّانا
رأيتُ زَهر النّوى نضيرا
رأيتُ زَهر النّوى نضيرا / فهيّج الحزنَ لا السّرُورا
أهوى نَضيراً من زَهرِ أرضي / وفي النّوى أكرَهُ النضيرا
فطالما هاجَ ذكرُ ماضٍ / أنشقُ مِن عَهدِهِ العَبيرا
أزهارُ أرضيَ كان شَذاها / يَملأ قَلبي الفتى حُبورا
ولونُها كانَ لون نَفسي / أيّامَ كانَ النَّدى نَثيرا
والحزنُ والهمُّ أذبلاها / وكم أرَتها النّوى سُرورا
فأصبَحت لا تُحبُّ نَضراً / ولا ابتساماً لا ثُغورا
فذُو الضّنى يحسدُ المُعافى / وذو العَمى يحسدُ البَصيرا
لمّا ذَوى الزَّهرُ في فؤادي / كَرِهتُ في الرَّوضِ أن أسيرا
فقدتُ شِعْرِي وكادَ قَلبي / يَفقُدُ مِن يأسِهِ الشعورا
تَشتاقُ عَيني دَمعي وحزني / يُغري دُموعي بأن تغُورا
الطلُّ يُنمي غصناً رطيباً / والغَيثُ لا يُنضِرُ الكَسيرا
الحكمةُ اليومَ أدّبتني / فَصرتُ من ضربها كَبيرا
وسِرتُ في عالمِ البَلايا / وغُربَتي أقطعُ الشّهورا
حتّى رأيتُ الربيعَ يُهدي / إِلى الوَرَى زَهرَهُ الكثيرا
فبتُّ أشري في السّوقِ زَهراً / مثلي غَدا عُمرُهُ قصيرا
وكنتُ أهوَى أن أَجتَنيهِ / وما اجتِنائي لهُ يَسيرا
فقلتُ يا قَلبُ شمَّ هذا / لا بدَّ يوماً مِن أن تَطيرا
ما زلتَ بعدَ انحِجابِ عدنٍ / تَذكُرُ مِنها شذاً ونُورا
يا دارُ أزهرَ حولَكِ الوردُ
يا دارُ أزهرَ حولَكِ الوردُ / وحنا عليكِ الظلُّ والبردُ
هذا الربيعُ يلوحُ زخرفُهُ / فاليوم لا غيمٌ ولا رعدُ
كم فيكِ هينمةٌ ونَمنَمةٌ / حيث المحبُّ يُذيبه الوجدُ
وكظلِّ مورقةِ الغصونِ غدا / ظلٌّ النعيمِ عليك يمتدُّ
بزغَ الصباحُ عليكِ ثم على / قلبي وصبَّحني بك السعدُ
والروضُ أزهر والنسيمُ سرى / والعطرُ فاحَ ولي بها عَهدُ
فعمي صباحاً وانعمي أبداً / يا دارُ فيكِ مقيمةٌ هندُ
ما بينَ حلّتها وكلَّتها / قلبي هزارٌ والهوى غردُ
وكأنَّ بُرداً فيه قد رفلت / من زرقة الأفلاك ينقدُّ
أوَ لا تطلُّ المُشتَهاةُ على / صبٍّ يُجاذبُ لُبَّهُ وَعدُ
فيفوحُ من أنفاسِها عَبَقٌ / ويلوحُ من شُرُفاتها خدُّ
مرأى الجمالِ عبادةٌ وكذا / للحسنِ قلبي عابدٌ عَبدُ
البحر منبسطٌ ومُنشَرحٌ / صَدري وفيه الجَزرُ والمدُّ
وكأن من أمواجِه نغماً / فيها تلاقى الحبُّ والمجدُ
للبحرِ لجّتُه وساحلُهُ / لكنَّ حبي ما له حدُّ
باهت بلُؤلِئها وما عَلِمَت / أن القصيدة دونها العقدُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025