القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : صالِح الكَوّاز الحِلّي الكل
المجموع : 94
باسم الحُسين دَعا نَعاءِ نَعاءِ
باسم الحُسين دَعا نَعاءِ نَعاءِ / فَنَعى الحياةَ لسائرِ الأحياءِ
وقَضى الهلاكُ على النُّفوسِ وإنما / بقيتْ ليبقى الحُزنُ في الأحشاءِ
يومٌ به الأحزانُ مازجَتِ الحَشى / مثلَ امتزاجِ الماءِ بالصهباءِ
لم أنسَ إذ تركَ المدينةَ وراداً / لا ماءَ مَدْينَ بل نجيعَ دِماءِ
قد كانَ موسى والمنيةُ إذ دَنتْ / جاءتهُ ماشيةً على استِحْياءِ
وله تجَلّى اللهُ جلَّ جَلالُهُ / من طورِ وادي الطَّفِّ لا سَيناءِ
فهُناكَ خرَّ وكلُّ عُضوٍ قد غَدا / منه الكليمُ مُكَلَّمَ الأحشاءِ
يا أيُّها النبأُ العظيمُ إليك في / أَبْناكَ مني أعظمَ الأنباءِ
إِنَّ اللّذَيْنِ تَسرَّعا يَقِيانِكَ الـ / أَرْماحَ في صِفّينَ بالهَيْجاءِ
فَأَخَذْتَ في عَضُدَيهِما تَثْنيهِما / عَمّا أمامَك من عظيمِ بَلاءِ
ذا قاذفٌ كبِدًا لهُ قِطَعاً وذا / في كَرْبلاءَ مُقطَّعُ الأعْضاءِ
مُلقًى على وَجْهِ الصَّعيدِ مُجرَّداً / في فتيةٍ بِيضِ الوُجوهِ وِضاءِ
تلكَ الوُجوهُ المُشْرِقاتُ كأنَّها / الأقمارُ تَسبحُ في غَديرِ دِماءِ
رَقَدوا وما مرَّتْ بهم سِنَةُ الكَرى / وَغَفَت جُفونُهُمُ بِلا إِغفاءِ
مُتَوَسِّدينَ من الصَّعيدِ صُخورَهُ / مُتَمَهِّدينَ خُشونةَ الحَصْباءِ
مُدَّثِرينَ بَكَربلا سَلَبَ القَنا / مُزَّمِلينَ عَلى الرُّبى بِدِماءِ
خُضِبوا وما شابوا وكان خِضابُهُمْ / بِدَمٍ مِن الأَوْداجِ لا الحِنّاءِ
أطفالُهُم بَلَغوا الحُلومَ بِقُربِهِم / شَوقاً من الهَيجاءِ لا الحَسناءِ
وَمُغَسَّلينَ ولا مِياهَ لهم سِوى / عَبراتِ ثَكلى حَرَّةِ الأحْشاءِ
أَصواتُها بَحَّت فهُنَّ نَوائِحٌ / يَنْدُبْنَ قَتْلاهُنَّ بالإيماءِ
أنّى التَفَتْنَ رأَيْنَ ما يُدْمي الحَشى / من نَهبِ أَبياتٍ وَسَلبِ رِداءِ
تَشكو الهوانَ لنَدْبِها وكأنَّهُ / مُغْضٍ وما فيه من الإغْضاءِ
وتَقولُ عاتبةً عليه وما عسى / يُجْدي عِتابُ مُوَزَّعِ الأَشلاءِ
قد كُنتَ للبُعَداءِ أَقرَبَ مُنْجِدٍ / واليومَ أبعدُهُم عَن القُرباءِ
أَدعوكَ مِن كَثَبٍ فَلَم أَجِدُ الدُّعا / إلا كما ناديتَ للمُتَنائي
قد كُنتُ في الحَرَمِ المَنيعِ خَبيئةً / واليومَ نَقْعُ اليَعْمَلات خِبائي
أُسْبى ومِثلُكَ مَن يَحوطُ سُرادِقي / هذا لَعَمْري أَعظَمُ البُرَحاءِ
ماذا أَقولُ إذا التقيتُ بِشامتٍ / إنّي سُبيتُ وإخْوَتي بِإزائي
حَكَمَ الحِمامُ عَلَيكُمُ أن تُعرِضوا / عنّي وأَنْ طَرَقَ الهَوانُ فِنائي
ما كُنتُ أَحْسَبُ أَنْ يَهونَ عَليكُمُ / ذُلّي وتَسْييري إلى الطُّلَقاءِ
هذي يَتاما كُمْ تَلوذُ بِبَعْضِها / ولكُمْ نِساءٌ تَلتَجي لِنِساءِ
عَجباً لقَلْبي وهْوَ يَأْلَفُ حُبَّكُم / لِمْ لا يَذوبُ بِحُرقَةِ الأَرْزاءِ
وَعَجِبتُ مِن عَيني وقَدْ نَظَرَتْ إِلى / ماءِ الفُراتِ فَلَمْ تَسَلْ في الماءِ
وأَلومُ نَفْسي في امتْدادْ بَقائِها / إذْ لَيسَ تَفْنى قَبْلَ يَومْ فَناءِ
ما عُذْرُ من ذَكَرَ الطُّفوفَ فلَمْ يَمُتْ / حُزناً بِذِكرِ الطّاءِ قَبلَ الفاءِ
إنّي رَضيتُ مِن النَّواظِرِ بالبُكا / ومِن الحَشى بِتَنَفُّسِ الصُعَداءِ
ما قَدْرُ دَمْعي في عَظيمِ مُصابِكم / إلا كَشُكرِ اللهِ في الآلاءِ
وكِلاهُما لا يَنْهَضانِ بِواجِبٍ / أَبَداً لدى الآلاءِ والأَرْزاءِ
زَعَمَتْ أُمَيَّةُ أنَّ وَقْعَةَ دارِها / مِثْلُ الطُّفوفِ وذاكَ غَيرُ سَواءِ
أَينَ القَتيلُ عَلى الفِراشِ بِذِلَّةٍ / مِن خائِضِ الغَمَراتِ في الهَيْجاءِ
شَتّانَ مَقتولٌ عليهِ عِرْسُهُ / تَهوي وَمَقتولٌ عَلى الوَرْهاءِ
لَيْسَ الذي اتَّخَذَ الجِدارَ مِنَ القَنا / حِصْناً كَمُقْريهِنَّ في الأَحْشاءِ
أغاباتُ أُسْدٍ أمْ بُروجُ كَواكِبِ
أغاباتُ أُسْدٍ أمْ بُروجُ كَواكِبِ / أَمِ الطَّفُ فيهِ اسْتُشْهِدَتْ آلُ غالِبِ
وَنَشْرُ الخُزامى سارَ تَحملُهُ الصَّبا / أَمِ الطّيبُ مِنْ مَثْوى الكِرامِ الأَطايِبِ
وَقفْتُ بِهِ رَهْنَ الحَوادِثِ أَنْحَني / مِنَ الوَجْدِ حَتّى خِلْتُني قَوْسَ حاجِبِ
تَمَثَّلْتُ في أَكْنافِهِ رَكبَ هاشِمٍ / تَهاوَتْ إِليْهِ فيهِ خُوصُ الرَّكائِبِ
أَتَوْها وَكُلُّ الأَرْضِ ثَغْرٌ فَلمْ يَكُنْ / لَهُمْ مَلْجَأٌ إِلّا حُدودَ القَواضِبِ
وَسُمْراً إِذا ما زَعْزَعوها حَسِبْتَها / مِنَ اللِّينِ أَعْطافَ الحِسانِ الكَواعِبِ
وَإِنْ أَرْسَلوها في الدُّروعِ رَأَيْتَها / أَشَدَّ نُفوذًا مِنْ أَخِ الرَّمْلِ واثِبِ
هُمُ القَوْمُ تُؤْمٌ للعَلاءِ وَليدُهُمْ / وَناشِؤُهُمْ لِلْمَجْدِ أَصْدَقُ صاحِبِ
إِذا هُوَ غنَّتْهُ المراضِعُ بِالثَّنا / صَغى آنِساً بِالمدحِ لا بِالمحالِبِ
وَمِن قَبلِ تَلقينِ الأَذانِ يَهُزُّهُ / نِداءُ صَريخٍ أَو صَهيلُ سَلاهِبِ
بِنَفْسي هُمُ مِنْ مُسْتَميتينَ كَسَّروا / جُفونَ المَواضي في وُجوهِ الكَتائِبِ
وَصالوا عَلى الأعداءِ أُسْداً ضَوارياً / بِعُوجِ المَواضي لا بِعُوجِ المَخالِبِ
تَراهُمْ وإنْ لَم يُجْهَلوا يَوْمَ سِلْمِهِمْ / أَقَلَّ ظُهوراً مِنهُمُ في المِواكِبِ
إذا نَكِرَتهُمْ بِالغُبارِ عَجاجةٌ / فَقَد عَرَفتهُمْ قُضْبُهُمْ بِالمَضارِبِ
بَهالِيلُ لم يَبْعثْ لَها العَتْبَ باعِثٌ / إذا قَرَّطَ الكَسْلانَ قَولُ المُعاتِبِ
فما بالُهُمْ صَرْعى ومِنْ فَتَياتِهِمْ / بِهمْ قدْ أَحاطَ العَتْبُ مِن كلِّ جانِبِ
تُعاتِبُهُم وَهْيَ العَليمَةُ أَنَّهُمْ / بَريئونَ مِمّا يَقْتَضي قَوْلُ عاتِبِ
ومَذْهولةٍ في الخَطْبِ حتّى عَنِ البُكا / فَتَدْعو بِطَرْفٍ جامِدِ الدَّمعِ ناضِبِ
تُلَبّي بَنو عَبْسِ بنِ غَطْفانَ فِتْيةً / لَهُمْ قُتِلَتْ صَبْراً بِأَيْدي الأَجانِبِ
وصِبْيَتُكُمْ قَتْلى وَأَسْرى دَعَتْ بِكُمْ / فَما وَجَدَتْ مِنْكُمْ لَها مِن مُجاوِبِ
وَما ذاكَ مِمّا يَرتَضيهِ حِفاظُكُمْ / قَديماً وَلَمْ يُعْهَدْ لَكُمْ في التَّجارِبِ
عَذَرتُكُمُ لَم أَتَّهِمْكُمْ بِجَفوةٍ / ولا ساوَرَتْكُمْ غَفْلةٌ في النَّوائِبِ
شَكَتْ وارْعَوَتْ إِذْ لَم تَجِدْ مَن يُجيبُها / وما في الحَشا ما في الحَشا غَيرُ ذاهِبِ
وباكية حرى الفؤاد دموعها / تصعد عن قلب من الوجد ذائب
تصك يديها في الترائب لوعةً / فتلهب ناراً من وراء الترائب
ومدت إلى نحو الغريين طرفها / ونادت أباها خير ماشٍ وراكب
أَبا حَسَنٍ إِنَّ الذينَ نَماهُمُ / أبو طالِبٍ بِالطَّفِّ ثَأْرٌ لِطالِبِ
تَعاوَتْ عَلَيهِمْ مِنْ بَني صَخْرَ عُصْبَةٌ / لِثاراتِ يَومِ الفَتْحِ حَرّى الجَوانِبِ
وَسامُوهُمُ إِمّا الحَياةُ بِذِلَّةٍ / أَوِ المَوْتَ فَاخْتاروا أَعَزَّ المَراتِبِ
فَهاهُمْ عَلى الغَبْراءِ مالَتْ رِقابُهُمْ / وَلمّا تَمِلْ مِن ذِلَّةٍ في الشَّواخِبِ
سُجودٌ عَلى وَجْهِ الصَّعيدِ كَأَنّما / لَها في مَحاني الطَّفِّ بَعضُ المَحارِبِ
معارضها مخضوبةً فكأنها / ملاغم أسدٍ بالدماء خواضب
تفجر من أجسامها السمر أعيناً / وتشتق منها أنهر بالقواضب
ومما عليك اليوم هون ما جرى / ثووا لا كموثوى خائف الموت ناكب
أصيبو ولكن مقبلين دماؤهم / تسيل على الأقدام دون العراقب
ممزقة الأدراع تلقا صدورها / ومحفوظة ما كان بين المناكب
تأسى بهم آل الزبي فذللت / لمصعب في الهيجاء ظهور المصاعب
ولولاهم آل المهلب لم تمت / لدى واسط موت الأبي المحارب
وزيد وقد كان الأباء سجيةً / لأبائه الغر الكرام الأطائب
كأن عليه ألقي الشبح الذي / تشكل فيه شبه عيسى لصالب
فقل للذي أخفى عن العين قبره / متى خفيت شمس الضحى بالغياهب
وهل يختفي قبر امرئٍ مكرماته / بزغن نجوماً كالنجوم الثواقب
ولو لم تنم القوم فيه إلى العدى / لنمت عليه واضحات المناقب
كأن السما والأرض فيه تنافساً / فنال الفضا عفواً سني الرغائب
لئن ضاق بطن الأرض فيه فإنه / لمن ضاق في آلائه كل راحب
عجبت وما أحدى العجائب فاجأت / بمقتل زيد بل جميع العجائب
أتطرد قربي أحمد عن مكانه / بنو الوزغ المطرود طرد الغرائب
وتحكم في الدين الحنيف وإنها / لأنصب للإسلام من كل ناصب
لي حزن يعقوب لا ينفك ذا لهب
لي حزن يعقوب لا ينفك ذا لهب / لصرع نصب عيني لا الدم الكذب
وغلمة من بني عدنان أرسلها / للجد والدها في الحرب لا اللعب
ومعشر راودتهم عن نفوسهم / بيض الضبا غير بيض الخرد العرب
فانعموا بنفس لا عديل لها / حتى أسيلت على الخرصان والعضب
فانظر لأجسادهم قد قد من قبل / أعضاؤها لا إلى القمصان والأهب
كل راي ضر أيوب فما ركضت / رجل له غير حوض الكوثر العذب
قامت له رحمة الباري تمرضهم / جرحى فلم تدعهم للحلف والغضب
وآنسين من الهيجاء نار وغى / في جانب الطف ترمي الشهب بالشهب
فيمموها وفي الإيمان بيض ضباً / وما لهم غير نصر اللَه من أرب
تهش فيها على أساد معركةٍ / هش الكليم على الأغنام للعشب
إذا انتضوها بجمع من عدوهم / فالهام ساجدةً منها على الترب
ومولجين نهار المشرفية في / ليل العجاجة يوم الروع والرهب
ورازقي الطير ما شاءت قواضبهم / من كل شلو من الأعداء مقتضب
ومبتلين بنهر ما لوارده / من الشهادة غير البعد والحجب
فلن تبل ولا في غرفةٍ أبداً / منه غليل فؤادٍ بالظما عطب
حتى قضوا فغدا كل بمصرعه / سكينةٌ وسط تابوتٍ من الكثب
فليبك طالوت حزناً للبقية من / قد نال داود فيه أعظم الغلب
أضحى وكانت له الأملاك حاملةً / مقيداً فوق مهزول بلا قتب
يرنوا إلى الناشرات الدمع طاويةً / أضلاعهن على جمر من النوب
والعاديات من الفسطاط ضابحةً / والموريات زناد الحزن في لهب
والمرسلات م الأجفان عبرتها / والنازعات بروداً في يد السلب
والذاريات تراباً فوق أرؤسها / حزناً لكل صريعٍ بالعرا ترب
ورب مرضعةٍ منهن قد نظرت / رضيعها فاحص الرجلين في الترب
تشوط عنه وتأتيه مكابدةٌ / من حاله وظماها أعظم الكرب
فقل بهاجر إسماعيل أحزانها / متى تشط عنها من حر الظما تؤب
وما حكتها ولا أم الكليم أسى / غداة في اليم القته من الطلب
هذي إليها ابنها قد عاد مرتضعاً / وهذه قد سقي بالبارد العذب
فأين هاتان ممن قد قضى عطشاً / رضيعها ونأى عنها ولم يؤب
بل آب مذ آب مقتولاً ومنتهلاً / من نحره بدم كالغيث منسكب
شاركنها بعموم الجنس وانفردت / عنهن فيما يخص النوع من نسب
كانت ترجى عزاءاً فيه بعد أب / له فلم تحظ بابن لا ولا بأب
فأصبحت بنهار لا ذكاء له / وباتت الليل في جو بلا شهب
وصبيةٌ من بني الزهرا مربقة / بالحبل بين بني حمالة الحطب
كأنكل فؤادٍ من عدوهم / صخر نب حرب غدا يفريه بالحرب
ليت الألى أطعموا المسكين قوتهم / وتالييه وهم في غاية السغب
حتى أني هل أتى في مدح فضلهم / من الإله لهم في إشرف الكتب
يرون بالطف أيتاماً لهم أسرت / يستصرخون من الآباء كل أبي
وأرؤس سائرات بالرماح رمى / مسيرها علماء النجم بالعطب
ترى نجوماً لدى الأفاق سائرةً / غير التي عهدت بالسبعة الشهب
كواكبٌ في سما الهيجاء ثابتةً / سارت ولكن بأطراف القنا السلب
لم أدر والسمر مذ ناءت بها اضطربت / من شدة الخوف أم من شدة الطرب
لا غرو أن هزها تيه غداة غدت / مشارقاً لبدور العز والحسب
وإن ترع فلما وشكياً له نظرت / من حطها بصدور القوم واللبب
وكيف لم تظهر والحاملون لها / لم يبق منها فؤاد غير مضطرب
لعظم ما شاهدوا يوم الطفوف فهم / يرونه في بعيد العهد عن كثب
بعداً لقومٍ أبادوا خصب ربعهم / فأصبحوا بعدم في مربع جدب
والقاتلين لسادات لهم حسداً / على علا الشرف الوضاح والحسب
والفضل آفة أهليه ويوسف في / غيابة الجب لولا الفضل لم يغب
وصفوة اللَه لم يسجد له حسداً / إبليس لما رأى من أشرف الرتب
وحسن نصر بن حجاج نفاه وفي / سواه طيبةٌ منها العيش لم يطب
يا سادتي يا بني الهادي ومن لهم / بثني وحزني إذا ما ضاق دهري بي
ندبتكم فأجيبوني فلست أرى / سواكم مستجيباً صوت منتدب
فأنتم كاشفو البلوى وعندكم / صدق الأماني فلم تكذب ولم تخب
ألستم جعل الباري بيمنكم / رزق الخلائق من عجمٍ ومن عرب
بل أنتم سبب بالعرش متصلٌ / لكل ذي سببٍ أو غير ذي سبب
يا ابن بنت النبي عذراً فإني
يا ابن بنت النبي عذراً فإني / قد رأيت الحياة بعدك ذنبا
من تراه أشد مني وقاحاً / جعل الصبر بعد قتلك دأبا
فكأني لم يأتني خبر الطف / أو أني استسهلت ما كان صعبا
أين حبي إن لم أمت لك حزناً / أين حزني إن لم أمت لك حبا
لم أنس وقعة كربلاءٍ وإن
لم أنس وقعة كربلاءٍ وإن / أنسى الرزايا بعضها بعضا
من أين بعد البسط مفتقدٌ / فيكون عضب مصابه أمضى
قالوا الحسين لا جلكم كرماً / شرب الحتوف فقلت لا أرضى
أرضى بان أرد الجيحم ولا / يرد الردى قتلاً ولا قبضا
بابي أباة لم ترد أبداً / ضيماً سقت بدمائها الأرضا
هي لا تبالي أن يصاب لها / هامٌ إذا حاطت عرضا
ولطالما اضطرب الشآم إذا / أبدى الحجاز بقضبهم ومضا
لم أنس زينب إذ تقول وقد / كض المصاب فؤادها كضا
للَه رزء قد أصاب لنا / ندباً فعطل بعده الفرضا
ومضى بصحة ديننا فغدا / حتى المعاد يعد في المرضى
وترد تدعو القوم واعظةً / إذ ليس يسمع كافرٌ وعظا
يا قوم قتلكم الحسين أما / يكفيكم عن صدره الرضا
أو ما كفاكم نهبكم خيم النسوا / ن عن أبرادها تنضى
أبديتم أصواتنا جزعاً / ولطالما هي تالف الغضا
أرقدتم عين الضلال بنا / ومنعتم عين الهدى غمضا
ما كان ذنب محمدٍ لكم / حتى قتلتم آله بغضا
الخيل واردةٌ وصاردةٌ / من فوق صدر سليله ركضا
ونساؤه تشكو وصبيته / حر الظما وحرارة الرمضا
وتقول وهي لهم موبخةٌ / ما لا يرون لبعضه دحضا
بالأمس أبرمنا عهودكم / واليوم أسرعتم لها نقضا
أكبادكم للغيظ أوعيةٌ / بالطف الفيم لها نفضا
فلشد ما ربضت كلابكم / حذر الأسود فلم تطق نهضا
جئتم بها شوهاء معظلةً / لا تملكون لعارها رحضا
ما ضاق دهرك إلا صدرك اتسعا
ما ضاق دهرك إلا صدرك اتسعا / فهل طربت لوقع الخطب مذ وقعا
تزداد بشراً إذا زادت نوائبه / كالبدر إن غشيته ظلمةً سطعا
وكلما عثرت رجل الزمان عمى / أخذت في يده رفقاً وقلت لعا
وكم رحمت الليالي وهي ظالمةٌ / وما شكوت لها فعلا وإن فضعا
وكيف تعظم في الأقدار حادثةً / على فتى ببني المختار قد فضعا
أيام أصبح شمل الشرك مجتمعاً / بعد الشتات وشمل الدين منصدعا
ساقت عدياً بنو تيم لظلمهم / أمامها وثنت حرباً لها تبعا
ما كان أوعر من يوم الحسين لهم / لولا لنهج الغصب قد شرعا
سلا ظبا الظلم من أغماد حقدهما / وناولاها يزيداً بئس ما صنعا
فقام ممتثلاً بالطف أمرهما / ببيض قضب هما قدماً لها طبعا
لا غرو إن هو قد ألفى أباه على / هذا الظلال إذا ما خلفه هرعا
وجحفل كالدبا جاء الدباب به / ومن ثنية هرشي نحوكم طلعا
يا ثابتاً في مقام لو حوادثه / عصفن في يذبل لأنهار مقتلعا
ومفرداً معلماً في ضنك ملحمةٍ / بها تعادي عليها الشرك واجتمعا
للَه أنت فكم وتر طلبت به / للجاهلية في أحشائها زرعا
قد كان غرساً خفياً في صدورهم / حتى إذا أمنوا نار الوغى فرعا
واطلعت بعد طول الخوف أرؤسها / مثل السلاحف فيما أضمرت طمعا
واستأصلت ثار بدر في بواطنها / وأظهرت ثار من في الدار قد صرعا
وتلكم شبهةٌ قامت بها عصب / على قلوبهم الشيطان قد طبعا
ومذ أجالوا بأرض الطف خيلهم / والنقع أظلم والهندي قد لمعا
لم يطلب الموت روحاً من جسومهم / إلا وصارمك الماضي له شفعا
حتى إذا بهم ضاق الفضا جعلت / سيوفكم لهم في الموت متسعا
وغص فيهم فم الغبرا وكان لهم / فم الردى بعد مضغ الحرب مبتلعا
ضربت بالسيف ضرباً لو تساعده / يد القضاء لزال الشرك وانقشعا
بل لو تشاء القضا أن لا يكون كما / قد كان غير الذي تهواه ما صنعا
لكنكم شئتم ما شاء بارؤكم / فحكمه ورضاكم يجريان معا
وما قهرتم بشيءٍ غير ما رغبت / له نفوسكم شوقاً وإن فضا
لا تشمتن رزاياكم عدوكم / فما أمات لكم وحياً ولا قطعا
تتبعوكم وراموا محو فضلكم / فخيب اللَه في ذلكم طمعا
أني وفي الصلوات الخمس ذكركم / لدى التشهد للتوحيد قد شفعا
فما أعابك قتلٌ كنت ترقبه / به لك اللَه جم الفضل قد جمعا
وما عليه هوان أن يشال على / المياد منك محيساً للدجى صدعا
كأن جسمك موسى مذ هوى صعقاً / وإن رأسك روح اللَه مذ رفعا
كفى بيومك حزناً أنه بكيت / له النبيون قدماً قبل أن يقعا
بكاك آدم حزناً يوم توبته / وكنت نوراً بساق العرش قد سطعا
ونوح أبكيته شجواً وقل بأن / يبكي بدمع حكى طوفانه دفعا
ونار فقدك في قلب الخليل بها / نيران نمرودٍ عنه اللَه قد دفعا
كلمت قلب كليم اللَه فانبجست / عيناه دمعاً دماً كالغيث منهمعا
ولو رآك بأرض الطف منفرداً / عيسى لما اختار أن ينجو ويرتفعا
ولا أحب حياة بعد فقدكم / وما أراد بغي الطف مضطجعا
يا راكباً شدقمياً في قوائمه / يطوي أديم الفيافي كلما ذرعا
يجتاب متقد الرمضاء مستعراً / لو جازه الطير في رمضائه وقعا
فرداً يكذب عينيه إذا نظرت / في القفر شخصاً وأذنيه إذا سمعا
عج بالمدينة واصرخ في شوارعها / بصرخةٍ تملأ الدنيا بها جزعا
ناد الذين إذا نادى الصريخ بهم / لبوه قبل صدى من صوته رجعا
يكاد ينفذ قبل القصد فعلهم / لنصر من لهم مستنجداً فزعا
من كل آخذٍ للهيجاء اهبتها / تلقاه معتقلاً بالرمح مدرعا
لا خيللاه عرفت يوماً مرابطها / ولا على الأرض ليلاً جنبه وضعا
يصغي إلى كل صوتٍ على مصطرخاً / للأخذ في حقه من ظالميه دعا
قل يا بني شيبة الحمد الذين بهم / قامت دعائم دين اللَه وارتفعا
قوموا فقد عصفت بالطف عاصفةً / مالت بأرجاء طود العز فانصدعا
لا أنت أنتم إن لم تقم لكم / شعواء مرهوبةً مرأى ومستمعا
نهارها أسودٌ بالنق معتكر / وليلها أبيض بالقضب قد نصعا
إن لم تسدوا الفضا نقعاً فلم تجدوا / إلى العلا لكم من منهج شرعا
فلتلطم الخيل خد الأرض عاديةً / فإن خد حسين للثرى ضرعا
ولتملأ الأرض نعياً في صوارمكم / فإن ناعي حسين في السماء نعى
ولتذهل اليوم منكم كل مرضعةٍ / فطفله من دما أوداجه رضعا
لئن ثوى جسمه في كربلاء لقى / فراسه لنساه في السباء رعى
نسيتم أو تناسيتم كرئمكم / بعد الكرام عليها الذل قل وقعا
أتهجعون وهم أسرى وجدهم / لعمه ليل بدر قط ما هجعا
فليت شعري من العباس أرقه / أنينه كيف لو أصواتها سمعا
وهادر الدم من هبار ساعةٍ إذ / بالرمح هودجٌ من تنمى له قرعا
ما كان يفعل مذ شيلت هوادجها / قسراً على كل صعب في السرى ظلعا
ما بين كل دعى لم يراع بها / من حرمة لا ولا حق النبي رعى
بني علي وأنت للنجا سببي / في يوم لا سبب إلا وقد قطعا
ويوم لا نسب يبقى سوى نسب / لجدكم وأبيكم راح مرتجعا
لو ما أنهنه وجدي في ولايتكم / قذفت قلبي لما قاسيته قطعا
من حاز من نعم الباري محبتكم / فلا يبالي بشيءٍ ضر أو نفعا
فإنها النعمة العظى التي رجحت / وزناً فلو وزنت بالدر لارتفعا
من لي بنفس على التقوى موطنةً / لا تحفلن بدهرٍ ضاق أو وسعا
أما في بَياضِ الشَّيبِ حِلْمٌ لأَحمَقِ
أما في بَياضِ الشَّيبِ حِلْمٌ لأَحمَقِ / بِهِ يَتَلافى مِن لَياليهِ ما بَقي
وما بِالأُلى بانوا نَذيرٌ لسامِعٍ / فَإِنَّ مُناديهم يُنادي الحَقِ الحَقِ
وإِنَّ امْرَأً سِرْنَ اللَّيالي بِظَعْنِهِ / لأَسْرَعُ ممَّنْ سارَ مِنْ فَوق أَينُقِ
وسِيّانَ عِندَ المَوتِ مَن كان مُصْحِراً / ومَنْ كانَ مِن خَلفِ الخِباءِ المُسَرْدَقِ
وهَلْ تُؤْمَنُ الدُّنيا التي هِيَ أَنزلَتْ / سُليمانَ مِن فَوقِ البِناءِ المُحَلَّقِ
وَلا سَدَّ فيها السَّدُّ عَمَّنْ أَقامَهُ / طَريقَ الرَّدى يَوماً ولا ردَّ ما لَقي
وَأَعْظَمُ ما يُلْقى مِنَ الدَّهرِ فادِحٌ / رَمى شَملَ آلِ المُصْطَفى بالتَّفَرُّقِ
فَمِن بَينِ مَسمومٍ وَبينِ مُشَرَّدٍ / وبينِ قَتيلٍ بالدِّماءِ مُخَلَّقِ
غَداةَ بَني عَبدِ المنافِ أُنوفُهُمْ / أَبَتْ أَنْ يُسافَ الضَّيمُ مِنها بمَنْشَقِ
سَرَتْ لم تُنكِّبْ عَنْ طَريقٍ لِغَيرِهِ / حِذارَ العِدى بَلْ بِالطَّريقِ المُطَرَّقِ
ولا دَخَلَتْ تَحتَ الذِّمامِ ولا اتَّقَتْ / بِغَيرِ القَنا أَعْداءَها يَومَ تَتَّقي
إِلى أَنْ أَتَتْ أَرضَ الطُّفوفِ فَخَيَّمتْ / بِأَعْلى سَنامٍ للعَلاءِ وَمَفْرِقِ
وَأَخْلَفَها مَن قَدْ دَعاها فَلَمْ تَجِدْ / سِوى السَّيفِ مهما يُعْطِها الوَعْدَ يَصْدُقِ
فمالَتْ إِلى أَرْماحِها وَسُيوفِها / وَأَكْرِمْ بِها أَنصارَ صِدْقٍ وأَخلِقِ
تَعاطتْ عَلى الجُرْدِ العِتاقِ دَمَ الطِّلا / ولا كَمُعاطاةِ المُدامِ المُعَتَّقِ
فما بَرِحَتْ تَلْقى الحَديدِ بِمِثْلِهِ / قُلوباً فَتَثْني فَيْلَقاً فَوقَ فَيْلَقِ
إِلى أَنْ تَكَسَّرْنَ العَواسِلُ والظُّبا / وَمُزِّقَتِ الأَدْراعِ كُلَّ مُمَزَّقِ
وَتاقَتْ إِلى لُقْيا الإِلهِ نُفوسُها / فَفارَقْنَ مِنْها كُلَّ جِسْمٍ مُفَرَّقِ
وَما فارَقَتْ أَيمانَها بِيضُ قُضْبِها / وَما سَقَطَتْ إِلّا بِكَفٍّ وَمِرْفَقِ
وَما رَبِحَتْ مِنْها العِدى بَعدَ قَتْلِها / مِن السَّلبِ إِلا بِالدِّلاصِ المُخَرَّقِ
أَلا مُتْهِمٌ يَنْحُو المَدينةَ مُسرِعاً / لِيوصِلَها عَنّي رِسالَةَ مُعْرِقِ
إِذا حَلَّ مِنْها مَهْبِطَ الوَحْيِ فَلْيُنِخْ / وَيُعْوِلْ كَإِعْوالِ الوَلودِ المُطَرِّقِ
أَهاشِمُ هُبّي لِلْكِفاحِ فَلَمْ أَخَلْ / على الضَّيْمِ يَوْماً أَنْ تَقَرّي وَتُخْفِقي
فَإِنَّ دَمَ الأَنْجابِ مِنْ آلِ غالِبٍ / أُريقَ عَلى كَفِّ ابنِ ضَبْعٍ مُلَفَّقِ
فَلَيْسَ بِمُجْدٍ بَعدَ غَبنِكِ فيهِمُ / بِأَنْ تَقْرَعي سِنًّا عَليهِمْ وَتَصْفِقي
مَضى مَنْ قُصَيٍّ مَن غَدَتْ لِمُضِيِّهِ / كَوَجهِ قَصِيرٍ شانَهُ جَدْعُ مَنْشَقِ
وَكَمْ مِن صَبِيٍّ لمْ يَشِبَّ تَرَفُّعًا / عَنِ الطَّوقِ ذي جِيدٍ بِسَيفٍ مُطَوَّقِ
وَطِفْلٍ عَلى الغَبْراءِ تَنظُرُ وَجْهَهُ / كَشِقَّةِ بَدْرٍ بالثُّرَيّا مُقَرْطَقِ
أَذاقُوهُمُ حَرَّ الحَديدِ عَواطِشاً / وَمِنْ عَذْبِ ماءٍ قَطْرَةً لم تَذَوَّقِ
لَوَ انَّ رَسولَ اللهِ يُرْسِلُ نَظْرَةً / لَرُدَّتْ إِلى إِنْسانِ عَينٍ مَؤَرَّقِ
وَهانَ عَليهِ يَومُ حَمْزَةَ عَمِّهِ / بِيومِ حُسَينٍ وَهْوَ أَعْظَمُ ما لَقي
وَنالَ شَجًا مِنْ زَيْنَبٍ لمْ يَنَلْهُ مِنْ / صَفِيَّةَ إِذْ جاءَتْ بِدَمْعٍ مُدَفَّقِ
فَكَمْ بَينَ مَنْ لِلْخِدْرِ عادَتْ كَريمَةً / وَمَنْ سَيَّروها في السَّبايا لِجِلَّقِ
وَلَيْتَ الذي أَحْنى عَلى وُلْدِ جَعْفَرٍ / بِرِقَّةِ أَحْشاءٍ وَدَمْعٍ مَرَقْرَقِ
رَأى بَيْنِ أَيْدي القَوْمِ أَيْتامَ سِبْطِهِ / سَبايا تَهادى مِنْ شَقِيٍّ إِلى شَقي
وَرَيّانَةِ الأَجْفانِ حَرّانَةِ الحَشا / فَفي مُحْرِقٍ قامَتْ تَنوحُ وَمُغْرِقِ
فَلا حَرُّ أَحشاها مُجَفِّفُ دَمْعِها / وَلا الدَّمعُ ماضٍ عَن حشاها بمحرق
فَقُلْ لِلنُّجومِ المُشرِقاتِ أَلا اغرُبي / وَلا تَرْغَبي بَعدَ الحُسَينِ بِمَشْرِقِ
فَقَدْ غابَ مِنها في ثَرى القَبْرِ نَيِّرٌ / مَتى هِيَ تَستَقْبِلْ مُحَيّاه تُشْرِقِ
وَقُلْ لِلبِحارِ الزّاخِراتِ أَلا انضُبي / مَضى مَن نَداه مَدَّها بِالتَّدَفُّقِ
إذا أنا لا أبكي لمثلك حق لي
إذا أنا لا أبكي لمثلك حق لي / بكائي على أني لمثلك لا أبكي
وكيف يصان الدمع من بعدما اجتروا / على حرمات اللَه أعداك بالهتك
أأنسى دموعاً أو دماءاً تجاريا / من الآل يوم الطف بالسفح والسفك
بنفسي ملوك العز كافحت العدى / على العدل ما بين الورى لا على الملك
إلى أن مضوا صرعى فميز قتلهم / إلى الناس ما بين الهداية والشرك
فإن جحدوا حق الوصي وفاطم / وتمزيق ذاك للصك
وسم سليل المصطفى الحسن الذي / بنكهته اعتاض النبي عن المسك
فلم يجحدوا ذبح الحسين وما جرى / عليه غداة الطف من أعظم الفتك
فتلك رزايا في السماء إلى الثرى / فمن ملك يبكي عليه ومن ملك
كفى حزناً أن المحاريب أظلمت / غداه توارى في الثرى كوكب النسك
لقد حرمت سلمى عليك خيالها
لقد حرمت سلمى عليك خيالها / فلم تتوقع بعد ذاك وصالها
فمن كل عن أمر وحاول فوقه / فقد رام من بين الأمور محالها
ومن لم ينل داني السحاب فضلة / إذا رام من شهب السماء هلالها
وهاجرة والشيب علةٌ هجرها / وتلك لديها عثره لن تقالها
لقد كان يدنيها إليك مودةٌ / فتأمن فيه هجرها وملالها
سواد قذالٍ كان في العين أثمدا / فسرعان ما ولى وأبقى القذا لها
وهب أنها من فعلها الهجر والجفا / هل النوم من عينيك جاري فعالها
ليالي طالت بالصدود قصارها / وقد قصرت الوصل القديم طوالها
في الغيد إن دام الشباب يداً وإن / أزيل فلا تأمن هناك زوالها
يعذبن قلبي والشباب شفيعه / فكيف وساعي الشيب فيه سعى لها
لقد كن في ليل الشباب كواكباً / فلما بدا صبح المشيب أزالها
وما الشيب إلا مثل نار ضياؤها / بفودك والأحشاء تصلي اشتعالها
وإن سراج العيش حان انطفاؤها / فقد أشعلت نار المشيب ذبالها
وكل بعيدٍ للحياة مقرب / إذا ما حدت فيه الليالي جمالها
ألا هبةً للنفس من سنة الهوى / إلى رتبة من حارب النوم نالها
فلو لم تنم أجفان عمرو بن كاهل / لما نالت النمران منه منالها
فلمها على سوء الفعال ابتداؤها / لتختم في حسن المقال فعالها
إذا النفس لم تختم عواقب فعلها / بمدح بني الهادي أطالت ضلالها
ولم يبتكر فيه المعاني وإنما / تكرر في القرآن ما اللَه قالها
أعزاء إلا أنها لضيوفها / تذل فتنسى النازلين ارتحالها
أنالت بني الآمال فوق مرامها / وما كدرت بالمن يوماً نوالها
فلم تكن الدنيا لها غير دارها / وما كان خلق اللَه إلا عيالها
إذا جاءت الوفاد تسأل رفدها / كفتها تبعجيل الهبات سؤالها
وقد علمت أقارنها ولظى الوغى / تشب إلى أم السماء اشتعالها
إذا ما دعت يوماً نزال تبادرت / إليها كماة لا تطيق نزالها
محطمةً أرماحها في صدورها / ومغمدة بالهام منها نصالها
سرت بعميد لا تغص جفونه / على الضيم أو تلعو الصعيد جبالها
أخي هبوات حجب الشمس ليلها / وأبدى من البيض الصفاح مثالها
وذي غزواتٍ تملأ السمع صيحةً / وتخرس ذعراً من أراد مقالها
بوادره مرهوبةٌ وحروبه / وتقاسي ملوك الأرض منها عضالها
سما فاستغاثت فيه ملة جسده / وهل تستغيث الناس إلا ثمالها
غداة أحل الظالمون حرامها / كما حرموا منها عناداً حلالها
فسار بظل السمهرية فوقها / من الطير ما أضحى العجاج ظلالها
إلى أن أتى أرض العراقين هادياً / أناسٌ أبت في الدين إلا ضلالها
فسدت عليه السبل من كف حيدرٍ / أطاحت برغم الأنف منها سبالها
وأهل قلوب قد شجتها معاشرٌ / عليها لدى بدر القليب أهالها
كفاها افتضاحاً حيث قامت تسومه / دماءاً بسيف اللَه قدماً أسالها
كأني به والصحب صرعى كأنها / ضراغمة غول المنية غالها
يكافح والهيجاء تغلي بخطبها / مراجلها فرسانها ورجالها
يريك إذا ما أومض السيف في الوغى / وقد أخذت منه الدماء انهمالها
وميض حسامٍ في سحاب عجاجةٍ / وقطر دماءٍ لا تجف انهطالها
وما أشغلت منه الحفاظ نقيبة / أطالت بحفظ الكائنات اشتعالها
إلى أن جرى حكم المشيئة بالذي / جرى وعروش الدين قسراً أمالها
وقوض بالصبر الجميل فتى به / فقدن حسان المكرمات جمالها
لك اللَه مقتولاً بقتلى لك الهدى / أباح قديماً قتلها وقتالها
فليت رماحاً شجرتك صدورها / تلقيت في أحشاء صدري طوالها
وليت قسياً قد رمتك سهامها / يقاسي فؤادي في فداك نبالها
وبيض صفاح صافحتك فليتني / وقيتكها في صفحتي صقالها
وأعظم ما يرمي القلوب بمحرق / وتهمي له سحب الجفون سحالها
عقائلكم تسري بهن إلى العدى / نجائب إنساها المسير عقالها
وزينب تدعو والشجى ملؤ صدرها / بمن ملأت صدر الفضاء نوالها
أيا إخوتي لا أبعد اللَه منكم / وجوهاً تود الشهب تمسي مثالها
نشدتكم هل ترجعون لحيكم / فتحي عفاة أتلف الدهر حالها
نشدتكم هل تركزون رماحكم / بدار لها الوفاد شدت رحالها
وهل اسمعن تصهال خيلكم التي / يود بأن يمسي الهلال نعالها
وهل أنظر البض المحلاة بالدما / تقلدتموها وانتضيتم نصالها
فيا ليت شعري هل ابيتن ليلةً / ببحبوحةٍ تحمي وأنتم حمى لها
وتمسي دياري مثل ما قد عهدتها / ملاذ دخيل ظل يأوي حجالها
فنيتم ولم تبلغ كهول قبيلكم / مشيباً ولا الشبان تلقى اكتهالها
هبو أنكم قاتلتم فقلتم / فما ذنب أطفالٍ تقاسي نبالها
رجالهم صرعى وأسرى نساؤهم / وأطفالهم في الأسر تشكو حبالها
فما لقصى أحجمت عن عداتها / مذ استقصت الأوتار منها فما لها
وألوية الأشراف آل لويها / لوتها الأعادي بعد ما اللَه شالها
ووإن قناة الفخر من فهرر قصدت / ولم تلق من بعد الحسين اعتدالها
ومدركةً تدري عشية أدركت / مناها العدى منها ونالت منالها
بنفسي قوماً زايلتني فلم أزل / أرى كل آنٍ نصب عيني خيالها
وكيف انثنت مقطوعةً وصلاتها / ولم تر إلا بالنبي اتصالها
تعل القنا منهم وتنتهل الضبا / وتغدو دماها علها وانتهالها
مصائب لا نسطيع يوماً سماعها / فواعجباً كيف استطعنا مقالها
فيا من عليهم تجعل الناس في غدٍ / وفي اليوم من بعد الإله اتكالها
زففت إليكم من حجال بديهتي / عروس نظامٍ دان أهل الحجى لها
فإن قبلت هانت عظائم عثرتي / وأيقنت أن اللَه فيها أقالها
فما ضر ديواني سواد طروسه / إذا لقيت في الحشر منكم صقالها
وما ضر ميزاني ثقال جرائمي / إذا كنت فيها مستخفاً ثقالها
ولا أختشي هولاً وإن كنت طالحاً / إذا قيل يوم الحشر صالح قالها
رحلوا والأسى بقلبي أقاما
رحلوا والأسى بقلبي أقاما / جيرة جارهم بهم لن يضاما
ذهبوا والندى فعاد المنادي / لا يرى من يد الصروف اعتصاما
كم حبست الأنضاء بالدار حتى / خلتها في وقوفها آكاما
وسالت الرسوم عنهم فما أغنى / سؤالي وما شفى لي سقاما
وإذا ما سألتهن أعادت / في لسان الصداء منها الكلاما
فكأني كنت المناشد عنهم / وهي كانت مناشداً مستهاما
يا سقى اللَه معهداً قد شقته / سحب أجفاني الدموع السجاما
خيل القلب لي به وهو خالٍ / عرباً خيلهم تحوط الخياما
من بني غالب الألى في المعالي / غلبوا كل غالبٍ لن يسامى
هم بعلم وفي ندى ونزال / أرشدوا أرفدوا أرعوا حماما
لست أنسى رئيسهم خير خلق / اللَه رأس الهدى ثمال اليتاما
أيقظوا للحقود منهم قلوباً / هي كانت خوف الحسام نياما
وأحاطوا بابن النبي عناداً / لأبيه ولم يراعوا ذماما
فرماهم بأسهم ما رماها / يوم حرب إلا ونال المراما
وحما قد ارتضاهم لديه / شيعةً مثل ما ارتضوه إماما
سادة تنظر الوفود نداهم / مثلما تنظر العفاة الغماما
صيد حرب يستنزلون المنايا / بالعوالي ويرهبون الحماما
وثبوا للوغى بأسياف عزمٍ / حدها أورث السيوف الكهاما
وأباحوا القنا صدور الأعادي / والمواضي نحورها والهاما
فكأن الوغى خريدة حسن / أودعت منهم القلوب غراما
أسفروا للقا وللنقع ليل / كان للشمس من دجاها لثاما
وجلوه بأوجه تتمنى / نيرات السما لهن التثاما
وتعاطوا لدى الوغى كأس حتفٍ / كمعاطاة من تعاطى المداما
واحتسه كي لا يساموا بضيم / وأخو العز ذلةٌ لن يساما
وثووا في الرغام صرعى فأضحت / تتمنى السما تكون الرغاما
وعدا السبط للعدى فوق طرف / خيل صقراً على الحمائم حاما
فكأن الرياح منه استعارت / يوم عاد عدواً فأضحت رماما
فلق الهام بالمهند حتى / منع الدم أن يثور القتاما
خضب الخيل بالدماء إلى أن / كان مها على اللغام اللغاما
غادر الخيل والرجال رماماً / والقنا السمر والنصال حطاما
بطل كافح الألوف فريداً / ولديه الأملاك كانت قياما
وأتى النصر طالب الأذن منه / وإليه الزمان ألقى الزماما
فأبى أن يموت إلا شهيداً / ميتةً فاقت الحياة مقاما
فكأن الحمام كان حياةً / وكأن الحياة كانت حماما
بأبي باذلاً عن الدين نفساً / هي نفس الوجود حيث استقاما
يا أمير القضاء كيف استحلت / جاريات القضاء منك الحراما
أنت رب الوغى ورب عبيد / كفرت من الهها إلا نعاما
وابو البيض والقنا رب ولد / وقد عصت والداً كريماً هماما
يا قتيلاً شقت عليه المعالي / جيبها واكتست ضناً وسقاما
إن دهراً أخنى عليك لدهر / عيرته الدهور عاماً فعاما
بل ويوماً قتلت فيه ليوم / قد كسا ثوب حزنه الأياما
وسناناً أرداك فيه سنان / خزيه غادر الرماح تماما
لست أنسى كرائم السبط أضحت / حائراتٍ لما فقدن الكراما
تشتكي حر ثكلها وحشاها / قد راى في السباء حراً ضراما
أي خطبٍ من الرزايا تقاسي / في قلوب أذكت بهن أواما
نهب رحلٍ أم فقدهن حسيناً / وبني هاشم هماماً هماما
وإذا حن في السبايا يتيم / جاوبته أرامل ويتامى
وأمين الإله في الأرض بعداً / لسبط أضحى مقيداً مستضاما
تارةً ينظر النساء وطوراً / أرؤساً بالرماح تجلو الظلاما
كيف يسري بين الأعادي أسيراً / من يغادر وجودها إعداما
قيدوه من حلمه بقيودٍ / رب حلمٍ يقيد الضرغاما
يا بني خير والد ليت عيناً / ما بكتكم تسهدت لن تناما
وفؤاداً ما ذاب شجواً عليكم / بات للوجد منزلاً ومقاماً
كل باكٍ على سواكم ملام / كل باكٍ عليكم لن يلاما
وإليك مني خريدة حسنٍ / قلدت من جمان فكير نظاما
أبتغي المنكم القبول وأرجو / جائزات تنيلني الإكراما
فاقبلوها يا ساتدتي وأنيلوا / فسوى نيل فضلكم لن يراما
كان فيها عون الإله ابتداءاً / فاجعلوا منكم القبول اختتاما
هلْ بَعدَ موقِفِنا عَلى يَبْرينِ
هلْ بَعدَ موقِفِنا عَلى يَبْرينِ / أَحيا بِطَرفٍ بالدموعِ ضَنينِ
وادٍ إذا عاينتُ بَينَ طُلولِهِ / أَجْريتُ عَيني للحِسانِ العِينِ
فَتخالُ موسى في انْبْجاسِ مَحاجِري / مُستَسْقِياً للقومِ ماءَ جُفوني
طَلَلٌ نَظرتُ نُؤِيَّهُ مَحجوبةً / نَظَرَ الأهلةِ في السحابِ الجُونِ
تَحني على سُفْعِ الخُدودِ كَأَنَّها / سُودُ الإِماءِ حُمِلْنَ فَوقَ سَفينِ
لم تَخْبُ نارُ قَطينِهِ حتّى ذَكَتْ / نارُ الفِراقِ بقلبيَ المَحزونِ
الدَّهرُ أَقْرَضَهُ العِمارةَ بُرهةً / ثُمَّ انتحاهُ بِخِلْسَةِ المديونِ
وابْتاعَ جِدَّتَهُ الزَّمانُ بمُخْلِقٍ / ورَمى حِماهُ بصفقَةِ المَغْبونِ
قالَ الحُداةُ وقدْ حَبَسْتُ مَطِيَّهم / مِن بعدِ ما أَطلقْتُ ماءَ شُؤوني
ماذا وُقوفُكَ في مَلاعِبِ خُرَّدٍ / جَدَّ العَفاءُ برَبْعِها المَسكونِ
وَقَفوا مَعي حتى إِذا ما استَيْأَسوا / خَلَصوا نَجياً بعدما تَركوني
فكأَنَّ يوسُفَ في الدِّيارِ مُحَكَّمٌ / وكأَنّني بِصُواعِهِ اتَّهموني
وَيْلاهُ مِن قومٍ أَساءوا صُحْبَتي / مِن بعدِ إِحْساني لِكُلِّ قَرينِ
قَدْ كِدْتُ لَوْلا الحِلْمُ مِنْ جَزَعي لِما / أَلْقاهُ أَصْفِقُ بالشِّمالِ يَميني
لكِنَّما وَالدَّهرُ يَعلَمُ أَنّني / أَلْقى حَوادِثَهُ بِحلمِ رَزينِ
قَلبي يُقِلُّ مِنَ الهُموم جِبَالَها / وَتَسيخُ عَنْ حَمْلِ الرِّداءِ مُتوني
وَأَنا الذي لَمْ أَجْزَعَنْ لرَزِيَّةٍ / لَوْلا رَزاياكُمْ بَني ياسينِ
تلكَ الرَّازايا الباعثاتُ لمُهْجَتي / ما ليسَ يَبْعَثُهُ لَظى سِجّينِ
كيْفَ العَزاءُ لَها وَكُلَّ عَشِيَّةٍ / دَمَكمْ بِحُمْرَتِها السَّماءُ تُريني
وَالبَرقُ يُذْكِرُني وَميضَ صَوارمٍ / أَرْدَتْكُمُ في كَفِّ كلِّ لَعينِ
وَالرَّعدُ يُعرِبُ عَنْ حَنينِ نِسائِكُمْ / في كُلِّ لحَنٍ للشُّجونِ مُبينِ
يَندُبْنَ قَوْماً ما هَتَفْنَ بِذِكْرِهِم / إلّا تَضَعْضَعَ كُلُّ لَيْثِ عَرينِ
السالبينَ النَّفْسَ أَوَّلَ ضَرْبَةٍ / والمُلْبِسينَ المَوتَ كُلَّ طَعينِ
لو كل طعنةٍ فارِسٍ بِأَكُفِّهِمْ / لمْ يُخْلَقِ المِسْبارُ للمَطْعونِ
لا عَيْبَ فِيهم غَيرَ قَبْضِهِمُ اللِّوا / عِندَ اشْتِباكِ السُّمرِ قَبْضَ ضَنينِ
سلكوا بحاراً من دماء أمية / بظهور خيل لا بطون سفين
ما ساهموا الموت الزؤام ولا اشتكوا / نصباً بيوم بالردى مقرون
حتى إذا التقمتهم حوت القضا / وهي الأماني دون خير أمين
نبذتهم الهيجاء فوق تلاعها / كالنون ينبذ بالعرى ذا النون
فتخال كلاً ثم يونس فوقه / شجر القنا بدلاً من اليقطين
خذ في ثنائهم الجميل مقرضاً / فالقوم قد جلوا عن التأبين
هم أفضل الشهداء والقتلى الألى / مدحوا بوحي في الكتاب مبين
ليْتَ المَواكِبَ وَالوَصِيُّ زَعيمُها / وَقَفوا كَمَوْقِفِهِم عَلى صِفّينِ
بالطَّفِّ كَيْ يَرَوُا الأُلى فَوقَ القَنا / رَفَعَتْ مَصاحِفَها اتِّقاءَ مَنونِ
جَعَلَتْ رُؤوسَ بَني النَّبِيِّ مَكانَها / وَشَفَتْ قَديمَ لَواعِجٍ وَضُغونِ
وتَتَبَّعَتْ أَشْقى ثَمودَ وَتُبَّعٍ / وَبَنَتْ عَلى تَأْسيسِ كُلِّ لَعينِ
الواثبينَ لظلم آل محمد / ومحمد ملقى بلا تكفين
والقائلين لفاطم آذيتنا / في طول نوح دائم وحنين
والقاطعين أراكة كيما تقيل / بظل أوراق لها وغصون
ومجمعي حطب على البيت الذي / لم يجتمع لولاه شمل الدين
والقائدين أمامهم بنجاده / والطهر تدعو خلفه برنين
خلو ابن عمي أو لأكشف للدُّعا / رأسي وأشكو للإله شُجوني
ما كان ناقة صالح وفصليها / بالفضل عند اللهِ إلا دوني
ورنت إلى القبر الشريف بمقلةٍ / عبرى وقلب مكمد محزون
قالت وأظفار المصاب بقلبها / غوثاه قلَّ عَلى العُداةِ مُعيني
أبتاه هذا السامري وصحبه / تبعاً ومال الناس عن هارونِ
أي الرزايا أتقي بتجلدٍ / هو في النوائب مذ حَيِيتُ قَريني
فَقْدي أَبي أم غَصبُ بَعْلي حقَّه / أم كسرُ ضِلْعي أم سقوطُ جَنيني
أم أخذهم إرثي وفاضلَ نِحْلَتي / أم جهلهم حقي وقد عَرَفوني
قهروا يتيميك الحسينَ وصِنْوَه / وسألتهم حقي وقد نهروني
باعوا بضائع مكرهم وبزعمهم / ربحوا وما بالقوم غير غبين
ولربما فرح الفتى في نيله / إرباً خلعن عليه ثوب حزين
وإذا أضل اللَه قوماً أبصروا / طرق الهداية ضلة في الدين
ما انفك عني من زماني مدبر
ما انفك عني من زماني مدبر / من صرفه إلا دهاني مقبل
دافعت ملا يسطاع دفاعه / وحملت من بلواه ما لا يحمل
حتى إذا لم تبق لي من حيلة / قالت لي الأيام مذا تفعل
أو ما درت أن ابن فاطم موئلي / وتخلصي فيه ونعم الموئل
الكاشف الأزمات صرح محلها / باجش عن آلائه يتهلل
يا حجة اللَه التي بلغت إلى ال / أقصى وحكمته التي لا تقعل
أو ليس توبة آدم لو لم يكن / متوسلاً بجنابكم لا تقبل
وبكم نجا نوح وأغرق قومه / لجج علا الأطواد منها الأسفل
وعلى خليلي اللَه قد عادت بكم / برداً لظى نار تشب وتشعل
وبكم لموسى حيث سخرت العصا / بلغ المرام بها وضل المبطل
وبسركم عيسى أجاب نداءه / الأموات منطبقاً عليها الجندل
ووألان داود الحديد وأعطي المل / ك ابنه فيكم على ما يأمل
وبكم لآصف عرش بلقيس أتى / لا كارتداد الطرف بل هو أعجل
وبكم دعا اللَه العظيم لضره / أيوب فانكشف البلاء المعضل
ولأجلكم خلق الوجود وفيكم / بين البرية كل صعب يسهل
وبقضبكم شيد الهدى وبها على / أعدائه نصر النبي المرسل
فبحق من أعطاكم الفضل الذي / ما فوقكم فيه سواه افضل
جودوا علي بعطفةٍ من منكم / كرماً فجودكم الأعم الأجزل
وتقبلوا مني وإن أك جانباً / فالعبد يجني والموالي تقبل
عبد أساء فأين من ساداته / إحسان عفوهم الذي لا يجهل
فعل العظائم واستجار بعزكم / أيكون منه جزاؤه ما يفعل
اللؤم شأني والمكارم شأنكم / وعلى سجيتها البرية تعمل
حييت من رشأ غرير
حييت من رشأ غرير / أسفرت عن قمر منير
وبسمت عن شبم اللمى / شنب المذاق من الثغور
وأتيت يعطفك النسيم / تعطف الغصن النضير
تعطو كمثل الضبي لا / مثل القطاة إلى الغدير
من علي لوجنتيك / وليس بالمن اليسير
سلب المدامة لونها / وهي التي سلبت شعوري
أيام حال شعاعها / بين البصيرة والضمير
لا نتقى قول الوشا / ة ولا نبالي في غيور
أمرصعاً شمس الطلى / بفواقع الشعرى العبور
ذقها وعبرها إلي / تشمني نشر العبير
فلماك عندي والطلى / كلتاهما حلب العصير
وإذا سفرت فإنما / سفر الزمان عن السرور
وغدت لياليه جميعاً / مقمراتٍ في الشهور
وغدايتيه تغطرفاً / ويفوق فخراً في الدهور
ما الفطر ما النوروز ما / الأضحى أخو الشأن الكبير
اليوم باشرت المسرة / مهجة الهادي البشير
وغدا عليه الوحي يهبط / بالتهاني والحبور
بسرور ذي القدر الرفيع / وحجة اللَه القدير
العالم الحكم الذي / ما خان يوماً في نقير
سيان عند قضائه / قدر المبجل والحقير
رب الخورنق عنده / رب الشويهة والبعير
الباعث الدهماء للأضياف / في اليوم المطير
كبرت بان تمسي أثا / فيها كرضوى أو ثبير
لو كان في عصر بن / جذعان ووالده البشير
لكفى الوليمة عمه / في الراسيات من القدور
يا حاسد المهدي / غض الطرف إنك من نمير
أربع وكن متجرعاً / عمر المدى حسك الصدور
كم طامعٍ بعلاه قب / لك طال بالباع القصير
أقعى كما أقعى أبوه ل / عجز ذي لهث عقور
هيهات تدرك شأوه / أين الثماد من البحور
إن البحار لقطرةٍ / من جود جعفره الغزير
هو جعفر بن محمد / والصادق القول المشير
يرمي الغيوب بفكرةٍ / رمي السهام من الجفير
وتعود وهي كأنما / كانت لديه من الحضور
سله بكل عويصةٍ / فلقد سقطت على الخبير
فهو ابن بجدتها الذي / أثنت عليه يد المشير
لولا أبو حسن لقال / الناس كان بلا نظير
هو صنوه وقسيمه / في كل مكرمةٍ وخير
ما ميز بينهما وهل / فرق لشبر من شبير
عن نعته صام ال / عقول فليس تلقى من افطور
لو رامه العقل المجر / رد عاد في بصر حسير
وتكاد حسدة ذهنه / لتبين عن ذات الصدور
سروا فليس بمسلمٍ / من حاد عن هذا السرور
بمحمد بن محمد / ذي الطول والنسب القصير
بفتى تشبب بالعلى / طفلاً يغذي بالحجور
وتوسمت منه المراضع هيبةً / الملك الخطير
حتى ترجل عن سري / ر وامتطى أعلى سرير
انظر الورى منه ثبيراً / يحتبي فوق الأثير
وصغت لمنطقة المسا / مع من صغير أو كبير
فإذا رأيت رأيت منه / هيبة الأسد الهصور
وإذا سمعت فعن فم / المولى الملقب بالأمير
يهنيهم الفرح الذي / يبقى على أبد الدهر
حتى يضاعفه ال / حسين بيوم بشر مستنير
المنتمي للذروة العلياء / من مضر البدور
متكهلاً عصر الشبا / ب بمنسك الشيخ الكبير
وجرى بميدان الرهان / لغاية الشرف المنير
لا بالبليد ولا اللبيد / ولا الغبي ولا العثور
من معشر شغلتهم ال / علياء عمن في الخدور
لولا طلابهم بقا / ء سلالة الهادي البشير
كي لا تبيت الأرض خا / ليةً من الثقل الصغير
وفروا النساء على الخدو / ر تكرماً فعل الحصور
وإذا هم خطبوا لأن / فسهم منيعات القصور
خطبوا الكرائم للأكا / رم والشموس إلى البدور
من كل بيت من بيو / تات العلى علم شهير
انظر فهل تلقى سوا / هم ذا حمى للمستجير
فلكم ذوات حشاشةٍ / صدعت لمقهورٍ أسير
فزعت إليهم وهو في / إظفار ذي لبد ظفير
جاؤا به من بين شد / قي ضيغمٍ عالي الزئير
يا أيها الملك المغلف / بالمداد عن العبير
ومن الكتاب وزيره / أكرم بذلك من وزير
حسدت نمارق كل ملكٍ / ما وطأت من الحصير
كم ليلةٍ أحييتها / بهلاك أباء الشرور
براعةٍ قلبتها / بين المحابر والسطور
وصوارم لك ماضيا / ت في رقاب بني الغرور
أمضى عليهم من صوا / رم يوم بدرٍ في النحور
لو تثنين لك الوسا / دة فهت بالجم الغفير
وابنت عن صحف الخليل / وصحف موسى والزبور
وابنت من إنجيل / عيسى والكتاب المستنير
وحمت في أربابها / فيما عليهم من أمور
وهدتيهم سبل الهدى / بعد التخبط في الوعور
لكن صمت تأسياً / بمقر شقشقة الهدير
العلم حبوتك التي / ما نلتها بالمستعير
يبدو إليك لبابه / وسواك يخضم بالقشور
فإذا تسمى فيه فال / أعمى يسمى بالبصير
وأقول ذا عوداً على / بدء بلا ريب وزور
لا أحفلن بعاذل / واللَه في هذا عذيري
صنت الركاب فلم أقل / الألكم ياناق سيري
أبداً لويس لغيركم / أفضيت عما في ضميري
كم لهفةً بردتها / بندى اكفهم الغرير
فإليكها غراء ترفل / بالثنا لا بالحرير
يلهي الفرزدق حسنها / عن شتم صاحبه جرير
نهج البلاغة ما تحرر / لا مقامات الحريري
واسلم نصيراً للهدى / فلقد تعرى عن نصير
طربت فعم الكرام الطرب
طربت فعم الكرام الطرب / وضوء ذكاء يمد الشهب
وملت فمالت لك المكرمات / سروراً لما نلت مما تحب
إذا اهتز من دوحةٍ ساقها / فلا عجب إن تهز العذب
وصال على الحزن جيش السرور / فشرده وانثنى بالغلب
وخيم في القلب لا يبتغي / رحيلاً وجودك كان السبب
ولما ابتهجت بدا الابتهاج / علىالخق من عجمها والعرب
كأن سرورك في العالمين / يحاري نوالك أنى ذهب
إلى قول قائلهم صادقاً / كأنا رياض ومنك السحب
ولولا ابتسام وميض الغمام / لما ابتسم النور فوق القضب
ولا عجب أن تسر الأنام / ولو لم تسر لكان العجب
ألست الذي قد بعثت السرور / إلى كل قلبٍ عظيم الكرب
وأنت الذي قد ملأت الجفان / مدعدعةً قد علون الهضب
ترى الناس من وارد ساغب / يعود بطيناً عقيب السغب
فلو حاول الطير منها الطعام / بأم السما نال ما قد طلب
ولو قصد الوحش إدراكها / لما مسه من طوىً ما حجب
وشدت على الطرق للسائلين / قصور علا شيد فيها الحسب
وكم قد تفقدت من مرمل / وأرملةٍ ويتيمٍ سغب
وانعشت افئدةً منهم / تكابد في الحادثات النوب
وآخر جاءك يشكو إليك / من الدهر خطباً عليه خطب
فألفاك أسرع مستنجدٍ / إلى ما دعوه إليه وثب
يداوي بك الفقر حتى يزول / مداواة ذي الطب للمستطب
فمن كان ذا شأنه في الزمان / كان حقيقاً على أن يحب
ومن شاطر الناس أمواله / فقد شاطرته الرضا والغضب
أبا المصطفى قد سبقت الكرام / لغاياتها واحتويت القصب
فللَه درك من ماجد / عن الحق ما مال فيه غضب
تلذذ في بعد أحبابه / ليدنو من اللَه أو يقترب
وما لذة البعد فيما يرى / بأيسر من لذةٍ المقترب
توارثتم الحج جيلاً فجيلاً / كما ورث الهاشمي النسب
فكاد يحول مولودكم / عن المهد فوق ظهور النجب
كأن لكم مكة موطن / يهزكم لحماها الطرب
يشوقكم البرق من نحوها / ويصبيكم الريح أما يهب
وطاتم ثراها فآثاركم / مكررةٌ عندها في الكتب
كما أن آثاركم في الزمان / على أهله واضحات الشهب
فصارت إذا جاءها ابن لكم / رأت في محياه عنون اب
فتعرف في شيخكم كهلها / بسيماء عز عليه غلب
إذا جئتم أرضها رحبت / أباطحها فيكم والهضب
لعمري إذا كنتم تسرعون / إلى الحج أول عام يجب
فكيف يفوتكم غيره / وما غيره مثله في التعب
أرى الحج شاهد عدل لكم / بتأدية الفرض مهما وجب
فمن نال في عزمه النيران / لم يعيه نيله للسحب
ولا غرو أن يركبن الذلول / فتى ليس يعييه ركب الصعب
أرى اللَه أثنى على الأنبياء / لأمرهم الأهل فيما أحب
وها أنت تأمر في الوجبات / أهاليك طراً وبالمستحب
وفارقت عامين في حبه / حبيبيك تشكره محتسب
كأن الحجاز وقد أوطآ / محيا ثراه خفاف النجب
غدا بهما حاسداً للعراق / كما حسد الأعجمي العرب
ورام بقاءهما عنده / ليعلو على غيره في الرتب
ويخصب فضلاً بيمنيهما / له كل ربعٍ محيل جدب
فأتحف عامين نيل المنى / وزال عن المجد بين العطب
ليهن أبا المصطفى والرضا / رضا اللَه والمصطفين النجب
عشية حلّاً عن اليعملات / نسوعاً وشد العقال الركب
وسارا وقد لبيا معلنين / بقلب سليم ونطق عذب
وطاف بدمع غداة الطواف / يضاهي غروب الحيا المنسكب
صدقن أمانيهما في منى / ورب أمانٍ رزقن الكذب
وقد شكر اللَه سعييهما / وأعطاهما منه نيل الأرب
ومذ قضيا من فروض الإله / ما اللَه أوجب أو ما ندب
أثارا ليثرب نضويهما / فطوراً ذميلاً وطوراً خبب
إلى أن بدت قبة المصطفى / عليها رواق المعالي ضرب
كأن السماوات أرض لها / وبالعرض قد نيط منها الطنب
أناخا وسارا لها ماشيين / وخديهما عفراً في الترب
وزارا النبي فزادا علا / وفخراً على كل عالي الرتب
وقاما إزاء قبور البقيع / مقاماً تصانع فيه الكرب
يرد إلى القلب دمع العيون / حذاراً ويرضى بدون الطلب
وسارا يريدان ارض العراق / وأعين سكانه ترتقب
بأنيق تطوي فجاج الوهاد / كطي السجل بها للكتب
إلى أن أتت طور وادي الغري / ونور التجلي عليه ثقب
بباب مدينةٍ عالم الإله / ثنت بعد طول المسير الركب
وقاما يجران برد السرور / وإن رغم الحاسد الكتئب
وقبلت وجهيهها شاحبين / شحوباً به ضاء وجه الحسب
وما النقص أن تشحبن الوجوه / والنقص إن وجه عرض شحب
أما الحبيب فآخذٌ بدلاً
أما الحبيب فآخذٌ بدلاً / مني وابدل وصله مللا
هو بالرقاد يبيت مكتحلاً / إذ بالسهاد أبيت مكتحلا
وأقول لليل الطيول لما / ألقى كأنك قد خلقت بلا
إن كان أنساه الوداد هوى / غيري فإني ما حييت فلا
من لي بليلٍ ما وددت له / صبحاً وإن شاهدته عجلا
بات الحبيب به نغازله / طوراً وطوراً ننشد الغزلا
نروي حديثاً هزنا طرباً / هز المدامة شارباً ثملا
نزداد في تكراره فرحاً / فرح الرضا في وافد نزلا
المرتدي برداء كل تقى / والمهتدي لطريق كل علا
من ليس يرقى ما ارتقاه فتى / من ذا بنسر يلحق الحجلا
ومنزه الإحسان من نكد / كالعين ما لم تقبل الحولا
من قد أعد لضيفه نزلاً / لا يبتغي عن رحبها حولا
بيت لمفترق الجدود به / جمع تخال أباهم رجلا
وترى لأشتات العفاة به / شملاً على المعروف مشتملا
بيت بأبيات القريض له / ذكر يعطر نشره السبلا
ذكر إذا فاز السماع به / أضحى يفوق بفخر المقلا
علم الإله بأن رافعه / قد حاز فيه العلم والعملا
وترى به أضعاف من رحلوا / عنه ومن حلوا به رسلا
فرقاً قد افترقت لغاتهم / فالبعض قول البعض ما عقلا
فيهم يعول فتى أخو كرمٍ / لو عال هلا الدهر ما بخلا
بحر إذا ما فاض ساحله / ترك البحار لفيضه وشلا
لم يستمد الغيث نائله / لم تلق أرضاً تشتكي محلا
جبل إذا لاذ المخوف به / أمن المخاوف وانثنى جذلا
فإلى تخوم الأرض غار له / أصللا وزاحم فرعه زحلا
قال العذول وقد رأى سرفاً / أتراه يعلم بالذي فعلا
ومن الذي منع الضياء ذكاً / يوماً ورد العارض الهطلا
إن الذي عشق العلاء رأى / ما دونها من هائل جللا
ندب إذا ألقى فضيلته / التقفت فضائل سائر الفضلا
فكأنما هن الحبال ومن / يده عصا موسى لها جعلا
ساد الكهول فتى وتحسبه / شيخاً إذا ما قام مبتهلا
حسن الخلائق لو تفاخره / زهر الكواكب سامها خجلا
من صدره يعطي الفضا سعةً / ويضيق عن حقد به نزلا
قالوا لقد أوجزت نظمك في / من قد أطال به الورى أملا
فأجبتهم قربى له منع التف / صيل فيما قلته جملا
كالصوت لولا بعد سامعه / ما طال بل ما في النداء علا
ما ذاك من نيلت مودته / فيما بزخرفه الفتى حيلا
الشمس تشرق خلقه وترى / والمصباح لولا الزيت ما اشتعلا
قم عاطنيها كميت اللون تضرم
قم عاطنيها كميت اللون تضرم / يجلى بها الهم بل تعلو بها الهمم
سبية من سبا جاءت تنبئنا / عن حالها مذ عراها سيلها العرم
عتيقة العصر ما زالت تحدثنا / عن عصر عاد وما راقت به أرم
واعجب لها عصمت يوم السفينة / من طوفان نوح وما إذ ذاك معتصم
قتالة لهموم القلب لاسيما / وأن ثقاتلها معسوله الشيم
يزيدني طمعاً فيه تدلله / كأن قولك لا في مسمع نعم
دعني أواسي كراماً في سرورهم / وأساهم بالسرور البأس والكرم
وسر جدهم الهادي النبي ولا / عجب إذا سر في قوم إليه نموا
اليوم أضحت تهنيه ملائكة / الرحمن عن فرح والرسل والأمم
آساد قومٍ أباحت من شبولهم / دم الختان فيا للَه درهم
قالوا الختان طهور قالت أنهم / مطهرون نقيات ثيابهم
دم على أنمل الحجام كاد له / لو لم يكن سنة أن لا يصان دم
دم تود العلا شوقاً له وهو / من فوق وجنتها لو كان ينسجم
وإنها ابتهجت فيه كما ابتهجت / حسناء في خدها من حمرةٍ ضرم
قوم تقاسمت الدنيا سرورهم / كما تقسم فيها منهم النعم
سادوا بآبائهم بعد الجدود فلا / عصرٌ يمر وما منهم به علم
حبذا أنت من حبيب مسلمٍ
حبذا أنت من حبيب مسلمٍ / ومشيرٍ بطرفه متبسم
خلته بين كل ظبي غريرٍ / بدر تم يضيء ما بين أنجم
لك خد بمهر خالٍ عليه / خطب القلب للغرام فانعم
كان قلبي من قبل رؤياي وجهاً / من شموس النهار أبهى وأعظم
جاهلي الهوى فلما دعاه / مرسل الصدغ للصبابة أسلم
فانا اليوم للغرام مدين / طائع من ولاته من تحكم
أعلي سمعاً وإن كنت أدرى / رب مصغٍ لقائلٍ وهو أعلم
جمعتنا بالجامعين ليالٍ / ليس إلا الصباح منهن يذمم
نولتنا من السرور عظيماً / وسرور العلا لأجلك أعظم
يوم نلت المنى فهنيت فيك / المجد علماً بأنه لك توأم
يوم ابدي لك الزمان سروراً / فمحونا من فعله ما تقدم
وإذا ما الكريم جاء بعذر / فالذي منه يقبل العذر أكرم
يوم ماست تيهاً حسان المعالي / بك والمجد ثغره قد تبسم
فكأن الزمان عاد شباباً / بعد ما شاب في السنين واهرم
يوم حل السرور قلب كريمٍ / طال ما سر في البرية معدم
فمن السحب والجبال تراه / في الندى والخطوب أسخى وأحلم
لم تجاوز سنوه عشرين لكن / هو راياً من ابن ستين أحزم
يافعاً يخبر المشائخ عما / هو ماضٍ من قبل عاد وجرهم
خذ من العلم موجزاً غير مطنب
خذ من العلم موجزاً غير مطنب / عن فنون الألحان في النحو معرب
فبه قد حباه من قد حبا في / فضله قبل ذا نزاراً ويعرب
ذو اليراع الذي يراع لديه / قلب من عن علاه قد ظل يرغب
قلم صك لوحه جبهة الدهر / فهم يقرأون ما كان يكتب
علمه عن أبيه عن جده عن / حامل الوحي جبرئيل عن الرب
ما الكسائي ما سيبويه فهذا / نجل أهل الكسا وسيف مجرب
لو ترائى لسيبويه تعجب / وبنصف اسمه مضى وهو يندب
سر يوماً شانيك واغتم دهراً
سر يوماً شانيك واغتم دهراً / رب حلو لطاعم عاد مرا
كاشح سر لعقة الكلب أنفاً / ثم في غمه القديم استمرا
ضحك الدهر منه إذ طال تيهاً / بسرورٍ كصحوة الموت عمرا
يا أبا جعفرٍ ومن قد رمته / أعين الحاسدين في الفضل شزرا
لا أقر الإله أعين قومٍ / نظرتكم مزورة لن تقرا
إن عذر الزمان الخصم هوناً / فاراه حلواً وأسقاه مرا
فتولى والخزي يغشاه جهراً / ضعف ما قد غشا بصفين عمروا
لم يزلا نعلاك عنك لهون / لا ولا أنت قد تشاغلت فكرا
بل بدا من علاك للخلق مالم / تحض منه عقولها العشر عشرا
ولكم قد أحطت في علم غيبٍ / غيركم لم يحط به قد خبرا
فخشيت الإسلام فيك يقولو / ن كما قالت المغالون كفرا
وتصوبت قيد رمحٍ فحلت / لك من ذا في قاب قوسين ذكرا
فلذا كل من على الأرض ضجت / وضجيج السماء أعظم أمرا
لو أطاقت أم السماء لضمتك / إليها حرصاً عليك وبرا
ولأحنت عليك كالأم شوقاً / وانعطافاً وشرفت بك حجرا
ووقت الوصل للأرض رفقاً / بك كي لا تنال من ذاك ضرا
ولكانت ذكاؤها لك فرشاً / ووساداً من النجوم البدرا
قد حكيت الصديق يوسف لما / أن هوى في غيابة الجب صبرا
بل رأيت النار التي قد رآها / صاحب الطور يوم قد خر ذعرا
ولعمري حكيته غير لا أدري / أذعراً هويت أم كان شكرا
أم عرا ذكر كربلا منك قلباً / حني قاربت للمحرم شهرا
أن متناً شكوته طال ما زا / حمت فيه من الملائك غرا
قبلت كفه الملوك ونالت / من ناداها العافون بيضاً وصفرا
فهي طوراً غنى المقل وطوراً / تغتدي للغني عزاً وفحرا
وبنوك الكرام أطيب ولدٍ / نجباء الآباء بطناً وظهرا
بلغوا غاية العلا حيث كلٌّ / راح يقفو في سيره لك أثرا
والذي يهتدي بمهدي عصر / ليس يخشى عن قصده الحور فترا
حملوا عبأ كل مجدٍ أثيل / مثلما تحمل القوادم نسرا
كيف لا يهتدي مضل رآهم / وهم آيةٌ إلى الحق كبرى
يا بني الوحي قد زففت إليكم / من بنات الأفكار غراء بكرا
لم اسمها على سواكم علوا / ولو أني قد كان لي البدر صهرا
إنما الشعر ما هو المدح فيكم / وهو في مدح غيركم راح هجرا
مدحكم في جميع قسمٍ من ال / قول لقد سار في البرية ذكرا
فهو وحي أتى وجاء حديثاً / وبدا خطبةً ونظماً ونثرا
طلب العلا فنال فوق المطلب
طلب العلا فنال فوق المطلب / في عزم غلاب وهمةٍ أغلب
وسما بما أوفت له آباؤه / ولرب سام للعلاء بلا أب
لا غرو أن طلب العلا من قومه / أما نبي أو وصي عن نبي
هذا أبو الفضل الذي جمع النهى / عزم الشباب له ونسك الأشيب
تاقت إلى نيل العسلا حوباؤه / في اللَه لم يحتج لقول مرغب
ولكم تعرضت العواذل دونه / فانصاع لم يحفل بلوم مؤنب
سلك البحار وهن جوداً كفه / والبر يقطعه بصدر أرحب
فجبال هذا من رصانة حلمه / وعباب هذي من نداه المخصب
وأرى المراكب في البحار محلها / وأراه بحراً حاصلاً في مركب
فاعجب له بحراً يحل بمركب / إذ ليس يغمره بموج مرهب
واعجب لفلك قد طغى وبضمنه / من حلمه جبل ولما يرسب
لكنما فيه استطار مسرةٌ / فطفت له في الماء خفة مطرب
ولو أن ناراً قد سرت فيه خبت / لمضى يزج بعزمه المتلهب
حتى إذا اجتاز القفار ومزقت / أيدي المطي به أديم السبسب
نشقت به البطحاء أطيب نكهةٍ / من طيب ورث العلا من طيب
ما زال يدنو وهي تعلو رفعةٍ / حتى استقلت فوق هام الكوكب
ورأت شمائل هاشمي لم تكن / أبداً قرابته تناط بأجنبي
عقد الأزار فحل ما بين الرجا / والخوف عقدة أدمعٍ لم تنضب
فكأن كل الأرض كانت عنده / حرماً وكل الدهر يوم ترهب
ووا زاده الإحرام إلا مثلما / قد زاد ضوء الشمس نور الكوكب
ولكاد يشرق في يديه بهجةً / حجر أحالته أكف المذنب
وبزمزم لو كان يخلط ريقه / لأتت من الماء الفرات بأعذب
عرفت به عرفات حين وقوفه / دعوات آباه التي لم تحجب
وتوسمت منه محاني طيبةٍ / عنوان والده النبي الأطيب
حتى إذا ما جاء مرقد جده / ودعاه عند سلامه في يا أبي
أخذ الفخار على البرية كلها / إلا نوادر من بهذا المنسب
قد كان يسمع من جوانب قبره / صوتاً بأهل يلتقيه ومرحب
فكأنما هو قد رآه مشافهاً / وكأنه في القبر لم يتحجب
ومضى إلى نحو البقيع مسلماً / في دمع هام وقلبٍ ملهب
متذكراً آباءه الغر الألى / فيهم نجاة الخائف المترقب
ولقد شجاه أن رأى أجداثهم / عن جدهم بعدت ولما تقرب
يا من له صدق النوى بايابه / ولرب موعد غادر لم يكذب
ضاق العرقا وقد مضيت بأهله / كمضيق وجه الفارس المتنقب
حتى إذا أقبلت أسفر ضاحكاً / ببكاء غيثٍ للبرية معشب
فكأنما بعث الإله به لنا / قبل البشير مبشراً لم يحجب
حتى تيقنت الورى إذ سرهم / فيك البشارة كنت جد مسبب
عم السرور بك البرية كلها / بل خص قلب أبي الحسين الأنجب
علامة العلماء أفضل من غدا / في الشرق يهتف باسمه والمغرب
هو حجة اللَه العظيم فمن عشا / عنه تخبط للضلال بغيهب
من فضله كالشمس قد ملأ الفضا / نوراً وفضل سواه عنقا مغرب
وأرى العلاء إذا ارتداه غيره / ثوب الحير يلف جلد الأجرب
انظر إليه تجد به من شئت من / آبائه خلقاً وملقٍ مهذب
هو حول هو قلب هو مظهر / للملة الغرا وسر المذهب
فيه وفي آبائه عصم الورى / من كل خطبٍ في البرية أخطب
مهلاً أبا الفضل المحلق للعلا / فلقد رميت الواصفين بمتعب
ما إن عجبت لما أتيت من العلا / إلا سبقت وجئتنا في أعجب
مهما أقل ما كان إلا مثلما / قد قلت أن الشمس أحسن كوكب
فإليكها عن فكرتي عربيةً / ضربت بها أعراقها في يعرب
فلكم أبت نشزاً على من رامها / خطب النكاح لها ومن لم يخطب
لكنها زفت إليك ومهرها / منك اقبول وذاك أعظم مأرب

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025