المجموع : 152
يا مَقيلَ السِربِ في ظِلِّ الأَراكِ
يا مَقيلَ السِربِ في ظِلِّ الأَراكِ / بَينَ سَلعٍ وَالكَثيبِ الأَيمنِ
دَبَّجَت تُربَك وَطفاءُ سُكوب /
يَضحَكُ البَرقُ بِها وَهيَ قُطوب /
ثَرَّةُ الآماقِ تَهمي وَتَصوب /
لَزِمَت جَوَّكَ لا تَعدو ثَراك / تَهزِمُ المَحلَ بِجَيشِ المُزُنِ
وَكَساكَ الرَوضُ مِن وَشيِ الأَقاحِ /
مِطرَفاً تَصقُلُهُ كَفُّ الرِياحِ /
إِنَّما الزَهرُ جَلابيبُ البِطاحِ /
كَم حَكى مَنسوجُهُ لَمّا كَساكَ / وَشيَ مَصنوعٍ بَصَنعا اليَمَنِ
وَتَغَنّى في رُباكَ العَندَليبْ /
يَرقُصُ الغُصنُ لَهُ وَهوَ رَطيبْ /
وَثَراكَ اِختالَ في بُردٍ قَشيبْ /
مِن أَنيقِ الوَردِ وَالرَندِ يُحاكْ / فَيوَشّي نَسجَهُ بِالسَوسَنِ
فيكَ ميعادُ التَداني وَالوِصالِ /
وَاِقتِضاءُ الدينِ مِن بَعدِ المَطالِ /
وَمَلاهينا بِرَبّاتِ الحِجالِ /
فَرَعاكَ اللَهُ مَغنىً وَسَقاكْ / واكَفُ الغَيثِ بِهامٍ هَتِنِ
مُذ وَميضَ البَرقِ مِنكَ اِئتَلَقا /
ضَرَبتَ أَسماءَ وَعدِ المُلتَقى /
فيكَ لي لا بِأَثيلاتِ النَقا /
هُنا يا سَعدُ فقِفْ بي لا هُناكْ / فَهُنا عَرَّجَ بي مُرتَهِني
حَبَّذا تُربِكُ لا المِسكُ الفَتيقْ /
حَبَّذا واديكَ لا وادي العَقيقْ /
كَم حَجَجنا لَكَ مِنْ فَجٍّ عَميقْ /
فَوقَ عيسٍ حَلَّ مَسراها سِواكَ / صَبَغتَ لاحِبَها بالفَرْسَنِ
لِيَ غَزالٌ فيكَ لَم يَأوِ الكِناسِ /
يَرتَعُ القَلبُ وَلا يَرتَعُ آسِ /
ريقُهُ صَهباءٍ وَالمَبسِمُ كاسِ /
قامَ بِالحُسنِ مَليكاً وَمَلاكِ / ناعِسُ العَينَينِ صَلتَ المَرسَنِ
زارَني وَهناً إِذا اللَيلُ سَجا /
بَمُحيّا قَد بَدا فَاِنبَلَجا /
كُلَّما مَزَّقَ جِلبابَ الدُجى /
ظَلَّ في أَصداغِهِ السودُ يُحاكِ / وَيوشيهِ بِكَحلِ الأَعيُنِ
زارَني بِالسَفحِ مِن رَملِ الكَثيبُ /
فَتَعانَقنا وَقَد غابَ الرَقيبُ /
مِثلَما اِلتَفَّ قَضيبٌ بِقَضيبُ /
كُلَّما قَبَّلتُهُ قالَ كَفاكَ / قُلتُ مِن خَدَّيكِ وَرداً أَجتَني
فَاِنثَنى وَاِزوَرَّ مِن تَقبيلِهِ /
نادِماً مِنّي عَلى تَنويلِهِ /
فَرَأَيتُ الشَكلَ مِن إِنجيلِهِ /
قُلتُ يا أَقصى المُنى روحي فِداكَ / ما جَرى قالَ أَما قَبَّلتَني
قُلتُ خُذ عَن قُبلَةٍ مِنّي قَبلُ /
قالَ ما كُلُّ رَوىً يَشفي الغُلَلُ /
قُلتُ مَن لي بِسَجاياكَ الأُوَلُ /
قالَ لي هَيهاتَ مَن يَسمَعُ ذاكَ / أَم أَوفى لا تُباري مَظعَني
شَهِدَت لي بِالهَوى تِلكَ القُدودِ /
فَقَضى الحُسنُ لِتَعديلِ الشُهودِ /
وَمُذ اِستَشهَدَت في تِلكَ الخُدودِ /
قيلَ لي كَذِبٌ وَزورُ مَدعاكَ / أَنَّها مَجروحَةً بِالأَعيُنِ
يا غَزالُ السَفحِ مِن وادي زَرودِ /
كُن كَما شِئتَ بِوَصلٍ أَو صُدودِ /
سَلَفَت مِن أَهلِ تَيماءِ العُهودِ /
لَستُ أَشكو لِزمانٍ مِن نَوالِ / لِيَدٍ بَلَغَتها مِن زَمَني
يَومَ تَزويجِ فَتى المَجدِ حُسَينِ /
طَيِّبُ العِرقِ شَريفُ الحُسبَينِ /
وَخَتّانَ النَجبُ اِبنُ الأَنجُبَينِ /
مَن تَرَبّى وَهوَ في حِجرِ السِماكِ / وَهوَ مِن دَوحِ العُلى كَالفِنَنِ
قُل بِيَومٍ فازَ فيهِ النَيِّرانِ /
ذاكَ في عُرسٍ وَهَذا في خَتّانِ /
سَعدُ ما أَسعَدَ هَذا مِن قَرانِ /
رَصَدَت عَينُ العُلى هَذا وَذاكَ / فَهُما مِنهُما بِمَرأى بَينِ
يا حُسَينُ نِلتَ غاياتَ المُنى /
بِمَسَرّاتٍ جَلَت عَنّا العَنا /
فَأُهنيكَ كَما شاءَ الهَنا /
وَأَهني يا أَخا البَدرَ أَخاكَ / بِالَّذي سَرَّكُم بَل سَرَّني
ذاكَ مَن عَمَّهُم جودُ يَدِهِ /
ذاكَ مَن سادَهُم في مَحتِدِهِ /
ذاكَ مَن ساغَ الوَرى مِن مَورِدِهِ /
ذاكَ مَن ذاكَ وَهلُ تَعرِفُ ذاكَ / ذاكَ مَن أَضحى سَمِيَّ الحُسنِ
نَجعَةَ المُسنِتِ وَالدَوحُ سَليبُ /
وَثَمالُ الوَفدِ وَالعامُ جَديبُ /
لَم يَزَل بَينَ بَعيدٍ وَقَريبُ /
فيهِ مِن أَسرِ يَدِ الضُرِّ فِكاكُ / عارِضٌ لِلمُجتَدي وَالمُجتَني
بَحرُ جودٍ في وُرودٍ وَصُدورِ /
عِب حَتّى جازَ أَوكارَ النُسورِ /
تَغرَقُ الشِعري بِهِ وَهيَ العُبورِ /
وَتَسامى سَمكٌ فيهِ السِماكُ / سايِغُ مَورِدُهُ لَم يَأجِنِ
عَقَدَ الفَخرُ لَهُ تاجُ الفِخارِ /
وَلَكُم طاوِلُهُ قَرمُ فِخارِ /
أَينَ شُهبُ اللَيلِ مِن شَمسِ النَهارِ /
فَليَخفِض إِنَّهُ لَيسَ هُناكَ / وَليَعرُج لِلحَضيضِ الأَحزَنِ
لا تَقسِهِ في دَكاءِ باياسِ /
وَبِمَعنِ كَرَماً إِذ لا يُقاسِ /
خالِصُ التِبرِ بِقُطرٍ وَنُحاسِ /
أَو يُساوي التاجَ نَعلٍ وَشِراكٍ / أَم سَنا الشَمسُ كَلَيلٍ أَدكَنِ
عاشَرَ الأَقرانَ في خَفضِ الجَناحِ /
ذاكَ عَن خَلقٍ رَضِيَ وَصَلاحِ /
أَنتَ في السَملِ كَمَن خافَ الكِفاحِ /
فَإِذا نَبَّهَكَ الهَولُ رَآكَ / أَرقَماً سابَ لَهُ مِن مَكمَنِ
يَرشَحُ السُمُّ شَواظاً في شَواظِ /
نافِثُ اللَدغَةِ مِزوَرُّ اللِحاظِ /
وَكِلَّتُهُ نَفسُ حَرٍّ بِالحِفاظِ /
فَهوَ في شَوكٍ هوانٍ لا يُشاكِ / وَكَذا مَن لَم يَهِن لَم يَهِنِ
يَئِستُ مِن طَيشِهِ قِوسُ الزَمانِ /
يَأسٌ مَن جاراهُ في حَوزِ الرِهانِ /
أَطلَقوا في جَريِهِم فَضلَ العِنانِ /
فَكَبَّت أَرجُلَهُم دونَ مَداكِ / وَاِستَكانوا بَعدَ جَيشٍ أَرعَنِ
قُل لِمَن جاراهُ فَليَلوِ القِيادِ /
رامَ ما مِن دونِهِ خَرطُ القَتادِ /
وَالسَواري لا تُباريها الوُهّادِ /
بَل إِذا ما المُشتَري رامَ عُلاكَ / قَعَدَت هِمَّتُهُ بِالثَمَنِ
أَنتُما في أُفُقِها كَالفَرقَدَينِ /
كَثُرَ النَجمُ وَكانا أَوحَدَينِ /
لا يُواخي حُسناً إِلّا حُسَينِ /
بِالتِزامٍ لا يُوازيهِ اِنفِكاكَ / أَبدَ الدَهرِ وَعُمرَ الزَّمَنِ
فَاِسمَعا غَرّاءَ مِن سَرحِ القَصيدْ /
لَو رَآها الحَرثُ يَوماً أَو لَبيدْ /
وَزِيادٌ وَجَريرٌ وَالوَليدْ /
وَهيَ تَجري بِاِنسِكابِ وانسِباكْ / لَغَدا مِصقَعُهُم كَالأَلكَنِ
زَهرُ رَملٍ جادَهُ الطَلُّ السَقيطُ /
لَو رَآها مَن بِهِ مالِ الغَبيطُ /
ظَلَّ مِن غُرِّ المَعاني يَستَشيطُ /
وَرَآها وَقفا نَبكِ هُناكَ / مِثلَ شَمسٍ وَظَلامٍ مُردَنِ
هِيَ بَكرٌ قَد وَهى بُرقُعُها /
تَصدَعُ الشّاني وَلا يَصدَعُها /
بَل هِيَ الشَمسُ غَدا مَطلَعُها /
يا مَقيلَ السِربِ في ظِلِّ الأَراكِ / بَينَ سَلعٍ وَالكَثيبِ الأَيمنِ
هاجَ بَرقُ السَعدِ قَمَرِيَّ الهَنا
هاجَ بَرقُ السَعدِ قَمَرِيَّ الهَنا / فَتَغَنّى هَزجاً في هَزجِ
وَسَرَت بِاليُمنِ مِن رَوضِ المُنى / نِسمَةٌ هَبَّت بِطيبِ الأَرَجِ
وَحَمامُ البِشرِ غَنّى وَتَلا / سَيرُ اللَهوِ بِنادي الطَرَبِ
قَد رَقى مِنبَرُ بانٍ وَاِعتَلى / في مُروجٍ كَمُروجِ الذَهَبِ
فَهوَ لا يَنفَكُّ يُملي لِلمَلا / أَعنَقَت بِالحُزنِ عَنْقاً مُغرِبِ
بغناً ناهيك فيه من غنا / خمرة اللهو به لم تمزج
أترى معبد القى المدنا / لحمام السقط والمنعرج
فترى فيها الفضا لما ارتدى / وله من لامع البرق شنوف
يرقص القطر زفوناً إذ غدا / يضرب الرعد بجنبيه دفوف
وترى الآكام في قطر الندى / ظهرت في مده مثل الحروف
وترى فيه الرواسي سفنا / سبحت ما خرة في لجج
وترى الضب يؤم المكمنا / ثانياً برثنه لم يعج
وترى منتظم الطل السقيط / فيه بطن الواديين اتشحا
والصبا قد حملت عرف الخليط / ولذا كانت لقلبي أرواحا
فصلت هذي وذياك يخيط / مطرف الزهر فيكسو الأبطحا
إذ حدا الرعد يسوق المزنا / مثقلات كالظعين المدلج
ودعا عند محاني المنحنى / يا ربوع ابتشري وابتهجي
عارض الوسمي كم قد روضاً / وجه وهدٍ وكثيب أوعس
فكأن الماء لما غيضا / قيل يا أرض أبلعي ثم أكتسي
والبسي أخضر لكن فضضا / بالأقاحي فهو أسنى ملبس
الحمت آساً وسدت سوسناً / يد أزهار الربيع الأبهج
ثم حاكته تباهي اليمنا / هكذا صنعاء لا تنسجي
دولة للزهر ترتاح النفوس / في تجليها وفي أطوارها
أرغمت كرتها أنف المجوس / إذ تجلى الماء في أزهارها
كم ترى نجماً ولكن الشموس / ليس يخفيه سنا أنوارها
وترى وشياً يروق الأعينا / يرقص الأغصان رقص الغنج
والشقيق الغض يصبي الغصنا / إذ بدا في خده المنفرج
والثريا مثل كف بضة / للدجى أو مت فلباها الغسق
أو كعنقود بدا من فضة / قد جلاه الإفق فالأفق طبق
وسهيل خد خود غضة / لثمت فاحمر منها وخفق
أو كقلب بالملاح افتتنا / فهو خفاق كثير الوهج
بات ينزو مستطيراً شجنا / إذ أتى الليل بظل سجسج
واتانا بعد صد ونفار / وأصلاً حبلي به من قطعا
زار ليلاً فغدا الليل نهار / قمر في أفق شعر طلعا
كلما حط عن الثغر الخمار / شيم برق بالثنايا لمعا
فارتجينا غيث أنس هتنا / يرتوي منه أوام المرتجي
وقرعنا ثم أبواب الهنا / ففتحنا كل باب مرتج
وغدا البدر إليه يستشيط / رام أن يفضحه فافتضحا
أخجل البدر فذا الطل السقيط / عرق من وجهه قد رشحا
ولئن سح على وجه البسيط / فبمنديل الدجى قد مسحا
وهو لو أنصفه كان دنا / وتدلى في مكان الدملج
أم رأى القرط يؤد الأذنا / ورأى الساق بحجل حرج
ونديمي في أوانيه سعى / ذو بنان راق في تطريفه
وفر البذل علينا إذ رعى / عهده فأزور من تطفيفه
طاف بالصغرى وبالكبرى معا / معجب الصنعة في تأليفه
فهو لي بشرى بإتناج المنى / إذ سعى نحوي بشكل منتج
جابراً صدعي فيه مذ دنا / يصدع الليل بوجه أبلج
وأباريق إذا ما عربدت / أشرقت أكؤسها بين الرياض
بابنة الكرم علنيا قد بدت / فافتضضنا ختمها لا عن تراض
زوجت من غير عقد فغدت / تنتج اللؤلؤ من غير مخاض
فانجلت أفراخ در بيننا / حضتها كف ذات الدملج
أمها في فرع كرم تجتني / وأبوها من نطاف الحشرج
دع سلاف الخمر في تصفيقه / وارتشف من ثغره خمر أتروق
حبذا شرب الطلا من ريقه / أنها أعذب ما يحسو المشوق
لم يدنسها صدا أبريقه / فلذا ساغت صبوحاً وغبوق
إذ غدا يحسو رضاباً وجنى / من ثنايا شعشعت بالبلج
تلك للمضنى بها برء الضنى / وبلال لغليل الوهج
كلما ارتج وهي رمل الكثيب / خجلاً من موجة في ردفه
وإذا ماس انحنى الغصن الرطيب / طرباً في هزة من عطفه
فإذا ريح الصبا هبت قريب / طار قلبي خشية من قصفه
وإذا ما كسر اللحظ لنا / فتكت الحاظه بالمهج
كم رماني بسهام إذ رنا / ذلك الريم بطرف أدعج
قائلاً لما جلا لي شنفه / شم بن برق المنى يا مبتغي
قلت ورد الخد أبغي قطفه / قال يا عقرب صدغي ألدغي
قلت يا نفس ترجي عطفه / أو كل البذل لوا والأصدغ
فغدا يضحك مني وانثى / ينظم القول باسلك الغنج
قال طب نفساً فقد نالت المنى / ما على أهل الهوى من حرج
قسماً بالراقصات الضمر / تترامى للمصلى والحجون
وبما يحملن من معتمر / مسعر القلب بنيران الشجون
بادر النسك بقلب مقصر / وقضى من منسك الحج شؤون
وبمن بات ثلاث بمنى / ضارعاً في همه المعتلج
ذاهل اللب عناه ما عنى / فالتجا حيث يغاث الملتحي
ومبيت الركب في روضة خاخ / بي أحقاف النقا والأبرق
وبمن يقنص من غير فخاخ / متهمات كل ركب معرق
كم مول ثار عن قلب أناخ / فهي أشتات به لا تلتقي
كم رأت عيناي وجهاً حسنا / بين هاتيك الربي والفرج
من ظباء الخيف إذ عنت لنا / بين أدماء وخشف أدعج
وبمسرى العيس للحادي اللجوج / قد كساها الليل ثوب الحلك
في بدور أشرقت بين الحدوج / قد سبت حسناً بدور الفلك
تخذت من فاحم الشعر بورج / وحباك الرمل ذات الحبك
في قدود كأنابيب القنا / بسوى الأدلال لم تنعوج
كم رأى من جاء ذاك الظعنا / بدر تمٍ مشرق في هودج
وبمن يجررن ربط الأزر / يختلسن الخطو تيهاً لا حذرا
كل غيداء سعت للمشعر / قد جلا معصمها رمي الجمار
وانثنت في بدنها للمنحر / ولها أشفار عينيها شفار
ليت شعري لم تسوق البدنا / أو لم تفد بسفك المبهج
كل من حج لديها افتتنا / قد أصاب البر من لم يحجج
لقد أثاقلت عن دين الهوى / وتخلت من يدري أمراسه
إذ ذوي غصن شبابي فالتوى / ونسيمي ركدت أنفاسه
أو للغيد أرى نهجاً سوا / والصبا قد عريت أفراسه
كان ذاك الورد غصن المجتنى / وشفيعاً مولياً ما أرتجي
خلته يبقى فلم يبق لنا / وتقضي ليله في دلج
أيها المضني لركب أوجفا / وزمان عنك فابت شمسه
دعه واسل ويك عما سلفا / واقتبل دهراً جديداً أنسه
إن موسى مذ أحال الشرفا / طبق الدنيا سروراً عرسه
وبه قد راق بل رق لنا / مشرع الأفراح عمر الحجج
إن موسى ونشيدي والهنا / أرج في أرج في أرج
كان لولا فضل موسى مدركي / وأياديه التي أعيت أياد
مغرقي دمعي وشوقي مهلكي / للحبيبين شبابي وسعاد
باليد البيضاء أضحى ممسكي / إذ طغى فرعون حزني في الفؤاد
ولقد دك به طوط العنا / إذ بدا في نوره المنبلج
وهو من ياس وكرب قرنا / كان لي باب الرجا والفرج
رد غرب الشوق في فرحته / وهو بحر كان لما انبجسا
فاتل ما قد جاء في مدحته / جعل البحر طريقاً يبسا
وسرى سرحي إلى سرحته / وعليه ركب شوقي حبسا
قالت الآمال قف بي ههنا / وعلى وادي طواه عرج
في ذرى جانب طور أيمنا / هو كهف الملتجي للملتجي
كنت لم آلف لدار مألفا / أو أرى الحسناء من ألافه
ولكم كلفت ركبي نفنفا / لم تحم طير على أكنافه
أوطأت حرته نضوي حفا / فسقى الترب دما أخفافه
تارة شاماً وأخرى يمناً / مولعاً في مدخل أومخرج
تهت في وادي التصابي زمنا / وهو أفضاني لأهدي منهج
فأنا أشكره ما اخضر عود / إنما الشكر جزاء المنعم
وأهنيه بنظم كالعقود / كان سراً في ضمير الحكم
قارنت بدر الهدى شمس السعود / فتهانينا بنظم الأنجم
واستنارا بسناء وسنا / فأضاءا غسق الليل الدجي
مذ أتت تطوي الظلام المردنا / تتحرى منه أهدى منهج
بذخت في نسب من أحمد / فهي للجمرة من عدنانه
لشعيب ما اتنمت في محتد / لا ولم ترع له في ضانه
لم تقف ذائدة عن مورد / لا ولا اجتازت على أوطانه
بالغريين لها لا مدينا / منزل سامٍ رفيع الدرج
تألف الأملاك منه مأمنا / فيه ما نام القطا لم يزعج
وهو من في موسم العليا اتجر / وتجارات المعالي لن تبور
فيه للعافين كنز مدخر / إن رمت في أزمة قوس الدهور
وهو للأمال بحر قد زخر / تغرق الشعري به وهي العبور
حاز من شم المعالي القننا / وبه غير العلى لم تعرج
ذاك نهج قد نبا واستحزنا / عدلت عنه بنات الأعوج
فمتى كوكب نوءٍ أكذبا / ناكثاً في حلفه عهد العهاد
وبروق المزن كانت خلبا / وغدا البدو يكدون الثماد
وأديم الأرض أضحى أشهبا / حيث تنصاح الروابي والوهاد
كنت فيه المجتدي والمجتنى / منه أزهار الربيع الأبهج
وسجايا تمطر الناس غنا / ظل من في بابه لم يلج
قل لمن جاراه يبغي القصبا / حازها موسى فلم تستبق
فإذا ما البزل وافت خببا / قصرت عن شأوهن الحقق
وإذا البر ذون جاري سلهبا / رد مجراه مضيق أزلق
ليس من جاراه إلا زمنا / مقعداً في شلل أو عرج
وهو كالبرق وإن كان ونى / فهو كالهوج سرت في مدرج
ففتى فاراب في تعليمه / لم يكن من مسكه إلا أريج
يبهز الكندي في تنجيمه / وهو لا واللَه لم ينظر بزيج
ينزع الخصم إلى تسليمه / ولكم خاصم أساداً تهيج
فهو إن جادل أو قال أنا / سطعت حجته بالفلج
وإذا ما غالطوه برهنا / أي وعينيه بأقوى حجج
فابن سينا لم يكن في علمه / مثل من في طور سيناء ارتقى
وإياس قطرة في يمه / وأويس لا يدانيه تقى
وابن قيس لم يقس في حلمه / وكذا قس إذا ما نطقا
لا تقسه في سواه علنا / ليس كالحرة لحب المنهج
أم ترى البدر كليل أدكنا / أم شذا المسك كريح العرفج
عرقت فيه البهاليل ومن / عرقت فيه البهاليل نجب
نسب أشرق في أفق الزمن / شهباً تهزأ من ضوء الشهب
من كرام عم شاماً ويمن / نيلهم فهو كأنواء السحب
كل جيد طوقوه مننا / مشرقات في الدجى كالسرج
لم يزل ربعهم ربع الهنا / ومغانيهم مغاني الملتجي
أعربت لي بك ألحان الغنا
أعربت لي بك ألحان الغنا / السن البشري بنيل الأرب
وغدت تحلب لي كف المنى / بكؤوس الأنس ضرع الطرب
حيث برق السعد بالأفق بدا / وبه انهل سحاب الفرح
فكسا الروض من اليمن ردا / أخضراً وشته بيض المنح
وبه ناتج آمالي غدا / قطفه دان به لم يبرح
كلما فاح شذىً عرفنا / عرفه أفراح كل الحقب
في ليال عدن بالوقت السعيد / وبها شمل الهنا قد جمعا
فهي أيام غدت أيام عيد / ناهجاً للإنس نهجاً مهيعا
قد صفا فيهن لي عيش رغيد / مذ غدا روض الملاهي ممرعا
إذ تلا يهزج في روض العنا / بلبل الأنس بنادي الطرب
رشأ يختال في أبهى البرود / فسباني جيده لما سنح
نرجسي اللحظ وردي الخدود / يمنع الريق ويسخو بالقدح
أبيض المنظر مسود الجعود / كلما استمسك يثنيه المرح
ما حكاه كل من قد حسنا / كيف يحكى وهو بالحسن نبي
قام يجلو راحة في راحتيه / خلتها شمساً لها البدر مدير
وزهت شهب الدجى بين يديه / فترى الآفاق فيها تستنير
لاح في مرآتها من وجنتيه / إذ جلاها وهي في نشر العبير
حمرة الياقوت بل أبهى سنا / وبها شعت لئالي الحبب
أشرقت في كفه مشكاة نور / بالتهاب من حباب كالنجوم
قام فيها ناشراً من في القبور / فهي الروح أعيدت للجسوم
إنها أقوى براهين الثغور / لك فيما تدعيه وتروم
كيف أسقاها ومشروع القنا / حكمت منه بمنع الطلب
ولبيض القضب من سود المقل / برق استمطر منه العطبا
أترى إن جئت في صادي الغلل / كيف من ثغرك أسقي الضربا
وبها عنون محتوم الأجل / لم أجل لي عن شباها مهربا
آه من ذي صبوة قد فتنا / فيك لا يحظى بغير العطب
وبك أنهل دماً دمعي وقد / صبغت حمراً به مني الثياب
وبقلبي قبس الشوق وقد / فلك النور ولي منه الشهاب
يا رشيقاً قلبه للقلب قد / أفلا ترحم صباً فيك شاب
ولماذا لم أنل منك المنى / أفلا تغفر ذنب المذنب
من لصب كلما رام لماك / رغبة فيه عن الكأس الدهاق
أو بخلاً فيه قد حرمت فاك / أم دلالاً منك يا واهي النطاق
لم يزل فيك وإن قل وفاك / شغفاً مورىً بنار الاشيتاق
أنا في حبك قاسيت العنا / لم أجد غيرك في من مذهب
لم أزل أطوي الليالي في قلق / حين أبدلت عن الوصل الصدود
وأسأل الوجد دمعي في الحرق / لا هباً ينهل من فوق الخدود
يا بديع الحسن يا ساهي الحدق / أتراك اليوم موفٍ بالعهود
وترى ينتظم الشمل لنا / بعد ما ولى كعنقا مغرب
حبذا طيب وصل لا يعود / بك في مغنى الغنا آنسه
كان لي فيك به مخضر عود / والنوى ما بيننا أيبسه
أترى الدهر بما فات يجود / يأخذ اليوم ويعطي أمسه
فلقد كان به منهجنا / مهيعاً للكاعبات العرب
عربٌ تسطع ما بين السجوف / فتحاكي بسناها النيرين
ولها من فاحم الشعر صفوف / قد حكى لسعاً أفاعي الواديين
تتلوى فأرى فيها الحتوف / ترصد الصب بأعلى المنكبين
أو بها أرسلن نحوي شطنا / فمنحن الدمع من ذا الوصب
قال رائيها بأكناف المراح / كمصابيح انجلت في خندس
أصباح لاح أم بيضٌ صباح / أسفرت تجلو دياجي الغلس
بيض أوراكٍ صقيلات الصفاح / لم تزل مولعة بالميس
بدرياتٌ لها البدر عنا / وغدت تخجل زهر الشهب
نشرت أنفاسها عرف الخليط / بشذا قيصومها أو شيحها
وطوت أيدي مطاياها البسيط / تترامى في مرامي فيحها
فغدا بحر دموعي كالمحيط / حيث أشجاني صدى تطويحها
وبه أجرى دموعي سننا / من هيامي للحسان الكعب
فلها لا زلت خوار العنان / وعن الحب لها صعب القياد
ليت تجب العيس قد كان بطان / كورها لما سرت مني الفؤاد
أو فجنبي لطلاح البزل كان / مطرحاً تمرح فيه بالوهاد
أو فعيني بوأتها مسكنا / من جفاها ورفيع الطنب
لست أنفك على طول الدهور / لهجاً في ذكر أقمار حسان
سرحت عاقدة تاج الشعور / حائزات الحسن في سبق الرهان
ولوت في جيدها أطواق نور / كالتواء السعد في جيد الزمان
إذ تغنت لي في لحن الهنا / ألسن البشرى بنيل الأرب
حبذا من طالع عصر الشباب
حبذا من طالع عصر الشباب /
لاث لي من دونه الشيب نقاب /
ذهبت أيامه أي ذهاب /
بعت منها باللجين الذهبا / والقنا اللدن بمعوج القسي
بيعةً ما أربحت من كسبا / بعد أن عاد بكفي مفلس
يا خليلي على تلك القباب /
عرجاً بي نقتفي خط الشباب /
إن فيها من بني الفرس كعاب /
حلفت أن تسترق العربا / حين سامت مهرها بالأنفس
وارتضينا رقها واعجبا / يرتضي بالرق من لم يدنس
كسرويات على دين المجوس /
حاكمتنا فسبت منا النفوس /
طالعتنا فحسبناها شموس /
فارتقبنا نحوها مرتقبا / فإذا نحن بواد مشمس
نلتظي من دونه ملتهبا / دونه النار التي لم تمسس
يا بنفسي من ظبيات الكناس /
ظبية مال بعطفيها النعاس /
خالستها النظر العين اختلاس /
إذ تراءت فتلقت غضبا / غيرة من نظر المختلس
قلت بالكعبة أن أدنو الخبا / منك قالت لا وبيت المقدس
غردي عاذرةً ذات الجناح /
ما على من شفه الحب جناح /
إن من ديني أن نهوى الملاح /
سنة لا أختشيها مذهبا / دين من قد كان بالأندلس
بعث اللَه العليم الكتبا / قبل أن يبعث روح القدس
فسل الفرقان عما قد حكى /
من هوى يوسف لما ملكا /
وسلن آدم ممن قد بكى /
حينما عن وجه حوا احتجبا / إذ يقاسي حيرة الملتمس
أيها المظهر مني عجباً / تحسب الماضي قديماً قد نسي
أو فسل مدين فيها من ولج /
واصطفى الوصل على سبع حجج /
وعلى من تحسب الصرح لجج /
بعد ما قد ملكت قوم سبا / إذ أتت ذات قياد سلس
سل سليمان بها كم قد صبا / لا هياً عن جنه والأنس
فبروحي من بها لست أبوح /
أبدا ما دام في جنبي روح /
أبذل الدمع بها وهو سفوح /
وأروض القلب أن يضطربا / لا يحس السر من يحسس
علق القلب هواها أشيبا / فهو من علقتها في يأس
أجتدي الغيث وقد عز المغيث /
لجوى يا سلم بالقلب يعيث /
فحديثي فيك ما أشقى الحديث /
جذوة شبت فعادت لهبا / كشهاب بيدي مقتبس
فأنا من فوق أعلام الربى / علم الخنساء للمغلتس
أعجبت عز بأشواق كثير /
وبثين من جميل ليسير /
أنا يا سلم وإن كنت الأخير /
قد ركبت اليوم ما لن يركبا / مصعب الهجر بشوق أهيس
ورجائي دون ما قد طلبا / ولئن كانت جموحاً فرسي
قادها حبك مرخاة الزمام /
ليس يثنيها عن الحب الجام /
لا وعيش لك في دار السلام /
ألبست نعماه أكناف الربى / من رياض حلة لم تلبس
برقت تصقلها كف الصبا / فهي من استبرق أو سندس
هي مما غزلت أيدي الرباب /
نسجتها فوق كرسي الشعاب /
الحمت ماء وسدته تراب /
ثم حاكته تباهي قعضبا / إذ أتت حسا بما لم يحدس
أتنجت من ذا وهذا عجبا / من عقيم الشكل شكل النرجس
نشرت للبشر أعلام الفرح /
فانطوى الأفق لها قوس قزح /
وعليها موكب الريح انسرح /
وتغشاها الحيا فانسكبا / مطرباً يرنو بلحظ منكس
قد تطوى خجلاً فاحدودبا / فهو من فرط انحناء كالقسي
لو تراه وهو في متن الغمام /
خلت أن الزهر في البيد سهام /
إذ تخال الأكم الخضر خيام /
والربيع الحزن فيها طنبا / مؤذناً في يوم حرب أنحس
حيث طبل الرعد فيها ضربا / سائقاً جيش الغمام المكدس
زهر ما أدرعت تلك البطاح /
والغصون اشتبكت فيها رماح /
وجفون البيض عن بيض الصفاح /
صافحت للبرق سيفاً فنبا / حده عن حدة المحترس
ما بها فل تفل اليلبا / لا تبالي مدرعاً من مترس
أرحب البرق وقد شب التهاب /
فانطوى ناراً بأحشاء السحاب /
فرزت فيها حواياها فذاب /
فهو إذ ينهل ذوباً صببا / كفؤاد المستهام اليئس
غالب الشقوة كان الأغلبا / فتولى بشقاء الملبس
جحفل يحسبه الطرف منيع /
نمنمت في جيشه زهر الربيع /
شربت شامته منه النجيع /
وغدت تصبغ كفاً خضبا / فيه صبغ الأرجوان الأنفس
سقت القمري كأساً مذهبا / فتغنى بذهاب الأنفس
يا بنفسي وسليماها الربوع /
كم حنيناً بمحانيها الضلوع /
إذ حمت سلم مريعاً عن مروع /
يجتلي مغناه ورداً أطيبا / ويقاسي منه شوك الملمس
كم رعيناه مخصباً / وارتعينا بالهشيم اليبس
كم على وجدي على دار السلام /
لا مين سعد ومن عوفي لام /
أنا يا سعد وإن طال السقام /
لست أبغي بالحمى منقلبا / فأطلق اللوم به أو فاحبس
لا ومن يلقي عليك الكثبا / إذ تناجي جندل المرتمس
سل سمير الليل كم كان السمير /
ليلة طال بها الليل القصير /
بات مرتاحاً على جنب الغدير /
مازجاً بالجد مني اللعبا / عل أن أجفانه لم تنعس
راعه النجم إذا ما غربا / فهو يرميه بلحظ أشوس
إن نسلني علم أخبار النجوم /
فعلى خبرتها جم العلوم /
سل أحدثك أحاديث الرجوم /
إنها يشهد عن عنها كبا / نفسات خلقت من نفسي
لجوىً كلمت فيه الشهبا / فهي مما أشتكي في حرس
قتل العيوق كم كان الرقيب /
رصداً لليل يخشى أن يغيب /
ما لنا للحشر في الوصل نصيب /
إذ له الميزان مهما انتصبا / دلس الصبح وماء الغلس
لا جزاك اللَه عنا كوكبا / ولحاك اللَه من مدلس
في عهود سلفت حيث الحمى /
كنت أشهدت عليه الأنجما /
أقذف الدمع عليهن دما /
من جفون شفها ما ذهبا / فهي شيئاً بعده لم تؤنس
عندها سيان مهما نسبا / وضح الصبح وليل الحندس
كم لها قاسيت عين الأرمد /
غب يوم غبه لم يحمد /
ليت يومي كان في سعد غدي /
إذ سقاني ما أطيبا / خمرة الريق بكأسٍ ألعس
فحمى عن مسه ما ذهبا / حين وافى بشفيع الغلس
هزت الزوراء أعطاف الصفا
هزت الزوراء أعطاف الصفا / وصفت لي رغدة العيش الهني
فارع من عهدك ما قد سلفا / وأعد يا فتنة المفتتن
عارض الشمس جبيناً وجبين / لنرى أيكما أسنى سنا
واسب في عطفك عطف الياسمين / وانثن إذا غصناً إذا الغصن انثنى
حبذا لو قلبك القاسي يلين / إنما قدك كان الألينا
فانعطف غصناً إذا ما انعطفا / قدك المهزوز هز الغصن
إن في خديك روضاً شغفا / مقلة الرائي وكف المجتني
يا غزال الكرخ وأوجدي عليك / كاد سري فيك أن ينهتكا
هذه الصهباء والكاس لديك / وغرامي في هواك احتنكا
فاسقني كأساً وخذ كأساً إليك / فلذيذ العيش أن نشتركا
أترع الأقداح راحاً قرقفا / واسقني واشرب أو اشرب واسقني
ولماك العذب أحلى مرشفا / من دم الكرم وماء المزن
من طلا فيها الندي ابتسما / إذ سرت تارج في نشر العبير
أطلعت شمس سماها أنجما / من حباب ولها البدر مدير
فاسما أرض أو الأرض السما / إذ غدت تلك كهذي تستنير
في ربوع ألبستها مطرفا / أنمل الزهر من الوشي السني
وحمام البشر فيها هتفا / معرباً في لحنه لم يلحن
وحميا الكاس لما صفقت / أخذت تجلى عروساً بيديه
خلتها في ثغره قد عتقت / زمناً واعتصرت من وجنتيه
من بروق بالثنايا ائتلقت / في عقيق الجزع أعني شفتيه
كشفت ستر الدجى فانكشفا / وانجلى الأفق بصبح بين
أكسبتنا سقتنا نطفا / خفة الطبع وثقل الألسن
سلها حمراء من إبريقه / بسنا تحسبها نار الفريق
وغدا يمزحها من ريقه / حبذا مزج رحيق برحيق
رقصت بالدن من تصفيقه / حبباً كالدر في ذوب العقيق
رسب الياقوت فيها وطفا / فوقه لؤلؤه الرطب السني
ما رآها البرق إلا انشغفا / بسناها شغف المفتتن
أنت يا روح المنى روحي فداك / مسقمي حباً ومبرمي سقمي
أتشكي لك من سيف جفاك / لا تبح يا مانع الريق دمي
قد شربت الخمر لكن كلماك / ما رأت عيني ولا ذاق فمي
لو به ابتل غليلي لا نطقا / لا بدمعٍ حره أشعلني
كلما كفكفت منه وكفا / فوق خدي وكيف المزن
أصبحت روحي في مثل الخلال / إذا تلاشى الجسم في علته
وأنا أصبحت روحي في مثل الخلال / إذ تلاشى الجسم في علته
وأنا أصبحت عن شخصي مثال / بارزاً للناس في صورته
من رآني خالني طيف الخيال / واعتراه الشك في يقظته
لا تسلني عن نحولي فجفا / ناحل الأجفان قد أنحلني
من لذي جسم عليل نحفا / بالهوى ليت الهوى لم يكن
من رشاً لما تبدى رايعاً / أشرق افتر تثني نفرا
قمراً تماً وبرقاً لامعاً / وقناً لدناً وظبياً أغفرا
إن بدا الربيع اليانعا / وعن الزهر المندى أسفرا
خده والصدغ فيه اكتنفا / وردة محفوفة في سوسن
أو شقيق فوقه الآس ضفا / أو كمي متقٍ في جوشن
أو هو الديباج زرته الحسان / في قميص من حرير أخضر
أو هو الياقوت في عقد الجمان / ناطه الزنجي فوق المنجر
أو هو الجمر ذكا بين الدخان / أو هو الكافور تحت العنبر
أو هو الدينار حين انصرفا / في يمين الحبشي الأدكن
أو هو المريخ شق السدفا / وتراءى في الظلام المردن
قرطوه بالثريا والأثير / ولووا في جيده طوق الهلال
وكسوه دون موشي الحرير / قمص العز وأبراد الدلال
وجلوه جلوة البدر المنير / قمراً يشرق في برج الجمال
كسروي الشكل رومي القفا / يوسفي الحسن صلت المرسن
قلبه ينحت من صم الصفا / وجنى وجنته الورد الجني
أنا أساد الشر دون الشرى / تتقيني فلماذا أتقيه
من مريض الجفن كم قد شهرا / صارماً فيه حمى رشفة فيه
ودمي طل لديه هدرا / أتراه أن ودي القتل يديه
ما له ساق لجسمي التلفا / وهو في شرع الهوى لم يضمن
لا تقل يحكم فينا جنفا / إنه أدرى بهذي السنن
وافر الأرداف أبدت نقصه / بدقيق الخصر إذ رجت لديه
ما تأملت بعيني شخصه / غيرةً من نظرة العين عليه
ولو استطاعت لكانت قمصه / أعين ما نظرت إلا إليه
إنها منذ تولى وجفا / هجرت حتى لذيذ الوسن
أنا أهوى أنا يراها مألفاً / لتقيه أعيني من أعيني
ملك بالحسن أضحى معجباً / وهو لا يحكم إلا في القلوب
إن جنى ذنباً تجنى مغضبا / وله من ذنبه نحن تنوب
من رأى قبلك يا غض الصبا / مذنباً يجزي بريئاً بالذنوب
قلت إذ مر بقد أهيفا / ومن الدهشة ما يخرسني
أيها الساكن قلبي مألفا / كيف ترضى بحريق المسكن
فاحد بالركب إذا الركب حدا / فيه يوماً وأقم ما أن أقام
يممن نجداً إذا ما أنجدا / وإذا أتهم فالمسرى تهام
وهو أن يشهد فأم المشهدا / وسلام لك من دار السلام
إن ثوى جسمي فحل النجفا / ففؤادي عنده لم يظعن
أين من حلو بجمع والصفا / من مقيم بالغري الأيمن
أيها العذال كفو عذلكم / بالهوى العذري عذري اتضحا
وامنحوا يا أهل نجد وصلكم / مستهاماً يتشكى البرحا
واذكروني من ذكراي لكم / رب ذكرى قلبت من نزحا
الوفا يا عرب يا أهل الوفا / لا تخونوا عهد من لم يخن
لا تقولوا صدع عنا وجفا / عندكم روحي وعندي بدني
أنا ما حولت عند شغفي / لا ولا من سكرتي فيكم صحوت
عنكم لم أسل في شيءٍ وفي / قربكم عن كل شيء قد سلوت
ليس في الدنيا صفي أو وفي / أنا قد جربت جيلي وبلوت
فلكم جبت إليكم نفنفا / طالباً أو انكم من وطني
فحفت عيسي ومن بعد الحفا / لم تجد بالربع غير الدمن
يا معيسيل اللمى خذ بيدي / أنا في حبك مشبوب غريق
بت أستشفي بدمعي كبدي / كيف يستشفى حريق بحريق
فخذوا دمعي وردوا كمدي / ليس لي فيكم رفيق أو فريق
أسفاً من أهل نجد أسفا / كيف أهواهم وهم من زمني
وإذا نبت البطاح اختلفا / غلب الشوك على الورد الجني
لا تخل ويك ومن يسمع يخل / أنني بالراح مشغوف الفؤاد
أو بمهضوم الحشا ساهي المقل / أخلجت قامته سمر الصعاد
أو بربات خدور وكلل / يتفنن بقرب وبعاد
إن لي من شرفي برداً ضفا / هو من دون الهوى مرتهني
غير أني رمت نهج الظرفا / عفة النفس وفسق الألسن
لست بالغيد مشوقاً مغرما / لا ولا استسقيتهن الأكؤسا
أو تصبيني الغواني بعدما / حاك لي مبيض فودي برنسا
فابغ من حزمك طرفاً ملجما / إذ غدت خيل التصابي شمسا
وإله واسل ويك عمن سلفا / عهده حتى كأن لم يكن
أن يخنك الصبر فالأنس وفى / يوم تزويج الفتى عبد الغني
سعد بالسعد انجلى قطر العراق / مالئاً بالبشر أقطار الملا
وحميا الكاس تجلو الرفاق / وبها مجلس أنسي كملا
فاسقني أسقيت بالكأس الدهاق / أننا اليوم بلغنا الأملا
فاتل من غر القوافي صحفا / ما يعيها القلب قبل الأذن
حاليات بتهاني المصطفى / وأخي الحمد أخيه الحسن
عارضاً عافٍ وروضاً رائد / نبتاً من قبل نبت العارضين
أملاً راجٍ وغيظاً حاسد / من رأى الغيظين كانا أملين
ما تعدى واحد ع واحد / باقتران كاقتران الفرقدين
جريا مجراهما ما اختلفا / مستقلين معاً في سنن
لا يزل شملهما مؤتلفا / أبد الدهر وعمر الزمن
قل لشاني المصطفى كنت الفدا / للذي ترهب من أنصله
ملك ما إن تجلى أو بدا / سجد الدهر على أرجله
وإذا غاضت ينابيع الندى / أخذت تمتاح من أنمله
والحيا من راحتيه اغترفا / فسقى الأرض بغيث هتن
تحسب التبر لديه خزفا / باذلاً ما يقتنه المقتني
يتبع الهمة ماضي عزمه / فيرى الأبعد أدنى ما ينال
ونزاه هينا في سلمه / وإذا ناضل يصمي بالنضال
لا تهال الحرب إلا باسمه / وهو من حرب الضواري لا يهال
يسم الصعب إذا ما أرجفا / سمة الذل إلى أن ينثني
لو بشم الراسيات اعتكفا / واختفى خائفه لم يأمن
وأخوه القرم وقاد الذكا / كاد أن يهتك أستار الغيوب
كلما صوب فكراً أدركا / خالص الرأي من الرأي المشوب
قد براه اللَه ملكاً ملكا / طيب الأعراق تهواه القلوب
جاء في الحلم يضاهي الأحنفا / وحجىً رضوى به لم يوزن
وذكاءً وتقىً ما عرفا / لأياس و أويس القرني
ترجمت خلقك لي ريح الصبا / مذ سرى طبعك في أنفاسها
فسرت تفضح أزهار الربى / بشذىً فاق الشذى من آسها
كاد لولا شأنه أن يشربا / طبعك المصبي الطلا في كاسها
بمراس لك لو لان الصفا / ملمساً ملمسه لم يلن
وشبا عزم يفل المرهفا / ويقود الصعب قود المذعن
أنتما من أسرة المجد الأثيل / ما تخطى بعضهم عن بعضهم
ورثوا المجد قبيلاً عن قبيل / وتعاطوه تعاطي فرضهم
وإذا ما أجدب الربع المحيل / أخصبت جوداً مغاني أرضهم
هذه العلياء لا ما زخرفا / من أسانيد دنيٌّ لدني
شرفاً آل المعالي شرفا / فيكم أشرق وجه الزمن
كانت الدنيا جماداً يبسا / فسقوها وهم أندى المزن
بيد قد عم حين انبجسا / سيبها أهل الصحاري والمدن
وأبي لولاكم لا ندرسا / مربع العلياء لا بل لم يكن
وغدا المعروف قاعاً صفصفا / ليس في مغناه غير الدمن
نتم جددتموه مذ عفا / وأبنتم منه ما لم يبن
أنتم الناس بلى ثم بلى / والأيادي البيض أقوى حجج
أنتم الناس فخاراً وعلا / وسواكم من سوام الهمج
عطل الأجياد من كل حلى / لم يسيروا للعلى في منهج
حاولوا العز فنالوا الصلفا / وتولوا باشتباه بين
سيري الرائي إذا ما انكشفا / ذلك السر انكشاف العلن
فرس العلياء مانفكت جموح / لم ترض ظهراً لمن يركبها
كم رأت من جسد ما فيه روح / فرمته ما دري مذهبها
لا تغرنك أجساد إلا خزفا / أي ومن في فضله سددني
سل عن العسجد مني صيرفا / إنني أدري بما في معدني
لا تؤمل من لئيم كرما / ليس للطرف دخان طيب
وإذا استجديت يوماً ديما / فاختبر أي الغمام الصيب
دع أناساً قد تصدوا برما / وهم في جب جهل غيبوا
قد تود الأرض أن تنخسفا / وهم في ظهرها كالبدن
لم تجد فلي مائهم قط صفا / لا ولا في الكأس غير الدرن
أنتم القوم الذين اتسعا / في معاليهم مجال الشعرا
حاولوا حصراً لها فامتنعا / وأبت شهب السما أن تحصرا
سلم الفضل لكم لو أنصفا / مستبد بلجاج بين
ذاك لو أصغى لشعري انكسفا / وتلوي كتلوي المحجن
يا أبا الهادي وما أملحها / كنيةً تحلو مذاقاً بفمي
هاكها غراء قد وشحها / لؤلؤ لولاك لم ينتظم
أملت منك بأن تمنحها / بقبول منك يا ذا الشيم
لم أقل ما قلت إلا شغفا / بك يا حلية جيد الزمن
ليس قصدي وقصيدي اختلفا / أنا من وافق سري علني
بي يا ساقي الطلا ابدأ أولا
بي يا ساقي الطلا ابدأ أولا / وبي اختم دورها من قرقف
ألبست خديك منها شعلا / تسلب الليل رداء السدف
خمرة فاح شذاها بعدما / فضح الأرجاء بل أرجها
هي من نار ولكن كلما / نضح الماء بها أججها
وحباب المزج فيها انتظما / كثغور جل من فلجها
وبدت فيها لآلٍ تجتلي / ما حكتهن لآلي الصدف
عقدت في نظمها عقد الولا / رصفه راق كماء الرصف
حربها حربي وسلمي سلمها / فأناً مغرىً بها بها مستهتر
من خدود الغيد يجني كرمها / وبأحدق المها تعتصر
فإذا ما فض عنها ختمها / في الدجى بات الدجى يستعر
سكب الماء بها فاشتعلا / وأبت شعلتها أن تنطفي
وهي في الحالين عند النبلا / منية المقتبس المغترف
من ثناياك استعارت حببا / ومن الريق طلاها تستعار
فكأن صورة ثغر أشنبا / لاثه الخمر وما لاث الخمار
رشحه لو لم نصفه ذهبا / لم يكن في معصم الساقي سوار
فهو لو ينطق ما بين الملا / لسوى ثغرك لم يعترف
فاسقني ثغر لا ثغر الطلا / أنه أعذب للمرتشف
خمرة عتقها القس سنين / فأقامت وهي لا تبغي حول
فهي في بطن الحوانيت جنين / وهي تروي سير الفرس الأول
أفصحت إذ بات عياً من تلا / شرح أنبائهم في الصحف
كم جلوناها وكم فيها انجلى / نبأ القس وسر الأسقف
أبداً تجلى ويجلى القمر / فيرى ثم لها سر أنيق
طاب في مثل حساها السمر / إذ بدت تحسبها نار الفريق
وإذا الركب رأوها أبصروا / وأضح النهج وقد ضلوا الطريق
تترك المعقول حساً للملا / وهي من وشي البها في مطرف
فترى فيها الطراز الأولا / وهي تحكيه عياناً فتفي
كن لدى جلوتها منتبها / فعلى تكييفها طال اللجاج
أهي بالكاس أم الكأس بها / أذ بدت صرفاً فأخفاها المزاج
فهماً شيء بدا مشتبها / أم هما شيئان خمر وزجاج
لا الطلا كأس ولا الكأس طلا / عزب القصد على المعتسف
ولها إن شئت فاضرب مثلا / وحدة الوصف مع المتصف
فهي لا تنفك تجلو حببا / كاللآلي انتظمت في سلكها
هي كالفضة لاقت ذهبا / وغدت ممتازة في سبكها
أو كشمس بسناك اتصلا / ما أتى الدهر بليل مسدف
والذي أبصر ليلاً أليلا / فهو عن مرآكما في كنف
من فم الإبريق لما انسكبت / شربتها مقلتي قبل فمي
أترى كفك منها اختضبت / بدم العنقود لا بلا بدمي
هي من نار إذا ما التهبت / أحرقت بالكف زهر العندم
إن ما خضب تلك الأنملا / دم مشعوف جرى من شعف
طل في تلك الترافي والطلى / وسوى خدك لم يغترف
هاتها تشرق في أكوابها / صبغت ثوب الدجى لون الصباح
على نفسي من ضني أوصابها / تجد البرء ويعروها ارتياح
وأنعتنها ويك في ألقابها / فهي روح وهي روح وهي راح
وكأوصاف الطلا ساقي الطلا / ولماه العذب للمرتشف
إذ سعى يرتاح فيها معجلا / عاثراً بالريط ريط الرفرف
رشأٌ يرتاع من مغرمه / وهو في مأمنه بين الفرق
وإذا ما خفت من لومه / ظلت أكني عنه بالغصن الرشيق
ولكم موهت عن مبسمه / بثنايا الجزع من وادي العقيق
قد لوى جيدي عن ريم الفلا / ربرب القصر ربيب الترف
جؤذر قد راح يأوي منزلا / بين أطباق الضلوع الرجف
فهو من قلبي يأوي مكنسا / وبأجفاني إذ تنطبق
ناظماً دمعي إذ ما انبجسا / لؤلؤاً في جيده يتسق
وعلى نار الصبا قد غرسا / ورد خديه فلا يحترق
وبميل السحر لما اكتحلا / مسح اللحظ بحد المرهف
وجلا سيفاً ورمحاً قتلا / وهما من دعج أو هيف
رقرقت وجنته ماء الشباب / فأراقت أدمعي فيه المقل
ولنار الحسن في الخد التهاب / يبعث الوجد إلينا بالقبل
كم رنا لا بل رمى أصاب / من حشا عاشقه مأوى الغلل
وإذا الألحاظ كانت أنصلا / لم يكن غير الحشا من هدف
أي وعينيه إذا ما اعتقلا / صعدةً من قده المنعطف
علق القرط بأذنيه وثن / ضل من صلى إليه وغوى
كم بذاك القرط ذو اللب افتتن / إذ تجلى وعلى العرش استوى
مرسلاً من سبط الشعر علن / ودعا الناس إلى شرع الهوى
كافراً جاء إلينا مرسلاً / وهو لم يؤمن بما في الصحف
أتلف الناس جيمعاً وتلا / ليس من شرعي ضمان التلف
ذاك ريم بات عندي بعدما / أخذت منه الحميا مأخذ
كلما قبلته ملتثما / فاح لي من نشره طيب الشذا
ولقد عنقته ملتزما / شارباً ريقته حتى إذا
ما أباح الصبح لما اتصلا / أقحوان الشهب للمقتطف
كان كالبدر تجلى وانجلى / أو كما طاحت يد من كتف
بمحياً قد بدا فانعكسا / شكله شمساً أضاءت مطلعا
فكأن الليل لما اندرسا / ثم غيمٌ قد غشى فانقشعا
وكأن الدهر زهر يبسا / بعد أن أينق أو أن أينعا
وكأن البدر لما أفلا / درهم ضمته كف الصيرفي
وكأن الصبح لما أقبلا / مفعم سال بقاع صفصف
فلتطب نفسي عن أخدانها / فالأماني ضلة بعد الفراق
أين من نجد ومن سكانها / قاطن الحيرة من أرض العراق
إنما الراحة في سلوانها / وعناء ذكر أيام التلاق
كم مشوق قد تسلى فسلا / وطوى الأشواق طي الصحف
وإذا ظل الوصال انتقلا / لم يعد فائته بالأسف
بيد أني شمت في ربع الهنا / بارقاً لاح به يأتلق
ظل يحدو للأماني مزنا / هي بالأنس غدت تندفق
صدقتني وعدها فيها المنى / وهي في عهدي قليلاً تصدق
جددت لي عيشها المقتبلا / وغدت تنجز وعد المخلف
ولعمري قد بلغت الأملا / ولقد شاع الهنا في كنفي
يوم تزويج بدور وشموس / بزغت ليلاً وباتت بزغا
واصلت نوراً بمرآة النفوس / أدركت أمناً ونالت مبتغى
هزمت في سعدها جيش النحوس / وبها ثوب النحوس انصبغا
فشدا القمري لا بل هلهلا / بمثاني الساغبات الهتف
ملأت بالبشر أقطار الملا / فرحة بأرض النجف
يا أبا القاسم خذها قسما / بمعاليك بلا خنث ومين
أنت لو تخطب من أم السما / بنتها الشمس لزفت رأي عين
وأتت تنحو مغانيك كما / أقبلت تنحوك شمس الحسبين
أو لست البدر لما انسدلا / فوق متن الليل ثوب السدف
ومعير الروض خلقاً مجتلي / من سجاياك بأسنى زخرف
فاهن يا عباس في قرة عين / وأشأ سبقاً يا جواد الحلبات
بفتاتين هما بالمنسكين / طافتا والعرف ينحو عرفات
زارتا شمسين برجي قمرين / فغدا سعد قران النيرات
قلت إذ ذاك وهي اتصلاض / من لفي تلك وذا في مألف
تلك بلقيس سليمان العلى / وكذا هذي زليخا يوسف
حبذا أناء لهوٍ قد غدا / باسم الثغر بها عباسها
بلغت فيها الورى أقصى مدى / للهنا حيث جرت أفراسها
وإذا ما أسرةٌ عمت يدا / بالندى عمت هنا أعراسها
وكذا أنتم بلى ثم بلى / لم تزالوا خلفاً عن سلف
فاشد يا سعد وغن طربا / وجد العود بجس الوتر
فاح نشر البشر ترويه الصبا / وسرى منه بذيل عطر
وجرت خيل التهاني خببا / لعلي المجد سامي المفخر
من له ابتز المعالي حللا / وهي في دهري شمس الشرف
يتوارى البدر منه خجلا / كيف يرعاه بوجه كلف
ملك ما إن تجلى وبدا / سجد الدهر على أقدامه
وله تاج الكمال انعقدا / واستقام الشرع في أحكامه
ولكم جد له واجتهدا / رافعاً للزيغ في أقلامه
رب أقلام تضاهي الأسلا / في شباها وحدود المشرفي
هي أحرى للفتى معتقلا / حيث لا زحف لغير الأحرف
علم يؤتم في للرشاد / إن دجا للجهل مسدف
ببيان لو وعى قس أياد / مثله راح به ينشغف
ولسان كلما أدبى أعاد / جاحد الفضل له يعترف
يتثنى الدهر فيه جذلا / فهو منهز بقدٍّ أهيف
أترى ذا الحبر يملي الغزلا / أم ترى للدهر فرط الشغف
ذو قدور ملأت صدر الفضاء / راسيات أو جفانٍ كالجواب
تحسب الغلي بها كان رغاء / فحل البزل بها وهي عراب
وإذا ما اتنصبت عند الغناء / فأثافيها شماريخ الهضاب
وإذا ما الليل ألقى كلكلا / أو قدوا نيرانها بالشغف
أوقدوا العود بها والمندلا / فهو للأعين أو للأنف
لا يرى لا لجواب تصلح / ونعم تأتي فتاتينا النعم
صحفت في لظه إذ تفتح / نونها أدهى للناس نعم
ذات لا يسام مما يسمح / وسخاء الطبع لا يدري السآم
فاسأل الغيث إذا ما انهملا / عن ندى كفيه إن تكتف
عن ندى كفِّ نداها أخجلا / طله غيث الغمام الوكف
فلو أن الغيث يمتاز الندى / منه ما أجدب يوماً مشهد
واستهل البرق منه عسجدا / ولجيناً هل فيه البرد
وكذا البحر لو نال يدا / من أياديه إذا ما يزيد
لجلا اللؤلؤ للناس ولا / حازه في قعره بالصدف
وغدا بينهم مبتذلا / أي وعينيه ابتذال الخزف
ذاك من لو كلنا مداحه / ما نرى بالعشر من معشاره
ذاك إن جن الدجى مصباحه / يفضح البدر سنا أنواره
مدحه قد عجزت شراحه / فاكتفوا بالعين من آثاره
غير أني رمت فيها رتلا / أن أوشي في ثناه صحفي
ونظمت الشهب فيه جملا / كي أحليها بأسنى شرف
لم يزل منك عل جيد الفخام / طوق عز أبد الدهر اتصل
صاغه من صاغ أطواق الحمام / وكسا الطاووس موشي الحلل
وغدا مغناك مأوىً للملا / ملجأ الخائف خصب المعتفي
ما شدت ورق وغنت طربا / ترقص الغض بروض أنف
يا معير الغصن قد أهيفا
يا معير الغصن قد أهيفا / ومعير الريم مرضى الحدق
هل إلى وصلك من بعد الجفا / بلغة تنعش باقي رمقي
همت في حبك والحب هيام / فلى اللوم ولا لوم عليك
وتعاصيت على داعي الغرام / فوقعت اليوم طوعاً في يديك
كلما رمت أعاصيك الزمام / جذبتني سورة الحب إليك
وإذا جال فؤادي وقفا / حول مغناك فلم ينطلق
وعلى نادي هواك اعتكفا / فغدا مأمنه في فرق
أنت يا ذا الدل والحسن البديع / لي بث لك لو تسمعه
بنت على جنبي وقد كنت الضجيع / فنبا بعدك بي مضجعه
قد وصلت الحبل في ألفي شفيع / وبلا ذنب بدا تقطعه
إن من راع فؤادي بالجفا / كلف القلب بما لم يطق
آه من ذي قوة قد ضعفا / بالهوى ليت الهوى لم يخلق
بت من حبك ذا طرف قريح / محرقي وجدي ودمعي غامري
خضل الأردان ذا قلب جريح / أتحرى كل برق حاجري
ما لقي القيسان قيس بن ذريح / ما ألاقيه وقيس العامري
لا ولا عروة فيما سلفا / بعض ما لاقيت في الحب لقي
ليت دين الحب لما خلفا / لم تقم بيعته في عنقي
أصبحت روحي في مثل الخلال / مذ تلاشى الجسم في علته
وأنا أصبحت عن شخصي مثال / بارزاً للناس في صورته
من رآني خالني طيف الخيال / واعتراه الشك في يقظته
أثر النلم على صم الصفا / تركت مقلته من رمقي
لست ألحاه على ما أتلفا / إنما أشكره فيما بقي
خلق الرحمن جسمي والضني / ناظري والدمع قلبي والجيب
مقلتي والسهد روحي والعنا / أضلعي والوجد لبي واللهيب
سبعة في سبعة قد قرنا / إن هذا لهو الخلق العجيب
وعلى الوفق جرى ما اختلفا / دأبها جارٍ بهذا النسق
حسبي اللَه حسيباً وكفى / من تباريح أهاجت حرقي
فأمط ليل القذال المرسل / عله ينشق عن صبح الجبين
إن في حاجبك المقرون لي / صبوةً ما لي فيها من قرين
تلك قوس لسهام المقل / عرضت من فوق عود الياسمين
لم يكن قلبي إلا هدفاً / لمراميها وراء الحدق
خطفت قلبي لها فانخطفا / بسهام ما اتقاها متقي
أبهرت الشمس لما بزغت / وعدت خافقة من وجل
ورأت نورك أسنى فلغت / وغدت محمرة من خجل
لست أدري وعساها انصبغت / بخدود لك أدمت مقلي
خلت أن الورد منها انقطفا / أو سقتها مقلتي من علق
فهي لولا ما عليها انذرفا / من دموعي لذعتها حرقي
من دعا وجهك شمساً إنما / أنصف الشمس وما أنصفه
قل لمن ساواه في بدر السما / يسأل العاشق من أتلفه
فلقد أنكرني أهلي وما / أنكروني قبل أن أعرفه
أنكروا مني جسماً مدنفا / ومبيتي ذا وساد قلق
ودموعاً تتهامى ذرفا / أخضلت ردني وأذكت حرقي
يا رشاً ما في هواه من سرف / لا ولا في حبه نخشى العذاب
صيغ في قالب حسن وترف / بعد ما أفرغ من تبر مذاب
ما رآه الطرف إلا واغترف / من جنى وجنته ماء الشباب
فنشا أغيد غضاً مترفا / بأبي من ناشئ ذي قرطق
فارسي الغنج تركي القفا / بابلي اللحظ حلو المنطق
فاسقني كاساً وخذ كاساً إليك / فلذيذ العيش أن نشتركا
وإذا جدت بها من شفتيك / فاسقينها وخذ الأولى لكا
أو فحسبي خمرة من ناظرك / أذهبت نسكي وأضحت منسكا
وانهب الوقت ودع ما سلفا / واغتنم صفوك قبل الرنق
إن صفا العيش فما كان صفا / أو تلاقينا فقد لا نلتقي
زان صدغ الآس خد الجلنار / فيك يا مصبي عيون النرجس
أي لونين اخضرار واحمرار / وشعا فيك وثغرٍ ألعس
فرياحين فورد فعقار / جمعت ألوانها في مجلس
قل لمن أصبح فيها مدنفا / وغدا من وجدها في أرق
قم ونل ما شئته مرتشفا / وتروح أن تشا وانتشق
خضبت من راشح الخمر يداك / عندمٌ في الكاس أم فيها دم
أم حكت خدك مرآة طلاك / فغدت حمرتها ترتسم
وألذ الخمر لكن كلماك / ما رأت عين ولا ذاق فم
عربد الإبريق لما ارتشفا / نهلةً منه فلما يفق
لا تكذبه إذا ما حلفا / إنه قد ذاق ما لم يذق
قمر في فرع غصن طلعا / فاجتل إن شئت أو شئت اعتصر
بشتيت برقه مد لمعا / بشر المغرم بالعذب الخصر
من طلاً فيها غليلي نقعا / لم تدنسها أكف المعتصر
لا ولا القس سقاها إلا سقفا / لا ولا أمت بني المصطلق
هذه لا ما دعوها قرقفا / منية المصطبح المغتبق
أين لا أين سرت تلك الحدوج / تترامى العيش فيها بالسرى
أين أقمار خلت منها البروج / ودراريهن حلي وبرى
ولقد جاز بها الحادي اللجوج / بين تيماء إلى أم الفرى
أم أرى للركب نهجاً مقتفى / يبلغ الثاوي إلى المنطق
سعد ما قلبي وترحال الفريق / لست بالقائف مقتص الأثر
فأعد من غزلي النظم الرقيق / وغنائي عند رنات الوتر
وبممشوق إذا ما انعطفا / ساقط الحليَ سقوط الورق
وهب الأحداق خصراً مخطفا / عقدت فيه نطاق الحدق
شق ديباجه خديه الجمال / مذ بدتا المخضر من عارضها
سنة دبت بها رجل النمال / لا يقوم العذر من لافظها
لا وما في وجنتيه من صقال / إذ تمشي النمل في داحضها
قم نهني الباسم العباس في / فرح اليمين ويمن الفرح
وانظم الشهب قواف لتفي / للتهاني حقها والمدح
لست أدري ما جرى بالنجف / أوى قد نال جزيل المنح
أم زليخا مصر زارت يوسفا / فسبت أرجاءه بالعبق
بوركا من نيرين ائتلفا / بتداني أفق من أفق
أيها الراكب فتلاء الذراع / رشق الصبح بها نزع الثرى
كالرشا أجفل والصعب أطاع / والحيا أغدق والسيل جرى
عج إذا جزت ثنيات الوداع / وتجاوزت إلى أم القرى
وأنخها بين جمع والصفا / وأثيلات الغض والأبرق
ثم هن الغر آل المصطفى / بأبي فضل وفرعٍ مورق
واتل من معنى الهنا كل بديع / لتهاني الحبر عبد الحسن
من أياديه لها حسن الصنيع / أصبح حلية جيد الزمن
وسجاياه كأزهار الربيع / سقيت من جوده في هتن
ذاك لو منه السحاب اغترفا / لرمى السيل السما بالغرق
تحسب التبر لديه خزفا / فهو مطروح له بالطرق
حرس اللَه سماء رفعت / أنت والمهدي فيها فرقدان
وبها شمس علاكم طلعت / بسنا لم يحظ فيه المشرقان
بكما غر المعالي اجتمعت / فروت عنها المعاني والبيان
كلما سجلت فيها أحرفاً / لا تفي بالبعض والكل بقي
وإذا سودت فيها الصحفا / أزهرت مبيضة في الورق
يا أبا الفضل أب يقفو أبا / فهم كل أشم المعطس
حائزاً يوم السباق القصبا / بمجاري كل صعب أشوس
قد حباك اللَه أسنى ما حبا / كرم النفس وطيب المغرس
شرفاً ناهيك فيه شرفا / لاح كالشمس انجلت في أفق
قد كساك الفخر برداً قد ضفا / فاعقد الشهب به وانتطق
لم يجاروك بأشواط الفخار / حسد يرنون بالطرف الحنق
لم يدانوك ولا شأو الغبار / أين للثاوي لحاق المنطلق
أين من أتعبه الجهد فخار / من مولٍ كالوميض المؤتلق
قعد العجز به لو انصفا / ناهض من نسله في ربق
أو هل يطمع يمشي أحنفا / مستقل بالحضيض الأزلق
عرقت فاطمةٌ قيه ومن / عرقت فاطمة فيه نجب
فاخرن من شئت شاماً ويمن / عجماً إن شئت أو شئت عرب
عرف اللَه بهم من عرفا / وبهم نال التقى كل تقي
أوضحوا للخلق نهجاً مقتفي / وطريقاً هو أهدى الطرق
يا أبا الفضل الذي رشحه / لنواميس العلى جيد الزمان
هاك من شعري ما وشحه / نظم أوصافك ولا نظم الجمان
لو دعاه يذبل رنحه / ما يعيه من معانيه الحسان
أي وعينيك ومن قد حلفا / يسوي عينيك لي لم أثق
لم أقل ما قلت إلا شغفا / بدلاً من خدعة أو ملق
هلهلت بالبشر ورقاء الهنا
هلهلت بالبشر ورقاء الهنا / فاكتسي الأفق برود الجذل
في ربوع زانها وشي الربيع /
فاستقام الأيك والطلح الضريع /
ولألبان الحيا البان رضيع /
إذ سقاه النوء منه مزنا / قد توالت بضروع حفل
ولقد هزت به الريح مهود /
إذ غدت تحضن أطفال الورود /
تنجتها السحب من بطن زرود /
وغدت تدرج فوق المنحنى / رافلاتٍ في حلىً أو حلل
ينثر الطل على أعناقها /
لؤلؤاً تلويه في أطواقها /
وغدا النرجس من أحداقها /
محدقاً بالغصن يصبي الغصنا / بعيون ساهيات المقل
وغدت تنفح في وفرة آس /
مذ رنا الغصن لها اهتز وماس /
وغدت تلبسه أسنى لباس /
سندسي النسج أعيا اليمنا / فهو في غزل كمعنى الغزل
كلما انشق به خد الشقيق /
ترك النرجس ذا طرف أريق /
إذ غدا بينهما العهد الوثيق /
أشهد الرند عليه السوسنا / فوشت فيه أكف الشمأل
سعد يا سعد اغتنم هذي الفرص /
في ربوع عمها البشر وخص /
غنت الورقاء والغصن رقص /
أو ليس الرقص يحلو بالغنا / والغنا حظ النزيف الثمل
فاسقني واشرب سلافاً صرخدا /
في لجين الكأس ذابت عسجدا /
نضح الماء بها فاتقدا /
واغتدى كالنار مشبوب السنا / فهو برد بلهيب مشعل
كم خشينا رصداً مذ سعرت /
وسترنا شمسها لو سترت /
وهي في أفواهنا مذ كورت /
حيث الأفواه فيها الأعينا / فغدت شعلتها في المقل
للبراعات رآها مستهل /
راهب الدير فصلى وابتهل /
فاسقنيها ويك علاً ونهل /
وعليه عن في أحلى غنا / شيقاً في شعرك المرتجل
غنني باسم عسيقي غنني /
وعن المسك شذاه عنعن /
عن عرار عن كبا عن سوسن /
ودع الألقاب منه والكنى / طيب أنفاس الصبا والشمال
غنني باسم الذي لذ اسمه /
حربه حربي وسلمي سلمه /
جسمه روحي وروحي جسمه /
أنا من أهوى ومن أهوى أنا / صح هذا في الزمان الأول
فبنفسي وبمجرى نفسي /
من به مزقت ثوب الغلس /
بزفير كلهيب القبس /
مذ ورى أورى الظلام الأدكنا / فبه إشراق ليل أليل
قد تعاهدنا على أن لا أبوح /
فملأن لي باسمه كأس الصبوح /
فهي راح وهي روحٌ وهي روح /
وهي من داء الضنى برء الضنى / وهو يشفي كل داء معضل
كتم الصب اسمه السامي وما /
باح في سر الهوى مذ كتما /
لم يكن ذلك خوفاً إنما /
حسد القلب عليه الألسنا / فطواه تحت كنز مقفل
رشا ذكر الهوى يرقصه /
يقنص الأسد ولا تقنصه /
لم يكد ينكي الثرى أخمصه /
وهو يرتج نقاً تحت قنا / ماج من أردافه في جدول
مذ روت ألحاظه سكر السلاف /
صح عندي ما روت وهي ضعاف /
فبها دون الطلا رفع الخلاف /
وعن الظلماء لما عنعنا / صدق الناس بشعر مرسل
سعد دع قلبي فيمن عشقه /
فتصابيه عرى متسقه /
فبروق السعد ذي مؤتلقه /
بالتهاني فلنهن الحسنا / فالتهاني اليوم أقصى أملي
إن فرد المجد لما زوجا /
عاد شكل المجد فيه منتجا /
فاتحاً للبشر باباً مرتجا /
بعلى يزهو سناءً وسنى / فتسامى للسماك الأعزل
حسن فيه المعالي تزهر /
وهو إذ يسمو لديه البصر /
وردة بل مزنة بل قمر /
مجتلىً أو مجتدىً أو مجتنى / قد غدا للمجتدي والمجتلي
فابق ما عشت بأنس وسرور /
وترنح بين أبراد الحبور /
وطلا الأفراح بالنادي تدور /
فابق ما أبقى الإله الأزمنا / رغدةً من عيشك المقتبل
ذاك من هاشم في أعلى مقام /
يفخر الناس بآباء كرام /
وشأى فضلهم فضل الأنام /
جده من قاب قوسين دنا / إن هذا حسن وابن علي
أترى الشهب أضاءت مطلعا
أترى الشهب أضاءت مطلعا / أم تراها غرر الغيد الملاح
تركت ليلي نهاراً أنصعا / وجلت رأد الضحى قبل الصباح
جئن تيهاً لا يبالين الحرس /
كل غيداء كمشبوب القبس /
قال رائيها وقد فر الغلس /
أعلى الأبريق برق لمعا / أم بدت سافرة ذات الوشاح
ما أماطت عن محياً برقعا / في الدجى إلا وخلت الصبح لاح
عربٌ تختال في أمراطها /
تعقد الزنار من أوساطها /
وتريك البرق من أقراطها /
كلما اهتزت لصب خضعا / هزه شوق إليها وارتياح
وهو لو يعرفها لا درعا / إنما للطعن يهززن الرماح
كظباء الخيف لا تخشي القناص /
يتسرتن بمسود العقاص /
جرحتني والجراحات قصاص /
غير أن القوس أعيت منزعا / ونبالي بعد لم تنصل قداح
جحفل بالشعر لما أدرعا / خانني الصبر فألقيت السلاح
لي فهن غزال ربرب /
ليس لي غير هواه مذهب /
لا ولا عن داره منقلب /
فأنا أتلع ما إن أتلعا / وإذا أبطح أوطنت البطاح
فلكم أزمعت لما أزمعا / وأرحت العيس لما أن أراح
يتبالهن وقد يعرفنني /
وهو فيهن غضيض الأعين /
قلت إذ يسألن عني أنني /
من إذا رمت التسالي ورعا / نكصت بي للهوى الغيد الملاح
ووإذا ما الروع هز الأروعا / فعفرني غابة شاكي السلاح
قلن لي علك يا بادي الشجن /
ذلك الصب العراقي الوطن /
مولع القلب بتسآل الدمن /
لست تنفك تحيي الأربعا / ولكم عجب ضحى في سفح ضاح
قلت هل تنكرن صباً مولعا / بذوات الأعين المرضى الصحاح
قلن يا أسم امنحيه الغزلا /
وصليه فهو من خير الملا /
فانثنت كبراً وقالت لا ولا /
كانلي سر لديه مودعا / ضمن الكتمان فيه ثم باح
ولقد شبب بي حتى سعى / بي في سر التصابي لافتضاح
فتضاحكن لها يخدعنها /
وإذا ما اعتسفت أرجعنها /
قلت إذ أعيت خصاماً دعنها /
فهي والغيران كانت شرعا / في تدانيها وفي طول انتزاح
منعت من وصلها ما منعا / وأباحت من هواها ما أباح
ثم قد ناشدنها بالذمم /
وتلطفن بطيب الكلم /
قلن لي الموعد في ذي سلم /
فانتظر حارسها أن يهجعا / ورعاة الحي أن تأتي المراح
وهزيع الليل ينهزعا / وتهيج الروض أنفاس الرياح
فأتت ترسل وحفاً ذا غدر /
ما حباً ما سحبته من أثر /
وهي نجم بل هلال بل قمر /
بل هي الشمس أضاءت مطلعا / وبدت والليل منشور الجناح
ولقد بتنا نريب المضجعا / بيننا ستر عفاف ووشاح
والربى أخضلها دمع الرباب /
فغدت مخضرة حمر الهضاب /
حبذا يا حبذا عصر الشباب /
كان لي فيه هناً فانقطعا / ببياض الشيب لا بيض الصفاح
ضاق بي من بعده ما اتسعا / فلقد كان شفيعي للملاح
سعد قف بالحي حي من ثعل /
بلوى الرملين واتبعها رمل /
واطلب السرب بناديهم وسل /
هل لما قد فات أن يرتجعا / أم لبرجاء التصابي من براح
ودع السرب وتلك الأربعا / فلقد نلت الأماني باقتراح
يوم روح البشر بالبشر سرى /
وانتحت شمس المعالي حيدرا /
وأتت والربع قد كان الشرى /
فتولى النحس لما سجعا / فرحاً في ألسن السعد الفصاح
قد زها روض المنى بل أينعا / والسرور افتر والمندل فاح
حيدر بشرت أهل الخافقين /
بسعود لاقتران النيرين /
فأهني فيك ذا الفضل حسين /
من به سمك المعالي ارتفعا / ودعا الناس إلى شرع السماح
سالكاً للمجد نهجاً مهيعا / يهتدى فيه بأنوار الصلاح
إما العلياء دارت لكم /
من أبيكم أن أحق الحكم /
فإذا ما خاصموكم خصموا /
ولكم برهانه قد سطعا / وانجلت حجتها والصدق لاح
فاذهبن فيها بصدق المدعي / ولك السهم المعلى في القداح
والعلى حظ حسين وأخيه /
ذاك إسماعيل والمولى النبيه /
ذو السجايا الغر لا من تزدهيه /
رفعة الشأن ولكن سطعا / بسنا بشر ونيلٍ مستماح
عم من فيض يديه الأربعا / وحكى في سيبها سيب البطاح
أيها الراكب يجتاب الظلام /
رخوة الصدغين مرخاة الزمام /
أنتجتها الحرف من فحل النعام /
فانتمت تعزي لهذين معا / وأتت سابقةً ذات الجناح
تسبق البرق إذا ما لمعا / والرياح الهوج إن هبت رياح
يممن من عاملٍ أهل الصفا /
وعج العيس وثرها وقفا /
ثم هن ذا المعالي يوسفا /
من به شمل الكمال اجتمعا / وعلى ساحته الوفد أراح
فاز من أمله وانتجعا / طالباً فيض نداه بالنجاح
فلو أن الغيث يمتاح الندى /
منك أو أوليته منك يدا /
لأسال البرق منه عسجدا /
وأبى عارضه أن يدمعا / برذاذ دون سكب أوسياح
وسقى الخضراء حتى تمرعا / وترى الشهب بها وهي أقاح
هاكموها يا بني فاطمة /
بأنوف للعدى راغمة /
فهي أحلى من مها كاظمة /
اتخذت مربعكم مرتبعا / وهي تزهو باختتام وافتتاح
فأقبلوها لا تزالوا أجمعا / بهناً ما أعقب الليل صباح
هزها الدل فماست مرحا
هزها الدل فماست مرحا / كقناة في يدي مرتعش
وبدت شمساً لها الجعد بروج /
وبخديها لمرتاد مروج /
جادها ماء الصبا فهو يموج /
وعليها الخال لما طفحا / قلت فك رقي يا ذا الحبش
مزقت ثوب الدجى في ثغرها /
ثم حاكته له من شعرها /
وانجلت سافرة عن نحرها /
ما رآها إلا واستحى / واعترته دهشة المندهش
أو ما بتصره لما أميط /
برقع الحسناء أمسى يستشيط /
خجلاً بات فذا الطلا السقيط /
عرق من وجهه قد رشحا / فهي لولاها الربى لم ترشش
قل لها ما للمحيا والقناع /
فلقد برقعها ضافي الشعاع /
أو تخشى نظرة القلب المراع /
وهي شمس المجتلي رأد الضحى / كلما أبصرها الطرف عشي
قتل الأفك ليسا بسواء /
وجهها الذاكي التجلي وذكاء /
تصبح الشمس ويخفيها المساء /
وهو يمسي مثل ما قد أصبحا / باهراً أشراقه للمعتشي
كم رآها السرب مرأى خشفه /
فمشت ثم رنت من خلفه /
فاشتكى من رجله مع طرفه /
ومشى وعثاً برجلي أفطحا / ورنا شزراً بعيني أعمش
وسبت رملته أردافها /
فغدت منهالة أحقافها /
وسبت غصن النقا أعطافها /
فهو مرعروق ثماراً ولحا / وهو معروش وإن لم يعرش
ثم أوفى سانحاً منتعشا /
إذ حكاها طي كشح وحشا /
إنما يدري وما يدري الرشا /
هزأت في ساقه مذ سنحا / هزء العبل بساق الأحمش
غادة ما راق حسن قبلها /
لو رأت أمة موسى مثلها /
عبدتها ما تولت عجلها /
لا ولا قال الملا لن نبرحا / عند هذا السائم المكترش
أرسلت من جعدها صلاً يسيب /
فوق ردفيها فقل صل الكثيب /
لو رأى ثعبان موسى ما أصيب /
غدوةً إذ يحشر الناس ضحى / إذ هو الأرقش عين الأرقش
صدقتني وعدها بعد المطال /
فأتت تسحب أذيال الدلال /
وصلت وهناً فما أحلى الوصال /
حيث لا واش ولا لاح لحا / فكلانا آمن لا يختشي
فشربنا تحت ليل أسفع /
من طلا اللهو بجام مترع /
قد أمنا روحة من أروع /
إذ مغنينا حمام صدحا / ونديمانا نديما الأبرش
وافترشنا الروض من زاهي ثراك /
والتحفنا فيه ملتف الأراك /
حبذا يا حبذا هذا وذاك /
فهما ما إن هجير لفحا / منية الملتحف المفترش
بربى مخضرة في بقلها /
قد أصابت مفصداً من محلها /
إذ رمته صائباً من نبلها /
قوس رام راح يدعى قزحا / وهو في غير الحيا لم يرشش
والحميا مذ بدت في كاسها /
عطر الجو شذى أنفاسها /
كل ما أوحش من أيناسها /
فهو الموحش لا ما نزحا / عربه عنه وإن لم توحش
أو ما تبصرها إذ لمعت /
شع فيها الليل لما شعشعت /
خلتها شمس نهارٍ طلعت /
غير أن البرج كان القدحا / وتجليها بليل أغطش
وسقتني خمةر من ريقها /
لم يدنسها صدا إبريقها /
دع سلام الخمر في تصفيقها /
وارتشف راحاً مرحا / فهي أهنا نشوة للمنتشي
أرشفتني ثغرها وهو يروق /
راق لي منه صبوح وغبوق /
لست أنسى أو هل ينسى المشوق /
ذلك المغبق والمصطبحا / أنا ما عشت وما لم أعش
ونديمي صرعته القرقف /
صبغت خديه وهو الترف /
كاد لما خامرته يتلف /
وغدا منتفضاً لما صحا / كانتفاض الطائر المرتعش
بوشاح بات ينزو قلقا /
صاغه من عسجد فائتلقا /
كفؤادي جائلاً إذ خفقا /
أتراه بفؤادي اتشحا / ذلك الريم ولما يختش
قد حكى البدر لنا والليل داج /
حلقه من عسجد في باب ساج /
والسواري كمسامير الرتاج /
فمذ الصبح أتاه انفتحا / وانثنى في جيشه المنكمش
فكأن الصبح لما اعترضا /
طلباً عند الدياجي مركضا /
وهزيع الليل لما أعرضا /
كان خاقاناً من الزنج انتحى / حبشاً فأنفض جيش الحبش
فتولت والحشا يتبعها /
غادة عن لها مربعها /
ما لمن قد فاتني موقعها /
غادرتني يوم وافت شبحا / ورمتني أسهماً لم تطش
غير أني لست أشكو المرتمى /
ولئن كنت المشوق المغرما /
أو أشكو لزماني الألما /
وقد افتر زماني فرحا / يوم تزويج الهمام القرشي
ذاك من قد جاء باسم المصطفى /
جده فهو عميد الشرفا /
فنهنيه وتتلو صحفا /
من تهانيه ونملي مدحا / تركت حاسده في دهش
أيها الساري على أدراجه /
لم يحد بالسير عن منهاجه /
يقطع الظلماء في أدلاجه /
بسرى حرفٍ رسيماً قد محا / كل حرف بالفلا منتقش
صبغت أخفافها بالعظم /
إذ سرت تخدي بليل مظلم /
حيث تنساب انسياب الأرقم /
تقطع البيد وتفري الصحصحا / وهي في خلق الفنيق الفرحش
تسبق الطر وتشأى الخاطفا /
لو بدت قدماً تجاري العاصفا /
لسليمان دعاها آصفا /
أو لغيلان لألقى صيدحا / بالموامي دهشة المندهش
زم ينجو زمزما والمازمين /
والصفا حيث الصفا والمروتين /
بالذي أوقفها بالمشعرين /
عج إذا عرف المعالي نفحا / وبدت نار القرى للمعتشي
وانته حث انتهى فيك السرى /
لأبى قابوس من أم القرى /
ثم هن في ذرى سامي الذرى /
عرباً حلوا هناك الأبطحا / وهم أنس المحل الموحش
من نزار ما الملا إلا نزار /
بابنهم إذا بات مع ذات السوار /
قد عجبنا إذا سرت تلقي الخمار /
لغزال في دجى الليل انتحى / غابةً من وشيه المفترش
بطل يرتاع منه البطل /
وقاطامي سواه الحجل /
وهو إن قام لبحثٍ أجدل /
أسد يفترس الشمط اللحى / وسواه مثل عنز اخفش
بدر سعد طالع في أوجه /
صل وادٍ مرسل في وجه /
بحر جود زاخر في موجه /
لو رآه حاتم ما سمحا / وتحاشى سبة المحترش
لا تقل عما مضى كان وكان /
ليس حظ العين إلا في العيان /
فأجل طرفك في أهل الزمان /
هل يرى طرفك فيما لمحا / مثله إن كان غير الأعمش
شب في نيل المعالي والتقى /
وسواه يترقى بالرقى /
ما استوى الخلق بما قد خلقا /
فالضواري يفترسن القرحا / ويرى الضفدع صيد البرغش
فاجلها مبرية في سبكها /
للسماكين شأت في سمكها /
مذ أنيطت درراً في سلكها /
قل لمن شاء بها وافترحا / بالقوافي هاكها لم تخدش
هاكها رافلة في سندس /
تؤنس السمع ولا في تونس /
لو رآه شاعر الأندلس /
كان قد وشى بها ما وشحا / واعترته دهشة المندهش
لو بدت للعمري المصقع /
وهو في إناء ليل أسفع /
هب من رقدته في فزع /
وغدا في لعلع مطرحا / وتمنى أنه لم يعش
وجميل لو رآها في النشيد /
لتمناها له دون القصيد /
وبثين للوتها عقد جيد /
لا كما قد قلدتها بلحا / أم منظور ولما تختش
ولو أن القرم مرصاد القريض /
من صبا في شعره الروض الأربض /
شام من بارقها أدنى وميض /
شرب الدمع وعاف القدحا / وهو يوري عطشاً في عطش
فترى الشعر هشيماً يبسا /
وهي روض غيثه قد رجسا /
وسواها إن تداجى غلسا /
فهي مثل الشمس في الفصحا / كلما أبصرها الأعشى عشي
ولقد زفت عروساً لم ترم /
غيره بل في الموامي لم تحم /
فابق يا بدر الدجى واسلم ودم /
للعلى قطب رحى وهي الرحى / ما بدا نجم بليل أغطش
هل انعقدت أكاليل الزهور
هل انعقدت أكاليل الزهور / على غير الأهله والبدور
وهل سفرت براقع من شقيق / على الوجنات من نار ونور
خدود بالجمال موردات / وألحاظ فترن عن الفتور
وأجسام تكاد تذوب لطفا / بأكباد تقد من الصخور
أوانس من ظباء الحي تعدو / أنيسات المجالس غير نور
تبرجها الملاعب والملاهي / مفضضة المباسم والثغور
فما أدري ثغوراً من عقود / تفصل أم عقودا من ثغور
معاطفهن أغصان المغاني / وأوجههن أقمار الخدود
جزين الرمل في أحقاف رمل / تكاد تسل أثناء الخصور
وارجن الحمى بأريج مسك / ركبن حقاقه فوق الصدور
مراشفهن والمقل السواهي / تريك الحسن في حورٍ وحور
وفي وجناتهن رياض حسن / وأقمار فمن نورٍ ونور
فلم نعرف محولاً في ربوع / ولم ندرك سراراً في شهور
ومخطفة الحشا تختال تيهاً / كخطوط البان في كفي هصور
إذا برزت أذالت ليل شعر / فتبرز بالستور من الستور
ولو سفرت لجللها سناها / فتحجب بالسفور عن السفور
ترى نظري إذا طلعت إليها / على صدق الهوى نظر الغيور
تعاطيني على نغم الأغاني / وتنشدني على نطف الخمور
حمياً عتق العصار منها / مجددة البشاشة والسرور
أضأنا في سناها واستنرنا / فما ندري العشي من البكور
لقد لمعت بمر تبعي فأضحى / سواءً طور سيناء وطورى
وقد شفت فما ظهرت لراء / فكان خفاؤها الظهور
كأن حبابها أطفال در / ترقص فوق مهد من سعير
إذا نظرت نمير الماء قالت / فغض الطرف إنك من نميري
شربناها مشعشعة بكفي / فتاة كالهلال المستنير
فتاة تيمت قلبي دنوا / وصدت شيمة الظبي النفور
رأت أترابها كلفي ووجدي / فقلن لها احتكمت فلا تجوري
فقالت ما عليه فسوف يسلو / لقد قالت ولكن قول زور
فلا هي قبل ذلك أنذرتني / ولا أنا ذلك بالصبور
لئن ملت دنوي واستقلت / فلست أمل راحلتي وكوري
وإن أحزن لشحط من نواها / فبالمهدي مقتبل سروري
فتى عقد الكمال عليه تاجا / ترصعه المعالي بالحبور
تبينت المكارم منه قرما / طويل الباع ذا نسب قصير
أبا المهدي كنية مستطيل / على العلياء معدوم النظير
أزف لك التهاني نيرات / تنظم من طروس في سطور
حلفت بجازيات بطن وجٍّ / بأخفاف كأجنحة النسور
بأمثال النبال من الترامي / وأمثال القسي من الضمور
جزين الورد لم يشربن إلا / أعاصير الجنائب والدبور
طوت شقق الفلا حتى أنيخت / بمكة بين أهضاب وقور
وبالملأ الكرام تيمموها / على انضائهم شعت الشعور
إليك مصير كل علا وفضل / إذا ما الشيء صار إلى المصير
لك الحظ الصريح من المعالي / وحظ سواك مشتبه الأمور
وفضلك لا يرد وكان أرثاً / إذا ردت عواري المستعير
لك البيت المقيم بجانبيه / سنام المجد من كرم وخير
فرهطك خير رهط حيث كانوا / جحاجحة ودورك خير دور
إذا ما قيل أي الناس أتقى / فما تعدوكم كف المشير
تجر على المجرة منك ذيلاً / نقياً ما تدنس بالعثور
ولم تك أنت مختالاً فخوراً / فداؤك كل مختال فخور
ولكن قد شكرت فأنت أحرى / بعزة مؤمن وعلا شكور
أقمت شريعة الهادي فأضحت / ممنعة مسورة بسور
أبنت مدارك الأحكام حتى / أبنت لنا اللباب من القشور
أعر نسمات نشرك للنعامى / وعطرها بخلقك لا العبير
وهب للروض بشرك فهو أزهى / ببهجته من الروض النضير
لئن جف الثماد فأنت مروٍ / وأن صلد الزمان فأنت موري
وأروع يستجير المجد فيه / أجل طه مجير المستجير
إذا ذكر التقى فإليه يعزى / وإلا فهو تسويل الغرور
يخال من العبادة خوط بانٍ / يميل بعطفه صوم الهجير
تجلبب كل مكرمة فزرت / عليه مطارف الشرف الخطير
إليك زففت حالية القوافي / محبرة تطرز بالحبور
عوان اللفظ أبكار المعاني / جموح النظم شاردة الشطور
بقيت بقاء مجدك وهو باق / بقاء النيرات على الدهور
ولا زالت ربوعك حاليات / ببشرك بالعشي وبالبكور
شمس الحميا تجلت في يد الساقي
شمس الحميا تجلت في يد الساقي / فشع ضوء سناها بين آفاق
سترتها بفمي كي لا تنم بنا / فأججت شعلة ما بين آماقي
تشدو أباريقها بالسكب مفصحة / بشرى السليم فهذي رقية الراقي
خذها كواكب أكواب ويشفعها / ما يحتسي الطرف من أقداح أحداق
تسعى إليك بها خودٌ مراشفها / أهنا وأعذب مما في يد الساقي
ما شاك عقرب صدغيها مقبلها / إلا ومن ريقها يرقى بدرياق
مسودة الجعد لولا ضوء غرتها / لما هدتني إليها نار أشواقي
يهدي إليك بمرآها ومسمعها / جمال يوسف في ألحان إسحاق
هيفاء لولا كثيب من روادفها / فر النطاقان من نزع وإقلاق
ما هبت الريح إلا استمسكت بيدي / تربٍ لها واعتراها فضل إشفاق
قالت خذي بيدي فالريح قد خفقت / تهدني بنسيم هب خفاق
جال الوشاح بكشحيها متى نهضت / تسعى إليك وضاق الحجل بالساق
لا تلبس الوشي إلا كي يزان بها / كما يزان سواد الكحل بالماق
تزيد حسناً إذا ما زدتها نظراً / كالروض غب رفيف القطر مهراق
تلك التي تركت جسمي لها حرضا / وحرضت كي تذيب القلب أشواقي
واستجمع واثقات الحسن فاجتمعت / لها المودة من قلبي وأعلاقي
رقت محاسنها حتى لو اتخذت / عرشاً بناظرتي لم تدر آماقي
وبت أسقي وباتت وهي ساقيتي / نحسو الكؤوس ونسقي الأرض بالباقي
في مربع نسجت أيدي الربيع له / مطارف الزهر من رند وطباق
تشدو العنادل في أرجائه طربا / والغصن يسحب فيه ذيل أوراق
كأنما النرجس الغض الجني به / نواظر خلقت من غير أحداق
والنهر مطرد والزهر منعكس / والناي ما بين تقييد وإطلاق
في غلمة كبدور التم أوجهها / قد أشرقت في الدياجي أي إشراق
شم الأنوف شأى الجوزا محلهم / سروا إلى المجد في نص وإعناق
أنساً بعرس حسين بدر هالتهم / محالف السعد في عهد وميثاق
ذاك الذي بسقت بالمجد نبعته / وأصبحت ذات أوراق وأرواق
والطيب العرق ما أحلى خلائقه / في فرعها نبأ عن طيب أعراق
هن به الحسن الزاكي فذاك فتى / فاق الكرام فأضحى بدر أفاق
فتى زها الروض أخذاً من طلاقته / والمزن من سيبه تهمي بغيداق
رأى مسميه فصل الحسن فيه فقل / في حسن خلق نما في حسن أخلاق
الفاضل الحبر من راق الحبور به / لا بل تجدد فيه بعد إخلاق
هذي المكارم فاشأ من شأوت بها / فإنها سلم للعارج الراقي
فيا خليلي والمثني المقل يرى / إن لا تحاط معاليكم بإغراق
تملي معاليكما فصلاً فأكتبه / حتى عجزت وأقلامي وأوراقي
فهاكماها قوافي تتحفان بها / أعددتها صلتي في يوم إنفاقي
يعنو زياد وبشر و الوليد لها / والأعشيان وعمرو وابن إسحاق
ودمتما فرقدي عز بأفق علا / يفنى الزمان وسامي مجدكم باقي
طرز خديك العذران
طرز خديك العذران / تطريزة الورد بريحان
خداك من ورد ومن نرجس / عيناك والقامة من بان
مرائر العشاق شققتها / فاخضر منك الأحمر القاني
لو كنت في دار كمصر وفي / حي مدانٍ حي كنعان
ما كنت إلا يوسفا يا رشا / أو فقته يا يوسف الثاني
أغيذ كالدمية أقراطه / قد علقت تعليق أوثان
يا من رأى في الأرض بدر السما / أشرق في صورة إنسان
جال فؤادي إن مشى مثلما / في خصره جال الوشاحان
ووافى وقد شع صباح الدجى / فقلت قد شع صباحان
طاف ومن فيه ومن كفه / كاسان للنادي وخمران
وزهوة اللهو استطارت به / نغمة أوتار والحان
يروح مرتاحاً وأيدي الصبا / تهزه هزة جذلان
والراح في راحته شعلة / تؤجج الليل بنران
خفف طبعي شربها مثلما / دبيبها ثقل أجفاني
يا لائمي اليوم في حبه / مهلاً فما شأنكما شاني
هاموا هيامي فيك لو أنهم / قد عرفوا معناك عرفاني
لكن تجليت فأعشيتهم / بفرط أنوار ونيران
لولاك لم أهجر لذيذ الكرى / ولم أهون هجر أوطاني
واللَه لا أسلوك يوماً ولا / أملك لو حاولت سلواني
روحي في روحك ممزوجة / وبما تمرج روحان
حتى كأني منك في وحدة / لو صح أن يتحد اثنان
أصبحت من حبك في جنة / تبهج في حور وولدان
ومن حصى حصبائها راقني / ما راق من در ومرجان
هل شاقك الحي الذي شاقني / حلوا بأعلى رمل نعمان
يشتبه البان بقاماتهم / مثل اشتباه البان بالبان
أهواهم لم أهو إلا هم / هوى تلاشى فيه جثماني
أفرح أن يدن أهيل الحمى / وأن نأوا كابدت أحزاني
لا الدار داري بعقيق الحمى / كلا ولا الجيران جيراني
أغضبني فيهم زماني وفي / عبد الحسين المجد أرضاني
أبيض في هاشم كالغرة ال / بيضاء في جبهة عدنان
لشيبة الحمد وعمرو العلي / والغر من شيب وشبان
فرع نما من أصل جرثومة / تنبت في هامة كيوان
مخايل المجد به بشرت / عاقدة أصدق أيمان
أن سوف يرقى درجات العلى / لا مبطئاً ريثا ولا واني
من يره يعرف ذرى مجده / والكتب تستقصي بعنوان
والفجر قبل الشمس مستقدم / والنور قبل الثمر الداني
زفت إليه خير مزفوفة / للطهر ينميها الكريمان
أهي زليخا يوسف لا ولا / ويحك بلقيس سليمان
لا بل سليل الوحي زفت إلى / أربعة سورة قرآن
يا راكب الوجناء زيافة / تلف غيطاناً بغيطان
عنس كتيس القاع جفالة / في دوها إجفال ظلمان
تطوي الدياميم بأخفافها / طيا كمنشورة قمصان
عرج على يثرب واحبس بها / والتثم والترب بأجفان
مسلماً أعظم تسليمة / على عظيم القدر والشان
أحمد من صلى مليك السما / عليه واختص برضوان
وهن في فرحة أبنائه / مقامه واسجع بألحان
فيا علي القدر يا حائزاً / رهن العلى في كل ميدان
السابق الول أنت الفتى / وجعف لاحقك الثاني
تفاوت السن تفاوتما / وأنتما في المجد سيان
يا جعفر الفضل وبحر الندى / كفاك للوافد بحران
أتحفت في سيبك كل الورى / جنسين من إنس ومن جان
بلى وبالهادي اهتدت للعلى / وللندى مقلة حيران
يهوي قرى الضيف ولو لم يجد / ضيفاً لقاسى وجد ولهان
فتى كغصن البان حتى إذا / صال فمن آساد خفان
أخف من طبع الصبا طبعه / وحلمه أخشب ثهلان
لا تك محتجاً على فضله / ما احتاجت الشمس لبرهان
أولئك القوم بحور الندى / يجلون للقاصي وللداني
رف الرجا حول عطاياهم / رفيف عشب حول غدران
بنوا وأعلوا بيت أكرومة / والكل من معلٍ ومن باني
عذراً لكم إن مزاياكم / لم يحصها محص بتبيان
والشهب من حاول تعدادها / حاولها من غير أمكان
كم من جديد العيش في عزة / تدوم ما كر الجديدان
للبدر أم لك في الدجى البلج
للبدر أم لك في الدجى البلج / والمسك يأرج أم لك الأرجُ
وَعِقاصُكَ السودُ الَّتي اِنتَشَرَت / أَم غَيهَبٌ لَم تَجلُهُ السُرُجُ
وَالأُقحُوانُ الطَلُّ فَلَجَّهُ / أَم لِلثَنايا الغَرُّ ذا الفَلَجُ
ما شَقَّ ثَغرُكَ لِلظَلامِ رَدّاً / إِلّا اِغتَدى بِالشِعرِ يَنتَسِجُ
يا اِسمُ لا أَسمو لِغَيرِ هَوىً / إِلّا وَمِنكَ الهَمُّ مُعتَلِجُ
قَمَري قَوامَكَ أَن يَرنَحُهُ / مَرُّ الصِبا وَيُقيمُهُ الغَنجُ
مَن لي بَخَودٍ في تَلفَتِها / حَذَرُ الغَزالِ غَداةِ يَنزَعِجُ
هَيفاءَ إِن نَهَجَت وَإِن قَعَدَت / كادَت مِن الإِدلالِ تَندَمِجُ
خُمصانَةِ عَبلٍ مُخَلخَلِها / يَنزو الوِشاحُ وَحَجلُها حَرَجُ
يَرتَجُّ دِعصٌ في ومَآزِرِها / فُيوؤِدُ قامَتَها فَتَنعَوِجُ
سَفَكتُ مِياهَ الحُسنِ وَجنتُها / فَغَدَت عَلَيها تَسفِكُ المُهجُ
رَقَّت مَحاسِنُها فَلَو بَلَغَت / روحاً لَراحَت فيهِ تَمتَزِجُ
وَإِذا أَجالَ بَها اِمرُءُ نَظَراً / كادَت بَمَرأى اللَحظُ تَختَلِجُ
ما في مَلابِسَها في كَفٍّ لامَسَها / جِسمٌ وَلَكِن مِلؤُها غَنجُ
تَرمي اللَحاظُ بِقوسٍ مِن حَواجِبِها / نَبلاً أَراشَ لِحاظَها الدَعجُ
لَكِنَّها ما صُرِّجَت بَدَمٍ / مَرمى وَفي وَجناتِها الضَرَجُ
وَبِكَفِّها صهباء صافية / كالثغر زان حبابها الفلج
فشربت دون الراح ريقتها / والريق أبرد والهوى وهج
ولثمت خمرا من مراشفها / فغدت بصرف اللب تمتزج
قالت تحرج قلت لا حرج / ما في الغرام على امرء حرج
دع ذكرها واذكر علا حسنٍ / أضحت به الأيام تبتهج
فلئن خلا هزج النسيب به / فبمدحه يحلو لي الهزج
لو كان أحلى من مدائحه / في الدهر لم يك لي بها لهج
عدم النظير فلا نظير له / عقمت لتولد مثله الحجج
وترى قران السعد زوجه / وكذا قران السعد مزدوج
يا سابق العلياء جزت مدى / لسواك سدت دونه الفرج
قد عدك السبق الجليل له / فجزيت وقصرت السذج
وأبان فيك العلم غامضه / فأضأت أنت وأظلم الهمج
فاشأ بفضلك سمكوا قبابهم / فوق الكواكب عندما درجوا
سن الكمال أبوهم لهم / وهم على منواله نسجوا
تركوا طريق المجد واضحة / بيضاء لا أمت ولا عوج
فلتفخر الدنيا بفضلهم / فهم مناهج فضلها نهجوا
لا يقطع الإقلال نائلهم / إلا إذا قطع الشبا الودج
منهم على من علا شرفا / واجتاز بالجواز له درج
يا ايها المولى الذي سطعت / فوق السماء لفضله الحجج
أدمت خيولك في حوافرها / خدي سهيل فهو منضرج
ولطمن هام الأفق أرجلها / فالشهب في جبهاتها شجج
ما طاف مكروب بكربته / إلا وأنت لكربه الفرج
أعيت أياديك الورى عددا / كالشهب إلا أنها لحج
وإذا ترنمت الحداة بها / صدع الظلام كأنها سرج
فكفى بها للمدلجين هدى / حيث الحداة أضلها الدلج
ما أرتجوا باباً لمنزله / للوفد والأضياف كي يلجوا
فلو أن من عمرو العلاء له / تخذ البنا لم يعرف الرتج
فاسلم وبيتك للورى حرمٌ / حجوا له ما دامت الحجج
وإليكموها في مقالدها / درر ولكن ما بها سبج
بمودة وشجت أرومتها / بالقلب أو لقرابة تشج
لح كوكباً وامش غصناً والتفت ريما
لح كوكباً وامش غصناً والتفت ريما / فإن عداك اسمها لم تعدك السيما
وجه أغر وجيد زانه جيدٌ / وقامة تخجل الخطي تقويما
يا من تجل عن التمثيل صورته / أأنت مثلت روح الحسن تجسيما
نطقت بالشعر سحراً فيك حين بدا / هاروت طرفك ينشي السحر تعليما
فلو رأتك النصارى في كنائسها / مصوراً ربعت فيك الأقانيما
إذا سفرت تولى المتقي صنما / وإن نظرت توقي الضيغم الريما
من لي بالمي نعميمي بالعذاب به / والحب إن تجد التعذيب تنعيما
لو لم تكن جنة الفردوس وجنته / لم يسقني الريق سلسالاً وتسنيما
ألقى الوشاح على خصر توهمه / فكيف وشح بالمرئى موهوما
ورج أحقاف رمل في غلائله / يكاد ينقد عنها الكشح مهضوما
إن ألم الحجل ساقيه فلا عجب / فقد ينقد عنها الكشح مهضوما
الردف والساق ردا مشيه بهراً / والدرع منقدة والحجل مفصوما
في وجهه رسمت آيات مصحفه / تتلى ولم يخش قاريهن تأثيما
ذي نون حاجبه لو حاؤه اتصلت / في ميم مبسمه لم تعد حاميما
ولحن معبد يجري في تكلمه / إن أدمج اللفظ ترقيقاً وترخيما
أشيم برق ثناياه فيوهمني / تألق البرق نجدياً إذا شيما
يا نازلي الرمل من نجد أحبكم / وإن هجرتم ففيم هجركم فيما
ألستم أنتم ريحان أنفسنا / دون الرياحين مجنياً ومشموما
إن ينأ شخصكم فليدن طيفكم / لو أن للعين أغفاء وتهويما
هل توردون ظماء عذب منهلكم / أو تصدرون الأماني حوماً هيما
لي بينكم لا أطال اللَه بينكم / غضيض طرف يرد الطرف مسجوما
أنا رضيع هواه منذ نشأته / ونشأتي لن تروني عنه مفطوما
ما حلت عنه ولا عن عهد صبوته / وإن أطال الجفا عزماً وتصميما
حرمت وصلي كما حللت سفك دمي / صدقت شرعك تحليلاً وتحريما
يا جائراً وعلى عمد أحكمه / أعدل وجر بالذي تحكيما
لك الصبا والجوى لي والعلى لعلي / وقل لهادي الهدى طرداً وتقسيما
الأفضلين ولا تفضيل بينهما / إلا على قدر فوت السن تقديما
إن تم ذا قمراً أوفى التمام لذا / تنقل البدر تكيملا وتنميما
غصنان من دوحة القدس التي نبتت / بالخلد جرثومة تعلو الجراثيما
محمدالحسن الزاكي شقيقهما / منها ومن لم يزل بالفضل موسوما
ومن سما من سماء المجد أرفعها / يرقى المعالي ولا يرقى السلاليما
بدراً كمال سعت شمساً على لهما / قد طابتا مثل ما طابا معا خيما
لو تخطب الشمس زفتها كواكبها / إليكما وصبت عشقاً وتنييما
وانهالت الشهب في زي النثار لها / وعاد كل مريب اللحظ مرجوما
وصيغ حجلاً لساقيها الهلال ولو / أبى زوت نوره وارتد مفصوما
البرية بشر خص آلكما / يا سادة الكل تخصيصاً وتعميما
وافى الغري فوافي كل قاصية / من الأقاليم إقليماً فإقليما
فللولي غدا في أنفه شمماً / وللعدو شجى يدمي الغلاصيما
هديت يا أيها المزجي مدللةً / خوصاً هجانا مرسيلاً مراسيما
يخلطن بالأرجل الأيدي فتحسبها / تخالف السير يطلبن الروى دياميما
وجناء تعجل أخفافاً كأجنحة / إن لم تطر فهي تشأو الطير ترسيما
كأن في زورها هزاً يجشما / فتركب الشد تسهيلاً وتجشيما
تلف أسنمة البيدا بمنسرح / رحب فتنصب تسريحاً وتسنيما
كأنها أجدل يهوي لفاحتة / أو القطاة تخاف الفتخ الحوما
ميمماً طيبة طاب الشميم بها / من تربة أين منها المسك مختوما
نراك تنشقنا ما أنت منتشق / شذا الرسالة لا شيحاً وقيصوما
فثم مهبط وحي إن عرجت له / فقبل الأرض تجليلاً وتعظيما
طف واستلم عند طه ركن حجرته / صل وسلم عليه طبت بسليما
زر من به نال إبراهيم خلته / من ذي الجلال وموسى نال تكليما
وهنه وهو الأولى بعترته / هناً وردده تغريداً وترنيما
وللجواد التهاني عود بهجتها / كبهجة الروض مولياً وموسوما
الهاشمي إذا عدت مناسبه / وعد منتسب سهماً ومخزوما
أنت العماد لفهر والدعام لها / لولاك ما كان سمك المجد مدعوما
تلوي عليك متى تلوي خناصرها / حامي جوانبها عزا وتصميما
هو الجواد وبحر الجود راحته / والعدل أن يستاوى الاسم والسيما
ما حاتم بقريب من نداك يدا / جلت هباتك عمن ينحر الكوما
إن كان في العرب ضيفان له فلقد / أضفتم العرب ثم الفرس والروما
هذي مزاياك أعيت أن يحيط بها / نطاق نطقي منثوراً ومنظوما
ما زر إلا على جيش مطارفه / وبشره شق زهر الروض مرهوما
سمح الخليقة إلا أن يحاوله / من سامه الخسف لم يسمح بما سيما
تكاد تهتك ستر الغيب فطنته / ولم أخل عنك ستر الغيب مكتوما
يقول ما قال تحقيقاً بمصدره / غذ يخلط القول تخمينا وترجيما
لولا الغلو لأعلنا بعصمته / زاكي الأبوة معصوما فمعصوما
المحتبين بدستيها وإن نهضوا / حلوا حباها وشدوها حيازيما
والمقدمين ونفس القوم محجمة / والخيل ترفع سجف النقع مركوما
والمنزلين إذا ما أجدبت سنة / والنازلين إذا جاست لهاميما
يذكون نار القرى في كل شاهقة / يلقي بها المندل الهندي محطوما
لو ضاع لاهبها ضاع نوافحها / تهدي فأما عيوناً أو خياشيما
لا زلتم يا بني الزهراء زاهرة / أوطانكم وبكم تسمو الأقاليما
واسلم عليٌّ فقد وافتك غانية / غنت بمدحك تغريداً وترنيما
في مهرق نظمت فيه فرائدها / تخاله معصم الحسناء موشوما
إن لم تكن لك قدراً فهي مقدرتي / فاقبل نزارتها لطفاً وتكريما
تركت نظم القوافي ثم عدت له / مؤدياً لك فرضاً كان محتوما
ألقيت در مقال قد سمحت به / نثراً فعاد إلى علياك منظوما
لي في محياك ما للناس في القمر
لي في محياك ما للناس في القمر / هدى لمسراي أو عون على سهري
فامرح ببرديك تيهاً إن بينهما / روح الجمال بدت في أحسن الصور
وما رأيتك إلا قلت مبتهجا / لولا محاسن هذا لم أرد نظري
يا شادناً لم يزل واشيه يرصده / فما اجتمعت به إلا على حذر
أدنيته وقد إثاقلت من نفسي / لما استطار إلى خديه بالشرر
خشيت أحرق روضاً راق مرتعه / أرعيته سائمات اللحظ والبصر
ونحن في مربع حاك الربيع له / برود موشية خيطت بلا إبر
خال الكثيب بها ردفاً فغازله / وراح يكسوه إبراداً من الزهر
فبت أعبث في أعطاف ذي غنج / مهفهف رقصته نغمة الوثر
مفلج الثغر يسقي من مراشفه / صهباء ما دنستها كف معتصر
أرخى الغدائر إكليلاً فحين بدا / بدا بلا معجر في زي معتجر
ما مزق الليل سيف من أشعته / إلا وحاك له ثوباً م الشعر
يعطو بأتلع لو حلت قلائده / لما فقدن لما يبقين من أثر
من عقده وثناياه ومنطقه / وراشح العرق المنهل بالدرر
رأيت منتظماً يزهو بمنتظم / وشمت منتثراً يهمي بمنتثر
يا حاكماً جائراً في حكمه أبدا / وأي ملك تولى الحكم لم يجر
زدني بحبك تعذيباً أسرُّ به / فليس لي غير ما تهواه من وطر
قد غرني خدك القاني برقته / وما علمت بأن القلب من حجر
أم هل نسيت ليالينا التي سلفت / عجلي وأبطأ منها لمحة البصر
ولو تطاول ليلي الدهر يجمعكم / ثم انقضى عبت ذاك الليل بالقصر
يا جارتا بزرود طال عهدكم / بالمستهام فلم يذكر ولم يزر
بعد ارتفاعي في عينيك صغرني / مثل السها إذ رأته العين ذا صغر
سلي بي الخيل تنزو في شكائمها / فما جهلت بهذا الحي من مضر
إني تركت طريق المجد واحدة / كي لا يرى المجد إلا مقتفي أثري
وطال باعي حتى كاد يدرك لي / ما لست أدركه في منتهى بصري
بذا نظمت دراري الشهب تهنئة / لما شهدت زفاف الشمس للقمر
محمد الحسن الزاكي الذي شهدت / بفضله فصحاء البدو والحضر
المطعم الجزر ابن المطعم الجزر / ابن المطعم الجزر ابن المطعم الجزر
مؤيد تهتك الأستار فكرته / حتى يحيط بكنه الكل بالفكر
ورب علم جليل راغ عن ملكٍ / يغدو بجملته وقفا على بشر
نداه والغيث غيث عم مسيبهما / والمنبت الحمد غير المنبت الشجر
سر بكفك لم يغرق مقبلها / وقد تلقى بفيه ديمة المطر
فيا أخي ومن أدعو سواك أخا / وهذه دعوة يسمو بها قدري
قالت لحلمك رضوى حين راجحها / ما طبع ربك إلا نسمة السحر
يا مجهداً يتمنى أن يجيء له / بمشبهٍ في طوامير من السير
خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به / ففي العيان وثوق ليس في الخبر
يا راكباً ذات لوث في مناسمها / رقىً تقيها سهام الأين والضجر
حرف أبوها ظليم في مناسبه / وأمها الحرف للمهرية الصعر
فخلقها برزخ ما بين ذاك وذي / مثل الظليم ولكن ذاك لم يطر
واعجب لها ذات أخفاف وأجنحة / حصاء من ريشها ترتاش بالوبر
يمم بها حيث حل المصطفى بلداً / يزري حصاه بحسن الأنجم الزهر
وحيه مبلغاً علياه تهنئة / تضمخت من شذاه بالشذا العطر
بفرحه صدحت تشدو بلابلها / كسحب كفيه عمت سائر البشر
أبا الغنى أما في راحتيك غنى / عن السحاب فلم يهمي بمنهمر
والشمس تطلع أحياناً وقد علمت / بأن وجهك بدر غير مستتر
وهبهما حكيا بعضاً فمن لهما / أن يجمعا شبه الأحوال والصور
يا حئزي قصب العليا بسبقهما / بلغتما منتهى العليا على قدر
وما ونى واحد عن واحد فهما / كالفرقدين خلال الأنجم الزهر
لا تأملا صدري عن ورد ودكما / في المورد العذب ما يلهي عن الصدر
بقيتما ملجأ العافي ومأمنه / ما هيجت مستهاماً نسمة السحر
أعار الحسن وجنته لهيبا
أعار الحسن وجنته لهيبا / ليمنع نمل عارضه دبيبا
وأفرغه الصبا قمراً فلما / تلظت نار وجنته أذيبا
إذا استرشفت من برد الثنايا / أخاف عليه من نفسي لهيبا
إذا ما افتر شمت وميض برق / وإن سميته الثغر الشنيبا
تغنى حجله فحسبت غصنا / ثنته صبا فأوقع عندليبا
إذا هضم الصبا كشحيه أوفى / بردف ماج مرتجاً كثيبا
فها أنا منثنٍ أدنو إليه / إذا ما اهتز معتدلاً رطيبا
وهل أنا راجع بعناق ظبي / رشا قد تيم الرشأ الربيبا
فأنعم من على الغبراء عيشا / محب باب معتنقاً حبيبا
سفرت لناظري زهراً مندى / فدع لي طيب نشرك أن يطيبا
إذا منه أنست غريب حسن / أتاك بغيره حسناً غريبا
وتحسب وجهه قمراً فيرنو / فتحسب لحظه سيفاً قشيبا
إذا رمت السلو اشتد وجدي / وزاد على الوجيب به وجيبا
وعيشك أيها الرشأ المفدى / لعيشي دون وصلك لن يطيبا
ولست أمد لي أمداً بعيدا / إذا ما كنت لي فيه قريبا
فذات الطوق لو نظرت إليه / لأصبح جيدها منه سليبا
وصور قرطه صنما فخرت / له الأصداغ تعبده صليبا
متى ما كافر الظلماء يدعى / لمرسل شعره لبى مجيبا
فإما لاح حير كل لب / فلم تر عند مرآه لبيبا
رشا تعشو النواظر منه نورا / فلا أخشى بنظرته الرقيبا
أغار الشمس لما واجهته / بمطلعها فودت أن تغيبا
وأخجل قرصها فاحمر حتى / حسبت شعاعها الكف الخضيبا
ولاح لها بمطلعها اضطراب / اتنحو الأفق أم تنحو المغيبا
هوى قد ضاق صدر الصب فيه / ولازمه فعاد به رحيبا
أقام بعينه فغدا سهادا / وحل بقلبه فغدا وجيبا
ووإني قد قرضت الشعر حبا / لذكرك لا لأن أدعى أديبا
فلست ترى به لفظاً غريباً / ولا معنى به إلا غريبا
ولست كسائر الشعراء شعري / تعود أن يثاب ولا يثيبا
ولست أقول هذا العشر إلا / فخاراً أو عتاباً أو نسيبا
لقد سفرت به الظلماء حتى / غدا وضح الصباح به قشيبا
فعرسنا بأروع هاشمي / يريض بسيبه البلد الجديبا
لو الغيث استعار نداه مجرى / لما عرف الورى بلداً جديبا
وأمطر ثم عن برد وتبر / وأسبل برقه غيثاً صبيبا
فتى قد عرقت عدنان فيه / وذاك العرق أحرى أن يطيبا
رأته الباسم العباس يوماً / ويوماً مستماحاً أو مهيبا
فتى ما شب عن طوق علاه / ولكن ساد شبانا وشيبا
لقد ضمت مخايله مزايا / له أبت النقيبة أن يخيبا
فقم هن به الحسن المفدى / زعيم المجد والروض الخصيبا
فتى شرع المكارم للبرايا / فكان هناك أوفرهم نصيبا
ترف عليه ألوية المعالي / إذا ما سار يملكها جنيبا
ألم يعلم مقبل راحتيه / بأيهما حياً يهمي صبيبا
وعفراء ود الظبي يحكي التفاتها
وعفراء ود الظبي يحكي التفاتها / وأنى يحاكي الظبي لفتة جيدها
لعينيك تبدو الشمس من ضوء خدها / كما أنها يبدو الدجى من جعودها
ألمت بنا والليل مرضى نجومه / كأجفان عينيها وقلب حسودها
فطارحتها عتباً رقيقاً كأدمعي / غداة افترقنا أو جمان عقودها
وذكرتها ما كان منها فأطرقت / على خجل من هجرها وصدودها
وقامت كمثل الغصن رنحه الصبا / تطوف بمثل النار عند وقودها
فبتنا ولم نشرب معتقة الطلى / نشاوي حميا ثغرها وخدودها
ونحن بحيث السحب ينهمل دمعها / على روضة يفتر ثغر ورودها
إذا اضطرم البرق اللموع بذي الغضا / ذكرت بذاك الشعب ماضي عهودها
وبلت جفوني مطرفي بأدمع / تصان على غير الهوى بجمودها
ولكن أعادتها علينا لييلةٌ / بدا مشرقاً في الأفق نجم سعودها
تزف بها من عصبة مضرية / مهاة كأن الظبي يعطو بجيدها
تهادى كعود البان مالت به الصبا / وهيهات لين البان من لين عودها
لأكرم مولى ينتمي لأكارم / غطارفة شم المعاطس صيدها
فتى فاق أهل الفضل في حلبة العلى / ففاق الورى من شيخها ووليدها
فهن به من عصبة المجد غلمة / على الشهب قد أربت برغم حسودها
لقد شيدت للمجد أبيات سؤدد / يطاول سامي المجد سامي عمودها
بهم تدفع الجلى إذا نزلت بمن / على الأرض من أحرارها وعبيدها
بهم شرعت للناس سنة أحمد / كما اتضحت سبل الهدى بجدودها
وهم قلدوا الدين الحنيف جواهراً / يفوق نظام الدر نظم عقودها
لقد ورثوا عن خير جد ووالد / مناقب لا أستطيع حصر عديدها
لئن فخروا يوماً ترى المجد والعلى / لهم والأيادي البيض بعض شهودها
إذا جئتهم تلقى على باب دارهم / ملوك الورى والدهر بعض وفودها
فللناس عن وكف السحاب لهم عنى / متى شح عاش الناس من فيض جودها
فلا برحوا نهب الثناء لمادح / وأبحر جود ساغ عذب ورودها
أطلع البدر من جبينك صبحاً
أطلع البدر من جبينك صبحاً / فاعترض آية الظلام لتمحي
سافراً عن سوالف كم أرتنا / في ضحاها لداجن الصدغ جنحا
رف بنداً فقلت يا ملك الحسن / بهذا اللواء أدركت فتحا
أفرغ الجعد جوشنا وتقلد / طرفك السيف واهزز القد رمحا
كم ثنايا حميتها بثنايا / موريات بين الجوانح قدحا
وسمت خيل أدمعي فتجارت / عاديات في موكب العشق ضبحا
الأمان الأمان نادك قلب / ما رأى منك عند بطشك صفحا
هو من جملة الصفايا فخذه / إن تكن تصطفي وجيبا وبرحا
لك قد وناظر ثعلي / أكثرا في النفوس طعناً وذبحا
كم جنحنا منك اختياراً / وعقدنا على الحواجب صلحا
أيها الفاتن العقول بثغر / علم البرق كيف يومض لمحا
إن في غصن فدك الغصن حليا / أطرب العندليب سجعاً وصدحا
قم تنبا بمعجز علم الطير / فنوناً ونفثة السحر أوحى
لغةً من أعاجم الحلي جاءت / تعرب اللحن معجماً وهي فصحى
رنحت معطفي فهل هي أملت / في بني صالح ثناء ومدحا
مرسلي السيب حيث دجلة منه / تنهل الآملين منا ونجحا
وبشرقيها لهم بيت عز / حسدت منه دارة البدر صرحا
إن تزن أرضه عددت ثراه / لسواه من المعاقل سطحا
خرق الماء جدره فتلاقت / بحماه الأنهار تبهر طفحا
مستفيضاً رواية لو عليل ال / زهر عنها روى الحديث لصحا
يفعم البركة التي باكرتها / نسمات الأزهار بالطيب نفحا
قابلت جدول المجرة ليلاً / فتجارت بها الكواكب سبحا
ومصابيحها اللوامح كادت / تخطف النيرات ومضا ولمحا
لو بها راكب الدجنة أمسى / ساحباً حلة الظلام لأضحى
نورها والنمير كم أرينا / بارقاً في الزوراء جاور سفحا
أوقفتنا منها على نحو ود / واختلاف من الزهور وأنحا
فوجدنا كسراً لآس وضماً / لشقيق وللسواسن فتحا
ونرى الجلنار يحمر خدا / أفثغر الأقاح أدماه جرحا
وكرات الليمون كم أقرأتنا / من علوم النبات متناً وشرحا
أيها القصر من كواك أطلعنا / فعبرنا مجاري الشهب مسحا
قد طردت السماح في شرفٍ كم / زاحمت متن كوكب فتنحى
رفعتك البناة في مدرج لا / تخطئ العين فيه سرباً وسرحا
باسطتنا به الصفاء الليالي / فطوينا عما سوى اللهو كشحا
وشع الحسن جلنارا وآسا
وشع الحسن جلنارا وآسا / من عذار خلال خديك جاسا
قابلت وجهك السماء فأبدت / صورة البدر من سناك انعكاسا
وسبى ثغرك الثريا فأبدت / بالدراري تشبها وجناسا
وتمنى الهلال لو صيغ طوقا / لك فاستام حليك الوسواسا
والتوى الصدغ حارساً وجنات / أشكل الورد عندهن التباسا
كم أردنا من وردهن اقتطافا / فاصطلينا من جمرهن اقتباسا
يا غزال الحمى وقلت غزالا / حين أبصرت في ضلوعي كناسا
حسبو غند مقلتيك نعاسا / ومن الغنج ما يخال نعاسا
أتها المرتمي ارتم فسديد / أنت واستهدف الحشا قرطاسا
أبلحظ وحاجب ثعلي / قد فضحت النبال والأقواسا
لك يا واهن الحشا أي بطش / فيه تقوى على الأسود افتراسا
من كسا خدك الشقيق كساني / من بهار الضنا عليك لباسا
موج ماء الصبا بخديك أجرى / سحب عيني تدفقاً وانبجاسا
وغذا ما اختلست نظرة عين / منك سلت مني الفؤاد اختلاسا
هب جميع الورى أحبتك حبي / غير أني قاسيت ما لا يقاسى
يا خليلي بالضنا واسياني / لست أوسي فعلني أن أواسى
فاسقني لا عطشت ريقاً وثغرا / يوم تسقي النديم خمراً وكاسا
وارع لي ذمة لديك وعهدا / يوم تنسى العهود أو تتناسى
وبذاك الفريق ساقي حميا / إن دجا الليل شبهاً نبراسا
ملء برديه عفة ودلال / حرس اللَه قده المياسا
وقر الكبر مشيه فتولت / عطفه نشوة الدلال فماسا
يتهادى بين الربى حاليات / ما رستها غفر الظباء مراسا
عاقدات من لؤلؤ الطل تاجا / ناشرات وشي الرياض لباسا
وهو يجلو سوالفاً وسلافا / بأباريقها وجاماً وطاسا
لي طبع يروض فيك القوافي / طيعات إذا تلوت شماسا
ولكم لي بديعة مثل هذي / فيك غنت بها أناس أناسا
هي سكر النديم دون الحميا / إذ يحيي النديم والجلاسا
هي مثل العروس تحلو فتجلو / بجلاها الأعياد والأعراسا
بك شبهتها وفي عرس هادي / بالتهاني أزرتها العباسا
قمر مشرق بهالة سعد / ما رأته الأقمار إلا التماسا
و لأنواره الفقاهة أهدت / مثل أنوارها فنال اقتباسا
وهو البغية التي تبتغيها / والمعاني مؤلفات جناسا
هو من غرسها كما هي منه / غصناً دوحة تطيب غراسا
لا تقس فضله بفضل سواه / رب فضل بفضله لن يقاسا
وكذاك الورى معادن شتى / فنضاراً بها ترى ونحاسا