القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد الزّين الكل
المجموع : 84
كلهم في الهَوى يُزَيِّنُ دينَه
كلهم في الهَوى يُزَيِّنُ دينَه / أَلفُ مُفتٍ وَمالِكٌ بِالمَدِينَه
جَهِلوا لُجَّةَ البِحارِ وَمَسرى / ريحُها وَاِدَّعوا قيادَ السَفينه
كادَ يَهوي بِها إِلى القاع فَوضى / مِن دَعاوى الجَهالَةِ المَأفونه
نَجِّها رَبِّ إِنَّنا قَد جَعَلنا / كُلَّ فَنٍّ في غَيرِ مَن يُحسنونه
كُلُّ مَن صاحَ بِالنُبُوَّةِ فِينا / قامَ أَوسٌ وَخَزرَجٌ يَنصُرونَه
فَتنوهُ عَن نَفسِهِ فَتَعالى / وَاِدَّعى خَلقَ عصبةٍ يَخلُقونَه
مَلَئُوا رَأسَهُ مِن الوَهمِ حَتّى / ظَنَّ إِثماً أَنّ النُبوّةَ دونَه
وَلَهُ المُعجِزاتُ وَجهٌ صَفيقٌ / يُعجِزُ الصخرَ أَن يَكونَ قَرينَه
غاضَ ماءُ الحَياءِ مِن وَجهِهِ الصُل / بِ فَلا يَكسِرُ الحَديد متينَه
يَتَلَقّى وَحيَ السماجَةِ وَالحُم / قِ وَيُوحي لِعُصبَةٍ يَتبَعونَه
ولَدَيهِ آيٌ مِن العِيِّ إِن را / مَ حَديثاً لَم يَستَطع تَبيينَه
مُعجِزاتُ النبي علمٌ وَهَذا / مُعجِزٌ بِالجَهالَةِ المَفتونَه
لَيسَ ذنبُ الدعِيِّ هَذا وَلَكن / ذنبُ شَعبٍ بِالزُور يَمتَدِحونَه
كُلَّ يَومٍ يُكرِّمون دَعيّا / كانَ عَدل الجَزاءِ لَو يَرجمونَه
كُلَّما أَرسَلَ الحمارُ نَهيقاً / ظَنَّ أَهلَ السماءِ يَستَمِعونَه
وَيَخالُ السبع السَمواتِ نَشوى / مِن فُيوضاتِ جَهلِهِ وَالرُعونَه
قَد تَفَشّى التَمويهُ في مصرَ حَتّى / تَحسبُ الزَهرَ موهوا تَزيينَه
وَمَحا الادِّعاءُ كُلَّ يَقينٍ / فَشَكَكنا في الشَمسِ وَهيَ مُبينَه
فاِستَمع لِلغِناءِ تَسمَع صِياحاً / كَخُوارِ الثِيرانِ لَو يَصِفونَه
إِن تَغنّوا بِالحُبِّ عاد سُلوّاً / يُزعِجون الهَوى بِما يُسمِعونَه
كُلُّ آهٍ تَمحو مِن القَلبِ ذِكرى / وُتُميت الهَوى وَمَن يَعشَقونَه
نَغَماتٌ ما بَينَ غَربٍ وَعُربٍ / لَيسَ يُدرى أَحرّةٌ أَم هَجينَه
وَأَغانٍ مَجنونَةٌ في المَعاني / لَفَّقَتها صِياغَةٌ مَجنونَه
وَلَيالٍ تَضجُّ مِنها اللَيالي / تَدعُ اللَيلَ لا يَذوقُ سُكونَه
تَتَمَنّى الأَوتارُ لَو أَنَّها أَمسَت / سِياطاً تَشوي الوُجوهَ الثَخينَه
إِن مَلِلتُ الصِياحَ قالوا فَقَدِّر / فنَّهُ قُلتُ قَد مَلِلتُ فُنونَه
إِن أَصَبنا اللُحونَ نَفقِدهُ صَوتاً / أَو أَصَبنا صَوتاً فَقَدنا لحونَه
وَالَّذي حَيَّرَ العُقولَ مُغَنٍ / قَد خَلا مِنهُما وَهُم يُطرونَه
وَدَعىٍّ في الدينِ وَالدينُ يَشكو / فَعَلاتٍ كَالكُفرِ مِنهُ لعينَه
نالَ ما يَشتَهي مِن الجاهِ باسم الد / دين زُوراً في الأُمّةِ المسكينَه
هُوَ فيهم كَالذئبِ بَينَ دَجاجٍ / أَو شِياهٍ يَختارُ مِنها السمينَه
فَقَد الدينَ وَاليَقينَ وَصارَ ال / مالُ وَالجاهُ دِينَهُ وَيَقينَه
تَخِذَ الإِفكَ وَالتَمَلُّقَ ديناً / فَجَميعُ الأَديانِ تَلعَنُ ما دينَه
وَلَكَم يدَّعون عطفاً على البؤ / سِ وباسمِ الفقيرِ ما يَجمَعونَه
وَلَكَم بائِسٍ يَرى الجُوعُ مِنه / جَسَداً لا تكادُ أَن تَستَبينَه
وَعُضالُ الأَسقامِ أَذواهُ حَتّى / لا تُحسَّ الأُساةُ إِلا أَنينَه
كَبَقايا الجُدرانِ لَم يَدَعِ الزل / زالُ مِنها إِلا رُسوماً حَزينَه
راحَ يَبغي عَلى السَقام مُعيناً / فَأَبَت دُورُ طبِّهم أَن تُعينَه
طَرَدوهُ عَنها وَقَد شَيَّدوها / باسم عانٍ قَد أَعوَزته المَعونَه
وَأُلوفُ الأُلوفِ تُنفَقُ فيها / وَلِغَير الإِلَه ما يُنفِقونَه
مِن طَعامٍ وَمِن دَواءٍ وَطِبٍّ / لِذَوي الجاهِ وَالغِنى يَبذُلونَه
وَليَمُت في البِلاد كُلُّ فَقيرٍ / فَهوَ كَلٌّ عَلَيهمُ وَمؤُونَه
وَتَعالوا إِلى الدَواوينِ إِن ال / حالَ فيها يُذرى الدموعَ السَخينَه
كُلُّ شَيءٍ في جَوِّها بَينَ جَهلٍ / سائِدٍ أَو كِفايَةٍ مَغبونَه
كَم رَئيسٍ لَولا القَوانينُ تحمي / جَهلَهُ كانَ طَردُهُ قانونَه
ذُو جُنونٍ وَزاد فيهِ جُنوناً / أَن يَرى ذا الحِجا يُطيعُ جنونَه
أيُّ شعبٍ يُعطي على الظلمِ أجراً / غير مصرٍ ومَن طغى يَرفَعونَه
وَمَتى تُضمَنُ العَدالةُ وَالظا / لِمُ فيها أَرزاقُهُ مَضمونَه
غَلب المدَّعون في الفَنِّ حَتّى / أخرَسوا بِالصياحِ مَن يُتقنونَه
كَدَّرُوا وِردَهُ الشَهيَّ فَعافت / هُ أُباةُ النُفوسِ لا يرِدُونَه
كُلُّ فَنٍّ في مصرَ عادَ طِلاءً / فَأَخُو العَقلِ مَن يُسيءُ ظُنونَه
كُلُّ يَومٍ فيها نشيِّعُ فَنّاً / هالِكاً لا يُحِسُّ مَن يَبكونَه
عظَّمَ اللَهُ أَجرَكُم في حَياةِ ال / عِلمِ لاقَى بِالأَدعياءِ مَنُونَه
سَأَحمِلُ في الرَأيِ مَضَّ الأَلَم
سَأَحمِلُ في الرَأيِ مَضَّ الأَلَم / وَأَصبرُ لِلخَطبِ إِمّا أَلَم
وَأَحملُ نَفسي عَلَى مُرِّها / إِذا ضامَها ما يَضِيمُ الكَرَم
وَلا أَشترى كُلَّ هَذا الوُجودِ / وَلا العَيشَ فيهِ بِبَعض الشَمَم
وَأَزهَدُ فيما بَناهُ الرياءُ / وَأَصدَعُ بِالرَأي مَهما هَدَم
فَأَهوِن عَلَيَّ بِدُنيا النِفاق / وَجاهٍ يُنالُ بِبَيع الذِمَم
هُوَ الرَأيُ رُوحك فَاِحرص عَلَيه / فَما بَعدَ رُوحِكَ غَيرُ العَدَم
وَحُكمُ القُلوبِ بإِلهامها / وَما أَصدَق القَلبَ فيما حَكَم
فَلا تَطلبنَّ وِدادَ الصَديقِ / بِمَدحٍ كَذوبٍ خَسيسِ القِيَم
فَإِنَّ اللِسانَ رَسولُ القُلوب / يُعبِّر عَنها بِلا أَو نَعَم
وَإِن العَقيدةَ عِرضٌ فَصُنه / إِذا كُنتَ مِمَّن يَصونُ الحُرَم
سَرَت في فُؤادِكَ مَسرى الدِماءِ / فَلا تَبذلِ الدمَ إِلا بِدَم
أَمانَةُ رَبِّكَ في خَلقِه / فَمَن كَتَمَ الحَقَّ فيها ظَلَم
وَمِيثاقُهُ قَبلَ خَلقِ الجُسُوم / تَلقَّتهُ أَرواحُنا في القِدَم
بِها رَفَع اللَهُ تِلكَ النُفوسَ / وَمَيَّزَها عَن سوامِ النعَم
فَلا تَغبطنَّ أَخا حُظوَةٍ / فَما نالَها بِرَخيصِ القِيَم
وَلَكنَّهُ باعَ فيها الضَميرَ / وَأَلقى العَقيدَةَ تَحتَ القَدَم
وَساوَمَ بِالنَفس فعلَ البَغِيِّ / رُمت بِالحَياءِ اِبتِغاءَ اللُقَم
وَكَم أَسخَطَ الحَقَّ في مَوطِنٍ / وَكَم أَلبَسَ النُورَ ثَوبَ الظُلَم
تَكادُ مَظاهِرُهُ الخالِباتُ / تَشفُّ لِعَينِكَ عَمّا كَتَم
وَيُوشك مَنظَرُه المُجتَلى / يُحدِّث عَمّا طَوَى مِن تُهَم
فَلا تَغتَرِز بِبَهاءِ الوَضيع / فَكَم مِن حِذاء صَقيل الأَدَم
وَعِش بِالعَقيدةِ عَيشَ الكِرام / وَمُت رجلاً تَحتَ هَذا العَلَم
وَلا تَعتَدد بِالأُلى خالفوك / وَكن أُمَماً إِن عَصَتكَ الأُمَم
لا تَسَلني عَن صاحِبي وَنَصيري
لا تَسَلني عَن صاحِبي وَنَصيري / لَم أَجد لي في الدَهر غَيرَ ضَميري
صاحِبٌ أَمرُه لَدَيَّ مُطاعٌ / يا لَهُ مِن مُصاحِبٍ وَأَميرِ
هُوَ صَوتُ السَماءِ في عالَمِ الأَر / ضِ وَرُوحٌ مِن اللَطيفِ الخَبيرِ
وَشُعاعٌ تَذوبُ تَحتَ سَناهُ / خُدَعُ العَيشِ مِن رِياء وَزُورِ
هُوَ سرٌّ يَحارُ في كُنهِهِ اللُب / بُ وَتَعيا بِهِ قُوى التَفكيرِ
مَبلَغُ العِلم أَنَّهُ رُوحُ خَيرٍ / باطِنُ الشَخصِ ظاهِرُ التَأثيرِ
كُلُّ حَيٍّ عَلَيهِ مِنهُ رَقيبٌ / حَلَّ مِن قَلبِهِ مَكانَ الشُعورِ
حَلَّ حَيثُ الأَهواءُ تَنزُو إِلى الإِث / مِ وَتَهفو إِلى مَهاوي الشُرورِ
جامِحاتٍ أَعيَت عَلى الدين كَبحاً / رَغم إِنذارِها بِسوءِ المَصيرِ
ثُم صاحَ الضَميرُ فيها نَذِيراً / فَأَصاخَت إِلى صِياح النَذيرِ
هُوَ رُوحٌ مِن المَلائِكِ يَسمو / بسليلِ الثَرى لِعالم نورِ
قد تَوَلَّت بالأنبياءِ عصورٌ / وَهوَ باقٍ عَلى تَوالي العُصورِ
حافِظاً في الزَمانِ ما خَلَّفوه / قائِماً في الصَدورِ بِالتَذكيرِ
حامِلاً مِن شَرائِعِ الخَيرِ كُتباً / قُدِّسَت مِن صَحائِفٍ وَسُطورِ
لَيسَ يَعفُو عَن الهناتِ وَإِن ها / نَت مُلحٌّ في اللَومِ وَالتَعذيرِ
هُوَ إِن شئتَ كانَ جنةَ خُلدٍ / وَإِذا شِئتَ كانَ نارَ السَعيرِ
عاجلُ الشَرِّ وَهوَ يَأمُرُ بِالخَي / رِ قَديرٌ لَم يَعفُ عَفوَ القَديرِ
فَتَحصَّن ما شئتَ مِنهُ فَلا يُن / جِيكَ حصنٌ مِن شَرِّهِ المُستَطيرِ
هُوَ مِثلُ القَضاءِ يَغشاكَ لا تُع / ييهِ لَو كُنتَ في خَوافي النُسورِ
وَتضرَّع بِما تَشاءُ فَلَن تُج / دى نَفعاً ضَراعةُ المُستَجيرِ
لا تُحاول خِداعَه بِالمَعاذِي / رِ فَلَيسَ المُسيءُ بِالمَعذورِ
لا تُجادِل في حُكمِهِ فَهوَ حتمٌ / لا يُرَدُّ الَّذي قَضى مِن أُمورِ
لا يُداري وَلا يُداجي صَديقاً / ناقِدٌ لِلأُمورِ نَقد بَصيرِ
مُرهَفُ الحِسِّ لَيسَ يُعييهِ غَيب / يَسمَعُ الهَمسَ في حَنايا الصُدورِ
يَبذل النُصحَ لا يَمُنُّ بِما يُس / دِي وَلا يَبتَغي ثَناءَ شَكُورِ
لَم يَدَعني إِلى هَوى النَفسِ في الأَم / رِ وَلَم يَستَعِن بِرَأيِ مُشيرِ
لَيسَ لي دُونَهُ مِن الرَأي إلا / ما يَراهُ الهَوى بِعَينِ الغُرورِ
كَم حَمَلتُ الآلامَ فيهِ وَسَخطَ الن / ناسِ حَتّى فَقَدتُ وُدَّ عَشيري
لَيسَ يَزكو غرسُ المَودةِ في النا / سِ بِغَيرِ النِفاقِ وَالتَغرير
لَم يَدَع لي صدقُ المَقالِ صَديقاً / فَلأَعش قانِعاً بودِّ ضَميري
مَن لِثاوٍ في الأَهلِ يَشكو اِغتِرابَه
مَن لِثاوٍ في الأَهلِ يَشكو اِغتِرابَه / سَئِم العَيشَ عَذبَهُ وَعَذَابَه
ودَّ لَو تُطفئ المنونُ وَميضاً / مِن حَياةٍ برُوقُها خَلابَه
راحَ في اللَيل يَعقِد الأَمَل الضَخ / مَ فَلَما بَدا الضِياءُ أَذابَه
كُلّ يَومٍ لَهُ أَمانيُّ تَفنَى / وَرَجاءٌ تُذوي اللَيالي شَبابَه
تَتَهادى الآمالُ مِنهُ فَتَهوي / فَلَذاتٌ مِن نَفسِهِ الوَثّابَه
جَحَدُوا عِندَهُ المَواهِبَ حَتّى / لَم يُبالوا أَن يَجحَدوا وَهّابَه
يُرسِلُ النُورَ في عُيونِ الخَفافي / شِ فَتَأبى العُيونُ إلّا احتجابَه
ويَسوقُ اللحنَ الشجيَّ إلى الصُم / مِ فَتَأبى الأسماعُ إلا نُعابَه
وَيفيضُ العَذبَ الشَهيَّ عَلى أَف / واهِ مَرضى لا تَستَسيغ شَرابَه
وَلَكم نَفحَةٍ مِن الرَوضِ صدُّوا / عَن شَذاها وَاِستَروحوا أَحطابَه
أَكثَرُ الإنسِ لا تُحسُّ لَدَيهِ / مِن صِفاتِ الإِنسانِ إِلّا إِهابَه
حامِلٌ في أَديمِهِ نَفس عَجما / ءَ وَفي الشَكل مُشبِهٌ أَضرابَه
يا لَجهد قَد كانَ يَذكُو التِهاباً / أَخمَد الغَبنُ وَالعُقوقُ التِهابَه
وَفُؤادٍ قَد كانَ مَهدَ الأَماني / صارَ لَحداً تَسقي الدُموعُ تُرابَه
وَذكاء يُجزى عَلَيه جُحوداً / حينَ يُجزى الغبيُّ مِنهُم ثَوابَه
وَنُبوغٍ يَضيعُ بَينَ جَهولٍ / وَحَسودٍ بِالضَغنِ ضَلَّ صَوابَه
تَملأ الشَمسُ عَينَهُ فَيَراها / وَعَلَيها مِن الحقودِ ضَبابَه
كَم دَعِيٍّ قَلَّدتُموه خَطيرَ ال / أَمرِ فيكُم وَذُدتُم أَربابَه
وَغَبيٍّ يَحيا سَعيداً وَيَعزُو / نَ إِلَيهِ مِن كُلِّ فن لُبابَه
حِينَ يَشقى أَخو الذَكاءِ وَيَطوي / فيكُم العُمرَ حامِلاً أَوصابَه
لَم يُنافِق فَيَستَحقَّ لَدَيكُم / رَغَد العَيش مُحكِماً أَسبابَه
عَلِّموه الرِياءَ مِمّا عَلِمتم / وَخداعَ النُهى فَيقرَعَ بابَه
بَل دَعُوه وَشَأنَهُ لَن تَرَوهُ / بائِعاً نَفسَه وَلا آدابَه
إِنّ سَفكَ الدِماءِ أَوهى حِساباً / مِن دَمِ الفَضلِ تَحملونَ حِسابَه
إِنَّما العَبقَريُّ رُوحٌ مِن الل / هِ أَمينٌ يُوحي إِلَيكُم كِتابَه
إِن قَتل النُبوغ قَتلٌ لِشَعبٍ / وَعِنادٌ لِلّهِ فيمَن أَتابَه
يا لِسانَ الحَقِّ لا تَنطلِق
يا لِسانَ الحَقِّ لا تَنطلِق / فازَ بِالخُطوَةِ أَهلُ الملقِ
عَلِّمُونا يا أُولي الحُظوَةِ ما / قَد عَلمتم مِن طِلاءِ الخُلُقِ
وَاِمنَحونا ذَلِكَ الصِبغَ الَّذي / يُظهرُ الحُسنَ وَيُخفي ما بَقِي
أَو فَدلّونا عَلى صُنّاعِهِ / نَجتَليهِ بِبَقايا الرَمقِ
أَيُّ صِبغ ذاكَ ما أَعجَبَه / صادِقُ الغشِّ وَإِن لَم يَصدُق
أَلبَس الشَمسَ ظَلاماً داِمساً / وَكَسا الإِظلامَ شَمسَ المَشرِقِ
عَلِّمُونا نصف المَرءَ بِما / لَيسَ فيهِ مَن يُنافِق يَنفُقِ
يَمنَح الفِطنةَ أَغبى خَلقه / وَالذَكاءَ المحضَ رَأسَ الأَحمَقِ
إِن سَمِعنا ناهِقاً قُلنا لَهُ / إيه يا مَعبدُ بِالصَبِّ ارفُقِ
نَكذبُ العَصر كَما يَكذِبُنا / بئرُ مَين فاسقِ مِنها وَاِستَقِ
لا تَقُل أَفنيتُ عُمري دائِباً / وَبَذَلتُ الجُهد جهدَ المُرهَقِ
لَيسَ لِلدائِبِ حَظٌّ بَينَهُم / لا وَلا الجهدُ سَبيلُ المُرتَقي
تَزنُ العُمرَ وَعُمراً مِثلَهُ / لَحظَةٌ تَبذُلها في المَلقِ
فَاِستَبقِها فُرصَةً إِن سَنَحَت / إِنَّما الفُرصَةُ لِلمُستَبِق
لا تقُل سُهدي وَجَهدِي عُدَّتي / إِنَّما الجهد عَتادُ الأَخرَق
إيهِ يا علمي عُد جَهلاً عَسى / يَنهَضُ الجَهلُ بحَظٍّ مُوثَق
يا ذَكائِي عُد غَباءً أَستَرح / بِغَبائِي مِن شَقاءٍ مُطبِق
كَم كِفاياتٍ نَفاها قَومُها / وَجُهودٍ أُلقِيت في الطُرق
وُضِعَت في مَوطِئِ النَعلِ وَلَو / أَنصفُوها وُضِعَت في الحَدَق
فَأت عَلياءَهُمُ مِن بابِها / لا تُضِع عُمرَك بَينَ الوَرَقِ
لَم أَكُن في نَعتِهم مُختَلِقاً / لَعنَةُ اللَهِ عَلى المُختَلِقِ
عَلِّمونا أَنَّنا في بَلَدٍ / فيهِ من لَم يَتَمَلَّق يُملقِ
أَو دَعُونا فَلَكم دُنيا الغِنى / إِنَّما نَحيا بِدُنيا الخُلُقِ
مَرةً أَخطَأتُها في عُمري / بِثَناءٍ قُلتُه في نَزقِ
مُنذُ أَن أَخطَأت فيهِ لَم أَبت / لَيلَةً إِلا بِطَرفٍ أَرِق
يا للعَزائِم يَثني مِن مَواضيها
يا للعَزائِم يَثني مِن مَواضيها / أَنَّ الكِفاياتِ يُقضى بِالهَوى فيها
وَللمَواهِب بِالأَغراض يَقتُلها / مَن يَستَمدُّ حَياةً مِن أَياديها
وَللجُهود بِأَعشى الرأي يُطفِئُها / ماضٍ عَلى ضوئِها سارٍ بِهاديها
وَللنوابغ يَقضي في مَواهبهم / بِما يَشاءُ هَواهُ غَيرُ قاضِيها
جادُوا بِأَعمارهم حَتّى لِجاحدهم / إِنّ المَواهِبَ سلمٌ في أَعاديها
كَالشَمس تقبسُ مِنها عَينُ عابدِها / وَتُرسلُ النُورَ في أَجفانِ شانيها
وَالنَفسُ إِن مُلِئَت بِالود فاضَ عَلى / جَدبِ البِلادِ خلوفٌ مِن هَواميها
لا يَدَّعِ العَدلَ قَومٌ في عَدالَتهم / صَرعى الكِفاياتِ تَشكُو ظُلمَ أَهلِيها
وَلا المُساواةَ وَالأَفهامُ لَو وَزِنَت / مَع الغَباوَةِ فيهم لا تُساويها
وَلا الحَضارة من تَجزي نَوابِغَهُم / وَحشيةً تَسكُنُ البَيداء وَالتِّيها
إِذا البِلادُ تَخلَّت عَن حياطَتِها / يَدُ النُبوغِ تَداعَت مِن صَياصيها
دَعِ الحَديثَ عَن القِسطاسِ في عُصَبٍ / ما سوَّدت بَينَها إِلّا مُرائِيها
سُوقُ النِفاقِ بهم شَتّى بَضائِعُها / تُزجى لِمَن يشتري إِفكاً وَتَمويها
أَرخصتُمُ غالِيَ الأَخلاقِ في بَلَد / لَم تَغلُ قيمَتُهُ إِلّا بِغاليها
يا رُبَّ نَفسٍ أَضاءَ الطهرُ صَفحتَها / أَفسَدتُموها فَزَلَّت في مَهاويها
وَكَم قُلوبٍ كَساها الحُسنُ نضرَتَه / دَنَّستُموها فَعادَ الحُسنُ تَشويها
أَغلقتُمُ سُبلَ الأَرزاقِ لَم تَدَعوا / لِفاضِل الخُلقِ سَعياً في نَواحيها
مَدارِسٌ تَغرِسُ الأَخلاقَ في نَشإٍ / وَمُغلَقُ الرزقِ بَعدَ الغَرس يُذويها
لا تلح طالِبَ رِزقٍ في نَقائِصِهِ / إِنَّ الضَروراتِ مِن أَقوى دَواعيها
ما أَطهَرَ الخُلُقَ المصريَّ لَو طَهُرَت / تِلكَ الرِياساتُ مِن أَهواءِ مُوحيها
يا آخِذينَ بِقَتلِ النَفس قاتَلها / قَتلى المَواهِبِ لَم يُسمَع لِشاكيها
كَم لِلنُبوغِ دِماءٌ بَينكُم سُفِكَت / باسم المَآرب لا باسمِ اللَهِ مُجريها
هَلا اِقتَصَصتم لَها مِن ظُلم سافِكِها / وَقلَّ فيما جَناهُ قَتلُ جانيها
أولى الوَرى بِقصاصٍ مِنهُ ذو غَرَضٍ / يَخشى المَواهِبَ تُخفيهِ فَيُخفيها
مِلءُ المَناصِب مُنهومون قَد جَعَلوا / مِن دُونِها سدَّ ذِي القَرنين يَحميها
عَلى مَناعَةِ ذاكَ السَدِّ تَنفُذه / عِصابَةٌ تَتَواصى في حَواشيها
مِن كُل أَخرَق تَنسلُّ الحُظوظُ بِهِ / إِلى المَراتِبِ يَسمُو في مَراقيها
خابي القُوى عَبقَريُّ الجَهل يُثقلُه / عبءُ الرِياسة إِذ يَدعوه داعيها
يا حافِرين تُرابَ الأَرض عَن حَجَرٍ / أَو جُثةٍ في ظَلامِ الأَرضِ يطويها
وَمُنفِقين مِن الأَموال أَنفسَها / في البَحث عَن خِرَق لَم يُغنِ باليها
مُستَبشِرين بِما يَلقَونَ مِن تُحفٍ / لِلقَوم أَو خَزفاتٍ مِن أَوانيها
وَرافِعين مِن البُنيان شاهِقَه / فيهِ الذَخائِرُ قَد صُفَّت لِرائِيها
هَلّا عَرَفتُم لِمصرٍ فَضلَ حاضِرِها / يا عارِفين لِمصرٍ فَضلَ ماضيها
إِنَّ العُصورَ الَّتي جادَت بِمَن سَلَفُوا / عَلى الحَضارَةِ لَم تَبخَل أَياديها
ذُخرُ المَواهِبِ في أَحيائِكُم تُحَفٌ / بَذَّت مَتاحِفَكُم وَصفاً وَتَشبيها
ما إِن يُقالُ لَها لِلّهِ صانِعُها / لَكِن يُقالُ تَعالى اللَهُ باريها
هَبوا النَوابِغَ مَوتى فَاِجعَلوا لَهُمُ / حَظَّ النَواويس أَكرَمتُم مَثاويها
جَعَلتُم الحَيَّ يَرجو حَظَّ مَيِّتِكُم / فَحَظُّ أَحيائِكُم في مصر يُشقيها
أَيُحرَمُ النَحلُ غَضَّ الزَهرِ يَلفِظُهُ / شهداً وَقَد شَبعت مِنهُ أَفاعيها
وَيُقتَل الرَوضُ ذُو الأَثمارِ مِن ظَمَإٍ / وَالماءُ يروي مواتاً مِن فَيافيها
مَن يَقتل الجُهدَ يَقتل فيهِ أُمَّتَه / وَأُمَّةُ الجُهدِ تُحييه فَيُحييها
إِنّ الشُعوبَ إِذا ماتَت مَواهِبُها / نُقاضَةٌ أَعوَزَتها كَفُّ بانِيها
يا كاسِبَ الحَمدِ إِلى حَمدِهِ
يا كاسِبَ الحَمدِ إِلى حَمدِهِ / أَدرِك حَياةَ الشعرِ مِن وَأدِهِ
يَدعُوكَ لا يَذكُرُ مِن حُرمَةٍ / غَيرَ الَّذي أَسلَفَ مِن وُدِّهِ
وَلِلمَودّاتِ عَلى أَهلِها / حَقُّ ذِمام الخُلقِ في عَقدِهِ
دارُ هَوانٍ قَد حَلَلنا بِها / كَما يَحِلُّ الصَيدُ في قدِّهِ
أَيسَرُ ما في وَصفِها أَنَّها / تَفجَع ذا الجُهدِ عَلى جُهدِهِ
إِن يطلبِ الرِفدَ بِها مُتقِنٌ / فرفته أَقرَبُ مِن رِفدِهِ
تُثِيبُ مَن يَهزِلُ فيها كَما / تَسُوءُ ذا الجِدِّ عَلى جِدِّهِ
لا يَظفَرُ المُحسِنُ فيها وَلَو / بِالخادِع المَمطولِ مِن وَعدِه
لَيسَ مِنَ الأَحياءِ مَن حَلَّها / بَل مَيِّتٌ أُخِّرَ عَن لَحدِهِ
لا مَوتَ مَهما قُلتَ في وَصفِه / يَعدِل مَوتَ اليَأسِ في بُردِهِ
دَيرٌ لِغَيرِ اللَهِ رُهبانُهُ / يَحُلُّهُ المُفرِطُ في زُهدِهِ
تَغرِسُ ما تَغرِس مِن صالِحٍ / فيها وَلا تَجني سِوى ضِدِّهِ
كَأَنَّها قَلبُ لَئيمٍ إِذا / غَرَستَ فيهِ العُرفَ لَم يُجدِشه
أَو رَملَةٌ تَشرَبُ صَوبَ الحَيا / صَفواً وَلا تَنفكُّ عَن جَحدِهِ
جَهلُ الفَتى أَفضَلُ أَرزاقِه / فِيها وَضِيقُ العَقلِ من سَعدِهِ
فَذاكَ لَو يفهَمُ أَجدى لَهُ / مِن عِلمِهِ الجَمِّ وَمِن كَدِّهِ
غَيرُ قَوانينِ بَني آدَمٍ / قانونُها في الجُورِ عَن قَصدِهِ
تَرى دِماءَ الحَقِّ مَسفوكَةً / في كُلِّ حَرفٍ خُطَّ مِن بَندِهِ
أَقَمتُ فيها كارِهاً مِثلَ مَن / أُركِبَ مِن سَيفٍ عَلى حَدِّه
حالٌ لَبِسناها عَلى رَغمنا / لُبسَ الوَليد الشَيبَ في مَهدِهِ
وَللوشاياتِ بِها دَولَةٌ / يَزيدُ فيها الشَرُّ مِن جُندِهِ
الجارُ فيها مُتَّقِ جارَه / وَالأَخُ مَطوِيٌّ عَلى حِقدِهِ
وَالمَرءُ ذو الأَخلاقِ يحيا بها / في مُكفهِرِّ الجَوِّ مُربَدِّهِ
إِلَيكَ أُزجيها عَلائِيَّةً / كَأَنَّها اللؤلُؤُ في عِقدِهِ
وحَسبُها أَن وُجِّهَت لامرِئٍ / يَنفَحُ طيبُ الودِّ مِن بُردِهِ
يا حامِلينَ أَمانَةَ الأَبناءِ
يا حامِلينَ أَمانَةَ الأَبناءِ / اللَه في مصر وَفي الشهداءِ
فَتَحَت لَكُم صُحُفَ الفَخارِ فَسَطِّرُوا / ما يَذخرُ الآباءُ لِلأَبناءِ
لا تُورِثوا أَعقابَكُم ما ذُقتمُو / في الأَسرِ مِن مِحَنٍ وَمِن لأواءِ
وَالعِزُّ أَفضَلُ ثَروَةٍ يَرِثُونَها / وَلَو انَّهُم في ثَروَةِ الفُقَراءِ
كَم مُكتَسٍ حُلَل الرَفاهةِ فاقِدٍ / عزَّ الطَليق يُعَدُّ في البُؤساءِ
أَلقَت عَلَينا الطَيرُ في أَفنانِها / عِظَةَ البَصيرِ وَحِكمَةَ الحُكَماءِ
رَضِيَت بِرزق الكادِحينَ وَغَرَّدَت / فَرَحاً بِعيشَتِها مَعَ الطُلَقاءِ
يا مُقسِمينَ بِحُبِّ مصرَ وَإِنَّهُ / قَسَمٌ أَحَقّ بَحُرمَةٍ وَوَفاءِ
وَمُحَمَّلينَ وَديعَةً مَسؤولَةً / عِبءُ الوَدائِعِ أَثقَلُ الأَعباءِ
عُرِضَت عَلى السبع الطباقِ فَأَشفَقَت / وَأَبَين مِن ضَعفٍ وَمِن إِعياءِ
رَفَعتكُم الأَجيالُ ما أَعددتُم / بِصَحائِفِ الأَجيالِ مِن أَنباءِ
وَتَطلَّعَت نَحوَ الحَياةِ أَجِنَّةٌ / أَحياةُ يَأسٍ أَم حَياةُ رَجاءِ
وَأَطلَّتِ الشُهَداءُ مِن جَنّاتِها / لِتَرى ثمارَ الغرسِ في الأَحياءِ
فَتَدارَكُوا أَملَ البِلادِ فَقَد مَضَت / بِمُنى البِلادِ ضَراعَةُ الرُؤساءِ
يُستَوزَرونَ وَكُلُّ عُدَّتِهم لَها / أُذُنُ الأَصَمِّ وَمُقلَةُ العَشواءِ
وَإِذا تَضَرَّعَتِ البِلادُ إِليهمُو / فَالصَبرُ كُلُّ نَصيحَةِ النُصَحاءِ
يَصفونَ أَدواءَ البِلادِ وَعِندَهُم / أَنَّ السَكينةَ بَلسَمُ الأَدواءِ
فَكَأَنَّما لَفظُ السَكينَةِ آيَةٌ / ما أُنزِلَت إِلّا عَلى الوُزَراءِ
لا تَقنَطوا إِنَّ القُنوطَ مطيَّةٌ / تقِفُ الشُعوب عَلى بِلىً وَفَناءِ
وَخُذوا بِحَزمٍ في عَدوٍّ دَأبُهُ / بَطشُ القويِّ وَحِيلَةُ الضعفاءِ
رُدُّوا لِأُمتكم حَياةً لَم تَدَع / مِنها عُهودُ الذُلِّ غَيرَ ذَماءِ
قُتِلَ الإِسارُ فَكَم أَماتَ مَواهِباً / وَأَضاعَ مِن فِطَنٍ بِها وَذكاءِ
نالَ الغَبيُّ بِهِ أَعَزَّ مَكانَةٍ / وَطَغَت مَظالِمُهُ عَلى العلماءِ
جَعلَ المَناصِبَ في البِلادِ وراثَةً / لِذَوي الغِنى وَصَنائِعِ العُظَماءِ
حُرِمَ المَعالي مَن يَمتُّ بِعلمه / وَتُنالُ بِالأَنسابِ وَالوُسَطاء
جِدُّوا إِلى نَشرِ المَعارِفِ جهدَكم / تُهدَى البِلادُ بِنورها الوَضّاءِ
جَهلُ المَمالِك عُدَّةٌ لِعَدوِّها / كَاللِص يَحمدُ حالِكَ الظلماءِ
لا تُنسينّكمُ المَناصِبُ ما حَوَت / في طَيِّها مِن شِقوَةٍ وَعَناءِ
سُبُل العُلا ما تسلُكونَ وَإِنَّما / تَأوي الصعابَ مسالكُ العَلياءِ
لَيسَت كَراسيُّ النِيابَةِ رُتبَةً / يَعلو بِها مَن كانَ في الوُضَعاءِ
دارُ النِيابَةِ فُتِّحَت أَبوابُها / ماذا أُعدَّ لَها مِن الآراءِ
إِن شئتُمُ كانَت لِمصرٍ نِعمَةً / أَو شِئتُمُ كانَت سَبيلَ شَقاءِ
إِنّي أُعيذُ رِجالَها وَأُعيذُها / مِن أَن يُشادَ بِناؤُها لِبِناءِ
لَم يُغنِ عَن إِيرانَ مَجلِسُها الَّذي / حَشَدوه إِذ مالوا مَعَ الأَهواءِ
حَسِبتهُمُ إِيرانُ نُخبَةَ شَعبِها / رَأياً فَكانوا نُخبَةَ الأَعداءِ
اللَهُ كافِلُ أَمرِكُم وَمُعزُّكُم / بِنَصيرِ مِصرَ وَسَيدِ الزُعَماءِ
وَلَدتهُ مصرُ فَكانَ أَوفى موثِقاً / وَأَبرَّ مَن وَلَدَت مِن الأَبناءِ
وَبنَت عُلاهُ كَما بَنَت أَهرامها / فَخراً عَلى الدُنيا وَطُول بَقاءِ
اليَوم تُبعَثُ مِن أَجداثِها العربُ
اليَوم تُبعَثُ مِن أَجداثِها العربُ / وَيَزدَهي مِثلَ ماضِي عَهدِهِ الأَدَبُ
وَتُشرِقُ الشَمسُ في البَيداءِ صافيَةً / مِن بَعدِ ما طَمَسَت أَنوارَها السُحُبُ
نَجدُ الجَزيرة وَالأَغوارُ في جَذَلٍ / قَد اِستَخَفَّتهما السَرّاءُ وَالطَرَبُ
سَرى إِلى قَفرِها بُوقٌ يُبَشِّرُها / كَأَنَّهُ بارِقٌ بِالغَيثِ يَنسَكِبُ
هَشَّت لَهُ في ثَرى البَيداءِ أَعظمهم / وَكادَ يُسمَع مِنها الشعرُ وَالخُطَبُ
تِلكَ القِفارُ تَراها اليَومَ مُجدِبَةً / وَكانَ لِلفنِّ فيها المَرتَعُ الخَصِبُ
رَوضُ البَيانِ بِها كَم كانَ مُزدَهِراً / شَدوُ البَلابِلِ في أَفنانِهِ عَجَبُ
كَم أَشرَقَت في نَواحي أُفقِها شُهُبٌ / سَرَت عَلى ضوئِها الأجيالُ وَالحِقَبُ
كَم أَهدَتِ البِيدُ لِلدُنيا حَضارَتَها / صَريحَةً لَم يَشُبها الغشُّ وَالكَذِبُ
حَضارَةٌ رفَعَ الفُرقانُ ذروتَها / أَساسُها وَحدةُ الإِنسانِ لا الغَلَبُ
لَو اِستَظَلَّ بِضافي ظِلِّها أُمَمٌ / في الأَرضِ ما اِختَصَموا يَوماً وَلا اِحتَرَبُوا
طَغى العقوقُ وَغَدرُ الأَقربينَ عَلى / هَذا التُراثِ فَأَضحى وَهوَ ينتَهِبُ
باعُوا اللآلئَ كَالأَصدافِ مِن سَفَهٍ / وَعُذرُهُم أَنَّهُم في الغَوصِ ما تَعِبُوا
لَولا يَدٌ مِن أَبي الفاروقِ سابِغَةٌ / في اللَهِ وَالحَقِّ ما تُسدي وَما تَهَبُ
أَسدى إِلى لُغَةِ الفُرقانِ مَكرُمَةً / لَيسَت تَفي شُكرَها الأَسفارُ وَالكُتُبُ
بِالأَمسِ حاطَ كِتابَ اللَهِ مِن عَبَثٍ / وَاليَومَ يُسدي إِلى الفُصحى وَيَحتَسِبُ
وَكَم أَيادٍ عَلى الآدابِ شاهِدَة / بِأَنَّ مصرَ إِلى آمالِها تَثِبُ
يُعينُهُ عَبقَريُّ الذهنِ مُحتَمِلٌ / عِبءَ المَعارِفِ نَهّاضٌ بِها دَرِبُ
عيسى سَمِيُّك أَحيا المَيتَ مُعجِزَةً / وَأَنتَ تَفعَلُ ما تَحيا بِهِ العَرَبُ
فَاليَومَ تَخلَعُ أَكفانَ البِلى لُغَةٌ / قَد أُلبِستها وَأَثوابُ الصِبا قُشُبُ
كَم حاوَلَت عصبةٌ إِطفاءَ جَذوَتِها / وَنارُها في رَمادِ الغَبنِ تَلتَهِبُ
لَم يَبرَحُوا ساحِلَ اللُّجِّي وَاِتَّهمُوا / وَفي القَرار يَتيمُ الدر لَو طَلَبوا
لا يَخجَلونَ حَياءً إِن همُو لَحَنوا / فيها وَفيما سواها اللَحن يُجتَنبُ
ما قصَّرَت لُغَةُ الفُرقانِ عَن غَرَضٍ / وَلَم يُؤدِّ سِواها كُلَّ ما يَجبُ
كَم في مَعاجِمها مِن طُرفَةٍ عَجَزَت / عَنها لُغاتُ الوَرى لَو تُكشَفُ الحُجُبُ
وَكَم ثَرى في تُرابِ الأَرضِ تَحقِرُه / وَفي ثَناياهُ لَو فَتَّشتَه الذَهَبُ
قُل لِلوَزير بَقاءُ الخَيرِ في عَمَلٍ / بِالعاملين فَقدِّر حينَ تَنتَخِبُ
لا يَخدَعنَّكُم جاهٌ وَلا لَقَبٌ / فَكَم أَضاعَ عَلَينا الجاهُ وَاللَقَبُ
لا يُعجِبَنَّكُم في الحَشد كَثرتُهُ / قَد يَفعَلُ الفَردُ ما لا تَفعَلُ العُصَبُ
وَلا تَكُن شُهرةُ الأَسماءِ رائِدَكُم / رُبَّ اِشتِهارٍ بِمَحضِ الحَظِّ مُكتَسَبُ
وَقَد بَلَونا أُناساً طارَ صِيتُهُمُ / فَلَم نَجد غَيرَ قَومٍ جِدُّهُم لَعِبُ
قَد حَيَّروا الناسَ ماذا يَصنَعونَ لَهُم / إِن يُطلَبوا هَرَبُوا أَو يُترَكوا غَضِبوا
كِلُوا الأُمورَ إِلى قَومٍ ذَوي دَأَبٍ / لا يَفتُرون وَلا يُوهِيهمُ نَصَبُ
مُستَرشِدين بِذَوقٍ في بحوثهمُو / مَن يَفقِد الذَوقَ لَم يَنهَض بِهِ الدَأَبُ
وَالاجتِهادُ بِغَيرِ الذَوقِ مَضيَعةٌ / ذُو الجهد إِن لَم يُعِنهُ الذَوقُ مُحتَطِبُ
وَهَيئوا لِعَظيم الأَمرِ عُدَّتَه / مِن الكُفاةِ وَلا تَغرُركمُ الرُتَبُ
حَمَّلتَ مصرَ لِواءَ الشَرقِ قاطِبَةً / فَالشَرقُ مِن حَولِها يَرجو وَيَرتَقِبُ
تَقَطَّعَت قَبلَكَ الأَرحامُ وَاِبتَعَدَت / وَاليَومَ في المجمعِ المصريِّ تَقتَرِبُ
لا تَذوبي مِن وَغاها فَزَعا
لا تَذوبي مِن وَغاها فَزَعا / وَتَعالَي نُجِبِ الحُبَّ مَعا
لا تَظُنّي الحَربَ تُنسينا الهَوى / إِنَّهُ قَلبي عَلى ما طُبِعا
فَلتَقُم أَو تقعدِ الدُنيا فَلا / يَحصُدُ الشَرَّ سِوى مَن زَرَعا
حارِبُوا ما شئتُم أَو سالِمُوا / وَاِعمُروها أَو دَعوها بَلقعا
لَيسَ لي ما عِشتُ في دُنياكُمُ / ما أَراهُ يَستَحِقُّ الطمَعا
لَستُ أَبغي رِيَّ آمالي بِما / سَفَكَ الظُلمُ دَماً أَو أَدمُعا
مَطلَبي أَطهَرُ مِن أَن يرتَعي / جُثثَ الإِخوَة يَبغي شِبَعا
فَدعُوا قَلبي وَما يَشغَلُه / لَم يَدَع فيهِ الهَوى مُتَّسَعا
غَرسَ الحُبُّ بِهِ دَوحَتَه / فَزكَت أَصلاً وَطالَت أَفرُعا
صادَفَت مَنبِتَها فَاِنبَسَقَت / وَأَصابَت مِن وَفائِي مَنبَعا
وَجَناها اليأَسُ إِلا أَنَّها / بَسَطَت مِن ظِلِّها ما أَطمَعا
يَتَغَنّى الشعرُ في أَفيائِها / مُرسِلاً في كُلِّ لَحنٍ مَدمَعا
باعِثاً في النَفسِ مِن ذِكرى الهَوى / ما شَفى اللَوعَةَ أَو ما أَوجَعا
يا مُنى نَفسي تَعالَي نَبتَدِر / مِن جَنى أَيامِنا ما أَينَعا
وَاِغنَمِيها لَحَظاتٍ إِنَّها / فُرَصٌ تَمضي وَتُبقي جَزَعا
أَمتِعينا وَالمُنى مُسعِدَةٌ / لَيسَ هَذا العَيشُ إِلّا مُتَعا
بِحَديثٍ كادَ أَن يَخلُقَ مِن / سِحرِهِ في كُلِّ شيء مَسمَعا
حَدِّثينا عَن تَباريح الجَوى / وَصِفي جَور الهَوى ما صَنَعا
حَدِّثي عَمّا جَنَت أَيدي النَوى / وَجَميلِ الصَبر ماذا نَفَعا
وَأَمانٍ كَم هَفا الصَبُّ لَها / خادعاً لِلنَفسِ أَو مُنخَدِعا
حَدِّثينا عَن غَرامٍ لَم يَدَع / في فُؤادَينا لواشٍ مَوضِعا
حَدِّثينا إِنَّ أَشهى مُتعَةٍ / مِنكِ إِن حَدَّثتِنا أَن نَسمَعا
يا أُمَّةً لَعِبَ الهَوى بِبنِيها
يا أُمَّةً لَعِبَ الهَوى بِبنِيها / حَصَدت لَها ثَمَرَ الرَدى أَيدِيها
سارَت سَفينتُها فَلمّا قارَبَت / ضَلَّت وَحادَ عَن الهُدى مُجرِيها
عَصَفت بِها ريحُ الخِلافِ بلُجَّة / لَم يَدرِ غايتَها سوى مُرسيها
رَبّاه إِن آخَذتَ قادَتَها بِما / كَسَبوا فَنجِّ بِرَحمَةٍ مَن فيها
صَدَقُوا الجِهادَ وَفَرَّقتهم عُصبَةٌ / أَنتَ الَّذي بِذُنوبِها تجزِيها
كانُوا الحُماةَ مِن العَدُوِّ فَأَصبَحوا / وَهُم العَدوُّ لَها فَمَن يَحميها
كُلٌّ يُهيبُ بِنا لِنتبعَ خَطوَهُ / كَالشاءِ تَجعَلُ ذِئبَها راعيها
هَذا بِسابِقَةٍ يَمُنُّ وَإِنَّهُ / إِن يسد فَهو لِنَفسِهِ يُسدِيها
وَيُدِلُّ آخرُ بِالعُلا في قَومِه / وَصَواعق الدولاتِ مِن عاليها
وَيُريك ماضِيَه وَيَطوِي حاضِراً / لَو في المَلائِكِ لَم يُفِد ماضيها
وَمُطاوِلونَ بِعلمهم لَم يُطفِئُوا / فِتَناً شَقائِقُ عِلمِهم تُذكيها
وَالعلمُ إِن قَسَمَ الشُعوبَ طَوائِفاً / أَثنى عَلى جُهّالِها مُثنيها
وَالوَيلُ مِن كُلٍّ إِذا لَم يجزِه / بِصَنيعِهِ التَقديسَ وَالتأليها
كَم ذا هَتَفنا بِالحَياةِ لَهُم وَما / وَجَدت بِلادُ النيلِ مَن يَحميها
وَدَمٍ سَقَينا الأَرضَ مِنهُ فَأَنبَتَت / مِن خَلفِنا شُؤماً عَلى أَهليها
يا أُمَةً طَمَسَ الهَوى أَحلامَها / قَصَّرتِ في طَلَبِ العُلا فَدَعِيها
إِن الشُعوبَ إِذا تَفرَّق سَعيُها / عَضَّ البنانَ نَدامَةً ساعيها
يا فِتنَةً عَصَفت بِمصرَ وَما لَها / جَلَدٌ لِعاصِفَةِ الخِلافِ يَقيها
قَد مَكَّنت لِلغاصِبينَ بِأَرضِها / وَمَشى إِلى إِذلالِها ماشِيها
أَودَت بِأَخلاقِ الشَبابِ وَدَنَّست / ما أَخجَل الأَزهارَ مِن صافيها
وَأَتَت عَلى أُسَرِ البِلادِ فَفَرَّقَت / بَينَ الفَتاةِ وَأمِّها وَأَبيها
ذَهَبت بِما تَرجوه مصرُ وَأَهدَرَت / ما سالَ مِن دَمِنا عَلى واديها
فَكَأَنَّنا لَم نَفدِها بِنُفوسِنا / حينَ اِستَبَدَّ عَدوُّها بِذَويِها
رَبّاه ضلَّ سَبيلَها كبراؤُها / فَأَفِض عَلَيها حِكمَةً تَهديها
رُحماكَ قَد مَلأَ النِفاقُ سَرائِراً / لَم تَعرِف التَضليلَ وَالتَمويها
شِيَعٌ تَقاذفُ بِالسِبابِ حقودُها / أَعيا مبرِّحُها عَلى آسيها
يَتَجاذَبُونَ المَجد لَم يَسعوا لَهُ / وَالقَوسُ لا تُعطى سِوى باريها
خُطَبٌ بِمَأفونِ المَقالِ حَفِيلَةٌ / سُمّاعُها لِمآربٍ تُطرِيها
يَرمي بِها كُلٌّ أَخاهُ وَإِنَّما / يَرمي بِها الأَوطانَ إِذ يَرميها
كَلِمٌ مردَّدَةٌ إِذا ما مَجَّها / سمعُ الكَريم أَعادَها مُبديها
أَبني أَبي إِنَّ العَدوَّ بمرقَدٍ / كَشَفَت لَهُ الأَحقادُ عَن خافيها
نارٌ لَكُم مِنها الحريقُ وَنورُها / لِعَدوِّكُم وَمجُوسكم عَبدوها
حَشَدَ الزَمانُ عَلَيكُمُ أَعداءَكُم / وَأَلدُّها الفِتَنُ الَّتي تُورِيها
أَوَ لَم تَرَوا كَيفَ اِنطَوَت بِخلافِها / أُمَمٌ أَطاعَت في الهَوى غاوِيها
أَولَى بِمَن جَمَحت بِهِ الأَيّام
أَولَى بِمَن جَمَحت بِهِ الأَيّام / صَبرٌ يَرُدُّ العَضبَ وَهوَ كَهامُ
وَيكُفُّ غَربَ الدَهرِ مِن غَلوائِهِ / وَيُعيد نارَ الخَطبِ وَهيَ سَلامُ
لا تُلوِيَنَّ بِكَ الخُطوبُ إِذا عَدت / فَالصَبرُ ماءٌ وَالخُطوبُ ضِرامُ
وَهَبِ الحَوادثَ مِن فُؤادٍ صَخرَةً / عَنها يَزِلُّ المُزنُ وَهوَ رُكامُ
وَالدَهرُ حَربٌ فَاحتَمِل حَمَلاتِه / وَاِثبُت لَها إِن زَلَّتِ الأَقدام
إِنّ الفَتى كُلَّ الفَتى مَن حِلمُه / راسٍ إِذا ما خَفّتِ الأَحلامُ
فَالدَوحُ لا يُعطي الرِياحَ قِيادَه / وَلَقَد يَميلُ مَعَ الرِياحِ ثُمامُ
ما لِلمَصائِبِ سُحبُهنَّ مَواطِرٌ / وَتَمُرُّ سُحبُ الخَيرِ وَهيَ جَهام
ما إِن يُلِمُّ بِنا خَيالٌ مُسعِدٌ / بِالخَيرِ لَكن لِلرَدى إِلمام
قُولا لِلائِم دَهرِهِ مُستَعتِباً / أَقصر فَما يُجدي عَلَيكَ مَلامُ
لا تَشكُوَن إِلى اللَيالي ظُلمها / هَيهاتَ يَنقضُ حُكمَه ظَلّامُ
عَجَباً لِمُغتَبِطٍ بِطُولِ حَياتِه / إِنَّ الحَياةَ لَواعِجٌ وَسَقامُ
أَتَسُرُّني الأَيّامُ وَهيَ مَريرَةٌ / وَيَسوغُ كَأسُ العَيشِ وَهوَ سُحامُ
ماذا تُؤمِّل بَعدَ طُولِ سَلامَةٍ / هَل لِلزَمان مَواثِقٌ وَذِمامُ
في كُلِّ يَومٍ لي نَذيرٌ بِالرَدى / يَقِظٌ يُنادي وَالعُقولُ نِيامُ
في ذِمةِ الرَحمَنِ خَيرُ عَقِيلَةٍ / سَلَبَت بِها ما أَسدتِ الأَيامُ
مَلَكُ السَماءِ اليَومَ يُدفَن في الثَرى / هَل لِلمَلائِك في التُرابِ مُقامُ
وَأَظُنُّه وَحياً أَتانا بِالهُدى / فَأَتاه مِن قبل الصُعودِ حِمامُ
سائل بِغابِ الأُسدِ أَينَ حُماتُه / أَم أَينَ كانَ الباسِلُ المِقدامُ
لَكنَّهُ قَدَرٌ يُسَدِّدُ سَهمَه / سِيّان فيهِ سَيِّدٌ وَغُلامُ
لَفُّوكِ في عَلمٍ لأَنَّكِ مِثلُه / عَلَمٌ تُنكَّسُ فَوقَهُ الأَعلامُ
لَهفي عَلَيكِ تَرَكتِ جفناً ساهِداً / للعلمِ لَيسَ عَلى نَواكِ يَنامُ
قَد كُنتِ حَلي الدَهرِ وَهوَ مُعَطّلٌ / وَسِراجَ نادي العِلم فَهوَ ظَلامُ
فَلئِن قَضَيتِ فَما قَضَى من ذِكرُهُ / حيٌّ تُجدِّدُ عَهدَه الأَيامُ
نَفسي الفِداءُ لِزَهرةٍ أَمسى لَها / بَينَ الجَنادِل وَالثَرى أَكمامُ
أَودَت فَأَودَت بِالقُلوبِ هُمومُها / وَتَشَقَّقت لِمصابِها الأَقلامُ
خَلَّفتِ للعَلياءِ قَلباً خافِقاً / وَتَرَكتِ دَمع المَجدِ وَهوَ سِجامُ
وَمَع الحِجابِ بَلغتِ أَبعدَ غايَةٍ / في المَجدِ تَقصُر دونَها الأَفهامُ
لَيسَ الحِجابُ يَعوقُ عَن طَلبِ العُلا / فيما أَرى لَكنّها أَوهامُ
قالوا السفورُ فَقُلتُ شَعبٌ جاهِلٌ / وَالناسُ ما جَهِلوا فهم أَنعامُ
إِنّ السُفورَ مَع الجَهالةِ محنَةٌ / هَل يَدفَعُ الأَسَد الهصورَ سَوامُ
ها عَلِّموها وَاِفعَلوا ما شِئتمو / فالعلمُ حِصن لا يَكادُ يُرامُ
إِمّا الحِجابَ أَو السُفورَ أَردتُمو / وَالخَيرُ فيما اِختارَه الإِسلامُ
قولوا لِحفني استَبق دَمعَك حَسبها / ما قَد بكاها النيلُ وَالأَهرامُ
وَتَعزَّ عَن مَلَكٍ فَإِنَّك قائِلٌ / أَيامَ شَبَّ بِعابدينَ ضِرامُ
واقبل معاذيرَ الزَمانِ فَرُبَّما / قَبِلت مَعاذيرَ الكِرامِ كِرامُ
يا أيُّها الجَدَثُ الَّذي أَمسَت بِهِ / مِنّا عَلَيكَ تَحيَةٌ وَسَلامُ
يا حالِمينَ بِمَجدِ مصرَ الزائِلِ
يا حالِمينَ بِمَجدِ مصرَ الزائِلِ / هَيهاتَ تَبني ركنَهُ يَدُ عاطِلِ
وَضَح الهُدى وَالقَوم بَينَ أَخي كَرى / لا يَستَفيق وَبَينَ صاحٍ غافِلِ
قُل لِلَّذي طَلَبَ المَعالِيَ قاعِداً / لا مَجدَ في الدُنيا لِغَيرِ العامِلِ
بَنَتِ الشُعوبُ عَلى الصِناعَةِ عزَّها / فَالنَجمُ يَرمقُه بِعَينِ الذاهِلِ
دَعَموا الحَضارَةَ بِالعُقولِ وَصَيَّروا / مَدنيَّةَ الأَسلافِ زُخرفَ باطِلِ
تَرَكوا الزهادَة في الحَياةِ لِعاجِزٍ / راضٍ مِن الدُنيا بِعَيشِ الخامِلِ
وَتَراءَتِ الدُنيا لَهُم في جِدِّها / إِذ نَحنُ نَرميها بِعَينِ الهازِلِ
خَلَقُوا مِن العَدَم الوُجودَ وَأَوشَكوا / أَن يَجعلوا لِلصَخرِ عَقلَ العاقِلِ
وَاِستَنبَئُوا الأَكوانَ عَن أَسرارِها / لَم يَسألوا عَنها سُطورَ أَوائِلِ
خَضَعت لِأَمرِهمُ البِحارُ فَأُثقِلت / مِن سُفنِهم بِمدائِن وَمَعاقِلِ
تَجري وَمَوجُ اليَمِّ يَصخب حَولَها / مَرَّ الكَريم عَلى سِفاهِ الجاهِلِ
وَعَلوا سراة الريحِ فَوقَ مَناطِدٍ / نَظَرت لَها الأَفلاكُ نَظرَةَ واجِلِ
كَم ذاقَ في الأَسفارِ قَبلَهُم الوَرى / مِن شُقَّةٍ بَعُدَت وَهَول هائِلِ
فَتدارَكتها آيةٌ مِن عِلمِهم / جَعَلت رِحابَ الأَرضِ كِفَّةَ حابِلِ
تركت بعيدَ الدارِ مِثلَ قَرِيبِها / وَأَخا النَوى في نَأيهِ كمواصِلِ
لَو أَسعَفوا قَيساً وَقَد أَزِفَ النَوى / لَم يَبكِ لَيلاهُ بُكاءَ الثاكِلِ
فيمَ الفخارُ إِذا الشُعوبُ تَفاضَلت / أَبِذِلَّةٍ تُزرى وَجَهلٍ قاتِلِ
لا تَذكروا ما شَيَّدَت أَسلافُكُم / مِن كُلِّ صَرح كَاليفاعِ الماثِلِ
لَولا جُهودُ الغَربِ حُجِّبَ علمُها / وَتَشابَه المَسئولُ فيهِ بِسائِلِ
زَخَرت نَوادي لَهوِكُم بِمَجالسٍ / مَوصولَةٍ غَدواتُها بِأَصائِلِ
لِلنَّردِ وَالشطرنج فيها ضَجَّةٌ / فَتَخالُها قَد بُدِّلَت بِمَعامِلِ
وَتمدُّها بِالعاطِلين مَدارِسٌ / تَهمي بِسَيلٍ مِن بَنيها هاطِلِ
ضاقَت رحابُ الأَرضِ وَهيَ فَسيحَةٌ / عَنهُم وَضاقَ بِهم ذِراعُ العائِلِ
أَلقَوا عَلى دُورِ الحُكومَةِ عبأهم / حَتّى شَكا الإِعياءَ جُهدُ الحامِلِ
مَن فاتَهُ عَيشُ الوَظائِفِ بَينها / فَنصيبُهُ في العَيشِ خَيبَةُ آمِلِ
وَخلت مَتاجركم وَأَقفر سُوقُكُم / مِن سِلعَةٍ إِلّا طَعامَ الآكِلِ
فَعَلامَ نُزهَى بِالثيابِ وَما لَنا / في صُنعِها يَدُ ناسِجٍ أَوغازِلِ
أَيَجرُّ ذَيلَ الفخرِ غِرٌّ ما لَهُ / في ثَوبِهِ حَتّى أَداة الغاسِلِ
وَإِذا امرُؤٌ حَذَق الصِناعَة منكمو / غالَى بِسلعَتِهِ غلوَ الباخِلِ
يَشكو الكَسادَ وقَد جَناه خلقهُ / طَمَعٌ يَلجُّ بِهِ ووعدُ الماطِلِ
وَتَرى سراةَ القَومِ في لَذّاتِهم / يَسخُو شَحيحُهم سَخاءَ الباذِلِ
وَإِذا البِلادُ دَعتهمُو لِمُصابِها / فَدعاء مَخذولٍ أَهابَ بِخاذِلِ
كَم ذا تُؤَدِّبُنا الخطوبُ بِنُصحِها / وَكَأَنَّ صَوتَ النصحِ صَوتُ العاذِلِ
وَنصيح بِالمَجدِ القَديم وَلا أَرى / صَيحاتِنا إِلّا تَثاؤُبَ كاسِلِ
فَتَجَرَّعُوا عُقبى البَطالَةِ مَورِداً / رَنقَ المَشارِبِ لا يَسُوغُ لِناهِلِ
لا تَظلموا صَرفَ اللَيالي إِنَّما / سَبَح الوَرى وَوَقفتمُو بِالساحِلِ
وَالبُؤسُ في الدُنيا جَنى لذَّاتِها / لا نَقض في حُكمِ الزَمانِ العادِلِ
تَذكَّرَ لَو يُجدِي عَليهِ التذَكرُ
تَذكَّرَ لَو يُجدِي عَليهِ التذَكرُ / وَرامَ اِصطِباراً حينَ عَزَّ التَصَبُّرُ
وَحاوَلَ إِخفاءَ الهَوى فَأَذاعَهُ / مَدامعُ لا يُغنيهِ مَعها تَستُّرُ
أَيَطوي هَوىً يُبديهِ لِلناس مَدمَعٌ / وَجفنٌ إِذا نامَ الخَليُّون يَسهَرُ
يَقولُ صحابي ما رَأَينا كَشَوقِهِ / أَلا إِنَّ ما أُخفي مِن الشَوقِ أَكثَرُ
أُحاذِرُ دَمعي أَن ينمَّ بِحرقَتي / فَيا دَمعُ حَتّى مِنكَ أَصبَحتُ أَحذَرُ
وَهَبني مَنَعتُ العَين أَن تَرِدَ البُكا / فَمَن يمنَعُ الزَفراتِ حينَ تَسَعَّرُ
فَمن مُبلِغٌ أَحبابَنا أَنَّ حُبَّهُم / مُقيمٌ وَإِن جَدَّت نَواهم وَأَبكَروا
مَنازِلُهم في القَلبِ آهِلَةٌ بِهم / وَمَنزِلُهُم بَينَ الطوَيلع مُقفِرُ
أَحِنُّ إِلى عَهدٍ تَولّى وَمَعشَرٍ / نَعِمتُ بِهم وَالعَيشُ رَيّانُ أَخضرُ
لَيالٍ جَمالُ العَيشِ قَصَّرَ طُولها / فَوَلَّت وَأَبقَت حَسرَةً لَيسَ تَقصُرُ
يُذكِّرني دَمعي جُمانَ كُؤوسِها / أُعلُّ بِها وَالشيء بِالشَيء يُذكَرُ
وَيُذكرني نَفحُ الرِياضِ عَبيرَها / فَأَمكثُ يَطويني الغَرامُ وَيَنشُرُ
وَكَم لَيلَة قَصَّرت طُولَ ظَلامِها / يَعِفُّ بِها سِرٌّ وَيَنعمُ مَنظَرُ
إِلى أَن بَدا نَجمُ الصَباحِ كَأَنَّهُ / تَبَسّمُ زنجِيٍّ عَن السن يَكشِرُ
أَلا فَسَقى ذاكَ الزَمانَ مُرِنَّةٌ / وَإِن كانَ يُسقى عَبرةً تَتَحدَّرُ
تَغَيَّر ذاكَ الدَهرُ وَاِنقَشَع الصِبا / وَمَن ذا الَّذي ياعَزُّ لا يَتَغيرُ
وَبُدِّلتُ مِنهُ عَصرَ بُؤسٍ وَرِفقَةٍ / كَدُنياهُمو وَالفَرع مِن حَيثُ يَظهَرُ
إِذا ما رَأَتهُم مُقلَتي نجِست بِهم / فَتُغسلُ من ماءِ الدُموعِ فَتَطهرُ
وَذَلِكَ رَأيٌ كَالمُهنَّدِ صارِماً / قَذَفتُ بِهِ وَالحَقُّ لا شَكَّ يَظفَرُ
أَمِيزُ بِهِ تِبرَ الكَلامِ وَتُربَه / كَما لاحَ مَعروفٌ مِن الصُبح أَشقَرُ
أَلا أَبلغا شَوقي عَلى نَأيِ دارِهِ / مَقالا كَنَفحِ المِسكِ رَيّاه تُنشَرُ
بِأَنَّ مَعانيهِ تَطُول وَتَعتَلي / وَيا رُبَّ لَفظٍ في البَلاغَةِ يَقصُرُ
كَرُوحٍ بِلا جِسم وَحَسناءَ أُلبِسَت / مَعَ الحُسنِ ثَوباً لَيسَ بِالحُسنِ يَجدُرُ
وَجلّ مَعانيهِ خَيالٌ كَأَنَّما / يَفِيضُ عَلَيهِ بِالتَخيُّلِ عَبقَر
وَفيما أَراهُ أَنَّهُ خَيرُ شاعِرٍ / وَإِن خَفَّ أَلفاظاً فَذَلِكَ يُغفَرُ
وَلِلكاشف المَعنى الَّذي خَطَراتُهُ / صِعابٌ عَلى من رامَها تَتَعذَّرُ
يميِّزُهُ عَمَّن سِواهُ اِعتِمادُهُ / عَلى نَفسِهِ كَالبَحر بِالماءِ يزخَرُ
يَفيضُ عَلى قِرطاسِهِ وَحيُ فِكرِهِ / سِوى أَنهُ يَكبُو قَليلاً وَيعثرُ
فَتِلكَ مَعانيهِ وَأَمّا بَيانُهُ / فَلا عَيب فيهِ غَير يُبسٍ يُنَفِّرُ
زَها بِبَيانِ القَولِ شعر مُحرَّمٍ / لَهُ مِن عُقُودِ اللَفظِ دُرٌّ وَجَوهَرُ
وَمَعناهُ لا عال وَلا هُوَ ساقِطٌ / وَبكرُ مَعانيهِ قَليلٌ مُبَعثَرُ
وَأَمّا نَسيمٌ فَهوَ في الهَجوِ أَخطَلٌ / تَرى قارِعاتِ الدَهرِ فيما يُسطِّرُ
وَإِن لَهُ لَفظاً يَروقُكَ نسجُهُ / وَإِن مساوِيهِ تُعَدُّ وَتُحصرُ
وَصَبري أَميرُ الشعرِ في صُغرياتِهِ / لَهُ نَفثاتٌ تَستَبيكَ وَتَسحَرُ
لَهُ قِطَعٌ تُلهي الفَتى عَن شَبابه / وَتُخجِل زَهرَ الرَوضِ وَالرَوضُ مُزهِرُ
أَعادَ لَنا عَهدَ الوَليد بِشِعرِهِ / فَمَعناهُ بَينَ الشَرق وَالغَرب يُؤثَرُ
وَحافظُ في مصرٍ بَقيَّةُ أُمَّةٍ / بِها كانَ رَوضُ الشعرِ يَذكُو وَينضرُ
مَتينُ القَوافي يُدرك الفهمُ لَفظَها / وَلَو لَم تَكُن في آخِرِ البَيتِ تُذكَرُ
وَيُحكِمُ نَسجَ القَولِ حَتّى كَأَنَّما / قَصائِدُهُ في ذَلِكَ النَسج تُفطَرُ
يُصوِّرُ مَعناهُ فَتَحسَبُ أَنَّهُ / لِتلكَ المَعاني شاعِرٌ وَمُصوِّرُ
سِوى أَنَّهُ يَحشُو وَيَستُر حشوَه / بِلَفظٍ كَصَفو الخَمرِ رَيّاه تُسكرُ
وَميَّزَ حفني بسطةٌ في بَيانِهِ / فَلَستَ تَرى مَعنىً لَهُ يَتَعَسَّرُ
تَراهُ وَلُوعاً بِالبَديع وَإِنَّما / يُحسِّنُه من بَعد ما كادَ يُنكَرُ
قَليلُ اِبتِكارٍ لِلمَعاني وَإِنَّما / كَساها بَهاء رقة ثم تندُرُ
وَإِنَّ لَهُ ظَرفاً وَحسنَ فُكاهَةٍ / يَكادُ لَها ذاوي الأقاحِ يُنوِّرُ
وَيا حَسَناً أَبدَعتَ لَولا تكلُّفٌ / بِلَفظِكَ يُخفِي ما تُريد وَيَستُرُ
وَلَكِنَّهُ يَسبيكَ مِنهُ نسيبُهُ / لعفَّتِهِ وَالشعرُ ما عَفَّ يَكبرُ
وَإِنّ لَهُ شعراً يَكادُ لرقَّةٍ / يَذُوب وَمَعناهُ أَغَرُّ مُشَهَّرُ
وَإِنَّ شَفيقاً يَستَبيكَ مُجونُه / وَقَد كادَ مِن بَعد النّواسيِّ يُهجَرُ
وَأَلفاظُهُ لَيسَت تُواتي مُجونَه / وَلَو رَقّ أَلفاظاً فَذَلِكَ أَجدَرُ
وَإِنّ لَهُ شِعراً يَفيضُ جَلالُه / عَلى حالتيهِ إِذ يَجِدُّ وَيهذرُ
وَإِنّ لَهُ شَكوى مِن الدَهر مُرّةً / تَكادُ لَها أَكبادُنا تَتَفطَّرُ
أَلا أَبلغا مُطران أَنّ بَيانَه / خَفيٌّ وَمَعناهُ عَن اللَفظِ أَكبَرُ
وَيُوجِزُ في الأَلفاظِ حَتّى تَظنَّه / عَلى غَيرِ عيٍّ بِالمَقالة يحصَرُ
وَيُشبهه عَبدُ الحَليم تَكلُّفاً / إِلى أَن تَرى فيهِ النُهى تَتَحيَّرُ
وَيا رُبَّ مَعنىً لاحَ في لَيلِ لَفظِهِ / يُضيءُ كَنجم في الدجنَّة يُزهِر
وَمُطَّلب في شعرِهِ ذُو بَداوَةٍ / وَلَكنهُ في بَعضِهِ يَتَحَضَّرُ
وَيُغرِب في أَلفاظِهِ وَلَعَلَّهُ / يُريد بِها إِحياءَ ما كادَ يُقبَرُ
فَلَو كانَ لِلأَشعارِ في مصر كَعبةٌ / لَكانَ عَلى أَستارِها مِنهُ أَسطُرُ
وَيُشبهه في لَفظِهِ الفَخم كاظِمٌ / سِوى أَنهُ مِن رقَّةِ المُدنِ يصفرُ
تَراهُ بِصَحراءِ العُذَيبِ وَبارِق / مُقيماً فَلا يَمضي وَلا يَتَأَخَّرُ
فَأَشعارُهُ ثَوبٌ مِن القَزِّ نَسجُه / وَلَيسَ لِهَذا الثَوبِ مَن يَتدَثَّر
وَلا تَنسيا عُثمان إِنَّ قريضَه / يُعيدُ لَنا عَهد البداء وَيُذكِرُ
يُؤَرِّقهُ بَرقُ الغَضا وَيَشُوقه / نَسيمٌ عَلى أَزهار تُوضح يَخطِرُ
فَذاكَ امرؤٌ أَهدته أَيامُ وائِلٍ / لأَيامِنا فَالعَصر لِلعَصرِ يَشكُرُ
وَإِنَّ عَليّاً يَستبيك نَسيبُهُ / وَيُروى بِهِ نبتُ العُقولِ فَيُزهِرُ
جَرى في مَعانيهِ مَع العَصرِ جِدَّةً / وَأَطلع صُبحاً في البَلاغَةِ يُسفِرُ
أَلا أَبلغا العَقّادَ تَعقيدَ لَفظِهِ / وَمَعناهُ مثلُ النَبتِ ذاوٍ وَمُثمِرُ
يُحاوِلُ شعرَ الغَربِ لَكن يَفوتُه / وَيَبغي قَريضَ العُرب لَكن يُقصِّرُ
وَلا تَشكرا شُكرى عَلى حُسنِ شعرِهِ / فَذَلِكَ شعرٌ بِالبَلاغَةِ يَكفُرُ
فَلَستُ أَرى في شعِرِهِ ما يَروقُني / وَلَكن عَناوينُ القَصيدِ تغرِّرُ
وَيفضُل شعرُ المازِنيِّ بِلَفظِهِ / فَذَلِكَ مِن إِلفيهِ أَجلى وَأَشهَرُ
وَرُبَّ خَيالٍ مِنهُ عَقَّد لَفظَه / فَمَعناهُ في أَلفاظِهِ يَتَعَثَّرُ
تَضيعُ مَعاني الرافعيِّ بِلَفظِهِ / فَلا نُبصر المَعنى وَهَيهاتَ نُبصِرُ
مَعانيهِ كَالحَسناءِ تَأبى تَبذُّلاً / لِذاكَ تَراها بِالحِجابِ تُخَدَّرُ
وَإِنَّ أَخي كَالرافِعيِّ وَإِنَّما / مَعانيهِ مِنها ما يَجلُّ وَيَكبُرُ
فَمَعناهُ مثلُ البَدرِ خَلفَ سَحابَةٍ / سِوى لَمعَةٍ كَالبَرقِ تَبدو فَتبهرُ
وَإِنَّ لهرّاوِي سُهولَة شِعرِهِ / فَتَحسبُه لَولا قَوافيه يَنثرُ
مَعانيه لا تَرضى الحِجاب عَن النُهى / يَرنحها فيهِ الجَمال فَتَظهَرُ
وَلا عَيب فيهِ غَير أَن خَيالَه / يَقلّ إِذا أَهلُ التخيلِ أَكثَروا
وَلا تَنسيا بِاللَهِ أَن تَذكُرا لَه / بِأَني صَديقٌ لا كَما قالَ عَنبَرُ
وَشِعرُ نيازِي كَالبَهاءِ عُذُوبَةً / وَيَغلُبُ ذِكرُ الشَوقِ فيهِ وَيَكثُرُ
وَيا ربَّ لَفظ خَفَّ في جَزل شِعرِهِ / وَيا ربَّ مَعنىً مِن مَعانيهِ يَفتُرُ
وَأَكبرَ مَهدِيّاً تَخيَّر لَفظهِ / فَلَستَ تَرى لَفظاً يَخفُّ وَيَحقرُ
وَإِنَّ لَهُ شِعراً كَبُردٍ مُفَوَّفٍ / وَبَعض مَعانيهِ قَديمٌ مُكَرَّرُ
وَشِعرُ نَظيمٍ مِثلُ شَدوٍ مُرتَّلٍ / تَكادُ بِهِ الأَطيارُ تَشدو وَتَصفرُ
وَلَو كانَ لِلتَوشيح في مصرَ إِمرةٌ / عَلى أَهلِ هَذا العَصرِ فَهوَ المؤمَّرُ
وَشعرُ عِمادٍ في قَوافيهِ خِفَةٌ / عَلى أَنَّ بَعضَ اللَفظِ لا يُتَخَيَّرُ
وَجُلُّ مَعانيهِ تَخيُّلُ شاعِرٍ / وَلَكنَّهُ فيها مُجيدٌ مُفَكِّرُ
خَلَجاتٌ تَهفو بِقَلبِ الشَجِيِّ
خَلَجاتٌ تَهفو بِقَلبِ الشَجِيِّ / هِيَ سرُّ الحَياةِ في كُلِّ حَيِّ
هِيَ وَالرُوحُ في فُؤادِكَ صُنوا / نِ وَفَيضٌ مِن عالَمٍ عُلوِيِّ
هِيَ ذِكرى بَعدَ المَشيبِ وَسَلوى / في اِكتِهالٍ وَصَبوَةٌ لِلفَتيِّ
وَمُنىً لِلغُلامِ يَهفُو إِلَيها / وَحَنانٌ يَحوطُ مَهدَ الصَبيِّ
رافَقَت رِحلَة الحَياةِ وَآخَت / نِضوَ أَسفارِها إِخاءَ الوَفيِّ
هِيَ لِلقَلبِ نِعمَةٌ أَو شَقاءٌ / كَم سَعيد بِها وَكَم مِن شَقِيِّ
رُبَّ مَن يُبهرُ العُيونَ رُواءً / ناءَ مِن هَمِّها بِداءٍ خَفِيِّ
ظاهِرٌ مِنهُ يَخدَعُ العَينَ عَمّا / ضُمِّنَ القَلبُ مِن ضَنىً مَطوِيِّ
مِن غَرامٍ مُبرِّحٍ أَو فِراقٍ / أَو مُنىً عُوجِلَت بِصَوتِ النَعِيِّ
باسِمٌ بَينَ صَحبِهِ فَإِذا يَخلو / بَكى شَجوَه بِدَمعٍ شَجِيِّ
وَأَخي مَنظَرٍ تَراهُ فَتَنبُو ال / عَينُ عَن مَنظَرٍ رَثيثٍ زَرِيِّ
يُبصِرُ الناسُ مِنهُ ما يَبعَثُ الرَح / مَةَ في قَلبِ شانِئٍ وَصَفيِّ
ما دَرَوا أَنَّهُ عَلى البُؤس يَحيا / بِفُؤادٍ خالٍ وَبالٍ رَضِيٍّ
مَلأت نَفسَهُ السَعادَةُ حَتّى / لا يُبالي بِمنظَرٍ أَو بِزِيّ
نَزَعاتُ النُفوسِ في كُلِّ قَلبٍ / مَيَّزَت بِين ساخِطٍ وَرَضِيِّ
أَسعدت آدماً وَحَوّاءَ حِيناً / ثُم أَشقَتهما بِإِفكِ الغَويِّ
وَرِثَ النَّسلُ عَن أَبيهِ مُيُولاً / لَم تَدَعهُ في ظلِّ عَيشٍ هَنِيِّ
وَنُفوساً حَيرى تُقَلِّبُها الأَه / واءُ مَفتونَةً بِكُلِّ طَلِيِّ
فَهيَ بَينَ الآمالِ تَمرَحُ نَشوى / ثُمَ تَصحو بِاليَأسِ مِن كُلِّ شَيِّ
إِنّ لِلعاطِفاتِ حُكماً قَويّاً / ظُلمُهُ عاصِفٌ بِكُلِّ قَويِّ
كَم أَذَلَّت جَبّارَ قَومٍ وَغَلَّت / مِن طَليقٍ وَأَسلَسَت مِن أَبِيِّ
كَم تَولّى جِهادَها في قَديمِ الد / دَهرِ نُصحٌ لِعالَمٍ وَنَبيِّ
جاهَداها بِالعَقلِ حيناً وَحينا / سَخَّرا بَعضَها لِقَتل البَقِيِّ
وَهيَ تَقوى مَع الجِهادِ فَويلٌ / لِلوَرى مِن جِهادِها الأَبَدِيِّ
دافِعاتٌ إِلى الغِوايةِ أَحيا / ناً وَحيناً إِلى الطريق السَويِّ
كَم يُؤاسى بِها الفَقيرُ وَتُنجِي / هِ مِنَ البُؤس رِقَّةٌ مِن غَنِيِّ
كَم سَقيمٍ لَولا تَرُفُّقُ آسٍ / لَقَضى نَحبَه بِداءٍ دَوِيِّ
وَمَشُوقٍ لَولا التَعَلُّل أَودى / بَأسُهُ بِالدَمِ الطَهُورِ الذَكيِّ
وَجَمالٍ لَولا العَواطِفُ ساوى ال / قُبحَ في عَقل أَبلهٍ وَذَكيِّ
فَبِها قُدِّرَ الجَمالُ وَلَولا / ها لَعاشَ الوَرى بِقَلبٍ خَلِيِّ
يا لِنَفسٍ تَعيشُ بَينَ مُيولٍ / أَتعَبَتها ما بَينَ رُشدٍ وَغيِّ
عاوَد القَلب حَنينُه
عاوَد القَلب حَنينُه / مَن عَلى الشَوقِ يُعينُه
وَيحَ قَلبي مِن غَرامٍ / هاجَ بِالذِكرى كَمِينُه
يا لخفّاقٍ إِذا ما / قَرَّ هَزَّتهُ شُجونُه
واصِلٌ مَن صَدَّ عَنهُ / صائِنٌ مَن لا يَصُونُه
خانَهُ الصَبرُ وَلَولا الصَ / صَدُّ ما كانَ يَخونُه
يا زَماناً لَم تَكُن إِلا / هُنيهاتٍ سِنينُه
كُنتَ رَوضاً حالياً بِالوَص / لِ قَد رَفَّت غُصونُه
حُلُمٌ إِن يَمحُهُ الدَه / رُ فَفي الذِكرى مَصُونُه
كُلَّما مَرَّ بِقَلبي / ذِكرُهُ جُنَّ جُنونُه
لَو شَهِدتِ النَجمَ أَرعا / هُ وَتَرعاني عُيونُه
أَو رَأَيتِ اللَيلَ أَشكو / هُ وَتَشكُوني دُجُونُه
وَمِهادَ النَومِ كَم يقسُو / عَلى جَنبيَّ لِينُه
آهِ لَو تَدرِينَ ما بي / ضاقَ بِالقَيدِ سَجينُه
أَنتِ تَدرِينَ وَلَكن / لِصِبا الغِيدِ فُتُونُه
أَنتِ لي كُلُّ شئوني / وَيلَ مَن أَنتِ شُئونُه
كانَ لي دَمعٌ فَمالي / جفَّ مِن دَمعي مَعِينُه
مَن لِصَبٍّ غَدَرَ الوا / في بِهِ حَتّى جُفُونُه
كُلَّما منّاهُ ظَنٌّ / عادَ بِاليَأسِ يَقِينُه
سَكَنَ اللَيلُ فَما لل / قَلب يَجفُوهُ سُكونُه
كَم وَكَم أَقسَم أَن يَسلُو / فَما بَرَّت يَمينُه
كُلَّما ظَنَّ سُلوّاً / كَذَبَت فيهِ ظُنونُه
كَم فُنونٍ ذاقَ في الحُب / بِ وَلِلحُبِّ فُنونُه
فَليذُق ما شاءَ مِنهُ / ما رَعى العَهدَ أَمينُه
أَيُّها اللائِمُ دَعهُ / فَلَهُ في الحُبِّ دِينُه
هَل شَفى بَعضَ الَّذي أَجِدُ
هَل شَفى بَعضَ الَّذي أَجِدُ / طارِقٌ مِن بَعدِ ما رَقَدُوا
زارَ لا يَثنيهِ مُرتَقِبٌ / لا وَلَم يَشعُر بِهِ أَحَدُ
عاطِر الأَنفاسِ يَحملُه / تَركَ الأَنفاسَ تَتَّقِدُ
لَستُ أَرضى الرُوحَ أَبذُله / أَنا إِن أَبذله مُقتَصِدُ
مِن هَدايا البُعدِ نَفحتُه / طابَ ما أَهدى لَنا البُعدُ
رُبَّ وَصلٍ يَسَّرَته نَوىً / وَسُرورٍ ساقَهُ كَمَدُ
وَرَجاءٍ لَم تَنَلهُ يَدٌ / بَذَلتهُ في الخَيالِ يَدُ
وَحَبيبٍ وَصلُه عِدَةٌ / مُنجِزٌ بِالطَيفِ ما يَعِدُ
حُلُمٌ ما اِنفَكَّ يُسعِدني / حافِلٌ بِالأُنسِ مُحتَشِدُ
ربَّ مَن فاتَت سَعادَتُهم / بالرُؤى أَو بِالمُنى سَعِدوا
كُلُّ شَيءٍ في الحَياةِ رُؤىً / رَغمَ ما في الوَهمِ يُعتَقَدُ
شاقَهُم عَهدُ الصِبا فَرَأوا / في خَيالِ الطَيفِ ما عَهِدُوا
كانَ ضوءُ الصُبح مَوعِده / وَمَضى لَيتَ الدُجى أَبدُ
لَيتَهُ لَيلٌ بِغَيرِ غَدٍ / وَأَماني العاشِقينَ غَدُ
نِعمَةٌ لِلقَلبِ خالِصَةٌ / لَم يُكدِّر صَفوَها حَسَدُ
خَفِيَت عَن أَن يُحسَّ بِها / عاذِلٌ في العَذلِ مُجتَهِدُ
زائِرٌ وافى لَهُ أَمَدٌ / هاجَ شَوقاً ما لَهُ أَمَدُ
زادَ سُقمى وَهوَ مُفتَقِدي / هَل يَزيدُ السقمَ مُفتَقِدُ
هِجتَ يا طَيفَ الخَيالِ لَنا / ذِكرَةً تَدنُو وَتَبتَعِدُ
لا تَزِد مِن لَوعَةٍ كَبِدي / وَتَرفق إِنَّها كَبِدُ
يا مُنى النَفسِ يا مَثابَة حُبّي
يا مُنى النَفسِ يا مَثابَة حُبّي / أبسِمي يَبسِم الرَجاءُ بِقَلبي
أَسفِري عَن شُعاعِ ثَغرِك يُسفِر / لفُؤادي نُورٌ مِن الحُسنِ يُصبي
وَأَضِيئي ذاكَ السَنا مِن ثَنايا / كِ تُضِيء بِالرَجاءِ أَحلامُ صَبِّ
أَبسِمي لِلصَديقِ بَسمَةَ راضٍ / عَن هَواهُ يُنيلُ قُرباً بِقُربِ
أَبسمي لِلوشاةِ بَسمَةَ زارٍ / ساخِرٍ بِالوشاةِ غَيرِ مُلبّي
أبسمي للسَقيمِ بَسمة آسٍ / أَيُّ طبٍّ في سِحرِها أَيُّ طِبِّ
أبسمي لِلزَمانِ بسمَةَ لاهٍ / لَيسَ يُلوي عَلى الزَمانِ بِعَتبِ
أبسمي لِلحَياةِ بَسمَةَ راجٍ / يَنهَبُ العَيشَ بِالمُنى أَيّ نَهبِ
أبسمي كُلُّ ما تَرَين جَميلٌ / كُلُّ شَيءٍ يَحلو بِقَلبِ المُحبِّ
أَبسمي لِلظَلام يَبسِم بِصُبحٍ / وَأَبسِمي لِلصَباح بَسمَةَ عُجبِ
أبسمي لِلرِياضِ يَبسِم لَكِ الزَ / زَهرُ وَيُكسَ النَباتُ نضرَةَ خِصبِ
يا شِفاهاً كَأَنَّها وَرَقُ الوَرد / سَقَتها خمرُ الرُضابِ بِعَذبِ
يا لوَردٍ تَشِعُّ فيهِ الثَنايا / بسناً يَسحرُ القُلوبَ وَيَسبي
لَو ضَممتِ الشفاهَ ضَناً عَلَينا / نفَذَت بالسَنا إِلى كلِّ لُبِّ
يا ثَنايا كَأَنَّها في صَفاءٍ / بَرَدٌ ساقَطَتهُ أَنداءُ سُحبِ
فَلَّجَت بَينَها مُنافَسَةُ الحُسنِ / فَكُلٌّ بِحَظِّهِ مِنهُ يُتبي
وَيَروحُ الحَديثُ مِن فِيكَ تَيّا / هاً فيُزهى بِلُؤلؤٍ مِنهُ رَطبِ
فَإِذا مازجَ الحَديثَ اِبتِسامٌ / راحَ مِنهُ نَشوانَ مِن غَيرِ شُربِ
ابسِمي لِلمقِلِّ يَستَصغِر الكَو / نَ بِما فيهِ مِن ثَراءٍ وَكَسبِ
ابسِمي لي إِذا سَأَلتُ لِقاءً / بَسمَةٌ مِنكِ لَو تَشائِينَ حَسبي
يا نَسيماً أَهدى إِلَيها اِشتِياقي
يا نَسيماً أَهدى إِلَيها اِشتِياقي / ما أَبرَّ النَسيمَ بِالعُشّاقِ
يا رَقيقاً كَم حَمَّلُوكَ رَقيقاً / مِن مُنىً عَذبةٍ وَمِن أَشواقِ
وَرَسولاً حَوى مِن اللُطفِ ما يُل / مِسُ في القَلبِ مَوضِعَ الإِشفاقِ
وَأَميناً عَلى الهَوى دُونَ ما يَط / ويهِ تَعيا الوشاةُ وَالسِرُّ باقِ
شَفَّ عَن كُلِّ ما طَواهُ وَصانَ الس / سِرَّ مِنهُ في مُحكَمِ الأَغلاقِ
وَعَجيبٌ كِتمانُهُ السرَّ فيهِ / وَهوَ يَسري بِهِ إِلى الآفاقِ
يا لَهُ كَيفَ لا يَحُولُ سمُوماً / بِالَّذي فيهِ مِن جَوىً وَاِحتِراقِ
حاملُ النارِ كَيفَ يَبرُد مَسّاً / أَيُّ واقٍ مِنها لَهُ أَيُّ واقِ
كَم عُيُونٍ رَوَيتَ عَنها فَسُمِّيَت / بليلاً وَالفَضل لِلآماقِ
وَفُؤادٍ حَمَلتَ عَنهُ خُفوقاً / بِالهَوى في فُؤادِكَ الخَفّاقِ
مَن رَسولٌ سِواكَ يحكي خُفوقَ ال / حُبِّ فيهِ مُصَوِّراً ما يُلاقي
سِر إِلَيها وَاِحمِل إِلى شَفَتيها / قُبلَةً ثُمَّ لَفَّها بِعِناقِ
لُفَّ جِسماً أَرَقَّ مِنكَ وَأَصفى / أَبدَعَت فيهِ قُدرةُ الخلاقِ
فيهِ لينُ النَسيم وَاللُطفُ لَكن / زادَ حُسناً عَلَيهِ بِالإِشراقِ
لَيتَ شِعري أَيُّ النَسيمينِ أَشهى / ضَلَّ في ذاكَ مَنطِقُ الأَذواقِ
مُتعَة الحسِّ عِندَ ذاكَ وَفي هَذا / متاعُ الأَرواحِ وَالأَحداقِ
يا نَسيماً سَرى عَلى الرَوض يَروي / نَفحاتِ الأَزهارِ وَالأَوراقِ
دَع أَريجَ الرِياضِ إِن بِفِيها / طِيبَ نَفحٍ ذَكا وَطيبَ مَذاقِ
ضَمِّخِ الأُفقَ مِن أَريجِ ثَنايا / ها وَهَب نَفحَةً إِلى المُشتاقِ
إِنَّ فيما تُهدي إِلَيهِ عَزاءً / وَشِفاءً من لاعِجاتِ الفِراقِ
وَيَداً يَحمِلُ المُحبّونَ طَوقاً / مِن نَداها يَظَلُّ في الأَعناقِ
يا رَسولاً لا تَمنَع الحُجبُ مَسراهُ / وَلَو ضُوعِفَت بِسَبعٍ طِباقِ
فُز بِما لَم أَفُز بِهِ وَتَهَنَّأ / رُبَّ فَوزٍ يَجيءُ عَفوَ اِتِّفاقِ
ما غَناءُ الراحِ قَد ظَلَّت سِنيناً
ما غَناءُ الراحِ قَد ظَلَّت سِنيناً / حَدِّثينا تَبعَثي النَشوَةَ فينا
فَمُك الكاسُ فَهاتِي نَصطَبِح / مِن سُلافٍ لَذَّةٍ لِلشارِبينا
أَسمِعينا نَبَراتٍ أَخجَلت / وَتَر العُودِ حَناناً وَحَنيناً
وَاِنطِقي تُصغي الأَمانيُّ عَسى / أَن تَشائِي قَولَ كُوني فَتَكونا
وَاِبعَثي شَجوَ الهَوى مِن مَنطِقٍ / يَلمِسُ النَفسَ فيُذكِيها شُجُونا
وَاِنفُثي مِن سحرِهِ في مَيِّتٍ / تَبعَثِيهِ قَبلَ بَعثِ العالَمينا
وَاِهمِسي في يابِس النَبتِ بِهِ / تُلبِسيهِ نضرَةً لِلناظِرينا
مَلَكٌ أَنتِ فَإِن شَكّ امرُؤٌ / حَدِّثيه يَعُدِ الشَكُّ يَقينا
أَلهميهِ مِنك فُرقانَ الهَوى / في حَديثٍ يَجعَل الصَبوةَ دِينا
لَو عَلَى المِحرابِ مِنهُ كَلِمٌ / خَشَع المِحرابُ قَبلَ الخاشِعينا
تُوشِكُ النسمَةُ إذ تحمِلُه / عنك أن تحسُدَ فيهِ السامِعينا
وَدَّت النَسمةُ لَو ضَنَّت بِهِ / وَضَنينٌ كُلُّ مَن يَحوِي ثَمينا
تَتَمنّى العَينُ فيهِ لَو غَدَت / أُذُناً تَحظى بِحَظِّ المُنصِتينا
وَمُنى الآذانِ إِذ تَسمَعُ عَن / مُجتَلى حُسنِكَ لَو كانَت عُيونا
فِتنَةٌ جلَّ الَّذي أَودَعها / فِيكِ لا نُدرِكُها إِلا ظُنونا
لَكِ حَبّاتُ القُلوبِ اِنتَظَمَت / طَوِّقي جيدَك مِنها وَالجَبينا
أَرسِلي سِحرَكِ في صَوتٍ إِذا / ما سَرى فيَّ اليَأسِ مَنَّى اليائِسينا
صاغَهُ اللَهُ مِن الرِفق كَما / صاغَ ظِلَّ الخُلدِ وَالفَيضَ المعينا
ذابَ حَتّى كادَ يَخفى رِقّة / لَستُ أَدري أَرَنيناً أَم أَنِينا
حَدِّثينا وَأَعِيدي ما مَضى / مِن حَدِيثٍ واحسَبي أَنّا نَسينا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025