المجموع : 15
يا مَرْحَباهُ بِحمارِ عفراءْ
يا مَرْحَباهُ بِحمارِ عفراءْ /
إذا أتى قَرَّبْتُهُ لما شاءْ /
من الشَّعيرِ والحشيشِ والماءْ /
وإِنّي لَتَعْروني لِذِكْراكِ رِعْدَةٌ
وإِنّي لَتَعْروني لِذِكْراكِ رِعْدَةٌ / لها بين جسمي والعِظامِ دَبيبُ
وما هُوَ إِلاّ أَنْ أَراها فُجاءَةً / فَأُبْهَتُ حتى ما أَكادُ أُجِيبُ
وَأُصْرَفُ عن رَأْيي الّذي كُنْتُ أَرْتَئي / وأَنسى الّذي حُدِّثْتُ ثُمَّ تَغيبُ
وَيُظْهِرُ قَلْبي عُذْرَها ويُعينها / عَلَيَّ فما لي في الفؤادِ نصيبُ
وقد عَلِمَتْ نفسي مكانَ شِفائِها / قَريباً وهل ما لا يُنالُ قريبُ
حَلَفْتُ بِرَكْبِ الرّاكعينَ لِرَبِّهِمْ / خشوعاً وفوقَ الرّاكعينَ رقيبُ
لَئِنْ كانَ بَرْدُ الماءِ عطشانَ صادِياً / إِليَّ حبيباً إِنَّها لَحَبيبُ
وَقُلْتُ لِعَرِّافِ اليَمامَةِ دوانِي / فَإِنَّكَ إِنْ أَبْرَأْتَني لَطبيبُ
فما بِيَ من سُقْمٍ ولا طَيْفِ جِنَّةٍ / ولكنَّ عَمِّي الحِمْيَريِّ كَذوبُ
عَشِيَّةَ لا عفراءُ دانٍ ضرارُها / فَتُرجى ولا عفراءُ مِنْكَ قريبُ
فَلَسْتُ بِرائي الشمسَ إِلاّ ذَكَرْتُها / وآل إليَّ من هواكِ نصيبُ
ولا تُذْكَرُ الأَهْواءُ إلاّ ذكرتُها / ولا البُخْلُ إلاّ قلتُ سوف تُثيبُ
وآخِرُ عَهْدي من عُفَيْراءَ أَنَّها / تُديرُ بَناناً كُلَّهُنَّ خضيبُ
عَشيَّةَ لا أَقْضي لِنَفْسي حاجةً / ولم أَدْرِ إِنْ نُوديتُ كيف أُجيبُ
عَشيَّةَ لا خَلْفي مَكَرٌّ ولا الهوى / أَمامي ولا يَهْوى هوايَ غريبُ
فَوَاللهِ لا أَنْساكِ ما هَبَّتِ الصَّبا / وما عَقَبَتْها في الرّياحِ جَنوبُ
فَوَا كَبِداً أَمْسَتْ رُفاتاً كَأَنَّما / يُلَذِّعُها بالمَوْقِدات طبيبُ
بِنا من جَوى الأَحْزانِ في الصّدر لَوْعةٌ / تَكادُ لها نَفْسُ الشَّفيقِ تَذوبُ
ولكنَّما أَبْقى حُشاشةَ مُقْوِلٍ / على ما بِهِ عُودٌ هناك صليبُ
وما عَجَبي مَوْتُ المُحِبِّينَ في الهوى / ولكنْ بقاءُ العاشقينَ عجيبُ
وأَحْبِسُ عنكِ النَّفْسَ والنَّفْسُ صَبَّةٌ
وأَحْبِسُ عنكِ النَّفْسَ والنَّفْسُ صَبَّةٌ / بِذِكْراكِ والممشى إليكِ قريبُ
مخافَةَ أَنْ يَسْعى الوُشاةُ بِظِّنَّةِ / وأَحْرسُكُمْ أن يستريبَ مُريبُ
أَلاَ لا تَلوما ليس في اللّوْمِ راحةٌ
أَلاَ لا تَلوما ليس في اللّوْمِ راحةٌ / فقد لُمْتُ نفسي مِثْلَ لَوْمِ قضيبِ
وكم مِن كريمٍ قد أَضَرَّ بِهِ الهوى
وكم مِن كريمٍ قد أَضَرَّ بِهِ الهوى / فَعَوَّدَه ما لمْ يَكُنْ يَتَعَوَّدُ
يا عفْرُ إِنَّ الحيَّ قد نقضوا
يا عفْرُ إِنَّ الحيَّ قد نقضوا / عهدَ الإِلهِ وحاولوا الغدْرا
مَنْ كانَ مِنْ أَخَواتي باكياً أَبداً
مَنْ كانَ مِنْ أَخَواتي باكياً أَبداً / فاليومَ إنّي أَراني اليومَ مَقْبوضا
يُسْمِعْننيهِ فَإِنّي غيرُ سامِعِهِ / إِذا علوتُ رقابَ القوم مَعْروضا
أَمُنْصَدِعٌ قلبي مِنَ البَيْنِ كُلَّما
أَمُنْصَدِعٌ قلبي مِنَ البَيْنِ كُلَّما / تَرَنَّمَ هدّالُ الحَمامِ الهواتفِ
سَجَعْنَ بِلَحْنٍ يَصْدَعُ القلبَ شَجْوُهُ / على غير عِلْمٍ بافتراقِ الألايفِ
ولو نِلْتُ منها ما يُوازَن بالقَذى / شفى كلَّ داءٍ في فؤاديَ حالفِ
إِليكَ أشكو عَرْقَ دهرٍ ذي خَبَلْ
إِليكَ أشكو عَرْقَ دهرٍ ذي خَبَلْ /
وعَيَلاَ شُعْثاً صِغاراً كالحَجَلْ /
وأُمَّهمْ تهتِفُ تستكسي الحُلَلْ /
قد طارَ عنها دِرْعُها ما لم يُخَلْ /
يا ربُّ يا ربّاهُ إِيّاكَ أَسَلْ /
عفراءُ يا ربّاهُ من قبلِ الأَجَلْ /
فإِنَّ عفراءَ مِنَ الدْنيا الأَمَلْ /
لو كَلَّمَتْ رهبانَ دَيْرِ في قَلَلْ /
لَزَحَفَ الرهبانُ يمشي وَزَحَلْ /
أَحَقَّاً يا حَمامَةَ بَطْنِ وَجٍّ
أَحَقَّاً يا حَمامَةَ بَطْنِ وَجٍّ / بهذا النّوحِ إِنّكِ تصدُقينا
غلبتُكِ بِالبُكاءِ لأَنَّ لَيْلي / أُواصِلُهُ وإِنَّكِ تهجعينا
وإِنّي إِنْ بكيتُ بكيتُ حقّاً / وإِنَّكِ في بكائِكِ تكذِبينا
فَلَسْتِ وإِنْ بكيتِ أَشَدَّ شوقاً / ولكنّي أُسِرُّ وتُعلِنينا
فَنُوحي يا حمامةَ بطنِ وَجٍّ / فقد هَيَّجْتِ مشتاقاً حزينا
خَليليَّ من عُليا هلالِ بنِ عامرٍ
خَليليَّ من عُليا هلالِ بنِ عامرٍ / بِصَنْعاءَ عوجا اليومَ وانتظراني
ألم تَحْلِفا بِاللهِ أَنِّي أَخوكُما / فلم تَفْعلا ما يَفْعَلُ الأَخَوانِ
ولم تَحْلِفا بِاللهِ أَنْ قد عَرَفْتُما / بذي الشِّيحِ رَبْعاً ثمَّ لا تَقِفانِ
ولا تَزْهدا في الذُّخْرِ عندي وأَجْمِلا / فإِنَّكُما بِيْ اليومَ مبتَلِيانِ
أَلم تَعْلما أَنْ ليس بالمرْخِ كُلِّهِ / أَخٌ وصديقٌ صالحٌ فَذَراني
أفي كلِّ يوم أَنْتَ رامٍ بلادَها / بِعَيْنَيْنِ إِنساناهما غَرِقانِ
وعينيايَ ما أَوْفيتُ نَشْزّاً فَتَنْظُرا / بِمَأْقَيْهما إِلاّ هما تَكِفانِ
أَلا فَاحْمِلانِي بارَكَ اللهُ فيكُما / إِلى حاضِرِ الرَّوْحاءِ ثُمَّ ذَراني
على جَسْرَةِ الأَصلابِ ناجيةِ السُّرى / تُقطِّعُ عَرْضَ البيدِ بِالْوَخَذانِ
إِذا جُبْنَ موماةً عَرَضْنَ لِمِثْلِها / جَنادِبُها صَرْعى من الوَخَدانِ
ولا تعذِلاني في الغَواني فَإِنَّني / أرى في الغواني غَيْرَ ما تَرَيانِ
أَلِمّا على عفراءَ إِنَّكُما غَداً / بِشَحْطِ النّوى والبَيْنِ معترفانِ
فَيا واشِيَيْ عفرا دَعاني وَنَظْرةً / تَقَرُّ بِها عَيْنايَ ثمَّ دَعاني
أَغَرَّكما لا باركَ الله فيكما / قميصٌ وَبُرْدا يَمنةٍ زَهَوانِ
متى تكشفا عنّي القميصَ تَبَيَّنا / بِيَ الضُّرَّ من عَفْراء يا فَتَيانِ
وَتَعْتَرِفا لَحْماً قليلاً وأَعْظُماً / دِقاقاً وَقَلْباً دائمَ الخَفَقانِ
على كَبدي من حُبِّ عفراءَ قَرْحةٌ / وعينايَ من وَجْدٍ بها تَكِفانِ
فَعَفْراءُ أَرْجي النّاسِ عندي مَوَدَّةً / وعفراءُ عَنّي المُعْرِضُ المُتَوَاني
أُحِبُّ ابْنَةَ العُذْرِيِّ حُبّاً وإِنْ نَأَتْ / ودانَيْتُ فيها غيرَ ما مُتَدانِ
إِذا رامَ قلبي هَجْرَها حالَ دونَهُ / شَفيعانِ من قَلْبي لها جَدِلانِ
إِذا قلتُ لا قالا بلى ثمّ أَصْبَحا / جميعاً على الرَّأْيِ الذي يَرَيانِ
فيا رَبِّ أنتَ المُسْتَعانُ على الذي / تَحَمَّلْتُ من عفراءَ منذ زَمانِ
فيا لَيْتَ كلَّ اثنينِ بينهما هوىً / مِنَ النّاس والأَنْعامِ يَلْتَقِيانِ
فَيَقْضي مُحِبٌّ من حبيبٍ لُبانةً / ويَرْعاهما رَبّي فلا يُرَيانِ
أَمامي هوىً لا نومَ دونَ لِقائِهِ / وخَلْفي هوىً قد شفّني وبرَاني
فَمَنْ يَكُ لم يغرضْ فإِنّي وناقتي / بِحَجْرٍ إلى أهلِ الحِمى غَرَضانِ
تَحِنُّ فتُبْدي ما بها مِنْ صَبابَةٍ / وأُخْفي الذي لولا الأَسى لَقَضاني
هوى ناقتي خَلْفي وقُدّامي الهوى / وإِنِّي وإِيّاها لَمُخْتَلِفانِ
هوايَ عراقيٌّ وتَثْني زِمامَها / لِبَرْقٍ إذا لاحَ النجومُ يَمانِ
هوايَ أمامي ليس خلفي مُعَرِّجٌ / وشَوْقُ قَلوصي في الغُدُوِّ يَمانِ
لَعَمْري إِنّي يومَ بُصْرى وناقتي / لَمُخْتَلِفا الأَهواءِ مُصْطَحِبانِ
فَلَوْ تَرَكَتْني ناقتي من حَنينِها / وما بِيَ من وَجْدٍ إِذاً لكَفاني
متى تَجْمعي شوقي وشوقَكِ تُفْدِحي / وما لكِ بِالْعِبْءِ الثَّقيلِ يَدانِ
فيا كَبِدَيْنا من مَخافَةِ لوعةِ / الفِراقِ ومن صَرْفِ النّوى تَجْفان
وإِذْ نحن مِنْ أَنْ تَشْحَطَ الدّارُ غُرْبةً / وإِنْ شُقّ لِلْبَيْنِ العَصا وَجِلانِ
يقولُ لِيَ الأصحابُ إِذْ يَعْذلُونَني / أَشَوْقٌ عِراقِيٌّ وأنتَ يَمانِ
وليسَ يَمانٍ للعراقيْ بِصاحبٍ / عسى في صُرُوفِ الدَّهْرِ يَلْتَقِيانِ
تَحَمَّلْتُ مِنْ عفراءَ ما ليس لي بِهِ / ولا لِلجبالِ الرَّاسياتِ يَدانِ
كَأَنَّ قَطاةً عُلِّقَتْ بِجَناحِها / على كَبِدي من شِدَّةِ الخَفَقانِ
جَعَلْتُ لِعَرّافِ اليَمامةِ حُكْمَهُ / وعَرّافِ حَجْرٍ إِنْ هما شَفياني
فقالا نَعَمْ نَشْفي مِنَ الدّاءِ كُلِّهِ / وقاما مع العُوّادِ يَبتَدِرانِ
نعم وبلى قالا متى كنتَ هكذا / لِيَسْتَخْبِراني قلتُ منذ زَمانِ
فما تركا من رُقْيَةٍ يَعْلَمانِها / ولا شُرْبَةٍ إِلاّ وقد سَقَياني
فما شَفَيا الدّاءَ الذي بيَ كُلَّهُ / وما ذَخَرا نُصْحاً ولا أَلَواني
فقالا شفاكَ اللهُ واللهِ ما لَنا / بِما ضُمِّنَتْ منكَ الضّلوعُ يَدانِ
فرُحْتُ مِنَ العَرّافِ تسقُطُ عِمَّتي / عَنِ الرّأْسِ ما أَلْتاثُها بِبَنانِ
معي صاحباً صِدْقٍ إذا مِلْتُ مَيْلَةً / وكانَ بِدَفَّيْ نِضْوَتي عَدَلاني
أَلاَ أَيُّها العرّافُ هل أَنتَ بائعي / مكانَكَ يوماً واحداً بمكاني
أَلسْتَ تراني لا رأيتَ وَأَمْسَكَتْ / بِسَمْعِكَ رَوْعاتٌ من الحَدَثانِ
فيا عَمٌ يا ذا الغَدْرِ لا زِلْتَ مُبْتلّي / حليفاً لِهَمٍّ لازمٍ وهَوانِ
غَدَرْتَ وكانَ الغَدْرُ مِنْكَ سَجِيَّةً / فَأَلْزَمْتَ قلبي دائمَ الخفقانِ
وَأَوْرَثْتَني غَمَّاً وكَرْباً وحَسْرَةً / وأَوْرَثْتَ عيني دائمَ الهَمَلانِ
فلا زِلْتَ ذا شوقٍ إلى مَنْ هَويتَهُ / وقلبُكَ مقسومٌ بِكُلِّ مكانِ
وإِنّي لأَهْوى ما يَزْعُمُ النّاسُ بَيْنَنا / وعفراءَ يومَ الحَشْرِ مُلْتَقِيانِ
وإِنَّا على ما يَزْعُمُ النّاسُ بَيْنَنَا / مِنَ الحبِّ يا عفرا لَمُهْتَجِرانِ
تَحَدَّثَ أَصْحابي حديثاً سَمِعْتُهُ / ضُحَيّاً وأعناقُ المَطِيِّ ثَوانِ
فقلتُ لهم كلاّ وقالوا جماعةٌ / بلى والذي يُدْعى بكلِّ مكانِ
أَلا يا غُرابَيّ دِمْنَةِ الدَّارِ بَيِّنا / أَبِالصَّرْمِ من عفراءَ تَنتحبانِ
فَإِنْ كانَ حقّاً ما تقولانِ فَاذْهَبا / بِلَحْمي إلى وَكْرَيْكُما فَكُلاني
إِذَنْ تَحْمِلا لَحْماً قليلاً وأَعْظُماً / دِقاقاً وقَلْباً دائمَ الخَفَقانِ
كُلانيَ أَكْلاً لم يَرَ النّاسُ مِثْلَهُ / ولا تَهْضِما جَنبيَّ وَازْدَرِداني
ولا يَعْلَمَنَّ النّاسُ ما كانَ مِيْتَتي / ولا يَطْعَمَنَّ الطَّيْرُ ما تَذَرانِ
أَناسِيَةٌ عفراءُ ذكريَ بَعْدَما / تركتُ لها ذِكْراً بِكُلِّ مَكانِ
ألا لَعَنَ اللهُ الوُشاةُ وقَوْلَهُمْ / فُلانَةُ أَمْسَتْ خُلَّةً لِفُلانِ
فَوَيْحَكُما يا واشِيَيْ أُمِّ هَيْثَمٍ / فَفِيمَ إِلى مَنْ جِئتُما تَشيانِ
أَلا أَيُّها الواشي بِعفراءَ عندنا / عَدِمْتُكَ مِنْ واشٍ أَلِسْتَ تراني
أَلَسْتَ ترى لِلْحُبِّ كيف تخَلَّلَتْ / عَناجيجُهُ جسمي وكيف بَراني
لَوَ أَنَّ طبيبَ الإنْسِ والجِنِّ داويا / الذي بيَ من عفراءَ ما شَفياني
إذا ما جَلَسْنا مَجْلِساً نَسْتَلِذُّهُ / تَواشَوا بِنا حتى أَمَلَّ مكاني
تَكَنَّفَني الواشُونَ مِنْ كلِّ جانِبٍ / وَلَوْ كانَ واشٍ واحدٍ لَكَفاني
وَلَوْ كانَ واشٍ بِالْيَمامَةِ دارُهُ / وداري بِأَعْلى حَضْرَمَوْتَ أَتاني
فَيَا حَبَّذا مَنْ دونَهُ تَعْذِلونَني / وَمَنْ حَلِيَتْ عيني به ولساني
ومَنْ لَوْ أَراهُ في العَدُوْ أَتَيْتُهُ / ومَنْ لو رآني في العَدُوِّ أَتاني
ومَنْ لَوْ أَراهُ صادِياً لَسَقِيتُهُ / ومَنْ لو يَراني صادِياً لَسَقاني
ومَنْ لو أَراهُ عانيِاً لَكَفَيْتُهُ / ومَنْ لَوْ يَراني عانياً لَكَفاني
ومَنْ هابَني في كلِّ أَمْرٍ وهِبْتُهُ / ولَوْ كُنْتُ أَمْضي من شَباةِ سِنانِ
يُكَلِّفُني عَمِّي ثمانين بَكْرَةً / ومالي يا عفراءُ غيرُ ثمانِ
ثَمانٍ يُقَطِّعْنَ الأَزِمَّةَ بالبُرى / ويَقْطَعْنَ عرْضَ البيدِ بالوَخَدانِ
فَيا ليتَ عَمِّي يومَ فرَّقَ بيننا / سُقيْ السُّمَّ ممزوجاً بِشَبِّ يَمانِ
بُنَيَّةُ عَمِّي حيلَ بيني وبينَها / وضَجَّ لِوَشْكِ الفُرْقَةِ الصُّرَدانِ
فَيا ليتَ مَحْيانا جميعاً ولَيْتَنا / إِذا نحنُ مُتْنا ضَمَّنا كَفَنانِ
ويا ليتَ أَنّا الدَّهْرَ في غيرِ ريبَةٍ / بَعيرانِ نَرْعى القفْرَ مُؤْتَلِفانِ
يُطَرِّدُنا الرُّعيانُ عنْ كُلِّ مَنْهَلٍ / يقولونَ بَكْرا عُرَّةٍ جَرِبانِ
إِذا نحنُ خِفْنا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَنا / رَدى الدَّهْرِ دانى بَيْنَنا قَرْنانِ
فَوَاللهِ ما حَدَّثْتُ سِرَّكِ صاحباً / أَخاً لي ولا فاهَتْ به الشَّفَتانِ
سِوى أَنَّني قد قُلْتُ يوماً لِصاحِبي / ضُحىً وقَلوصانا بنا تَخِدانِ
ضُحَيّاً وَمَسَّتْنا جَنوبٌ ضَعيفةٌ / نَسيمٌ لِرَيّاها بِنا خَفِقانِ
تَحَمَّلْتُ زَفْراتِ الضُّحى فَأَطْقْتُها / وما لي بِزَفْراتِ العَشِيِّ يَدانِ
فيا عَمِّ لا أُسْقِيتَ من ذي قَرابَةٍ / بِلالاً فقد زَلَّتْ بكَ القَدَمانِ
فأَنت ولم يَنْفَعْكَ فَرَّقْتَ بَيْنَنا / ونحنُ جَميعٌ شَعْبُنا مُتَدانِ
ومَنَّيْتَني عَفْراءَ حتى رَجَوْتُها / وشاعَ الذي مَنَّيْتَ كُلَّ مكانِ
مُنَعَّمَةٌ لم يأْتِ بين شَبابِها / ولا عَهْدِها بالثَّدْيِ غيرُ ثَمانِ
ترى بُرَتَيْ سِتَّ وستّين وافياً / تَهابانِ ساقَيْها فَتَنْفَصِمانِ
فَوَاللهِ لولا حُبُّ عفراءَ ما التقى / عَلَيَّ رواقا بيتِكِ الخَلِقانِ
خُلَيْقانِ هَلْهالانِ لا خَيْرَ فيهما / إِذا هَبَّتِ الأَرواحُ يَصْطَفِقانِ
رِواقانِ تَهْوي الرِّيحُ فوق ذَراهما / وباللّيلِ يسري فيهما الْيَرَقانِ
ولم أَتْبَعِ الأَظْعانَ في رَوْنَقِ الضُّحى / ورَحْلي على نهّاضةِ الخَدَيانِ
ولا خَطَرَتْ عَنْسٌ بِأَغْبَرَ نازِحٍ / ولا ما نَحَتْ عينايَ في الهَمَلانِ
كَأَنَهما هَزْمانِ من مُسْتَشِنَّةٍ / يُسَدّانِ أَحْياناً ويَنْفَجِرانِ
أَرى طائِرَيَّ الأَوَّلَيْنِ تَبَدَّلا / إِليَّ فما لي منهما بَدَلانِ
أَحَصّانِ من نَحْوِ الأَسافِلِ جُرّدا / أَلِفّانِ مِنْ أَعلاهما هَدِيانِ
لِعَفْراءَ إِذْ في الدّهْرِ والنّاسِ غَرَّةٌ / وإِذْ حُلُقانا بالصِّبا يَسَرانِ
لأَدْنُوَ مِنْ بيضاءَ خفّاقَةِ الحشا / بُنَيَّةِ ذي قاذورةٍ شَنآنِ
كَأَنَّ وِشاحَيْها إِذا ما ارْتَدَتْهما / وقامتْ عِنانا مُهرَةٍ سَلِسانِ
يَعَضُّ بِأَبْدانٍ لها مُلْتَقاهما / ومَثْناهُما رِخْوانِ يَضْطَرِبانِ
وتَحْتَهما حِقْفانِ قد ضَرَبَتْهما / قِطارٌ مِنَ الجوزاءِ مُلْتَبِدانِ
أَعَفْراءُ كم مِنْ زَفْرَةِ قد أَذَقْتِني / وحزْنٍ أَلَجَّ العيْنَ بالهَمَلانِ
فَلَوْ أَنَّ عَيْنَيْ ذي هوىً فاضَتا دَماً / لَفاضَتْ دَماً عينايَ تَبْتَدِرانِ
فَهَلْ حادِيا عفراءَ إِنْ خِفْتَ فَوْتَها / عَليَّ إِذا نادَيْتُ مُرعَوِيانِ
ضَروبانِ للتّالي القطوفِ إذا وَنى / مُشيحانِ من بَغْضائِنا حَذِرانِ
فما لكما من حادِيَيْنِ رُمِيتُما / بِحُمّى وطاعونٍ أَلا تَقِفانِ
فما لكما من حادِيَيْنِ كُسِيتُما / سرابيلَ مُغْلاةً من القَطِرانِ
فَوَيْلي على عفراءَ وَيْلٌ كأَنَّهُ / على النَّحْرِ والأحشاء حَدُّ سِنانِ
أَلا حَبَّذا مِنْ حُبِّ عفراءَ مُلْتقى / نَعَمْ وألا لا حيث يَلْتَقِيانِ
أَحَقّاً عِبادَ اللهِ أَنْ لستُ زائراً / عُفَيْراءَ إلاّ والوليدُ يَراني
كَأَنّي وإِيّاهُ على ظَهْرِ موعِدٍ / فقد كِدْتُ أَقْلي شَأْنَه وقَلاني
لَوَ أَنَّ أَشَدَّ النّاسِ وَجْداً ومِثْلَهُ / مِنَ الجِنِّ بعد الإِنْس يَلْتَقِيانِ
فَيَشْتَكِيانِ الوجْدَ ثُمَّتَ أَشْتكي / لأَضْعَفَ وَجْدي فوقَ ما يَجِدانِ
وما تَرَكَتْ عفراءُ مِنْ دَنَفٍ دوىً / بِدَوْمَةَ مَطْوِيٌّ له كَفَنانِ
فقد تَرَكَتْني ما أَعي لمحدِّثٍ / حديثاً وإِنْ ناجَيْتُهُ ونَجاني
وقد تَرَكَتْ عفراءُ قلبي كَأَنَّهُ / جَناحُ غُرابٍ دائمُ الخَفَقانِ
عَجِبْتُ مِنَ القَيْسيِّ زَيْدٍ وتِرْبِهِ
عَجِبْتُ مِنَ القَيْسيِّ زَيْدٍ وتِرْبِهِ / عَشِيَّةَ جوِّ الماءِ يختبِراني
هما سَأَلاني ما بَعيرانِ قُيِّدا / وشَخصانِ بِالْبَرْقاءِ مُرْتَبِعانِ
هُما بَكْرَتانِ عائطانِ اشتراهما / مِنَ السُّوقِ عَبْدا نِسْوةٍ غَزِلانِ
هُما طَرَفا الخَوْدَيْنِ تحت دُجُنَّةِ / مِنَ اللّيلِ وَالْكَلْبانِ مُنْطَوِيانِ
فَباتا ضَجيعَيْ نِعْمَةٍ وسَلامةٍ / وِسادُهما مِنْ مِعْصَمٍ ومِتانِ
وَأَصْبَحَتا تحتَ الحِجالِ وأَصْبَحا / بِدَوِيَّةٍ يَحْدوهما حَدِيانِ
فما جَأْبَهُ المِدري تَروحُ وتَغْتَدي / ذُرى الطّامساتِ الفرْدِ من وَرَقانِ
بِأَنْفَعَ لي منها وأَنِّي لِذاكِرٍ / هوىً ليَ أَبْلى جِدَّتي وبَراني
رَأَتْني حَفافَيْ طُخْفَتَيْنِ فَظَلَّتا / تُرِنّانِ ممّا بي وتَصْطَفِقانِ
بِبَطْنِ مُنيمٍ مِنْ وراءِ عراعِرٍ / يقومانِ أَرْضاً من وراءِ عُمانِ
تَمَنَّيْتُ من وَجْدِي بِعفراءَ أَنَّني / إِزارٌ لها تحتَ القميص يَمانِ
تَمَنَّيْتُ من وَجْدِي بعفراءَ أَنَّنا / بعيرانِ نَرْعى القفرَ مُؤتَلِفانِ
أَلا خبِّراني أَيُّها الرّجلانِ / عَنِ النّومِ إِنَّ الشوقَ عنه عَداني
وكيف يَلَذُّ النّومُ أمْ كيف طَعْمُهُ / صِفا النَّومَ لي إِنْ كنتُما تَصِفانِ
أُصَلّي فَأَبْكي في الصَّلاةِ لِذِكرِها / لِيَ الويْلُ مما يكتبُ المَلَكانِ
خليليَّ عوجا اليومَ وانْتَظِرا غداً / علينا قليلاً إِنَّنا غَرِضانِ
وإِنَّ غداً باليومِ رَهْنٌ وإِنَّما / مَسيرُ غدٍ كاليومِ أوْ تَريانِ
إِذا رُمْتُ هِجْراناً لها حالَ دونَه / حِجابانِ في الأَحْشاءِ مُؤْتَلِفانِ
نَذودُ بِذِكْرِ اللهِ عنّا مِنَ السُّرى
نَذودُ بِذِكْرِ اللهِ عنّا مِنَ السُّرى / إِذا كانَ قلبانا بِنا يَجِفانِ
بِيَ اليأَسُ أَوْ داءُ الهُيامِ شَرِبْتُهُ
بِيَ اليأَسُ أَوْ داءُ الهُيامِ شَرِبْتُهُ / فَإيّاكَ عنّي لا يَكُنْ بكَ ما بِيا
فما زادَني النَّاهونَ إِلاَّ صبابةً / ولا كَثْرَةُ الواشينَ إِلاّ تمادِيا
يُطالِبُني عمّي ثمانينَ ناقةً
يُطالِبُني عمّي ثمانينَ ناقةً / وما ليَ يا عفراءُ إلاّ ثمانِيا