المجموع : 504
لمنْ رُبوعٌ مقفراتٌ باللّوى
لمنْ رُبوعٌ مقفراتٌ باللّوى / فالمنحَنى فذي الأراكِ فالوَفا
فالسِّقْطِ فالأراكِ فالثرثارِ فال / جِزعِ ففيْدٍ فالعقيقِ فالحُوى
جارَ عليها الدهرُ حتى أصبحتْ / قفراً يباباً خالياتٍ واعتدى
كم كان فيها من أغنَّ شادنٍ / يرعى القلوبَ لا الأراكَ والغَضا
كأنه شمسُ ضحًى بدتْ على / غصن رطيب في كثيبٍ في نَقا
كالغُصنِ بل يُخجِلُه إذا مشى / كالشمسِ بل أربى على شمسِ الضُحى
لله ظبيٌ من ظباءِ يثبرب / جفا الجفونَ مُذ جفا طيفُ الكرى
كالبدرِ إن لاح وكالغصين إذاً / ماسَ ويُزْري بالغزال إن رَنا
لله ريمٌ في سُوَيدا القلبِ قد / حلّ إذا أحْوى الجمالِ قد حوى
هيّج في الأحشاءِ تذكاري له / ناراً أضرّتْ بالفؤادِ والحشا
صدّ فصدّ الصبرُ عني وجفا / فالقلبُ لا يجفوه تبريحُ الجوى
لا حظّ لي في قربه وبعده / فقُربُه وبعدُه عندي سوا
مذ حازَه البينُ فؤادي مُدنَفٌ / متيّمٌ فلا رعى الله النوى
جرّعني الدهرُ لعَمري غُصَصاً / من صدّه تُغصُّ أصلادَ الصّفا
شجَتْ فؤادي غُصّةٌ غدا بها / قلبي رهيناً بين سُقمٍ وضَنا
أجرَضَني الصدودُ حتى إنني / لولا كلامي كنت ممّن لا يُرى
فالقلبُ موقوفٌ على نار الجوى / والطّرفُ موقوفٌ إذاً على البكا
في كل يوم مقبلٍ أمنيّةٌ / ولستُ أُلْفى بالغاً إحدى المنى
لأصرفنّ الهمّ عني إن أتى / بذَعْلَبٍ معتادةٍ جِدّ السُّرى
دِعبِلةٌ هوجاءُ ذات ميسمٍ / تعوّذت به إذاً وسْمُ الفَلا
يلوحُ في الصّفْصَفِ والقاعِ إذا / بدا الصباحُ ثُمّتَ انجابَ الدّجى
مثل النّسوعِ في النّسوعِ تارةً / وتارةً مثلَ البُرى وسْط البُرى
مرّارةُ الأيدي ولكنْ وخْدُها / يبعُدُ بالأرجُلِ صلبةُ القَرا
تلوح كالأشباحِ في البيداءِ من / تعاقُب الأخماسِ مع طولِ الطّوى
عَوْدٌ دِفاق عبدَلٌ تلعاءُ لا / طليحةٌ تشكو حفاً ولا وَجى
تلوحُ كالسّفين في الآلِ إذا / نظرْتَها يوماً إذا الآلُ طفا
أو بجوادٍ أدهمٍ محجّلٍ / يسيرُ كالبرقِ إذا البرقُ بدا
إذا جرى ما إنْ ترى على الفلا / أثراً له فيها كأنْ ما إنْ جرى
أدهمُ كالليلِ وفي غُرّتِه / لناظرٍ ينظرُه بدرُ دُجى
له غَداةَ الحربِ إن مارَسْتَه / ومعظَمُ الحربِ على ساقٍ بدا
حوافرٌ صُفرٌ وصُلبٌ صُلبُ / أقبُّ شاطٌ أدهمٌ شرْط الوغى
أو فعلَي نهدٍ سريعٍ أشقرٍ / ينقضّ كالنجم إذا النجمُ هوى
يسمعُ للريح على لَبّتِه / كالرّعدِ جساً إن جرى أو كالرّحى
أو أحمرٍ قانٍ كأنّ جلدَهُ / بالدّمِ مصبوغٌ إذا قبّ الكُلى
يشُبُّ في استقدامِه إذا أتى / يكُبُّ في استدبارِه إذا نأى
كأنما صهْلَتُه إذا عدا / مُقهقِهاً جِنحُ سحابٍ قد بدا
مالَتْ نواحي عُرفِه كأنّه / تعثكُلُ القِنْوِ سريع كالهوا
يا صاحِ ها نصيحةٌ أقولها / فإنني أنصحُ مخلوقٍ ترى
لا تسقمْ للدهرِ بل أنت وهو / كُنْ تنْجُ بالله على حالٍ سوا
إن استقامَ فاستقِمْ كفِعلِه / وإن أبى فأْبَ إذاً كما أبى
شمِّرْ وتُب لله واترُك قولَ مَنْ / مقالُه سوفٌ وحتى ومتى
دعِ الصِّبا عنك وكن معتبراً / بالشيبِ فهو واعظٌ لمَنْ أتى
والجأ إذا فاجأك الدّهر الى الص / برِ فإنّ الصبرَ أوفى مُلتَجا
لقد أصابَتْ مقلتي أسهُمُه / عَمْداً فأصْمَتْه فلا سهمٌ شوى
وفوقَ متْنِ الظّهرِ حطّ كلكلاً / له فأصْمى المَتْنَ بالله الردا
وكلُّ ثوبٍ للرّيا فاتْرُكْهُ يا / ويحَ امرئٍ لِباسُه ثوبُ التُقى
واعلمْ بأن كلّ مخلوقٍ وإنْ / طال المدى مصيرُه الى البلى
لا تصحبِ العبد ولا ذا سفَهٍ / واصحَبْ إذا صاحَبْتَ كلَّ ذي حِجى
واسْتَجرِ الصاحبَ في الشدّة فالش / دة فيها يظهرُ الخِدْنُ الفتى
ما الصاحبُ الصادقُ إلا رجلٌ / يُبعدُهُ الفقرُ ويدنيهِ الغنى
لا تشكُ للمخلوقِ أمراً قد قضى / عليك ربّ العرش فيما قد قضى
عليك بالصمتِ فإنْ كلَّ مَنْ / يصمتُ ينجو سالماً فيمن نجا
وجانب الغيّ وأهلَ الغيّ ما / حييتَ واتركْ فعلَ كلّ ذي هوا
لا تظلِم العبادَ واعلَمْ أن مَنْ / آذى امرءاً يُجزاهُ في يومِ اللِّقا
وافعلْ إذا ما اسطعت خيراً واعلمَنْ / أنك تُجزى مثلَه يوم الجَزا
مَنِ اعتدى يوماً عليك فاعْتَدي / عليه يا صاحِ بمثلِ ما اعتدى
مَنْ لم يُقم تعويجَه اللومُ من ال / أحرارِ حقّاً لم تقوّمْهُ العصا
لا تضرِبِ الطائعَ يوم دهره / فإنما هذي العَصا لمَنْ عصا
طوبى لمن أسّس بُنياناً له / طولَ المدى دون الورى على التقى
ليس البِنا على أساسٍ ثابتٍ / يا صاحبيّ كالبنا على شَفا
حلفتُ بالله وبالنبيّ وال / كعبةِ في أستارِها ثمّ الصّفا
وكلّ من يَحجُجْ وحجّ مكةً / ثُمّتَ ثجّ ثم لبّى ودَعا
ما في الورى كالحافظ العالم في ال / خَلقِ والخُلقِ معاً ما في الورى
حَبْرٌ إمامٌ أوحدٌ علامةٌ / حاز من العلياءِ أوفى منتهى
قد جمعَ الله الأنامَ كلَّهُمْ / فيه إذاً وشخصُه شخصُ فتى
يهوى الصّلاحَ مُذْ نَشا وهكذا الس / يّدُ لا يهوى مدى الدهرِ الثّأى
سحابُ كفّيهِ على طولِ المدى / بالمالِ لا بالماءِ في القحْطِ جرى
أسمحُ من تحمِلُه الأرضُ يداً / أكرم من دَبّ عليها ومشى
يصلُح للسّيفِ وللضيفِ معاً / فهو الأجلُّ في اللقا وفي القِرى
أعراضُه مصونةٌ لأنه / قُدّامَها بالجودِ سوراً قد بَنى
لله منه عالِمٌ علاّمةٌ / في العلمِ سيفٌ لا يكلّ مُنتضى
لا أشْمتَ الله به عُداتَهُ / فأصعَبُ الأشياءِ إشماتُ العدا
تراهُ كالبدرِ إذا جالَسْتَه / يوماً وعند النائبات الأربا
بَدا له في العِلْمِ ما عن غيرِه / من سائرِ الناس إذاً قد اختفى
للقاصدينَ مالُه وجاهُه / فرِجلُه تعلو على شَوى العِدا
على المدى دانى النّدى بدْرٌ بدا / يسقي العِدى طول المدى كأسَ الرّدى
أبلجُ ما في خدّه من صعَرٍ / يرى اللُهى في كفّه مثلَ الجَنى
إذا دجا ليلٌ من الخطب غدَتْ / آراؤهُ منه صباحاً فأضا
له يدٌ طالت الى هام العُلى / إذا انثَنَتْ عن نيلها أيدي الورى
نحنُ له من كل سوءٍ أبداً / لا زال في عزٍّ مدى الدهرِ الفِدا
أعلى الورى مرتبةً أفضلُهم / قدراً إمامٌ أوحدٌ جزلُ العطا
أعطى اللُهى فانفتح الآن من الن / اس بوصف جوده الجزل اللَّها
ما قالَ لا قطُّ لعَمْري غيرَ في / شهادة الإخلاص لا ما قال لا
حبرٌ على الأعداءِ طُرّاً قد علا / ندْبٌ من العافين طُرّاً قد دنا
بدرٌ إذا البدرُ بدا في سَعْدِه / بحرٌ إذا ما البحرُ تالله طَما
بصّرَنا طرائقَ الخير وقد / كنّا لعمر الله عنها في عمى
به الى الحق إلا له قد هدى / بعدَ النبي العربيّ المصطفى
ليس لأهلِ الأرض إلاّه امرءاً / ندباً غدا في النائبات يُرتَجى
به الى كل سبيلٍ رفعةٌ / من نحوِه ومكرُماتٌ تُقتدى
لا زال في عزٍّ متى ما طلعَتْ / شمسٌ وهزّت بانةً ريحُ الصَّبا
يا سيداً حوى الجلاَ والعُلا / والفضلَ والدينَ وما هذا سُدى
إليك بالله العليّ أتى على / رغم الأعادي مُسرعاً وما دَنا
أما العُلا فحاصلٌ فاطلُب إذاً / شيئاً على هام المعالي قد علا
يا بْنَ الكرامِ هاكَها قصيدةً / جاد بها الفكر سريعاً ما رَدى
زيّنَها ذكرُك فاكتَسَتْ به / ثوبَ فخارٍ وجلالٍ وبَها
خُذْها ابنةَ الفكرِ فقد جاءت على / رغم الأعادي مائةً حقاً سَوا
بكراً أتتكَ ذا الأيادي فاصفحَنْ / عن ما ترى في ضِمْنِها من الخطا
واسلَمْ ودُم ما لاح برقٌ في دُجى / ليل وناحَ الطيرُ في غصنِ الغضا
بين اللوى فالجِزْعِ فالمتثلّمِ
بين اللوى فالجِزْعِ فالمتثلّمِ / دِمَنٌ خلَتْ من بعدِ أمّ الهيثَمِ
آثارُ ركب مُدلِجينَ ترحّلوا / من مُنجدٍ قَصْداً لها أو مُتهِمِ
ولقد وقفتُ بها وقوف متيّمٍ / زمناً أُسائلُها فلم تتكلّمِ
وسقيتُها الدمعَ المصونَ تأسفاً / صِرْفاً وطوراً مثل لون العِظْلِمِ
يا ركبَ مكةَ ها تحيةَ عاشقٍ / مُضنًى نحيفِ الجسمِ صبٍّ مغرمِ
لغزالةٍ مثلِ الغزالةِ منظراً / حوراءَ تسكنُ في هضابِ يَلمْلمِ
هيفاءَ ساحرةِ الجفونِ غريرةٍ / غرّاءَ مرشَفُها لذيذُ المَطْعَم
في ثغرها دُرٌّ وفي وجَناتِها / وردٌ نضيرٌ أحمرٌ كالعندمِ
إن لم يبلّغْكَ التحيةَ ذلك الر / كْبُ المُجِدُّ السيرَ مني فاعلمي
لا عرّسوا بمنًى ولا بلغوا المُنى / فيها الزمانَ ولا سُقوا من زمزَمِ
يا عاذليّ كفى فؤادي ما رأى / منها فكُفّا لوم كلِّ متيّمِ
فلأتركنّ اللهو عنّي جانباً / ولأرحلنّ على جوادٍ أدهمِ
هزجِ الصّهيلِ كأنّ في حُلقومِه / جرَساً وأسودَ كالغرابِ الأسحمِ
صافي السوادِ كأن غرّةَ وجهه / بدرٌ بدا في جنحِ ليلٍ مظلمِ
أو أشقرٍ نهدٍ أقبّ لهيبُه / كالنجمِ في وسطِ الغبارِ الأقتَمِ
يهوي كما تهوي العُقاب لصيدها / ومقدّم الأذنَيْنِ ليس بأصْلمِ
أو أحمرٍ مثلِ الخدودِ تخالُه / من حسن صِبغتِه تسرْبَل بالدمِ
وافي الضلوع مهذبٍ في جنسه / جَذلانَ كالنّشوانِ حرّ أرثَم
أو أبلجٍ يبدو بكل نموذج / للناظرين إذا تراءَى شيظَمِ
حتى أقبّل راحة الحَبرِ الذي / فاقَ الورى وعلا علوّ الأنجُمِ
الحافظِ النّدْبِ السّريّ المرتضى ال / علَمِ الزكيّ اللوذعي الأكرمِ
العالمِ المولي الأبيّ المصطفى ال / يقِظِ العلي علا السُها المتقدمِ
أعطى وأسرفَ في العطاءِ فكفُّه / والبحرُ يقتسمانِ نسبة توأمِ
حُلوِ المذاقِ لمنْ يوالي ليّنٍ / ولمَن يعاديه كطعمِ العَلقمِ
بكَرَ العِدا نحو العُلا فتأخّروا / عنها وأدلجَ فهو خيرُ مقدَّمِ
سارَتْ إليه اليَعمَلاتُ قواصِداً / تَتْرى فحلّتْ عندَ أفضلِ مَغنَمِ
علَمٌ يُهينُ المال طولَ زمانِه / كرماً وبرّاً عند زَورِ مكرَّمِ
ولقد غدوتُ بما أتَتْهُ مُديةٌ / من فعلِ جاني أنعُمٍ لا مجرمِ
قامتْ تقبّلُ راحةً مزنيّةً / للحافظِ الحَبْرِ الإمامِ الأكرمِ
لتنالَ من نعمائِها ما أمّلَت / وتفوزَ من هبةٍ بأوفَرِ مغنَم
فحمى ازدحامُ اللاثِميها فوزَها / معهمْ وقد ظفروا بأكرمِ مَلثَمِ
فهوَتْ الى قدم له ما دأبُها / إلا استباقُ للعُلى بتقدمِ
عاذَتْ بها من خيبةٍ لمرامها / إذ قبّلَتْها فِعلةَ المتذمّمِ
والرِّجْلُ لما لم تؤهَّلْ للندى / مثل اليَدينِ ولا لبَذْلِ الأنعُمِ
لم ترضَ خيبتَها كشيمةِ ربّها / فحمَتْ بما ملكَتْهُ من عِطرِ الدّمِ
سَقياً لها شرُفَتْ بنَيْلِ ممنّعٍ / عن غيرها بظُبى الصّوارمِ مُحتمي
ودّتْ خدودُ الغيدِ لو ظفِرَتْ بما / نالته من ذاك الصِّباغِ العَندَمي
كيما يتمّ جمالُها بِلباسِه / فيُضيءُ منها كلُّ ليلٍ مظلِم
قد فاخَرْت يُمناك ما شرَفْتَ من / عُددِ الوغى من لهذَمٍ أو مِخذَمِ
وغدت محرّمةً على النيران إذ / سُقِيَتْ دماً أضحتْ به في محرَمِ
فافخَرْ إمامَ العصرِ بالشرفِ الذي / أوتيتَه فردَ الفضائلِ واسْلَمِ
هجرَ الحِبُّ وإن أصبحَ جارا
هجرَ الحِبُّ وإن أصبحَ جارا / وسطا الوجدُ على ضعفي وجارا
فضلوعي بينها نارُ أسًى / من عُرامٍ ألهبَ الأحشاءَ نارا
إذا نجا العاذلُ نحوي في الهوى / قلت قد صرّحت باللوم جهارا
لا تلم كل امرئٍ ذي صبوة / في مهاةٍ تُخجِلُ الشمس نهارا
ومتى حاولتَ صبّاً في الهوى / قد يقيم الحسن للصب اعتذارا
سيّما خَوْدٌ إذا قابلْتَها / خِلْتَها ماءً وناراً وعُقارا
ومتى غازلتها عن لحظها / خلتَ في أجفانها الوسْنى خُمارا
وإذا ألْمَحْتَ باللحظِ لها / أثّر اللحظُ بخدّيْها احمرارا
أطلعَتْ صُبْحاً وليلاً فاحماً / وحمَتْ في وجنتَيْها جُلّنارا
ذاتُ قدٍّ كقضيبٍ ناعمٍ / أثمر البدرَ إذا البدرُ استدارا
جرّدَتْ من لحظِها سيفاً على / وامقٍ قد شحذَتْ منه الغِرارا
آه قد ذُبْتُ غراماً وجوى / وعدمت الصّبرَ وعداً وانتظارا
إن لي قلباً إذا قلبته / لسُلوٍّ لم أجدْ منه اصطبارا
يا حُداةَ العيسِ مهلاً إنّ لي / وسطَ الأحداجِ قلباً مُستطارا
وتخلّفتُ على أطلالِكم / ألثمُ الرَّبْع عِشاءً وابتِكارا
ودعَوْني فتداعَتْ إحَني / لم أجِدْ من بعدِها عنها قرارا
غادةٌ من جوهر في غصُنٍ / جمعَتْ آساً ودرّاً ونُضارا
إن سرَتْ وجداً بليلٍ عيسُكُمْ / أبدلَتْ من وجهِها الليلَ نهارا
كمُحيّا الحافظ الحَبر الذي / زادَه الله جلالاً ووقارا
الإمامُ الأصبهانيّ ومَنْ / نال في العلم ارتقاءً وافتخارا
لوذعيّ ألمعيٌّ بارعٌ / من صميم الفُرسِ حَبر لا يُجارى
وله في الفقهِ أعلى رتبةٍ / دع تواليفاً وشرحاً واختصارا
هو سيفُ السُنّة المولى الذي / في استباقِ المجد فردٌ لا يُبارى
أكرَم الناس ومن جاد وقد / يُتبِعُ الجدوى إذا جادَ اعتذارا
سار للمجد بجدٍّ صادقٍ / فبنى في ذِروة النجمِ منارا
بِنيةٌ ما مثلها مدرسةٌ / أثبتَتْ في كبدِ الحُسّادِ نارا
هي صدرٌ هو صدرٌ حبّذا / بحرُ علمٍ فرعَتْ منه بحارا
يا إمامَ الدين يا كهفَ الورى / يهنِكَ العام الذي أبدى سِرارا
بسعودٍ طلعت أنجمُه / نحو إعراضك قصداً واختيارا
والذي جاءَت تهنّيكَ به / لبسَتْ من مدحِكَ السامي خِمارا
فهيَ للناشقِ مسْكٌ أذفَرٌ / زادهُ نظمُ معاليك نِثارا
فتقبّلْها ومهما سفرَتْ / لي عن عيب تجاوزْهُ اغتفارا
فحقيقٌ إذ تعرّضْتُ الى / عدِّ أوصافِك قصّرْتُ اضطرارا
عِشْ ودُمْ على رغمِ العِدى / ما تجلّى في الدُجى البدرُ وسارا
في نعيم أبداً كهفاً لنا / ونهنّيكَ بذي البُشرى مِرارا
ألمّ به طيفُ الخيال مسلِّما
ألمّ به طيفُ الخيال مسلِّما / فأذكَرَهُ من لوعةٍ ما تقدّما
ألمّ به والصبحُ قد لاحَ جيشُه / وهمّتْ جيوشُ الليلأن تتصرّما
فأرّقه بعدَ المنامِ مزارُه / وطيرٌ بأعلى غُصنِ بانٍ ترنّما
رعى الله ركب المستقلّين سحرة / بعيسِهمُ قصداً الى أبرَقِ الحِمى
فما باتَ للأحباب ضامنُ لوعةٍ / لفقدهمُ إلا امرؤٌ بات مُغرَما
وفي الكِلّةِ الحمراءِ ظبيُ صريعةٍ / سقاني غداةَ البينِ بالبينِ علقَما
ضمنت فلم أذكر هواه وأنطق ال / جوى دمع عيني بالهوى فتكلما
وداويّةٍ داومتها بعرامِسٍ / إذا سِرْنَ يُنسِينَ الجديلَ وشَدْقَما
تذرّعْتُ في الليلِ الظلامَ وفي الضُحى / غباراً أثارَتْهُ المناسِمُ أقْتَما
وقلتُ لغيثٍ طبّقَ الأرضُ ماؤهُ / فأزّر بالنورِ الرّوابي وعمّما
يد الصّالحِ المنظورِ أعظمُ نائلاً / وأجزلُ إعطاءً وأوفرُ مَغنَما
مليكٌ أضاءَ الليلَ من نورِ وجهِه / وأفعالِه الحسنى وقد كان مُظلِما
سجيّتُه بذلُ النّوالِ فلن ترى / بأرضٍ ثوى فيها من الناس مُعْدِما
يُريك إذا سالَمْتَه البدرَ طالعاً / تماماً وإن حاربْتَه الليثَ مُقْدِما
أجِدّكَ ما تنفكّ تعطى لسائر ال / مُعادين بُوسى والموالين أنعُما
فكم معركٍ فيه تبدّيت سافراً / فغادرتَ بالسّيفِ العدوّ ملثّما
ردَدْتَ الضُحى ليلاً من النُقْعِ مظلماً / وأطلعْتَ فيه بالأسنّة أنجُما
وظلْتَ لنظم الهام فيه منثِّراً / وبتَّ لنثرِ الطّعنِ فيه منظّما
سلبْتَ العِدى أثوابَها ونُفوسَها / وألبسْتَها ثوباً صفيقاً من الدِّما
علوْتَ محلاً أصبح النجمُ دونَه / وأدنيتَ ما تحوي يداك تكرّما
كذلك نورُ الشمسِ من كل موضعٍ / من الأرض يدنو وهْي في كبدِ السّما
بعزمِك طار العدل شرقاً ومغرباً / وأنجدَ في أعلى البلاد وأتهَما
فتحتَ اللّها لما تبرعت باللُهى / فأعربَ بالشكرِ الذي كان أعجما
وشيّدْتَ بالإسكندرية بِنيةً / بها أصبحَ الثغرُ المباركُ مُعلَما
حبوْتَ بها فخرَ الأئمّة فاغتدى / بجمعِهما شملُ المعالي مُلأما
بتدريسه فيها الدروسَ أساسُ ما / يقيمونه الكفارُ أضحى مهدّما
به وبها لم يترُكِ الله كافراً / الى أن غدا فضلاً من الله مُسلِما
ألا أيُّهذا الحافظُ العلَمُ الذي / سما سابقاً نحو العلى فتقدّما
هل البدرُ إلا أنت ليلةَ تِمّه / هلِ البحرُ إلا أنت ساعةَ أن طَما
بك استبشرَ الشهرُ الأصمّ تشوقاً / للُقياكَ حتى كاد أن يتكلّما
سأحمِلُ من فكري إليك قصائداً / تُريكَ من الألفاظِ درّاً منظّما
تزيدُ على مرِّ الجديدَن جدّةً / وتنشرُ وشْياً للعيون مُنَمْنَما
فلا زِلتَ في عزِّ عليٍّ ورفعةٍ / فما العيشُ إلا أن تعيشَ وتسلَما
صاحِ هذا ربعُ الهوى المعهودُ
صاحِ هذا ربعُ الهوى المعهودُ / فتلقِفْ ساعةً فقلبي عميدُ
لا تعرِّجْ على سواهُ ففيه / لي ظلٌّ من الهوى ممدودُ
قفْ به فالغرامُ وقْفٌ عليه / ليس لي ما حييتُ عنه مَحيدُ
أتُرى ترجعُ الليالي المواضي / كان ما كان ما مضى لا يعودُ
وغزالٌ أغنُّ مختصرُ الخص / رِ رخيمُ الدلالِ عنّي شَرودُ
قيّدوني على هواهُ وهَيْها / تَ لمثلي أن ينفَع التقْييدُ
لي غَدْرٌ منه ومني وفاءٌ / ووصالٌ مني ومنه صدودُ
نفّر النومَ عن جفوني ظبيٌ / نافرٌ وهْو في النِّفارِ صَيودُ
دلّهُ الدّلُّ في الهوى فتجنّى / وتجنّيه في الهوى المعهودُ
كم جحدتُ الهوى فباح به دم / عي ودمعي مهما جحدتُ شهيدُ
قُلْ له أيها الخيالُ الذي يط / رقُ ليلاً والحاسدون هُجودُ
مات ذاك الهوى وعاش التسلّي / وانطَفا من حشايَ ذاك الوَقودُ
وتبدّلْتُ منك إلفاً أَلوفاً / وتسلّى عنك الفؤادُ العَميدُ
فالْهُ عني فقد لهوتُ بظبي / هو طول الزمان برٌّ وَدودُ
فاقَ في حسنِه الحسانَ كما فا / ق ذوي العلم أحمدُ المحمودُ
الأجلُّ الإمامُ سيدنا الحا / فظُ فخرُ الأئمةِ الصّنْديدُ
شهدَ الناس أنه أوحدُ في / كل فنٍّ وفضلُه مشهودُ
هو في دولة النّدى والمعالي / مُبدئٌ دون غيره ومُعيدُ
هو صدرٌ للدين شرقاً وغرباً / وعلى بابه الأنيسِ الوُفودُ
هو كالشّافعيّ في الحلمِ والعل / مِ وفي النصّ دونَه داوودُ
ومفيدٌ أموالَه للبَرايا / وهْو للحمدِ والثّنا يستفيدُ
في الدجى ساهرٌ يصلي ويدعو / خائفاً والأنامُ طُرّاً رُقودُ
مَن كفخرِ الأئمّة العلَمُ العا / لم مَن بحرُ رفدِه مورودُ
لا مزيدٌ على الذي قد حواه / من فخارٍ وسؤددٍ لا مزيدُ
ومُريدٌ للمكرماتِ وإن لا / مَ على فعلِها بخيلٌ مَريدُ
ومُجيدٌ في كل ما يتولاّ / ه وما عنه للثناءِ مَحيدُ
وسديدٌ في الرأي ليْنٌ ولكن / هو في النائبات جَلدٌ شديدُ
وسعيدٌ والناس منهم شقيٌّ / بقضاءٍ مقدّرٍ وسعيدُ
فاقصدَنْه تظفرْ بما تشتهيه / منه فهو المبجّلُ المقصودُ
حسدَتْهُ ذوو الرياسة طُرّاً / وكذا كل فاضلٍ محسودُ
فهناهُ العامُ الجديدُ الذي مرّ / وإنعامُه علينا جديدُ
ولنا كلَّ ساعةٍ من أيادي / هِ وإنعامِه مدى الدهرِ عيدُ
وأدامَ الإلهُ في العزّ عَليا / هُ سعيداً وسعيُه محمودُ
وقضايا الأنامِ تجري مدى الدهْ / رِ بما نبتغي له ونُريدُ
بانَ الحبيبُ فبان الصّبرُ والجلَدُ
بانَ الحبيبُ فبان الصّبرُ والجلَدُ / وأورثَ الجسم ناراً حرّها كبَدُ
كيف السلوّ عن الأحباب ويحكُمُ / عند الرحيل وقلبي شفّهُ الكمَدُ
لله دَرُّ فتاةٍ غادةٍ جمعَتْ / من المحاسنِ شيئاً ما لهُ عددُ
صادَتْ بمقلتِها الآسادَ خاضعة / وما عجيب لها أن تخضع الأسْدُ
في جيدها ذهبٌ في ثغرِها شنبٌ / في طرفها قُضُبٌ في ريقها شُهُدُ
الخصْرُ ذو وهَنٍ والردفُ ذو سِمَنٍ / والناسُ من زمنٍ ماضٍ لها شهِدوا
أنّ المحاسن طُراً فيك قد جمعت / وفي أعاديك نارٌ في الحشى تقِدُ
إن لامني في هواكَ اللائمونَ لقد / حادوا عن الحقّ حقاً والهُدى جحَدوا
لو أبصروكِ وحقِّ الله طالعةً / كالبدرِ فوق قضيبٍ ناعمٍ سجدوا
لما غدَتْ عيسُها تمشي على مَهَلٍ / نادَيْتُ من حُرَقٍ هل في الورى أحدُ
يُجيرُني من هواها إن في كبِدي / ناراً من الشوقِ لا يسطيعُها الكبِد
يا أيها الحافظُ الحبْرُ الإمامُ ومَن / عليه من بعدِ ربِّ العرشِ يُعتمَدُ
أنت الذي ما يضاهيه ويشبهُه / في الخَلْقِ والخُلق ما بين الورى أحد
فأنت بحرٌ لمن وافاكَ مجتدياً / وأنت بدرٌ وما بين العدى أسدُ
واللهِ لو رام أهلُ الأرضِ قاطبةٍ / مِثلاً له طولَ هذا الدهرِ لم يجِدوا
أكرِمْ به أريحيّاً مِصقَعاً فطِناً / عليه ألويةُ الأفضالِ تنعقِدُ
يروي حديثَ النبيّ المصطفى فله / فيه سماعٌ صحيحٌ زانَه السّندُ
قد صحّ عندي وعند الناس كلّهمُ / بأنه في علوم الشرعِ منفَردُ
يحنو علينا كما يحنو على ولدٍ / أبٌ رؤوفٌ ويوفي بالذي يعِدُ
وما نُبالي إذا ما كان مقترباً / منا نداه جميعَ الناسِ لو بعُدوا
يا مَنْ أياديه تَتْرى ليس يجحَدُها / إلا أناسٌ لفضل الله قد جحَدوا
تهنّ قد أقبل الشهرُ الأصمّ وقد / وقاكَ صرْفَ الردى ربُّ العُلى الصّمدُ
وهاكَها غادةً بكراً أتاكَ بها / نصرٌ وأنتَ له دون الورى السّندُ
واسلَمْ وعش في نعيمٍ دائمٍ أبداً / وأنعُمٍ ما لها حدٌّ ولا عددُ
ما لاح برقٌ وما ناحت مطوّقةٌ / وما بدا كوكبٌ جِنْحَ الدُجى يقِدُ
تبقى كذا في نعيمٍ ما له أمدٌ / تعيشُ ألفاً ولا تعلو عليك يدُ
هل يا حُداة النُجُبِ
هل يا حُداة النُجُبِ / للركب من منقلَبِ
والعيشُ لما عزَموا / على النّوى لم يَطبِ
سارتْ بقلبي عيسُهمْ / وا أسَفي وا حرَبي
من حُبّ أحوى أغيدٍ / مهفهَفٍ محجَّبِ
زرى بحسنِ وجهه / على ابنِ يعقوبَ النّبي
عِذارُه في خدّه / كأرقمٍ أو عقربِ
تيّمني بحُسنه / ظبيٌ سريعُ الغضب
علِقْتُه فليس لي / عن حبّه من مهربِ
أعاذِلي في حُبّه / لم تُصِبِ لم تُصِبِ
تعذُلُني في رشأٍ / أرى هواهُ مذهبي
ما إن رآه البدرُ إل / ا واختفى في السُحُبِ
يا ويحَهُ ما بالُه / بصدّه معذّبي
ما ضرّه لو جادَ لي / بلثمِ ذاك الشّنبِ
يا رُبّ ليلٍ زارني / في غفلة المرتَقِب
فخِلتُه بدراً بدا / على قضيبِ ذهبِ
أو طلعةَ الشيخ الإما / م ذي الحِجى والحسب
خير الورى قاطبةً / من عجَمٍ أو عرَبِ
الحافظِ الحبرِ الإما / مِ الشافعي المذهب
هو الكريمُ بن الكري / مِ الأنجبُ بن الأنجبِ
مَن حسنُه كيوسفٍ / ونطقُه كيعْرُبِ
ومن نداهُ دائماً / يفيضُ فيضَ السُحُبِ
ومن علَتْ همّته / على السُهى والعقربِ
ومن غدَتْ ألفاظُه / مشرقةً كالكوكبِ
ومن أقلُّ خادمٍ / يخدُمُه كثعلب
ومن إذا ناظرَ ير / ضاهُ الإمامُ اليَثْربي
والشافعيُّ المُرتضى ال / مفضّلُ المطّلبي
يا عُمدَتي يا عُدّتي / يا جُنّتي في النّوَب
تهنّ بالشهر الذي / حوى الصيامَ المُذهَبِ
وعشْ ودمْ في نِعَمٍ / على ممرِّ الحِقَبِ
ما لاح برقٌ ساطعٌ / في خفض عيشٍ طيّبِ
خليليّ اتركا ما تعدُلاني
خليليّ اتركا ما تعدُلاني / عليه وانظُرا ظبياً سَباني
فإني مستهامٌ ذو اكتئاب / حليفُ الحزنِ مسلوب الأماني
برى جسمي ومالي منه روحٌ / به ربي تعالى قد حَباني
فرحي من شقائي في مكانٍ / وجسمي مثل روحي في مكانِ
ولما زادَ ما بي من هواهُ / وألبسَ مهجتي ثوبَ الهوانِ
وكدتُ أذوبُ من وجدي عليه / ويرحمُني لذلك من رآني
ويرثي لي العدوّ بظهر غيبٍ / رجعتُ الى الذي قِدْماً بَراني
وأكثرتُ الدعاءَ عسى بفضلٍ / ومنّ منه يصلحُ كلُّ شان
ويلهمُني رشادي فهو ربُّ / رؤوفٌ بالبريّة ذو امتنانِ
وقلتُ لرفقتي هل لي سلوٌّ / عن الحاظٍ عمْراً دهاني
فقالوا بالأجلّ الحبرِ تسلو / وصدرٍ ما له في العصر ثاني
إمامٌ حافظٌ علمٌ فقيهٌ / نبيهٌ ساد في كلِّ المعاني
له ذِكْرٌ علا فوق الثريا / وجاهٌ من ذوي الحاجاتِ داني
وجودٌ بالذي ملكَتْ يداهُ / لعافٍ قد أتاه وفكّ عانِ
وفي الآدابِ قد أضحى وحيداً / وفي علمِ الحديثِ فلا يُداني
وإن ألقى الدروس فلا يجارَى / فدعْ ذكرى فلانٍ أو فلانِ
يفسّرُ ما يقولُ بلا اكتراثٍ / بأفصح ما يكون من البيان
فمَنْ قسّ ومن سحبانُ أيضاً / متى ذكروه في نُطْقِ اللسانِ
ومن عَمرو بن بحرٍ أو سواهُ / لديه في التصانيفِ الحِسان
وفي نظمِ القريضِ فمَنْ حبيبٌ / وبشارُ بنُ بردٍ وابنُ هاني
ومَن قرأ العلوم عليه أضحى / كنتَسِبٍ الى عبدِ المَدانِ
لفضلٍ قد حكاهُ وصار فيه / سريع الردّ عند الامتحان
ومن والاه أُلْبسَ ثوبَ عز / وصار من الحوادث في أمان
ومن عاداهُ ذلّ بلا ارتيابٍ / وصار حليفَ خوفٍ وامتهانِ
فلا زال العلاءُ له قريناً / قريباً منه في كل الأوانِ
ويبقى ملجأً للناس طرّاً / وكهفاً للأقاصي والأداني
وعاش مهنّأً في كل عيدٍ / على رغم العدى طول الزمانِ
دعِ العذلَ إني أكره العذلَ والغَدْرا
دعِ العذلَ إني أكره العذلَ والغَدْرا / وإن خان من أهوى أقمتُ له العُذرا
ولم أرضَ أيضاً ما حييتُ جنايةً / فمثلي لا يرضى الجناية والغدرا
بَراني هوى ظبيٍ غريرٍ مهفهفٍ / كبدرِ الدُجى بل وجهُه يُخجِل البدرا
نذرتُ إذا ما زار في النوم مضجعي / خيالٌ له صوماً ولا أخلِفُ النّذرا
تأمّلْ ترى في طرفِه السّحرَ كامناً / وذُقْ ريقَه تلق المعتّقة الخمرا
إذا جاد لي يوماً بخمرةِ ثغرِه / على ظمأٍ أحسَسْتُ في كبدي جمرا
ذلِلْتُ به من بعدِ عزٍّ ومنعة / وأوسعتُه وصلاً فأوسعني هَجرا
إذا جئتُه أستنجزُ الوعدَ في الهوى / يرفّعُ عِرنيناً ويُسمعُني هُجرا
بوجنته روضٌ أنقٌ مدبّجٌ / يفتّحُ في عين الذي ينظرُ الزّهرا
بدا لي وكأس الخمرِ في يده بدت / فأبصرتُ بدراً يحملُ الأنجُم الزّهرا
وقد كنتُ في ليلٍ من الصدّ مظلمٍ / فلما بدا أبصرتُ في وجهه الفجرا
حوى الحسنَ والظّرفَ البديعَ كما حوى ال / إمامُ الفقيهُ الحافظُ الأمجدُ الفخرا
هو العالمُ العلاّمةُ العلَم الذي / له همّةٌ علياءُ جاوزتِ النّسْرا
له راحةٌ فيها لراجيه راحةٌ / إذا ما رآها معسِرٌ صاحَبَ اليُسرا
وأحسنُ ما فيه إذا جئت طالباً / ندى راحتَيه يُكثرُ الرّحْبَ والبِشرا
لقد طيّب الرحمن أخلاقه لنا / كما منه فينا طيّب الذِّكر والنّشرا
إذا ما رأيتَ الوافدينَ ببابه / فقُل لهمُ يهنيكمُ لكمُ البُشرى
ترى مالَه نهباً ترى عِرضَه حِمًى / وسؤدُدَه جمّاً ونائلَه غَمرا
حمى الفضلَ والمجدَ المؤثّلَ والحِجى / ولم أرَ زيداً قد حواها ولا عَمرا
وليس بمُفشٍ سرّ خِلٍّ وصاحبٍ / حفاظاً له حاشاهُ أن يفشيَ السّرا
على الخيرِ موقوفٌ برغمٍ عدوّه / ولم يره قطّ امرؤٌ يقصد الشّرا
وجوهُ أعاديه من الغيظِ أصبحتْ / على رغمِهم من فرطِ غيظهم صُفرا
جوادٌ بما تحوي يداه تبرّعاً / وراحتُه من جودِه لم تزلْ صِفْرا
عهدناهُ ذا فضلٍ ومجدٍ وهمّةٍ / عليماً علياً عالماً صادقاً بَرّا
فمَن مثلُه بين الورى أين مثله / يُميرُ البرايا كلما قحَطوا بُرّا
عليمٌ بأخبارِ الرسولِ وصحْبِه / وجدوى يديهِ تُخجِلُ الغيثَ والبحرا
بجَودِ يَديهِ زيّن الله للعلى / وللمجدِ والإفضالِ والسؤدُدِ النّحرا
أسيّدَنا خُذها إليك عروسةً / مجانسةَ الأبيات أخرجْتُها بِكرا
ولم أتكلّفْ مثلَ غيري صُنْعَها / ولم آتِ فيما قلتُ مفتخراً نُكرا
فدُم وارْقَ واسلَمْ وابقَ واعلُ وطُلْ وسُدْ / وعشْ ألفَ عامٍ هكذا بعدَها عَشْرا
فلا زلتَ دون العالمين بأسرِهم / تبدِّلُ يُسراً من رأيتَ به عُشْرا
وعدَتْ ولم تفِ لي بذاك الموعدِ
وعدَتْ ولم تفِ لي بذاك الموعدِ / فغَدا الغرام غريمَ قلبي المُكمَدِ
هيفاءٌ أُرضيها وتُسخِطُني وقد / طاوعْتُها وعصَيْتُ كلّ مفنّدِ
يا دمعَ عيني زِدْ ولا تنقُصْ ويا / نارَ الأسى بين الحشا لا تخمُدي
بكرت مؤنّبَتي تلومُ على الهوى / وتروح جاهلةً عليّ وتغتدي
ظنّت بأن اللومَ يصلحني وما / علمَتْ بأن اللومَ فيها مفسدي
تاللهِ لا حاولتُ عنها سلوةً / وإذا انتهيتُ الى النهاية أبتدي
الهجر شرّد نومَ عيني في الهوى / وأذلَّ مع عزّي جنودُ تجلّدي
ويلاهُ من رشأٍ غريرٍ أغيدٍ / أربى على حورِ الحِسانِ النُهّدِ
أشكو أبكي وهو يضحكُ لاهياً / عني ويرثي لي ويبكي حُسّدي
لا تغرُرَنكَ رقّةٌ في خدّه / فالقلبُ منه قد قسا كالجَلْمَدِ
الصدق شيمتهُ ولكن لم يزلْ / في الحبّ يكذبُ مخلِفاً للموعدِ
مالي إذا أبرمتُ عنه سلوةً / في النومِ أنقضُها برغمي في غَدِ
بالله ربّك قلْ له يا عاذلي / زِدْ عزّةً في الحبّ ذُلاً أزدَدِ
أنا قد رضيتُ بأنْ أكونَ مدلّهاً / في حبّه فعلامَ أنت مفنّدي
يا طالبَ النيران دونكَ فاقتبِسْ / من نارِ قلبي المستهامِ المُكمَدِ
يا صادياً هذي دُموعي أصبحتْ / تنهلُّ من جَفنَيْ دونَكَها رِدِ
قد كان دمعي أبيضاً قبلَ النّوى / فاليومَ أصبح أحمراً كالعسجَدِ
أقررتُ أني عبدُه فتيقّنوا / ثم اشهدوا هو سيّدي هو سيدي
فله الجمالُ كما الفخارُ بأسره / متجمّعٌ في الحافظِ بن محمدِ
فخرُ الأئمة أحمدُ المحمودُ مَنْ / فاقَ البريّة بالنّدى والسؤددِ
زُرْهُ تزُرْ أزكى البريّة عنصُراً / متودّداً ناهيكَ من متودّد
متيقظٌ فطنٌ أغرُّ مهذبٌ / جمُّ العطايا صادقٌ في الموعدِ
فاقَ الورى فعَلا عُلوّ الفرقدِ / حتى لقد سمّوهُ سعدَ الأسعُدِ
يُعطيكَ عند سؤاله متبسّماً / وإذا امتنعتَ ولم تسلْهُ يَبتدي
وإذا ادلهمّ الخطبُ يوماً في الورى / لا تعدلَنْ عن رأيه المتوقّد
شهدتْ له الأعداءُ أجمعُ أنه / علمٌ ومَن هذا الذي لم يشهدِ
ما زال يرغبُ في الثوابِ ديانةً / منه ويزهدُ في اكتسابِ العسجدِ
علمٌ به كل البريّة تهتدي / وبرائه في كلِّ خَطبٍ تقتدي
أعراضُه للمادحين وجاهُه / للقاصدينَ ومالُه للمجتدي
في الفقهِ مثلُ الشافعيّ ومالكٍ / وأبي حنيفةَ وابنِ حنبلَ أحمدِ
ضاهى البخاريّ المحدّثَ رتبةً / مع مُسلمٍ ومسدَّدِ بنِ مسرْهَدِ
وأبو عبادةَ في القريض وجروَلٌ / لو عاصراهُ أصبحا كالأعبُدِ
يا أحمدُ المحمودُ من دون الورى / أنت الذي أوضحتَ شِرعةَ أحمدِ
خُذها إليك قصيدة رقّت كما / رقّت شكايةَ مُستهامٍ مُكمَدِ
ألبستَها بمديحك السامي إذاً / ثوبَ الفخارِ ومثلُه لم يوجَدِ
أنعِمْ إذاً بقبولها متفضلاً / فقبولُها فرَجي وغيظُ الحُسَّدِ
لا زلتَ في نعَمٍ وعزٍّ دائمٍ / ألفاً فمثلُك في الورى لم يولَدِ
ما ناح قُمريٌّ وغرّد طائرٌ / سحَراً على غُصن رطيبٍ أملَدِ
يا عاذليّ لا تُطيلا عذَلي
يا عاذليّ لا تُطيلا عذَلي / إني عن عذلِكما في شُغُلِ
رضيتُ بالهوان والتذلّل / في حبّ من في الحب لا يرقّ لي
ظبيٌ ظُبى أجفانِه كالمُرهَفِ / ناهيكَه من أغيدٍ مهفهَفِ
لو أنه في كل حالٍ مُنصِفي / لفُزْتُ منه بالنعيمِ الأكمل
أحمُّ أحوى بابليٌّ أحورُ / في خده وردٌ نصيرٌ أحمرُ
بسحرِ عينيه القلوبُ تُسحَرُ / ويلاهُ من طرفِ الغزالِ الأكحلِ
علِقْتُه غرّاً جَهولاً بالهوى / لم أدْرِ طعمَ الهجرِ قبلُ والنّوى
لله أيامٌ تقضّتْ باللَّوى / لهفي على ذاك الزمانِ الأولِ
يا أيها العذالُ فيه أقصِروا / أو أكثِروا فالحب عندي أكثرُ
والقلبُ لا يسطيعُ عنه يصبِرُ / حالَ عن الميثاقِ أو لم يحُلِ
ودِدْتُ لو أتحفني بودّه / ودام لي على قديمِ عهدِه
أعوذُ من هجرانِه وصدّه / بلطفِ ذي العرشِ القديم الأزلي
يا قمراً قلوبَنا قد قمَرا / ويا قضيباً لا يزال مُثمِرا
ويا رشاً من شرَكي قد نفَرا / ما شئتَ في قلبي العميدِ فافعلِ
يظنّ أنّ القلبَ عنه قد سلا / وأنه من الغرامِ قد خلا
عوفيتَ عما حلّ بي من البَلا / جهلْتَ ما ألقى وما لم أجهلِ
الله يدري أنّ في قلبي ألمْ / من أجلِ أنّ الطيف حيناً ما ألمّ
وها أنا واللهِ في الحبّ علمْ / وأنت عما حلّ بي في شُغُلِ
يا يوسفيَّ الحُسنِ كُن لي مُحسِنا / أسأتَ إذ ملَكْتَ رقّي زَمنا
ملكْتَني فاجعَل وصالي ثمَنا / وعدّ عن هذا الهجرِ والتعلّلِ
ليتكَ لما أنْ علِمْتَ أنني / أهواكَ من دون الورى وصلْتَني
فلِم لغيرِ زلةٍ هجرْتَني / ذاك لفرطِ الحب والتدلّلِ
يا أيها البدرُ المنيرُ الزاهرُ / ما شئتَ فافعَلْ بي فإني صابرُ
هأنَذا كما تراني حائرُ / وإن جهِلْتَ ما الأقلُّ فسَلِ
أقسمْتُ لا حُلْتُ وإن حُلْتَ ولا / رُمْتُ سواكَ اليوم خِلاً بدَلا
ولا سَلا قلبي فيمَنْ قد سلا / وحقِّ آياتِ الكتابِ المنزَل
أفديه من ظبيٍ غريرٍ أغيدِ / يَميسُ كالغُصْنِ الرّطيبِ الأملَدِ
لو أنّه أصبح لي طوعَ يدي / لهانَ عندي ما يقول عُذّلي
لله دَرُّ أهيفٍ محجَّبِ / مجوهَرُ الثغرِ شهيُّ الشّنَبِ
كأنهُ مثلُ ابنُ يعقوبَ النّبي / في الظّرفِ والجمالِ والتجمّلِ
له الدلالُ والخفَرْ / والفخْرُ للحفاظِ من دون البشَرْ
علاّمةٌ سؤدُدُه قدِ اشْتهَرْ / أرْبى على النعمان وابنِ حنبَلِ
هو الإمام الأوحدُ السّميْدَعُ / الأريحيّ الألمعيُّ المِصقَعُ
العالِمُ النّدْبُ السّريّ الأروعُ / المرتجى لكلِّ أمرٍ مُشكِلِ
ليثٌ يموتُ جاحِدوهُ فرَقا / غيثٌ يُرى جودُ يديهِ غدَقا
بدرٌ يشيءُ مغرباً ومَشرِقاً / بوجهه جِنحُ الظلامِ ينجلي
مَنْ مثلُه في خلقِه والخُلُقِ / ما مِثلُه في مغربٍ ومشرقِ
وقفٌ على النوال والتصدّقِ / يذخَرُه لكلّ أمرٍ معضِلِ
أكرِمْ به من عالمٍ مهذّبِ / يُعربُ نطقاً عن مقالِ يعرُبِ
ذي نسب ناهيكَه من نسبِ / وهمّةٌ مقرونةٌ بالحمَلِ
زُرْهُ أزكى الأنام عُنصُرا / وأكرَمَ الخَلقِ وأبهى منظَرا
الخُبْرُ قد صدّق فيه الخَبرا / أقلامُه تفعلُ فِعلَ الأسَلِ
قد جمعَ العلومَ والمكارِما / وفاقَ في معروفه الأكارِما
يذْلُ اللُهى يراهُ حقاً لازِما / يجودُ بالجودِ وإنْ لم يُسألِ
ما إن له في الفقهِ من مُقاومِ / أكرِم به بين الورى من عالِم
به غدا اليومَ قوامَ العالَمِ / عن حاله منذُ نَشا لم يَحُلِ
يروي حديثَ المصطفى عن خامسِ / ليس له في ذاك من مُنافِسِ
يقوم إذ يراه كل جالِسِ / مُبجّلٌ ناهيكَ من مبجّلِ
هو الذي همّتُه فوقَ السُهى / حوى الجلالَ والجمالَ والنُهى
وطبعُه منذُ نَشا بذلُ اللُهى / بذلَ جوادٍ أريحيٍّ مفضّلِ
يا سيّدَ الزُهّادِ والأحبارِ / وكعبةَ العلياءِ والفَخارِ
وذا الندى في العُسرِ واليسارِ / وذا الحِجى والفضلِ والتطوّلِ
تهنّ يا عيدَ الورى بالعيدِ / وابْقَ كذا في العزّ والتأييدِ
برغمِ كل مُبغضٍ حَسود / واعلُ على ظهرِ السِّماك الأعزلِ
ما غرّدَ القُمريّ في الأشجارِ / وأذهَبَ الليلُ ضِيا النهارِ
ودام مُلْكُ الملِك الجبّار / ربِّ السمواتِ العليّ الأوّلِ
خُذها عَروساً من بنات فكري / بِكراً وما الثيّبُ مثلُ البِكْرِ
ألبسَها مدحُك ثوبَ فخرِ / تغْنى بذاك الفخرِ عن لُبْس الحُلي
فُحْنَ طيباً من بعدهنّ الديارُ
فُحْنَ طيباً من بعدهنّ الديارُ / فوحَ مسكٍ أفاحَه العطارُ
ذاك نَشْرُ الأحباب أودِعَ في الدا / رِ ففاحَتْ طيباً عشيّةَ ساروا
رحلَتْ ظُعنُهُم فغاضَت على الإث / رِ دموعٌ من الديار غِزارُ
وسفرْنَ الغداةَ عن أوجُه من / دونِها في بهائها الأقمارُ
فأصبْنَ الفؤاد وخْزاً بأشفا / رٍ ما تِيكُمُ الأشفارُ
عجباً صائدُ الصّوارِ أصابتْ / هُ فأصْمَتْهُ بالسّهامِ الصّوارُ
فتبسّمْتُ ثم قلتُ وفي القل / بِ لعمري مما أكابدِ نارُ
هل سبيلٌ الى القصاصِ فقالوا / إنّ جُرحَ العجماءِ صاحِ جُبار
ومهاةٍ زرعْتُ باللثم فوق ال / خدّ منها روضاً ففيهِ احمِرارُ
راعَها البين فابتدَتْ تذرف الدم / ع وقالت ماءُ الدموعِ اعتذارُ
فكأنّ الدموعَ طلٌّ بدا من / نرْجسِ العين تحته جُلّنارُ
أيُّ يومٍ مضى لنا في رياضٍ / عرّسَتْ في عِراصها الأمطارُ
كلُّ شيءٍ أكنَّ كانونُ فيها / لم يذَرْهُ حتى بدا آذارُ
أُقحوانٌ غضٌّ وورْدٌ نضيرٌ / وشقيقٌ قانٍ بها وبَهارُ
وبها بالأغصانِ رقْصٌ إذا ما / أنشدَتْ في حافاتِها الأطيارُ
وكأنّ الأوراقَ فيها لعيني / كَ سماءٌ أثمارُها أقمارُ
ومطيٍّ جلَتْ أهلّةَ ليلٍ / قد علَتْ فوقَ ظهرِها أكوارُ
خيّلَتْ لي أنّ الفيافيَ صُحْفٌ / وعليها آثارَها أعشارُ
فتعسّفْتُها بليلٍ علينا / من دُجاهُ في ضِمنِها أستارُ
وكأنّ السماءَ روضٌ أنيقٌ / حفّهُ من نجومِها أزهارُ
وعليها من المجرّةِ نهرٌ / قد سقاها من دونِه الأنهارُ
وكأنّ الهلال إذ لاحَ فيها / زورقٌ يعجِبُ العيونَ نُضارُ
ونرى أنجُمَ الثريا فقلنا / هو كأسٌ للغرب فيه عقارُ
وبدا الصبحُ فاختفى كلُّ نجمٍ / عندما منه عمّنا إسفارُ
مثلُ بحرٍ غطّى الرياضَ فما إن / بقيت بعده لها آثارُ
أو كأنّ الظلماء ليلٌ وضوءَ الص / بح فيها لما تبسّم نارُ
أو محيّا الحَبرِ الإمامِ إذا ما / أُنشِدَتْ فيه هكذا الأشعارُ
علَمٌ أوحدٌ له الفضلُ والدي / نُ مدى الدهرِ والعُلا والوقارُ
حازَ منه الإزارُ قسّاً وزَيداً / وابنَ إدريسَ حاز منه الإزارُ
طال فضلاً ورفعةً وجلالا / زاده الله واللئامُ قِصارُ
لفظُه حكمةٌ وآراؤه نو / رٌ وألفاظُه بدَتْ أقمارُ
فيه للهِ إذ هو الحافظ الفر / دُ المرجّى فخرُ الورى أسرارُ
خلّد الله مُلكَ مالِكِنا الصا / لحِ فهْو السميدَعُ المختارُ
ملكٌ شاكَلَتْ شمائلُهُ الرو / ضَ وأضحَتْ كوجهه الأقمارُ
هو كالسيفِ غير أنّ له من / كل وجهٍ للمفسدين غِرارُ
عزمُهُ سيفُه وهيبتُه الرع / بُ حقيقاً ونصرُهُ الأنصارُ
فله منه وحدَه حالةُ الحر / بِ للاعْداءِ جحفَلُ جرّارُ
فإذا ما الخطّيّ غُرِّسَ في الأع / داءِ يوماً فللرؤوسِ نِثارُ
وإذا ما ظلامُ ليلٍ من الشِّرْ / كِ دَجا وادلَهمّ فهْو نَهارُ
زانَ هذا الزمانَ حتى كأنّ الد / هْرَ خدٌّ يلوحُ وهو عِذارُ
ولثغرِ الإسكندريّةِ منه / في العُلى لا لغيره آثارُ
شادَ للعلم فيه مدرّساً للث / غر منها جِنحَ الدُجى أنوارُ
ورأى الحافظَ الإمام المُرجّى / لوذعيّاً من دونِه الأحبارُ
فحباهُ بها يدرِّسُ فيها / لا افتخارٌ إلا كذا الافتخارُ
أيها الحافظُ الذي من يدَيْه / للورى باللُّهى تفيضُ بِحارُ
رحلَ الصومُ ثم وافى غداةَ ارْ / تحلَ الصومُ للورى الإفطارُ
وأتانا عيدٌ وأنت له العي / دُ لك الله طولَ عُمرِكَ جارُ
فابْقَ واسلَمْ ما لاحَ برقٌ وغنّتْ / فوقَ أغصانِ بانةٍ أطيارُ
تيّم قلبي أغيدُ
تيّم قلبي أغيدُ / وخانَ فيه الجلَدُ
وليس لي من يُسْعِدُ / عليه مُذ فارقني
الله في قتل فتى / ذي كبدٍ قد فتّتا
فكم وحتّى ومتى / بعدَ الرِّضا تسخطني
يا قمراً قد قمَرا / قَلبي لما غَدرا
ألِفْتُ منك السّهرا / والقلبُ خِدْنُ الحزَنِ
لقد جفا جَفْني الكَرى / منذُ سرى مع السُّرى
فها أنا بينَ الورى / متيّمٌ ذو شجَنِ
أكثر فيه العُذّلُ / جاروا ولمّا يَعدِلوا
والعدلُ ليس يُجهَل / في حُبِّ من تيّمني
ويلاهُ من مهفهَفِ / أحورَ أحوى صلِفِ
أفي له ولا يفي / بالعهدِ طولَ الزمنِ
يا ويح صبٍّ عشِقا / مثلي ظبياً مؤنِقا
لم يُبْقِ مني رمَقا / مذْ للجفا أسلمني
أورثَ جسمي سقَما / وجار لما حكَما
فالشوق مني كلما / ذكرْتُه يقلقني
أودَع لما ودّعا / نارَ الغرامِ الأضلُعا
فالقلبُ أضحى موجَعا / عليه مذْ ودّعني
أقولُ لما ظعَنا / وزادَ قلبي حزَنا
هيّجْتَ ناراً سكَنا / بين الحشايا سكَني
يا قلبُ دعْ ذِكرَ الهوى / ومن نَوى لك النّوى
وعدِّ عن ذكر اللِّوى / وكلّ ظبيٍ مُفتِنِ
وانْحُ الإمامَ أحمدا / أنْدى الورِ طُرّاً يَدا
ومن يَعُدُّ الفرْقَدا / هجرَ النّدى والمِنَنِ
هو الإمامُ الحافظُ / فأينَ منه الجاحظُ
والألمعيُّ الواعظُ / في كلِّ فنٍّ حسَنِ
لقد حوى المفاخِرا / وجمّل المحابِرا
وحاز فضلاً باهِرا / وفاقَ أهلَ الزمنِ
أكرِمْ به من عالِمِ / فاقَ جميعَ العالَم
بالجودِ والمكارِم / فمثلُه لم يكُنِ
من مثلُه في نخوتِهْ / وفي علوّ همّتِهْ
يجلو ضياءَ طلعَتِهْ / عنّا دياجي الفِتَنِ
علاّمةٌ حبْرٌ علَمْ / العُرْبُ فاقَ والعجمْ
ما مثلُهُ بين الأمَمْ / وحقِّ آلِ الحسَنِ
طلعتُه كالقمرِ / وجودُه في البشرِ
يفيضُ فيضَ المطرِ / في السّرِ ثم العلنِ
في الحِلْمِ فاقَ أحنفا / وفي الجمالِ يوسُفا
فكم كتابٍ ألّفا / ناهيكَه من فطِنِ
أسعدَنا بسعْدِه / وخصّنا برفدِه
كأنّه في زُهدِه / مثلُ أوَيسَ القُرَني
يجود وهو مبتسِمْ / من قاصديه محتشِمْ
وجوده مثل الدِّيَمْ / وكالغمامِ الهَتِنِ
لم ترَ عيني قبلَه / في كل فن مثلَهُ
حوى الفخارَ كلَّهُ / وحازه في قرَنِ
همّتهُ فوق السُّها / بذا قضى أهلُ النُهى
وطبعُه بذلُ اللُهى / بذلَ الجوادِ المحسِنِ
زُرْهُ تزُرْ مهذّبا / أزكى الأنامِ منصبا
في النطق فاق العَرَبا / وفي العلوّ المُزَني
له الحِجى والسّؤدُدُ / والفضلُ والتودّدُ
فمَنْ سواهُ يُقصَدُ / عند حلولِ المحَنِ
أكرِمْ به من بارع / مثل الهلال الطّالعِ
كمالكٍ والشافعي / ومَعمرٍ باليَمنِ
إذا سألناه النِّعَمْ / جوابه لنا نعَمْ
وبذْلُه حُمرُ النِّعَمْ / ما بُخلُه بمُمكِنِ
يا سيّداً حاز العلا / على السِّماكين عَلا
أربَيْتَ في الفقه على / ابنِ ثابتٍ والحسَنِ
يا ذا العلا والحسبِ / والفضل والتأدّبِ
يا عُدّتي في النّوبِ / ومنقِذي من زمني
تهنّ يا سيّدنا / فالعيدُ وافي ودَنا
وأنت أنتَ عيدُنا / فابْقَ ممرَّ الزمن
وعِشْ سعيداً مُسْعَدا / ألفا على رغم العدى
ودُم لنا مدى المدى / في أطيب العيش الهَني
إنها أعرضَتْ عن الإعراضِ
إنها أعرضَتْ عن الإعراضِ / فاقضِ يا عاذلي الذي أنتَ قاضي
غادةٌ أمرضَتْ جُسوماً صِحاحاً / بجفونٍ ذواتِ سُقمٍ مِراضِ
جمعَتْ في الهوى جنودَ سُهادي / مثل ما فرّقتْ جفونَ اغتماضي
ريقُها خمرَتي وفي وجنتَيْها / روضةٌ لي فاقتْ جميع الرّياضِ
ذاتُ طرْفٍ ما أبصرَ الطّرفُ أحلى / من سوادٍ قد حازَه في بياضِ
فتكَتْ بي جُفونُها في هواها / مع عزّي كفتكةِ البرّاضِ
كلُّ سيفٍ يكلُّ غيرَ سيوفٍ / جُرِّدَتْ لي من ألحاظِ مواضي
وغزالٍ قضى عليّ غرامي / في هواهُ منه بتركِ التّقاضي
أنا راضٍ بذِلّتي وخضوعي / في هواه فهل تُرى هو راضِ
ذو عذارٍ يمشي على وردِ خدّيْ / هِ الهُوَيْنا كالحيّةِ النّضناضِ
مُستفاضٌ هواي فيه وصبري / عن هواهُ فليس بالمستفاضِ
صاحِ دعْ كرَه سِرْ في الفيافي / وتغرّبْ كالحرث بنِ مُضاضِ
سر مجدّاً الى طِلابِ المعالي / فوقَ ظهرِ السّواهمِ الأنقاضِ
وانْحُ بابَ الإمامِ سيّدِنا الحا / فظِ تظفَرْ بسائِرِ الأغراضِ
الكريمِ النِّجارِ والطاهرِ الموْ / لِدِ بين الأنام والأعراضِ
صيغَ من جوهرِ المكارمِ صِرْفاً / وكرامِ الورى من الأعراضِ
ذو ارتفاعٍ على السِّماكَيْنِ والنّسْ / رِ كما أنّ ضدّه ذو انخِفاضِ
هو يعطي بُزْلاً وكلُّ كريمٍ / غيرَهُ باخِلٌ ببنْتِ مِخاضِ
ما لهُ ساخطٌ عليه مدى الده / رِ كما أنّ عِرضَه عنه راضِ
قطّ لم يُحوِجَ العُفاةَ ولا المسا / ئِلَ جدوى يمينه الفيّاضِ
هو قاضٍ على لُهاهُ بجورٍ / وهو بالعدْلِ في البريّةِ قاضِ
ذو فخارٍ ضخمٍ وعزٍّ منيع / ونوالٍ جمٍّ وأيْدٍ عِراضِ
إيتِ يا صادياً حياضَ نداهُ / وارْو منها وخلِّ كلَّ الحياضِ
لم يزَلْ مذْ عرفتُه ذا انبساطٍ / وسواه طولَ المدى ذات انقباضِ
أيها الحافظُ الإمام المفدّى / جُدْتَ فالمكرماتُ عنك رَواضِ
هاك بكراً كسوتُها ثوب فخرٍ / أيُّ ثوبٍ من سؤددٍ فضفاضِ
فغدَتْ تزدري بشعر المعرّي / وبمهيارَ والشريفِ البَياضي
فابْقَ واسلَم ما غرّد الطيرُ في الأي / كِ وهز النسيمُ زهرَ الرياضِ
لمَنِ الحُمولُ بجدّةٍ تسري
لمَنِ الحُمولُ بجدّةٍ تسري / يدرينَ مَن حملَتْ ولا يَدْري
في الآلِ طافيةٌ وراسيةٌ / سيرَ السفينِ بلجّةِ البَحرِ
فعليكَ يا قلبي السلامُ فقد / بانوا كما قد بِنْتَ عن صدري
كم حجبت كلل الهوادج عن / عينيك من شمسٍ ومن بدرِ
بيضٌ وسمرٌ سحرٌ أعيُنِهم / يُنسيكَ فعل البيضِ والسمرِ
وأنا العديمُ من السّلوّ فإنْ / ذُكِرَ الغرامُ فإنني المُثْري
ولقد أمالَتْ للعناقِ ضُحًى / قدّاً كخوطِ البانةِ النّضْرِ
وبكيْتُ فابتسمَتْ فلاح لنا / دُرّانِ في نَظمٍ وفي نثرِ
دأبَتْ على هجري فخالفَها / بالوصل طيفٌ في الدُجى يسري
واهاً على عصرِ الشبابِ فما / أحلى شمائلَ ذلك العصرِ
أيامَ أخلعُ غير مستَتِر / عُذُري فأُلفى واضح العُذْرِ
وتنوفةٍ قفرٍ رمَيتُ بها / ولاّجَ كلِّ تنوفةٍ قَفْرِ
يهفو إذا لفحَتْ هواجرُها / قلبُ السراب بها من الذُعْرِ
وكأنّ أعناقَ المطيّ وقد / وخدَتْ مياهٌ فوقَ تجري
لو لم أكُن صقْرَ السّباسِبِ لم / أصْبِحْ ومن أكوارِها وكْري
والى الأجلِّ الحَبْرِ جُبْتُ بها ال / آفاقَ من سهل ومن وعْرِ
فاتَتْ بأبكارِ المديح الى / دفّاعِ رَيبِ الحادثِ النُّكْرِ
حبّرْتُ ألفاظي فجئتُ بها / حِبَراً الى علاّمةٍ حَبْرِ
جمع المحاسنَ كلّهُنّ فمَن / يفخَرْ به يفخَرْ بذي فخرِ
فإذا روى الأخبارَ أصدرها / عن فرطِ معرفةٍ وعن خُبْرِ
وإذا المسائلُ أشكلَتْ فغدَتْ / لا تستبينُ لصائِب الفكْرِ
جلّى غياهِبَها بصُبْحِ حِجًى / منه وصارم فطنةٍ يَفْري
وإذا جرى في طِرسِه قلمٌ / بيمينه للنفعِ والضُرِّ
أبصرْتُ روضَ الفضلِ أخضَلَهُ / ماءُ الذكاءِ فجاءَ كالسّحْر
يا حافظَ الدين الذي شهدَتْ / آلاؤهُ في البَدْو والحَضْرِ
لك منّةٌ عظُمَتْ فقلّ لها / يا خير مولًى منه بالشكرِ
لجلوْتَ عنّي الحادثاتِ كما / تجلو الدّياجي غُرّة الفجر
وكسوتَني خِلَعَ الرضا فأتى / متنصِّلاً مما جَنى دَهري
واسلَمْ لجمع الحمدِ واحظَ به / فرداً فأنتَ مفرّقُ الوفرِ
يا أيها الحَبرُ الإما
يا أيها الحَبرُ الإما / مُ ومن به فخرُ اليراعْ
الصّبرُ عن رؤياكَ يا / خيرَ الورى لا يُستطاعْ
أو كيف يصبِرُ عن فتًى / هو أوحدُ الدنيا المُطاعْ
داني النّدى عالي المدى / فلهُ انخفاضٌ وارتفاعْ
كالشمسِ تبعُدُ موضِعاً / ويعمُّنا منها الشُعاعْ
ولا عدمَتْ أيامُنا منكَ سيّداً
ولا عدمَتْ أيامُنا منكَ سيّداً / يُوالي جميلاً أو يروقُ جَمالا
فإنْ كُدِّرَتْ يوماً موارِدُ نعمةٍ / علينا رَوينا من نَداهُ زُلالا
انزعْ لباسَك فالآجالُ حاكمةٌ
انزعْ لباسَك فالآجالُ حاكمةٌ / أن لا ترُدَّ سِهامَ الموتِ بالزّرَدِ
إذا ابْنُ آوى تولّتْهُ سعادته / أوى إليه مُطيعاً كاسرُ الأسدِ
وإن ألمّتْ بليثِ الغِيلِ منحَسَةٌ / صالتْ على لَبدَتَيْهِ راحةُ النّقَدِ
ومهما رام أن يَرْقى مداها
ومهما رام أن يَرْقى مداها / سواهُ أظهرَتْ فيه قُصورَهْ
ولا زالتْ تنمِّقُ بالعطايا / رياضَ المجدِ أو تبني قُصورَهْ
أخالد إنّ الحمدَ يُبقي لأهلِه
أخالد إنّ الحمدَ يُبقي لأهلِه / كمالاً ولا تبقى الكنوزُ على الكَدِّ
فأطعِمْ وكلْ من عارةٍ مُستردَّةٍ / ولا تُبقِها إنّ العواريّ للرّدِّ