المجموع : 318
أَلا هلْ إلى ما أرتجيه بُلوغُ
أَلا هلْ إلى ما أرتجيه بُلوغُ / فكم أَقتضيه الدهرَ وهْو يَروغُ
وما هو إلا قُرْبكم لو رُزِقْتُه / فما ليَ عيشٌ دونَ ذاك يسوغ
أُقطِّع أوقاتي عليكم تأسُّفا / كأني على طولِ الزمان لَديغ
وأعجِز عن وصف اشتياقي إليكمُ / على أنني في غير ذاك بليغ
تفيض جفوني عند تَذْكارِكم كما / تفيض بأيدي المائحين فُروغ
وقد طَلَّ سلطانُ النَّوى من مَدامِعي / دما لأُسودِ الشوقِ فيه وُلوغ
أَخِلاّىَ حاشا وُدَّكم من تَغيَّرٍ / فيرتدُّ عن عهد الهوى ويَزوغ
لقد بانَ عني منكمُ كلُّ سيدٍ / هو الفضلُ أو فالفضلُ منه مَصُوغ
سَقى اللهُ أيامي بكم إذ زَمانُها / قصيرٌ وفي اللذاتِ منه سُبوغ
نقطعُ الأوقاتَ بالكُلَفِ
نقطعُ الأوقاتَ بالكُلَفِ / وقُصارانا إلى التَّلَفِ
أملٌ تَرْقَي مطامعُه / لا إلى حَدٍّ ولا طَرَفِ
يُعْجِب الإنسانَ مَكْسبُه / وهْو بابُ الهمِّ والأَسف
فهْو دَينٌ للزمان فلا / يفرح المغرورُ بالسَّلَف
أَتُرَى الجَزّارَ عن كرمٍ / جُودُه للشاةِ بالعَلَف
سِمَنُ المهزولِ مَهْلَكةٌ / يُقْنِع المعجوفَ بالعَجَف
فوا أَسَفاهُ يا وطنِي
فوا أَسَفاهُ يا وطنِي / وإنْ أَوْدَى بيَ الأَسَفُ
عَدِمتُك حينَ مالي من / كَ مُعْتاض ولا خَلَف
فعيِشي مذ سَباني البي / نُ منكَ جميعُه كُلَف
تكاد نِياطُ قلبي عن / د ذِكْرِك منه تُخْتَطَف
وتَمْثُل لي فيجرِي الدم / عُ من عيني ويَنْذَرِف
كأني عند بُعْدِك لل / خُطوبِ جميِعها هَدف
وحَقَّك إنه قَسَمٌ / يَبَرُّ بمِثله الحَلِف
لأنت الدر والدنيا / سواك جميعها صدف
سقت زمني بك الانوا / ء والهطالة الوطف
زمانٌ خِلْتُه هِبَةً / لنا وإذا به سَلَف
فكان كأنما الساعا / ت في اثنائه تُحَف
عسى عيني لها في ثغ / رِ ذاك الثغرِ مُرْتَشَف
فيرجعَ ما انقضى ومضت / به أيامُنا السَّلَف
وبالإسكندرية لي / هَوىً كهوائها تَرِف
توغّل في سواد القل / ب فهْو بحبها كَلِف
يُطَمِّع فيه فَرْطُ الحُسْ / ن لكنْ يُوئِس الصَّلَف
إيهٍ على تذكارِ ما سَلَفا
إيهٍ على تذكارِ ما سَلَفا / فالدمعُ منك أَقلُّ ما وَكَفا
يا عين أنت جلبتِ ناظرةً / لفؤاديَ الأشواقَ والشَّغَفا
كم قد كَففتُك خائفاً حَذِرا / عن ناظرٍ يَقْوَى إذا ضَعُفا
فعَجِبتُ كيف رَمَيْتِ يومئذٍ / سهما فعادَ لوقِته هدفا
ذاك التبسُّمُ كان غايتَه / هذا البكاء لأجله سَرَفا
أَسرتْك وانصرفَتْ وما وَجَدت / عَزَماتُ قلِبك بعدُ مُنْصَرَفا
واللهِ ربِّ مِنىً وما جَمعتْ / وكفى بذاك لمُقْسِمٍ حَلَفا
إنى إذا ما الوصلُ أَمْكَنني / نَزَّهتُه عن ريبةٍ أَنَفا
وأبيت أَقَنع بالحديثِ ولو / كان الحديثُ إشارةً لكَفَى
وبما يُبَلِّغه الرسولُ ولو / كان النسيمُ رسولَها لشَفَي
وبطيفِها وبأنها علمتْ / أنى أَبيت بحبها كلِفا
وبلفظِ مَبْسِمِها ومَقْصِدُه / أخرى فيُهْجُني وما عَرَفا
وبرَشْفِ ماءِ النيلِ قد وَردَتْ / أولاَه ثم وردتُه طَرَفا
ولوِ استطعتُ منعتُ إذ وَردَتْ / منْ عَبَّ من شَطَّيْه أو رَشَفا
غَيْران من علمي بأنّ به / من سُؤْرِ شهدِ رُضابِها نُطَفا
وأَغارُ من مرِّ النسيم بها / دوني يُباشِر ذلك التَّرفا
مالي وللعُذال لا سَعِدوا / فلقد لقيتُ بعَذْلهم جَنَفا
عَذَلوا وما عَشِقوا ولو عشقوا / قَبِلوا هنالك عُذْرَ من شُغِفا
يا وَيْحهَم لو أبصروا رَشَأً / يهتزُّ من لينِ الصِّبا هَيَفا
بدرٌ على غصنٍ على نَقَوَىْ / رملٍ أَضاءَ وماسَ وارْتَدَفا
يفتر عن نَوْر الأَقاحِ إذا / وافَى نَدىً سَحَرا به فصفا
كالدُّرِّ لكنْ صاغ ناظمُه / بالمسكِ من لَعَسٍ به صَدَفا
وجَنِىُّ وردٍ فوقَ وجْنِته / يَحمرُّ ثم يعود إنْ قُطِفا
لاستبدلوا بمَلامتي حسدي / ورأوا تَعاقُل عاذلي خَرَفا
مَنْ لي بعيشٍ كان لي ومضى / عني ولم أَعتضْ به خَلَفا
حيث الصبابةُ والصِّبا شَرَعٌ / كلٌّ حَلا وصَفا لمن وَصَفا
فكأن عيشي كان بينهما / قبل التفرق روضة أُنُفا
إنْ كانت الإسكندريةُ قد / شَطَّتْ فَأَوْلَتنْي نَوًى قَذَفا
وسكنتُ بالفُسْطاط مُغْترِبا / فلقد كسبتُ بغربتي شرفا
ورَقيتُ من مدح الملوك بها / رُتَبا أَنافتْ في العُلى كَنَفا
وكسبتُ مالا لو يُرَفِّره / جَدْواىَ لم أعرفْ له طرفا
لكنْ ينازِعني إلى وطني / شوقٌ إذا استمهَلتُه عَسَفا
وأَعافُ مِصرَ وعيشُها رَغَد / ويَشوقُني وطني ولو عَجِفَا
أُقْصِي البنفسجَ ثم يُعجبني / أنْ أَنْشَقَ الظَّيّان والطَّرفا
شوقاً إلى ذاك الثَّرَى وإلى / ذاك النسيمِ الرَّطْبِ حين هَفا
وإلى رياضٍ كان يوقِظني / فيها ندى سَحَرٍ إذا كَثُفا
وشَميمِ عَرْفِ الروضِ حينَ بدا / ورَخيمِ لَحْنِ الطير إذ هَتفا
ويهزني مرحُ الشبابِ بها / هزَّ القَضيب اللَّدْن مُنعطِفا
ما بين أترابٍ قدِ اتفقوا / أنْ يجعلوا ساعاتِهم تُحفَا
يُبدون من آدابِهم مُلَحا / جَعلوا لها آذانَهم صُحُفا
لَهْفِى على زمنٍ بها وبهم / لو كان ينفعُ قولُ والَهَفا
فارقتُهم وصَحِبتُ بعدهمُ / حاليْن قَرْعَ السِّنِّ والأَسفا
أَنْحَلني حبُّك يا مُتْلِفي
أَنْحَلني حبُّك يا مُتْلِفي / وزادَني الشوقُ فلم أَعْرِفِ
وذبتُ حتى لو رمى بي الهوى / في ناظرِ الناظرِ لم يَطْرف
وجُلتُ في ناحيةٍ طولُها / كعَرْضِ حَدِّ الصارِمِ المُرْهَف
سلِ الخيلَ والسُّمْرَ الذَّوابِل والوَغَى
سلِ الخيلَ والسُّمْرَ الذَّوابِل والوَغَى / فرسانها والبِيض والبَيْضَ والزَّغْفا
وجَزْلَ العَطايا والصَّنائعَ والعُلى / وطِيبَ الثَّنا والنظمَ والنثر والصُّحفا
عن الأفضلِ المُسْتَكمِل الفضلَ هل حَوى / فضائَله مِنْ قبلهِ ملكٌ وَصْفا
أَجلِّ الوَرَى قَدْرا وأَحْسَن سيرةً / وأشجعِهم نفساً وأكرمهم كَفّا
وأعظمِهم ملكا وأكبر همةً / وأصْلبهم عودا وأَلْيَنهم عِطْفا
فإنْ ظَهرتْ بالفِعْل منه فإنها / وإن عُدِمتْ في غيرِه بعضُ ما أَخْفَى
مَناقبُ جَلَّتْ أنْ تكون لواحدٍ / وما اسملحتْ منها الورى قبلَه صِنْفا
غَدَوْنا إلى أَرْؤُسٍ أُحْكمِتْ
غَدَوْنا إلى أَرْؤُسٍ أُحْكمِتْ / وَتَمَّتْ مَحاسنُ أوصافِها
صِغار لها سِمَنٌ ظاهِر / تدل على حِذْق عَلاّفها
حَكتْ قِطَعَ القطنِ ملفوفةً / كما فارقتْ كفَّ نَدَّافِها
كأن تماثيلَ أشخاصِها / وأفواهها تحت آنافها
خَليع الطَّراطيرِ بيضا وقد / تَفتَّقَ ما فوق أطرافها
مالي وللحادثاتِ الصُّمِّ تَطْرُقني
مالي وللحادثاتِ الصُّمِّ تَطْرُقني / حتى كأني لمَحْذوراتها هَدَفُ
تُعطى الذي لا يُواتِيني فإنْ أَخَذَتْ / مني فما ليس لي من بعدِه خَلَف
أَلومُها وهْي لا تُصْغِي لَمعْتَبةٍ / أَخدْعةٌ أم جنونٌ ذاك أَم صَلَف
أرى الزمانَ يُعادِى كلَّ ذي أدبٍ / يا ليت شِعْري ألؤمٌ منه أم خَرَف
دَعْنى من العلمِ والآداب قاطبةً / إنْ كنتَ طالبَ دنيا فالغِنى الشَّرف
أَرى النفوس تُوالى كلَّ ذي جِدَةٍ / بالطبعِ فهْي إلى ما شاء تنصرِف
لا تصحب العلم إلا والغِني معَه / أَوْلا فحَظُّك منه الهمُّ والأَسف
عيشُ الفتى تحت ذلِّ الفقرِ منزلةٌ / لا يستقرُّ عليها مَنْ له أَنَفُ
لأَركبَنَّ بعزمي كلَّ مهْلكةٍ / إما غِنىً ترتضيه النفسُ أو تلف
من لم يَبِن لم يَبِنْ فانهضْ تجدْ سببا / لا قَدْرَ للدُّرِّ لما حازَه الصَّدف
طِفلٌ تَفنَّنَ فيه الحُسْنُ مُبتدِعا
طِفلٌ تَفنَّنَ فيه الحُسْنُ مُبتدِعا / تكاد من طَرْفِه الأبصارُ تَخْتطفُهْ
حِقْفٌ نما فيه غصنٌ فوقَه قمر / يخطو فيَثْنيه من لينِ الصِّبا هَيَفُه
إذا تَشفَّع ذُلِّى عند عِزَّتِه / في عَطْفِه ورثى لي رَدَّه صَلَفُه
تَباشَرَتِ المَدائحُ والقَوافِي
تَباشَرَتِ المَدائحُ والقَوافِي / مُذِ اتَّصلتْ بمولانا العَوافِي
وهَذَّبتِ الخواطرُ كلَّ معنىً / كما راقتْ مُعَتَّقةُ السُّلاف
وبَرَّدتِ المَسرَّةُ كلَّ قلبٍ / يُحرِّق بالأسى حُللَ الشَّغاف
ومُهِّدتِ المَضاجعُ بعد فكرٍ / حَشاها بالأسنة والأشافي
ورَوَّى جودُ كفِّك كلَّ حالٍ / تَلظَّتْ فيه هاجِرةُ الجَفاف
وأشرقَ نورُ وجهك عند خوفٍ / بَهيمٍ مثلِ خافيةِ الغُداف
فراقَ العيشُ واحْلَوْلَى وكنا / نُجَرَّعه أُجاجا غيرَ صاف
أَلاَ يا كعبةَ الجود التي لم / يَخلَّ بها رجاءٌ مِن طواف
إذا الآمالُ أَمْرَضها إياسٌ / فأَمستْ ذات أنفاسٍ ضِعاف
فجَدْوى راحتَيْك لها طبيبٌ / يُعافى بالعطايا غيرَ عاف
لأمر الآمرِ انتهتِ الليالي / على حالَيْ وفاقٍ واختلاف
فهن لِحزْبِه الشهد لكنْ / لمن عاداه كالسُّم الذُّعاف
فيا ابنَ الطائرين إلى المعالي / بوافرةِ القَوادمِ والخَوافي
مدحتك واختصرت وذاك معنى / أُشير به أفهامٍ لِطاف
لأني إنْ أطلتُ المدحَ جهدي / فبالتَّقْصيرِ آخرُه اعْترافِي
ومدحُك في كتابِ الله نَصٌّ / وحَسْبُك منه كافٍ أَيُّ كاف
بقيتَ مُمتَّعا بالعيشِ تُفْدَى / بمهجةِ كلِّ مُتنِعلٍ وحاف
مُهَنُّى ما حَييتَ بكلِّ عامٍ / يَسرُّك في قدومٍ وانصراف
تُودِّع كلَّ مُرتحِل مُوَلٍّ / وتَلْقَي كلَّ مُقْتَبِلٍ مُواف
مَخوفَ البطشِ مَرْجُوَّ العطايا / فسُخْطُك مُهْلِك ورِضاك شاف
هواىَ وعقلي فيك ضِدَّانِ لم يَزَلْ
هواىَ وعقلي فيك ضِدَّانِ لم يَزَلْ / عليكَ طوالَ الدهرِ بينَهما خُلْفُ
إذا ما نَهاني العقلُ فيك أعادَني / إليك هَوىً تَغْفو العيونُ ولا يَغْفو
كأنك مني قَوْسُ رامٍ مُصَمِّمٍ / تُقَرِّبها كَفٌّ وتُبْعِدها كف
يجِلُّ اشتياقِي أنْ أقولَ له وَصْفا
يجِلُّ اشتياقِي أنْ أقولَ له وَصْفا / فحَسْبِيَ ما مَضَّ الفؤادَ وما شَفَّا
أُكرِّر وَالَهْفا لبُعْدِك دائبا / وهل نافِعي قولي لبعدك والهفا
عشيةَ ما لي غيرَ دمعي وسيلةٌ / تُفيد ودمعُ العين أَشْفَى لمن أَشْفَى
وما طائرٌ قَصَّ الزمانُ جناحَه / وأَعْدَمَه وَكْرا وأَفْقَده إِلْفا
تذكر زُغْبا بين افنانِ بانةٍ / خَوافِى الخَوافِى ما يَطرْنَ بها ضَعْفا
بأَشْوَقَ مني يوم شَطّتْ بك النَّوى / هوائيةً مائية تَسْبِق الطَّرْفا
تولتْ وفيها منك ما لو أَقيسُه / بما هي فيه كان نائِلُه أَوْفَى
تَوالَى عَذابي من عِذابِ المَراشفِ
تَوالَى عَذابي من عِذابِ المَراشفِ / وطُلَّ دمي بين الطُّلى والسَّوالِفِ
يَهيج البكا من عَبْرَتي كلَّ زاخرٍ / ويُبْدي الأسى من زَفرَتي كلَّ عاصف
هَوىً زاد حتى جَلَّ عن كلِّ واصفٍ / وفَرْطُ سَقامٍ دونَه نعتُ واصِف
فلو رام قلبي سَلْوةً حالَ دونَه / رَسيسُ غَرامٍ من تَليدٍ وطارِف
وما جُبتُ في نارِ الأسى غيرَ عالم / ولا خُضْتُ في بحرِ الهوى غير عارف
وما زُخْرفتْ لي عَبْرةٌ غير أنني / بُليت مع البلوى بقلبٍ مخالِف
وأَحورَ يُغْنِى البابليين لحظُه / ويُهدى إلى الأغصانِ لينَ المَعاطف
حَمتْ عقربٌ من صدغه وردَ خَده / فيلدغُ من أبْدَى له لحظَ قاطِف
يساعدُ صَرْفَ الدهرِ في وجنةٌ / وها أَنا وَقْفٌ بين رامٍ وخاذِف
سأَتبَع عزمي حيث أمً وأنْتَحِى / وجوهَ المنايا في ظهور الَمخاوف
عسى عِزةٌ تُنْجِي من الذل أو غِنَى / من الفقر أو أَلقَى الردَى غير آسف
فقدذاق صَرْفُ الدهر عودى وهَزه / فأَلفاهُ مُرا لا يَلينُ لعاطِف
انظرْ إلى الخالِ على خَدِّها
انظرْ إلى الخالِ على خَدِّها / فإنَّ فيه كلَّ معنىً دقيقْ
كوجهِ زنجيٍّ بدا من خلا / ل النار يدعو بالحريق الحريقْ
أو حبةٍ من سَبَجٍ رُصِّعت / في صفحةٍ من كرةٍ من عقيق
أو السوادِ المستحَبِّ الذي / يلمع في حمرةِ زهْرِ الشَّقيق
كأنما الخالُ في مُحمر وَجْنتِها
كأنما الخالُ في مُحمر وَجْنتِها / وحوله جُدَرِىٌّ زانَ مشرقَهُ
مَلْكٌ من الزنجِ قد وافى على شَرَفٍ / والرومُ قد أَضرمتْ نارا لتحرِقَهُ
للهِ حمام كروضٍ أنيقْ
للهِ حمام كروضٍ أنيقْ / رافقني فيه رقيقٌ رفيقْ
صَفا ليَ العيشُ بها مثلما / صفا لقلبي ودُّ ذاك الصَّديقْ
تَنَاسبتْ شخصا وخبْرا فما / للذمّ والعيب إليها طريق
أَحَرَّها الوقّاد حتى غدا / من أجلها للروح مثل الشقيق
فالماءُ فيها كحياةٍ جَرتْ / بها العَوافِي والصِّبَا في العروق
تحت بخارٍ عَطِرٍ مثلما / شُبْتَ بماءِ الورد مِسْكا فَتيق
راقتْ حياضا فأقلُّ القَذى / فيها كشمسٍ تحت غيمٍ رقيق
خُصَّت بألوان الرخام الذي / له بها كلُّ طِرازٍ دقيق
فأعجبُ الأمرِ شموسٌ بها / طالعةٌ دائمةٌ في شروق
فالنفس منها في سرور كما / سَرَّ سُرورَ القلب شربُ الرَّحيق
فقد وَدِدنا أنَّ أعمارنا / فيها صَبوحٌ دائم أو غَبوق
بيتٌ كصَدْرِي ورزقي
بيتٌ كصَدْرِي ورزقي / ضَيقا كَخَلْقِي وخُلْقِي
ملأتُه معْ هُزالٍ / معي وسُقْمي ودِقِّي
فالْتَزَّ عضوٌ بعضوٍ / مني وعِرْقٌ بِعرْق
حتى لقد كاد فيه / كعبي يُصافح فَرْقي
فما يُطيق لساني / يدُور في وَسْط شِدْقي
ولو تَجشَّأتُ فيه / لَما تَجاورَ حلقي
أمنتُ فيه من المو / ت وهْو يُدْمِن خَنْقي
لأنّ روحيَ لم تَلْ / قَ فُسْحةً للتَّرَقِّي
ويوم تَبَدَّى من سَحائِبه الوَدْقُ
ويوم تَبَدَّى من سَحائِبه الوَدْقُ / كما اسْتَعْبَر المعشوقُ أَقْلَقَه العِشْقُ
يُقَهْقه فيه الرعدُ من أَدْمُع الحَيا / ويبسم من أنفاس أَرياحِه البرق
حكي جودَ شاهِنْشاه أفعالُ نَوْئه / وكلا ولكنْ نَوْءُه منه مُشْتَقّ
هو الملك المخصوص بالفضل دائماً / فكلُّ تَغالٍ في مَدائحه صدق
إذا كَرَّر الحادون في البيدِ مِدْحةً / تغنتْ به ما بين أوراقِها الوُرْق
إذا ما افتقرتَ فلا تَسْخَطَنْ
إذا ما افتقرتَ فلا تَسْخَطَنْ / فتَعْدَمَ شَيْئَيْن أجرا ورِزْقا
وهَبْكَ سَخِطت فماذا تُفيد / وأَكَّدتَ لِلضيقِ أَنْ سُؤْتَ خُلْقا
كما يُخْنَق الصيدُ في خَيَّةٍ / ومهما تفاحص زادتْه خَنْقا
تَهون همومُك طُرّا إذا / أَجَلتَ بفكرِك أنْ ليس تَبْقَى
وأنّ المُقدَّر لا بُدَّ منه / على من تَبذَّلَ أو من تَوَقَّى
وأنّ المواهبَ قد قُسِّمت / وكانتْ فدَعْ عنك حرصا وحِذْقا
فلِلّهِ في مُلْكه ما يُريد / يُصرِّفه قادرا مستحقا
يَدلُّ على ذاك كونُ البليد / غنيا وذو الفهم في الفقر يَشْقَى
أَلاَ هلْ لدائي من فراقِك إفراقُ
أَلاَ هلْ لدائي من فراقِك إفراقُ / هو السُّمُّ لكنْ في لقائِك دِرْياق
فيا شمسَ فضلٍ غَرَّبتْ ولضوئِها / على كلِّ قُطرٍ بالمَشارق إشراق
سَقى العهدُ عهداً منك عَمَّرَ عهدُه / بقلبي عهدٌ لا يَضيع ومثياق
يُجَدِّدُه ذِكْرٌ يَطيب كما شَدَتْ / وُرَيقاءُ كَنَّتْها من الأَيْكِ أَوراق
لك الخُلق الجَزْل الرَّفيع طِرازُه / وأكثرُ أخلاقِ الخَليقة أَخْلاق
لقد صاولتْنِي يا أبا الصَّلْتِ مذ نأتْ / ديارُك عن داري همومٌ وأشواق
إذا عَزَّني إطفاؤُها بمَدامِعي / جَرتْ ولها ما بينَ جفنَىَّ إحراق
سحائبُ يَحْدوها زَفيرٌ يَجُرُّه / خلالَ التَّراقِي والتَّرائبِ تَشْهاق
وقد كان لي كنزٌ من الصبر واسع / فلى منه في صَعْب النَّوائب إِنفاق
وسيفٌ إذا جردتُ بعضَ غِراره / لجيش خطوبٍ صَدَّها منه إِرهاق
إلى أن أبان البينُ أن غِراره / غرور وأن الكنز فقر وإملاق
أخي سيدي مولاي دعوة من صَفا / وليس له من رِقِّ وُدّك إعتاق
لئن بَعَّدتْ ما بيننا شُقَّة النَّوى / ومُطَّرِدٌ طامي الغَوارِب خَفّاق
وبِيدٌ إذا كَلَّفتها العِيسَ قَصَّرتْ / طَلائحَ أَنْضاها ذَميلٌ وإعناق
فعندي لك الود المُلازمُ مثلَما / تُلازم أعناقَ الحمائمِ أطواق
أَلاَ هلْ لأيامي بك الغُرِّ عودةٌ / كعهدِي وَثَغْرُ الثغرِ أَشْنَبُ بَرّاق
لياليَ يُدْنينا جِوارٌ أَعادَنا / من القُرب كالصِّنْوَيْن ضمهما ساق
وما بيننا من حُسْنِ لفظِك روضةٌ / بها حَسَدتْ منا المسامعَ أحْداق
حديثٌ حديثٌ كلما طال موجز / مفيد إلى قلب المحدَّث سَبّاق
يُزَجِّيه بحرٌ من علومِك زاخرٌ / له كلُّ بحرٍ فائضُ اللُّجِّ رَقْراق
مَعانٍ كَأَطوادِ الشَّامخِ جَزْلةٌ / تضمَّنها عذبٌ من اللفظِ غَيْداق
به حِكَمٌ مستنبطاتٌ غَرائبٌ / لأَبْكارِها الغُرِّ الفَلاسفُ عُشّاق
فلو عاش رَسْطالِيسُ كان له بها / غرامٌ وقلبٌ دائم الفكرِ تَوّاق
فيا واحدَ الفضلِ الذي العلمُ قُوتُه / وأهلوه مشتاقون شُمٌّ وذُوّاق
لئن قَصَّرت كُتْبي فلا غروَ أنه / لعائقِ عذرٍ والمقاديرُ أُوْهاق
كتبتُ وآفاتُ البحارِ تَردُّها / فإنْ لم يكنْ رَدٌّ إلىَّ فإغراق
بحارٌ بأَحكامِ الرِّياحِ فإنها / مفاتيحُ في أَبوابِهنَّ وأَغْلاق
ومَنْ لي بأنْ أَحظَى إليك بنظرةٍ / فيسكنَ مِقْلاقٌ ويَرْقأَ مُهْراق