القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ظافِر الحَدّاد الكل
المجموع : 318
أَلا هلْ إلى ما أرتجيه بُلوغُ
أَلا هلْ إلى ما أرتجيه بُلوغُ / فكم أَقتضيه الدهرَ وهْو يَروغُ
وما هو إلا قُرْبكم لو رُزِقْتُه / فما ليَ عيشٌ دونَ ذاك يسوغ
أُقطِّع أوقاتي عليكم تأسُّفا / كأني على طولِ الزمان لَديغ
وأعجِز عن وصف اشتياقي إليكمُ / على أنني في غير ذاك بليغ
تفيض جفوني عند تَذْكارِكم كما / تفيض بأيدي المائحين فُروغ
وقد طَلَّ سلطانُ النَّوى من مَدامِعي / دما لأُسودِ الشوقِ فيه وُلوغ
أَخِلاّىَ حاشا وُدَّكم من تَغيَّرٍ / فيرتدُّ عن عهد الهوى ويَزوغ
لقد بانَ عني منكمُ كلُّ سيدٍ / هو الفضلُ أو فالفضلُ منه مَصُوغ
سَقى اللهُ أيامي بكم إذ زَمانُها / قصيرٌ وفي اللذاتِ منه سُبوغ
نقطعُ الأوقاتَ بالكُلَفِ
نقطعُ الأوقاتَ بالكُلَفِ / وقُصارانا إلى التَّلَفِ
أملٌ تَرْقَي مطامعُه / لا إلى حَدٍّ ولا طَرَفِ
يُعْجِب الإنسانَ مَكْسبُه / وهْو بابُ الهمِّ والأَسف
فهْو دَينٌ للزمان فلا / يفرح المغرورُ بالسَّلَف
أَتُرَى الجَزّارَ عن كرمٍ / جُودُه للشاةِ بالعَلَف
سِمَنُ المهزولِ مَهْلَكةٌ / يُقْنِع المعجوفَ بالعَجَف
فوا أَسَفاهُ يا وطنِي
فوا أَسَفاهُ يا وطنِي / وإنْ أَوْدَى بيَ الأَسَفُ
عَدِمتُك حينَ مالي من / كَ مُعْتاض ولا خَلَف
فعيِشي مذ سَباني البي / نُ منكَ جميعُه كُلَف
تكاد نِياطُ قلبي عن / د ذِكْرِك منه تُخْتَطَف
وتَمْثُل لي فيجرِي الدم / عُ من عيني ويَنْذَرِف
كأني عند بُعْدِك لل / خُطوبِ جميِعها هَدف
وحَقَّك إنه قَسَمٌ / يَبَرُّ بمِثله الحَلِف
لأنت الدر والدنيا / سواك جميعها صدف
سقت زمني بك الانوا / ء والهطالة الوطف
زمانٌ خِلْتُه هِبَةً / لنا وإذا به سَلَف
فكان كأنما الساعا / ت في اثنائه تُحَف
عسى عيني لها في ثغ / رِ ذاك الثغرِ مُرْتَشَف
فيرجعَ ما انقضى ومضت / به أيامُنا السَّلَف
وبالإسكندرية لي / هَوىً كهوائها تَرِف
توغّل في سواد القل / ب فهْو بحبها كَلِف
يُطَمِّع فيه فَرْطُ الحُسْ / ن لكنْ يُوئِس الصَّلَف
إيهٍ على تذكارِ ما سَلَفا
إيهٍ على تذكارِ ما سَلَفا / فالدمعُ منك أَقلُّ ما وَكَفا
يا عين أنت جلبتِ ناظرةً / لفؤاديَ الأشواقَ والشَّغَفا
كم قد كَففتُك خائفاً حَذِرا / عن ناظرٍ يَقْوَى إذا ضَعُفا
فعَجِبتُ كيف رَمَيْتِ يومئذٍ / سهما فعادَ لوقِته هدفا
ذاك التبسُّمُ كان غايتَه / هذا البكاء لأجله سَرَفا
أَسرتْك وانصرفَتْ وما وَجَدت / عَزَماتُ قلِبك بعدُ مُنْصَرَفا
واللهِ ربِّ مِنىً وما جَمعتْ / وكفى بذاك لمُقْسِمٍ حَلَفا
إنى إذا ما الوصلُ أَمْكَنني / نَزَّهتُه عن ريبةٍ أَنَفا
وأبيت أَقَنع بالحديثِ ولو / كان الحديثُ إشارةً لكَفَى
وبما يُبَلِّغه الرسولُ ولو / كان النسيمُ رسولَها لشَفَي
وبطيفِها وبأنها علمتْ / أنى أَبيت بحبها كلِفا
وبلفظِ مَبْسِمِها ومَقْصِدُه / أخرى فيُهْجُني وما عَرَفا
وبرَشْفِ ماءِ النيلِ قد وَردَتْ / أولاَه ثم وردتُه طَرَفا
ولوِ استطعتُ منعتُ إذ وَردَتْ / منْ عَبَّ من شَطَّيْه أو رَشَفا
غَيْران من علمي بأنّ به / من سُؤْرِ شهدِ رُضابِها نُطَفا
وأَغارُ من مرِّ النسيم بها / دوني يُباشِر ذلك التَّرفا
مالي وللعُذال لا سَعِدوا / فلقد لقيتُ بعَذْلهم جَنَفا
عَذَلوا وما عَشِقوا ولو عشقوا / قَبِلوا هنالك عُذْرَ من شُغِفا
يا وَيْحهَم لو أبصروا رَشَأً / يهتزُّ من لينِ الصِّبا هَيَفا
بدرٌ على غصنٍ على نَقَوَىْ / رملٍ أَضاءَ وماسَ وارْتَدَفا
يفتر عن نَوْر الأَقاحِ إذا / وافَى نَدىً سَحَرا به فصفا
كالدُّرِّ لكنْ صاغ ناظمُه / بالمسكِ من لَعَسٍ به صَدَفا
وجَنِىُّ وردٍ فوقَ وجْنِته / يَحمرُّ ثم يعود إنْ قُطِفا
لاستبدلوا بمَلامتي حسدي / ورأوا تَعاقُل عاذلي خَرَفا
مَنْ لي بعيشٍ كان لي ومضى / عني ولم أَعتضْ به خَلَفا
حيث الصبابةُ والصِّبا شَرَعٌ / كلٌّ حَلا وصَفا لمن وَصَفا
فكأن عيشي كان بينهما / قبل التفرق روضة أُنُفا
إنْ كانت الإسكندريةُ قد / شَطَّتْ فَأَوْلَتنْي نَوًى قَذَفا
وسكنتُ بالفُسْطاط مُغْترِبا / فلقد كسبتُ بغربتي شرفا
ورَقيتُ من مدح الملوك بها / رُتَبا أَنافتْ في العُلى كَنَفا
وكسبتُ مالا لو يُرَفِّره / جَدْواىَ لم أعرفْ له طرفا
لكنْ ينازِعني إلى وطني / شوقٌ إذا استمهَلتُه عَسَفا
وأَعافُ مِصرَ وعيشُها رَغَد / ويَشوقُني وطني ولو عَجِفَا
أُقْصِي البنفسجَ ثم يُعجبني / أنْ أَنْشَقَ الظَّيّان والطَّرفا
شوقاً إلى ذاك الثَّرَى وإلى / ذاك النسيمِ الرَّطْبِ حين هَفا
وإلى رياضٍ كان يوقِظني / فيها ندى سَحَرٍ إذا كَثُفا
وشَميمِ عَرْفِ الروضِ حينَ بدا / ورَخيمِ لَحْنِ الطير إذ هَتفا
ويهزني مرحُ الشبابِ بها / هزَّ القَضيب اللَّدْن مُنعطِفا
ما بين أترابٍ قدِ اتفقوا / أنْ يجعلوا ساعاتِهم تُحفَا
يُبدون من آدابِهم مُلَحا / جَعلوا لها آذانَهم صُحُفا
لَهْفِى على زمنٍ بها وبهم / لو كان ينفعُ قولُ والَهَفا
فارقتُهم وصَحِبتُ بعدهمُ / حاليْن قَرْعَ السِّنِّ والأَسفا
أَنْحَلني حبُّك يا مُتْلِفي
أَنْحَلني حبُّك يا مُتْلِفي / وزادَني الشوقُ فلم أَعْرِفِ
وذبتُ حتى لو رمى بي الهوى / في ناظرِ الناظرِ لم يَطْرف
وجُلتُ في ناحيةٍ طولُها / كعَرْضِ حَدِّ الصارِمِ المُرْهَف
سلِ الخيلَ والسُّمْرَ الذَّوابِل والوَغَى
سلِ الخيلَ والسُّمْرَ الذَّوابِل والوَغَى / فرسانها والبِيض والبَيْضَ والزَّغْفا
وجَزْلَ العَطايا والصَّنائعَ والعُلى / وطِيبَ الثَّنا والنظمَ والنثر والصُّحفا
عن الأفضلِ المُسْتَكمِل الفضلَ هل حَوى / فضائَله مِنْ قبلهِ ملكٌ وَصْفا
أَجلِّ الوَرَى قَدْرا وأَحْسَن سيرةً / وأشجعِهم نفساً وأكرمهم كَفّا
وأعظمِهم ملكا وأكبر همةً / وأصْلبهم عودا وأَلْيَنهم عِطْفا
فإنْ ظَهرتْ بالفِعْل منه فإنها / وإن عُدِمتْ في غيرِه بعضُ ما أَخْفَى
مَناقبُ جَلَّتْ أنْ تكون لواحدٍ / وما اسملحتْ منها الورى قبلَه صِنْفا
غَدَوْنا إلى أَرْؤُسٍ أُحْكمِتْ
غَدَوْنا إلى أَرْؤُسٍ أُحْكمِتْ / وَتَمَّتْ مَحاسنُ أوصافِها
صِغار لها سِمَنٌ ظاهِر / تدل على حِذْق عَلاّفها
حَكتْ قِطَعَ القطنِ ملفوفةً / كما فارقتْ كفَّ نَدَّافِها
كأن تماثيلَ أشخاصِها / وأفواهها تحت آنافها
خَليع الطَّراطيرِ بيضا وقد / تَفتَّقَ ما فوق أطرافها
مالي وللحادثاتِ الصُّمِّ تَطْرُقني
مالي وللحادثاتِ الصُّمِّ تَطْرُقني / حتى كأني لمَحْذوراتها هَدَفُ
تُعطى الذي لا يُواتِيني فإنْ أَخَذَتْ / مني فما ليس لي من بعدِه خَلَف
أَلومُها وهْي لا تُصْغِي لَمعْتَبةٍ / أَخدْعةٌ أم جنونٌ ذاك أَم صَلَف
أرى الزمانَ يُعادِى كلَّ ذي أدبٍ / يا ليت شِعْري ألؤمٌ منه أم خَرَف
دَعْنى من العلمِ والآداب قاطبةً / إنْ كنتَ طالبَ دنيا فالغِنى الشَّرف
أَرى النفوس تُوالى كلَّ ذي جِدَةٍ / بالطبعِ فهْي إلى ما شاء تنصرِف
لا تصحب العلم إلا والغِني معَه / أَوْلا فحَظُّك منه الهمُّ والأَسف
عيشُ الفتى تحت ذلِّ الفقرِ منزلةٌ / لا يستقرُّ عليها مَنْ له أَنَفُ
لأَركبَنَّ بعزمي كلَّ مهْلكةٍ / إما غِنىً ترتضيه النفسُ أو تلف
من لم يَبِن لم يَبِنْ فانهضْ تجدْ سببا / لا قَدْرَ للدُّرِّ لما حازَه الصَّدف
طِفلٌ تَفنَّنَ فيه الحُسْنُ مُبتدِعا
طِفلٌ تَفنَّنَ فيه الحُسْنُ مُبتدِعا / تكاد من طَرْفِه الأبصارُ تَخْتطفُهْ
حِقْفٌ نما فيه غصنٌ فوقَه قمر / يخطو فيَثْنيه من لينِ الصِّبا هَيَفُه
إذا تَشفَّع ذُلِّى عند عِزَّتِه / في عَطْفِه ورثى لي رَدَّه صَلَفُه
تَباشَرَتِ المَدائحُ والقَوافِي
تَباشَرَتِ المَدائحُ والقَوافِي / مُذِ اتَّصلتْ بمولانا العَوافِي
وهَذَّبتِ الخواطرُ كلَّ معنىً / كما راقتْ مُعَتَّقةُ السُّلاف
وبَرَّدتِ المَسرَّةُ كلَّ قلبٍ / يُحرِّق بالأسى حُللَ الشَّغاف
ومُهِّدتِ المَضاجعُ بعد فكرٍ / حَشاها بالأسنة والأشافي
ورَوَّى جودُ كفِّك كلَّ حالٍ / تَلظَّتْ فيه هاجِرةُ الجَفاف
وأشرقَ نورُ وجهك عند خوفٍ / بَهيمٍ مثلِ خافيةِ الغُداف
فراقَ العيشُ واحْلَوْلَى وكنا / نُجَرَّعه أُجاجا غيرَ صاف
أَلاَ يا كعبةَ الجود التي لم / يَخلَّ بها رجاءٌ مِن طواف
إذا الآمالُ أَمْرَضها إياسٌ / فأَمستْ ذات أنفاسٍ ضِعاف
فجَدْوى راحتَيْك لها طبيبٌ / يُعافى بالعطايا غيرَ عاف
لأمر الآمرِ انتهتِ الليالي / على حالَيْ وفاقٍ واختلاف
فهن لِحزْبِه الشهد لكنْ / لمن عاداه كالسُّم الذُّعاف
فيا ابنَ الطائرين إلى المعالي / بوافرةِ القَوادمِ والخَوافي
مدحتك واختصرت وذاك معنى / أُشير به أفهامٍ لِطاف
لأني إنْ أطلتُ المدحَ جهدي / فبالتَّقْصيرِ آخرُه اعْترافِي
ومدحُك في كتابِ الله نَصٌّ / وحَسْبُك منه كافٍ أَيُّ كاف
بقيتَ مُمتَّعا بالعيشِ تُفْدَى / بمهجةِ كلِّ مُتنِعلٍ وحاف
مُهَنُّى ما حَييتَ بكلِّ عامٍ / يَسرُّك في قدومٍ وانصراف
تُودِّع كلَّ مُرتحِل مُوَلٍّ / وتَلْقَي كلَّ مُقْتَبِلٍ مُواف
مَخوفَ البطشِ مَرْجُوَّ العطايا / فسُخْطُك مُهْلِك ورِضاك شاف
هواىَ وعقلي فيك ضِدَّانِ لم يَزَلْ
هواىَ وعقلي فيك ضِدَّانِ لم يَزَلْ / عليكَ طوالَ الدهرِ بينَهما خُلْفُ
إذا ما نَهاني العقلُ فيك أعادَني / إليك هَوىً تَغْفو العيونُ ولا يَغْفو
كأنك مني قَوْسُ رامٍ مُصَمِّمٍ / تُقَرِّبها كَفٌّ وتُبْعِدها كف
يجِلُّ اشتياقِي أنْ أقولَ له وَصْفا
يجِلُّ اشتياقِي أنْ أقولَ له وَصْفا / فحَسْبِيَ ما مَضَّ الفؤادَ وما شَفَّا
أُكرِّر وَالَهْفا لبُعْدِك دائبا / وهل نافِعي قولي لبعدك والهفا
عشيةَ ما لي غيرَ دمعي وسيلةٌ / تُفيد ودمعُ العين أَشْفَى لمن أَشْفَى
وما طائرٌ قَصَّ الزمانُ جناحَه / وأَعْدَمَه وَكْرا وأَفْقَده إِلْفا
تذكر زُغْبا بين افنانِ بانةٍ / خَوافِى الخَوافِى ما يَطرْنَ بها ضَعْفا
بأَشْوَقَ مني يوم شَطّتْ بك النَّوى / هوائيةً مائية تَسْبِق الطَّرْفا
تولتْ وفيها منك ما لو أَقيسُه / بما هي فيه كان نائِلُه أَوْفَى
تَوالَى عَذابي من عِذابِ المَراشفِ
تَوالَى عَذابي من عِذابِ المَراشفِ / وطُلَّ دمي بين الطُّلى والسَّوالِفِ
يَهيج البكا من عَبْرَتي كلَّ زاخرٍ / ويُبْدي الأسى من زَفرَتي كلَّ عاصف
هَوىً زاد حتى جَلَّ عن كلِّ واصفٍ / وفَرْطُ سَقامٍ دونَه نعتُ واصِف
فلو رام قلبي سَلْوةً حالَ دونَه / رَسيسُ غَرامٍ من تَليدٍ وطارِف
وما جُبتُ في نارِ الأسى غيرَ عالم / ولا خُضْتُ في بحرِ الهوى غير عارف
وما زُخْرفتْ لي عَبْرةٌ غير أنني / بُليت مع البلوى بقلبٍ مخالِف
وأَحورَ يُغْنِى البابليين لحظُه / ويُهدى إلى الأغصانِ لينَ المَعاطف
حَمتْ عقربٌ من صدغه وردَ خَده / فيلدغُ من أبْدَى له لحظَ قاطِف
يساعدُ صَرْفَ الدهرِ في وجنةٌ / وها أَنا وَقْفٌ بين رامٍ وخاذِف
سأَتبَع عزمي حيث أمً وأنْتَحِى / وجوهَ المنايا في ظهور الَمخاوف
عسى عِزةٌ تُنْجِي من الذل أو غِنَى / من الفقر أو أَلقَى الردَى غير آسف
فقدذاق صَرْفُ الدهر عودى وهَزه / فأَلفاهُ مُرا لا يَلينُ لعاطِف
انظرْ إلى الخالِ على خَدِّها
انظرْ إلى الخالِ على خَدِّها / فإنَّ فيه كلَّ معنىً دقيقْ
كوجهِ زنجيٍّ بدا من خلا / ل النار يدعو بالحريق الحريقْ
أو حبةٍ من سَبَجٍ رُصِّعت / في صفحةٍ من كرةٍ من عقيق
أو السوادِ المستحَبِّ الذي / يلمع في حمرةِ زهْرِ الشَّقيق
كأنما الخالُ في مُحمر وَجْنتِها
كأنما الخالُ في مُحمر وَجْنتِها / وحوله جُدَرِىٌّ زانَ مشرقَهُ
مَلْكٌ من الزنجِ قد وافى على شَرَفٍ / والرومُ قد أَضرمتْ نارا لتحرِقَهُ
للهِ حمام كروضٍ أنيقْ
للهِ حمام كروضٍ أنيقْ / رافقني فيه رقيقٌ رفيقْ
صَفا ليَ العيشُ بها مثلما / صفا لقلبي ودُّ ذاك الصَّديقْ
تَنَاسبتْ شخصا وخبْرا فما / للذمّ والعيب إليها طريق
أَحَرَّها الوقّاد حتى غدا / من أجلها للروح مثل الشقيق
فالماءُ فيها كحياةٍ جَرتْ / بها العَوافِي والصِّبَا في العروق
تحت بخارٍ عَطِرٍ مثلما / شُبْتَ بماءِ الورد مِسْكا فَتيق
راقتْ حياضا فأقلُّ القَذى / فيها كشمسٍ تحت غيمٍ رقيق
خُصَّت بألوان الرخام الذي / له بها كلُّ طِرازٍ دقيق
فأعجبُ الأمرِ شموسٌ بها / طالعةٌ دائمةٌ في شروق
فالنفس منها في سرور كما / سَرَّ سُرورَ القلب شربُ الرَّحيق
فقد وَدِدنا أنَّ أعمارنا / فيها صَبوحٌ دائم أو غَبوق
بيتٌ كصَدْرِي ورزقي
بيتٌ كصَدْرِي ورزقي / ضَيقا كَخَلْقِي وخُلْقِي
ملأتُه معْ هُزالٍ / معي وسُقْمي ودِقِّي
فالْتَزَّ عضوٌ بعضوٍ / مني وعِرْقٌ بِعرْق
حتى لقد كاد فيه / كعبي يُصافح فَرْقي
فما يُطيق لساني / يدُور في وَسْط شِدْقي
ولو تَجشَّأتُ فيه / لَما تَجاورَ حلقي
أمنتُ فيه من المو / ت وهْو يُدْمِن خَنْقي
لأنّ روحيَ لم تَلْ / قَ فُسْحةً للتَّرَقِّي
ويوم تَبَدَّى من سَحائِبه الوَدْقُ
ويوم تَبَدَّى من سَحائِبه الوَدْقُ / كما اسْتَعْبَر المعشوقُ أَقْلَقَه العِشْقُ
يُقَهْقه فيه الرعدُ من أَدْمُع الحَيا / ويبسم من أنفاس أَرياحِه البرق
حكي جودَ شاهِنْشاه أفعالُ نَوْئه / وكلا ولكنْ نَوْءُه منه مُشْتَقّ
هو الملك المخصوص بالفضل دائماً / فكلُّ تَغالٍ في مَدائحه صدق
إذا كَرَّر الحادون في البيدِ مِدْحةً / تغنتْ به ما بين أوراقِها الوُرْق
إذا ما افتقرتَ فلا تَسْخَطَنْ
إذا ما افتقرتَ فلا تَسْخَطَنْ / فتَعْدَمَ شَيْئَيْن أجرا ورِزْقا
وهَبْكَ سَخِطت فماذا تُفيد / وأَكَّدتَ لِلضيقِ أَنْ سُؤْتَ خُلْقا
كما يُخْنَق الصيدُ في خَيَّةٍ / ومهما تفاحص زادتْه خَنْقا
تَهون همومُك طُرّا إذا / أَجَلتَ بفكرِك أنْ ليس تَبْقَى
وأنّ المُقدَّر لا بُدَّ منه / على من تَبذَّلَ أو من تَوَقَّى
وأنّ المواهبَ قد قُسِّمت / وكانتْ فدَعْ عنك حرصا وحِذْقا
فلِلّهِ في مُلْكه ما يُريد / يُصرِّفه قادرا مستحقا
يَدلُّ على ذاك كونُ البليد / غنيا وذو الفهم في الفقر يَشْقَى
أَلاَ هلْ لدائي من فراقِك إفراقُ
أَلاَ هلْ لدائي من فراقِك إفراقُ / هو السُّمُّ لكنْ في لقائِك دِرْياق
فيا شمسَ فضلٍ غَرَّبتْ ولضوئِها / على كلِّ قُطرٍ بالمَشارق إشراق
سَقى العهدُ عهداً منك عَمَّرَ عهدُه / بقلبي عهدٌ لا يَضيع ومثياق
يُجَدِّدُه ذِكْرٌ يَطيب كما شَدَتْ / وُرَيقاءُ كَنَّتْها من الأَيْكِ أَوراق
لك الخُلق الجَزْل الرَّفيع طِرازُه / وأكثرُ أخلاقِ الخَليقة أَخْلاق
لقد صاولتْنِي يا أبا الصَّلْتِ مذ نأتْ / ديارُك عن داري همومٌ وأشواق
إذا عَزَّني إطفاؤُها بمَدامِعي / جَرتْ ولها ما بينَ جفنَىَّ إحراق
سحائبُ يَحْدوها زَفيرٌ يَجُرُّه / خلالَ التَّراقِي والتَّرائبِ تَشْهاق
وقد كان لي كنزٌ من الصبر واسع / فلى منه في صَعْب النَّوائب إِنفاق
وسيفٌ إذا جردتُ بعضَ غِراره / لجيش خطوبٍ صَدَّها منه إِرهاق
إلى أن أبان البينُ أن غِراره / غرور وأن الكنز فقر وإملاق
أخي سيدي مولاي دعوة من صَفا / وليس له من رِقِّ وُدّك إعتاق
لئن بَعَّدتْ ما بيننا شُقَّة النَّوى / ومُطَّرِدٌ طامي الغَوارِب خَفّاق
وبِيدٌ إذا كَلَّفتها العِيسَ قَصَّرتْ / طَلائحَ أَنْضاها ذَميلٌ وإعناق
فعندي لك الود المُلازمُ مثلَما / تُلازم أعناقَ الحمائمِ أطواق
أَلاَ هلْ لأيامي بك الغُرِّ عودةٌ / كعهدِي وَثَغْرُ الثغرِ أَشْنَبُ بَرّاق
لياليَ يُدْنينا جِوارٌ أَعادَنا / من القُرب كالصِّنْوَيْن ضمهما ساق
وما بيننا من حُسْنِ لفظِك روضةٌ / بها حَسَدتْ منا المسامعَ أحْداق
حديثٌ حديثٌ كلما طال موجز / مفيد إلى قلب المحدَّث سَبّاق
يُزَجِّيه بحرٌ من علومِك زاخرٌ / له كلُّ بحرٍ فائضُ اللُّجِّ رَقْراق
مَعانٍ كَأَطوادِ الشَّامخِ جَزْلةٌ / تضمَّنها عذبٌ من اللفظِ غَيْداق
به حِكَمٌ مستنبطاتٌ غَرائبٌ / لأَبْكارِها الغُرِّ الفَلاسفُ عُشّاق
فلو عاش رَسْطالِيسُ كان له بها / غرامٌ وقلبٌ دائم الفكرِ تَوّاق
فيا واحدَ الفضلِ الذي العلمُ قُوتُه / وأهلوه مشتاقون شُمٌّ وذُوّاق
لئن قَصَّرت كُتْبي فلا غروَ أنه / لعائقِ عذرٍ والمقاديرُ أُوْهاق
كتبتُ وآفاتُ البحارِ تَردُّها / فإنْ لم يكنْ رَدٌّ إلىَّ فإغراق
بحارٌ بأَحكامِ الرِّياحِ فإنها / مفاتيحُ في أَبوابِهنَّ وأَغْلاق
ومَنْ لي بأنْ أَحظَى إليك بنظرةٍ / فيسكنَ مِقْلاقٌ ويَرْقأَ مُهْراق

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025