القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مصطفى صادق الرافعي الكل
المجموع : 347
تبلجَ صبحُ الهنا مشرقاً
تبلجَ صبحُ الهنا مشرقاً / ونورتِ الشمس افقَ السرايةْ
وقد زينَ السعدُ أبراجَها / على كلِ برجٍ ترفرفُ رايةْ
وقامتْ بناتُ العلى خادمات / فهذي تخيطُ وهاتيكَ دايةْ
وقالوا أبوها مثالُ الكمال / فقلنا الكمالُ مثالُ الهدايةْ
وما هي إلا عنايةُ ربك / فابق سعيداً بهذي العنايةْ
رأيتُ نجليكَ فرقدَي أفقِِ
رأيتُ نجليكَ فرقدَي أفقِِ / وما جميعُ النجومِ اشباهُ
كلاهما في علاك طالعهُ / وفي جبينِ السعودِ سيماهُ
لو خُلقَ المجدُ كالانامِ لما / كان سوى ناظريك عيناهُ
فاهنأ وباهِ السما وانجمها / بالفرقدينِ رعاهما اللهُ
يا حسنَ ثوبٍ للدُّجى مشابهُ
يا حسنَ ثوبٍ للدُّجى مشابهُ / كأنما فصلَ من إهابهْ
يحسرُ الشيخُ على شبابه / أزهى بهِ وكنتُ لا أزهى بهْ
كأنني المليكُ في أصحابهْ / منذُ رأيت الناس من طلابهْ
وكلهم من جاهلٍ ونابه / يرونَ قدرَ المرءِ في ثيابهْ
أرى المُعدمَ المسكينَ في الناسِ هالكا
أرى المُعدمَ المسكينَ في الناسِ هالكا / وما حيلةُ العرجاءِ بينَ المزاحمِ
كأن لم تكنْ حواءُ في الناسِ أمهُ / ولم يكن بينَ الناطقينَ ابنُ آدمِ
فقولوا لعبادِ الدنانيرَ ويحهمْ / ألا ذكروا يوماً عبيدَ الدراهمِ
رأيتُ ذا الكونَ كلهُ تعبُ
رأيتُ ذا الكونَ كلهُ تعبُ / سيانَ فيهِ الوجودُ والعدمُ
والناسُ كالنائمينَ ما لبثوا / فكلُّ ما يشهدونهُ حلمُ
أبدعَ ذاتُ العمادِ مبدعُها / فأينَ راحت بأهلها إرمُ
كلُّ امرئٍ كلف بحبِّ طباعهِ
كلُّ امرئٍ كلف بحبِّ طباعهِ / لا يستطيعُ عنِ الطباعِ سلوا
فإذا وثقتَ من الحبيبِ فربما / تجدِ الحبيبَ قدِ استحالَ عدوا
أيا ضيفاً أطالَ المك
أيا ضيفاً أطالَ المك / ثَ حتى قَبُحَ الضيفُ
لقد خطوا لكَ السوآ / تِ حرفاً بعدَهُ حرفُ
وأقداهمُ الأقلا / مُ والأرضُ هي الصحفُ
وكم زلزلتَ دورهمُ / فخرَّ عليهم السقفُ
لئنْ يصفُ لنا يومٌ / فأيامكَ لا تصفو
وقد ماتَ ذوو الكافا / تِ والندمانُ والقصفُ
وباتَ الناسُ من أرضا / هُ يومَ ساءَهُ ألفُ
ما بال ألأنفكَ هذا قد شمختَ بهِ
ما بال ألأنفكَ هذا قد شمختَ بهِ / إلى السمواتِ حتى جاوزَالقدرا
لولا خشيتُ إذا ما كنت رافعهُ / من أجلِ واحدةٍ أن يقفأ الأخرى
نقصَ البخلُ ويومَ أتى
نقصَ البخلُ ويومَ أتى / قيلَ إن البخلَ قد كملا
لو رآهُ أهل مروٍ إذن / ضربوهُ بينهم مثلا
لكلِّ امرئٍ أجلٌ منتظرُ
لكلِّ امرئٍ أجلٌ منتظرُ / ويبقى من الذاهبينَ الأثرْ
يردِّدُهُ الناسُ جيلاً فجيلاً / ويروونهُ زمراً عن زمرْ
ترى فيهِ نفسُ الفتى مثلما / ترى في المرآةِ وجوهَ البشرْ
فذلكَ مرآتهُ للنفوسِ / وهاتيكَ مرآتها للصدرْ
وما الناسُ إلا حديثٌ يدومُ / فالخيرُ خيرٌ والشرُّ شرْ
للموتِ قد خُلِقَ البنونُ
للموتِ قد خُلِقَ البنونُ / وللردى خُلِقَ البناتُ
والموتُ أوسعُ للذي / ضاقتْ بهِ هذي الحياةُ
أتمنى وكيفَ لا أتمنى
أتمنى وكيفَ لا أتمنى / أن لي في الأنامِ خلاً وفيَّاً
وفؤاداً مطهراً يلمحُ الده / رَ وأهليهِ راضياً مرضيَّاً
ذاكَ المجدُ خافقاً بعدَ موتي / ونعيمُ الحياةِ ما دمتُ حيَّا
يا فاجعَ القومِ ماذا ينفعُ الحذرُ
يا فاجعَ القومِ ماذا ينفعُ الحذرُ / وقد عهدناكَ لا تبقي ولا تَذَرُ
جنتْ أناملكَ الأرواحَ فانتثرتْ / كما تناثرَ من أوراقهِ الزَّهَرُ
وما بمانعهم ما قدَروا وقضوا / وقبلَ كلِّ قضاءٍ في الورى قدرُ
من يتعظ فصروفُ الدهرِ موعظةٌ / وما مواعظِ دهرٍ كلّهُ عبرُ
يا لهفَ كابلَ ما فاجأتَ كافلها / حتى درى كلُّ قلبٍ كيفَ ينفطرُ
فجعتها وفجعتَ العالمينَ بها / حتى النجومُ وحتى الشمسُ والقمرُ
وجئت ضيغمها لكن بمخلبهِ / فما استطاعكَ ذاكَ الضيغمُ الهصِرُ
قد كانَ يزجي المنايا للعدا زمراً / واليومَ جئنَ لهُ من ربِّهِ الزمرُ
وكانَ يأتيهِ ريبُ الدهرِ معتذراً / واليومَ عنهُ صروفُ الدهرِ تعتذرُ
ما شبَّ في غيرِ الأحداثِ فكرتهُ / إلا أضاءت لهُ الأحداثُ والغيرُ
ولو روى الفلكُ الدوارُ حكمتهُ / لامستِ الشهبُ فيهِ كلها سورُ
والدهرُ يومّانٌ يومٌ كلهُ كَدَرٌ / لا صفوَ فيهِ ويومٌ بعضهُ كدرُ
وما تبسمَ للأيامِ مختبلٌ / إلا تفجَّعَ بالأيامِ مختبرُ
سلوا المآثرَ عنهُ فهي باقيةٌ / في كلِ قلبٍ لهُ من حبهِ أثرُ
واستخبروا الأرضَ ما للشمسِ كاسفةٌ / فما جهينةُ إلا عندها الخبرُ
يا شامخاً دكَّهُ ريبُ المنونِ أما اه / تزَّ الحطيمُ وركنُ البيتِ والحجرُ
هذي المدافعُ والأسيافُ ناطقةٌ / في الغربِ والهندِ بالأفغانِ تفتخرُ
طارت بنعيكَ في الإسلامِ بارقةٌ / فانهلَّ دمعُ بني الإسلامِ ينهمرُ
خطبُ قلوبِ الورى من حرِّ جاحمهِ / كأنَّ نار الوغى فيهنَّ تستعرُ
فما لأنباءِ هذا السلكِ خائنةٌ / حتى المدامعُ خانت سلكها الدررُ
أحقاً رأيتَ الموتَ دامي المخالبِ
أحقاً رأيتَ الموتَ دامي المخالبِ / وفي كلِّ نادٍ عصبةٌ حولَ نادبِ
وتحتَ ضلوعِ القومِ جمرٌ مؤججٌ / تسعر ما بينَ الحشا والترائبِ
وفي كلِّ جفنٍ عبرةٌ حينَ أرسلتْ / رأوا كيفَ تهمى مثقلاتُ السحائبِ
أبى الموتُ إلا وثبةٌ تصدعُ الدجى / وكم ليلةٍ قد باتها غيرُ واثبِ
فما انفلقَ الإصباحُ حتى رأيتهُ / وقد نشبتْ أظفارهُ بالكواكبِ
وكم في حشا الأيامِ من مدلهمةٍ / قد ازدحمتْ فيها بناتُ المصائبِ
هوى القمرُ الوهاجُ فاخبطْ معي السُّرى / إذ لاحَ ضوءُ الشمسِ بينَ الغياهبِ
ووطَّنَ على خوضِ المنياتِ أنفساً / تساوقها الآجالُ سوقَ النجائبِ
فهنَّ العواري استرجعَ الموت بعضها / وقصرُالبواقي ما جرى للذواهبِ
أبعدَ حكيمَ الشرقِ تذخرُ عبرةً / وما هو من بعدِ لرحيلِ بآيبِ
حثوا فوقَ خديهِ الترابَ وأرسلوا / عليهِ سحاباتِ الدموعِ السواكبِ
لتبكِ عليكِ الصحفُ في كلِّ معركٍ / إذا ما انتضى أقلامهُ كلُّ كاتبِ
فقدْ كانَ إن هزَّ اليراعَ رأيتهُ / يصولُ بأمضى من فرندِ القواضبِ
ولم يكُ هياباً إذا حميَ الوغى / ورفرفتِ الأعلامُ فوقَ الكتائبِ
وكانتْ سجاياهُ كما شاءَها الهدى / وشاءتْ لأهليها كرامُ المناقبِ
أمٌّ يكيدٌ لها من نسلها العقبُ
أمٌّ يكيدٌ لها من نسلها العقبُ / ولا نقيضةٌ إلا ما جنى النسبُ
كانتْ لهمْ سبباً في كلِّ مكرمةٍ / وهم لنكبتها من دهرها سببُ
لا عيبَ في العربِ العرباءِ إن نطقوا / بينَ الأعاجمِ إلا أبهم عربُ
والطيرُ تصدحُ شتَّى كالأنامِ وما / عندَ العرابِ يزكى البلبلُ الطربُ
أتى عليها طوالَ الدهرِ ناصعةً / كطلعةِ الشمسِ لم تعلق بها الريبُ
ثمَّ استفاضتْ دياجٍ في جوانبها / كالبدرِ قد طمستْ من نورهِ السحبُ
ثم استضاءتْ فقالوا الفجرُ يعقبهُ / صبحٌ فكَانَ ولكن فجرها كذبُ
ثم اختفتْ وعلينا الشمسُ شاهدةٌ / كأنها جمرةٌ في الجوِّ تلتهبُ
سلوا الكواكبَ كم جيلٍ تداولها / ولم تزلْ نيّراتٍ هذهِ الشهبُ
وسائلوا الناسَ كم في الأرضِ من لغةٍ / قديمةٍ جدّدتْ من زهوها الحقبُ
ونحنُ في عجبٍ يلهو الزمانُ بنا / لم نعتبرْ ولبئسَ الشيمةَ العجبُ
إن الأمورَ لمن قد باتَ يطلبها / فكيفَ تبقى إذا طلابها ذهبوا
كانَ الزمانُ لنا واللسنُ جامعةٌ / فقد غدونا لهُ والأمرُ ينقلبُ
وكانَ من قلبنا يرجوننا خلفاً / فاليومَ لو نظروا من بعدهم ندبوا
أنتركُ الغربَ يلهينا بزخرفهِ / ومشرقُ الشمسِ يبكينا وينتحبُ
وعندنا نهرٌ عذبٌ لشاربهِ / فكيفَ نتركهُ في البحرِ ينسربُ
وأيما لغةٍ تنسي امرأً لغةً / فإنها نكبةٌ من فيهِ تنسكبُ
لكم بقى القولُ في ظلِّ القصورِ على / أيامُ كانتْ خيامُ البيدِ والطنبِ
والشمسُ تلفحهُ والريحُ تنفحهُ / والظلُّ يعوزهُ والماءُ والعشبُ
أرى نفوسَ الورى شتى وقيمتها / عندي تأثُّرها لا العزُّ والرتبُ
ألم ترَ الحطبَ استعلى فصارَ لظىً / لما تأثرَ من مسِّ اللظى الحطبُ
فهل نضيعُ ما أبقى الزمانُ لنا / وننفضُ الكفَّ لا مجدٌ ولا حسبُ
إنَّا إذاً سبةٌ في الشرقِ فاضحةٌ / والشرقُ منا وإن كنا به خربُ
هيهاتَ ينفعُنا هذا الصياحُ فما / يجدي الجبانُ إذا روَّعته الصخَبُ
ومنْ يكنْ عاجزاً عن دفعِ نائبةٍ / فقصرُ ذلكَ أن تلقاهُ يحتسبُ
إذا اللغاتُ ازدهرت يوماًفقد ضمنتْ / للعُرْب أي فخارٍ بينها الكتبُ
وفي المعادنِ ما تمضي برونقهِ / يدُ الصدا غير أن لايصدأ الذهبُ
زمانٌ عيشُنا فيه اضطرارُ
زمانٌ عيشُنا فيه اضطرارُ / كما تحتَ الثرى دُفن النضارُ
نحاذرهُ ومن يخشَ الرزايا / فاصعبُ من رزاياهُ الحذارُ
ويلهو بعضُنا كالشاةِ ترعى / وقدْ حدت بجانبها الشفارُ
وإطراقُ الزمانِ يغرُّ قوماً / وما إطراقهُ إلا افتكارُ
يظنُ المرءُ أن قد فرَّ منهُ / ولكن كانَ منهُ لهُ الفرارُ
إذا وسعتْ في قفصٍ لطيرٍ / فكيفَ يفرُّ والقفصُ المطارُ
أرىما تمنحُ الدنيا هموماً / فأهنى العيشِ أمنٌ وافتقارُ
وكيفَ يُسرُّ ذو دينٍ تراهُ / يزيدُ ديونهُ هذا اليسارُ
لعمركَ إنما الأموالُ حزنٌ / فإن العمرَ ثوب مستعارُ
وما ماتَ الغنيُّ بغيرِ همٍّ / وأيةُ حسرةٍ هذا الخسارُ
كأن المالَ أقلامٌ فمنها / بسفرِ العمرِ حذف واختصارُ
كأنَّ خزانةَ الأموالِ قبرٌ / ففي نفسِ الغنيِّ بها انكسارُ
ويا عجباً من الأقدارِ تجري / وبعدَ وقوعِ ما تجري تدارُ
رأيتُ الفقرَ للفقراءِ حظاً / وفي أهلِ الغنى لهم اعتبارُ
وإن نالَ الفقيرَ الهمُّ يوماً / فأهونُ من لظى النارِ الشرارُ
يذلُ لهُ الزمانُ فلا يبالي / بما يأتي المساءُ ولا النهارُ
فيا كوخَ الفقيرِ غدوتَ دنيا / وكلُّ الأرضِ للفقراءِ دارُ
على تلكَ القصورِ أرى دخاناً / أخفَ عليكَ منهُ ذا الغبارُ
وفيكَ سلامةٌ من كلِّ همٍّ / وفيها من همومِ الدهرِ نارُ
عليكَ الشمسُ تاجٌ لم ينلهُ / سواكَ ومن حلى الظلِّ السوارُ
وإن يكن الزمانُ لهُ أميرٌ / فمن فيهِ لذا الدهرِ احتقارُ
كأن الدهرَ أليسَ جلدَ هرٍّ / وكلُّ مملكٍ في الناسِ فارُ
وما يغني كبارَ الإسمِ شيءٌ / وأنفسهم وإن كبروا صغارُ
فيا كوخَ الفقيرِ إذاً سلاماً / فأنتَ لبهجةِ الدنيا وقارُ
وما تلكَ القصور سوى ذنوبٌ / وأنتَ لها من الدهرِ اعتذارُ
أرى الإنسانَ يطغى حينَ يغنى
أرى الإنسانَ يطغى حينَ يغنى / وما أدنى الهبوطَ من الصعودِ
يظنُّ الناسَ من خلقٍ قديمِ / ويحبسهُ أتاهم من جديدِ
كما تعمى البهائمُ حينَ ترعى / عن الشوكِ الكثيرِ لأجلِ عودِ
متى كانتْ جيوبكَ من نضارٍ / فقد صارتْ جنوبكَ من حديدِ
ومن عجبٍ يكونُ المالُ تاجاً / وحبُّ المالِ أشبهُ بالقيودِ
فيا أسفاً على الفقراءِ أمسوا / كمثلَ العودِ جُفِّفَ للوقودِ
دموعهم دنانيرٌ ولكن / تعامى الناسُ عن هذي النقودِ
أليسَ من التغابُنِ وهو ظلمٌ / جزاءُ السَّعي يعطى للقعودِ
ومن يحصدْ فإنَّ الويلَ أن لا / يذودَ الطيرَ عنْ حبِّ الحصيدِ
ومن يحملْ على عنقٍ حساماً / فقد ظمأ الحسامُ إلى الوريدِ
وما زال الورى بعضُ لبعضٍ / حسوداً يتقي شرَّ الحسودِ
يقولُ الناسُ إن المالَ ماءٌ / بهِ يحيى المجدُّ معَ البليدِ
أكالماءِ المرشحِ ما تراهُ / حوى الكدرينِ من طينٍ ودودِ
وأينَ البحرُ يضطربُ اضطراباً / من المستنقعاتِ على ركودِ
كذا خُلقَ الأنامُ فمن شقيٍّ / يلازمهُ الشقاءُ ومن سعيدِ
ومن يسخطْ على زحلٍ فلمْ لا / يدير بكفهِ نجمَ السعودِ
وكم بينَ النحاسِ وإن جلوهُ / وبينَ توهجِ الذهبَ الشديدِ
نواميس جرتْ في الكونِ قدماً / ليتَّضحَ الفناءُ من الخلودِ
هم الناس حى يروي الأرض مدمعُ
هم الناس حى يروي الأرض مدمعُ / وتاللهِ يروي آكلٌ ليسَ يشبعُ
ظُماءَةُ جوفٍ أجَّ شوقاً إلى الورى / وبعضَ الظما قد يلتظي حينَ ينقعُ
ومسغبَةٌ لا يبلغُ الخلقُ دفعها / وإن بطنَ الأحياءَ في الأرضِ أجمعُ
فيا بارئ الدنيا حنانيكَ إنما / طغى الناسُ جهلاً بالذي كنتَ تشرعُ
لكلٍّ فؤادٌ غيرَ أن طبيعةً / من الشرِّ بينَ القلبِ والقلبِ تقطعُ
وكلٌّ جرى فيهِ دمٌ غيرَ أنني / أرى الحرص طفلاً من دمِ الناسِ يرضعُ
وبينَ المنى والنفسِ للشرِّ موقفٌ / فإن لم تزعهُ النفسُ أقبلَ يسرعُ
وكل ضعيفَ الرأي منفتلُ الهوى / عن الحزمِ يمنى بالهوانِ فيخضعُ
وتاللهِ إن الذنبَ للمرءِ أهلُهُ / ففي أي شكلٍ تطبعُ الطينَ يطبعُ
وأعجبُ ما في الناسِ أن يتألموا / إذا أوجعتهم نكبةٌٌ ثم يوجعوا
وأن يخدعَ الإنسانُ غيرَ مجاملٍ / ويجزعُ إن أمسى كذلكَ يخدعُ
وفي الناسِ حقٌ ما يزالُ وباطلٌ / ولكنهم للحقِّ بالباطلِ ادعوا
لحى اللهُ دهراً شدَّ بالقوةِ الهوى / فكلُّ قويٍّ شاءَ ما شاءَ يتبعُ
وهبْ أن هذا الظلمَ كانَ سياسةً / فمن قال ان الظلمَ في الظلمِ يشفعُ
لعمركَ لو تبني السياسةُ حجرةً / بغيرِ قلوبِ الناسِ باتتْ تزعزعُ
ولو رفعوها فوقَ غيرِ ضِعافِهم / لما وجدوها آخرَ الدهرِ ترفعُ
إذا لم يكن للضعفِ حولٌ فمن إذاً / بتلكَ القوى غيرُ الضعيفِ يُفجَّعُ
حنانيكَ يا ربُّ الضعافِ فهم كما / تحملُ قيدَ الأرجلِ الضخمِ أصبعُ
وويلاهُ ما هذهِ الحروبُ ومن أرى / فقِدْماً عهدنا الوحشَ في الوحشِ يطمعُ
معايبُ إلا أن كم من فظيعةٍ / لها مصدرٌ إن ينكشفْ لكَ أفظعُ
فويجَ الورى همْ سعرُّوها وبعضهم / لها حطبٌ والبعضُ فيها موقعُ
ونقعٍ دجوجيٍّ ترى السُّحبَ فوقَهُ / لما راعها من برقهِ تتقطعُ
إذا انفرجتْ للريحِ فيهِ طريقةٌ / نجتْ وبها حَمَّى تئزُّ وتسطعُ
وإن طالعتْهُ الشمسُ تذهلُ فلا ترى / أمغربها في النقعِ أم ذاكَ مطلعُ
وقد كشفتْ تلكَ العجوزُ نقابها / وقالتْ لأهليها قفوا ثمَّ ودعوا
وألقى الردى صيحاتهِ دافعاً بها / لذاكَ فمُ الموتِ اسمهُ اليومَ مِدفعُ
على عصبةٍِ لم يظلموا غيرَ أنهم / مفاتيحُ أمَّا قيلَ أغلق موضعُ
تعاطوا كؤوسَ الموتِ في حومةِ الوغى / وذاكَ رنينُ الكأسِ بالكأسِ تقرعُ
وللهِ ما اشهى الردى بعدَ ضيقةٍ / تكونُ طريقاً للتي هي أوسعُ
كأنهم والموتُ حانَ نزولهُ / سجودٌ يخافونَ العذابَ ورُكَّعُ
كأنَّ ثيابَ الموتِ كنَّ بواليا / عليهِ وبالأرواحِ أمستْ تُرَقَّعُ
كأن الردى إذ حجلَ الجندُ حولهُ / وقد عطشوا حوضٌ من الماءِ مترعُ
كأنَّ فمَ الميدانِ أصعدَ زفرةً / من الجيفِ لملقاةِ للهِ تَضْرعُ
زلازلُ ويلٍ ما تني الأرضُ تحتها / تهزهزُ حتى أوشكتْ تتصدَّعُ
إذا نفعتْ ضرتْ وما خيرُ نعمةٍ / تضرُّ الورى أضعافَ ما هي تنفعُ
كذاكَ أرى الدنيا فتاةً شنيعةً / فإن ولدتْ جاءتْ بما هو أشنعُ
كأني بهذي الأرضِ قلباً معلقاً / وما ملكٌ إلا لهُ الحرصُ أضلعُ
كأنْ قدْ غدا الإنسانُ وحشاً فلا أرى / يعززُ إلا المرءِ واديهِ مسبعُ
وإن يأمرِ الملكِ الذي ليسَ تحتهُ / سريرٌ من القتلى يسمعُ
ولن تصبحَ الدنيا سلاماً ورحمةً / على أهلها ما دامَ في الناسِ مطمعُ
كلٌ يقولُ شقينا
كلٌ يقولُ شقينا / وكلناٌّ فاتَ أمسُهْ
هذا يحيلُ على ذا / وآفةُ الكلِّ جنسُهْ
وبعضنا يتسامى / فليسَ يُسمَعُ حسّهْ
يرثي لمن ليسَ منهُ / وموتُ أهليهِ عرسهْ
من كانَ ضرسُ سواهُ / فليسَ يعنيهِ ضرسُهْ
واللهِ لو عقلَ الشرقُ / لاختفتْ عنهِ شمسُهْ
هي الأفلاكُ لا شمُّ القبابِ
هي الأفلاكُ لا شمُّ القبابِ / ولا كالفلكِ تجري في العُبَابِ
تدورُ بما تدورُ ونحنُ منها / مكانَ الظلِّ من فوقِ الترابِ
ولو انَّ الورى كانوا عليها / لباتتْ كالسفينةِ في الضبابِ
ولو أنَّ الملائكَ عاشرتهْ / لكنتَ ترى الحمامةَ كالغرابِ
ضعيفٌ وهو أقوى من عليها / قويٌّ وهو أضعفُ من ذبابِ
وليسَ الناسُ أجساماً تراأى / ولكن كلُّ نصلٍ في قرابِ
تفاوتتِ النفوسُ فربَّ نفسٍ / على فلكٍ ونفسٍ في ثيابِ
فلا عجباً إذا الإنسانُ أمسى / لدى الإنسانِ كالشيءِ العُجابِ
فَذُو المالِ اسْتَبَدَّ بكلِّ نفسٍ / وذو الهلمِ استخفَّ وذو الكتابِ
لدُنْ ركبوا سفينَ الدهرِ ظنواً / بني الدنيا متاعاً للركابِ
وليسَ المالُ غيرَ العينِ أما / غدتْ سودُ الحوادثِ كالنقابِ
فلا يفخرْ بصيرٌ عندَ أعمى / فما غيرُ المصابِ سوى المصابِ
سلوا من ظنَّ أمرَ المالِ سهلاً / أكانَ السهلُ إلا بالصعابِ
لعمركُ إنما الذهبُ المفدَّى / نفوسٌ لم تعدْ بعدَ الذهابِ
همُ اكتسبوا لغيرهمُ فأمسى / عليمُ الاكتسابُ بالاكتئابِ
وصيغَ شبابهم ذهباً أليستْ / على الدينارِ زخرفةُ الشبابِ
يمنونَ السعادةَ وهيَ منهمْ / منالَ الماءِ في بحرِ السرابِ
وإنَّ خزانةَ الآمالِ ملأى / لمن تلقاهُ مهزولَ الجرابِ
ومن يغترَّ بالأقوى يجدهُ / كنصلِ السيفِ يغمدُ في الرقابِ
متى صاحَ الدجاجُ بثُعلُبانٍ / فليسَ سواهُ من داعٍ مجابِ
يظنُّ الأغنياءُ الفقرَ ضعفاً / وكم من حيةٍ تحتَ الخرابِ
ولا يخشونَ ممن جاعَ بأساً / وليسَ أضرَّ من جوعِ الذئابِ
ألم تكنِ السفينةُ من حديدٍ / فما للماءِ يخرقها بنابِ
إذا شحتْ على الأمواجِ تعلو / فما بعدَ العلوِّ سوى انقلابِ
أما للعلمِ سلطانٌ على من / يرى أنَّ الفضائلَ في الخلابِ
وما ذو العلمِ بينَ الناسِ إلا / كَمَنْ كَبَحَ البهيمةَ لاحتلابِ
يظلُّ بها يمارسُها شقياً / وحالبُها يمتَّعُ بالوطابِ
وكم بينَ الطروبِ وذي شجونٍ / إذا أبصرتُ كلاً في اضطرابِ
أرى العلماءَ إذ يشقونَ فينا / نعيماً كامناً تحتَ العذابِ
كقطعةِ سكرٍ في كأسِ بنٍ / تذوبُ ليغتدي حلوَ الشرابِ
ومن أخذَ العلومَ بغيرِ خُلقٍ / فقدْ وجدَ الجمالَ بغيرِ سابي
وما معنى الخضابُ وأنتَ تدري / بأنَّ العيبَ من تحتِ الخضابِ
إذا الأخلاقُ بعدَ العلمِ ساءتْ / فكلُّ الجهلِ في فصلٍ وبابِ
ولولا العلمُ لم تسكنْ نفوسٌ / على غيِّ الحياةِ إلىالصوابِ
ولولا الدينُ كانتْ كلُّ نفسٍ / كمثلِ الوحشِ تسكنُ للوثابِ
رأيتُ الدينَ والأرواحَ فينا / كما صحبَ الغريبُ أخا اغترابِ
فلا روحٌ بلا دينٍ ومن ذا / رأى راحاً تُصَبُّ بلا حبابِ
ليجحدْ من يشاءُ فربَّ قشرٍ / يكونُ وراءهُ عجبُ اللبابِ
وللهِ المآبُ فكيف يعمى / أخو الأسفارِ عن طرقِ المآبِ
وما ظماءي وفي جنبيَّ نهرٌ / تدفقَ بينَ قلبي والحجابِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025