القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ حَمْدِيس الكل
المجموع : 367
وَخَفّاقَةِ الراياتِ في جوْفِ نقْعِها
وَخَفّاقَةِ الراياتِ في جوْفِ نقْعِها / ترى الجُرْدَ فيها بالكماة تَكَدّسُ
زَبونٌ رَبَا سَمّ بأطرافِ سُمْرِها / كأنّ ثعابِيناً بها تَتَنفّسُ
تروقُكَ كالحسناءِ يضحك سِنّها / وترتاعُ منها وهي كالغولِ تَعْبسُ
وتقلعُ أَرواحَ العداةِ أَسِنَّةٌ / تراهنّ منهمْ في الحيازيم تُغْرَسُ
فَكَم طَعنَةٍ نَجلاءَ تَحسبها فماً / له هَرَتٌ في الذمر بالدمِ تَقْلِسُ
صَبَبنا عَلَيها ضَرْبَنا من صَوارمٍ / فغاصت بها من أسْرِها القلبَ أنفُسُ
ونَحنُ بَني الثغرِ الَّذينَ نُفوسُهُمْ / ذُكورٌ بِأَبكارِ المنايا تُعّرِسُ
فمن عزْمنا هنديّةُ الضّرْبِ تُنتَضى / ومن زَنْدنا ناريّةُ البأس تُقْبَسُ
وأبْيَضَ ماضٍ لا يَقي من غرارِهِ
وأبْيَضَ ماضٍ لا يَقي من غرارِهِ / غَداةَ قِرَاعِ الهامِ دِرْعٌ ولا تُرْسُ
يمُجّ سريعاً في فم الجرح حَدُّهُ / منَ السمِّ ما سَقَته من ملكها الفُرسُ
إذا ما بدا غمده قلت رَفّعَتْ / بخاراً لطيفاً فوق جَدْوَلِهِ الشمسُ
يُفَرِّقُ بَينَ الرأسِ والجسمِ حَدُّهُ / وإن كان لم تَشْعُرْ بضربتهِ النّفسُ
فَمَضْرِبُهُ في هامةِ القرن مَأتَمٌ / وَمَضْرِبُهُ في كَفِّ صاحِبِهِ عُرْسُ
حَللت بيوْمي إذ رَحلتُ عنِ الأمْسِ
حَللت بيوْمي إذ رَحلتُ عنِ الأمْسِ / وِسِرْتُ ولم أُعمِلْ جوادي ولا عَنْسي
مراحلُ دنْيانا مراحِلنُا الَّتي / ترَاَنا عليها نقطَعُ العَيشَ بِالخمسِ
ونَحنُ بِدارٍ يَعْقُبُ الخوفُ أَمنَها / وتذهبُ فيها وحشةُ الأمْنِ بالأُنْسِ
ليالٍ وأيامٌ بساعاتها سَعَتْ / لتفريقِها ما بين جِسْمِكَ والنّفْسِ
وإنّي وإنْ أصبحتُ منها مسُلَّماً / لأكْثرُ قوْلي ليتَ شعريَ هل أُمسي
ومن حلّ في سبعين عاماً كأنَّهُ / عِلاجُ علِيلٍ في مُواصَلَةِ النُّكسِ
فَما فَهمُ الأَشياء بالدرْسِ وَحْدَهُ / ولكنه بدءُ التفهّم والدّرْسِ
وكم حِكَمٍ في خطِّ قوْمٍ كثيرةٍ / وأفْضَلُ منها لَمْعَهٌ من سَنا الحسِّ
إلى كم أراني في هَوَى النفسِ خائضاً
إلى كم أراني في هَوَى النفسِ خائضاً / ولم أتّقِ الإِغراقَ منها على نَفسي
وقد شَمِلَتنْي شيبةٌ لم أبِتْ بها / فما ليَ في ليلي وقد طَلَعَتْ شمسي
غرست بكفَّيَّ المعاصيَ جاهِداً / ولا شكّ أنّي أجْتَني ثَمَرَ الغَرسِ
إِلى اللَّه أَشكو جُملَةً أَرتدي بها / وأصْبحُ منها في الذنوب كما أمْسي
فيا وحشتي من سوءِ ما قدّمَتْ يدي / إذا لم يكنْ في القبر من رحمةٍ أُنْسي
وريحانَةٍ في النفس مَنبِتُ غُصْنها
وريحانَةٍ في النفس مَنبِتُ غُصْنها / لها نَفَسٌ يُحْيي بنفحتِهِ النّفسا
إذا أقْبلتْ كانتْ بتقْويمِ خَلْقِها / وَمِشْيَتِها بِالشمسِ تَستَوقِفُ الشَّمسا
فتاةٌ إذا استعطفتَ باللين قلبها / على الصّبّ أضحى وهو من حجرٍ أَقسى
ولا شكّ أنَّ الماء رطبٌ وكلّما / سَقَيْتَ حديداً فيه زادَ به يُبْسا
كَمُلَتْ ليَ الخمسونَ والخمسُ
كَمُلَتْ ليَ الخمسونَ والخمسُ / ووقعْتُ في مرضٍ له نُكْسُ
وَوُجِدْتُ بالأضدادِ في جَسَدي / غُصْنٌ يلينُ وقامةٌ تَقْسُو
وتَنافَرَتْ عَنّي الحسانُ كما / لحظَ الهصورَ جآذرٌ خُنْسُ
وابيضَّ مِن فَودَيَّ من شَعَري / وَحْفٌ كأنّ سوادَهُ النِّقْسُ
والعُمْرُ يذبُل في مَنابِتِهِ / غَرْسٌ ويلبسُ نضرةً غَرسُ
أَصغَيتُ لِلأَيّامِ إذا نَطَقَتْ / بالوعظ فهيَ نَواطِقٌ خُرسُ
وفهمتُ بعد اللَّبسِ ما شَرَحَتْ / والشرحُ يَذْهَبُ عنده اللَّبسُ
أَضحى بِوَحشَتي المَشيب ولي / بعد الشبابِ بِذِكْرِهِ أنسُ
ومُسايراً زَمنَينِ في عُمري / مصباحُ ذا قمرٌ وذا شمْسُ
دُنْيا الفَتى تَفْنى لذا خُلِقَتْ / وتموتُ فيها الجِنُّ والإنْسُ
إنّا لآدمَ كلّنا ولدٌ / وَحِمامُنَا بحمامه جِنْسُ
وأَقَلُّ ما يبقى الجدارُ إذا / ما انهدّ تحتَ بنائه الأسُّ
يا ربّ إنّ النارَ عاتِيةٌ / وبكلّ سامعةٍ لها حَسُّ
لا تَجعَلَنْ جَسَدي لها حَطَباً / فيه تُحَرَّقُ منّيَ النفسُ
وارْفُقْ بِعَبدٍ لَحظُهُ جَزِعٌ / يوْمَ الحساب ونُطْقُهُ هَمسُ
حَمى حِمى المُلْكِ منه صارمٌ ذَكَرٌ
حَمى حِمى المُلْكِ منه صارمٌ ذَكَرٌ / مُقَابل الجود بالعلياءِ في الباسِ
يرعى الرّعايا بعينٍ من حفيَظتِهِ / ويبسطُ العدلَ منه ليّنٌ قاسِ
كأنّ سَوْرَةَ كسرى عِنْد سَوْرَتِهِ / سكونُ صورةِ كسرى وهو في الكاسِ
لو أنّ رَبْعَ غيرُ مُنْدَرِسِ
لو أنّ رَبْعَ غيرُ مُنْدَرِسِ / ما بتّ أُوحَشُ من جوْرِ المها الأنُسِ
من كلّ روضةِ حُسْنٍ زَهْرُها أرِجٌ / تُهْدي الهوى ليَ في لحظٍ وفي أنَسِ
لمّا تَظَلّمَ من أطرافِها عَنَمٌ / فاسحل أقحوان الظَّلْمِ واللَّعَسِ
تديرُ بالسّحْرِ عَيْنيْ أمّ شادِنَةٍ / بفاترِ اللحظ للألبابِ مُخْتَلسِ
وما رأيْتُ مهاةً قبلها وُصِفَتْ / في السرب بالشمَم المعشوق لا الخَنَسِ
لها محاسنُ من غبنِ الشباب غدت / محاسِنُ الغيدِ منها وهي كالدلَسِ
تُصبي الحليمَ وتَسْبيهِ فَمُبْصِرُها / كمنتشً في خَبَالِ السّكْرِ مُنْغَمسِ
شَمسٌ شَموسٌ عنِ الشيب الذي جمحتْ / عنه وذاتُ عنانٍ للصبا سَلِسِ
إنّي لأعجبُ والآرام مُجْبَنَةٌ / من رِئمِ خِدْرٍ لليثِ الغيل مفترسِ
لاح القتيرُ فأقمارُ البراقعِ لم / تَطْلُعْ عليّ وقصب البانِ لم تمسِ
حتى كأنّ بَياضَ الشيب منتقلٌ / إلى سوادِ عُيُونِ الخُرّدِ الأنسِ
إن فاتني قَنَصُ الغزلان نافرةً / فقد ترى من خيول الهمِّ ما فرسي
كم أشهبٍ صادَ غزلان الصوارِ فما / لأشْهبي راسخُ الأرساغِ في دَهَسِ
ستّ وستونَ عاماً كيف تُدرك بي / مَن عُمْرُها يَنْتهي منها إلى السدسِ
للَّه دَرّ شبابٍ لستُ ناسِيَهُ / لو أنّهُ كان إنساناً لقلتُ نَسي
يَسقْي محاسنَ ذاتِ الربعِ مُعْطِشُها / سَحّاً بكل ضَحُوكِ البرق مُنبَجِسِ
وداخِلاتٍ على الظّلْماءِ سَبْسَبَها / بكل خِرْقٍ عريقٍ في العلى نَدِسِ
كَأَنَّها وهيَ تَرمي المقفِراتِ بهم / مِنَ الوجيفِ نِبالٌ والهزالِ قِسي
مِثلُ الحواجِبِ لاذَتْ وهيَ ظامِئَةٌ / بأعينٍ بالفلا مطموسةٍ دُرُسِ
لا يُحْبَسُ الماءُ إلّا في ثَمائِلها / تيهاً فتحرس نقطاً بالكبود حسي
من كلّ دامِيةِ الأخفافِ مرْقلةٍ / ترتاعُ مِنْ صَوْتِ حادٍ خَلْفها شرِسِ
مستوحشٍ من كلام الإنسِ تُؤنِسُهُ / من جُوَّعٍ من ذئابِ المهمهِ الطُّلُسِ
ماذا تقولُ وَلَجُّ البحرِ يَسحَبه / إنَّ السفينة لا تجري على اليبسِ
قفْ بالتفكرِ يا هذا على زَمَنٍ / جمّ الخطوبِ وَمَثّلْ صَرْفَه وَقِسِ
ولا تكنْ عنده للسلمِ ملتمساً / فالأريُ في فم صلٍّ غيرُ مُلْتمَسِ
إنَّ الفتى في يَدَيهِ المالُ عاريَةٌ / كالثوب عُرّي منه غَيْرُهُ وَكُسي
وإنّه ليُنَمِّيهِ ويُودِعُهُ / من الصبابة بين الحِرْصِ وَالحَرَسِ
إن الهوا لمحيطٌ بالنفوسِ فقُلْ / هل حظّها منه غيرُ الفوْتِ بالنفَسِ
إنّي امرؤ وطباعُ الحقِّ تَعْضُدُني / مُطَهَّرُ العِرْضِ لا أدْنو من الدّنَسِ
ألِفْتُ حُسْنَ سكوتٍ لا أُعابُ به / ولي بيانُ مقالٍ غير مُلتْبَسِ
فما أُحرِّكُ في فكّيّ عن غَضَبٍ / لسانَ مُنْتَهِشِْ الأعْراض منتهسِ
قد يَعْقِلُ العاقلُ التحريرُ مَنْطِقَهُ / وربّ نُطْقٍ غدا في الغيِّ كالخرسِ
والجهلُ في شِيمِة الإنسان أقتلُ من / تخلخل النّبْضِ في بُحرانِ مُنتَقسِ
أَسلَمَني الدّهُر للرّزايا
أَسلَمَني الدّهُر للرّزايا / وَغَيّر الحادثاتُ قَفْشي
وكنْتُ أمشي ولستُ أعْيَا / فَصِرتُ أعيا ولستُ أمشي
كأنّني إذْ كبرتُ نَسْرٌ / يُطعِمُهُ فَرْخُهُ بِعُشِّ
أسُعادُ إنّ كمالَ خَلْقِكِ رَاعَني
أسُعادُ إنّ كمالَ خَلْقِكِ رَاعَني / فرَأيْتُ بدرَ التمّ عَنْهُ ناقِصا
أرُضَابُ فيكِ سلافةٌ نَشَوَاتُهَا / يَمشينَ مِن طَرَبٍ بِقَدّكِ راقصا
بحرٌ بعيْني لم يزَلْ إنْسانُهَا / فيه على دُرِّ المدامعِ غائصا
كم أحْوَرٍ لمّا رآكِ رأيتُهُ / يَرْنُو إلى تَفْتِيرِ طرفِكِ شاخصا
هل ظنّ ثَغْرَكِ أُقحُواناً ناضراً / ترعاهُ غزلانُ الفلاةِ خمائصا
حتَّى إذا لاح ابتسامك يجتلي / دُرّاً على عينيه ولّى ناكصا
لا تقنصيه كما قنصتِ مُتَيَّماً / فالرّئْمُ لا يغْدو لرِئمٍ قانِصا
نَوْمي على ظَهْرِ الفراشِ مُنَغَّصُ
نَوْمي على ظَهْرِ الفراشِ مُنَغَّصُ / واللَّيلُ فيه زيادةٌ لا تنقصُ
من عادياتٍ كالذئابٍ تذاءبَتْ / وَسَرَتْ على عَجَلٍ فما تتَرَبّصُ
جَعَلَتْ دمي خمراً تُداوِمُ شُرْبَها / مُسْتَرْخِصاتٍ منه ما لا يُرْخصُ
فتَرى البعوضَ مغنّياً برَبابِهِ / والبقُّ تشربُ والبراغثُ ترقصُ
بِأَيِّ وَفِيٍّ في زمانِك تختصُّ
بِأَيِّ وَفِيٍّ في زمانِك تختصُّ / فيغلو غلُوّاً في يديكَ له رُخْصُ
وكم من عدوٍّ كامنٍ في مُصادِقٍ / وَمَوضِعِ أمْنٍ فيه يحترسُ اللِّصُّ
وكم فرَس في الحسن أُكمِل خلقُهُ / فلمَّا عَدا في الشأوِ أدركهُ النقصُ
وكم منظرٍ في البُزْلِ قدّم في السرى / فلمَّا استَمَرَّ النصُّ أخّرَهُ النصُّ
كذاكَ خليلُ المرءِ يدعو اختبارُهُ / إلى ما يكون الزهدُ فيه أوِ الحرصُ
ولا خَيْرَ في خُلْقٍ يُذَمّ لجهله / وَيُحْمَدُ منه قبْلَ خِبرَتِهِ الشخصُ
وما المالُ إلّا كالجَناحِ لِناهِضٍ / وقد يَعْتريهِ عن حوائجه القَصُّ
وكم فاضلٍ ملبوسُهُ دونَ قَدْرِهِ / وِعَا الجوهرِ الأجسام لا الدرُّ والفصُّ
خُذْ بالأشَدّ إذا ما الشَّرعُ وافَقَهُ
خُذْ بالأشَدّ إذا ما الشَّرعُ وافَقَهُ / ولا تمِلْ بك في أهوائكَ الرُّخَصُ
ولا تَكُنْ كَبَني الدُّنْيا رأيتُهُمُ / إن أدْبَرَتْ زَهِدوا أو أقبلَتْ حَرَصوا
وزاهدٍ في المالِ لا يَنْثَني
وزاهدٍ في المالِ لا يَنْثَني / في قِمَمِ العَلياءِ عن حِرْصِهِ
لَيسَتْ تَرى عَيناهُ شِبْهاً له / مُبَرّأً في الفضْلِ من نقصهِ
كَأَنَّمَا العالمُ مرآتُهُ / فما يرى فيها سِوَى شَخْصِهِ
صِحّاتُنَا بالزَّمانِ أمْرَاضُ
صِحّاتُنَا بالزَّمانِ أمْرَاضُ / وَدَهْرُنا مُبْرِمٌ وَنَقّاضُ
وَللّيالي في صَرْفِها عِبَرٌ / فهْيَ سهامٌ ونحن أغْراضُ
ومُرْوٍ صَدى الرّوضاتِ يسحبُ دائباً
ومُرْوٍ صَدى الرّوضاتِ يسحبُ دائباً / على الأرْضِ منه جُمْلَةً تَتَبَعّضُ
إِذا ما جرَى واهتَزَّ للعينِ مُزْبِداً / حَسِبتَ به فَرواً مِنَ النّسْرِ يُنفَضُ
وتَنسابُ منه حَيَّةٌ غَيرَ أَنَّها / تطولُ على قَدْرِ المَسابِ وتعْرُضُ
وتحسبُهُ إن حَبّكَتْ مَتْنَهُ الصَّبا / عموداً علاهُ النّقْشُ وهو مُفضَّضُ
لهُ رِعْدَةٌ تعتادُهُ في انحدارِهِ / كما تَبْسُطُ الكفُّ العنانَ وتقبضُ
كَأَنَّ لَهُ في الجسمِ روحاً إذا جرى / به نَهْضَةٌ والجسمُ بالروح يَنْهضُ
وما هوَ إلا دمْعُ عينٍ كأنّها / لطولِ بكاءٍ دهرَهَا لا تُغمِّضُ
إذا سَرَحَتْ للسقي من كلّ جانبٍ / رأيتَ بقاعَ الأرض منها تُرَوِّضُ
يُقيمُ عَلَيها الأنسُ والصبحُ مقبلٌ / ويرحلُ عنها الوحشُ والليل معرضُ
ومن سُفُنِ القَفْرِ سَبّاحةٌ
ومن سُفُنِ القَفْرِ سَبّاحةٌ / منَ الآلِ بَحْراً إذا ما اعْتَرَضْ
لها شِرّةٌ لا تُبالي بها / أطالَ لها سبْسَبٌ أم عَرُض
إذا خفَقَ البَرْدُ بي خِلْتَني / عَلى كورها طائِراً يَنتَفِضْ
وإنْ يَعْرِضِ البعضُ من سيرها / تَرَ العِيسَ من خلفها تَنقَرِض
فلو عُوِّضَ المرءُ منها الصِّبا / لما رَضِيَتْ نَفْسهُ بالعِوض
هيَ القوسُ إنّي لَسَهْمٌ لها / أُصيبُ بِكُلِّ فَلاةٍ غَرَض
إِذا انبَسَطتْ للسُّرى أيْأَسَتْ / سَنَا البرق منّيَ أو تَنْقَبِض
وَعَذْبُ الدموعِ دليلٌ على / بُكاءِ تبَسُّمِ بَرْقٍ وَمَض
كأنّي من البُعْدِ إذْ شِمْتُهُ / جَسَستُ بِعِرقِيَ عِرقْاً نَبَض
تَرَفّعَ نَحوَ رُبوعِ الحمى / وحلَّ عَزَالِيَهُ وانخَفَض
وجادَ على الّترْبِ من صَوْبِهِ / بِرِيِّ الصدى وشِفاءِ المَرَض
أيا خُلُجَ المدامعِ لا تغيضي
أيا خُلُجَ المدامعِ لا تغيضي / وَذُوبي غَيْرَ جامدةٍ وَفيضي
فقد قُلِبَ التّأسِّي بالرّزايا / أسىً ملأ التراقِيَ بالجريضِ
أراكَ على الرّحيلِ بأرْضِ مَحْلٍ / فقيرَ الرّحْلِ من زادٍ عريضِ
فَدَعْ أشَرَ الجَموحِ وكُنْ ذليلاً / لعِزِّ اللَّه كالعَوْدِ المروضِ
فلستَ مُنَعَّماً بيَدَيْ حبيبٍ / ولا بِمُعَذَّبٍ بيدي بغيضِ
وأشقى الناس في الأُخرى ابن دنيا / يقول لِنَفسِهِ في الغيِّ خُوضي
أَما شَرَحَتْ له عِبَرُ اللَّيالي / معانِيَ بَعْدَ مُلْتَبِسِ الغموضِ
وناحتْ هَذِهِ الدُّنْيا عَلَيه / فظنَّ نياحَها شَدْوَ القريضِ
فلا يَغتَرَّ بالحدثانِ غَمْرٌ / لذيذُ النوم في طَرْفٍ غضيضِ
فقَد يُصْمي الرَّدى في الوكدِ فَرخاً / فَيَرْتَعُ منه في لحمٍ غريضِ
وَيُبلْي غَيْرَ مُستَبقٍ حيَاةً / لِقَشْعَمِ شاهِقٍ مَيْتِ النهوضِ
ويُلْحِمُهُ ابنُهُ ما اختار نهساً / بِمِنْسَرِهِ المُدَمّى من أنيضِ
وساعاتُ الفَتى سُودٌ وَبِيضٌ / تُرَحِّلُ سُودَ لِمّتِهِ ببيضِ
يذوقُ المرءُ في مَحْياهُ موتاً / جفُوفَ الزّهْرِ في الروضِ الأَريضِ
وأشراكُ الرّدى في الغيب تخفى / كما يَخْفَيْنَ في تُرْبِ الحضيضِ
عجبتُ لجَمْعِهِ فيهنّ صَيداً / بها بينَ القشاعِمِ والبَعوضِ
رأيتُ الخلقَ مرْضى لا يُداوَى / لهم كَلَبٌ مِنَ الزّمَنِ العضوضِ
وَلا آسٍ لهم إِلّا مريضٌ / فهل يُجْدي المريضُ على المريضِ
يواصلُ فيهمُ فتكُ ابن آوى / وهم في غَفْلَةِ البَهَمِ الرّبيضِ
وما ينجو امرُؤٌ من قَبضَتَيهِ / يُدِلّ بِسَبق مُنْجَرِدٍ قبيضِ
وقالوا الزكرَمِيُّ أُذيقَ كأساً / يحولُ بها الجريضُ عن القريضِ
فقدتمْ في المُعَلّى كِبْرَ حَظٍّ / له بالفائزين ندَىَ مُفِيضِ
يطيرُ به جَنَاح الطّبْع سَبقاً / مِنَ الإحسانِ في جوٍّ عَريضِ
ولو مُزِجَتْ حلاوَتُهُ بنفطٍ / لسَاغَ وَجَلّ عن خَصرِ الفَضيضِ
لقد عَدِمَ المُعَمّى منه فكّاً / ومات لِمَوتِهِ عِلْمُ العَروضِ
أبا حَفصٍ تَرَكتَ بِكُلِّ حَزْنٍ / عَليكَ الفضلَ ذا قلبٍ مهيضِ
يُرَوّي اللَّهُ ترباً نِمْتَ فيه / فباكي المُزْنِ مُبْتَسِمُ الوميضِ
فَقد أبقَيتَ ألِسنَةَ البرايا / بفخرِكَ في حديثٍ مستفيضِ
وابنُ السماءِ ينيرُ مطْلَعُهُ
وابنُ السماءِ ينيرُ مطْلَعُهُ / فَيَسُرّ مَوْلِدُهُ بني الأرْضِ
فكَأَنَّهُ في أُفْقِهِ ضِلَعٌ / نَحِلَتْ وقد عَرِيتْ منَ النحضِ
ولّى شبابي وَرَاعَ شَيبْي
ولّى شبابي وَرَاعَ شَيبْي / مِنّيَ سِرْبَ المَها وَفَضّهْ
كَأَنَّما المشطُ في يَميني / تَجُرُّ مِنهُ خُيوطَ فِضّه

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025