المجموع : 152
سيجدي الأسى لو أن في الموت ما يجدي
سيجدي الأسى لو أن في الموت ما يجدي / فخل فصيح الدمع يبدي الذي يبدي
أيوم علي لو يرد الفتى الردى / فأنت وأيم الله أخلق بالرد
هددت بناء العز فينا ولم نكن / نظن بناء العز يجدر بالهد
نزلت بقوم المجد خطباً فأقبلوا / سهارى حيارى فازعين إلى المجد
وكنا نخاف البعد يوماً وليلة / فكيف وهذا البعد أقصى مدى البعد
أمنفرداً في قبره بعد قصره / لقد كنت تدعي قبل ذلك بالفرد
هجعت هجوعاً لا انتباهة بعده / وخلفت من خلفت إثرك في سهد
لقد كنت بين الصيد طلاع أنجد / فليس لطلاعين بعدك من نجد
فغالب فيك الحزن والحزن غالب / يداهمنا في العين حيناً وفي الكبد
سبقت إلى العلياء جرداً سواهماً / فهلا سبقت الموت يا سابق الجرد
قضى الخير لما أن قضيت وأصبحت / جنود المنايا ساطيات على الجند
سقاك الحيا كنت الحيا لمؤمل / تصوب عليه بالجزيل من الرفد
فصلى عليك الله حيّاّوميتاً / ومتعت بالرضوان في جنة الخلد
دعا فأجبته وطن حبيب
دعا فأجبته وطن حبيب / وقمت مودعاً وطناً حبيباً
سيضى المنزل الداني بعيداً / ويمسي المنزل النائي قريباً
تناقلك المعالي في سراها / صعوداً لا نخاف له صبوباً
لئن جاوزت في البعد المآقي / فلست مجاوزاً فيه القلوبا
سنذكر منك أخلاقاً حساناً / تزيد على النوى حسناً وطيباً
ونتبعك الثناء بكل أرض / يقوم إذا نزلت بها خطيباً
فيملأ صدقه أذناً سميعاً / ويطرب صدقه قلباً طروباً
ويجري في نشيدهم مديحاً / ويقطر في نفوسهم نسيباً
لقد أمتعتها بالسلم حتى / تكاد اليوم لا تدري الحروبا
فعش يا مسكويل لود مصر / ونرجو بعد ذلك أن تؤوبا
هلموا بنا نحو الأمير نسلم
هلموا بنا نحو الأمير نسلم / سلام على عباس مصر المعظم
ألا إن في الاكباد شوقاً مبرحاً / إليه فقد كادت من الشوق تدَّمي
سئمنا النوى لم يبق للصبر موضع / ومن يتجرع لوعة النأي يسأم
ومن كان ذا ود على السخط والرضى / إذا صرمته فرقة لم يصرم
أمولاي إن المادحين ترنموا / بمدحك فاسمعني فهذا ترنمي
سأجزيك عن عهد الصبا شكر مخلص / فقد جزتني فيه بآلاء منعم
وما زلت من دهري بركنك أحتمي / وما زلت في فخري لمجدك أنتمي
وإني لتسمو بي إليك سجية / من الشعر تجري في عروقي مع الدم
فيأتيك منه كل زهر منثر / ويأتيك منه كل در منظم
ويخلد للأيام فيك مكرراً / يخف على أذن ويعذب في فم
تسام بمصر رب مصر إلى العلى / وإن وقفت في سيرها فتقدم
فكم لك فيها من جديد مشيد / وكم كان فيها من قديم مهدم
لك العزمات الصادقات إذا انبرت / ترد فضاضاً لك عزم مصمم
أحاطت بآمال لديك فتية / فإن تنتهزها مصر بالرأي تغنم
وما مصر إلا دولة في شبابها / فإن تبتذله في الغواية تهرم
وإن لم تفق من نومها يبق نومها / وإن لم تكرم نفسها لم تكرم
وإن لم يقومها إذا اعوج عودها / فتى صادق في نصحه لم تقوم
وأن لم ينرها بالمعارف أهلها / إذا حلكت فيها الجهالة تظلم
وإن لم يفيدوها الثراء بجدهم / وإن كثرت فيها النفائس تعدم
فكم ترغب العلياء عن وصل معرض / وكم ترغب العلياء في وصل مغرم
وعصبة شر قد أتت بعد مثلها / كذلك يأتي أشأم بعد أشأم
تشاهد أفراح البلاد عميمة / فتغدو لأفراح البلاد بمأتم
وإن تبتسم مصر تبكي من الأسى / وإن تبك مصر من أسى تتبسم
وترفل من ثوب الشبابا بصحة / ولكنها في لوعة المتألم
وتبغض طبعاً كل أمر ممدح / وتعشق طبعاً كل أمر مذمم
فويل لززور عندها متكشف / وويل لحق عندها متلئم
لحا الله هاتيك النفوس فإنها / وإن تتجبر عرضة المتهضم
فما بينها من ناظر متأمل / ولا بينها من سامع متفهم
بسطت عليها الحلم لا متحلماً / فما شكرت والحلم غير التحلم
ولو كنت ترضى رميها لرميتها / بضربة عدل أو بضربة مخذم
ليبق لك القلب الذي صيغ رحمة / فمن يؤت منا مثل قلبك يرحم
وإن يخدم الأوطان صاحب أمرها / كما تخدم الأوطان بالعين يخدم
في مثل عهدك يزهر الأمل
في مثل عهدك يزهر الأمل / يا دولة شخصت لها الدول
الآن ابدى الغيب أحسن ما / فيه وأنجز وعده الأزل
قد عاد مصر زمان سؤددها / وتجددت أيامها الأول
راقت فسامع طيرها طرب / وصفت فوارد نيلها ثمل
فلينشد الشعراء ما نظموا / أما أنا فاليوم أرتجل
يا مصر جاد لك الزمان بما / قد صده عن بذله البخل
هذا الربيع وأنت روضته / فتآلفا فكلاكما خضل
إن ينتقل عنك الهلال فلا / عجب فإن أخاه ينتقل
أو ترتضي من بعد بدلاً / فاليوم شمسك بعده بدل
أدنى العلاء إليك غايته / وتمهد منه لك السبل
نهج كحد السيف مطرد / ومدى كعود الرمح معتدل
لو أن نسل الشمس قد بعثوا / ورأوا مكانك في العلى ذهلوا
هذا الذي راموا فما قدروا / وسعوا لغايته فما وصلوا
ملك أقام على قواعده / كالدهر لا وهن ولا ميل
الشرق بعد بكاه مبتسم / قد ناب عن جزع به الجذل
لما أماد الظلم دولته / وتبينت في جسمها العلل
وتكاثرت فتن على فتن / وغدت بها كالنار تأتكل
وجفت من الأبناء من علموا / ورعت من الأبناء من جهلوا
وغدا بناء الملك منهدماً / وأقام عنه ذلك الطلل
بعث الزمان لها حوادثه / فأصابهم وأصابها الأجل
ما كان خالقهم ليظلمهم / لو أنهم في حكمهم عدلوا
أزكى السلام على الحسين إذا / دعت البلاد ولبت الملل
ملك جميل الرأي يصحبه / فكلاهما بأخيه متصل
الناس تحسب أنه ملك / والله يعلم أنه رجل
تملي مدائه مناقبه / ما تصنع الألفاظ والجمل
تقع العيون على أنامله / فكأنها من أهلها قبل
مولاي مصرك روضة أنف / وقطوفها للمجتني ذلل
فانهض بها بين الحوادث لا / وإن إذا جدت ولا وكل
إن كنت كهل السن لا حرج / إن العزائم ليس تكتهل
والراي تنميه تجاربه / ويبين في رأي الفتى الخطل
أنت المملك حكمه حكم / فحكم فإن الدهر ممتثل
ركب تيمم منزلاً قفراً
ركب تيمم منزلاً قفراً / جاز الربوع وشارف القبرا
متحير يمضي فيعطفه نعي / نعي يرن وعبرة تذرى
الآن أمضى الحين نائله / وسطت على الأولى يد الأخرى
كرت جياد كن كابية / وكبا جواد طالما كرا
افروق شأنك في الورى عجب / أكذاك أرضك بأكل الحرا
ثوت الفصاحة في ملحدة / إثر البلاغة فاندبوا الشعرا
قال النعاة طوى الردى حسناً / قلت طوى الدهرا
يا روع الله المحبة كم / سلبت نهى وكم استبت فكرا
تأوي قلوباً لا تفارقها / وتقودها لحمامها قسرا
فلها يد تسقى بها ضرباً / حتى اتقضت فرأيتها أمرا
ما زلت امتعن الامور بها / حتى انقضت فرأيتها أمراً
يا قبر عندي طية عرضت / لمن استفضت فزحزح السترا
قد كنت قل اليوم اقصده / أهدي إليه النظم والنثرا
لا تطرحن وإن ثوى حسن / بعد المدائح فوقه الصخرا
الآن لما اسعفت قسم / ووفى الزمان وغادر الغدرا
ابكيك ما ذكر الورى اثراً / ووعى الخلود لفاضل ذكرا
ابكيك ما جرت اليراعة في / ميدانها واستطردت سطرا
يا روح خيري حين جد الرحيل
يا روح خيري حين جد الرحيل / قفي قليلاً وكفانا القليل
الموت قد بت الذي بيننا / لم يبق منه غير حزن طويل
أما عهود أنت ثبتها / فهي كما ثبتها لا تزول
وحيلة المحزون في حزنه / دمع وبعض الدمع يأبى المسيل
في ذمة الله شباب مضى / ككوكب الصبح عراه الأفول
وهمة طالت على غيرها / لولا الردى ما سئمت أن تطول
وجمع أخلاق كزهر الربى / فكل ما فيها رقيق جميل
وعزة في الطبع موروثة / والنبل طبع ثابت في النبيل
يل وجه خيري هل يحيل الثرى / بشرك كلا إنه لا يحول
أنت جليل رغم حكم الثرى / ولا يهين الموت قدر الجليل
وإن من أوجع ما في الأسى / طول النوى ثم انقطاع السبيل
أمتعك الله بجناته / وحسب أخوانك حمل الغليل
تموت أنت وأحيا
تموت أنت وأحيا / هذا القضاء العجيب
يبقى المريض ليشفي / حيناً ويودى الطبيب
إن أبعدتك المنايا / إن اللقاء قريب
أو ساء بعدك عيش / فالموت سوف يطيب
لقد صبرنا كثيراً / وساعدتنا القلوب
واليوم ذبنا وذابت / إن الحديد يذوب
لا تبكين حبيباً / فكم هناك حبيب
قد كنت فينا غريباً / وما هناك غريب
بلغت دار أمان / ترتد عنها الخطوب
إياك أن تلج الظنو
إياك أن تلج الظنو / ن إلى فؤادك في وفائي
فيبيت يعرض عن أنيـ / ـني في البعاد وعن ندائي
ويزيد دائي في الفؤا / دِ فلا يزيل الوصلُ دائي
يا ليتَ حظي في غرا / مِكَ مثل حظّي في بكائي
كأنما يراعه سوطه
كأنما يراعه سوطه / يضرب إن جد ولا يكتب
لا تدع العجمة أسلوبه / فليس في أسلوبه معرب
والله يا ملعون قد غظتني
والله يا ملعون قد غظتني / فلست أدري ما الذي أصنع
أهجوك إن الهجو لي مأثم / وقدرك الأدنى به يرفع
الله في وجد وفي مأمل
الله في وجد وفي مأمل / من لي بعود الزمن الأول
قد كنت أشكو عذلي في الهوى / وها أنا أثني على عذلي
مللت عذب اللوم جهلاً به / لو كنت أدري الحب لم أملل
إن الصبا والحسن لم يبلغا / بعد بيوت الشعر من موئل
ما اولع القلب بما يجتني / وأفتن العين بما تجتلي
أهفو لسهدي ليت لي مثله / وليتني في ليلي الاليل
إذ أترك الأنجم في أفقها / شوقاً إلى نبراسي المشعل
وأحكم الكوة دون الصبا / وأوصد الباب على الشمأل
وأعتلي كرسي مستكبراً / كالملك فوق العرش إذ يعتلي
سيجارتي مشعلة في فمي / والطرس محمول على أنملي
وقهوتي أبريقها مترع / يإذا أنا أفرغته إلى مشكل
ما بين أوراق بها غضة / وبين أوراق بها ذبل
في حجرة كالقلب ضيقها / لو حملت غيري لم تحمل
تسمع مني في سكون الدجى / ما يسمع الروض من البلبل
له يطيب اللبث في عشه / ولي يطيب اللبث في منزلي
إنا اقتسمنا الليل ما بيننا / له الكرى في الليل والسهد لي
يا خلوات الوحي في تيهه / ملأت قلب الشاعر المختلي
سوانحي منك وفيك انجلت / فأنزلي الآيات لي أنزلي
يا طيفها لا ترتجع معجلا / لا تقنع الزورة من معجل
إني وحدي حجرتي مأمن / فأنس إلى صبك لا تجفل
أدن قليلاً قد أطلت النوى / جد مرة بالله لا تبخل
لو لم تكن تشتاقني نفسها / يا طيفها ما كنت بالمقبل
عيناك عيناها كذا كانتا / والوجه ذاك الوجه لم يبدل
أعرف لحظيها برغم النوى / فكم أصابا قبل ذا مقتلي
يظل قلبي خافقاً هكذا / كأنه ألقي في مرجل
جسي بهذا الكف صدري تري / ما فيه من نار جوى موغل
أظلني هم فلم أنتبه / إلا وقد أوغلت في المجهل
إن كان هذا ما دعوه الهوى / فمثل هذا الليل لا ينجلي
يا مهجتي يا جلدي يا صبا / إن لم أمت وجداً فلا بد لي
مكانك الأفق فما أنزلك
مكانك الأفق فما أنزلك / بدلت عنه الأرض أم بدلك
يا ملك الله أيرضى الملك / ملك الثرى من بعد ملك الفلك
كلا فلن تألف هذا الأنام / خلقت من نور وهم من ظلام
أين جناحاك متى فارقاك / قد سقطا في الارض أم في السماك
لو صدقاك الود مازايلاك / بل صعدا للأفق واستصحباك
أنك للأولى بذاك المقام / مثلك لا يهنأ فوق الرغام
من عندنا يفهم هذا الجمال / أي امرئ يهوى صفات الكمال
انت خيال نعم الخيال / حذار لا تدخل قلوب الرجال
تلك قلوب دهرها في اضرام / كأنها موقدة بالأثام
إن تؤت خيراً بينهم يحسدوك / وإن تجد بالفضل لا يحمدوك
دانيتهم لكنهم أبعدوك / لو صرت رب القوم لم يعبدوك
أف لخلق ليس فيه كرام / هل كرم يسكن هذي العظام
تبقى لياليك وتفنى المنى / بين الهموم الكثر بين الضنى
ويلي فكم تحمل هذا العنا / كم تشتكي أنت وأبكي أنا
قد نفد الدمع فهل للغمام / كمدمعي إن زاد فيه الهيام
تفتن لكن لست أدري الفتن / كذاك يؤذي كل شيء حسن
بهذه الروح وهذا البدن / تلقى من الناس سهام ضغن
لله ما أظلم تلك السهام / ألم تصب غير فؤاد الغرام
تغفر جرم الناس إن اجرموا / وتحمل الظلم ولا تظلم
قد غنموا منك ولا تغنم / منهم ولو تعلم ما أعلم
خاصمتهم عدلاً وإن الخصام / أعدل ما يحبو الكرام اللئام
ابكيك أم أرثيك هل نافع / دمع ونوح والقضا واقع
هذا شقاء ما له دافع / إسمع فإن الله لي سامع
قل أيها الأرض عليك السلام / تحية بالدمع لا بالكلام