المجموع : 174
وَعْداً عَلَى اللهِ حَقَّاً نَصْرُ مَنْ نَصَرَهْ
وَعْداً عَلَى اللهِ حَقَّاً نَصْرُ مَنْ نَصَرَهْ / وحُكْمُ سَيْفِكَ فِي هاماتِ مَنْ كَفَرَهْ
رأسٌ مُطِلُّ عَلَى بابَيْ طُليْطِلَةٍ / يُومي إلى الكُفْرِ هَذَا مَوْعِدُ الكَفَرَهْ
وهامَةٌ قَدْ قَضَتْ نَحْبَ الحِمامِ ضُحىً / وهامَةٌ فَوقَ صَفْحَي شَنْجُ مُنْتَظِرَهْ
أوفى عَلَى مَوْعِدٍ منهُ تُراقِبُهُ / تَدْعُو هَلُمَّ إلى مُسْتَودَعِ الغَدَرَهْ
وناخِراً أمْسِ فِي البيداء من عِظَمٍ / واليومَ أصبَحَ فِيهَا أعْظُماً نَخِرَهْ
كم من سمِيٍّ له فيها وذي نسبٍ / لم يدخِّرْ نابَهُ عنه ولا ظُفُرَهْ
كأنَّما زارَ مُشتاقاً ومُعْتَنِقاً / فاعتامَ منهُ مكانَ النَحْرِ والقَصَرَهْ
ومُسْعِراً لِضِرامِ الحربِ من أشرِ / فَلَمْ يُطِقْ منكَ فِي إضرامِها شَرَرَهْ
فإنْ جَرى دَمُهُ فِيهَا فأطفأها / فإنَّ نَفْسَ ابنِ شَنْجٍ منهُ مُسْتَعِرَهْ
شَقيقُ مَفخَرِهِ إن قامَ مُفْتَخِراً / وشِقُّ مُهْجَتِهِ إنْ واتِرٌ وَتَرَهْ
حُمَّ الحِمامُ لَهُ قَدْراً فأفْرَدَهُ / يدعو الحِمامَ لِرُزْءٍ غالَ مُصْطَبَرَهْ
ما يَرْجِعُ الطَرْفَ إلّا وَهْوَ ذاكِرُهُ / ولا يُحِسُّ بنفسٍ كُلَّما ذَكَرَهْ
ولا يَرُدُّ الرَّدى عنهُ سِوَى دَلَهٍ / وافى المُصابَ وَلَمْ يَعرِفْ بِهِ قَدَرَهْ
وما القَنا بالِغاتٌ من جوانِحهِ / بلوغَ ألسِنَةٍ أبْلَغْنَهُ خَبَرَهْ
عَتادُهُ للوغى إن خافَ طارِقَها / وذُخْرُهُ لِمُلِمِّ الخطبِ إن حَذِرَهْ
وسيفُهُ وسيوفُ الهِنْدِ بارِقَةٌ / ورُمْحُهُ ورِماحُ الخَطِّ مُشْتَجِرَهْ
فَتْحٌ تَقَدَّمْتَ فِي اسْتِفْتاحِ مُقْفَلِهِ / بخافقاتِ إلى الأعداءِ مُبْتَدِرَهْ
فِي دَعْوَةٍ سَمِعَ الرحمنُ داعِيَها / لما اسْتَهلَّ بأخرى سُورَةِ البَقَرَهْ
هوَ الجِهادُ الَّذِي بَرَّتْ مَشاهِدُهُ / فَأُشهِدَتْهُ الكِرامُ الصَّفْوَةُ البَرَرَهْ
ذَلَّلتَ فِيهِ حِمى الإشراكِ مُقْتحِماً / بالخيلِ رَائِحَةً فِيهِ ومَبْتَكِرَهْ
فِي كُلِّ ضاحِيَةٍ ألْبَسْتَها كِسَفاً / غادَرْتَ شمسَ الضحى فيهِنَّ مُنْعَفِرَهْ
دونَ السماء سماءُ النَّقْعِ أنْجُمُها / زُرْقُ الوشيجِ عَلَى الأعداءِ مُنْكَدِرَهْ
وكُلِّ مُزْدَحَمٍ في جُنحِ مُرتَكمٍ / لا نجمَهُ يَرقبُ الساري ولا قمرَهْ
إلّا جبينَكَ يحدو صارِماً ضَرِماً / كالبدرِ تحتَ الدَّياجي يَتبَعُ الزُّهَرَهْ
حتَّى رَفَعْتَ عَلَى أعلامِهمُ عَلَماً / يستنجزُ الله فِيهَا وَعْدَ من نَصَرَهْ
عُقابُ فَألٍ بِعُقْبى رَفْعِ أوَّلِهِ / يجلُو السعادَةَ للإسلامِ والخِيَرَهْ
وجَدُّ شانيكَ مَخفُوضٌ فكانَ لَهُمْ / عِقابَ خَسْفٍ مُبِينِ الزَّجْرِ والطِيَرَهْ
سَعْيٌ تركْتَ بِهِ أرضَ العِدى نَهَجاً / لِمَنْ سَعى فِي مداهُ واقْتَفى أثَرَهْ
فَهَلْ لِنفسِ ابنِ شنْجٍ بعدَها عِوَضٌ / مِنْ لُبِّ لُبِّسَ أو من كافِرِ الكَفَرَهْ
صِنْواهُ فِي حربِهِ أو فِي ضَلالَتِهِ / قَدْ كانَ ذا سَمْعَهُ فِيهَا وذا بَصَرَهْ
وَفَتْ دِماؤُهُما ثَأراً فلم يَدَعا / للمسلمينَ عَلَى حربِ الضَلالِ تِرَهْ
فلْيَهْنِكَ اليومَ فَتحٌ تقتفيهِ غَداً / عَوَائِدٌ من فتوحِ اللهِ مُنتَظِرَهْ
بضائِعٌ لَكَ من بأسٍ ومن كَرَمٍ / محفوظَةٌ لكَ عند اللهِ مُدَّخَرَهْ
سلَّمْتَها فِي سبيلِ اللهِ وافِيَةً / فناجِزُ النَّقْدِ أو مُستَقْرَبُ النَّظِرَهْ
وابْشِرْ بِأُخْرى وأُخرى واعَدَتْ فَوَفَتْ / بوعدِ ذي العرشِ فِي نعماءِ من شَكَرَهْ
نداكَ حبيبٌ لا يشِطُّ مزارُهُ
نداكَ حبيبٌ لا يشِطُّ مزارُهُ / وإنْ غَنِيَت بينَ الكواكب دارُهُ
وأكرِمْ بِهِ ألفاً دعا الحمدَ راغِباً / فلَبَّاهُ مخلوعاً إليه عِذارُهُ
أبانَ سبيلَ النُّجْحِ ساطِعُ نورِهِ / ولاحَتْ لعلياء النواظر نارُهُ
فصُبْحُ الَّذِي يغدو إليكَ بَشِيرُهُ / ولَيْلُ الَّذِي يسري إليك نهارُهُ
وأيُّ رجاءٍ حادَ منكَ طريقُهُ / وأيُّ ثناءٍ قَرَّ عنك قرارُهُ
ولا أمَلٌ إلّا إليك مآلُهُ / ولا سُودَدٌ إلّا عَلَيْكَ مدارُهُ
ولو أنَّ قلباً شاقه المجدُ والعُلا / فطارَ إليها مَا عَداك مطارُهُ
ولو نَثَرَ البحرُ المُسَخَّرُ دُرَّهُ / لما كانَ إِلّا فِي ذَراك انتثارُهُ
لو كانَ من زُهْرِ الكواكبِ زائرٌ / إلى مَلِكٍ مَا حادَ عنكَ مَزَارُهُ
لَأَمَّكَ مشدوداً إليكَ زِمامُهُ / ووافاكَ مرفوعاً إليكَ عَمارُهُ
ولو كانَ للدهرِ المؤَبَّدِ مَفْخَرٌ / لكانَ بما أبْدَعْتَ فِيهِ افتخارُهُ
ولم يعْدَمِ الشادِي بذكرِكَ زَهْرَةً / يطولُ بِهَا إعجابُهُ وازْدِهارُهُ
لَبْوسُ ثناءٍ من مساعيكَ بِينُهُ / ومن غُرَرِ الأشعارِ فيكَ شِعارُهُ
تُهِلُّ بِهِ الدنيا إلى المَلِكِ الَّذي / زَكَا وتعالى جِذْمُهُ ونِجارُهُ
مَليِكٌ تَرَدَّى من تُجيبَ سَكِينَةً / وحِلْماً يَفِي بالرّاسياتِ وَقارُهُ
ودَوْحٌ تعالَتْ فِي السَّماءِ فُروعُهُ / ولَكِنْ دَنَتْ للمُجتَنِينَ ثِمارُهُ
بمَطْعَمِ سَلْمٍ لا يُمَلُّ مَساغُهُ / ومَطْعَمِ حَرب لا يُساغُ مرَارُهُ
إذا نَشَأتْ بالبارِقاتِ سَحابُهُ / وجاشَتْ بجيشِ الدَّارِعينَ بِحارُهُ
وقد أضرَمَ الآفاقَ من حرِّ بأسِهِ / لَظى لَهَبٍ زُرْقُ الوَشيجِ شَرارُهُ
وغَرَّةُ شمسِ المجدِ تسمو كأنّما / تراءى لَهْ فِي غُرَّةِ الشمس نارُهُ
وكَمْ وَصَلَتْهُ بالكواكِبِ هِمَّةٌ / تُجَلّي إلى الآفاقِ أينَ مَغارُهُ
وليثُ ليوثٍ يُصْعِقُ الأرضَ زأرُها / ويَقْدُمُها فِي حَوْمَةِ الموتِ زَارُهُ
وشمسٌ وَفِي كِسْفِ العَجاجِ كُسوفُها / وبَدْرٌ وَفِي خَفْقِ البُنودِ سِرارُهُ
وأكرِمْ بِهِ أنْ يَعْرِفَ النَّكْثَ عَقْدُهُ / أو الخُلْفَ راجِيهِ أو الضَّيْمَ جَارُهُ
ومن طَرَقَتْ خَيْلُ الخطوبِ حَرِيمَهُ / فأوَّلُ دعواهُ إليهِ انْتِصارُهُ
فتىً جَعَلَ الجُرْدَ الجيادَ قِداحَهُ / ففازَ بأقمارِ المعالي قِمارُهُ
ضَمانٌ عليهِ أنْ يَذِلَّ عَدُوُّهُ / وحَقٌّ إليهِ أنْ يعِزَّ جِوارُهُ
وماليَ لا أختارُ قُربَكَ بادِياً / وأنتَ من الدَّهرِ الخيارِ خِيارُهُ
ومَنْ ذا لداعِ لا يُجابُ دُعاؤُهُ / سِواكَ وعانٍ لا يُفَكُّ إسارُهُ
ومهوى غَريقٍ لا يُرَّجى غِياثُهُ / وعاثِرِ جَدٍّ لا يُقالُ عِثارُهُ
ألا عَزَّ من أبَدى إليكَ خُضُوعَهُ / وحازَ غِناهُ من إليكَ افتقارُهُ
هنيئاً لَنَا ولِأَقصى العِبادِ
هنيئاً لَنَا ولِأَقصى العِبادِ / جِهادُكَ فِي الله حَقَّ الجِهادِ
تُباري الصَّبا وتُناوي الشَمالَ / تُرَاوِحُ أرْضَ العِدى أو تُغادي
بِسُمْرِ القَنا وبِبِيضِ السُّيوفِ / وحُرِّ الكُماةِ وغُرِّ الجِيادِ
جيوشاً تَضِلُّ الأدِلّاءُ فِيهَا / وأنتَ لهَا بِهُدى النَّصْرِ هادِ
إذا اكتَحَلَ الجَوُّ كُحْلَ الظَّلامِ / كَحَلْتَ العيونَ بِطولِ السُّهادِ
تقودُ أعِنَّتَها مُسْتَقِيداً / إليكَ بِها كُلَّ صَعْبِ القِيادِ
مُظَلَّلةً بِعَوالي الرِّماحِ / مُكَلَّلَةً بِطِوالِ الهوادي
مُجَلَّلَةً منكَ بَرْدَ اليقينِ / فَهانَ عَليْهُنَّ حَرُّ الجِلادِ
تُوَطِّئُهُنَّ لحمْلِ الكُماةِ / وتُوطِئُهُنَّ صدورَ الأعادي
مُجِيباً بهِنَّ مُنادِي الإلهِ / فَلَبَّاَكَ كُلُّ مُجيبِ المُنادِي
بعَزْمٍ يُذَكِّرُ أرْضَ الأعادي / هُبوبَ العواصفِ فِي أرضِ عادِ
فأقْدَمْتَها يَا ابْنَ عبدِ العزيزِ / لِعزِّ المُوالي وذُلِّ المُعادي
لِتُحييَ من حَكَمٍ حُكْمَهُ / بِسَقْيِ الرَّدى كُلَّ باغٍ وَعادِ
ولم يَثْنِها عن مَدىً غارَةٌ / تُغَوِّرُها فِي مَغَارِ البِعادِ
ولا أخَّرَتْ يانِعاتِ الرُّؤوسِ / ليوم الجَنى وليومِ الجِدادِ
فلأياً طَرَدْتَ المَها عن أسودٍ / أبَرْتَهُمُ فِي مَكَرِّ الطِّرادِ
دِياراً سَقَيْتَ دَمَ المانِعيها / مُتُونَ الرُّبى وبُطونَ الوِهادِ
وأطْفَأْتَ فيهنَّ نارَ السُّيوفِ / وأضْرَمْتَ منهنَّ قَدْحَ الزِّنادِ
وَقُوداً تُبَيَّضُ فِيهَا الليالي / ويُصْبَغُ نُورُ الضُّحى بِالسَّوادِ
بما بُدِّلَتْ من مَجالِ الرماحِ / مَجالَ الرِّياحِ بِهَا فِي الرَّمادِ
فَأُلبِسْتَ فِيهَا ثيابَ السرورِ / وغادَرْتَها فِي ثيابِ الحِدادِ
بفَتْحٍ تَفَتَّحُ منهُ الأماني / إلى كُلِّ حاضِرِ أرْضٍ وَبادِ
مَعالِمُ منها تَعَلَّمْتُ منكَ / إليكَ مسالِكَ سُبْل الجِهادِ
فَأعْلَيتُ نَحَوَكَ بَندَ الثناءِ / وقُدْتُ إليكَ خُيُولَ الوِدادِ
وشَرَّدَ جَفْني لذيذَ المنامِ / وعَطَّلَ جَنْبي وَثيرَ المِهادِ
مثالاً تَمَثَّلْتُهُ منكَ فيكَ / وأنتَ إلى الغَزْوِ سارٍ فغَادِ
فَكَمْ أبْتَ منهُ بِبِيضِ الوجوهِ / كما أبتُ منكَ ببيضِ الأَيادي
وكم عُدْتَ منهُ بفتحِ الفُتوحِ / كم عادَ لي منكَ عَهْدَ العِهادِ
ولكنَّ منكُم جَوادِي وسَرْجِي / ونُزْلي ويُسْرِي ومائي وزادي
وأنتُم شَدَدْتُمُ يَميني بِرُمحِي / وهَيَّأْتُمُ عاتِقي للنِّجادِ
وأنتُمْ سَقَيْتُمْ ثَرَاةَ اغْتِرابي / سِجالَ الغَمامِ وصَوْبَ الغَوَادي
فتِلْكَ أزاهِيرُها قَدْ سَقَيتُمْ / تَفُوحُ لَكُمُ من أقاصِي البِلادِ
ويَسْرِي بِهَا فِي الدُّجى كُلُّ سارٍ / ويَشدُو بِهَا فِي الورى كُلُّ شادِ
على كُلِّ فُلْكٍ طَرُوقِ الشِّراعِ / وَفي كُلِّ رَحْلٍ وَثيقِ الشِّدادِ
وتِلكَ حدائِقُ مَا قَدْ غَرَسْتُمْ / مُنىً وجنىً لِنفوسِ العِبادِ
تَرَوَّضُ من نَشْرِها كُلُّ أرْضٍ / ويَنْدى بإنشادِها كُلُّ نادِ
سَتُؤْتِيكُمُ أُكْلَها كُلَّ حينٍ / ويُجنِيكُمُ زَهْرَها كُلُّ وادِ
بإحياءِ فَخْرِكُمُ للْحياةِ / وإجزال ذُخْرِكُمُ فِي المَعادِ
ودُونَكَ غَرَّاءَ يُضْحِي سَناها / بِغُرَّةِ سَيِّدِها فِي ازْدِيادِ
فلا خَانَها أمَلُ المُسْتَفِيدِ / وَأُبْقِيتَ فِي عُمُرٍ مُسْتفادِ
تَصَدَّتْ لِوَشْكِ البَيْنِ من جَفْوَةِ الصَدِّ
تَصَدَّتْ لِوَشْكِ البَيْنِ من جَفْوَةِ الصَدِّ / وحَلَّتْ قناعَ الصَبْر عن زفرة الوجْدِ
وألقتْ إلى حُكمِ الأَسى عِزَّةَ الأُسا / فَنَمَّ بما تُخْفي تُبارِيحُ مَا تُبْدِي
وأسْفَرَ رَيْبُ السُّخْطِ عن صادِقِ الرِّضا / ولاح هِلالُ الوصلِ من مَغْربِ الصَّدِّ
فوشكانَ مَا لَفَّتْ قضيباً بقاضِبٍ / وأدْنَتْ نِجادَ السَّيْفِ من مَسْلَكِ العِقْدِ
وَهبَّ غليلُ الشَّجْوِ فِي غَلَلِ اللَّمىَ / وسالَ جُمانُ الخَدِّ فِي يانِعِ الوَرْدِ
فَجَرَّعتُ حَرَّ الشَوْقِ من بَرَدِ الحَيا / وزَوَّدْتُ مُرّ الصَّابِ من ذائِبِ الشَهْدِ
وقالتْ وتَوْديعُ التَفَرُّقِ قَدْ هَفا / بِصَدرٍ إلى صدرٍ وخَدٍّ إلى خَدِّ
عَسى قُرْبُ مَا بَيْنَ الجوانِحِ فَأْلَنا / لِمَجنى ثِمارِ القُرْبِ من شَجَرِ البُعْدِ
فسَبْقاً إلى ذي السَّابِقاتِ برِحْلَةٍ / تَلُوحُ بنَجمِ العِلْمِ فِي مَطْلَعِ السَّعْدِ
إلى الحِمْيَريِّ العامريِّ الَّذي بِهِ / غَدَتْ حُرْمَةُ التَأميلِ وارِيَةَ الزَّنْدِ
إلى مَلِكٍ مِلْءِ الرَغائِبِ والمُنى / وملْءِ نِجادِ السّيْفِ والدِّرْعِ والبُرْدِ
ومِلْءِ مَكَرِّ الخيلِ فِي حَوْمَةٍ الوغى / وملْءِ رداءِ الحِلمِ فِي مَشْهَدِ الحمدِ
وَ مُؤْتمَنٍ للهِ مُسْتَحْفَظٍ لَهُ / لما ضاعَ من حقٍّ وَمَا خاسَ من عَهْدِ
تَجَلَّى لَنا فِي مَطْلعِ المُلكِ فَانْجَلَتْ / بِهِ ظُلُماتُ الغَيِّ فِي سُبُلِ الرُّشْدِ
فأعْلقَ سيفَ النصر فِي عاتِقِ العُلاَ / وأثْبَتَ تاجَ المُلْكِ فِي مَفْرِقِ المجدِ
وأشْرَقَ فِي جَوٍّ من العِزِّ مُعْتَلٍ / وأغْدَقَ من ظِلٍّ عَلَى الأرضِ مُمتَدِّ
ولاقى وْجوهَ الراغبينَ كأنَّما / أمانِيُّهُم يُصْبِحَنَ مْنهُ عَلَى وعْدِ
ونادَى خُطوبَ الدَّهْرِ بَرَّحْتِ فَاقْصِري / وثَوَّبَ بالآمالِ أبْرَحتِ فامْتَدِّي
إلى رَوْحِ إنعامٍ يُراحُ إلى المُنى / ولُجَّةِ معروفٍ تُهِلُّ إلى الوِرْدِ
تُرَاثُكَ عن جَدٍّ وجَدٍّ بِهَدْيِهِمْ / تَناهى بِكَ الدُّنْيا إِلَى أَسْعَدِ الجَدِّ
فحسبُكَ من نفسٍ وكافِيكَ من أبٍ / وشَرْعُكَ من عَمٍّ وناهِيكَ من جَدِّ
بِهِمْ مُدَّ بَحْرُ الدِّينِ فِي كُلِّ بلدةٍ / وهُمْ تركوا بَحْرَ الأعادي بلا مَدِّ
وهُمْ عَمَرُوا الأيَّامَ من ساكِنِ الهُدى / وأخْلَوا غِياضَ الشِّركِ من ساكِنِ الأُسْدِ
وهُمْ جَرَّدُوا أسياف دِينِ مُحَمَّدٍ / وخَلَّوا سيوفَ النَاكِثينَ بلا حَدِّ
وهُمْ سَلبُوا كِسْرى وقَيْصَراً / وحَلَّوْكَ تاجَ المُلكِ فَرْداً بلا نِدِّ
دعائِمُ سُلْطَانٍ وأرْكانُ عِزَّةٍ / بِهَا وَشَجَتْ قُربى تميمٍ من الأزدِ
وما حَفِظُوا أعلامها ونِظامَها / بِمِثْلِكَ من مولىً ومِثلِيَ من عَبْدِ
بما شدْتَ فِيهَا من سَناءٍ ومِنْ سَناً / ورَاقَ عليها من ثَنائي ومِنْ حَمدي
فما جَلَتِ الدنيا عَروسَ رِياسَةٍ / لِمُلْكِهِمُ إلّا وَفِي صَدْرِها عِقدي
ولا جاشَتِ الآفاقُ من طِيبِ ذِكرِهِمْ / بِجَيشِ ثناً إلّا وَفِي وسْطِهُ بَندي
بما بَسَطوا لي أيْدِياً مَلَّكَتْ يَدِي / أعِنَّةَ أعنْاقِ المُسَوَّمَةِ الجُرْدِ
وما مَهَّدُوا لي من فِراشِ كَرَامَةٍ / وَمَا أتْبعُوني من لِواءٍ ومن جُنْدِ
وكم جَلّلُوني نِعْمَةً قَدْ جَلَوْتُها / عَلَى غابِرِ الأزمانِ فِي حُلَّةِ الخُلدِ
فإنْ تَمْتَثِلْها مِنْهُمُ فيَّ فَذَّةً / فَكَمْ حُزْتُها مِنْهُمْ عِدَاءً بلا عَدِّ
وإن تَحْبُنيها عَنْ تَناهِيكَ فِي النُّهى / فقِدْماً حَبانِيها أبوكَ مِنَ المَهْدِ
وإن عَمَّ أهْلَ الأرضِ فَيْضُ نَدَاكُمُ / فإنِّيَ قَدْ بَرَّزْتُ فِي شُكْرِكُمْ وَحْدِي
بَدائِعُ أضْحَتْ فِيكُمُ آلَ يَعرُبٍ / أوَائِلَ مَا قَبْلي وآخِرَ مَا بَعْدِي
وما بُعْدُ عهدي عَنَكَ يُنسِي عُهُودَهُمُ / إليكَ بحقِّي من وفائِكَ بالعَهدِ
ولا نأيُ دارِي عَنْكَ يُبْلي وَسائِلاً / جَلِيٌّ بِهَا قُرْبي وَفيٌّ بِهَا بُعْدِي
فَلا أخْطأت أسْيافُكُمْ سَيْفَ مُعْتَدٍ / ولا خَذَلَتْ أيْدِيكُمُ ظَنَّ مُعْتَدِّ
ولا زَالَتِ الأيامُ تُشْرِقُ مِنْكُمُ / كَمَا أشْرَقَ الإحسانُ من عِنْدِكُم عِنْدِي
استَقْبِلِ العِزَّ مَرْفُوعاً بِهِ عَلَمُكْ
استَقْبِلِ العِزَّ مَرْفُوعاً بِهِ عَلَمُكْ / واسْتَوْثقِ الأمنَ مَحْفوظاً بِهِ ذِمَمُكْ
واستَطْلِعِ السَّعْدَ من أفْقٍ إلى أفْقٍ / كواكباً تَتَلالا فَوقَها هِمَمُكْ
واسْتَفْتِحِ الدَّهرَ أبواباً مفاتِحُها / إمَّا سيوفُكَ فِي الأعداءِ أو نِعَمُكْ
أَجزِلْ بِهَا نِعَماً فُزْنا بِهَا قِسَماً / فِي دَوْلَةِ العِزِّ إذ فازَتْ بِهَا قِسَمُكْ
فإنْ نَحا سَيْفُكَ الأعداءَ مُضْطَرِماً / ناراً أنارَ لَنَا فِي صَفْحِهِ كَرَمُكْ
وإن غَدَا كُلُّ رَحْبٍ من بِلادِهِمُ / عَليْهِمُ حُرُماً أفضى بنا حَرَمُكْ
فأنت كالدَّهْرِ مُمْساهُ ومُصْبَحِهِ / لَنَا ضُحاكَ وَفِي أعدائنا ظُلَمُكْ
ليلٌ إذا هَوَّمَتْ فيهِ عيونُهمُ / بذكْرِ عفوِكَ صاحَتْ فيهمُ نِقَمُكْ
وإن تَخَيَّلَ خَيْلاً منكَ حُلْمُهُمُ / فإنَّ حِلْمَكَ عن جانِيهِمُ حُلُمُكْ
لِمِثْلِها أنشَأَ الرَّحْمنُ منكَ لَنا / نورَيْنِ عَظَّمَ من قَدْرَيْهِما عِظَمُكْ
مُعِزَّ دَوْلَتِكَ العُلْيا وصَفْوَتَها / هَذَا حُسامُكَ فِي الهيجا وذا عَلَمُكْ
وإنْ تَرَدَّتْهُما عِطْفاكَ يَوْمَ رِضاً / فَذَاكَ خَاتِمُكَ الأسنى وذَا قَلَمُكْ
كالنَّصْرِ والفتحِ شَمْلاً أنتَ جامعُهُ / لكلِّ خيلِ وغىً فرسانُها حَشَمُكْ
وكالنُهى والمُنى فيمن شَدَدتَ به / للملكِ عِصْمَةَ مشدودٍ بِهِ عُصُمُكْ
نجيبُ مُلكِكَ لَمْ تقعُدْ بِهِ قَدَمٌ / عن كلِّ سعيٍ عَلَتْ فِي فخرهِ قَدَمُكْ
سمَّيْتَهُ مُنْذِرَ الأعداءِ لا عَدَمٌ / منهُ الفتوحُ ولا البُشرى بِهِ عَدَمُكْ
ساعٍ مراتِبُكَ العليا لهُ أَمَمٌ / وكلُّ حظٍّ من الدنيا بِهِ أَمَمُكْ
فَحَقَّهُ عَهدُ من لا أنتَ مُتَّهِمٌ / منه السَّدادَ ولا الإيثارُ مُتَّهِمُكْ
عبدٌ غَدَا يومَ عاشوراءَ شاهِدَهُ / فِي كُلِّ سمعٍ مطاعٍ عندَهُ كَلِمُكْ
للهِ من بَيْعَةٍ قادَ القلوبَ لَهَا / رشادُ حُكْمِكَ أو مَا أبدعَتْ حكَمُكْ
وقرَّ عيناً بما أقْرَرْتَ أعْيُنَنا / مَا شاكَهَ اسْمَ الحَيا واسْمَ الحياةِ سِمُكْ
في دولةٍ للعُلا أيَّامُها خَدَمُكْ / وجنَّةٍ للمُنى أثمارُها شِيَمُكْ
غَنَّاءَ ممّا تَغَنَّى فِي حَدائِقِها / طيورُ يُمْنِكَ تَهْمِي فَوْقَها دِيَمُكْ
واعْلُ ولا زَالتِ الأملاكُ قاطِبَةً / تعلو عَلَى الشُّمِّ من أطوادِها أكَمُكْ
ولا خَلَتْ منك تاجاً للعِنانِ يَدٌ / ولا تَخلَّى ركابٌ حَليُهُ قَدَمُكْ
عزاءً وأنتَ عَزَاءُ الجَمِيعِ
عزاءً وأنتَ عَزَاءُ الجَمِيعِ / ومن ذا سِواكَ لِجَبْرِ الصُّدوعِ
ومَنْ ذا سواك لرُزْءٍ جليلٍ / تُسَلِّيهِ أو لمقامٍ فَظيعِ
ولولاكَ مَا كانَ بالمستَطاعِ / جَوىً مَا لأدناهُ من مُسْتَطِيعِ
لَهَبَّ العويلُ هبوبَ الرِّياحِ / فَعفَّى السُّلُوَّ عَفاءَ الرُّبوعِ
وفُلَّتْ ظُبى كُلِّ عَضْبٍ صقيلٍ / وَهُبَّتْ ذُرى كلِّ سُورٍ مَنيعِ
وأقبَلَتِ الخيلُ من كلِّ أوْبٍ / تَجُرُّ أعِنَّةَ ذُلِّ الخضوعِ
لِنَجْمٍ تَلألأَ للآمِلينَ / فَغُوِّرَ عنَّا بُعَيْدَ الطُلوعِ
وغيْمٍ تَدَفَّقَ لِلرَّاغِبينَ / فأقشَعَ عندَ أوانِ الهُمُوعِ
فيا صَدْرُ هاتِ زفيرَ الضُّلوعِ / ويا عَيْنُ هاتي غَزيرَ الدُّموعِ
لأُسْعِدَ فيهِ بُكاءَ السماءِ / بِذَوْبِ الهجيرِ وَصوبِ الرَّبيعِ
كَصَوْبِ خوافِقِهِ فِي الحَبيكِ / وصَوتِ مَغافِرِهِ فِي الدُّروعِ
وأجنادِهِ فِي فضاءِ الثُّغورِ / تَرُوعُ الأعادِيَ مِنْ كُلِّ ريعِ
بسُمْرٍ تُفَجِّرُ من كُلِّ صَدْرٍ / مَقَرَّ النفوسِ ودَرَّ النَّجيعِ
وبِيضٍ تفيضُ عَلَى المُلْحِدِينَ / بموتٍ ذُعافٍ وسُمٍّ نَقيعِ
وجُرْدٍ يُنَفِّضْنَ أعرَافَهُنَّ / عَلَى كُلِّ مَصْرَعِ غاوٍ صَريعِ
فَفُزْ يَا مُظَفَّرُ مِمَّنْ شَجاكَ / بِأَكْرَمِ ذُخْرٍ وأزكى شَفِيعِ
تُصافِحُهُ عندَ بابِ الجِنانِ / وتعلُو بِهِ فِي المَحَلِّ الرَّفيعِ
وفي ذِمَّةِ اللهِ أصْلٌ كريمٌ / يُسكِّنُ من فقدِ بعضِ الفُرُوعِ
بِطْولِ بقاءٍ يَفي بالزَّمانِ / وصَفْوِ حياةٍ تَفي بالجَميعِ
كَذا ينتهي البَدْرُ المُنيرُ إلى الشمْسِ
كَذا ينتهي البَدْرُ المُنيرُ إلى الشمْسِ / وتَمْتَزجُ النفسُ الكريمةُ بالنَفْسِ
وتَلْتَحِمُ الأنسابُ من بَعْدِ بُعْدِها / وتدنو القلوبُ المُوحشاتُ إلى الأنسِ
ويُجْمَعُ شملُ الوَصْلِ من فُرْقَةِ القِلى / ويُرْفَعُ بَنْدُ الوَصلِ من مَصْرَعِ النِّكْسِ
كجمعِ سُلَيْمانَ النبيِّ بصِهْرِكُمْ / ذوي يَمَنٍ والشامِ والجِنِّ والإنسِ
وتأليفِ ذِي القرْنَينِ إذ هُدِيَتْ لَهُ / كرِيمةُ دارَا دَعوَةَ الرُّومِ والفُرسِ
فأْهلاً بذاتِ التَّاجِ من سَلَفِ العُلا / إلى ابنِ ذَوي التِّيجانِ فِي سالِفِ الحَرْسِ
إلى وارِثِ الأحسابِ هُوداً وتُبَّعاً / وباني العُلا بالدِّينِ سَمْكاً عَلَى أُسِّ
ولابِسِ حِلْمٍ قَدْ تناهى مَدى النُّهى / وحاجِبِ مُلكٍ قَدْ عَلا حاجِبَ الشَمْسِ
ويا رُبَّ حَرْبٍ أسْمَعَتهُ دعاءها / بِهِنْدِيَّةٍ عُرْبٍ وألسِنَةٍ خُرْسِ
فكم سَلَّ من كَرْبٍ وأنْقَذَ من عَمىً / وَروَّح من رُوحٍ ونفَّسَ من نَفْسِ
وأسْبَلَ من غَيْثٍ ومَلَّأَ من يَدٍ / وكم فَكَّ من غُلٍّ وأطْلَقَ من حَبْسِ
زكا فَرعُها فِي آلِ ذِي النُّونِ سُنَّةً / بِهَا رَاقَتِ الأثمارُ فِي يابِسِ الغرسِ
فلِلَّهِ أكْفاءٌ تدانَوْا لِصَفْقَةٍ / من الصِّهْرِ قَدْ جلَّتْ عن الغَبنِ والوَكسِ
وذكَّرَهُمْ يومُ التخاذُلِ يَوْمَهُمْ / بموتِ عهودٍ كُنَّ يَحْيَيْنَ بالأمسِ
فأسمَعَهُمْ داعي تُجيبَ فمثَّلوا / الدَّاعِي إلى الجودِ والبأسِ
فيا ذِمَّةَ الصِّهر الَّذِي شَدَّ عَهْدَها / بخاتِمَةِ الآياتِ من آيةِ الكُرسِي
فَعَفّتْ رسومَ الغَدْرِ من ظاهرِ الثرى / وخَطَّتْ وفاءَ العهدِ فِي صَفْحَةِ الشَّمسِ
وسلَّتْ منَ الإقبالِ والهَدْي والهُدى / صوارِمَ لا تُثْنى بِدِرْعٍ ولا تُرْسِ
إذا غَنِمَتْ جاءَتكَ بالأمنِ والمُنى / وإن غضِبتْ أنحَتْ عَلَى الشُومِ والتَّعْسِ
بسَرَّاءَ مِمَّا ثَبَّتَ اللهُ أو مَحا / وشَحناءَ مما يَنْسخُ اللهُ أو يُنسي
لها أعيُنٌ أهْدى إلى الحَقِّ من قَطاً / وألسِنةٌ بالسَّلْمِ أخطبُ من قَسِّ
وما قَصَّرَتْ عن ساعِيَيْ آلِ مُرَّةٍ / لصُلْحِ بني ذُبْيانَ والحَيِّ من عَبْسِ
ولله مَا زُفَّتْ ليحيى كتائِبٌ / مُرَوِّعَةُ الإقدامِ مُرْهِبَةُ الجَرْسِ
يُضِيءُ الدُّجى من عِزِّ من حَلَّ وَسْطَها / ويُظْلمُ عنها ثاقِبُ الوَهْمِ والحِسِّ
ويُحجَبُ بالرَّاياتِ فِي مُشرقِ الفَلا / ويُشْرقُ بالإعظامِ فِي الظُلَمِ الدُّمْسِ
وقد رُفِعَتْ رَفْعَ الحصونِ قِبابُها / عَلَى حُلَلِ الإحصانِ والطُّهْرِ والقُدْسِ
وحُلِّيَتِ البيضُ الصَّوارم والقنا / عَلَى الدُّرِّ والياقوتِ لُبساً عَلَى لُبْسِ
هِداءٌ هَدى سُبْلَ الرَّغائِبِ وانْتَحى / يُنَشِّرُ مَيْتَ السَّلْمِ من ظُلَمِ الرَّمْسِ
ويومُ بِناءٍ قَدْ بَنى فرْجَةَ المُنى / بعُرْسٍ غَدَتْ منه المكارِمُ في عُرْس
وقد أذَّنا فِي الأرضِ حَيَّ ومَرْحَباً / إلى المَشهَدِ المذكورِ والمَنظَرِ المُنْسي
يُريكَ النجومَ الزُهْرَ فِي مَجْلِسِ القِرى / من الطَّاسِ والإبريقِ والجام والكأسِ
وسَقْيٌ يُنَسِّي الإلفَ ريقةَ إلفِهِ / وطعْمٌ لهُ وقعُ الحياةِ من النَّفْسِ
وأمواهُ وَرْدٍ فِي وُرُودِ حِياضِها / شفاءُ الظِّماءِ الهِيمِ من غُلَّةِ الخِمسِ
وغَيمٌ من العُودِ الذَّكيِّ تراكَمَتْ / أعاِليهِ حَتَّى كِدْنَ يُوجَدْنَ باللَّمْسِ
وغالِيَةٌ تكسو المشيبَ شَبابَهُ / وتُنَبِتُ سُودَ العُذْرِ فِي الأوْجُهِ المُلْسِ
مكارمُ أضحت للرجال مغانماً / بلا نصب المغزي ولا سُنَّةِ الخُمْس
فإنْ حَمَلَتْ من بعدِها سَيْفَ فِتْنَةٍ / يَدٌ فَتَخَلَّتْ من أنامِلِهَا الخَمْسِ
وإن أوْتَرَتْ قَوساً إلى رَمْيِ مُسْلِمٍ / فلا انْفَصَلَتْ عن مَقْبِضِ العَضْمِ والعَجْسِ
ولا ضاعَتِ الأنسابُ بالغَدر والقِلى / ولا بِيعَتِ الأحسابُ بالثَّمَنِ البَخْسِ
ولا زالَ مَا ترْجُوهُ أقْرَبَ من غَدٍ / ولا انْفَكَّ مَا تخشاهُ أبْعَدَ من أَمْسِ
يَا حَبَّذا خَجَلُ التُفَّاحِ فِي طَبَقِ
يَا حَبَّذا خَجَلُ التُفَّاحِ فِي طَبَقِ / مُنَضَّدٍ بِجَنِيِّ الزَّهْرِ مَتَّسقِ
فيهِ عُيُونُ بهارٍ قَدْ أحَطْنَ بهِ / نَوَظِراً بِجُفُونِ العاشِقِ الأرِقِ
كأنَّ مَا احْمَرَّ من تُفَّاحِهِ خَجَلاً / بَدْرٌ بدا قِطَعاً من حمرة الشفق
في مجلس الملك المنصور يانعةً / كأنما غُذِيَتْ من جُودِهِ الغَدِقِ
وأيُّ زنادَيْ فتنةٍ أوْرَيا لَهَا
وأيُّ زنادَيْ فتنةٍ أوْرَيا لَهَا / سَنا صُبْحِ حَقٍّ فِي دُجى ليلِ باطِلِ
وسيفَيْنِ رَدَّ اللهُ غَرْبَ شَباهُما / تَلاَقٍ بصَفْحَيْ واصِلٍ لمُواصِلِ
حليفَيْنِ شَدَّا عقدَ مَا احْتلَفا لَهُ / ورَدَّا عليهِ عاطِفاتِ الوَسائِلِ
إزْرَعِ المعروفَ حَزْناً وسَهْلا
إزْرَعِ المعروفَ حَزْناً وسَهْلا / واحصُدِ الكُفَّارَ سَبْياً وقَتْلا
واقْتَضِ الرحمنَ فتحاً قريباً / كُلَّما جَلَّ تَناهى أجَلّا
كْفءَ مَا أَولَيْتَ حمداً وشكراً / وصَدَقْتَ اللهَ قَولاً وفِعْلا
وعَمَمْتَ الخَلْقَ عُرْفاً وَجُوداً / ووَسعْتَ الأرضَ حُكْماً وعَدْلا
وبَهَرْتَ البَرّ والبَحْرَ خُلْقاً / عَمَّ إفضالاً كَمَا خَصَّ فَضْلا
بِجَبينٍ مَا تجَلَّى لخطبٍ / يُظْلِمُ الإصباحَ إلّا تَجَلَّى
ويمينٍ عاهَدَتْ مَنْ سَقاهُ / لا تَمَلُّ السَّقْيَ حتَّى يَمَلّا
وبعَزْمٍ ألبَسَ الدِّينَ عِزّاً / مِثلَما قَدْ ألبَسَ الشِّرْكَ ذُلّا
وهِلالٌ فِي سماءِ تُجيبٍ / حازَ تِمَّ المجدِ يَومَ أَهَلّا
وغَمامٌ لَمْ تكَدْ تَمْتَرِيهِ / منكَ رِيحُ النصرِ حَتَّى اسْتَهَلّا
سَيْفُ ضَرْبٍ لَمْ يَرُقْهُ حُلِيٌّ / وتراهُ بالدِّماءِ مُحَلَّى
وسِنانٌ مَا يَمَلُّ اسْتِناناً / لو تُوَلِّيهِ الرَّدى مَا تَوَلَّى
كَلِفٌ بالطَّعْنِ والضَّربِ تامَتْ / قَلْبَهُ الحربُ جَمالاً وَدَلّا
فَصَبا فِي جاحِمِ الحربِ نَفْساً / وعَصى فِي حاطِمِ الزَّحْفِ عَذْلا
فَتَمَامُ الوَصْلِ ألّا يُخَلِّي / لجسومِ الشِّرْكِ بالهامِ وَصْلا
ونِظامُ الشَمْلِ ألّا يُبَقِّي / فِي ديارِ الكُفْرِ للِكفرِ شَمْلا
ساوَرَ الأسْدَ وَمَا تَمَّ شِبْلا /
طردَ البأساءَ حتَّى سَقاها / بكُؤوسِ الموتِ نَهْلاً وعَلّا
وسَقى ماءَ الفَضاءِ دِماءً / كَنَدى كفَّيْهِ سَحَّاً وَوَبْلا
في مَكَرٍّ قالَ للِرُّمْحِ رِفْقاً / ومَجالٍ قالَ للسيفِ مَهْلا
وتَلَقَّتْهُ العِدى بصدورٍ / خَطَّ بالخَطِّيِّ فِيهَا وأمْلى
وقَضى بالهامِ لِلْجَوِّ عُلْواً / وَعَلَى الأَشلاءِ لِلتُّرْبِ سُفْلا
ورأى أن صدورَ العوالي / من صُدورِ الغَدْرِ بالهامِ أوْلى
فَدَنتْ والسُّورُ يُومي إلَيْها / وينادِيهِنَّ أهْلاً وسَهلا
وعيونُ الخَلقِ تسمُو إليهِ / فَدَنا وَهْوَ من البَدْرِ أعلى
صَلِيَتْ منهُ العِدى بسيوفٍ / حَرُّ نارِ اللهِ فيهِنَّ أصلى
فَبِهِ أُعْلِيَ قحطانُ فَخْراً / وبهِ زُكِّيَ يَعْرُبُ أصْلا
وبه عَرَّفنا اللهُ أنَّا / سَنَرى فِي خَلْفِهِ لَكَ مِثلا
ويومَ كَسَوْتَها رَهَجَ المُصلَّى
ويومَ كَسَوْتَها رَهَجَ المُصلَّى / تُنادِيها المُنى أهلاً وسهلا
مُجَلَّلَةً هوادِيها بِعِزٍّ / يجلّلُ أوْجُهَ الأعداءِ ذُلّا
إذا ضَلَّ العجاجُ بِهَا هَدَاها / جبينُكَ أنْ تُعَرِّجَ أو تَضِلّا
وقد نَشَقَتْ رِياحَ النَّصْرِ تُزْجِي / غمامَ الموتِ أبْرَقَ فاْستَهَلّا
شوازِبَ كالقِداحِ مُساهِماتٍ / ضَرْبتَ بِهَا العِدى حَزْناً وسَهْلا
وكنتَ نَصيحَها سِرّاً وجَهْراً / وكنتَ أمينَها قولاً وفِعْلا
وكنتَ وَليَّ حُكْمِ اللهِ فِيهَا / تُنِيرُ بنورِهِ صِدْقاً وعَدْلا
فحازَ الغدرُ أخْيَبَها سِهاماً / وطبْتَ ففُزْتَ بالقِدْحِ المُعَلَّى
فما جَلَتِ الدُّجى شمسٌ تَجَلَّتْ / كوجهِكَ فِي الوغى لما تَجلَّى
ولا راقَ الحُلِيُّ عَلَى سيوفٍ / كسيفكَ من دمائهِمُ مُحَلَّى
إذا التَقَتِ الفتوحُ عَلَيْكَ تَتْرى / فأولى للمصابِ بِهِنَّ أَولى
وجاءَتْكَ المُنى صُوَراً تَوَالى / فلا تَحْزُنْكَ صَفْحَةُ مَا تَوَلَّى
ولا يُؤْيِسْكَ أبراجٌ تَسامَتْ / بأهمَاجٍ فإنَّ لَدَيْكَ أعْلى
ورُبَّ عُقابِ شاهِقَةٍ تَعَلَّى / بِهَا أَمَلٌ إلى يَدِكُمْ تَدَلَّى
إلى شَجا لاعِجٍ فِي القلْبِ مُضْطَرِمِ
إلى شَجا لاعِجٍ فِي القلْبِ مُضْطَرِمِ / جاشٍ إليكَ بِهِ بَحرٌ مِنَ الكَلِمِ
ودَمْعِ أجفانِ عَيْنٍ قَدْ شَرِقْنَ بِهِ / حتَّى ترقرقَ بينَ الرِّقِ والقلَمِ
دَيْناً لِذي أُسْرَةٍ دُنْيا وَفَيْتَ بِهِ / ورَحْمةً وُصِلَتْ مِنِّي بذِي رَحِمِ
إكرامُهُ كَرَمي وذُلُّهُ أَلَمِي / وظُلْمُهُ ظُلَمِي وَعُدْمُهُ عَدَمي
إذا رَدَدْتُ سيوفَ الهِندِ عَنْ دَمِهِ / فإنما رَجَعَتْ عَنْ مُهْجَتي وَدَمي
وإنْ ضَرَبْتُ رِواقاً دونَ حُرْمَتِهِ / فإنَّها سُتُري مُدَّتْ عَلَى حُرَمِي
لَهفي عليهِ وَقَدْ أهوَتْ لَهُ نُكَبٌ / لا تستقلُّ لَهَا ساقٌ عَلَى قَدَمٍ
فباتَ يُسْعِرُ بَرْدَ الليلِ من حُرَقٍ / ويَسْتَثيرُ دموعَ الصَّخْرِ من ألَمِ
وما بِعَيْنيَّ عن مثواهُ من وَسَنٍ / وَمَا بأذْنيَّ عن شكواهُ من صَمَمِ
لو أنَّها كُرْبَةٌ مِنْها أُنَفِّسُها / بالمارِنِ اللَّدْنِ أو بالصَّارِمِ الخَذِمِ
لكنَّها كُرْبَةٌ جَلَّتْ مواقِعُها / عن حَوْلِ مُتَّئِدٍ أَوْ صَوْلِ مُنْتَقِمِ
فما هَزَزْتُ لَهَا إلّا شَبا قَلَمٍ / مُسْتنصِرِ العفوِ أو مُسْتَصْرِخِ الكَرَمِ
إلى الَّذِي حَكَمَتْ بالعفوِ قُدْرَتُهُ / لما دَعَتْهُ المُنى احْكُمْ يَا أبا الحَكَمِ
ومَنْ إذا مَا التَظى فِي صدْرِهِ حَنَقٌ / فبارِقٌ صَعِقٌ أو مُغْدِقُ الدِّيَمِ
مَتى تَجَرَّعَ حَرَّ القَيْظِ مُغتَرِباً / فَابشِرْ لِغُلَّتِهِ بالبارِدِ الشَّبِمِ
تَلْقى الكتائِبَ فِي إقدامِ مُصْطَلِمٍ / وعُذْرَ جانيهِ فِي إعراضِ مُنْهَزِمِ
إنَّ رَوْضاً لَمْ تَسْقِهِ مُنْذُ عامِ
إنَّ رَوْضاً لَمْ تَسْقِهِ مُنْذُ عامِ / لمخوفٌ عليهِ حَرُّ الأوامِ
جارُكَ اللهُ كيفَ يظمأُ رَوْضٌ / أنتَ جارٌ لهُ وبَحْرُكَ طامِ
فائِحٌ من شَذَاكَ يوماً فَيوماً / أن سَقاهُ نَدَاكَ عاماً بِعامِ
وفِّهِ من نَداكَ أوْفى نصيبٍ / فَجَزَاءُ الكِرامِ رَهْنُ التَّمامِ
وأحَقُّ الرياضِ بالسَّقْيِ رَوْضٌ / رَاهِنٌ شُكرُهُ مَعَ الأيامِ
والأيادِي أهِلَّةٌ فإذا مَا / تُمِّمَتْ أشبَهَتْ بُدور التمامِ
ورياضُ الأشراف أكْرَمُ من أنْ / تَتَباهى إلّا بِسَقْيِ الكرامِ
وعيدٌ وفصدٌ / ألَّفا من سَلامةٍ وسَلامِ
وكلا الطَّالِعَيْنِ سَعْدٌ ويُمْنٌ / صادقُ الفَألِ جائِزُ الأحْكامِ
راحْةٌ فُجِّرَتْ بِتَفْجِيرٍ رَاحٍ / ودَمٌ صائِبٌ لِصوْبِ مُدَامِ
وأرى العيدَ يقتضي منكَ وعداً / كاقْتِضاءِ الثَرى لِصَوْبِ الغَمامِ
ودَوَاءٌ مُضَمَّنٌ لشِفاءٍ / وسُرورٌ مُيَسَّرٌ بِدوَامِ
أُهَنِّيكُما مَا يَهْنِئُ الدِّينَ مِنكُما
أُهَنِّيكُما مَا يَهْنِئُ الدِّينَ مِنكُما / هدىً ونَدىً فلْيَسْلَمِ الدِّينُ واسْلَما
وشهرٌ تولَّى راضِياً قَدْ بلَغْتُما / مداهُ كِراماً قُوَّمَ الليلِ صُوَّما
وفِطرٌ تحلَّى بالصلاةِ إلى الَّذي / دَعَوْناهُ ألّا يُوحِشَ الأرْضَ مِنكُما
فأسْفرَ عن وجْهٍ تجلَّى سَناكُما / وصدقٍ تجلَّى بالسلامِ عَلَيْكُما
وأكرِم بِه فِطراً يْبَشِّرُ بالمُنى / وعيداً مُعاداً بالسرورِ لَدَيْكُما
ولم أرْ يوماً كَانَ أبْهجَ مَنظَراً / وأسْنى وأسْرى فِي القلوبِ وأكْرَما
وأكبَرَ أَقماراً عَلَوْنَ أهِلَّةً / وعالَيْنَ فِي جَوٍّ من النَّقْعِ أنْجُما
ولا مَلِكاً قَدْ عظَّمَ اللهُ قَدْرَهُ / أَقَلَّ اختيالاً منكُما وتَعَظُّما
يُضاحِكُ فِيهِ الشمسُ دُرّاً وجَوْهَراً / ويحسُدُ منهُ الرَّوْضُ وَشْياً مُنَمْنما
وخُطَّابُ أمرِ الثَّغْرِ قَدْ صَدَقَتْهُمُ / عيونٌ يُعَفِّينَ الحديثَ المُتَرْجَما
خَلَتْ لكَما من كلِّ بَعْلٍ ومالِكٍ / ونادتكُما للنّصْرِ فَذَّاً وتَوْأمَا
دوالَيْكُما إنَّ الرَّمايا لِمَنْ رَمى / ودونَكُما إنَّ العزيزَ لِمَنْ حَمى
فإنَّ جَنِيَّ الباسِقاتِ لِمنْ جَنى / وإنَّ سماءَ المَكرُماتِ لِمَنْ سَما
وما تَيَّم الأخطارَ والرُّتَبَ العُلى / كَمَنْ باتَ مَشْغوفاً بِهِنَّ مُتَيَّما
ومَنْ رَفَعَ الأعلامَ فِي السَّلْمِ والوغى / لِيجعلَها للحقِّ والعدلِ سُلَّما
ومَنْ ليسَ يرضى الفضلَ إلّا مُبادِئاً / ولا يصنَعُ المعروفَ إلّا مُتَمِّما
ومن لا يرى نَيْلَ المراتِبِ مَغنَماً / لمَنْ قَدْ يرى بذلَ الرَّغائِبِ مَغرَما
ومن حَدَّ ألّا يُورِدَ الماءَ خيلَهُ / غداةَ الوغى حتَّى يخوضَ بِهَا الدَّما
ومن ليسَ يرضى حُكْمَ يُمْناهُ فِي العِدى / إذا لَمْ يَكُنْ فِيهِ النَّدى مُتَحَكِّما
ومن بَشَّرَ الإسلامَ بالسَّلْمِ قادِماً / وأنذرَ حِزْبَ البَغيِ بالسيفِ مُقْدِما
مكارِمُ تعتامُ الكِرامَ فلا تَبِتْ / كريمةُ هَذَا الثغرِ منهنَّ أَيِّما
فَشُدَّا لَهَا مِيثاقَ مَهْرٍ مُؤجَّلٍ / وسُوقا إليها المَهْرَ مَهْراً مُقَدَّما
فقد لَبِسْتَ بُرْدَ الوفاءِ وَقَلَّدَتْ / ترائبَها عِقْدَ الوفاءِ مُنَظَّما
وقد أشرَقَتْ مِنْ فَوقِ تاجُو مُنِيفَةً / بتاجِ هِلالٍ قَدْ تَكَلَّلَ أنْجُما
وأنَّى بِهَا عن كُفْرِها ومَلِيكِها / وبالهائِمِ المُشْتاقِ عَنْها وعَنْكُما
وفِلْذَةُ قَلبي فِي حِماها رَهِينَةً / وإنسانُ عَيْني فِي ذَراها مُخَيِّما
تَقَسَّمَ رَيْبُ الدَّهْرِ والنَّأي شملَنا / وقلباً غدا لِلبَينِ نَهْباَ مُقَسَّما
فما نَأْتسِي إِلّا أَسىً وتَعَزِّياً / وَمَا نلتَقي إِلّا كَرىً وتَوَهُّما
لياليَ كالإِعدامِ طَوَّلَها الأَسى / وطاوَلْتُها حَوْلاً وحَوْلاً مُجَرَّمَا
أَسَهْماً رماهُ عن قِسِيِّ جَوانِحِي / فِراقٌ فوَالى منهُ قَلْبيَ أَسْهُما
بذكراكَ شَاجَيْتَ الحمامَ فلَوْ وَفى / لأَنباكَ عن شَجْوِي إذَا مَا تَرَنَّما
وإِنْ يَرْعَ لي وَكْفُ الحيا حقَّ مُسعِدٍ / يُخَبِّرْكَ عن دمعي إليك إذا همى
فكم عذتُ من لَيْلِ الهمومِ بلَيْلَةٍ / تركتُ بِهَا الأَجفانَ حَسْرَى ونُوَّمَا
فأَسْرَيْتُها بِالشِّعْرَيَيْنِ مُفَرِّطاً / وأَفْنَيْتُها بالقلبِ عنها مُخَيِّما
وكم ليلةٍ ليلاءَ وافَيْتُ صُبْحَها / أَذَرَّ عَلَى عيني ظلاماً وأَظْلَما
دُجىً مثلَ جِلْبابِ السماءِ اسْتَمَرَّ بِي / فَقَنَّعَ فَوْدَيَّ المشيبَ وعَمَّما
وصبحاً كسا الآفاقَ نُوراً وبهجةً / ووَجْهِيَ قِطْعاً من دُجى الليلِ مُظْلما
وكم لُجَّةٍ خضراءَ من لُجَجِ الرَّدى / ركبتُ لَهَا فِي الليلِ أَظْلَمَ أَدْهَما
كسا الصُّبْحُ أَعلاهُ مُلاءً مُهدَّباً / وأَسفَلَهُ الإِظلامُ بُرْداً مُحَمَّما
إذَا رَقرَقَتْ رِيحُ الصَّبا من جَناحِه / تَحَمَّلَ أُكْمَ الموتِ غَرْقى وعُوَّما
فأَهْوِ بِهِ فِي مُفْرَجِ الموتِ حَيَّةً / وأَعْلِ بِهِ فِي هَضْبَةِ الحَيْنِ أَعْصَما
خطوباً لبستُ الصَّبْرَ حَتَّى جَعَلْتُها / لِمَرْقى أَيادِي العامِرِيِّينَ سُلَّما
فأَصْبَحْتُ نَجْماً فِي سماءِ كَرَامَةٍ / مُحَيَّاً مُفَدَّىً بالنُّفوسِ مُعَظَّما
مَليكَيْ زمانَيْنا وجارَيْ دِيارِنا / بِزَاهِرَةِ المُلْكِ الَّتِي أَنْجَبَتْهُما
بعِزِّ لواءٍ يبلُغُ النجمَ إِنْ عَلا / وبَحْرِ عَطاءٍ يَرْغَبُ الأَرْضَ إِنْ طَمى
وخيلٍ تَهُدُّ الأَرضَ تَسْرِي وتَغْتَدِي / تقودُ ملوكَ الأَرضِ أَسْراً ومَغْنَما
أَما والقُصورِ البِيضِ منها وَمَا حَوَتْ / من الصِّيدِ كالآسادِ والبِيضِ كالدُّمى
وَمَا عَمَرَتْ منها الليالي وغَيَّرَتْ / وشَيَّدَ أَمْرُ اللهِ فِيهَا وهَدَّما
وعافِي قُصورٍ من قصورٍ بَلاقِعٍ / إذَا ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ فِيهِنَّ أَظْلَما
لقد سُلِّيَتْ عنها بلادٌ حَوَتْكُما / وَقَدْ عُوِّضَتْ مِنها جُفونٌ رأَتْكُما
فآواكُما ذُو العَرْشِ فِي ظِلِّ أَمْنِهِ / ولا حَلَّ عَقْدَ النَّصْرِ منهُ عَلَيْكُما
جَزَاءً لما أَوْلَيْتُما وكَفَيْتُما / وآوَيْتُما من غُرْبَةٍ وكَنفْتُما
هَرَبْنا إِليكمْ فآوَيْتُمُونَا
هَرَبْنا إِليكمْ فآوَيْتُمُونَا / وخفْنا الحُتُوفَ فأَمَّنْتُمُونا
وشَرَّدَنا السَّيْفُ من أَرْضِنا / سِراعاً إِلَيْكمْ فَآسَيْتُمُونا
وهَوَّنَ أَقْدارَنا الإِغْتِرابُ / عَلَى كُلِّ خَلْقٍ فأَكْرَمْتُمُونا
وأَوْحَشَنا الدَّهْرُ فِي كُلِّ بَرٍّ / وَفِي كل بحرٍ فأَنَّسْتُمونَا
وكم قَدْ دَعَوْنا قريبَ الدِّيارِ / وأَنتُمْ عَلَى البُعْدِ لَبَّيْتُمونا
وقابَلْتُمُ دُونَنا المُعتَدِينَ / ونحنُ بأَسوارِكُمْ عائِذُونا
ولاقَيْتُمُ البيضَ والسُّمْرَ عَنَّا / ونحنُ بِعَقْوَتِكُمْ آمِنُونا
فأَسْرَيْتُمُ الليلَ حِفْظاً لنا / ونحنُ عَلَى فُرْشِكُمْ نائِمُونا
وبالأَمسِ وَدَّعتُمونا كِراماً / وأُبْتُمْ إِلَيْها فَبَشَّرْتُمونا
بأَفْرَحِ بُشْرَى تَسُرُّ النُّفوسَ / وأَعْظَمِ فَضْلٍ يُقِرُّ العُيونا
بأَنَّا نَعودُ لأَوطانِنا / وَقَدْ كَانَ يُحسَبُ أَلّا يَكونا
فجازَاكمُ اللهُ عن سَتْرِنا / بأَفْضَلِ مَا جُوزِيَ المُحْسِنُونا
وآواكُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ / مُقارَضَةً حِينَ آوَيْتُمونَا
ثُمَّ أَقْدَمْتَهُنَّ شُعْثَ النَّوَاصِي
ثُمَّ أَقْدَمْتَهُنَّ شُعْثَ النَّوَاصِي / يَتَهادَيْنَ فِي فُضُولِ الدِّلاصِ
تَحْتَ بِيضٍ كَأَنَّما صَقَلُوها / بالَّذِي أَضْمَرُوا منَ الإِخلاصِ
وظباءٍ خاضَتْ بِهِنَّ المَذَاكِي / فِي تِلاعٍ من الدِّماءِ غِصاصِ
يَنْتَعِلْنَ الخدودَ من تَحْتِ حُجْنٍ / قَدْ تَلَفَّفْنَ فِي شُعورِ النَّواصِي
بعدَ ضَرْبٍ مَا قَتْلُهُ لِمُقيدٍ / وطِعانٍ مَا جُرْحُها لِقصاصِ
وابْتِدارِ النَّجاءِ وَهْوَ غَلاءٌ / بنفوسٍ عَلَى الحتوفِ رِخَاصِ
تَنْطِقُ البِيضُ فِي الطُّلى والعَوَالي / فِي الكُلى أَبْشِرِي بِفَوْتِ الخَلاصِ
لَوْ رَكِبْتُمْ مِنَّا الرِّياحَ فِراراً / لَتَرَدَّى بكُمْ رُكوبُ المَعاصِي
كمْ دُعيتُمْ أَن لاتَ حِينَ شِقاقٍ / فأَبَيْتُمْ فلاتَ حِينَ مَناصِ
قَدْ خَطَبْنا وَقَدْ أَجازَ الوَليُّ
قَدْ خَطَبْنا وَقَدْ أَجازَ الوَليُّ / بعدَ عِلْمٍ أَنَّ الخطيبَ كَفِيُّ
وبَعَثْنا الصَّداقَ نَثْراً ونَظْماً / فَمِنَ الحَقِّ أَن تُزَفَّ الهَدِيُّ
يا أَبا جَعْفَرٍ أَمَا بَعْدَ ظِمْءٍ / جاوَزَ الخَمْسَ أَنْ تُراحَ المَطِيُّ
أَمِنَ العَدْلِ أَن تَجِفَّ حَشاها / وبِجَمَّاتِها لَدَيْكَ الرُّكِيُّ
السيفُ أَبْهى للعُلا
السيفُ أَبْهى للعُلا / والحَزْمُ أَبْلَغُ فِي المَدى
وشَرَائِعُ الحَقِّ الَّذِي / يَمَّمْتَ أَهْدى لِلْهُدى
وعواقِبُ الأَيَّامِ أَوْ / لَى أَنْ يَفِينَ لِمَنْ وَفى
والغَدْرُ أَقْبَحُ مَا تَزَو / وَدَ مَنْ دَنا أَوْ مَنْ نَأَى
لو تَغْدِرُ الشَّمْسُ انْتَهَتْ / فِي دُونِ مقدارِ السُّها
أَو دَبَّ غَدْرٌ فِي الجِبا / لِ لَعُدْنَ أَمثالَ الحَصى
وإِقالَةُ العَثَراتِ أَحْ / يا لِلنُّفوسِ مِنَ الرَّدى
نَفْسٌ إذَا أَحْيَيْتَها / فكأَنَّمَا تُحْيِي الوَرى
واللهُ قَدْ ضَمِنَ الجَزَا / ءَ لِكُلِّ مُقْتَدِرٍ عَفا
وهُوَ الَّذِي أَوْحى بأَن / نَ العَفْوَ أَقْرَبُ لِلتُّقى
وسَلامُ منْ يُسْمِي السَّلا / مَ عَلَيْكَ مَا مَتَعَ الضُّحى
يَا صَفْوَةَ الأَجفانِ من عَبَراتِها
يَا صَفْوَةَ الأَجفانِ من عَبَراتِها / ومُدَّخَرَ الأَضلاعِ من زَفَرَاتِها
هلُمِّي إِلَى أُمِّ الرَّزَايا فأَسْعِدِي / نفوساً يضيقُ الدَّهْرُ عن حَسَراتِها
لخطبٍ رمى فِي آلِ خَطَّابَ سَهْمَهُ / فَفُجِّعَتِ الدُّنيا بأَسْرى سَرَاتِها
فيَا عَبْرَةَ الأَيَّامِ بالقَمَرِ الَّذِي / بِهِ عاذَتِ الأَيَّامُ من عَبَراتِها
ويا غَمْرَةً لِلْمَوْتِ غالَ حِمامُها / فتىً أَنْقَذَ الأَحرارَ من غَمَراتِها
ويا دَوْحَةَ العِزِّ الَّتِي قادَتِ المُنى / إِلَى باسِقِ الأَغصانِ من شَجَراتِها
لَئِنْ فاتَني صَرْفُ الحِمامِ بِظِلِّها / لقد أَخْلَفَتْ لي من جَنى ثَمَرَاتِها
وإِن غاضَ عَيْنَيْ ماءِ دِجْلَةَ حَيْنُها / لقد أَغرقَتْ أَرْضَيَّ بَعْدَ فُرَاتِها
وَفِي غَياباتِ أَطْباقِ الخطوبِ شَجٍ
وَفِي غَياباتِ أَطْباقِ الخطوبِ شَجٍ / بالبَيْنِ يَيْأَسُ أَحياناً ويَنْتَظِرُ
مُظاهِرٌ بَيْنَ لَيْلَيْ كُرْبَةٍ ودُجىً / لا يُرْتَجى لَهُما فَجْرٌ ولا سَحَرُ
قَدْ أَخْرَسَ الدهرُ منهُ مَنْطِقاً هَتَفَتْ / عنهُ الرَّزايا أَلا غادٍ فَمُعْتَبِرُ
لِمُعْتَلِي هِمَّةٍ بَيْنَ النجومِ هَوَتْ / بِهِ النجومُ بِرُزْءٍ مَا لَهُ وَزَرُ
وتِلْكَ آثارُهُ بالمَشْرِقَيْنِ سَناً / للعينِ والعَيْنُ لا حَظٌّ ولا أَثَرُ
حانٍ عَلَى كَرِشٍ منثورةٍ سُلُبٍ / يكادُ من شَجْوِهِنَّ النَّجْمُ يَنْتَثِرُ
أُبْرِزْنَ من سُتُرِ الإِكرامِ وانْسَدَلَتْ / من الهوانِ عَلَيْنا بَعْدَهُ سُتُرُ
يُخْفِي التَّعَفُّفَ مَثْوانا فلَيْسَ لِذِي / أُنْسٍ إِلَى وَحْشِنا سَمْعٌ ولا بَصَرُ
ولا يَدٌ غيرَ أَيدِي الظُّلْمِ تَعرِفُنا / ولا بغيرِ دُموعِ العينِ نَنْتَصِرُ
نَرْعى الهَشيمَ ونَمْتَصُّ الثِّمارَ وَقَدْ / أَظَلَّ أَنهارَنا الأَغصانُ والثَّمَرُ
والأَرضُ مَضْجَعُ أَبْشارٍ مُمَهَّدَةٍ / لَهَا الأَرائِكُ فِي الأَكْنانِ والسُّرُرُ
وتحتَ أَجْنَحَةِ الإِشفاقِ حانِيةً / حُمْرُ الحواصِلِ لا ماءٌ ولا شَجَرُ
إذَا تَضَرَّمَ بالشَّكْوى تَحَلَّلَهُ / وَجْهٌ بماءِ الحَياءِ العِدِّ يَنْفَجِرُ
وهل بِسَمْعِكَ يَا يَحْيَى حَيِيتَ لَنا / عن دَعْوَتي زَوَرٌ أَوْ عَنْكَ لي وَزَرُ
وهَلْ بِمَدْحِكَ أَسْتَقْضيكَ عارِفَةً / بَلِ الغَمامُ بِطَبْعِ السَّكْبِ يَنْهَمِرُ
وإِنَّ أَوْلى بِمُهْدٍ فيكَ مِدْحَتَهُ / لَوْ جاءَ قَبْلُ مِنَ التَّقْصِيرِ يَعْتَذِرُ
وأَيْنَ نَظمي ونَثْرِي من حُلى مَلِكٍ / تُتْلى بِمَفْخَرِهِ الآياتُ والسُّوَرُ
وكيفَ يَبْلُغ سَبْقِي فِي مَدَائِحِهِ / مَدىً تقاصَرَ عنهُ الجِنُّ والبَشَرُ
لِيَهْنِكَ الفِطْرُ والأَعيادُ تتبعُهُ / فِي عِزِّ مُلْكِكَ مَا فِي صفوِهِ كَدَرُ
والنَّصرُ مُتَّصِلٌ والفَتْحُ مُقْتَبَلٌ / سارٍ فَمُدَّلِجٌ غادٍ فَمُبْتَكِرُ
وَقَدْ تسابَقَتِ البُشْرَى إِلَيْكَ بِما / بِهِ توالَتْ إِلَى أَعادائِكَ النُّذُرُ
فالْبَسْ ثيابَ ثَناءٍ حَلْيُ عاتِقِها / سيفٌ عَلَى الثَّغْرِ لا يُبْقِي ولا يَذَرُ
لعلَّنا نَرِدُ الماءَ الَّذِي صَدَرَتْ / عنهُ الحوائِمُ وِرْداً مَا لَهُ صَدَرُ
وتَنْجَلِي ظُلُماتُ الخطْبِ عن أُمَمٍ / لا الشَّمْسُ آفِلَةٌ عنها ولا القَمَرُ
بأَوْجُهِ الفاطِمِيِّينَ الَّتِي شَهِدَتْ / شمسُ الضُّحى أَنَّها فِي وجهِها غُرَرُ