القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِيف اليازجي الكل
المجموع : 478
تَذكَّرَ المُنْحَنَى فانْهَلَّ مَدمَعُهُ
تَذكَّرَ المُنْحَنَى فانْهَلَّ مَدمَعُهُ / صَبابةً وانحَنَتْ للشَّوقِ أضلُعُهُ
وباتَ من وَلَهٍ يَرعَى النُجومَ فما / دَرى أفي الأرضِ أم في الأُفقِ مَضجَعُهُ
صَبٌّ مَضَى النَومُ من أجفانِهِ فجَرَتْ / في إثرِهِ عَبرةٌ منها تُشيِّعُهُ
إذا سَرَتْ نَسَماتُ الغَورِ خَرَّ لها / وَجداً فكانَ نَسيمُ الرِّيح يَصرَعُهُ
يا لابساً كُلَّ يومٍ ثوبَ زَخرفَةٍ / ألبَستَ مُضناكَ ثوباً ليسَ يَخلَعُهُ
لئِن تَكُنْ نَظْرةٌ جَرَّتْ لهُ ضَررَاً / مُنذُ القديمِ فتلكَ اليومَ تَنفَعُهُ
إذا تَعمَّدَ أنْ ييسلوكَ عارَضَهُ / قلبٌ إليهِ بذاكَ الحِينِ تَرجِعُهُ
وكُلَّما أطبَقَتْ للنَّومِ مُقلَتُهُ / جَفناً بَعَثْتَ خيالاً منكَ يَقرَعُهُ
ما كانَ يَرضَى حديثاً منكَ عن طَمَعٍ / فَصارَ يَرَضى حديثاً عنكَ يَسمَعُهُ
إن كانَ لا يَملِكُ الظَمْآنُ نهلتَهُ / مِن المياهِ فقطرُ الماءِ يُقنعُهُ
آمنتُ بالله ما هذا الهوى فلقد / أذابَ ما ليسَ حَرُّ النَّارِ يلذَعُهُ
لا تَلَبَسِ الدِّرعَ يا شاكي السِّلاحِ إذا / زُرتَ الحِمى فلِحاظُ الغِيدِ تقطَعُهُ
كُلُّ البُدورِ التِّي في الشَّرقِ مَطلِعُها / تَفدِي الأميرَ الذي في الغَربِ مَطلعُهُ
في غَربِ لُبنانَ من أرضِ المَشارِقِ لا / في مَغرِبِ الأرضِ مَنْشاهُ ومَرْبَعُهُ
لهُ الشُّوَيفاتُ بُرجٌ حَلَّهُ قَمَرٌ / لذاكَ كانَ تُجاهَ البَحرِ مَوقِعُهُ
شَهْمٌ يَغارُ على الآدابِ يَجمَعُها / ولا يَغارُ على الدِّينارِ يجمَعُهُ
يسطُو على شَمْلِ بيتِ المالِ مُقتَطِعاً / كأنَّهُ بيتُ شِعرٍ إذْ يُقطِّعُهُ
ردَّ الزَّمانُ لهُ المَجدَ القدِيمَ كما / رُدَّتْ على عَقِبِ الكِندِيِّ أدرُعُهُ
ومَن وَفَى النَّاسَ في ما كان مؤتَمناً / وَفَى لهُ الدَّهرُ في ما كان يُودِعُهُ
تُرَى مَتَى تَشتفي الحُسَّادُ من رَجُلٍ / تُرِيدُ خَفضاً لهُ واللهُ يَرفَعُهُ
إذا قضَى اللهُ أمراً لا يُرَدُّ وإنْ / أجرَى عَطاءً فمنْ في الأرضِ يمَنعُهُ
مَلائِكُ العرشِ تغدو بالسَّلامِ على / مُحمَّدٍ ورِضَى الرَحْمنِ يَتبَعُهُ
هذا الذي بَعَثَ اللهُ الكرِيمُ بهِ / للناسِ حتى يقولوا جَلَّ مُبدِعُهُ
لا تَعجَبوا من سَقامٍ قد تَعَوَّدَهُ / فَمنْ رآهُ يَدُمْ فيهِ تَوَلُّعُهُ
مَنْ كانَ يَشفِي منَ الأوجاعِ مَنظَرُهُ / ولُطُفُهُ كيفَ هذا الدَّاءُ يُوجِعُهُ
لا بُدَّ للضِّيقِ أنْ يَمضي إلى فَرَجٍ / لكنْ لَعلَّ أشَدَّ الضِّيقِ أسرَعُهُ
إذا كَسا اليومُ نَصْلَ السَّيفِ ثوبَ صَدَا / رَجَوتُ أنَّ غَداً لا بُدَّ يَنزِعُهُ
إن كُنتَ باللهِ في دُنياكَ تَعتصِمُ
إن كُنتَ باللهِ في دُنياكَ تَعتصِمُ / فلا تَكُنْ خائفاً إن زَلَّتِ القَدَمُ
واطلُبْ لنَفسِكَ غَيرَ الأرضِ مَنزِلةً / إنْ كُنتَ تَبِغي نَعيماً ما بهِ ألَمُ
مَن عاشَ في الأرضِ لا تُرجَى سَلامتُهُ / من نَكبةٍ وَبلايا الدَّهرِ تَزدَحمُ
وكيفَ يأمَنُ من لَطْمِ المياهِ لهُ / مَن خاضَ في البحر والأمواجُ تَلتطِمُ
حوادثُ الدَّهرِ تَخْتارُ الكرامَ فما / زالت على حَسَبِ الأقدارِ تَنقسِمُ
وهَمُّ كلٍّ على مِقدارِ همَّتِهِ / فلا هُمومَ لقَومٍ ما لهم هِمَمُ
النَّاسُ للنَّاسِ كالأعداءِ ما بَرِحَتْ / في أكثرِ الأمر تأتي منهمُ النِّقَمُ
إن لم يكن ضَرُّهُمْ عَمْداً فَعَنْ خَطأٍ / وقد يكونُ بقَصدِ النَّفعِ ضَرُّهُمُ
غَنيمةُ العيشِ في الدُنيا تَجَنُّبُهمْ / لكنَّ ذلكَ مِمَّا ليسَ يُغتَنَمُ
هم كالطَّعامِ الذي لا بُدَّ منه لنا / بهِ نَعيشُ ومنهُ يَحدُثُ السَّقَمُ
كلُّ الجَواهرِ أعراضٌ رَزِيَّتُها / تَهونُ إذ تَسلَمُ الأعراضُ والشِّيمُ
والمالُ مثلُ نسيمِ الرِّيحِ إن سَلِمَتْ / بقُدرةِ اللهِ في أبدانِنا النَّسَمُ
ليسَ البُكاءُ لِفَقْدٍ بَعدَهُ خَلَفٌ / إن البُكاءَ لِفَقْدٍ بَعدَهُ عَدَمُ
قد يَنبتُ المالُ مِثلَ الظُفرِ تَقطَعُهُ / وثُلمَةُ المال مثلَ الجُرحِ تَلتحِمُ
ما دامَ للأجْدَلِ القَنَّاصِ أجنِحةٌ / لا يُفلِتُ الصَّيدُ منهُ حيثُ يَنهزِمُ
والخَيرُ يَعرِفُ طُرْقاً قد تَعوَّدها / فلا يَضِلُّ ولو قامَتْ بها الظُلَمُ
أجَلُّ للمَرْءِ من مجدِ الغِنَى شَرَفاً / مجدُ الوَفاءِ تَقَوى اللهِ والكَرَمُ
وأرفَعُ النَّاسِ عِندَ اللهِ منزِلةً / مَنْ لم يكن لِحُقوقِ النَّاسِ يَهتَضِمُ
للهِ في الخلَقِ سِرٌّ ليس نُدرِكُهُ / وحِكمةٌ بَطَلَتْ من دُونِها الحِكَمُ
لا يُرزَقُ العبدُ إلاّ ما قَضاهُ ولا / يُصيبُهُ غيرُ ما يَجرِي بهِ القَلَمُ
سيَجبُرُ اللهُ قَلباً باتَ مُنكسراً / وليسَ يَترُكُ جَمْراً كانَ يَضطِرمُ
لا ضِيقَ في الدَّهرِ إلا بَعدَهُ فَرَجٌ / ولا شبيبةَ إلاّ بَعدَها هَرَمُ
إذا رَمَى اللهُ يُمنَى العبدِ في عَسَمٍ / يُبقي الشِّمالَ فلا يَغتالُها العَسَمُ
إن لم تَدُمْ عِندَ نصرِ اللهِ نِعمتُهُ / فقد تَعاهَدَ شُكرُ اللهِ والنِّعَمُ
أطوفُ الأرضَ في شَرْقٍ وغَرْبِ
أطوفُ الأرضَ في شَرْقٍ وغَرْبِ / وقلبي نازلٌ بدِيارِ صَحْبي
فلي قلبٌ هُناكَ بغيرِ جِسمٍ / ولي جِسمٌ هُناكَ بغيرِ قلبِ
أحِنُّ إلى الدِّيارِ وساكِنيها / على بُعْدٍ وإن بَخُلَتْ بِقُربِ
فيَصدُقُ مَن يقولُ هُناكَ دائي / ويَصدُقُ من يقولُ هُناكَ طِبِّي
وفي تِلكَ الخُدُورِ مَهاةُ إنسٍ / مُمنَّعةٌ بحُجْبٍ بَعدَ حُجْبِ
تَصيدُ ولا تُصادُ إذا غَزَونا / فلا تُسبَى لذلكَ وَهْيَ تَسْبي
فتاةٌ وَجههُا من آلِ بَدرٍ / ولكن عينُها من آلِ حَربِ
تُصيبُ سِهامُها من غيرِ رَشقٍ / ويقَطعُ سَيفُها من غيرِ ضَربِ
أرَتْني من خِلالِ السّجْفِ طَرْفاً / قرأتُ عليهِ إنَّ اللهَ حسْبي
ووَجهاً لو ظَفِرتُ بوَجنتَيهِ / كَتبتُ عليهِما سُبحانَ ربي
جَفَتْني حِينَ قُلتُ الشِّعرَ فيها / وقالتْ قد جَلَبتَ عليكَ عَتْبي
تَعُدُّ عليَّ نظمَ الشِّعرَ ذَنباً / نَعَمْ لِسِوَى الأميرِ الشِّعرُ ذَنْبي
مَنَحتُ أبا مُحمَّدَ كُلَّ شعري / فكانَ لِمَنْ سِواهُ مالَ سَلْبِ
ومَن كأبي مُحمَّدَ يلتقيهِ / بوجهٍ مبشرٍ وفؤادِ صبِّ
ومن كآبي محمَّدَ أهل مدحٍ / ينزَّهُ صدقُهُ عن شينِ كِذبِ
ومن كأبي مُحمَّدَ أهلُ مَدحٍ / يُنزَّهُ صِدقُهُ عن شَينِ كِذْبِ
طَلَبتُ العفَو عن جَهْلي لأنِّي / طَلبتُ نظيرَهُ والجَهْلُ دأبي
فأدَّبني بسَعيٍ ضاعَ هَدْراً / كريمٌ كُلَّما أدعو يُلبّي
بَعيدُ الصِيتِ يَعبَقُ من ثناهُ / أريجُ المِسكِ في عُجْمٍ وعُرْبِ
تُقِرُّ لهُ العِدَى بالفَضلِ رَغماً / فتَحمِلُ منهُ غَصباً فوقَ غَصبِ
إذا حاضَرَتهُ يُرضيكَ حَتَّى / تَرى عَجَباً بهِ من غيرِ عُجْبِ
وإنْ فارَقتهُ يدعوكَ شَوقٌ / إليهِ قائداً بِزمامِ جَذْبِ
نلومُ السُّقمَ إذ يأتي إليهِ / وهل ظامٍ يُلامُ بورْدِ عَذْبِ
ونَطمَعُ في السَّلامةِ من أذاهُ / فقد وافَى على قَدَمِ المُحِبِّ
شَفاكَ اللهُ من كَرْبٍ تَراهُ / كما يشفَي بلُطفِكَ كلَّ كَرْبِ
فإنَّكَ في بِلادِ الشَّرْقِ رُوحٌ / وإن تكُ نازلاً منها بِغَرْبِ
في ساحةِ الحَيِّ من تَيْماءَ غزْلانُ
في ساحةِ الحَيِّ من تَيْماءَ غزْلانُ / لَهُنَّ في الخِدر لا في الغابِ أوطانُ
تَحمِي حِماها رِجالٌ من بني مُضَرٍ / في السِّلمِ إنسٌ وفي يوم الوَغَى جانُ
حيٌّ طَرَقناهُ والنِيرانُ ساطعةٌ / فيهِ وللشوقِ في الأكبادِ نيرانُ
أمسَى يُديرُ لنا كأسَ المُدامِ فَتىً / بوَجهِهِ يُهتدَى والنَّجْمُ حَيرانُ
في كَفِّهِ النايُ يَسقِيهِ الرُّضابَ فلا / تَعجَبْ إذا مالَ فيها وَهْوَ نَشْوانُ
قد سَخَّرَ الرِّيحَ يَنهاها ويأمُرُها / كأنَّما هُوَ في الدُّنيا سُلَيمانُ
يا جِيرةَ الحَيِّ أنتم عُرْبُ باديةٍ / فكَيفَ ضاعتْ لكم في الحَيِّ جِيرانُ
لنا ذِمامٌ من الأسيافِ عندَكمُ / ولا ذِمامَ لِمَنْ تغزُوهُ أجفانُ
قِفُوا اسمَعُوا اليومَ ما أنشا لنا ولكم / مَنْ كُلَّ يومٍ لهُ في خَلْقِهُ شانُ
أنشا لنا اللهُ شَخصاً من عَشائِرِكم / لهُ إيادٌ أبٌ والجَدُّ قَحْطانُ
أعطاهُ حاتمُ إرثَ الجُودِ مَكرُمةً / والحِلمَ مَعْنٌ وجاهَ المُلكِ نُعمانُ
وَهْوَ الرَّبيعُ وقَيسٌ في نَباهتِهِ / وفي فَصاحتهِ قُسٌّ وسَحْبانُ
إنْ جُزتَ في غَربِ لُبنانَ الخَصيبِ فقُلْ / يا آلَ رَسلانَ ها قد قامَ رسلانُ
إن لم يكُنْ شخصَهُ قد عادَ منتشراً / فمجدهُ عادَ حيّا وهْوَ رَيَّانُ
شادَ الأمينُ بِناءَ المجدِ فارتَفَعَتْ / عِمادُهُ واستقامَتْ منهُ أركانُ
فإنْ بَنَى الدَّارَ في أرضٍ فعادتُهُ / في ذِرْوَةِ الأفْقِِ تأسيسٌ وبُنيانُ
قد شادَها كَعْبةً للوَفْدِ في حَرَمٍ / للمُلَتجينَ بهِ للحَقِّ مِيزانُ
في جَنَّةٍ تَحتَها الأنهارُ طافحةٌ / تَجري وفي بابها المَيمونِ رِضْوانُ
من قَصْرِ غُمدانَ مِحرابٌ لها وبها / من صُنعِ كِسرَى أنُوشِروانَ إيوانُ
وفَوقَها نُورُ صافي القَلبِ خُطَّ بهِ / ما خَطَّ في اللَوحِ ذو النُّورين عثُمانُ
هذا الأميرُ الذي للأمرِ في يَدِهِ / أزِمَّةٌ ولعُنقِ الدَّهرِ أرسانُ
إن كانَ يُعطي وزيرٌ غَيرَهُ رُتَباً / مِنَ الوُلاةِ فقد أعطاهُ سُلطانُ
مَولىً يَسودُ على الساداتِ خاضعةً / لأمرهِ أوجُهٌ منها وأعيانُ
راضَ الصِّعابَ التي انقادَتَ فكانَ لهُ / في القَفرِ والبَحرِ بُستانٌ ومَيْدانُ
ليسَ الشُّجاعُ الذي انقادَ الجَبانُ لهُ / إنَّ الشُّجاعَ الذي طاعتهُ شُجعانُ
وفارسُ الخيلِ من خاضَ العَجاجَ بها / وحولَهُ من كُماةِ القَومِ فُرسانُ
يا أيُّها الجبَلُ الرَّاسي على جَبَلٍ / فخراً فأنتَ على لُبنانَ لُبنانُ
لي فيكَ وحدَكَ دِيوانٌ نَظَمتُ بهِ / مدحاً وفي مَدحِ باقي الناسِ ديوانُ
فأنتَ عِنديَ نِصفُ النَّاس وا عجَبا / إن كانَ يُحسَبُ نِصفَ النَّاسِ إنسانُ
لاحَتْ بوَجهٍ بدِيعِ الأنسِ ميمونِ
لاحَتْ بوَجهٍ بدِيعِ الأنسِ ميمونِ / غَيداءُ فيها نِفارٌ غيرُ مأمونِ
وقطَّبتْ عندَ زَجرِ الصَبِّ حاجِبَها / لأنَّها تَعهَدُ التأكيدَ بالنُّونِ
حَسناءُ ظالمةُ العُشَّاقِ ما تَرَكتْ / لهم نصيباً منَ الدُّنيا ولا الدِينِ
رَشيقةٌ كلُّ لينٍ في معاطِفِها / وليسَ في قَلبِها شيءٌ منَ اللِّينِ
قولوا لرَيحانةٍ في الحَيِّ قد عَبِقَتْ / سَينقضي عاجلاً طِيبُ الرَّياحينِ
قد قَلَّ في النَّاسِ مَن تَصفو مَوَدَّتُهُ / ما أبعدَ الصَّفَو بينَ الماءِ والطِيِنِ
مَن رامَ في الدَّهرِ مِيزاناً لصُحبتِهِ / فإنَّ مِيزانَهُ طَرْحُ المَوازِينِ
مَوَدَّةُ المَرْءِ في الدُّنيا لحاجتِهِ / لا للصَّديقِ ولو دامَتْ إلى حينِ
وَيلاهُ قد ضاعَتِ الأيَّامُ ذاهبةً / في غَفلةِ اللَّهو أطويها وتَطويني
إن فاتَني نَهْيُ نفسي ليسَ ينَفعُني / نَهْيٌ ولو جاءَ مع مُوسَى وهارونِ
مَنْ عاشَرَ النَّاسَ لا يأمَنْ غَوائلَهم / كخائضِ البحرِ في أنواءِ كانونِ
وطالبُ الخيرِ من غيرِ الكرامِ كَمْن / يَرومُ بَرداً من الرَّمْضاءِ في الصِينِ
بينَ الكرامِ كريمٌ عِندَهُ كَرَمٌ / صافي المَوارِدِ عَذْبٌ غيرُ ممنونِ
ذاكَ الأمينُ ابنُ رَسلانَ الأميرُ على / لُبنانَ تعنو لهُ شُمُّ العَرانينِ
الفاعلُ الخيرَ لا نَقصٌ يُعابُ بهِ / والقائلُ الحقَّ يُجلَى بالبَراهينِ
تَملا المَسامَعَ والأبصارَ طَلعتُهُ / إذا تَصَدَّرَ في صَدرِ الدَّواوينِ
مُؤيَّدٌ بيمينِ اللهِ مُعتَضِدٌ / تَرعاهُ عينٌ تَولَتْ حِفظَ ذي النُونِ
سُعُودُهُ فوقَ أفلاكِ العُلَى ارتَفعَتْ / وذِكرُهُ دَقَّ أبوابَ السَّلاطينِ
شَهْمُ الفُؤادِ حَصيفٌ ليسَ يَشغلُهُ / سَمْعُ القَوانينِ عن حَفِظِ القَوانينِ
تَكِلُّ عن رأيهِ الآراءُ قاصِرةً / حتى تَرى كلَّ فوقٍ صار كالدُّونِ
في قلبهِ حِكمةٌ فاضت جَداوِلُها / حتَّى سَرَتْ مع دِماهُ في الشَّرايينِ
يَستَدرِكُ الأمدَ الأقصى بها ويَرَى / خَفِيَّ سِرٍّ بقلبِ المرْءِ مكنونِ
في كلِّ فَنٍّ لهُ باعٌ يطولُ فخُذْ / مَعْهُ بما شِئتَ في أيِّ الأفانينِ
يرنِّحُ الشِّعرَ عِطْفيهِ فيطرِبُهُ / إذ كان يعرفُ منه كلَّ مضمونِ
طارَتْ إليهِ قوافينا فقلتُ لها / لا يَرتَعُ الطَّيرُ إلاّ في البساتينِ
والشِّعرُ كالضَّيفِ يأتي من يُكرِّمُهُ / ولا يُباعُ لديهِ بَيعَ مغبونِ
ماذا جَلَبتِ لنا يا ليلةَ العيدِ
ماذا جَلَبتِ لنا يا ليلةَ العيدِ / غيرَ البُكاءِ لأمرٍ غيرِ مردودِ
وَيلٌ لنا منكِ قد هَيَّمْتِنا طَرَباً / من رَنَّةِ النَّوحِ لا من رَنَّةِ العُودِ
لا أخَذَ اللهُ قلباً لم يَطِرْ أسَفاً / مني لشَخصٍ عظيمِ الشأنِ مفقودِ
قَدَّمتُ عنهُ غداةَ البينِ تَعْزِيةً / للحَزْم والعَزْمِ والإقدامِ والجُودِ
هذا الأميرُ أمينُ اللهِ مُضطَجِعٌ / في طَيِّ رَمسٍ منَ الأبراجِ محسودِ
قد أودَعَ اللهُ فيهِ خيرَ جَوهَرةٍ / في خيرِ كَنْزٍ بعينِ اللُطفِ مرصودِ
هذا الذي كانَ رُكناً يُستَجارُ على / كيدِ الزِّمانِ بِظِلٍّ منهُ ممدودِ
يُعطي الألوفَ ويَقتادُ الصُّفوفَ ولا / يَخشَى الحُتوفَ ويَلقَى كُلَّ صِنديدِ
هذا الذي كان في آرائهِ سَعَةٌ / كانتْ تَضيقُ عليها ساحةُ البيدِ
هذا الكريمُ الذي كانت مواهِبهُ / تُحيطُ بالنَّاسِ مثلَ العِقدِ بالجِيدِ
يا غَرْبَ لُبنانَ لا تَهتَزَّ مُضطَرِباً / وارفُقْ فإنَّ التَّناهي غيرُ محمودِ
صَبراً على نَكَدِ الدُّنيا التي اختَرَمَتْ / عاداً وغالت سُلَيمانَ بنَ داودِ
لا تَنتزِعْ عنكَ أثوابَ الحِدادِ على / مَن كانَ جودُ يَديَهِ غيرَ محدودِ
لا تَنسَ من كانَ لا يَنسَى الصَدِيقَ ولا / تَغفُلْ مَدَى العُمرِ عن نَوحٍ وتَعديدٍ
قد خانَكَ الدَّهرُ غَدراً في تَقَلُّبهِ / حتى ابتَدَلتَ الليالي البيضَ بالسُّودِ
كانت ليالي الهَنا مَعدودةً فَمضَتْ / وخَلَّفَتْ حُزنَ دَهرٍ غيرِ معدودِ
وَيلاهُ من هذهِ الأيَّامِ ما تَرَكَتْ / قلباً سليماً ورُكناً غيرَ مهدودِ
لا تَجمعُ الشَّمْلَ إلاّ كي تُبَدِّدَهُ / ما كانَ أغناهُ عن جَمْعٍ وتبديدِ
هذِهْ ذَخيرتُنا يا أرضُ فاحتَفِظي / بها إلى مَوقفٍ للبَعثِ مشهودِ
أنتِ الأمينُ على هذا الأمينِ فلا / تُسلِّمي نُورَ ذاكَ الوَجهِ للدُودِ
يا أيُّها القَبرُ هذا اليومَ فيكَ ثَوَى / أجَلُّ مَيتٍ وأبهَى كُلِّ مولودِ
احفظْ كَرامَةَ من كانت كرامتُهُ / تجري على الضَّيفِ جَرْيَ الماء في العودِ
ألقى إليكَ حمى لبنانَ واأسفا / من كانَ يُلقى إليه بالمقاليدِ
مَن شادَ مَجْدَ بني رَسلانَ من قِدَمٍ / مُجدِّداً مُلكَ لَخْمٍ أيَّ تجديدِ
ما زِلتُ أطمَعُ في طُولِ الحَياةِ لهُ / فكنتُ أخدَعُ نفسي بالمواعيدِ
وصارَ نظمُ المراثي بعدَ فَجْعتِهِ / مَكانَ نظمِ التَّهاني والأغاريدِ
يا مَن يَعِزُّ علينا أنْ نَصُوغَ لهُ / شِعراً بغيرِ مديحٍ فيهِ معهُودِ
صارَتْ لك اليومَ أمثالٌ مُضاعفَةٌ / وكانَ مِثلُكَ قبلاً غيرَ موجودِ
هذا الذي يَجعَلُ الألبابَ خاشِعةً / ويَصدعُ القلبَ من صُمِّ الجلاميدِ
منْ لم تُفِدْهُ منَ الأحياءِ مَوعِظةٌ / يُصغِي لوَعظٍ منَ الأمواتِ مسرودِ
ما دامَ هذا اليومُ يَخلُفُهُ الغدُ
ما دامَ هذا اليومُ يَخلُفُهُ الغدُ / لا تُنكِروا أنَّ القَديمَ يُجدَّدُ
لم تُقطَعِ الأغصانُ من شَجراتها / إلاّ رأينا غَيرها يتَولَّدُ
هذا الأمينُ مَضى فقامَ محمُّدٌ / خَلَفاً فنابَ عن الأمينِ مُحمَّدُ
حَدَثٌ لهُ في العينِ يومٌ أبيَضٌ / يُجلَى بهِ في القَلبِ يومٌ أسْوَدُ
مَن عاشَ في الدُّنيا تَفطَّرَ قلبُهُ / غَماً بها إن كانَ لا يَتَجلَّدُ
إن كانَ عيني كُلّما رأتِ البَلا / سَهِرَتْ فطولَ حياتِها لا تَرقُدُ
في كُلِّ يومٍ للحَوادِثِ غارةٌ / فينا تقولُ العَودُ عندي أحمَدُ
إن لم يَكُنِ للمَرْءِ عندَ لقائِها / سَيفٌ يُسَلُّ فدِرعُ صبرٍ تُسْرَدُ
فَقْدُ العزيزِ بليَّةٌ وأخَفُّها / ما صادَفَ التَعويضَ عَمَّا يُفقَدُ
عَزَمَتْ على الإنصافِ دُنيانا التِّي / سَلَبتْ يدٌ منها وأعطَتْنا يَدُ
بَدَلٌ لشَخصِ أبيهِ حَلَّ مَحلَّهُ / فَهُوَ الذي يُنحَى إليهِ ويُقصَدُ
لم تَعَهدِ العُليا فَتىً كمُحمَّدٍ / في النَّاسِ وَهْيَ لَدَيهِ مما يُعهَدُ
ألِفَ الولايةَ من صِباهُ كِلاهُما / إلفٌ لصاحِبِهِ عليهِ مُعوَّدُ
نَظَرتْ مَناقِبَهُ الحِسانَ فأدرَكَتْ / سِرّاً تكادُ تَراهُ مِمَّا يُعبَدُ
هيَ في حِماهُ رَبيبةٌ لا تَنْثني / عن بابهِ ونَزيلةٌ لا تُطرَدُ
وضَجيعةٌ في مَهْدِهِ وَردِيفةٌ / في سَرْجِهِ وجليسةٌ إذْ يَقعُدُ
رَيَّانُ في نَظَر البصائرِ أشيَبٌ / عَجَباً وفي بَصَرِ النَّواظِرِ أمرَدُ
تَزْوَرُّ عن مرْآهُ عينُ حَسُودِهِ / كَشُعاعِ شَمْسٍ يتَّقيهِ الأرمَدُ
خَلَفٌ كريمٌ أشبَهَ السَّلَفَ الذي / كانتْ لهُ كُلُّ الخَلائقِ تَشهَدُ
ما كانَ يُوجَدُ كالأمينِ بعَصرِهِ / واليومَ مِثلُ محمَّدٍ لا يُوجَدُ
مَلِلتُ منَ القريضِ وقُلتُ يكفي
مَلِلتُ منَ القريضِ وقُلتُ يكفي / لأمرٍ شابَ قوَّتَهُ بضُعفِ
أُحاوِلُ نُكتةً في كُلِّ بيتٍ / وذلكَ قد تُقصِّرُ عنهُ كَفّي
أجلُ الشِّعرِ ما في البيتِ منهُ / غَرابةُ نُكتةٍ أو نَوعُ لُطفِ
وَبئسَ الشِّعرُ بيتٌ ليسَ فيهِ / أمامَكَ غيرُ حِيطانٍ وسَقْفِ
رأيتُ الشِّعرَ بعضٌ مِثلُ وَقْرٍ / على أُذُنٍ وبعضٌ مثلُ شَنْفِ
وفوقَ الشِّعرِ فَرْقُ النَّاسِ حتى / تَرَى من ذاكَ ضعِفاً فوقَ ضِعْفِ
إذا بَرَزَ الأميرُ ظَنَنتَ شَخصاً / كباقي النَّاسِ إذ يبدُو لِطَرْفِ
وما يُدريِكَ كم رَجلاً يُساوِي / إذا استقْرَيتَ صَفّاً بعدَ صَفِّ
نَرى في كُلِّ مسئلةٍ خِلافاً / سِوَى تَفضيلهِ في كلِّ وَصفِ
وهل في الصُّبحِ بينَ النَّاسِ خَلْفٌ / فيُثبِت بعضُهم والبعضُ يَنفي
قد اجتمعت قلوبُ النَّاسٍِ طرّاً / عليهِ وأجَمَعتْ من دُونِ خُلفِ
فلم يكُ لاختلافٍ حرفُ نفيٍ / ولم يكُ لاشتراكٍ حرفُ عَطفِ
تَحِقُّ وِلايةٌ شَرْعاً وعُرفاً / لراعي الحَقِّ في شَرْعٍ وعُرفِ
لِمَنْ لو فارَقَتْهُ بَكَتْ وحَنَّتْ / حنينَ الإلفِ عندَ فِراقِ إلفِ
سليمُ القَلبِ ذو فعلٍ صَحيحٍ / يُصرَّفُ دُونَ إعلالٍ وحَذفِ
لهُ في المجدِ تأسيسٌ قديمٌ / منَ الأقيالِ رِدْفاً بعدَ رِدفِ
أقولُ إذا خَتَمتُ المدحَ فيهِ / قدِ استوَفيتَ منهُ كلَّ حرفِ
وأرجِعُ إذْ أُراجِعُهُ كأنّي / فَطِنتُ بواحدٍ من بينِ أَلفِ
أنا عبدٌ لهُ لي رَفعُ رأسٍ / بذاكَ وللحَواسدِ رَغْمُ أنْفِ
وكُنتُ لهُ قديماً مِلْكَ إرْثٍ / فصِرْتُ لهُ حديثاً مِلْكَ وَقْفِ
أهيمُ بذكرِهِ طَرَباً كأنّي / مَعاذَ اللهِ نَشوانٌ بصِرْفِ
وأستَبِقُ الرِّياحَ إليهِ حَتَّى / أسيرَ أمامَها وتَسيرَ خلفي
أقامَ اللهُ دَولَتهُ فكانَتْ / كنُورِ البَدرِ يُجلَى بعدَ خَسْفِ
تَقاسَمْنا الهناءَ بها ولكنْ / طَمعِتُ فكانَ سَهْمي فَوْقَ نِصفِ
عُوجا على غَرْبِ لُبنانَ الذي اشتَهرَا
عُوجا على غَرْبِ لُبنانَ الذي اشتَهرَا / فذلكَ الغَرْبُ شَرْقٌ أطلَعَ القَمَرا
قد مَدَّ للبَرِّ كَفاً فاجتَنَى ثَمَراً / ومَدَّ للبحرِ كَفاً فاجتَنَى دُرَرَا
لئن تَكُنْ أرضُهُ أدنَى بِلادِكما / فتِلكَ أُسٌّ عليهِ البيتُ قد عَمَرا
والأصلُ أدنَى منَ الأغصانِ مَنزلةً / وَهْوَ الذي يُرفِدُ الأغصانَ والثَمَرا
إذا بَدا لَكُما وجهُ الأميرِ بهِ / فسَبِّحا اللهَ إرغاماً لِمَنْ كَفَرا
لا تَصرِفا طَيِّباتِ الشِّعرِ في غَزَلٍ / بحُبِّ ظبيٍ وشَكوَى صاحبٍ هَجَرا
إذا رأينا بديعَ اللُّطفِ مُنفرِداً / عن رُتبةِ النَّاسِ عِفْنا مَذَهبَ الشُّعَرا
وناظِمُ الشِّعرِ نسَّاجٌ يَحوكُ بهِ / لكُلِّ قومٍ على مقدارِهْم حِبَرَا
لَقد مدَحتُ أباهُ قَبلهُ فسَطَتْ / على يَراعي دُيونُ المَدحِ فانكَسَرا
فصارَ عندي لهُ مدحٌ يَحِقُّ لهُ / كسباً ومَدحٌ بحقِّ الإرثِ قد غَبَرا
من للشُيُوخِ بأنْ يُعطَوا فُؤَادَ فتىً / كأنَّهُ قَلبُهم في الدَّهرِ قد فُطِرا
نالَ الكمالَ الذي عِندَ الشُّيُوخِ وقد / خَلَّى لهم بعد ذاكَ الشَيْبَ والكِبَرا
أستغفِرُ اللهَ إنّي لَستُ أمدحُهُ / كما زَعمتُ أطالَ القَولُ أم قَصُرا
هُوَ الذي نالَ ما قد نالهُ وأنا / أُذيعُ للنَّاسِ عن أخلاقهِ خَبَرا
لَقد طَلَبتُ لهُ مِثلاً فأجَهَدني / هذا الطِّلابُ فمنْ يُلقي معي نَظَرا
ومَن تُرى عِندَنا مثلُ الأميرِ فَمنْ / سألتَهُ قالَ من مِثلُ الأمير تُرَى
يزورُهُ الشِّعرُ مُلتاحاً على خَجَلٍ / فيَستظِلُّ بطَيِّ الصُحْفِ مُستَتِرا
في كلِّ يومٍ على وَجهٍ نُقلِّبُهُ / لَفظاً ومَعنىً ولا نَقضي بهِ وَطَرا
يا ابنَ الأمينِ الذي أعطْتكَ شيِمتُهُ / خَمْساً فَزِدْتَ علَيهِنَّ اثنَتَيْ عَشَرا
ليسَ اللَّبيبُ الذي يأتيكَ مُمتدحاً / إنَّ اللَّبيبَ الذي يأتيكَ مُعتذِرا
قد فُقتَ من كانَ فوقَ النَّاسِ مَكرُمَةً / فأنتَ قد صِرتَ فوقَ الفَوقِ مُقتدرِا
كأَنَّما الدَّهرُ فينا شاعِرٌ فَطِنٌ / وأنتَ في نفسِهِ مَعنىً قَدِ ابتُكِرا
غابَ الأميرُ فما تَمادَى المَرجِعُ
غابَ الأميرُ فما تَمادَى المَرجِعُ / كالبَدرِ في فَلَكٍ يَغيبُ فيَطلُعُ
ألَقى على غَرْبِ البِلادِ قُدومُهُ / طَرَباً عليهِ مَتنُها يَتَوجَعُ
رَجُلٌ تُصاحِبهُ السُّعودُ إذا مَضَى / وإذا أقامَ ففي حِماهُ تَرتَعُ
ما ضَيَّعَ الرَّحمنُ اسمَ محمَّدٍ / فيهِ وإنَّ اللهَ ليسَ يُضيِّعُ
وَرِثَ الأمينَ أباهُ مُتَّخِذاً لهُ / من عندهِ أصلاً فصارَ يُفرِّعُ
فكأنَّهُ أعطاهُ مالَ تجارةٍ / أضَحى غِناهُ برِبحِها يَتَوَسعُ
يا مَن تِجارتُهُ مَكارمُ نفسِهِ / أبداً فغيرَ المجدِ لا يَستبضِعُ
تَرضَى بمَيْسورِ المنافعِ قانعاً / لكنْ بميَسورِ العُلَى لا تَقنَعُ
ما أنتَ من أهلِ الزَّمانِ وإن تَكُنْ / فيهِ فإنَّكَ لَستَ مِمَّن يَتبَعُ
عَمرَتْ رُبوعُ العِلمِ عِندَكَ بَعدَما / كادَتْ تُمزِّقُها الرِّياحُ الأربَعُ
إنَّا لفي زَمَنٍ تَدِبُّ على العَصا / فيهِ العُلومُ وقد تَقومُ فتُصرعُ
ألقى عليها المالُ هيبةَ سَيفِهِ / فمَضَتْ تَصيحُ ووَيْحَها من يَسمَعُ
هذا هُوَ المَلِكُ العظيمُ فإنَّهُ / في الأرض تَخدِمُهُ الخلائقُ أجَمعُ
وهوَ القديرُ الآمِرُ النَّاهي الذي / يَنْهَى ويأمُرُ مَنْ يشاءُ فيَخضَعُ
في كلِّ أهواءِ النُّفوسِ تَصَنُّعٌ / إلاّ هَواهُ فليسَ فيهِ تَصَنُّعُ
ولكُلِّ شَهْوةِ راغبٍ شِبَعٌ سِوَى / من يَشتَهيهِ فإنَّهُ لا يَشبَعُ
حاشا الأميرِ مِنَ المَلامِ فإنَّهُ / في غيرِ كَسبِ فضيلةٍ لا يَطمَعُ
لا تَحسَبنَّ المُستحيلَ ثلاثَةً / فنظيرُهُ للمُستحيلِ يُربَّعُ
يا أيُّها العَلَمُ الرَّفيعُ مَقامُهُ / في كلِّ أمرٍ وَهوَ لا يَتَرَفَّعُ
إنْ قُلتَ هذا شاعرٌ يَغلُو فإنْ / شَهِدتْ معي الدُّنيا فماذا تَصنَعُ
من كانَ كاتبَ نُونِ هذا الحاجِبِ
من كانَ كاتبَ نُونِ هذا الحاجِبِ / هَيهاتَ لَيسَتْ من صِناعةِ كاتبِ
ومَنِ الذي خَضَبَ الخُدُودَ بحُمرةٍ / يا مَيُّ أم لَيسَتْ بصَبْغةِ خاضِبِ
بأبي التِّي من آلِ بَدرٍ وَجْهُهُا / ولِحاظُها من رَهْطِ آلِ مُحاربِ
تغزو كما تغزو الكُماةُ وإنَّما / تَدَعُ العِدَى وتُرِيدُ غزوَ الصَّاحبِ
قُلْ للَّتي نَهَبَتْ فُؤادَ مُحبِّها / بئِسَ الغنيمةُ نَهبُ قلبٍ ذَائبِ
نَهَبَتْ خُلاصةَ مالِها من بيتِها / نفسي فِداكِ فأينَ رِبحُ الناهِبِ
كم بينَ مَن يجفو الخَليِطَ وبينَ من / يصبو إلى حُبِّ البعيدِ الغائبِ
مَن كان يهوَى فلْيَكُنْ كَمُحمَّدٍ / يَهوَى ويُهوَى بالخليقِ الواجبِ
ذَاكَ الذي منهُ المَحَبَّةُ نحوَنا / قَطَعَتْ سَباسِبَ أُرِدفَتْ بسباسبِ
كلُّ الصِّحابِ نُريدُ تَجرِبةً لهم / وهوَ الغَنيُّ عنِ امتِحانِ تَجارِبِ
أهدَى إليَّ رسالةً آمَنتُ عنْ / ثِقَةٍ بها لما أتَتْ بعَجائِبِ
حَمَلَتْ على ضُعفٍ بها من صَبْوةٍ / ما ليسَ تَحمِلُهُ مُتونُ نجائبِ
عَرَبيةٌ جاءَت بلُطفِ حواضرٍ / من رِقَّةِ المَعْنى ولَفظِ أعاربِ
نَقَشَتْ سَواداً في البَياضِ كأنَّهُ / نَقشُ الغَوالي في وجوهِ كواعبِ
يامن دعا فأجاب قلبي طائعاً / لبَّيكَ من داعٍ عزيزِ الجانبِ
ذاكَ ابتِداءٌ مالَهُ من ناسخٍ / ولُ ارِتفاعٌ مالهُ من ناصِبِ
أنتَ الوفيُّ الصادقُ الحُبِّ الذي / يَبقَى على طولِ الزَّمانِ الكاذبِ
ولقَد تَوازَنتِ المحَبَّةُ بينَنا / كتَوازُنِ الأجزاءِ في المُتقاَربِ
حَمَّلْتَني من فضلِ جُودِكَ مِنَّةً / عَظُمَتْ ولكن ليس تُثقِلُ غاربي
مِنَنُ الكِرامِ على الرِّجالِ خفيفةٌ / إذ ليسَ من عَيبٍ بِهِنَّ لعائبِ
خَودٌ من العُرْبِ عافَتْ شيمةَ الكَرَمِ
خَودٌ من العُرْبِ عافَتْ شيمةَ الكَرَمِ / تَضَنُّ حتَّى بحرفِ النَّفْيِ في الكَلَمِ
قد أتهَمَتْني بذَنْبٍ لَسْتُ أعرِفُهُ / وأكثَرُ الظُّلمِ في الدُّنيا منَ التُّهَمِ
عاتَبتُها فأشاحَتْ غيرَ ناطقةٍ / كأنَّها من بَناتِ الفُرْسِ والعَجَمِ
وما عَجِبتُ فقد كان العَذُولُ بها / يَقولُ سُبحانَ من أبلاكَ بالصَمَمِ
وما لي وما لِكلامِ العاذلِينَ فكم / من ناصحٍ يَتَلقَّى البُرْءَ بالسَقَمِ
وأكثَرُ القَولِ ظنٌّ لا ثَباتَ لهُ / وأكثرُ الظَنِّ وَهْمٌ زاهقُ القَدَمِ
من يَصْحَبِ الدَّهر يعرِفْ حالتَيهِ ومن / يعاجلِ الأمرَ لا يخلو منَ النَدَمِ
ومن يَسَلْ عن أخٍ يَرعَى الذِّمامَ فقُلْ / جِبريلُ من صَدَقاتِ اللهِ ذي النِعَمِ
ذاكَ الصدِيقُ السَّليمُ القلبِ من وَضَرٍ / والصَّادِقُ البارعُ الآدابِ والشِيَمِ
لهُ على الدَّهرِ عهدٌ غيرُ مُنتقِضٍ / قُرباً وبُعداً ووُدٌّ غيرُ مُنثَلِمِ
مُهذَّبُ العقلِ لا يَحتاجُ مَعذِرةً / ويَقبَلُ العُذرَ من لُطفٍ ومن كَرَمِ
ولا يَضيقُ لهُ صَدرٌ بنائبةٍ / ولا يَميلُ لهُ عِطفٌ مَعَ النَّسَمِ
هُوَ البديعُ الذي فاقَ البديعَ وقد / أهدى البديعَ كُدرٍّ منهُ مُنتَظِمِ
قد حَمَّلَ القلبَ شُكراً ليسَ يحمِلُهُ / فَهبَّ مُستنجداً باللَّوحِ والقَلَمِ
أولَى الجميلِ بحَمْدٍ ما بَدَأتَ بهِ / إذا أضَفْتَ إليهِ حُسنَ مُختَتَمِ
وأحسَنُ الأمرِ ما سَرَّتْ عواقِبُهُ / كالصُّبحِ يُنِسي ضياهُ سالفَ الظُلَمِ
زِدْني مِنَ الشِّعرِ يا جِبريلُ فاكِهةً / ودَعْ ثنَاكَ لِمَنْ لاقَ الثَّنا بهِمِ
مَنْ عُوِّدَتْ أُذنُهُ سَمْعَ المديحِ لهُ / تَعوَّدَ النَّاسُ منهُ سَمْعَ مدْحِ فَمِ
خُذُوا حِذرَكم من طَرْفِهِ فَهْوَ قَتَّالُ
خُذُوا حِذرَكم من طَرْفِهِ فَهْوَ قَتَّالُ / ولا تَطمَعوا في عِطفِهِ فَهْوَ مَيَّالُ
ولا تَعجَبُوا للنَدِّ في صَحْنِ خَدِّهِ / فمِن فَوقِهِ نُونٌ ومن حَولِهِ دالُ
مَليحٌ تُباعُ الرُّوحُ في سُوقِ حُبِّهِ / وليسَ سِوَى تِلكَ اللّواحظِ دَلاّلُ
منَ الغِيدِ بَرْدٌ لا سَلامٌ بِثَغْرِهِ / فأصبَحَ فيهِ يُجمَعُ الماءُ والآلُ
جَرَى عَرَقٌ في خَدِّهِ لالْتهابِهِ / فذلكَ ماءُ الوَردِ في الخَدِّ سَيَّالُ
وقد قَطَرَتْ إذ حَظَّتِ السِّحرَ عينُهُ / منَ الحِبرِ فيهِ نُقطةٌ اسمُها الخالُ
غَزالٌ تَغزَّلْنا بغازلِ طَرْفهِ / فغازَلَنا منهُ غزَالٌ وغزَّالُ
طمِعنا على جهلٍ بعسَّالِ ثغرِهِ / وكم دُونَ عَسَّالِ المَراشِفِ عَسَّالُ
يَقولونَ لي ما أنتَ والغَزَلَ الذي / عليكَ بهِ أهلُ الشَهامةِ عُذَّالُ
عَليكَ حُقوقٌ للأميرِ فقُمْ بها / ودَعْ عنكَ هذا اللَغْوَ يا نِعْمَ ما قالوا
سَلامٌ على وَجهِ الأميرِ مُحمَّدٍ / يُحَيَّا بهِ من أجلِهِ الصَحْبُ والآلُ
عزيزٌ علينا كلُّ ما يَنتمِي إلى / عزيزٍ فَدَتْهُ النَّفسُ والأهلُ والمالُ
أتُوقُ إلى تِلكَ الدِّيارِ كأنَّني / غريبٌ عليهِ طالَ في الدَّهرِ تَرْحالُ
وأطرَبُ لليومِ الذي نلتقي بهِ / كمجهودِ شَهرِ الصَّومِ إذْ هَلَّ شَوَّالُ
تَغرَّبتُ عن غَرْبٍ هُوَ الشَّرقُ عِندَنا / فما الشَّرقُ إلاّ حيثُ للصُبْحِ إقبالُ
هُنالِكَ صُبحٌ لا ظَلامَ وراءَهُ / يَلوحُ بهِ وجهُ وقَوْلٌ وأعمالُ
فيا وَطني إنْ فاتَني بكَ سابقٌ / مِن الدَّهرِ فليَنْعَمْ لساكِنِكَ البالُ
ويا دارَهُ بالغَرْبِ إنَّ مَزارَها / بعيدٌ ولكن دُونَهُ ليسَ أهوالُ
لنا من أبيهِ نِعمةٌ طالَ ذَيلُها / فما بَرِحَتْ منهُ تُجرَّرُ أذيالُ
ظَنَنَّا الليالي لا تَجودُ بمثلِهِ / فجادَتْ بمِثْلٍ لا تُدانيهِ أمثالُ
أصَحُّ كَلامٍ مَدحُهُ فَهْوَ مذهبٌ / لنا فيهِ قولٌ واحدٌ ليسَ أقوالُ
وأشهَرُ شيءٍ أنَّه فَرْدُ عَصرِهِ / فذلكَ تَدريهِ شُيوخٌ وأطفالُ
يُخبِّرُ عن أيَّامِ عادٍ وجُرهُمٍ / كمَنْ مَرَّ أجيالٌ عليهِ وأجيالُ
ويحفَظُ ما يَبْقَى على لوحِ صَدرِهِ / كحِبرٍ بهِ في اللوحِ يُرسَمُ تِمثالُ
لهُ في أفانينِ الكلامِ تَصَرُّفٌ / وفي الشِّعرِ إحسانٌ وفي النَّثر إجمال
ونفعٌ وضَرٌّ عندهُ غيرَ أنَّهُ / إلى النَّفعِ معجالٌ عنِ الضَّرِّ مِكسالُ
نُهنيِّهِ بالعيدِ الخليقِ لهُ الهَنا / به فعليهِ منهُ للزَّهوِ سِربالُ
ولو كانَ هذا العيدُ يَملِكُ أمرَهُ / أتى كلَّ يومٍ زائراً وَهْوَ يخْتالُ
قَسَمْنا جميلَ القولِ والفِعلِ بَينَنا / فمِنّي لهُ قولٌ ولي منهُ أفعالُ
ولكن تقَاسمْنا فجارَ فكُلَّما / أتى دانَقٌ مِنِّي أتى منهُ مِثقالُ
زُرْ تُربةً في الحِمَى يا أيُّها المَطَرُ
زُرْ تُربةً في الحِمَى يا أيُّها المَطَرُ / وقُلْ عليك سلامُ اللهِ يا عُمَرُ
إن كنتَ تُنبِتُ زَهراً حولَ مَضجَعِهِ / فليسَ تَكثُرُ فيهِ الأنجُمُ الزُهُرُ
هذا الذي كانَ رُكناً يُستعانُ بهِ / على الخُطوبِ ويُرجى عِندَهُ الظَفَرُ
وكانَ بحراً ولكنْ غيرَ مُضطربٍ / وكانَ فخراً ولكنْ ليسَ يَفتَخِرُ
في شَخصِهِ الدِّينُ والدُّنيا قدِ اجتَمَعا / وذاك يَندُرُ أنْ تحظَى بهِ البَشَرُ
يَرعَى إذا اتَّفقَا هذا وتِلكَ فإنْ / تَخالَفا فَلِهذا عِندَهُ النَّظَرُ
مُهذَّبُ الخُلقِ ما في خُلقِهِ أَوَدٌ / مُطهَّرُ القلبِ ما في قلبِهِ وَضَرُ
أرضَى الإلهَ فأرضاهُ بِمِنَّتِهِ / منذُ الحَداثةِ حتى مَسَّهُ الكِبَرُ
كانت مَنِيَّتُهُ للناسِ مَوعِظةً / إذ كانَ طَوْداً عظيماً دَكَّه القَدَرُ
لم يحْمِهِ الشَرَفُ الأعلى بجُرمتِهِ / والآلُ والصَّحْبُ والأملاكُ والبِدَرُ
ساروا بهِ فوقَ نعشٍ بلَّ حامِلَهُ / من ماءِ دَمعٍ عليهِ كانَ يَنحدِرُ
حتى أفاضوا إلى أرضٍ مباركةٍ / تُتْلَى بها فوقَهُ الأورادُ والسُّوَرُ
حديقةٌ طَبَّقَتْها النَّاسُ من بَلَدٍ / خلا فلم يبقَ في أبياتِهِ نَفَرُ
طافوا بتابوتِهِ مثلَ الحجيجِ بها / كأنَّها حَرَمٌ في وَسْطهِ الحَجَرُ
مضى إلى رَبِّهِ الغَفَّارِ مُعتصِماً / بلُطفِهِ تحتَ ذيلِ العَفْوِ يَستترُ
وأقفَرَتْ منهُ دارٌ أظلَمتْ كَمَداً / حتى استَوَى في ذَراها الليلُ والسَحرُ
يا أيُّها النَّاسُ قد طالَ الرُّقادُ على / عينٍ لَقد حانَ أنْ يَنتْابَها السَهَرُ
لا تَغفُلوا طَمَعَاً في العيشِ وانتَبِهوا / إنَّ المنايا على الأبوابِ تنتظِرُ
في كلِّ يومٍ منَ المَوتى لنا عِبَرٌ / تبدو ويا حَبَّذا لو تَنفْعُ العِبَرُ
قُمنا على سَكْرَةِ الدُّنيا الغَرُورِ فما / نُفيقُ إلاّ وداعي الموتِ يَنتهِرُ
كلٌّ منَ النَّاسِ يَهْواها فَتَخْدعُهُ / حتى يَموتَ ولا يُقضَى لهُ وَطَرُ
شابَ الزَّمانُ وشِبنا وَهْيَ يافعةٌ / لم يَبدُ للشَّيبِ في فَرْعٍ لها أثَرُ
يا مُغرَمينَ بها إن لم يكُنْ لكُمُ / خُبْرٌ فهل لم يأتِكم خَبَرُ
كلُّ الغَرامِ مُضِرٌّ قالَ مُزدَوجاً / تأريخُهُ هل غَرامٌ ما لهُ ضَرَرُ
قد مَدَّ خَطَّ عِذارِهِ فأجادَهُ
قد مَدَّ خَطَّ عِذارِهِ فأجادَهُ / يا ليتَ ذَوْبَ القلبِ كان مِدادَهُ
رَشأٌ تَقَلَّدَ من شِفارِ جُفونِهِ / سَيفاً ذُؤابَتُهُ تكونُ نِجادَهُ
طَرْفٌ غَدَتْ كاللامِ منهُ أضلُعي / لمَّا رأتْ عيني السَّخينةُ صادَهُ
ألقَى على رأسي السَّخيفِ بياضَهُ / ورَمَى على حَظّي الضعيفِ سَوادَهُ
مُتحجِّبٌ جَعَلَ المدامعَ في الهَوَى / ماءً لمن جَعَلَ الصَّبابةَ زادَهُ
ما زِلتُ أسألُ عن مريضِ جُفونِهِ / ماذا على طَرْفي تُرَى لو عادَهُ
في خَدِّهِ النَّارُ التي قد أحرَقَتْ / قلبي ولم تَردُدْ عَلَيَّ رَمادَهُ
أهدَيتُ وَجْنتَهُ فُؤادي مِثلَما / أهدَى لنا البابُ العَليُّ فُؤادَهُ
هذا فُؤادُ المُلكِ أدرَكَ قُطرَنا / بالشَّامِ يُصلحُ بالرَّشادِ فَسادَهُ
نادَى مُنادِي العَرشِ يومَ قُدومِهِ / أليومَ قد رَحِمَ الإلهُ عِبادَهُ
وَعَدَ الإلهُ لكلِّ كَرْبٍ فَرْجةً / واللهُ ليسَ بمُخلفٍ مِيعادَهُ
مَولىً يُؤَدِّبُ عبدَهُ بجِراحِهِ / لكنْ يُهَيِّئُ قبلَ ذاكَ ضِمادَهُ
طُبِعَ الأنامُ على الخِصامِ سَجِيَّةً / في كلِّ شَعْبٍ وارثاً أجدادَهُ
لا يَستَبيحُ الوَحشُ قتلَ نظيرِهِ / والإنسُ يقتُلُ تارةً أولادَهُ
قَدِمَ الوزيرُ وقد تَضرَّمَتِ اللّظَى / في الأرضِ إذ أورَى الفسادُ زِنادَهُ
فأفاضَ لُجَّتَهُ على أركانِها / فَوراً فأطفأ جَمْرَها وأبادَهُ
خَطْبٌ شديدٌ قد تَلقَّاهُ القَضا / بأشدَّ منهُ هادماً ما شادَهُ
قد كانَ مَرصوداً على أقفالِهِ / واليومَ فَكَّ محمدٌ أرصادَهُ
مسعودُ وَجهٍ حيثُ سارَ ركابُهُ / كانَتْ ملائكةُ السَّما أجنادُهُ
هَيهاتِ أنْ يُنجي الفِرارُ طرِيدَهُ / يوماً ولو كانَ البُراقُ جَوادَهُ
قد أرقَدَ الأجفانَ تحتَ أمانِهِ / جَفْنٌ له طَرَدَ الحِفاظُ رُقادَهُ
يَقْظانُ يستقصي الأمورَ بنَظْرةٍ / تَطوِي وتَنشُرُ شَرْقنا وبِلادَهُ
غمَّ البَلاءُ رِجالَهُ وعِيالهُ / وجِبالَهُ ورِمالَهُ ووِهادَهُ
فأتاه من أعطى الأمانَ لخائفٍ / وأخافَ من كانَ الأمانُ وِسَادَهُ
ألقى على نارِ الضغينةِ بَرْدَهُ / وإلى العُراةِ بُرودَهُ ومِهادَهُ
قد أصبَحَتْ كلُّ البِلادِ عِيالَهُ / إذ كان يَرزُقُ كلَّها إمدادَهُ
هذا أمينُ الدَولةِ الرَّاعي الذي / جَعَلَ الصِّيانةَ حَجَّهُ وجِهادَهُ
أعطاهُ مَعْنٌ حِلمَهُ لكنَّهُ / لم يُعطِ مَعْناً حَزْمَهُ ورَشادَهُ
كُلٌّ يُلاحِظُ في الحَياةِ مَعاشَهُ / يا مَن يُلاحِظُ قبلَ ذاكَ مَعادَهُ
أللهُ يفَعَلُ ما يُرِيدُ بخلْقِهِ / وإذا أرادَ فَمنْ يَرُدُّ مُرادَهُ
لَكَ يَنبغي الشِّعرُ الذي لا يَنبغي / لِسِواكَ يا مَن قد رَفَعتَ عِمادَهُ
هَيَّجتَ لي شَوقاً إليهِ وكُنتُ قد / أهمَلتُهُ لمَّا رأيتُ كَسادَهُ
قد قَلَّ مَن أنشَدْتُهُ شِعراً فلم / أندَمْ عليهِ مُحرِّماً إنشادَهُ
حتى أتيتَ فقالَ لي مِضمارُهُ / نَبِّهْ يَراعَكَ أنْ يُجِدَّ طِرادَهُ
دَعِ الحُزنَ في الدُّنيا وبَشِّرْ عِبادَها
دَعِ الحُزنَ في الدُّنيا وبَشِّرْ عِبادَها / فعبدُ العزيزِ اليومَ فكَّ حِدادَها
قَدِ اختارَهُ اللهُ الذي هو عَبدُهُ / خَليفَتهُ عن حِكمةٍ قد أرادَها
فقامَ بأمرِ اللهِ في عَرشِ دَولةٍ / أعَزَّ مبانيها وأعلى عِمادَها
وألقَى لدى تارِيخهِ عينَ جُودِهِ / فَقَرَّرَ في صَدرِ البِلادِ فؤَادَها
شَكا من أذهَبَ البَلوَى وزالتْ
شَكا من أذهَبَ البَلوَى وزالتْ / بحكمتِهِ شِكاياتُ البِلادِ
وما قَدَرَ الزَّمانُ على يَديِهِ / فصادَمَ رِجلَهُ بيَدِ الجوادِ
تحَجَّبَ كالسَّرارِ فعادَ بَدْراً / وكانَ لِقاهُ أشهَى في المَعادِ
وما احتجَبَتْ لوائِحُهُ فكانت / كضَوءِ الفجرِ دُونَ الشَّمس بادِ
رَسولٌ رَدَّ قوماً عن ضلالٍ / فقادَهُمُ إلى سُبُلِ الرَّشادِ
ونادَى بينَهم يا قومُ إنّي / أخافُ عليكُمُ يومَ التَّنادِ
عَبِثتمْ بالكتابِ وقد لَطَختمْ / بياضاً للحنيفةِ بالسَّوادِ
وقُمتْمُ في البِلادِ كقوم عادٍ / ولَسْتم في شريعةِ قومِ عادِ
أتَى الأعرابَ من أبناءِ تُركٍ / سَمِيُّ مُحمَّدٍ للخَلْقِ هادِ
تَلقَّى ما بهِ الأعجامُ فاهت / وما نَطَقَتْ به عُربُ البَوادي
لهُ في النَّاسِ حُسَّادٌ على ما / يَرَونَ بهِ وليسَ لهُ أعادي
يُجازِي كُلَّ ذي ذَنْبٍ بعَدْلٍ / فيَعذِرُهُ ويَبقَى في الوِدادِ
وَزيرٌ في طريقِ اللهِ يَسعى / فليسَ يُريدُ ظُلماً للعِبادِ
بهِ عاشَتْ بقايا آلِ عيسى / كذاك العَيشُ يَحصُلُ بالفُؤادِ
غابَ الفُؤَادُ ولم تَغِبْ آثارُهُ
غابَ الفُؤَادُ ولم تَغِبْ آثارُهُ / ذاتُ الجَمالِ ولم يَغِبْ إِمدادُهُ
تَرَكَ البِلادَ كأنَّهُ القَلَمُ الذي / تَرَك الكِتابَ وقامَ فيهِ مِدادُهُ
وَلَّى وآثارُ العَدالةِ زادُنا / منهُ وأدعِيةُ المَوَدَّةِ زادُهُ
نَقَشَ اسمَهُ لُبنانُ فوقَ صُخورِهِ / لا يَنمَحِي حتى يَذوبَ جمادُهُ
ألقَى عليهِ وَحشةً في طَيّها / شَوقٌ طويلٌ تَشتَكيهِ بِلادُهُ
لا تسألوا عن حالِها من بعدِهِ / ما حالُ من قد غابَ عنهُ فؤَادُهُ
جَمعْتَ من أفضَل الأسماءِ في القِدَمِ
جَمعْتَ من أفضَل الأسماءِ في القِدَمِ / بينَ الخليلِ وأيُّوبٍ لدى الأُمَمِ
ونِلتَ في اللُّطفِ سِرّاً طابَ عُنصُرُهُ / فكانَ من حاسدِيهِ ألطَفُ النَسَمِ
هذا اليَراعُ الذي استخدَمتَ عامِلَهُ / قامَتْ لَدَيهِ سُيوفُ الهِندِ كالخَدَمِ
لَوِ ابتغَى لكَ ياقوتٌ مُفاخرةً / لكذَّبَتْهُ شُهُودُ النُّونِ والقَلَمِ
قَدِ اصطَفاكَ فُؤادُ المُلكِ مُنتخِباً / وَهْوَ الدليلُ على ما فيكَ من شِيمَ
وظاهرُ الفِعلِ بُرهانٌ لصاحِبهِ / أقوَى وأجلَى من البُرهانِ في الكَلِمِ
أعطاكَ رُتبةَ فخرٍ أنتَ مَوضِعُها / إنَّ الكريمَ لَيدري مَوضِعَ الكَرَمِ
عظيمةٌ من عظيمٍ كانَ مَصدَرُها / إلى عظيمٍ فكانَتْ مَجْمَعَ العِظَمِ
يا مَن يَليقُ بهِ مِنَّا الثَّناءُ كما / للهِ لاقَ بهِ شُكرٌ على النِعَمِ
لم أمتدِحْ لكَ فضلاً قَصدَ شُهرتِهِ / فذاكَ أشهَرُ من نارٍ على عَلَمِ
أُهدِي لكَ ابنةَ فِكرٍ بنتَ ليلتِها / فإنْ وَجَدْتَ بها قِصَراً فلا تَلُمِ
تَضمَّنتْ من صِفاتِ المدحِ أفضَلَها / إذ قالتِ الحقَّ واستَغْنَت عَنِ التُهَمِ
الحمدُ للهِ مَنَّ اللهُ بالفَرجِ
الحمدُ للهِ مَنَّ اللهُ بالفَرجِ / على المُصابِ بلا إثمٍ ولا حَرَجِ
على الذي لم يكن ذَنْبٌ عليهِ سِوَى / صَوْنِ المنازلِ والأموالِ والمُهَجِ
مَنْ لم تَزَلْ مِثلَ إبراهيمَ جِيرَتُهُ / وَسْطَ اللَّهيبِ ولا تُؤذَى من الوَهَجِ
مَنْ هَمُّهُ في اصطناعِ الخير مُجتهداً / وَهَمُّ من دُونَهُ في فِعلِه السَمِجِ
مُحمَّدُ الأحمدُ المحمودُ مَخْبَرُهُ / بينَ الوَرَى بلسانِ صادِقٍ لَهِجِ
طَلْقُ الجَبينِ كريمُ الرَّاحتَينِ لهُ / عَظِيمُ شأْنٍ بُروحِ اللُّطفِ مُمتزِجِ
غَضُّ الصِّبَى تُخجِلُ الأشياخَ حِكمتُهُ / مؤَيَّدُ النُطقِ بالبُرهانِ والحُجَجِ
شَرابُهُ العِلمُ في كُتْبٍ تُنادِمُهُ / سِرّاً فيطرَبُ لا بالعُودِ والهَزَجِ
كم من أيادٍ لهُ ما زلتُ أذكُرُها / ونِعمةٍ لستُ أنساها مَدَى الحِجَجِ
أنا لهُ كَيفَما دارَ الزَّمانُ بهِ / ومَعْهُ حيثُ استَوَى فيهِ منَ الدَرَجِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025