المجموع : 899
لي صاحِبٌ إِن خانَني دَهري وَفى
لي صاحِبٌ إِن خانَني دَهري وَفى / وَإِذا تَكَدَّرَتِ المَناهِلُ لي صَفا
تَبدو مَحَبَّتُهُ وَيَظهَرُ وُدُّهُ / نَحوي إِذا ما الوُدُّ بِالمَلقِ اِختَفى
أَجفو فَيَمنَحُني المَوَدَّةَ طالِباً / قُربي وَأَمنَحُهُ الوِدادَ إِذا جَفا
كُلٌّ يَقولُ لِصاحِبي عِندي يَدٌ / إِذ كانَ لي دونَ الأَنامِ قَدِ اِصطَفى
وُقَّيتَ حادِثَةَ اللَيالي
وُقَّيتَ حادِثَةَ اللَيالي / وَحُرِستَ مِن عَينِ الكَمالِ
يا مالِكاً بِصَنيعِهِ / حازَ المَعاني وَالمَعالي
قَسَماً بِأَنعُمِكَ الجِسا / مِ عَلى المُؤَمِّلِ وَالمَوالي
إِنّي لَمُشتاقٌ إِلى / تِلكَ الشَمائِلِ وَالجَمالِ
وَلَقَد ذَكَرتُ القُربَ مِن / كَ وَطيبَ أَيّامي الخَوالي
فَطَفِقتُ أَصفُقُ راحَتي / وَعِندَ صَفقَتِها مَقالي
كَيفَ السَبيلُ إِلى سُعا / دَ وَدونَها فَلَكُ الحَيالي
أَما تَرى الأَنواءَ وَالسَحائِبا
أَما تَرى الأَنواءَ وَالسَحائِبا / قَد أَصبَحَت دُموعُها سَواكِبا
فَاِكتَسَتِ الأَرضُ بِها جَلابِبا / فَأَظهَرَت أَزهارَها عَجائِبا
غَرائِباً أَضحَت لَنا رَغائِبا /
هَذي الرَوابي بِالكَلا قَد تُوِّجَت / وَنَسمَةُ الخَريفِ قَد تَأَرَّجَت
وَقَد صَفَت مِياهُهُ وَرَجَّجَت / وَالأَرضُ بِالأَزهارِ قَد تَدَبَّجَت
وَأَصبَحَ الطَلُّ عَليها ساكِبا /
فَقُم فَقَد تَمَّ لَنا طيبُ الهَنا / وَالدَهرُ قَد مَنَّ عَلينا بِالمُنى
وَالعَيشُ قَد رَقَّت حَواشيهِ لَنا / وَمُسعِدي شَرخُ الشَبابِ وَالغِنى
هُما اللَذانِ غَمَرا لي جانِبا /
يا سَعدُ باكِر فَاللَبيبُ مَن بَكَر / وَاِبرِز بِنا لَيسَ العِيانُ كَالخَبَر
فَاِغتَنِم الصَفوَ بِنا قَبلَ الكَدَر / فَالدَهرُ مِن زَلّاتِهِ قَد اِعتَذَر
وَجاءَنا مِنَ الذُنوبِ تائِبا /
لا تَسكُبِ الدَمعَ عَلى عَيشٍ مَضى / وَلا تَقُل كانَ زَمانٌ وَاِنقَضى
وَاِغتَنِمِ الغَفلَةَ مِن صَرفِ القَضا / فَالمَوتُ كَالسَيفِ مَتى ما يُنتَضى
تُضحي لَهُ أَعمارُنا ضَرائِبا /
فَدَع حَديثَ الزَمَنِ القَديمِ / وَالذِكرَ لِلأَطلالِ وَالرُسومِ
فَإِن تَكُن عَوني عَلى الهُمومِ / حَدِّث عَنِ القَديمِ وَالنَديمِ
وَاِذكُر لَدَيَّ رامِياً أَو سارِيا /
ما دامَتِ الأَيّامُ في نَصاحَتي / وَالعِزُّ مُلقٍ رَحلَهُ بِساحَتي
لَأَبذُلَنَّ ما حَوَتهُ راحَتَي / أُتلِفَ ما في راحَتي في راحَتي
وَأَقصِدُ اللَذّاتِ وَالمَلاعِبا /
فَقُم بِنا مُبتَكِراً يا صاحِبي / نَقضي بِأَيّامِ الصِبى مَآرِبي
وَلا تَكُن تَفكُرُ في العَواقِبِ / وَخَلِّ خِلّاني وَدَع أَقارِبي
وَاِقصِد بِنا الأَحلافَ وَالقَرائِبا /
وَاِعتَبِرِ الجَنَّةَ في الطَريقِ / وَاِنتَخِبِ الرَفيقَ لِلمَضيقِ
وَلا تُصاحِب غَيرَ ذي التَحقيقِ / فَالتَمُّ لايَطيرُ بَينَ الشيقِ
وَالكَيُّ لا يَرضى الوَريدَ صاحِبا /
أَما تَرى الطَيرَ الجَليلَ قَد أَتى / مُستَبشِراً يَمرَحُ في فَصلِ الشِتا
فَقُم بِنا إِنَّ الصِبى عَونُ الفَتى / وَلا تَقُل كَيفَ وَأَنّى وَمَتى
إِنَّ الأَماني لَم تَزَل كَواذِبا /
بِمُدمَجاتٍ زانَها إِدماجُها / مُعَوَّجاتٍ حُسنُها اِعوِجاجُها
أَهِلَّةٍ أَكُفُّها أَبراجُها / حَوامِلٍ إِذا دَنا نِتاجُها
تَقذِفُ مِن أَكبادِها كَواكِبا /
ما خَيَبَت يَوماً لَنا مَساعِيا / لَكادَ حُسناً أَن تُجيبَ الداعِيا
تُغني بِها الجَليلَ وَالمَراعِيا / إِن كَم دَنَت ظَنَنتَها أَفاعِيا
أَو أَوتَرَت حَسبَتَها عَقارِبا /
وَمُدمَجٍ كَالنونِ في تَعريقِهِ / أَشهى إِلى العاشِقِ مِن مَعشوقِهِ
كَالصارِمِ المَصقولِ في بَريقِهِ / لَو أَنَّهُ يُسكِنُ مِن خُفوقِهِ
أَضحى عَلى عَينِ الزَمانِ حاجِباً /
مُستَأنِفٍ قَد تَمَّ في أَقسامِهِ / لَكِنَّ نَقصَ الطَيرِ في تَمامِهِ
قَد نَبَتَ العودُ عَلى لِحامِهِ / مَن خَطِفَ الخَطفَةَ في مَقامِهِ
أَتبَعَهُ مِنهُ شِهاباً ثاقِبا /
مُرَدَّدٍ يُرضيكَ في تَرديدِهِ / شُهرَتُهُ تُغنيكَ عَن تَحديدِهِ
لا فَرقَ بَينَ شاخِهِ وُعودِهِ / يُحَقِّقُ البُندُقَ في صُعودِهِ
وَيَضمَنُ المَصروعَ وَالصَوائِبا /
أَصلَحَهُ صالِحٌ عِندَ جَسِّهِ / وَزانَهُ وَاِختارَهُ لِنَفسِهِ
مَنظَرُهُ يُغني الفَتى عَن لَمسِهِ / فَهوَ لَهُ بَعدَ حُلولِ رَمسِهِ
يُهدي الثَنا وَيُظهِرُ المَناقِبا /
وَبُندُقٍ مُعتَدِلِ المِقدارِ / كَأَنَّما قُسِّمَ بِالعِيارِ
قَد حَمَلَ الحِقدَ عَلى الأَطيارِ / فَهوَ إِذا اِنقَضَّ مِنَ الأَوتارِ
يَرى فَناءَ الطَيرِ فَرضاً واجِبا /
يُريكَ في وَقتِ الصَباحِ لَهَبا / كَأَنَّهُ بَرقٌ أَضاءَ وَخَبا
يَقطَعُ مَتنَ الريحِ مِن غيرِ شَبا / يَقظانَ لا يَصبو إِلى خَفقِ الصَبا
وَلا يَلينُ لِلجَنوبِ جانِبا /
وَخَيشَةٍ لُطِّفتُ في مِقدارِها / تَغنى بِها الأَطيارُ عَن أَوكارِها
لا يَبرَحُ الريشُ عَلى نُوّارِها / وَالدَمُ مَسفوكاً عَلى أَقطارِها
إِذ كانَ في اللَونِ لَها مُناسِباً /
كَأَنَّها مِن كَثرَةِ الصُروعِ / قَد خَضِبَت بِخالِصِ النَجيعِ
لَم تَخلُ في البُروزِ وَالرُجوعِ / مِن صارِعٍ يُحمَلُ أَو مَصروعِ
تَحمِلُ آتٍ أَو تُقِلُّ ذاهِبا /
وَحُلَّةٍ جِفتِيَّةٍ كَالعَندَمِ / لَطيفَةِ التَجليسِ وَالتَهَندُمِ
مُؤَخَرُها في الحُسنِ مِثلُ المُقدَمِ / يَظُنُّها الطَيرُ لَهُ نَطعَ الدَمِ
وَلَم يَكُن فيما يَظُنُّ كاذِبا /
فَلَو شَهِدتَ طَيرَنا فيمَن رَمى / وَجَيشَهُ مِن جَمعِنا قَد هُزِما
وَبُندَقَ الصُحبِ إِلَيهِ قَد سَما / عَجِبتُ مِن راقٍ إِلى جَوِّ السَما
أَرسَلَتِ الأَرضُ عَليهِ حاصِبا /
مِن كُلِّ شَهمٍ كَالهِزَبرِ الباسِلِ / وَكُلِّ قيلٍ قائِلٍ وَفاعِلِ
ذَخرِ الزَميلِ عِدَّةُ المُقاوِلِ / وَبَينَهُم حِملٌ بِلا تَحامُلِ
مِن بَعدِ ما اِصطَفّوا لَهُ مَراتِبا /
حَولَ قَديمٍ كَالحُسامِ الماضي / خالٍ مِنَ الأَغراضِ وَالأَعراضِ
يَطُبُّ داءَ الكَلِمِ المِراضِ / يَرضى بِأَنَّ الجَمعَ عَنها راضِ
لا يَرقُبُ الأَسباقَ وَالمَواهِبا /
في مَوقِفٍ بِهِ الصُروعُ تُنثَلُ / تُلقى المَراعي وَالجَليلُ تَحمِلُ
مَعدودَةٌ أَصنافُهُ لا تُجهَلُ / إِذ هِيَ في سَبعٍ وَسَبعٍ تَكمُلُ
يَعرِفُها مَن كانَ فيها راغِبا /
وَصاحِبٍ أُعُدُّهُ لي مالِكا / كَلَّفَني في النَظمِ عَدَّ ذَلِكا
وَقالَ لَخِّص ذاكَ في نِظامِكا / قُلتُ عُلُوُّ صُنعِكَ اِحتِشامُكا
إِن كُنتَ لي حَلَّ الرُموزِ دائِبا /
لَم أَنسَ في ثَوبٍ شَليلٍ بَرزَتي / بَينَ ثِقافٍ مِن رُماةِ الحِلَّةِ
وَقَد أَتاني مُحرِقاً عَن جَفَّتي / مُزدَوِجٌ مِنَ العَنانينِ الَّتي
بَينَ الرُماةِ أَصبَحَت غَرائِبا /
ثَبَّتُّ لِلزَوجِ وَقَد أَتاني / مُصَعصَعاً يَمرَحُ في أَمانِ
عاجَلتُهُ مِن قَبلِ أَن يَراني / صَرَعتُ حَدّاهُ وَصِبتُ الثاني
دَلّى البَراثِمَ وَوَلّى هارِبا /
فَخَرَّ كَالنَجمِ إِذا النَجمُ هَوى / ما ضَلَّ عَن صاحِبِهِ وَما غَوى
وافاهُ وَهوَ ناطِقٌ عَنِ الهَوى / قَد هُدَّ مِنهُ الخَيلُ مِن بَعدِ القُوى
وَأَصبَحَ الثاني عَليهِ نادِبا /
فَيا لَها مِن فُرصَةٍ لَو تَمَّتِ / كُنتُ وَهَبتُ لِلقَديمِ مُهجَتي
وَلَم يَكُن ذو قَدمَةٍ كَقَدمَتي / بَل فاتَني الثاني وَكانَت هِمَّتي
تَرى خَلاءَ الجَوِّ مِنهُ واجِبا /
اِنهَض فَهَذا النَجمُ في الغَربِ سَقَط
اِنهَض فَهَذا النَجمُ في الغَربِ سَقَط / وَالشَيبُ في فَودِ الظَلامِ قَد وَخَط
وَالصُبحُ قَد مَدَّ إِلى نَحرِ الدُجى / يَداً بِها دُرَّ النُجومِ تَلتَقِط
وَأَلهَبَ الإِصباحُ أَذيالَ الدُجى / بِشَمعَةٍ مِنَ الشُعاعِ لَم تُقَط
وَضَجَّتِ الأَوراقُ في أَوراقِها / لَمّا رَأَت سَيفَ الصَباحِ مُختَرَط
وَقامَ مِن فَوقِ الجِدارِ هاتِفٌ / مُتَوَّجُ الهامَةِ ذي فَرعٍ قَطَط
يُخَبِّرُ الراقِدَ أَنَّ نَومَهُ / عِندَ اِنتِباهِ جَدِّهِ مِنَ الغَلَط
وَالبَدرُ قَد صارَ هِلالاً ناحِلاً / في آخِرِ الشَهرِ وَبِالصُبحِ اِختَلَط
كَأَنَّهُ قَوسُ لُجَينٍ موتَر / وَاللَيلُ زِنجيٌّ عَليهِ قَد ضَبَط
وَفي يَديهِ لِلثُرَيّا نَدَبٌ / يَزيدُ فَرداً واحِداً عَنِ النَمَط
فَأَيُّ عُذرٍ لِلرُماةِ وَالدُجى / قَد عُدَّ في سِلكِ الرُماةِ وَاِنخَرَط
أَما تَرى الغَيمَ الجَديدَ مُقبِلاً / قَد مَدَّ في الأُفُقِ رِداهُ فَاِنبَسَط
كَأَنَّ أَيدي الزُنجِ في تَلفيقِهِ / قَد لَبَّدَت قُطناً عَلى ثَوبٍ شَمَط
يَلمَعُ ضَوءُ البَرقِ في حافاتِهِ / كَأَنَّ في الجَوِّ صِفاحاً تُختَرَط
وَأَظهَرَ الخَريفُ مِن أَزهارِهِ / أَضعافَ ما أَخفى الرَبيعُ إِذ شَحَط
وَلانَ عِطفُ الريحِ في هُبوبِها / وَالطَلُّ مِن بَعدِ الهَجيرِ قَد سَقَط
وَالشَمسُ في الميزانِ مَوزونٍ بِها / قِسطُ النَهارِ بَعدَ ما كانَ قَسَط
وَأَرسَلَت جِبالُ دَربِندَ لَنا / رُسلاً صَبا القَلبُ إِلَيها وَاِنبَسَط
مِنَ الكَراكي الحُزَرِيّاتِ الَّتي / تَقدَمُ وَالبَعضُ بِبَعضٍ مُرتَبِط
كَأَنَّها إِذ تابَعَت صَفوفَها / رَكائِبٌ عَنها الرِحالُ لَم تُحَطّ
إِذا قَفاها سَمعُ ذي صَبابَةٍ / مِثلي تَقاضاهُ الغَرامُ وَنَشَط
فَقُم بِنا نَرفُلُ في ثَوبِ الصِبى / إِنَّ الرِضى بِتَركِهِ عَينُ السَخَط
وَاِلتَقِطِ اللَذَّةَ حَيثُ أَمكَنَت / فَإِنَّما اللَذّاتُ في الدَهرِ لُقَط
إِنَّ الشَبابَ زائِرٌ مُوَدِّعٌ / لا يُستَطاعُ رَدُّهُ إِذا فَرَط
أَما تَرى الكَرَكِيَّ في الجَوِّ وَقَد / نَغَّمَ في أُفقِ السَماءِ وَلَغَط
أَنساهُ حُبُّ دِجلَةٍ وَطيبُها / مَواطِناً قَد زُقَّ فيها وَلَقَط
فَجاءَ يُهدي نَفسَهُ وَما دَرى / أَنَّ الرَدى قَرينُهُ حَيثُ سَقَط
فَابرِز قِسِيّاً مِن كَمَندِ أَتاتِها / إِنَّ الجِيادَ لِلحُروبِ تُرتَبَط
مِن كُلِّ سَبطٍ مِن هَدايا واسِطٍ / جَعدِ البَلاغِ مِنهُ في الكَعبِ نُقَط
أَصلَحَهُ صالِحٌ بِاِجتِهادِهِ / فَكُلُّ ذي لُبٍّ لَهُ فيهِ غِبَط
وَما أَضاعَ الحَزمَ عِندَ عَزمِها / بَل جاوَزَ القَيظَ وَلِلفَصلِ ضَبَط
حَتّى إِذا حَرُّ حُزَيرانَ خَبا / وَتَمَّ تَمّوزٌ وَآبٌ وَشَحَط
وَجاءَ أَيلولٌ بِحَرٍّ فاتِرٍ / في نُضجِ تَعديلِ الثِمارِ ما فَرَط
أَبرَزَ ما أَحرَزَ مِن آلاتِهِ / وَحَلَّ مِن ذاكَ المَتاعَ ما رَبَط
وَمَدَّ لِلصَنعَةِ كَفّاً أَوحَداً /
وَظَلَّ يَستَقري بَلاغَ عودِها / فَنَبَّرَ الأَطرافَ وَاِختارَ الوَسَط
وُجَوَّدَ التَدفيقَ في لِهحامِها / فَأَسقَطَ الكِرشاتِ مِنها وَالسَقَط
وَلَم يَزَل يُبلِغُها مَراتِباً / تَلزَمُ في صَنعَتِهِ وَتُشتَرَط
فَعِندَما أَفضَت إِلى تَطهيرِها / صَحَّحَ داراتِ البُيوتِ وَالنِقَط
حَتّى إِذا قَمَّصَها بِدُهنِها / جاءَت مِنَ الصِحَّةِ في أَحلى نَمَط
كَأَنَّها النُواناتُ في تَعريقِها / يُعرُجُ مِنها بُندُقٌ مِثلُ النَقَط
مِثلَ السُيورِ في يَدِ الرامي فَلو / شاءَ طَواها وَحَواها في سَفَط
لَو يَقذِفُ اليَمَّ بِها مالِكُها / ما اِنتَفَضَ العودُ وَلا الزَورُ اِنكَشَط
كَأَنَّما بِندُقُها تَنازَلا / أَو مِن يَدِ الرامي إِلى الطَيرِ خِطَط
مِن كُلِّ مَحنيِّ البُيوتِ مُدمَجٍ / ما أَخطَأَ الباري بِهِ وَلا فَرَط
كَأَنَّهُ لامٌ عَليهِ أَلفٌ / وَقالَ قَومٌ إِنَّها اللامُ فَقَط
فَاَجلِ قَذى عُيونِنا بِبَرزَةٍ / تَنفي عَنِ القَلبِ الهُمومَ وَالقَنَط
فَما رَأَت مِن بَعدِ هورِ بابِلٍ / وَمائِهِ التَيّارِ عَيشاً مُغتَبِط
وَنَحنُ في مُروجِهِ في نَشوَةٍ / عِندَ التَحَرّي في الوُقوفِ لِلخِطَط
مِن كُلِّ مَقبولِ المَقالِ صادِقٍ / قَد قَبَضَ القَوسَ وَلِلنَفسِ بَسَط
يُقدِمُنا فيها قَديمٌ حاذِقٌ / لا كَسَلٌ يَشينُهُ وَلا قَنَط
يُحكُمُ فينا حُكمَ داوُدَ فَلا / يَنظُرُ مِنّا خارِجاً عَمّا شَرَط
لا يَشتَكي الأَسباقَ مِن جَفَّتِهِ / وَلَم يَكُن مِثلَ القِرِلّى في النَمَط
إِذا رَأى الشَرَّ تَعَلّى وَإِذا / لاحَ لَهُ الخَيرُ تَدَلّى وَاِنخَبَط
ما نَغَمَ المِزهَرُ وَالدُفُّ إِذا / فَصَّلَ أَدوارَ الضُروبِ وَضَبَط
أَطيَبُ مِن تَدفدُفِ التَمِّ إِذا / دَقَّ عَلى القَبضِ الجَناحَ وَخَبَط
وَالطَيرُ شَتّى في نَواحيهِ فَذا / قَد اِكتَسى الرَيشَ وَهَذا قَد شَمَط
وَذاكَ يَرعى في شَواطيهِ وَذا / عَلى الرَوابي قَد تَحَصّى وَلَقَط
فَمِن جَليلٍ واجِبٍ تَعدادُهُ / وَمِن مَراعٍ عَدُّها لا يُشتَرَط
يَعرُجُ مِنّا نَحوَها بَنادِقٌ / لَم يَنجُ مِنها مَن تَعَلّى وَاِختَبَط
فَمِن كَسيرٍ في العُبابِ عائِمٍ / وَمِن ذَبيحٍ بِالدِماءِ يَغتَبِط
أَهلاً بِها قَوادِماً رَواحِلا
أَهلاً بِها قَوادِماً رَواحِلا / تَطوي الفَلا وَتَقطَعُ المَراحِلا
تَذَكَّرَت آكامَ دَربَنداتِها / وَعافَتِ الأَجامَ وَالمَراحِلا
أَذكَرَها عَرفُ الرَبيعِ إِلفَها / فَأَقبَلَت لِشَوقِها حَوامِلا
نَفرَقُ في الجَوِّ بِصَوتٍ مُطرِبٍ / يَشوقُ مَن كانَ إِلَيها مائِلا
هَديَّةُ الصِنفِ وَدَربَندِيَّةٌ / أَو خُزَريّاتٌ بَدَت أَصائِلا
لَمّا رَأَت حَرَّ المَصيفِ مُقبِلا / وَطيبَ بَردِ القَرِّ ظِلّاً زائِلا
أَهمَلَتِ التَخبيطَ في مَطارِها / وَعَسكَرَت لِسَيرِها قَوافِلا
مِن بَعدِ ما مَرَّت بِها أَخياطُها / كَما نَظَمتَ في البُرى البَوازِلا
تَنهَضُ مِن صَرحِ الجَليلِ تَحتَها / بِأَرجُلٍ لِبَردِهِ قَوابِلا
قَد أَنِفَت أَيّامُ كانونٍ لَها / مِن أَن تُرى مِنَ الحِلى عَواطِلا
فَصاغَتِ الطَلَّ لَها قَلائِداً / وَالثَلجَ في أَرجُلِها خَلاخِلا
لَمّا دَعاني صاحِبي لِبَرزَةٍ / وَنَبَّهَ الزَميلَ وَالمَقاوِلا
أَجَبتُهُ مُستَبشِراً بِقَصدِها / نَبَّهتُمُ لَيثَ عَرينٍ باسِلا
ثُمَّ بَرَزنا نَقتَفي آثارَهُ / وَنَقصِدُ الأَملاقَ وَالمَناهِلا
بَينَ قَديمٍ وَزَميلٍ صادِقٍ / لا زالَ شُكري لَهُما مُواصِلا
وَالصُبحُ قَد أَعَمَّنا بِنورِهِ / لَمّا اِنثَنى جِنحُ الظَلامِ راحِلا
تَخالُ ضَوءَ الصُبحِ فَوداً شائِباً / وَتَحسَبُ اللَيلَ خِضاباً ناصِلا
وَقَد أَقَمنا في المَقاماتِ لَها / مَعالِماً تَحسَبُها مَجاهِلا
وَأَعيُنُ الأُسدِ إِذا جَنَّ الدُجى / أَذكَت لَنا أَحداقُها مَشاعِلا
نَرشُقُها مِن تَحتِها بِبُندُقٍ / يَعرُجُ كَالشُهبِ إِلَيها واصِلا
فَما رَقى تَحتَ الطُيورِ صاعِدٌ / إِلّا اِغتَدى بِها البَلاءُ نازِلا
لِلَّهِ أَيّامُ بِهورٍ بابِلٍ / أَضحى بِها الدَهرُ عَلينا باخِلا
فَكَم قَضَينا فيهِ شَملاً جامِعاً / وَكَم صَحِبنا فيهِ جَمعاً شامِلا
فَهَل تُرى تَرجِعُ أَيّامٌ بِهِ / في جَذَلٍ قَد كانَ فيهِ حاصِلا
هَيهاتَ مَهما يَستَعِر مُستَرجِعٌ / أَراجِعٌ لي الدَهرُ حَولاً كامِلا
قَدِ اِرتَدى ذَيلَ الظَلامِ الأَشيَبِ
قَدِ اِرتَدى ذَيلَ الظَلامِ الأَشيَبِ / وَالصُبحُ مِثلُ الماءِ تَحتَ الطُحلُبِ
بِأَجرَدٍ مِلءِ الحِزامِ سَلهَبِ / مُختَبَرٍ كَالبَطَلِ المُجَرَّبِ
مِثَقَّلِ الكَفِّ بِبازٍ أَشهَبِ / مُنتَصِبِ القامَةِ سامي المِكنَبِ
غَليظِ خَطِّ الجُؤجُؤِ المُنَكَّبِ / ذي عُنُقٍ خَصبٍ وَرَأسٍ أَجذَبِ
قَصيرِ عَظمِ الساقِ ثَبتِ الرُكَبِ / قَليلِ ريشِ الصَفحَتَينِ أَرعَبِ
تامِ الجَناحَينِ قَصيرِ الذَنبِ / عُيونُهُ مِثلُ الجُمانِ المُذهَبِ
قَد بُدِّلَت مِن سَبَجٍ بِكَهرَبِ / مُحَدَّدِ المِنسَر شينِ المِخلَبِ
يَنهَشُ في السَبقِ وَإِن لَم يَشغَبِ / حَتفِ الحُبارى وَعِقالِ الأَرنَبِ
لا يَرقَبُ النَجدَةَ مِن مُدَرَّبِ / إِذا الصُقورُ أُنجِدَت بِالأَكلُبِ
مُهَذَّبِ الخُلقِ قَليلِ الغَضَبِ / يَرتاحُ لِلعَودِ وَإِن لَم يُطلَبِ
كَفاضِلٍ حاوَلَ حِفظَ المَنصِبِ / زَرَّت بِهِ الطَيرُ بِمَوجٍ مُعشِبِ
فَحالَ بَينَ رَعيِها وَالمَشرَبِ / وَظَلَّ كَالساعي الجَريءِ المُذئِبِ
يُجَدِّلُ الأَبعَدَ قَبلَ الأَقرَبِ / لَو أَنَّهُ مَرَّ بِعِنقا مُغرِبِ
لَم تُحمَ مِن مَشرِقِها بِالمَغرِبِ / مُكَذِّباً فيها مَقالَ العَرَبِ
يا طيبَ يَومٍ بِالمُروجِ الخُضرِ
يا طيبَ يَومٍ بِالمُروجِ الخُضرِ / سَرَقتُهُ مُختَلِساً مِن عُمري
وَالطَلَّ قَد كَلَّلَ هامَ الزَهرِ / فَعَطَّرَ الأَرجاءَ طيبُ النَشرِ
باكَرتُها بَعدَ اِنبِلاجِ الفَجرِ / عِندَ اِنبِساطِ الشَفَقِ المُحَمَرِّ
وَالطَيرُ في لُجِّ المِياهِ تَسري / كَأَنَّها سَفائِنٌ في بَحرِ
حَتّى إِذا لاذَت بِشاطي النَهرِ / دَعَوتُ عَبدي فَأَتى بِصَقري
مِنَ الغَطاريفِ الثِقالِ الحُمرِ / مُستَبعِدُ الوَحشَةِ جَمُّ الصَبرِ
مُعتَدِلُ الشُلوِ شَديدُ الأَزرِ / مُنفَسِحُ الزَورِ رَحيبُ الصَدرِ
مُتَّسِعُ العَينِ عَريضُ الظَهرِ / بِأَعيُنٍ مُسوَدَّةٍ كَالحِبرِ
وَهامَةٍ عَظيمَةٍ كَالفِهرِ / كَأَنَّ فَوقَ صَدرِهِ وَالنَحرِ
هامَةِ هَيقٍ في صِماخَي نَسرِ / طَويلِ أَرياشِ الجَناحِ العَشرِ
قَصيرِ ريشِ الذَنبِ المُحمَرِّ / قَصيرِ عَظمِ الساقِ تامِ الظَفرِ
فَظَلَّ يَتلوها عَظيمَ المَكرِ / يُغري بِها هِمَّتَهُ وَنَصري
كَأَنَّهُ يَطلُبُها بِوِترِ / فَجاءَنا مِنها بِكُلِّ عَفرِ
فَبِتُّ وَالصَحبَ بِها في بِشرِ / كَأَنَّنا في يَومِ عيدِ النَحرِ
نَأكُلُ مِن لُحومِها وَنَقري /
وَيَومِ دَجنٍ مُعلَمِ البُردَينِ
وَيَومِ دَجنٍ مُعلَمِ البُردَينِ / سَماؤُهُ بِالغَيمِ في لَونَينِ
كَأَنَّها وَقَد بَدَت لِلعَينِ / فَيروزَجٌ يَلمَعُ في لَونَينِ
قَضَيتُ فيهِ بِالسُرورِ دَيني / وَسِرتُ أَفلي مَفرِقَ الشَعبَينِ
بِأَدهَمٍ مُحَجَّلِ الرِجلَينِ / سَبطِ الأَديمِ مُفلَقِ اليَدَينِ
خَصبَ العَطاةِ ماحِلِ الرُسغَينِ / وَسَربِ وَحشٍ مُذ بَدا لِعَيني
عارَضتُهُ في مُنتَهى السَفحَينِ / بِأَرقَطٍ مُخَطَّطِ الأُذنَينِ
ناقي الجَبينِ أَهرَتِ الشِدقَينِ / أَفطَسَ سَبطِ الشَعرِ صافِ العَينِ
يَنظُرُ في اللَيلِ بِجَمرَتَينِ / ذي كَحَلٍ سالَ مِنَ العَينَينِ
فَخَطَّ لامَينِ عَلى الخَدَّينِ / مُحَدَّدِ النابَينِ وَالظَفرَينِ
كَأَنَّما يَكشِرُ عَن نَصلَينِ / لَيسَ لَهُ عَهدٌ بِضَربِ قَينِ
رَقيقِ لَحمِ الزَندِ وَالساقَينِ / ذي ذَنَبٍ أَملَسَ غَيرِ شَينِ
فَخاتَلَ السَربَ بِخُطوَتَينِ / وَأَردَفَ الخَطوَ بِوَثبَتَينِ
فَكانَ فيها كَغُرابِ البَينِ / فَرَّقَها قَبلَ بُلوغِ الحَينِ
وَنالَ مِنها عَفَرَ المَتنَينِ / أَجيَدَ مَصقولِ الإِهابِ زَينِ
جَدَّلَهُ في مُلتَقى الصَفينِ / وَلَم يَحُل ما بَينَهُ وَبَيني
نِلتُ بِمُهري وَبِهِ كَفلَينِ / إِنَّهما لِلصَيدِ عُدَّتَينِ
لا يَحسُنُ اللَهوَ بِغَيرِ ذينِ /
وَلَيلَةٍ في طولِ يَومِ العَرضِ
وَلَيلَةٍ في طولِ يَومِ العَرضِ / سَماؤُها مِن دَكنِهِ كَالأَرضِ
مَخَضتُ فيها العَيشَ أَيَّ مَخضِ / وَفُزتُ فيها بِالنَعيمِ المَحضِ
وَغَضَّ جَفنُ الدَهرِ أَيَّ مَخضِ / فَبِتُّ مِن صُروفِهِ أَستَقضي
أَرفَعُ قَدرَ عَيشَتي بِالخَفضِ / لا أَكحُلُ الجَفنَ بِها بِغَمضِ
مَعَ كُلِّ ساقٍ كَالقَضيبِ الغَضِّ / يُديرُ راحاً بِالسُرورِ تَقضي
ساطِعَةً كَالبَرقِ عِندَ الوَمضِ / حَتّى إِذا آنَ أَداءُ الفَرضِ
وَشُقَّ جَيبُ الفَلَقِ المُبيَضِّ / عَرَضتُ خَيلي فَأَجَدتُ عَرضي
وَاِختَرتُ مِنها سابِقاً لِيَ يُرضي / يَفوتُ لَمحَ الطَرفِ حينَ يَمضي
كَأَنَّما الأَرضُ بِهِ في قَبضي / لا فَرقَ بَينَ طولِهِ وَالعَرضِ
جَعَلتُهُ وِقايَةً لِعِرضي / ثُمَّ غَدَوتُ لِمَرامي أَقضي
مِن كُلِّ سِربٍ شارِدٍ مُنغَضِّ / بِأَرقَطِ الظَهرِ صَقيلٍ بَضِّ
كَسَبَجٍ في ذَهَبٍ مُرفَضِّ / أَهَرتَ رَحبِ الصَدرِ نائي الغَمضِ
مُستَثقَلَ الشِلوِ خَفيفَ النَهضِ / عَريضَ بَسطِ الكَفِّ عِندَ القَبضِ
مُحَدَّدَ النابِ لِغَيرِ عَضِّ / مُنتَصِبَ الأُذنَينِ عِندَ الرَكضِ
مُخاتِلَ السِربِ بِغَيرِ وَفضِ / مُنخَفِضاً لِلخَتلِ أَيَّ خَفضِ
مُصافِحاً بِالبَطنِ ظَهرَ الأَرضِ / يَجُسُّها بِالكَفِّ جَسَّ النَبضِ
حَتّى إِذا أَمكَنَ قُربُ البَعضِ / عاجَلَها كَالكَوكَبِ المُنقَضِّ
فَعانَقَ الأَكبَرَ عِندَ النَهضِ / عِناقَ ذي حُبٍّ لِرَبِّ بُغضِ
فَهاضَ مِنهُ العَظمَ عِندَ الهَضِّ / وَرَضَّ مِنهُ الصَدرَ أَيَّ رَضِّ
فَقَمتُ أَسعى خيفَةً أَن يَقضي / أَغُضُّ عَن زَلّاتِهِ وَأُغضي
وَأَهَرتَ الشِدقَينِ مَحبوكِ المَطا
وَأَهَرتَ الشِدقَينِ مَحبوكِ المَطا / مُحَدَّدِ الأَنيابِ مَرهوبِ السَطا
أَفطَسَ تِبرِيِّ الإِهابِ أَرقَطا / كَلَونِ تِبرٍ بِمِدادٍ نُقِّطا
أَلبَسَهُ الخالِقُ حُسناً مُفرِطا / وَخَطَّ في الخَدَّينِ مِنهُ خُطَطا
مُستَثقَلِ الجِسمِ خَفيفٍ إِن خَطا / مُجَرَّبِ الإِقدامِ مَأمونِ الخُطى
يَسبُقُ في إِرسالِهِ كُدرَ القَطا / أَضحى عَلى قَنيصِهِ مُسَلَّطا
حَتّى إِذا مِنَ العِقالِ نَشَطا / وَفى لَنا فِعلاً بِما قَد شَرَطا
قُلتُ وَقَد بِتُّ بِهِ مُغتَبِطا / وَالشِلوُ مِن قَنيصِهِ مُعتَبَطا
بِذاكَ أَم بِالخَيلِ تَعدو المَرَطى /
وَأَهرَتٍ مِنَ الكِلابِ أَخطَلِ
وَأَهرَتٍ مِنَ الكِلابِ أَخطَلِ / أَصفَرَ مَصقولِ الإِهابِ أَشعَلِ
أَعصَمَ مِثلِ الفَرَسِ المُحَجَّلِ / يُخالُ مَرحوضاً وَإِن لَم يُغسَلِ
مُختَصَرِ الشِلوِ ثَقيلِ المَحمَلِ / مُنفَسِحِ الهامَةِ ناتي المُقلِ
إِذ أَنَّهُ كَالسَوسَنِ المُهَدَّلِ / كَأَنَّ فَوقَ عُنقِهِ المُعتَدِلِ
هامَةَ فَهدٍ في صِماخي فُرعُلِ / مُنسَرِحِ الزَورِ فَسيحِ الكَلكَلِ
مِنهَضِمِ الخَصرِ عَريضِ الكِفلِ / ذي أَيطَلٍ خالٍ وَمَتنٍ مُمتَلي
خَصيبِ أَعلى العَضبِ مَحلِ الأَسفَلِ / قَصيرِ عَظمِ الساعِدِ المُفَتَّلِ
مُقتَصَرِ الأَيدي طَويلِ الأَرجُلِ / مُزدَحِمِ الأَظفارِ ثَبتِ العَضلِ
ذي ذَنَبٍ سَبطٍ قَصيرٍ أَفتَلِ / أَسلَسَ مِن دَفَّتِهِ كَالمِغزَلِ
كَثيرِ تَكرارِ نَزاعِ الأَحبُلِ / يَبيتُ غَضبانَ إِذا لَم يُرسِلِ
قَيدِ الأَوادي وَعِقالِ الإِبِلِ / رُعتُ بِهِ سِربَ الظِباءِ الجُفَّلِ
فَاِعتَصَمَت مِنهُ بِأَعلى الجَبَلِ / فَظَلَّ يَنحو قَصدَها وَيَعتَلي
وَخَرَّيَنصَبُّ عَليها مِن كَلِ / شَبيهَ سَهمٍ مَرَقَت مِن عَيطَلِ
يَفوتُ لَمحَ الطَرفِ في التَأَمُّلِ / حَتّى إِذا اِنقَضَّ اِنقِضاضَ الأَجدَلِ
فَما اِرتَضى مِنها بِدونِ الأَوَّلِ / غادَرَهُ مُجَدَّلاً في الجَندَلِ
ذا جُثَّةٍ وافِرَةٍ كَالمِسحَلِ / وَظَلَّ صَحبي في نَعيمٍ مُقبِلِ
لَهُم غَريضُ لَحمِهِ وَالشُكرُ لي /
وَرُبَّ يَومٍ أَدكَنِ القَتامِ
وَرُبَّ يَومٍ أَدكَنِ القَتامِ / مُمتَزِجِ الضِياءِ بِالظَلامِ
سِرنا بِهِ لِقَنَصِ الآرامِ / وَالصُبحُ قَد طَوَّحَ بِاللِثامِ
كَراقِدٍ هَبَّ مِنَ المَنامِ / بِضُمَّرٍ طامِيَةِ الحَوامي
مُعتادَةٍ بِالكَرِّ وَالإِقدامِ / تُحجِمُ في الحَربِ عَنِ الإِحجامِ
حَتّى إِذا آنَ ظُهورُ الجامِ / وَالبِرُّ بِالآلِ كَبَحرٍ طامِ
عَنَّ لَنا سِربٌ مِنَ النَعامِ / مُشرِقَةَ الأَعناقِ كَالأَعلامِ
فاغِرَةَ الأَفواهِ لِلهِيامِ / كَأَينُقٍ فَرَّت مِنَ الزِمامِ
وَحشٌ عَلى مُثنىً مِنَ الأَقدامِ / بِالطَيرِ تُدعى وَهيَ كَالأَنعامِ
تَطيرُ بِالأَرجُلِ في المَوامي / كَأَنَّما أَعناقُها السَوامي
أَراقِمٌ قَد قُمنَ لِلخِصامِ / فَحينَ هَمَّ السِربُ بِاِنهِزامِ
أُلجِمَتِ القِسِيُّ بِالسِهامِ / فَأُرسِلَ النَبلُ كَوَبلٍ هامِ
فَعَنَّ رَألٌ عارِضٌ أَمامي / كَأَنَّما دُرِّعَ بِالظَلامِ
نيطَت جَناحاهُ بِعُنقٍ سامِ / كَأَنَّها مِن حُسنِ الاِلتِئامِ
هاءُ شَقيقٍ وُصِلَت بِلامِ / عارَضتُهُ تَحتَ العَجاجِ السامي
بِسابِقٍ يَنقَضُّ كَالقَطامي / خِلوِ العِنانِ مُفعَمِ الحِزامِ
يَكادُ يَلوي حَلَقَ اللِجامِ / ذي كَفَلٍ رابٍ وَشِدقٍ دامِ
وَصَفحَةٍ رَيّا وَرِسغٍ ظامِ / فَحينَ وافى عارِضاً قُدامي
أَثبَتُّ في كَلكَلِهِ سِهامي / فَمَرَقَت في اللِحمِ وَالعِظامِ
فَخَرَّ مَصروعاً عَلى الرُغامِ / قَد ساقَهُ الخَوفُ إِلى الحِمامِ
فَأَعجَبَ الصَحبَ بِهِ اِهتِمامِ / حَتّى اِغتَدى كُلٌّ مِنَ الأَقوامِ
يَقولُ لا شَلَّت يَمينُ الرامي /
وَأَدهَمٍ يَقَقِ التَحجيلِ ذي مَرحٍ
وَأَدهَمٍ يَقَقِ التَحجيلِ ذي مَرحٍ / يَميسُ مِن عُجبِهِ كَالشارِبِ الثَمِلِ
مُطَهَّمٍ مُشرِفِ الأُذنَينِ تَحسَبُهُ / مُوَكَّلاً بِاِستِراقِ السَمعِ عَن زُحَلِ
رَكِبتُ مِنهُ مَطا ليلٍ تَسيرُ بِهِ / كَواكِبٌ تُلحِقُ المَحمولَ بِالحَمَلِ
إِذا رَمَيتُ سِهامي فَوقَ صَهوَتِهِ / مَرَّت بِهاديهِ وَاِنحَطَّت عَلى الكَفَلِ
وَلَقَد أَروحُ إِلى القَنيصِ وَأَغتَدي
وَلَقَد أَروحُ إِلى القَنيصِ وَأَغتَدي / في مَتنِ أَدهَمَ كَالظَلامِ مُحَجَّلِ
رامَ الصَباحُ مِنَ الدُجى اِستِنقاذَهُ / حَسَداً فَلَم يَظفَر بِغَيرِ الأَرجُلِ
فَكَأَنَّهُ صِبغُ الشَبيبَةِ هابَهُ / وَخَطُ المَشيبِ فَجاءَهُ مِن أَسفَلِ
وَأَغَرَّ تِبرِيِّ الإِهابِ مُرَدَّدٍ
وَأَغَرَّ تِبرِيِّ الإِهابِ مُرَدَّدٍ / سَبطِ الأَديمِ مُحَجَّلٍ بِبَياضِ
أَخشى عَليهِ بِأَن يُصابَ بِأَسهُمي / مِمّا يُسابِقُني إِلى الأَغراضِ
وَطِرفٍ تَخَيَّرتُهُ طُرفَةً
وَطِرفٍ تَخَيَّرتُهُ طُرفَةً / وَأَحبَبتُهُ مِن جَميعِ التُراثِ
حَوى بِبَدائِعِ أَوصافِهِ / مَضاءَ الذُكورِ وَصَبرَ الإِناثِ
إِذا اِنقَضَّ كَالصَقرِ في مَعرَكٍ / تَرى الخَيلَ في إِثرِهِ كَالبُغاثِ
طَويلِ الثَلاثِ قَصيرِ الثَلاثِ / عَريضِ الثَلاثِ فَسيحِ الثَلاثِ
وَعادِيَةٍ إِلى الغاراتِ ضَبحَاً
وَعادِيَةٍ إِلى الغاراتِ ضَبحَاً / تُريكَ لِقَدحِ حافِرِها اِلتِهابا
كَأَنَّ الصُبحَ أَلبَسَها حُجولاً / وَجِنحَ اللَيلِ قَمَّصَها إِهابا
جَوادٌ في الجِبالِ تُخالُ وَعلاً / وَفي الفَلَواتِ تَحسَبُها عُقابا
إِذا ما سابَقَتها الريحُ فَرَّت / وَأَبقَت في يَدِ الريحِ التَرابا
وَوادٍ تَسكَرُ الأَرواحُ فيهِ
وَوادٍ تَسكَرُ الأَرواحُ فيهِ / وَتَخفِقُ فيهِ أَرواحُ النَسيمِ
بِهِ الأَطيارُ قَد قالَت وَقالَت / كَلاماً شافِياً داءَ الكَليمِ
تَسَلسَلُ في خَمائِلِهِ مِياهٌ / يُقَدُّ أَديمُها قَدَّ الأَديمِ
مُروجٌ لِلقُلوبِ بِها اِمتِزاجٌ / كَأَنَّ عُيونَها أَيدي الكَريمِ
لَها أَرَجُ اللَطيمَةِ حينَ يَنشا / وَرِقَّةُ مَنظَرِ الحَدِّ اللَطيمِ
بِنَوّارٍ عَنِ الأَنوارِ يُغني / وَزَهرِ النَجمِ عَن زُهرِ النُجومِ
نَزَلنا فيهِ وَالأَكبادُ حَرّى / فَنَجّانا مِنَ الكَربِ العَظيمِ
فَرَوَّحَ ظِلُّهُ روحَ الأَماني / وَأَخمَدَ بَردُهُ نَفسَ السَمومِ
وَنَفَّسَ إِذ تَنَفَّسَ مِن كُروبي / وَفَرَّجَ حينَ أَرَّجَ مِن هُمومي
وَأَفرَشنا مِنَ الأَزهارِ بُسطاً / مُسَردَقَةً بِأَستارِ الغُيومِ
جَمَعنا لِلمَسامِعِ في ذَراهُ / هَديلَ حَمائِمٍ وَهَديرِ كومِ
وَقَضَينا بِهِ بِاللَهوِ يَوماً / بِهِ سَمَحَت حَشا الدَهرِ العَقيمِ
وَعودٍ بِهِ عادَ السُرورُ لِأَنَّهُ
وَعودٍ بِهِ عادَ السُرورُ لِأَنَّهُ / حَوى اللَهوِ قِدماً وَهوَ رَيّانُ ناعِمُ
يُغَرِّبُ في تَغريدِهِ فَكَأَنَّهُ / يُعيدُ لَنا ما لَقَّنَتهُ الحَمائِمُ
عودٌ حَوَت في الأَرضِ أَعوادُهُ
عودٌ حَوَت في الأَرضِ أَعوادُهُ / كُلَّ المَعاني وَهوَ رَطبٌ قَويم
فَحازَ شَدوَ الوُرقِ في سَجعِهِ / وَرِقَّةَ الماءِ وَلُطفَ النَسيم