القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الشَّريف المُرتَضى الكل
المجموع : 591
رأينا بوادي الرِّمثِ ظَبْيَ صريمةٍ
رأينا بوادي الرِّمثِ ظَبْيَ صريمةٍ / فصاد قلوباً لم يصِدْهنَّ صائدُ
تَقلّد حُسناً زانهُ في قُلوبنا / وَأَعيننا ما لم تزنهُ القلائدُ
وَلمّا طلبنا الوصلَ لم يكُ وصْلهُ / لطالبهِ إلّا السُّها والفراقدُ
وَما ثغرُهُ إلّا حَصىً من غمامةٍ / وَما فَرعه في العينِ إلّا أساودُ
وَقالوا لِقَلبي خَلِّ عنهُ وَقارَه / وَما قادَه إلّا الصَّبابةُ قائدُ
وَما يَلتَقي سالٍ وَصبٌّ إذا اِستوى / فَتىً غيرُ ذِي وَجْدٍ وَمَنْ هو واجدُ
أُحِبُّ مَنْ ليس حظٌّ في مودّتِهِ
أُحِبُّ مَنْ ليس حظٌّ في مودّتِهِ / وَليسَ إلّا الهَوى والهمُّ والكَمَدُ
يَسوؤُهُ أنّه همِّي ويُغضِبُهُ / أنِّي شكوتُ إليه بعضَ ما أجدُ
يا صاحبي لا تَلُمْني في هوىً هجمتْ / به عليَّ الَّتي ما ردّها أحَدُ
وافى ولم تَسعَ لي رِجْلٌ لألحقَهُ / حِرصاً عليهِ ولم تُمدَد إليهِ يَدُ
فإنْ يكن لكَ صبرٌ فيه أو جَلَدٌ / فليس لِي في الهوى صبرٌ ولا جَلَدُ
وَلَمّا تفرَّقنا كما شاءَتِ النّوى
وَلَمّا تفرَّقنا كما شاءَتِ النّوى / تبيّنَ حبٌّ خالصٌ وتودُّدُ
كأنِّي وقد سارَ الخليطُ عشيّةً / أخو جِنَّةٍ ممّا أقومُ وأقعُدُ
صدّتْ أسَيماءُ عن شيبي فقلتُ لها
صدّتْ أسَيماءُ عن شيبي فقلتُ لها / لا تنفُرِي فبياضُ الشَيب معهودُ
عمرُ الشّبابِ قصيرٌ لا بقاءَ له / والعمرُ في الشّيبِ يا أسماءُ ممدودُ
قالتْ طُرِدتَ عن اللذّاتِ قاطبةً / فقلتُ إنّي عن الفحشاءِ مطرودُ
ما صَدّني شيبُ رأسي عن تُقىً وعُلاً / لكنّنِي عن قذى الأخلاقِ مصدودُ
لولا بياضُ الضّحى ما نِيلَ مُفتَقَدٌ / ولم يَبِنْ مطلبٌ يبقى ومَقصودُ
ما عادل الصُّبحَ ليلٌ لا ضياءَ بهِ / وَلا اِستَوتْ في اللّيالي البيضُ والسُّودُ
أفِي كلِّ يومٍ لي مُنىً أستجدّها
أفِي كلِّ يومٍ لي مُنىً أستجدّها / وأسبابُ دنياً بالغرُورِ أودُّها
ونفسٌ تنزّى ليتها في جوانحٍ / لذِي قوَّةٍ يَسطيعها فيردّها
تَعامَهُ عَمْداً وهْيَ جِدُّ بصيرةٍ / كما ضلّ عن عشواءَ باللّيل رُشدُها
إذا قلتُ يوماً قد تناهى جِماحُها / تجانَفَ لِي عن منهجِ الحقِّ بعدُها
ولي نَقْدُها من كلِّ شرٍّ وربّما / يكون بخيرٍ لا توفّيه وعدُها
وَأَحْسَبُ مَولاها كَما يَنبغي لَها / وَأنِّيَ من فَرْطِ الإطاعةِ عبدُها
ترى في لساني ما تشاءُ من التُّقى / ومِنْ حَسَناتٍ ثمّ فعلِيَ ضدُّها
وأهوى سبيلاً لا أرى سالكاً بها / كأنِّيَ أقلاها وَغيري يَوَدُّها
وأنسى ذنوباً لِي أتتْ فات حصرُها / حسابي وربّي للجزاءِ يعُدُّها
أقِرُّ بها رَغماً وليس بنافعِي / وَقَد طويتْ صُحْفُ المعاذير جَحْدُها
وَلَمّا تَراءَتْ لي مَغبَّةُ قبحِها / وَعُرِّيَ عن دارِ المُجازاةِ بُرْدُها
تَندّمتُ لمّا لَم تَكُن لي نَدامةٌ / فَألّا وفى كفّي لو شئتُ ردّها
ولم أرَ كالدّنيا تصدّ عن الّذي / يَوَدُّ محبوها فيحسُنُ صدُّها
وتسقيهمُ منها الأُجاجَ مُصَرَّداً / وكيف بها لو طاب للقومِ عِدُّها
تعلّقتُها وَرْهاءَ للخَرْقِ نسجُها / وللمنع ما تُعطي وللحلِّ عقدُها
يُدالُ الهوى فيها مِراراً من الحِجى / ويقتادُها صُغْراً كما شاء وغْدُها
وما أنصَفتنا تظهِرُ الصَّفحَ كلَّهُ / لجانٍ وفيما لا ترى العينُ حِقْدُها
أراها على كلِّ العيوبِ حبيبةً / فيا لقلوبٍ قد حشاهنَّ وُدُّها
وحبُّ بنِي الدّنيا الحياةَ مسيئةً / بهمْ ثَلْمَةٌ بالنّفسِ أعوَزَ سدُّها
أَلا يا أُباةَ الضّيمِ كيف اِطّباكُمُ / وغيرُكُمُ يغترّه الرِّفْدُ رِفدُها
وَكَيفَ رَجَوتمْ خيرَها وإزاءَكمْ / طلائحُ أرْداهنّ بالأمس كدُّها
وقد كنتمُ جرّبتُمُ غِبّ نفعِها / وجرّعكم كأسَ المراراتِ شَهدُها
تَعاقَبَ فيكمُ حرُّها بعد بَردها / فما ضرّها لو حرُّها ثمَّ بردُها
وَلَو لَم تُنِلْكمُ كارِهينَ نَعيمها / لَما ضَرّكم كلَّ المضرّةِ جَهدُها
سَقَى اللَّهُ قلباً لم يَبتْ في ضلوعِهِ / هواها لم يطرقْ نواحيهِ وَجْدُها
ولم يَخشَ منها نحسَها فيبيتُهُ / عَلى ظَمأٍ إلّا مُحيّاهُ سعدُها
تخفّف مِن أزوادها مِلءَ طوقِهِ / فَهانَ عليهِ عندَ ذلك فَقدُها
سَئِمتُ مقامِي في الغبينةِ مُغْمَدا
سَئِمتُ مقامِي في الغبينةِ مُغْمَدا / يُراوحني فيها الملامُ كما غدا
ألا إنّ جارَ الذُلَّ مَن بات يتّقِي / سِناناً طَريراً أو حساماً مُهنّدا
وما خِيفةُ الإنسان إلّا غباوةٌ / وخوفُ الرّدى للمرءِ شرٌّ من الرّدى
تركتُ الهُوَيْنَى للرَّدِيِّ وإِنّنِي / إذا غار مُغترٌّ بها كنتُ مُنجِدا
وأيُّ مُرادٍ لم أنَلْهُ بعزّةٍ / فأنفسُ حظِّي منه أنْ يتبعّدا
وما شَعَفِي بالحرب إلّا لأنّنِي / أرى السّيفَ أهدى والكريهة أقصَد
سَقى اللَّهُ قلبِي ما أعَفَّ عن الهوى / وأَقْسى على نأْيَ الحبيبِ وأجْلدا
وَإنِّي مَتى ضنَّ الصّديقُ بقربهِ / أكنْ منه أسخى بالبِعاد وأجْوَدا
أرى الهمَّ يرميني إلى كلِّ غايةٍ / ومَن لِي بأَنْ ترضى همومِيَ مَقصَدا
لَعَلِّيَ أنْ ألْقى مِنَ النّاسِ واحداً / يكون على حُرِّ المطالبِ مُسعِدا
وهيهاتَ أعيا العزُّ كلَّ مُغامرٍ / وأفْنى على الدّنيا مسوداً وسيّدا
وسرٍّ حجبتُ النّاسَ عنه كأنّما / قذفتُ به في لُجّة البحر جَلْمدا
وداريتُ عنه صاحبِي وهْوَ دائبٌ / يُنازعهُ عَرضُ الحديثِ إذا بدا
عذوليَ ما أخشى جنايةَ كاشحٍ / إذا الحزمُ وارانِي خفيتُ عن العِدى
لَحا اللَّهُ هَذا الدّهرَ تأتِي حظوظُهُ / خطاءً ويَغشى ضيمُه متعمّدا
إذا نِلْتُ منه اليومَ حالاً حميدةً / أَبى فَتقاضاني اِرتجاعتها غدا
تنقّلنا الأيّامُ عن كلِّ عادةٍ / وتُبدلنا من موردِ العيشِ مورِدا
ولو كنت موفورَ الحياةِ من الأذى / على نَبَواتِ الدّهرِ كنتُ مخلَّدا
وهوّنَ ما ألْقى من الدّهرِ أنّه / تعمّدنِي بالغدر فيمن تعمّدا
وليستْ حياةُ المرءِ إلّا شرارةً / ولابدَّ يوماً أنْ تناهى فتخمُدا
أمَا ووجيفِ العِيسِ تنضو شفاهُها / لُغاماً تُحَلّاهُ الأزمّةُ مُزبِدا
وَنَهضةِ أَبناءِ اللقاءِ لخُطّةٍ / تجرُّ مَماتاً أو تقلِّدُ سُؤْدُدا
لَقد ألْصَقَتْنِي بالحسين خلائقٌ / أَعَدْنَ قديمَ المجدِ غضّاً مجدّدا
هو المرءُ إنْ قلَّ التقدّم مُقدِمٌ / وإِنْ عزّ زادٌ في العشيرةِ زوّدا
أَبِيٌّ على قولِ العواذلِ سمعُهُ / إِذا أَعرضوا دونَ الحفيظة والنّدا
وأرْوَعَ من آل النبيِّ إذا اِنتَمى / أصابَ عليَّاً والداً ومحمّدا
كرامٌ سَعَوا للمجد من كلِّ وُجهةٍ / كما بسطوا في كلّ مكْرُمةٍ يدا
وَما فيهمُ إلّا فَتىً ما تلبّستْ / بِهِ الحَربُ إلّا كانَ عَضْباً مجرّدا
وقاؤُك من صَرْفِ الرّدى كلُّ ناكلٍ / إذا صَدمَتْهُ النّائباتُ تبلّدا
جَرِيءٌ إذا ما الأمنُ أخلى جَنانَهُ / فإِنْ رابه ريبٌ تولّى وعرّدا
وأَنتَ الّذي لا يثلمُ الرّعبُ شدَّه / وقد لفّتِ الخيلُ السّوادَ المشرّدا
وكنتَ متى لاذتْ بنصرك بلدةٌ / ضممتَ إليها قَطْرَ أسْحَمَ أربدَا
رجالاً كأمثال الأسنَّةِ رُكَّزا / وخيلاً كأمثالِ الأعنّةِ شُرَّدا
ولا أَمنَ إلّا أَنْ تُردَّ صدورُها / منَ الطّعنِ يَسحبن القنا المتقصّدا
طوالعَ من ليلِ العجاجِ كأنّما / زَحَمْن الدُّجى عنهنّ حتّى تقدّدا
وَقَد سَلب الإقدامُ لَونَ جُلودها / وَأَلْبَسها بالطّعن ثوباً مورَّدا
وَيَومٍ طردتَ العُدْمَ عنه كأنّما / طردتَ به جنداً عليك مجنّدا
وَلَم تُلقَ إلّا باسِطاً من يمينهِ / ببذلِ الندى أو ضارباً فيه موعدا
هنيئاً لك العيدُ المخلِّفُ سعدُهُ / عليك من النّعماءِ ظِلّاً مُمدّدا
ولا زلتَ فيه بالغاً كلَّ إرْبَةٍ / ولا زال مكروراً عليك مُردَّدا
تهُبُّ رِياحُ الجوِّ حولَك كلُّها / نسيماً ويطلُعن الكواكبُ أَسْعُدا
قُل للّذي راحَ بِعزٍّ وَاِغتَدى
قُل للّذي راحَ بِعزٍّ وَاِغتَدى / يسحبُ منه مِطْرَفاً مورّدا
صنيعَ مَنْ يطمعُ أنْ يُخلَّدا / جمعتَ ما لا بدّ أنْ يُبدّدا
إنْ لم يزُلْ في يومِهِ زال غدا / يا جامعاً لغيره مُحتشِدا
نَضَدتَ مالاً هل نَضَدتَ أمَدا / سيّانِ مَنْ سار يجرّ العَدَدا
ومن يَظِلّ واحداً مُنفردا / كلاهما مفارقٌ ما وَجدا
وَصائِرٌ ما يَقتَنيهِ قِددا / وإنْ أتاه حَتفُه لا يُفتَدى
هيهاتَ ما أغفلنا عن الهُدى / وأوضحَ الحقَّ لنا لو قُصدا
كم نركبُ الوَعْرَ ونفرِي الجدَدَا / ونأخذُ الغيَّ ونُلْقِي الرَّشَدا
وَكَم يَرى الراؤُون فينا الأَوَدا / قد آن في زهيدنا أنْ نزهدا
وبعد جورٍ قد مضى أنْ نقصِدا / وأنْ نُرى عن الدّنايا حُيَّدا
صَبراً عن الوِرْدِ وإنْ طال الصّدى / إنْ فاتنِي العِدُّ أبيتُ الثَّمَدَا
ولستُ أرضى بالهِجانِ النَّقَدا / أما ترى زمانَنا ما أنكدا
كأنّنا إذا سألناه الجِدا / نُرْحِلُ منه بازلاً مُقيّدا
أو نجتلِي الشّمسَ بعينَيْ أرْمَدا / أو نمترِي النّارَ بزندٍ أصلَدا
وصاحبٍ أيقظنِي ورَقَدا / ورام أنْ يصلحنِي فأفسدا
يحسُدنِي ولا أرى أن أُحسدا / بات يُلاحينِي على بذلِ النّدا
فقلتُ لمّا لامنِي وفنّدا / مصوِّباً وتارةً مُصعّدا
أليس عدلاً بالغنى أنْ أُحَمدا / بِتْنا بذاتِ العَلَمين سُهَّدا
نرقُبُ في ليلٍ طويلٍ أسودا / كأنّما ذرَّ علينا الإِثْمِدا
أو كان بالطّولِ لِزاماً سَرْمدا / فجراً كمصقولِ الغِرارِ جُرِّدا
كأنّما الأُفقُ به إذا بدا / حالَ لُجيناً لونُهُ وعَسجدا
وإنّما ننشد أوْتارَ العِدى / بكلِّ عُريانِ العِذارِ أَمْرَدا
ذِي هِمّةٍ لم تَرمِ إلّا صُعُدا / إِذا اِحتذى بالحمدِ يوماً وَاِرتَدى
وَمَدَّ بِالبيضِ أوِ السُّمرِ يدا / لَم يَدنُ من حَيزومِهِ خوفُ الرّدى
أَسؤدداً ولا أرومُ سؤدُدا / وما قضيتُ في الأعادِي موعِدا
ولَم أرِمْ طولَ الحياةِ البلَدا / مُجتمعاً أَحسَبُ هِمّاً صَرِدا
مُزَمَّلاً بكلِّ وتْرٍ مُكْمَدا / موطِّئاً للمُثقِلاتِ الكَتَدا
مَنْ شاء أنْ يعدُوَ في ما لِي عدا / نَهْضاً فقد أَمكن ألّا تقعُدا
وَاِستلَّ للفرصةِ نَصْلاً مُغمَدا / ورِدْ حياضَ العزِّ فيمن وردا
فَمن بغى المجدَ بجِدٍّ أُيِّدا /
أما رأيتَ ضُحَيّاً
أما رأيتَ ضُحَيّاً / أُدْمَ الرّكائب تُحدى
يُردْنَ نجداً وما اِشتا / قَ مَن عليهنَّ نجدا
وَفَوقَهنّ وجوهٌ / مثلُ النجومِ تَبدّى
يَغرُبن بدراً ويطلُعْ / نَ بالإيابة سعدا
وقد تجلّدتُ حتّى / يخالنِي القومُ جَلْدَا
وما رَدِيتُ وممّا / أودّ أنّي أُردى
قل للقِلاصِ خفافاً / يَخِدْنَ بالظّعنِ وَخْدا
تخالهنُّ سِراعاً / رُبْداً يبارين رُبْدا
بمنْ حملتنّ وجدِي / وَما حملتُنَّ وجْدا
حَلفتُ بالبيتِ جاؤوا / إليهِ رَكْضاً وشدّا
مطوِّفين عليهِ / تُقىً كهولاً ومُرْدا
وَالوارِدينَ ظِماءً / مِن ماءِ زَمزَمَ رَغْدا
وَالبائِتينَ بجَمْعٍ / لاقين في اللَّهِ جُهْدا
يُقلِلْنَ من مَرْوِ جَمْعٍ / للرّمْيِ زوجاً وفَرْدا
لهمْ أناملُ عِيضَتْ / من جِلدها ثَمَّ جِلْدا
وبالنحائرِ تُلْقى / عند الجِمارِ فتُرْدى
تُهدى إلى اللَّهِ بِرّاً / وَالبِرُّ للَّهِ يُهدى
وواقفِي عَرَفاتٍ / يَرجونَ للَّهِ رِفْدا
ما أنْ ترى ثَمّ إلّا / ربّاً لعبدٍ وعبدا
عدّوا الّذي كان منهمْ / وَاِستَنفَروا منه عدّا
لَقد خَلفتُ ألوفاً / للنّاس عهداً ووُدّا
وما تعاطيتُ هَزْلاً / ولا تعافيتُ جِدّا
ولا صددتُ بوجهِي / عمّنْ جنى لِيَ صدّا
وَلا تَجاوَزت قصداً / ولا تعدّيتُ حدّا
ولا وهبتُ وداداً / وسُمتُ مُعطاه ردّا
قل للوزير أبي سع / دٍ الّذي جلّ مَجْدا
يا أوثقَ النّاسِ عقداً / وأعذبَ النّاسِ وِرْدا
لا راعهمْ منك بينٌ / ولا رأوْا منك بُعْدا
فَما اِستَطاعوا لفضلٍ / آتاك ربُّك جَحْدا
سلّوك طوراً ولكنْ / للسلّ صانوك غِمْدا
فإنْ ضَرَبْتَ فماضٍ / قدّ الضّريبة قدّا
ما زلتَ فيهمْ سِناناً / للرّمح والسّيف حدّا
وما أردتَ على الهَوْ / لِ نَجْدَةً منك جُندا
فَإنْ رُمُوا كنتَ تُرساً / وإنْ ورَوْا كنت زندا
وإن دَجَوْا كنت صُبحاً / وَإِن ضَحوْا كنت بَرْدا
خُذْ مِلءَ كفّيك من عا / مِكَ الّذي جاء رِفْدا
وما وُعدتَ به خذْ / ومن يد الدّهرِ نقْدا
ما كنتَ تمطُلُ وَعْداً / فكيف تُمطَلُ وعْدا
وَاِستَشعرِ النُّجْحَ دِرْعاً / واِلبَسْ منَ اليُمْنِ بُرْدا
وَعِشْ فَما العَيشُ إلّا / ما كان رحْباً ورَغْدا
يُراحُ بابُكَ فينا / قصداً إليه ويُغدى
وَاِخلدْ فخُلدُك أَوْفى / منّا علينا وأجْدى
ولا يزلن نيوبُ ال / خطوبِ حولك دُرْدا
ولا رأينا لشيءٍ / نَهواهُ عندكَ فَقدا
أَبَتْ زَفراتُ الحبِّ إلّا تصعُّدا
أَبَتْ زَفراتُ الحبِّ إلّا تصعُّدا / وَيَأبى لَهيبُ الوجْدِ إِلّا تَوقُّدا
ولم أرَ مِنْ بعد الّذين تشرّدوا / لأعيُننا إلّا رُقاداً مشرّدا
تَذكّرتُ بِالغَوْرين نجداً ضلالةً / وَمِن أَين ذكرى غائر الدّار مُنجدا
مضى البينُ عنّا بالحياة وطيبِها / فلم يبق بعد البين شيءُ سوى الرّدى
فقلْ للّذي ينوِي الفراقِ وعندَه / بأنّي مطيقٌ في الفراق التجلّدا
وَعَدْتَ ببينٍ يسلبُ العيشَ طيبَه / فَما كانَ ذاكَ الوعدُ إلّا تَوعّدا
وَما كانَ عِندي أَن يُفرَّق شملُنا / ويبعُدُ عن داري العميدُ تعمّدا
وما سرّني أنْ سرتَ عنّي وأنّني / مُقيمٌ بأرضِي أو تغيبَ وأشهدا
سَيَرحَمُني مَن كانَ بالأمسِ حاسدِي / وما عادَلَ المرحومُ فيك المُحسَّدا
وأبقى وحيداً بعد أنْ كنتُ ثانياً / ومَنْ ذا بُعَيْدَ الأُنسِ يرضى التوحّدا
وَما زِلتُ دَهراً بالتفرّقِ قانعاً / فَما زِلتَ بي حتّى كرهتُ التفرّدا
هَززتُك سيفاً ما اِنثَنى عَن ضَريبةٍ / مضاءً كما أنّي نَقدتُك عَسجدا
وَكان الّذي بَيني وَبينك كلّهُ / وداداً وفي كلِّ الرّجالِ تودُّدا
فإنْ لم يكن سِنْخٌ يؤلّفُ بيننا / فقد ألّفَتْ فينا المودّةُ محتِدا
وَمَنْ قرّبته دارُ وُدٍّ مُصَحّحٍ / إليَّ فلا كان المقرّبُ مولِدا
وما كنتُ أخشى أنّني فيك أبتلِي / وتخرجُ عن كفّيَّ منك المهنّدا
وَأُسقى بكَ العذبَ النّميرَ وينثني / فراقُك يسقيني الأُجاجَ المصرّدا
ولو لم تَرُحْ عنّي لما كنتُ بالّذِي / أُبالِي بناءٍ راح عنِّيَ أو غدا
وَقَد زادَني منكَ النّظامُ كأنّه / رياضٌ بأعلى الحَزْنِ جاد لها النّدى
وقلّدني مَنّاً وما كنتُ قبلَه / وجَدِّك ما بين الرّجالِ مُقَلّدا
ولو أنَّنِي أنشدتُه نَغَماً به / مع الصّبحِ أطربتُ الحَمامَ المغرِّدا
كأنِّيَ لمّا أنْ كرعتُ زلاله / كَرِعتُ زلالاً من سحابٍ على صَدى
فَخُذه كَما شاءَ الودادُ وشئتَه / نظاماً على مرّ الزّمانِ منضّدا
هو الماء طوراً رقّةً وسلاسةً / وإنْ شئتَ طوراً قوّةً كان جَلْمَدا
ولمّا دعوتَ القولَ منِّي سمعته / وكان لمنْ يبغيه نَسْراً وفَرقدا
هَذي المُصيبةُ ما أبْقَتْ لنا أبداً
هَذي المُصيبةُ ما أبْقَتْ لنا أبداً / صبراً عليها ولا خلَّتْ لنا جَلَدا
جاءَتْ ولا همّ في قلبِي ولا كَمَدٌ / فَلَم تَدعْ فيه إلّا الهمَّ والكَمَدا
يا سَعدَنا لَم يجد فيك الزّمانُ وقد / بلاك موضعَ إخشاعٍ وقد وجدا
اِنظُر إِلى الدّهرِ لمّا أنْ ألمَّ بنا / من أيِّ بابٍ إلى مكروهنا قصدا
جبَّ السَّنام الذي كنّا نصولُ به / فما أفادَ بأنْ أبقى شوىً ويدَا
أنكى بأفرسِ مَنْ ناجيتُه قدرٌ / جارٍ وأفرسِ مَن حاذرتُ منه رَدى
والموتُ إنْ لم يزرْ يوماً ففِي غدِهِ / والمرءُ إنْ لم يرُحْ سعياً إليه غدا
لَو يَستَطيعُ الّذي يهوى البقاءَ له / فداءَه بالّتِي في جنبِه لفدى
وَلَو أَطافَ الّذي قِيدتْ مشافِرُهُ / إلى ورودِ حياضِ الموتِ ما وردا
وما أرى الصّبرَ لِي رأياً فأسألَهُ / والقصدُ يُغْرِي به مَن كان مقتصدا
ولستُ أرضى له قولاً وفي كَبدِي / جمرُ المصيبةِ ما أغضى ولا خَمَدا
فإنْ أفَقْتُ فعندي كلّ قافيةٍ / تَتْرى وقد ضَمِنَ الإنجازَ من وعدا
سقانِي ولَم أَستَسْقِهِ فضلَ خيرِهِ
سقانِي ولَم أَستَسْقِهِ فضلَ خيرِهِ / فَلَم يَسقنِي إِلّا الذُّعافَ المصَرَّدا
وَما زال يدعونِي إلى دارِ وصلِهِ / فلمّا دنوتُ الدّارَ ولّى وعَرَّدا
فماذا على مَن خاننِي في ودادِه / إذا لم يكنْ منه الوِدادُ تودّدا
ولو كان يجني مخطئاً لعذرتُهُ / ولكنّه يجنِي عليَّ تعمّدا
وَإنِّيَ ممّنْ إِن نَبا عنه منزلٌ / وأنكرَ مثواه نآه فأبعدا
فخراً فإنّك من قومٍ إذا اِفتَخروا
فخراً فإنّك من قومٍ إذا اِفتَخروا / مدّوا إلى كلِّ نجمٍ في السّماءِ يدا
مُحَسَّدين وهذا الفضل مَرقَبةٌ / تَجرّ قِدْماً على طُلّاعِها الحَسدا
لمّا رأينا سجاياً منهمُ سُمعتْ / كأنّنا ما رأينا منهمُ أحدا
سَقى اللَّهُ الّتي طَردتْ وسادي
سَقى اللَّهُ الّتي طَردتْ وسادي / وكانتْ لِي معاصمُها وسادا
جعلتُ وقد خلعتُ نِجادَ سيفي / غدائرَها لعاتِقِيَ النّجادا
فإنْ يكُ مُنْصُلِي عَضْباً حَديداً / فإنَّ لحسنها نُصُلاً حِدادا
فما أدرِي وقد قضّيت نَحْبِي / أَغيَّاً كانَ ذلكَ أَمْ رَشادا
تَلومُ وَقَد لاحَتْ طوالعُ شَيبتي
تَلومُ وَقَد لاحَتْ طوالعُ شَيبتي / وما كنتُ منها قبل ذاك مُفنَّدا
فَحسبُك مِن لَومي وإلّا فَبعضهُ / فَما اِبيضّ إلّا بَعضُ ما كان أسودا
وَلا تُلزميني اليوم عَيباً بصبغةٍ / سَتكتسبيها إِنْ بقيتِ لها غدا
وَلَو خلّدتْ لي خالةٌ معْ تولّع ال / ليالي بأحوالي لكنتُ المخلّدا
ولو لم أشِبْ أو تَنتقِصْنِيَ مُدّةٌ / لكنتُ على الأيّامِ نَسراً وفرقدا
وإنّ المشيبَ فِدْيَةٌ من صغيرةٍ / أبِيت بها صِفْراً من النّاسِ مفردا
أُوَسّدُ بِالصُّفّاحِ لا مِنْ كرامةٍ / وإنّي غنِيٌّ وَسْطَها أن أُوَسّدا
فلا تنفرِي يا نفسُ يوماً من الرّدى / فَما أَنتِ إلّا في طَريقٍ منَ الرّدى
ألا هلْ أتاها كيف حُزنِيَ بعدها
ألا هلْ أتاها كيف حُزنِيَ بعدها / وأنّ دموعي لست أملك رَدّها
تفيض على عينٍ مَرى الوجدُ ماءَها / ولم تستطعْ أنْ يغلِبَ الصَّبرُ وجدَها
غزيرةُ أنواءِ الجفونِ كأنّها / تناهتْ إلى بعض البِحار فمدّها
وقد كنتُ من قبل الفراق أهابهُ / كما هابَ ظِلمانُ الصّريمةِ أُسْدَها
وأُشفِقُ ممّا لا محالةَ واقعٌ / وهلْ للمنايا قادرٌ أن يردّها
كأنّيَ لمّا أنْ سمعتُ نعيَّها / أناخ على الأحشاءِ فارٍ فقدّها
وَلَم أَستطعْ في رُزْئِها عَطَّ مُهجتِي / وأجللتُه عن أنْ أُمزِّق بُردَها
وَممّا شَجاني أنّنِي لَم أَجد لَها / عَلى خِبرَتي شَيئاً يهوّن فقْدَها
وَأنِّيَ لمّا أَن قَضى اللَّهُ هُلْكَها / على قلبيَ المَحزون بُقّيتُ بَعْدَها
حَنى يَومُها الغادي كهولَ عَشيرتي / عَلى جَلَدٍ فيهمْ وشيّبَ مُرْدَها
وحطَّ الرّجالَ الشُمَّ مِن كلِّ شامخٍ / يُلاقون بِالأيدي منَ الأرضِ جِلْدَها
وَقَلّص عَنها العزّ ما فُدِحتْ به / فتحسبُ مولاها من الذلِّ عبدَها
فكم كَبدٍ حرّى تقطّع حسرةً / وكم عبرة قد أقرح الدّمعُ خدَّها
حرامٌ وقد غُيّبتِ عنِّيَ أنْ أرى / مِنَ الخلقِ إلّا نَظرةً لن أودَّها
وَسِيّانِ عندي أنْ حَبَتني خريدةٌ / بوصلٍ يُرجّى أو حَبَتْنِيَ صدَّها
وهيهات أن أُلفى أُرقّحُ صَرْمةً / وأطلبُ من دار المعيشةِ رَغْدَها
وَمِن أَينَ لي في غيرها عِوَضٌ بها / وقد أحرزتْ سُبْلَ الفضائلِ وحدَها
أُسامُ التسلِّي وهو عنِّي بمعزِلٍ / وكيف تُسامُ النّفسُ ما ليس عندها
وَبَينَ ضُلوعي يا عَذول نوافدٌ / أَبى العَذْلُ وَالتأنيبُ لِي أنْ يسدّها
وَودّي بأَنّ اللَّه يَومَ اِختِرامها / تخرّم من جنبيَّ ما حاز وُدّها
وَإنِّيَ لَمّا غالَها الموتُ غالني / فَبُعداً لِنَفسي إِذْ قَضى اللَّه بُعدَها
أَفي كلِّ يومٍ أيّها الدّهرُ نكبةٌ / تكدُّ حيازيمي فأحمل كدَّها
بلغتُ أشُدِّي لا بلغتُ وجزتُهُ / وَأعجلتها من أنْ تجوزَ أشُدَّها
ففزتُ بأَسنى ما حَوَتْهُ رواجبِي / وجاوزت في أمِّ المصيباتِ حدَّها
فَيا قَلب لِمْ أنت الجليدُ كأنّما / تحادثك الأطماعُ أنْ تستردّها
وما كنتُ أهوى أنّك اليومَ صابرٌ / ويدعوك فتيانُ العشيرةِ جَلْدَها
أَليسَ فِراقاً لا تلاقِيَ بعدَه / وغيبةَ سَفْرٍ لا يرجّون وفْدَها
أَلا فَاِلبَس الأحزانَ لبسةَ قانعٍ / بأثوابه لا يبتغِي أن يُجدَّها
وَصمَّ عنِ المغرينَ بالصّبرِ إنّهمْ / يطفّون ناراً ألْهبَ اللّه وقْدَها
وقبلكَ ما نال الزّمانُ مُعلَّقاً / بِأَجبالِ رَضْوى يرتعِي ثَمّ مَرْدَها
تواعَدَ في شمّاءَ يرقُبُ مُزْنَةً / تصوبُ عليه أعذبَ اللّهُ وِردَها
وَتَلقاهُ خِلْواً لا يطالع رِيبةً / ولا يتّقِي خِطْءَ اللَّيالِي وعَمْدَها
وداءُ الرّدى أفنى ظباءَ سُوَيقةٍ / وطيّر عن أجزاعِ تَدْمُرَ رُبْدَها
وأفضى إلى حُجْبِ الملوكِ وَلَم يَخفْ / شَباها ولم يرقُبْ هنالك حَشْدَها
يَسيرُ إِلَيها كلَّ يومٍ وليلةٍ / على مَهَلٍ منه فيسبقُ شَدَّها
وَكم عُصبةٍ باتتْ بظلٍّ سعادةٍ / تخطّفها أو أولج النّحْس سَعدها
وَهَدّمها مَنْ كان شاد بناءَها / وجرّدَها مَن كان أحكمَ غِمْدَها
سلامٌ على أرضِ الطّفوف ورحمةٌ / مَرى اللَّهُ سُقياها وأضرمَ زَنْدَها
ولا عَدِمتْ في كلِّ يومٍ وليلةٍ / حفائرُها من جنّةِ اللّهِ رِفْدَها
فَكَمْ ثَمَّ مِن أَشلاءِ قومٍ أعدَّها / لِيُعطِيَها ما تبتغي مَنْ أعدّها
وَللّهِ مِنها حفرةٌ جئتُ طائعاً / فأودعتُ دينِي ثُمَّ دنيايَ لَحْدَها
وولّيتُ عنها أنفضُ التّربَ عن يدٍ / نفضتُ ترابَ القبرِ عنها وزندَها
ولم يُسلِني شَيءٌ سِوى أنّ جارتِي / قَضى اللَّه بَعدِي أن تجاور جَدّها
وإنِّيَ لمّا أنْ شققتُ ضريحَها / إِزاءَ شهيد اللّه أَنجزت وعْدَها
وَكيفَ تَخافُ السّوءَ يومَ حسابها / وَقَد جعلتْ من أجنُدِ اللَّهِ جُندَها
وَتُمسِك في يومِ القيامةِ منهمُ / بُحجْزَةِ قومٍ لا يُبالون حدَّها
يَقونَ الّذي وَالاهُمُ اليومَ حَرَّها / ويُعطونَه عفواً كما شاءَ بَرْدها
مَتى أَرى الدّهرَ قد آلت مصايرُهُ
مَتى أَرى الدّهرَ قد آلت مصايرُهُ / إلى الّذي كان مألوفاً ومعهودا
كم ذا أرى كلَّ مذمومٍ ولست أرى / بين الورى أبدَ الأيّامِ محمودا
قالتْ أراك بهمٍّ لا تفارقُهُ / فقلت همِّي لأنّي ظَلْتُ مَجهودا
إنْ شئتَ عزّاً بلا ذُلٍّ يُطيف بهِ / فَاِقطَعْ منَ الحرصِ حبلاً كان ممدودا
خذْ كيفَ شئتَ عن الأقطار قاطبةً / وَاِطلُبْ من الرّزق مطلوباً وموجودا
فلستَ تأخذُ إلّا ما سبقتَ بهِ / ولا تبدّل بالمجدودِ مجدودا
مضى الثّقاتُ فلا عينٌ ولا أثرٌ / وأُورِدوا من حياضِ الموتِ مورودا
وأصبحوا كهشيمٍ بات في جَلَدٍ / بِعاصِفاتٍ منَ النّكباءِ مكدودا
فما أبالِي وقد فارقتهمْ غَبَناً / شُحّاً منَ الدَهرِ في نفعٍ ولا جودا
وَلا أضمُّ يداً منِّي بغيرهمُ / ولا أودُّ من الأقوامِ مودودا
ولا أخاف على مَن كان بعدهُم / نَحساً وسعداً ولا بيضاً ولا سودا
لا تَطلُبي مِنِّيَ الشّباب فما
لا تَطلُبي مِنِّيَ الشّباب فما / عندي شبابٌ والشّيبُ قد وفَدا
أَينَ شَبابي وَقد أنَفْتُ على ال / ستّينَ ستّاً وجُزتُها عدَدا
فمنْ بغى عندِيَ البشاشة واللّه / وَ وبعض النّشاطِ ما وجدا
فقد مضى من يدِي وفارقنِي / ما لا أراهُ براجعِ أبدا
وخُبّرتُها يومَ اِلتَقينا بذي النَّقا
وخُبّرتُها يومَ اِلتَقينا بذي النَّقا / تعجّبُ من وجدي وما عرفت وجْدا
وتَحسبُ أنّي مُدّعٍ عِندَها الهَوى / وتُعرِضُ عن دمعٍ بها أَترعَ الخدّا
فَيا لَيتني لَم أُكْسَ مِنها صَبابةً / كما هي ظنّتْ لا ولم أعرف الجَهدا
ولمّا قُرعنا بالنّوى حين غفلةٍ / تجلّدتُ مشتاقاً لتحسبني جَلْدا
وطار بقلبِي طائر البينِ عن يدي / على أنّني ما جُرتُ يومَ النَّوى قَصْدا
قَرّت عيونُ بني النبيِّ محمّد
قَرّت عيونُ بني النبيِّ محمّد / بالقادر الماضِي العزيمة أحمدِ
بموفّقٍ شَهدتْ له آباؤهُ / أنْ سوف يشتمل الخلافة في غدِ
جاءَتْه لم يُتْعِبْ بها في صدرِه / همّاً وَلا أوْمَا إليها باليدِ
سَبَقتْ مُخِيلَتُها إليه وأكرَم ال / نعماءِ طالعةٌ أمامَ الموعِدِ
ولقد علمتُ بأنّها لا تنتضِي / إلّا شَبا ماضِي الغِرارِ مهنَّدِ
لمّا مشتْ فيه الظّنونُ وأوسعتْ / طَمَعاً يروح مع العدوِّ ويغتدِي
وَتَنازَعوا طُرُقاً إليها وعْرَةً / جاءته في سَنَنِ الطّريقِ الأقصدِ
عَلِقتْ بأوفى ساعدٍ في نصرها / وأذبَّ عن مصباحها المتوقّدِ
قَرْمٍ يضيفُ صرامةَ المنصورِ في / قَمعِ العدوِّ إلى خشوعِ المهتدي
كالنّارِ عاليةِ الشّعاعِ وربّما / أخفَتْ تضرّمَها بطونُ الرِّمْددِ
يقظٌ يغضُّ جفونَه وهمومهُ / من كلِّ أطراف البلادِ بمرصدِ
فخراً بنِي العبّاسِ إنّ قديمكمْ / يأبى على الأيّامِ غيرَ تجدّدِ
شرفٌ يميلُ بيَذْبُلٍ ويَلَمْلَمٍ / وعُلاً تعرّس في جوار الفرقدِ
وهْيَ الخلافةُ موطنٌ لم يفتقِدْ / أطوادَه وشرارةٌ لم تخمُدِ
إنْ نلتَها ولَكَمْ لمجدك عندها / قدمٌ وكم في نيلها لك من يدِ
قَد وازَنوك فكنتَ أضربَ فيهمُ / عِرْقاً وأبعدَ غايةً في مَحتِدِ
وَدَعوك للأمرِ الجَليلِ فَلم تَكنْ / نَزْر الفَخارِ ولا قليلَ السُّؤدُدِ
يا اِبنَ الّذين إذا اِحتَبَوْا في مفخرٍ / عصفوا بكلِّ سيادةٍ لمسوّدِ
الطاعنُوا ثُغَرِ الرّجال وعندهمْ / أنّ المسلّمَ بالفِرارِ هو الرّدِي
وإذا دُعوا لِمُلِمّةٍ فكأنّما / فُجرتْ لها دُفَعُ الغمام المُزْبدِ
يفديك مِنْ يغشى بهاؤك طرفَه / من كلِّ رعْديدِ الجَنانِ معرِّدِ
متطاولٍ فإذا عرضتَ لِلَحْظِهِ / لصقتْ أسرّةُ وجههِ بالجلمدِ
للَّهِ دَرُّك وَالعجاجُ محلّقٌ / والخيلُ تعثرُ بالقنا المتقصّدِ
واليوم تَغدُرُ بالمطالِع شمسُه / فيطالعُ الدّنيا بوجهٍ أسْودِ
ما إِنْ تَرى إلّا جَريحاً ينثنِي / ضَرِجَ القميصِ على طريحٍ مُقصَدِ
والبِيضُ تعلمُ أنّها ما جُرّدَتْ / بِيديك إلّا من حُشاشَةِ معتدِ
وأنا الّذي ينُمى إليك ولاؤهُ / أبداً كما يُنمى إليكمْ مولدي
ما حاجَتي إلّا بَقاؤكَ سالِماً / تُعلِي مقاماتِي وتُدنِي مشهدِي
وَإِذا دَنوتُ إلى الرِّواقِ مسلِّماً / أقذيتَ بِي فيه نواظرَ حُسّدِي
وكسوتَ مرتبتي هناك فضيلةً / تَبقى على عَقِبِي بقاءَ المُسْنَدِ
في ساعةٍ مَلأى بكلِّ تحيّةٍ / تنجابُ عن أفواهِ قومٍ سُجّدِ
ومواقفٍ عمَرَ الجلالُ فِناءَها / فالحسنُ فيها بالمهابةِ مُرتَدِ
لا يستطيع الطّرفُ يأخذُ لحظَها / إلّا مخالسةً كلحظِ الأرمدِ
وَأَحقُّ مَن لبسَ الكرامةَ مخلصٌ / ما شابَ صفوَ ودادِه بتودّدِ
أُثني عَليك وبيننا متمنّعٌ / صعبُ المرامِ على الرّجالِ القُصّدِ
وَلئِنْ تحجّبَ نورُ وجهك بُرهةً / عنِّي فهاتيك المناقبُ شُهّدِي
خذها تَقَلَّبُ بين لفظٍ لم يَطُفْ / نُطقُ الرّواةِ به ومعنىً أوحدِ
غرّاء تستلب القَبولَ كأنّما / جاءَتْ تبشّرُ صادياً بالمورِدِ
وَاِسلَمْ أميرَ المؤمنين مزَوَّداً / نعماءَ موفور الحياةِ مخَلّدِ
تفنى القرونُ وطودُ ملكك راسخٌ / في خير منزلةٍ وأشرفِ مقعدِ
تكشّفَ ظلُّ العَتْبِ عن غُرّةِ العهدِ
تكشّفَ ظلُّ العَتْبِ عن غُرّةِ العهدِ / وَأَعدى اِقتِرابُ الوصلِ مِنّا على البُعدِ
تجنّبني من لستُ عن بعضِ هجرهِ / صفوحاً ولا في قسوةٍ منه بالجَلْدِ
نَضَتْهُ يدُ الإعتابِ عمّا سَخِطتُهُ / كما ينتضى العضبُ الجُرازُ من الغِمْدِ
وكنتُ على ما جرّه الهجرُ مُمسِكاً / بحبلِ وفاءٍ غير منفصم العَقْدِ
أمينَ نواحي السِّرِّ لم تَسْرِ غَدرَةٌ / ببالِي ولم أحفِلْ بداعيةِ الصَّدِّ
تَلينُ على مسِّ الإخاء مَضاربي / وإنْ كنتُ في الأقوام مُستخشنَ الحدِّ
وَلَمَّا اِستمرَّ البين في عُدَوائِهِ / تَغوّل عَفوي أو ترقّى إلى جُهدِي
أُصاحبُ حسنَ الظنِّ والشكُّ مُقبلٌ / بِوَجهي إِلى حيثُ اِسترثّتْ عُرا الوُدِّ
إِذا اِتّسَعَتْ في خُطِّةِ الصدّ فِكرتي / تجلَّلني همٌّ يضيق به جِلدِي
وَإِن ناكرتِي خلَّةٌ من خِلالِهِ / تعرّض قلبي يَفتَديها منَ الحِقْدِ
تخال رجالٌ ما رأوا لضلالةٍ / ولنْ تُستَشَفَّ الشمسُ بالأعينِ الرُّمدِ
وكم مُظهرٍ سِيما الودادِ يرونَه / حميداً وما يُخفي بعيدٌ من الحمدِ
وحوشيتُ أنْ ألقاك سبطاً بظاهري / وَأن كنتُ مطويّاً على باطنٍ جَعْدِ
إذا تَركتْ يُمنى يديك تعلُّقِي / فيا ليتَ شعرِي مَنْ تمسَّكُ مِنْ بعدي
إياباً فلم نُشرِفْ على غايةِ النّوى / ولم تَنْأَ كلَّ النأْيَ عن سَنَنِ القصْدِ
فَللدرّ نَثرٌ لَيس يُدفع حُسنُهُ / وليس كما ضمّتْهُ ناحيةُ العِقْدِ
وَلَو لَم يلاقِ القَدْحُ زنداً بمثلِهِ / كَما اِنبَعثت شُهبُ الشّرارِ من الزَّنْدِ
وَقد غاضَ سخطاناً فَهل من صبابةٍ / برأيك إنّي قد تصرّم ما عندِي
هَلُمَّ نُعِدْ صفوَ الودادِ كَما بدا / إعادةَ مَنْ لم يلفِ عن ذاك من بُدِّ
ونَغتَنِمُ الأيّامَ وَهْيَ طوائشٌ / تؤاتي بلا قصدٍ وتأبى بلا عَمْدِ
وَمثلُكَ أَهدى أنْ يعادَ إلى الهُدى / وأَرشدُ أنْ ينحازَ عن جهةِ القَصْدِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025