المجموع : 367
للأقاحي بفيكِ نَوْرٌ ونورُ
للأقاحي بفيكِ نَوْرٌ ونورُ / ما كذا تَسْنَحُ المهاةُ النّفُورُ
من لها أنْ تعيرها منكِ مشياً / قَدَمٌ رَخْصَةٌ وخطوٌ قصيرُ
أَنتِ تَسبينَ ذا العَفافِ بِدَلٍّ / يَستَخِفُّ الحليمَ وهو وقورُ
وهيَ لا تَستَبي بِلَفظٍ رَخيمٍ / يُنزِلُ العُصْمَ وهيَ في الطود فُورُ
وَحَديثٍ كَأَنَّهُ قِطَعُ الرّو / ضِ إذا اخضَلَّ مِن نَداهُ البكورُ
فَثَناني مِن رَوضِ حُسنِك عَنها / نَرجِسٌ ذابِلٌ وَوردٌ نَضيرُ
وشقيقٌ يُشَقّ عن أُقحُوانٍ / لِنقابِ النّقا عَلَيهِ خَفيرُ
وأريجٌ على النَّوى مِنكَ يَسري / وَيُجيب النسيمَ منه عَبيرُ
وثنايا يضاحكُ الشمسَ منها / في مُحَيّاكِ كوكبٌ يستنيرُ
ريقها في بقيّةِ الليل مسكٌ / شِيبَ بالرّاحِ منه شهدٌ مَشورُ
لِسُكونِ الغرامِ مِنهُ حَرَاكٌ / وَلِمَيْتِ السّقامِ فيهِ نُشورُ
أَلبَسَ اللَّهُ صورةً منكِ حسناً / وَعُيونُ الحسانِ نَحوَكِ صورُ
لَكِ عَينٌ إِن يَنبعِ السحرُ منها / فهو بالخَبْلِ في العقول يغورُ
وجفونٌ تشيرُ بالحبِّ منها / عن فؤادٍ إلى فؤادٍ سفيرُ
وَقَعتْ لَحظَةٌ على القَلبِ منها / أَفلا يَترُك الحَشا ويَطيرُ
يَطْبَعُ الوَشيُ فَوقَ حُسنِكَ لَمساً / مِنهُ أَمثالُ ما له تَصويرُ
فَإِذا ما نَمى الحديثُ إِلَيها / قيلَ هَل يَنقُشُ الحريرَ حريرُ
أَنتِ لا تُرحمين منك فيفدَى / مِعْصَماً في السوار منه أَسيرُ
فمتى يَرْحَمُ الصِّبا منك صَبّاً / فاضَ مُستَولِياً عَلَيه القتيرُ
ودعيني فقد تَعَرّضَ بَيْنٌ / بوشيكِ النوى إليَّ يُشيرُ
وَغَلى بالفراقِ مِرْجَلُ حُزْني / فهو بالدّمع من جْفُوني يفُورُ
قالت اللثمُ لا أراهُ حَلالاً / بيننا والعناقُ حظٌّ كبيرُ
قلت هذا علمتُهُ غيرَ أنّي / أسألُ اليومَ منك ما لا يضيرُ
فاجعلي اللَّحظَ زادَ جسمٍ سيبقى / روحُهُ في يديكِ ثُمَّ يَسيرُ
فَلِيَ الشوقُ خاذلٌ عن سُلُوّي / وَلِدينِ الهدى علَيَّ نَصيرُ
مَلِكٌ تَتّقي الملوكُ سَنَاهُ / أوَ مَا يَفْرِسُ الذئابَ الهَصُورُ
وهو ضارٍ آجامُهُ ذُبّل الخطّ / على مُقْتَضَى العلى وقصورُ
حازمٌ للطِّعان أشرَعَ سمراً / حُطِمَتْ في الصدورِ مِنها صُدورُ
وَحَمَى سَيْفُهُ الثّغورَ فما تَق / رَبُ رَشْفَ العُدَاةِ منها ثغورُ
ذو عَطاءٍ لَوَ انّهُ كان غيثاً / أورَقَتْ في المحولِ مِنهُ الصخورُ
تَحسِبُ البحرَ بَعضَ جَدواهُ لَولا / أَنَّهُ في الورودِ عَذبٌ نَميرُ
مَن تَراهُ يَحِدُّ فَضْلَ عَلِيٍّ / وهو مُسْتَصْعَبُ المرَام عسيرُ
فَبِمَعروفِهِ الخِضَمِّ غَنِيٌّ / وإلى بأسه الحديدُ فقيرُ
كَم لَهُ مِن خَميسِ حَربٍ رَحاها / بِسيولٍ منَ الغُمودِ تَدورُ
أَرضُهُ مِن سَنابِكٍ قادِحاتٍ / شَرَرَ النّقْعِ والسماءُ نسورُ
واجِداتُ القِرى بِقَتلى الأَعادي / مِن حَشاها لَدى النشورِ نُشورُ
جَحفَلٌ صُبْحُهُ منَ النقعِ لَيْلٌ / يضْحَكُ الموتُ فيه وهو بَسُورُ
تَضَعُ البيضُ مِنهُ سودَ المَنايا / بِنِكاحِ الحروبِ وهيَ ذكورُ
وَكَأنَّ القتامَ فيها غَمامٌ / بِنَجيعٍ مِنَ البروقِ مَطيرُ
وكأنَّ الجوادَ والسيفَ واللأ / مَةَ بحرٌ وجدولٌ وغديرُ
وإذا ما استطالَ جبّارُ حربٍ / يَجزِعُ الموتُ منهُ وهوَ صَبورُ
والتَظى في اليَمينِ منه يَمانٍ / كاد للأثر منه نَمْلٌ يَثورُ
ودعا وهو كالعُقاب كماةً / لهمُ كالبُغاثِ عنه قصورُ
جَدَلتهُ يَدا عَلِيٍّ بعَضْبٍ / لِرُبوعِ الحياةِ منه دُثُورُ
فَغَدا عاطِلاً مِنَ الرأسِ لَمّا / كَانَ طَوْقاً له الحسامُ البتورُ
لَحظَ الرومَ منهُ ناظرُ جَفْنٍ / للرّدى فيه ظُلْمَهٌ وهوَ نورُ
رَمِدَتْ للمَنونِ فيهِ عُيونٌ / فَكأَنَّ الفِرِنْدَ فيه ذَرَورُ
يا ابن يحيى الَّذي بِكُلِّ مَكانٍ / بالمعالي له لسانٌ شَكُورُ
لكَ من هَيبةِ العُلى في الأعادي / خيلُ رُعبٍ على القُلوبِ تُغيرُ
وَسُيوفٌ مَقيلُها في الهَوادي / كُلَّما شَبَّ للقراع هَجيرُ
وَدُروعٌ قد ضوعِفَ النسيجُ منها / وَتَناهَى في سَردِها التقديرُ
كَصغارِ الهاءاتِ شُقّتْ فأَبدتْ / شكلها من صُفوفِ جيشٍ سطورُ
أنتَ شَجّعْتَ نفسَ كلّ جبانٍ / فاقترَابُ الأسودِ منه غرورُ
فهو كالماءِ أحرقَ الجسمَ لمّا / أحدث اللّذْعَ في قُواهُ السعيرُ
خيرُ عامٍ أتاكَ في خيرِ وقتٍ / لِوُجوهِ الرّبيعِ فيهِ سُفورُ
زارَ مَثواكَ وهوَ صَبٌّ مَشوقٌ / بِمَعاليكَ والمَشوقُ يَزورُ
فَبَدا مِنكَ في الجلالِ إِلَيهِ / مَلِكٌ كابرٌ ومُلْكٌ كبيرُ
ورأى في فِناءِ قصرك حَفْلاً / ما له في فِناءِ قَصْرٍ نظيرُ
تَشتَري فيه بالمَكَارِمِ حَمداً / لَكَ مِنهُ تِجارَةٌ لا تَبورُ
فَكَأَنَّ المُدّاحَ فيهِ قُرُومٌ / مَلأ الخافقَينِ مِنهُ الهَديرُ
بِقَوافٍ هُدوا إِلَيهِنَّ سُبْلاً / ضَلَّ عَنهُنَّ جَرْوَلٌ وَجريرُ
إنّ أيّامَكَ الحسانَ لَغُرٌّ / فَكَأَنَّ الوجوهَ منها بُدورُ
واصَلَ العزَّ في مغانيك عِزٌّ / دائمُ المُلكِ وَالسرورَ سُرورُ
هذا ابتداءٌ له عند العُلى خَبَرُ
هذا ابتداءٌ له عند العُلى خَبَرُ / يُحْكَى فيُصْغي إليْه الشُّهْبُ والبشَرُ
كأنّه وهو من مَتْنِ الصّبا مَثَلٌ / من كلّ قُطْرٍ منَ الدنْيا له خَبَرُ
ما اسْتُحْسنَ الدَّهرُ حَتَّى زانه حَسَنُ / وأشرقت في الورى أيامُهُ الغررُ
شهمٌ له حينَ يَرمي في مناضلةٍ / سهمٌ مواقعه الأحداقُ والثغرُ
لو خُصَّ عَصْرُ شبابٍ مِنْ سعادته / بلحظةٍ لم يَنَلْهُ الشيبُ والكبرُ
مُلْكٌ جديدُ المعالي في حمى ملك / ماضٍ كما طُبِعَ الصمصامة الذكرُ
لَقَد نَهَضتَ بِعِبءِ الملكِ مُضطلعاً / به ظهيراكَ فيه السّعْدُ والقدرُ
فإن نُصِرْتَ على طاغٍ ظفرتَ به / فما حليفاك إلا النصر والظفرُ
وإن خَفَضْتَ عُداةَ اللّه أو خُذلوا / فأنْتَ باللّهِ تستعلي وتنتصرُ
أصبحتَ أكبرَ تُعْطي كلّ مرتبةٍ / حقّاً وسنّكَ مقرُونٌ بها الصغرُ
يُخْشَى حُسَامُكَ مغموداً فكيف إذا / ما سُلّ للضرب وانهدّتْ به القَصَرُ
وليس يعجبُ من بأس مخايله / من مقلتيكَ عليها يشهد النظرُ
والشبلُ فيه طباعُ الليثِ كامنةٌ / وإنّما ينتضيها النّاب والظفرُ
إنّ البِلادَ إذا ما الخوْفُ أمْرَضَها / ففي أمانك من أمراضها نُشرُ
وما سفاقسُ إلا بَلْدَةٌ بعثَتْ / إليك عنها لسانَ الصدق تعتذرُ
وأهلها أهلُ طَوْعٍ لا ذنوبَ لهم / إنِّي لأُقسم ما خانوا وما غَدروا
وإنّما دافعوا عن حتف أنفسهم / إذ خَذّمَتْهُمْ به الهنديّةُ البترُ
ضرورةٌ كان منهم ما به قُرفوا / وبالضرورةَ عنهم نَكّبَ الضررُ
وَقَد جَرى في الَّذي جاؤوا به قَدَرٌ / ولا مَرَدّ لما يجري به القَدَرُ
وما على النَّاسِ في إِحسانِ مملكةٍ / إذا تشاجرَ فيه المدّ والحَسَرُ
كُلٌّ لِعَلياكَ قد كانَت حَمِيَّتُهُ / مؤكِّداً كلّ ما يأتي وما يَذرُ
وهم عبيدُكَ فاصفحْ عن جميعهمُ / فالذنْبُ عند كريم الصفح مُغْتَفَرُ
بَكَوْا أباك بأجفانٍ مؤَرَّقة / أمْوَاهُهُنّ مِنَ النيرانِ تَنفجرُ
وَرَحمَةُ اللَّه تَترى منهُمُ أَبداً / عَلَيهِ ما كَرّتِ الآصالُ والبُكَرُ
حَتَّى إِذا قيلَ قد حازَ العُلى حَسَنٌ / مَدّوا إلى أحمَدَ الألحاظَ وانتظروا
وقَبّلوا من مذاكي خيله فَرحاً / حوافراً قد علا أرساغَها العفرُ
مالوا عليها ازدحاماً وهي تَرْمَحُهُمْ / فكم بها من كسيرٍ لَيسَ يَنجَبِرُ
شوقاً إليهم ومحضاً من وفائهمُ / لم يَجْرِ في الصّفْوِ من أخلاقه كدرُ
أَبوكَ مَدَّتْ عليهم كفُّ رأفتِهِ / منها جناحاً مديداً ظلّه خَصِرُ
حَدَّتْ لَهُم في قَوامِ الأَمرِ طاعتُهُ / حدّاً فما وَرَدُوا عنه ولا صَدَروا
وألَّفَ اللَّهُ في الأوطانِ شَملهُمُ / فنُظّموا في المغاني بعدما نُثروا
وأَنت عَدْلٌ فسِرْ فيهم بسيرَتِهِ / فالعَدْلُ في المُلكِ عنه تُحْمد السيرُ
أنتمْ مُلوكُ بني الدُّنْيا الَّذين بهمْ / تَرْضَى المنابِرُ والتيجانُ والسررُ
أعاظمٌ من قديم الدَّهر مُلْكُهُمُ / تَرَى المَفاخِرَ تَسْتَخْذي إذا افتخروا
من كلّ مقتحمٍ في الحرب مُعْتَزِم / فمن فرائسه آسادُها الهُصُرُ
ذِمْرٌ له في ضمير الغِمْد ذو شطبٍ / كأنّه بارقٌ يسطو به قمرُ
شُمْسُ العداوَةِ حَتّى يُستقادَ لهم / وأعظمُ النّاسِ أحلاماً إذا قَدَروا
إِلَيكَ طَيِّبَ روض المدح نَفْحَتهُ / لمّا تَفتّحَ فيه بالنّدى زَهَرُ
يَجوبُ مِنهُ ذَكِيُّ المِسكِ كُلَّ فلاً / طيباً ويعبرُ منه العنبر الذفرُ
كأنّ زُهْرَ الدراري فيه قد نُظِمَتْ / كما تنظّمُ في أسلاكِها الدررُ
يا من تضاعفَ فيضُ الجود من يدِهِ / كأنَّما البحرُ من جَدْوَاهُ مُختَصَرُ
إنّي نَأيتُ وحظِّي حُطَّ منزلةً / كأنّما طول باعي عاقَهُ قِصَرُ
وقد نُسيتُ وذكري لا خفاءَ به / والمِسكُ يُطْوَى ونشرٌ منه ينتشرُ
وقَد بَعَثتُ رِثاءً في أَبيكَ ولي / حُزْنٌ عَلَيهِ فُؤادي مِنهُ يَنفَطِرُ
وما بدا ليَ جُودٍ أمَرْتَ به / عينٌ تفوز به عيني ولا أَثَرُ
وكفّكَ المزنُ تسْقي من دَنَا ونأى / وليس من غيرِ مُزْنٍ يرتجى المطرُ
بَقيتَ للدينِ والدّنيا وأهلَهُما / وَمُدّ في رتب العليا لك العمرُ
أبى اللَّه إلّا أَن يَكونَ لك النّصْرُ
أبى اللَّه إلّا أَن يَكونَ لك النّصْرُ / وأن يَهْدِمَ الإيمانُ ما شاده الكفرُ
وأَن يُرجعَ الأَعلاجَ بَعدَ عِلاجها / خَزايا على آثارِها الذُّلُّ والقهرُ
لِيَهنَكَ فتحٌ أولغ السيف فيهمُ / ولاح بِوَجه الدين من ذِكره بِشرُ
بِسَعْدٍ كساكَ اللّهُ منه مهابةً / وإشراقَ نور منه تَقْتَبِسُ الزُّهرُ
ودون مَرَامِ الرّوم فيما سَمَوا له / قلائدُ أعناقٍ هي القُضُبُ البترُ
وخطِّيَّة تختَطُّ مِنهُم حيازِماً / وأحداقها زرقٌ وأجسادها حُمرُ
إذا أُشْرِعَتْ للطّعْنِ سَرتْ كأنَّما / يُشَكُّ بها في كلّ سابقةٍ نَحْرُ
أُشَبِّهُها بالقَطرِ يُبْدي تَألُّقاً / بِأَطرافِ أَغصانٍ يُحاصِرها غُدْرُ
وَسُحْبٌ بأجوافِ الكنائن أُودعت / شآبيبها نبلٌ من الزنج لا قطرُ
وخيلٌ ترى خيلَ العلوجِ مُضافةٌ / إِلَيها حميراً لا الَّتي نتج القَفْرُ
كَأنَّ على العقبانِ مِنها ضَراغماً / فأنيابها عُصْلٌ وأبصارها جَمرُ
وحمرُ دماءٍ كَالخُمورِ الَّتي سقوا / تَحَمّرَ منها في الظبا وَرَقٌ خُضرُ
بَنو الأَصفَرِ اصْفَرَّتْ حَذاراً وُجوههم / فَأَيديهِمُ مِن كُلِّ ما طَلَبوا صِفْرُ
تَنادَوا كَأَسرابِ القَطا في بِلادِهمْ / وكان لهم في كل قاصيةٍ نَفْرُ
ولمّا تناهى جمعُهُمْ ركبوا به / قَرَا زاخِرِ الآذيِّ آفاقُهُ غُبرُ
تَوَلَّتْ جنودُ اللَّهِ بِالرّيحِ حَرْبَهُمْ / وَلَيسَ لِمَخلوقٍ عَلى حَربِها صَبرُ
فَكَم مِن فَريقٍ مِنهُمُ إذ تَفرَّقوا / له غَرَقٌ في زخرةِ الموج أو أسرُ
وظَلَّت سِباعُ الماءِ وهيَ تنوشُهُمْ / فلا شلو منهم في صريحٍ ولا قبرُ
فإن سَلِمَ الشطرُ الَّذي لا سلامةٌ / له من ظُبا الهيجا فقد عطِبَ الشطرُ
أَتَوا بِأَساطيلٍ تَمُرُّ كَأَنَّها / جَرادٌ مُظِلٌّ ضاق عن عرضه البَحرُ
وخيلٍ حَشَوْا منها السفينَ ولم يكنْ / لها في مجالِ الحرب كرٌّ ولا فَرُّ
وَقَد رَكِبتْ فرسانها صَهَوَاتها / فأرْجَلَهُمْ عنها التذلّلُ والذعرُ
سلاهبُ أهدَوْها إليك ولم يكنْ / جزاءٌ لذاكَ من علاك ولا شكرُ
فَسلْ عنهمُ الديماسَ تسمعْ حديثَهمْ / فَهُم بالمواضي في جزيرَتِهِ جَزْرُ
وما غنِموا إلّا مُنىً كَذبتْ لهم / وكان لهم بالقَصْرِ عن نَيلها قصرُ
شَرَوْهُ فباعوا بالرّدى فيه أنفساً / أرِبحٌ لهم في ذلك البيع أم خُسْرُ
وقَد طَمِعوا في الزَّعمِ أن يُثبتوا له / جناحَين يُضْحي مِنهُما وهوَ النّسْرُ
ورامُوا بِهِ صَيْدَ البلادِ وغنمها / فَأَضحى وَقَد قُصَّت خوافِقهُ العشرُ
أُذيقوا به حصراً أذلّ عرامهم / كما ضاق عِندَ المَوتِ عن نَفَسٍ صدرُ
وَجَرَّ إِلَيهم في جِبالٍ مِنَ القَنا / مَناياهُمُ بِالقتلِ جَحفَلُكَ المَجْرُ
وَقائِدُكَ الشَّهمُ الَّذي كان بينَهمْ / صَبيحَةَ لاقاهُم على يده النصرُ
رأوا بأبي إسحقَ سَحْقاً لجمعهم / فإبْرَامُهُمْ نَقْضٌ ونظمهم نَثرُ
ولو لبثوا في ضيقِ حصرهمُ ولمْ / يَطِرْ مِنهُمُ شَوقاً إلى أَجلٍ عُمْرُ
لَقامَ عَلَيهِم مِنجَنيقٌ يُظِلّهُمْ / بِصمّ مرادٍ ما لِما كَسَرَتْ جَبرُ
إذا وُزِنَ الموتُ الزّؤامُ عليهمُ / بكفّة وَزّانٍ مَثاقيلُهُ الصخرُ
فَكَم جَهدُوا أَن يَفتَدوا مِن حِمامِهم / بِأَوزانِهم تِبراً فما قُبِلَ التبرُ
هناك شَفى الإسلامُ منهم غليلَهُ / بِطَعنٍ له بَتْرٌ وضَربٍ له هَبْرُ
وكانوا رأوا مَهْدِيَّتَيْكَ وفيهما / لِعِزِّ العدى أمْرٌ فهالَهُمُ الأمرُ
كَأَنّ بُرُوجَ الجوِّ مِنكَ رَمَتهُمُ / بشُهْبٍ لها نارٌ ولَيسَ لَها جَمرُ
فَما للعلوجِ امتَدَّ في الغيِّ جَهلُهم / أما كانَ فيهم منْ لبيبٍ له حِجْرُ
فَكَم قَسَموا في الظنِّ أَميالَ أَرضِنا / أما كانَ فيهم منْ لبيبٍ له حِجْرُ
ولا وَرَدوا من مائها حَسْوَ طائرٍ / يُبَلّ بهِ منهُ إِذا يَبِس السَّحْرُ
أما فتحتْ منهم بلاداً بلادُنا / بِزَعمهِمُ كُفراً على إِثرِهِ كُفرُ
وكانَت مفاتيحَ البلادِ سُيوفُنا / وأَقفْالها إذ فتحهُنَّ له عُسْرُ
وآذى زجارَ فَتْح رَيّو وقُطْرُها / يَهُدّ قُوَاهُ من صقليّةٍ قطرُ
ألم يسبِ جيشُ الغزو منهم نواعِماً / فَمن ثيِّبٍ تُقْتادُ في إثرها بِكرُ
وَقَوْصَرّةٍ فيها رؤوسُ جدودهم / إلى اليوم ملآن بأفلاقِها العفرُ
فلو تسألُ الريحُ المعاطسَ منهمُ / لأخبرها عَن كُلِّ شلوٍ بها دِفرُ
وَما قَتلوا مِن شِدَّةِ البأسِ أَهلها / ولكنّهم قُلٌّ أحاطَ بهم كثرُ
أَتُعجِمُ نبعَ العربِ عجمٌ ولا يُرَى / لما اشتدّ منها في نَواجِذِها كَسرُ
توالتْ عليها منهمُ كلُّ صيحةٍ / كما رَوَّع الأعيارَ من أسَدٍ زأرُ
فجاءَت رياحٌ والرِّياحُ جيادُها / فَشُدّ منَ الدينِ القويمِ بِها أزرُ
فَأَوَّلُ إِنصافٍ تَولوه كفُّهُمْ / أذى كلّ فظٍّ في سَجِيَّتِه غدرُ
وبادرتِ الإقدام منهم بمقدم / فكم خَبَرٍ عنها يصدِّقه الخبرُ
وَدُهم بني دهمانَ فاض على الوغى / بِكُلِّ فتىً أحلى بسالتِهِ مُرُّ
وشاهَت مِنَ الضُّلّالِ بالعزِّ أَوجُهٌ / عليها بُسُورٌ إِذ تَصَدَّى لَها بترُ
وكرَّت بنو زيدٍ على كلِّ شَيظَمٍ / وَسِرّ المواضي في أكفِّهمُ جهرُ
وجاء ابنُ زيّادٍ بصخر فكافحت / عَنِ الثغر أنيْابٌ فلم يُلْثَم الثغرُ
هِزَبرٌ على بحرٍ منَ الحربِ مُفْعَمٍ / على جِسمه نَهيٌ وفي يده نهرُ
وَقَد حالَ بَينَ الرّومِ والبحرِ فالتَجوْا / إلى القصرِ حتّى جاءَهُم بالرّدى القصرُ
أَعارِبُ جدّوا في جهِادِ أعاجِمٍ / خنازير شَبّتْ حَرْبَها أُسُدٌ هُصرُ
إِذا قيلَ يا أهلَ الحفائظِ أقْبَلَتْ / مُلَبّيَةً فيها غطارِفةٌ غُرُّ
عَلَيهم مِنَ الماذِيِّ كلُّ مُفاضَةٍ / مُكَحّلَةٍ بالنّقع أعيْنُهُا الخزرُ
كتائِبُ من كلّ القبائلِ أقبَلَتْ / لِفَرْضِ جهادٍ ما لِتارِكِهِ عذرُ
أعزّ بهم ذو العرشِ دينَ مُحَمَّدٍ / وَضُمّ عليه من كفالَتِه حجرُ
وفي كلِّ سَيفٍ سايرت منهمُ العِدى / قبائلُ منها أُشْبِعَ السهلَ والوعرُ
إذا ماج بحرٌ في شوانيهمُ بهم / أتى مَدَدٌ منّا فماجَ به البَرُّ
حَمى ابنُ عليٍّ حَوْزَةَ الدين فاحتمى / كمُفْترِسِ الكفّينِ يَدْمى له ظفرُ
مليكٌ له في الملك سيرةُ أكبرٍ / أبى اللَّه أنْ يَختالَ في عِطفِهِ الكبرُ
أبيٌّ كحَدِّ السيفِ من غيرِ نَبْوَةٍ / إذا ما مضَاءُ الذمر قلَّ بِهِ الذَّمرُ
هُوَ النّجْدُ يقري الرمحَ والسيفَ كَفُّهُ / بِعُضوَين يُلْفَى فيهما العمرُ والذكرُ
وما حسَنٌ إلّا مليكٌ مُتَوَّجٌ / أفاضَ الغنى من راحتيه فلا فقرُ
كَأَنَّ حَبِيّاً ساكباً فيضَ ودقهِ / وقَد يَحْتبي منه لقُصّادِهِ البدرُ
إذا ما جَرَى في محفلٍ حُسْنُ ذكره / تَعَلّقَ تشريفاً بأذْيالِهِ الفخرُ
فلا زال والتوحيدُ مُعْتَصِمٌ به / تُزَانُ به الدنْيا ويخدمه الدهرُ
بَكرَتْ تُغَازِلُهُ الدُّمى الأبْكارُ
بَكرَتْ تُغَازِلُهُ الدُّمى الأبْكارُ / فهفا له حِلْمٌ وطاشَ وَقَارُ
وأظنّهُ مترنّحاً من نَشْوَةٍ / كاساتُها بهوَى العيون تُدارُ
يا لُوّمي ومتى بُليت بلوّمٍ / إلّا وَهُمْ ببليّتي أغمَارُ
فُكُّوا الغضَنفَرَ من إسار غزالَةٍ / قيداه خَلْخَالٌ لها وسِوارُ
ما أَحْرَقتْ خَدِّي سَواكِبُ أدمُعي / إلّا بِماءٍ في حَشَاهُ نارُ
والماءُ مُنفَجِرٌ منَ النارِ الَّتي / في القلب منها يَسْتَطيرُ شرارُ
عَجَبي لأَضدادٍ عَلَيَّ تَناصَرَتْ / جَوْراً عَلَيَّ وَلَيس لي أنْصارُ
فَخُذوا الهوى عنِّي بِنَقل ملاحةٍ / عَن أَعيُنٍ يرنو بِهِنَّ صُوَارُ
ومباسماً تجلو شقائقَ روضةٍ / للأقحُوَانَةِ بينها نُوّارُ
إنَّ المها تُمْهي سيوفَ جفونها / فَحَذارِ منها لو يُطاقُ حِذارُ
مِنْ كلِّ مُشْرَبةٍ بجريال الصبا / لوناً كما لَمسَ اللُّجَينَ نُضارُ
في خلقها الإنْسيِّ من وحشيّةٍ / كُحْلٌ وحُسْنُ تَلَفُّتٍ وَنِفارُ
طَرفي بِرَجْعَتِهِ إِلَيَّ أذاقَني / مِنها الرّدى لا طَرْفُها السَّحّارُ
وإذا انثى سهمٌ على الرّامي به / غَرَضاً له فالجُرْحُ منه جبارُ
طَرَقَتْ تَهادى في اختيالِ شبيبةٍ / تُخطِي مُطِيلَ الوجد وهيَ قصارُ
سَفَرَتْ فما دَرَتِ الظنون ضميرها / أَسُفُورها من صُبحِها إِسفارُ
حَتَّى إذا خافَتْ مُرَاقِبَها عَلا / مِنها عَلى الوجهِ المنيرِ عِجارُ
وَكَأنَّما زُهْرُ النُّجومِ حمائِمٌ / بِيضٌ مَغارِبُها لَها أَوكارُ
وكأنّما تذكي ذُكاءُ تَوَهُّجاً / فيه يذوبُ من الدُّجُنَّةِ قارُ
يا هَذِهِ لا تَسألي عن عَبرَتي / عَيني على عَيني عَلَيكِ تَغارُ
هل كانَ نَهدُكِ صِنوَ قَلبكِ تَتَّقي / عَن لَمسِهِ في صَدرِكِ الأَزرارُ
ما كنتُ أحسبُ غُصنَ بانٍ في نَقا / تشكو أليمَ القطفِ منه ثمارُ
نَصَّلْتِ سَهْمَيْ مُقلَتَيكِ ليُصْمِيا / بِنِصالِ سِحرِ الطرفِ فهيَ حِرارُ
وهما المعلّى والرقيبُ وإنّما / قلبي المعذَّبُ منهما أعشارُ
لا ثأر يدرَك منك في المُّهَجِ الَّتي / أرديتها أوَ مِنْكِ يُدْرَك ثارُ
هلَّا التفَتِّ كما تَلَفّتُ مُغْزِلٌ / لترَى مَكان الخِشْفِ وهيَ نَوَارُ
وَبرَدْتِ حرَّ الشّوْقِ بالبردِ الَّذي / شَهدٌ ومِسكٌ دونَهُ وعقارُ
إِنّي دُفِعْتُ إلى هَواكِ وغُربةٍ / هَتَفَتْ بها العَزَمَاتُ والأَسفارُ
وغَرستُ عمري في الزَّماعِ فمرّرتْ / لفمي جَنَاهُ نجائِبٌ وقِفارُ
وَجَعَلتُ دَاري في النَّوى فَمُؤانسي / وحشُ الفلا وَمَجَالسي الأكوارُ
لولا ذُرَى الحسن الهمامِ وَفَضْلُهُ / ما قَرَّ بي في الخافِقَينِ قَرارُ
هَذا الَّذي بَذَلَتْ أناملُهُ النّدى / وهُدِيْ الكرامُ إليه لمّا حاروا
هذا الَّذي سلَّ السيوفَ مجاهداً / فَبِضْربها للمُشركينَ دَمَارُ
هذا الذّي جَرّ الرّماحَ لحربهم / سَعْيَ الأساود جيشُهُ الجرّارُ
قَهَرَتْ ظُبَا توحيده تثليثَهمْ / وقَضى بذاكَ الواحِدُ القهّارُ
غَضباً على الأعلاج منه فَرَبّهُ / يَرْضَى به ونَبِيُّهُ المختارُ
فَلِوَجهِهِ البادي عَلَيهِ سَنا الهدى / ضَرَبَتْ وُجُوهَ عُداتِهِ الأقدارُ
أمّا عُلا حسنٍ فبين مَصَامِها / شَرَفاً وبين الفرقَدَينِ جِوارُ
خَلُصَتْ خلائِقُهُ ولَم يَعْلَقْ بها / جَبْرِيّةٌ لم يَرْضَها الجبّارُ
وَسما لَهُ حلمٌ وَجَلَّ تَفَضُّلٌ / وَزَكا لَهُ فَرعٌ وَطاب نجارُ
يَنْدى بلا وَعْدٍ وكم من عارضٍ / من غير بَرْقٍ صوبه مدرارُ
فربُوعُه بالمُعتَفينَ أوَاهِلٌ / وَبَنَانُهُ بالمَكرُمات بحارُ
وإذا عفا صفحاً عفا عن قُدْرَةٍ / والحلمُ في الملك القدير فخارُ
سُلَّتْ صوَارِمُهُ الحِداد ففَلَّقَتْ / هاماً عليها للجيادِ عِثارُ
في جَحفَلٍ كَالبحرِ ماج بضمَّرٍ / فتَكَتْ على صَهوَاتِها الأذْمارُ
لا يَجْزَعُونَ مِنَ المَنونِ كَأَنَّما / آجالُهُمْ لِنُفوسِهِم أعمارُ
فَصَعيدُ وجهِ الأرْضِ منه مُبَعْثَرٌ / وَذَرُورُ عين الشَّمسِ منه غبارُ
إنَّ الحروبَ وأنتُمُ آسادُها / فَتَكاتُكمْ في عُرْبها أبكارُ
أَضحَتْ لِصَونِكُمُ الثغورُ كأعيُنٍ / وشفاركمْ من حولها أشفارُ
زانَت سِيادَتُكم كرامَةَ بَرِّكم / خيرُ الملوكِ السادةُ الأبرارُ
يا من عِتاقُ الخَيْلِ تُوسَمُ باسمِهِ / والدرهمُ المضروبُ والدّينارُ
وبكلّ أرضٍ تستنيرُ بذكره / خُطَبٌ منَ الفصحاءِ أو أشعارُ
خدمتْ رئاستَك السعودُ وأصبحتْ / للفضل تحْسُدُ عَصرَكَ الأعصارُ
ورِجالُ دَولَتِكَ الَّذينَ لِقَدرِهِم / بكَ في الورى الإجلالُ والإكبارُ
فمن المقدّم والزمام كفايةٌ / نُجْحٌ بها الإيرادُ والإِصْدارُ
فَهُما وَزيراكَ اللَّذانِ عَلَيهِما / لنفوذِ أمْرِكَ في السداد مَدَارُ
جَبَلانِ يَقتَرِنانِ للرأيِ الَّذي / لِعِداكَ منه مذلّةٌ وصَغارُ
فالملك بينهما حديثٌ حُسْنُهُ / قَطَعَتْ لياليَها به السُّمّارُ
وكأنّ ذا سمعٌ وذا بصرٌ له / حَسَدتْهُما الأسْماعُ والأبصارُ
واللَّيثُ إبراهيمُ قائدُك الّذي / تَدمى بِصَولَتِه لهُ أظْفارُ
يرمي شدادَ المُعْضِلاتِ بنفسه / بَطَلُ الكفاحِ وَذِمْرُها المغوارُ
وإذا تَفَجّرَ جدولٌ من غِمْدِهِ / شَرِقَتْ بماءِ غَمامِهِ الفُجّارُ
وعبِيدُكَ الغلمانُ إن نادَيْتَهُم / نَهَضُوا مُوَاثَبَةَ الأسود وثاروا
وَمَشَوْا مع التّأييدِ قاماتٍ إلى / هيجاءَ مَشْيُ حُماتِها أشبارُ
سَبَحوا إلى الأعلاج إذ لم ينزلوا / مِن فُلكهم فَحِجالُها تَيَّارُ
وَرَمَوْهُمُ بِجَنادِلٍ فكأنَّها / لأجورها عندَ الإِلهِ جِمارُ
وَبِكُلِّ سَهمٍ واقعٍ لِكنَّهُ / بِثلاثِ أجنِحَةٍ له طَيَّارُ
وَحمَوْا حِمى الأسوَارِ وهيَ وراءهُم / حَتَّى كأنَّهُمُ لها الأسوارُ
وكَأنَّما حَرّ المَنايا عِندَهم / بَرْدٌ إذا ما اشتدَّ مِنهُ أوارُ
لا يتَّقي في الضَّربِ سَيْفُكَ مِغْفَراً / فله من القَدَرِ المُطاعِ غِرَارُ
لو أنَّ أعْرَاضاً تُجَوْهَرُ أصْبَحَتْ / في كفّكَ العَزَماتُ وهيَ شِفارُ
أَو أنَّ للأرْضِ الجمادِ تَنقُّلاً / حَجّتْ إلى أمْصارِكَ الأمْصارُ
فليهنِك الشهرُ المعظَّمُ إنّه / ضيفٌ قِراه البِرُّ والإيثارُ
أَصبَحتَ فيه لِوَجهِ ربِّكَ صائماً / لَكِن لِكَفِّكَ بالنّدى إفطارُ
ضيفٌ أتَاكَ به لتعرفَ حَقّهُ / فَلُكٌ بقدرةِ ربّهِ دَوّارُ
لا زالتِ الأيّامُ وافِدةً على / ما تشْتَهي منها وما تختارُ
إِنَّ السرائرَ عَوْراتٌ وَإِنَّ لها
إِنَّ السرائرَ عَوْراتٌ وَإِنَّ لها / مُهَذّباً آخذاً بالحزْمِ يَستُرُها
فاطوِ السرائرَ في الجنبَينِ تحجنها / عنِ اللِّسانِ الَّذي للسَّمْعِ يَنشرها
وجفنَينِ أوْفَى بالمنِيَّة فيهما
وجفنَينِ أوْفَى بالمنِيَّة فيهما / عليكَ من الغزلان وَسْنانُ أحْوَرُ
فَجَفنٌ له عَضْبٌ منَ اللَّحظِ مُرْهَفٌ / وَجَفْنٌ به ماضٍ من الهند مُبْتِرُ
وأمضاهما حدّاً فلا تغتررْ به / غِرَارُ الَّذي فيه من السّحْرِ جَوْهَرُ
حسانٌ تديرُ بسحرِ الهَوى
حسانٌ تديرُ بسحرِ الهَوى / عيُونَ المها في وُجوهِ البُدورِ
طِوالُ الفروعِ قِصارُ الخطا / ثقالُ الروادفِ هِيفُ الخصورِ
تُطيِّبُ أفواهُهُنَّ الحديثَ / بحُمْرِ الشفاهِ وَبِيضِ الثغورِ
كما مرّ بالوردِ والأقحوانِ / نسيمٌ مشوبٌ بِرَيّا العبيرِ
إذا رأيتَ ملوكَ الأرْضِ قد نظروا
إذا رأيتَ ملوكَ الأرْضِ قد نظروا / إلى السّماءِ فكلّ الخوْفِ في النّظرِ
فإنهُمْ يتّقونَ البَطْشَ مِنْ مَلِكٍ / مُنَفّذٍ أمْرَهُ كاللَّمحِ بالبصرِ
خَلَتْ منك أَيّام الشَّبيبَةِ فَاعْمُرْهَا
خَلَتْ منك أَيّام الشَّبيبَةِ فَاعْمُرْهَا / وماتَتْ لياليها من العُمْرِ فانْشُرْهَا
وهذا لَعَمْري كلّهُ غيرُ كائنٍ / فأخْرَاكَ وَاصِلهْا ودنياكَ فاهجرها
أرى لك نفساً في هواكَ مقيمةً / وقد طالَ ذا منها لكَ الويلُ فاقْصرها
وكم سيّئاتٍ أُحْصِيَتْ فنسيتَها / وأنتَ متى تقرأ كتابَكَ تذْكرْها
فيا ربِّ إنِّي في الخضوع لقائلٌ / ذنوبي عُيوبي يوْم ألقاك فاسترها
يا ذنوبي ثَقّلْتِ واللّه ظَهْري
يا ذنوبي ثَقّلْتِ واللّه ظَهْري / بانَ عُذْري فكيفَ يُقْبَلُ عذري
كلَّما تُبْتُ ساعةً عُدْتُ أُخرى / لِضُروبٍ من سوءِ فِعلي وهُجري
ثَقُلتْ خَطْوَتي وفَوْدي تَفَرّى / غَيْهَبُ اللَّيلِ فيه عن نُورِ فجرِ
دبَّ مَوْتُ السّكونِ في حركاتي / وخَبَا في رمادِهِ حُمْرُ جمري
وأنا حيثُ سرْتُ آكلُ رزقي / غير أنّ الزمانَ يأكل عمري
كلَّما مَرَّ مِنهُ وَقتٌ بِربحٍ / من حياتي وجدتُ في الرِّبحِ خسري
كلَّما مَرَّ مِنهُ وَقتٌ بِربحٍ / عِلْمُهُ باختلافِ سرّي وجهري
مِلْ بقلبي إلى صَلاحِ فسادي / منه واجبرْ برأفةٍ منك كسري
وأَجِرْني ممّا جَناهُ لِساني / وتَناجتْ به وساوسُ فِكري
أَرى الشَّيْخَ يَكْرَهُ في نَفسِهِ
أَرى الشَّيْخَ يَكْرَهُ في نَفسِهِ / مَشِيباً أفاضَ عَلَيهِ النهارا
وضَعفاً يَهُدُّ قُوَى جِسْمِهِ / ويَنقُلُ مِنهُ خُطاهُ قصارا
فَكَيفَ يُجَشِّمُها طِفلةً / يطير بها القلبُ عنه نِفارا
وعارٌ على الشَّيخِ تقريبُهُ / فتاةً ترى قُرْبَةً منه عارا
وقد جُبِلَ الغانياتُ الصّغارُ / على بُغْضِهِنّ الشيوخَ الكبارا
جَرَى بكَ جَدٌّ بِالكرامِ عَثُورُ
جَرَى بكَ جَدٌّ بِالكرامِ عَثُورُ / وجارَ زمانٌ كنتَ فيه تُجيرُ
لَقَد أَصبَحَتْ بيضُ الظبا في غمودها / إناثاً لِتَرْكِ الضّرْبِ وهيَ ذُكورُ
تجيءُ خلافاً للأمور أُمُورُنا / وَيَعدلُ دهرٌ في الورى ويجورُ
أَتَيأَسُ في يومٍ يناقضُ أمْسهُ / وَزُهْرُ الدَّراري في البروجِ تَدورُ
وقد تنْتخي الساداتُ بعد خمولها / وَتَخرُجُ مِن بَعدِ الكُسوفِ بُدورُ
لئن كنتَ مقصوراً بدارٍ عَمَرْتَها / فقد يُقْصَرُ الضِّرغامُ وهوَ هَصورُ
أغَرَّ الأَسارى أن يقالَ مُحَمَّدٌ / غريبٌ بأرض المغربَينِ أَسيرُ
تُنافِس مِن أَغلالِها في فكاكها / وَيُقُصَمُ منها بِالمُصابِ ذُكورُ
وكُنتُ مُسجّىً بالظبا من سجونها / بِسورٍ لها إِنَّ السجونَ قُبورُ
إلى اليوْم لم تَذْعَرْ قطا الليل قُرّحٌ / يُغيرُ بها عِندَ الصَّباحِ مُغِيرُ
ولا راحَ نادٍ بِالمكارِمِ للغِنى / يُقَلِّبُه في الرّاحَتَينِ فَقيرُ
لَقَد صُنْتَ دينَ اللَّه خَيرَ صِيانَةٍ / كَأَنَّك قَلبٌ فيه وهوَ ضَميرُ
وَلَمّا رَحلتمْ بالنّدى في أَكُفِّكمْ / وَقُلْقِلَ رَضْوَى مِنكُمُ وثَبيرُ
رَفَعتُ لساني بِالقيامَةِ قَد أَتَت / ألا فانظروا هذي الجبال تسيرُ
أَمِثلُكَ مولىً يَبسُطُ العبدَ بِالعذرِ
أَمِثلُكَ مولىً يَبسُطُ العبدَ بِالعذرِ / بِغَيرِ انقِباضٍ مِنكَ يَجْري إلى ذكرِ
لَهَدّ قريضَ الفضلِ ما هدّ من قوى / وَحَلّ به ما حلّ من عُقْدةِ الصّبرِ
وإنّي امْرؤ في خَجْلَةٍ مُسْتَمِرّةٍ / يذوبُ لها في الماءِ جامدةُ الصّخْرِ
أتتني قوافيك التي جَلّ قدرُها / بما نقطةٌ منهنّ مُغْرِقَةٌ بَحْري
لَعَلّك إذ أغنيتي منك بالنّدى / أردتَ الغنى لي من مَديحك بِالفخرِ
لعمريَ إني ما توهّمْتُ ريبةً / فتدفعَ وَجْهَ العُرْفِ عِندكَ بالنكرِ
وطَبعكَ تِبرٌ سحّرَ الفضلُ محْضَهُ / وحاشا له أن يَستَحيلَ مَعَ الدَّهرِ
وَكُنتُ أمَلُّ الجودَ مِنكَ وأَنتَ لا / تَمَلّ عَطاءً منه يأتي على الوَفْرِ
فَكَيفَ أظُنُّ الظنّ غيرَ مُبَرّأٍ / تواضَعَ تيهاً كوكبُ الجوِّ عن قدري
يَخِفُّ على خُدّام مُلْكِك جانبي / كما خَفَّ هُدْبٌ في العيونِ على شُفرِ
إِذا طارَ مِنهُم بِالوصيَّةِ سَوْذَقٌ / فذلك في إفصاحِ منطقه القمري
تُحدّثُ عيني عينَهُ بالّذي يرَى / بوجهكَ لي من حُسنِ مائيّة البِشرِ
لياليَ لا أشْدوكَ إلّا مطَوَّقاً / بنعماكَ في أفنانِ روْضاتِكَ الخُضرِ
وما زالَ صَوْبٌ من نداكَ يَبُلُّني / ويثقلني حَتَّى عَجَزْتُ عَنِ الوكرِ
بَكَيتُ زَماناً كانَ لي بِكَ ضاحكاً / وَكسْرُ جناحي كان عندك ذا جَبْرِ
وأطرَقْتُ لمّا حالتِ الحالُ حَيْرَةً / تَحَيّرَ منها عالمُ النفس في صدري
فخذها كما أدري وإن كلَّ خاطري / وإن لم يكن منها البديعُ الَّذي تدري
وَصَفْتُ حُسْنَكِ للسّالي فجُنّ به
وَصَفْتُ حُسْنَكِ للسّالي فجُنّ به / كأنّ للسمعِ منه رؤيةَ البصرِ
فلم يزل في وجوهِ الحُسْنِ مُقتبِلاً / بالوصفِ في صُوَرٍ منها إلى صورِ
وكيف يَخْفى عليه ما كلِفْتُ به / إذا الدّلائلُ دَلّتْهُ على القمرِ
إذا ما الهَواءُ اعتَلَّ كانَ اعتلالُنا
إذا ما الهَواءُ اعتَلَّ كانَ اعتلالُنا / محيطاً بما يُجريهِ فينا التنفّسُ
وَرُبَّتما كانَ الغذاءُ مَضَرّةً / يَذُمّ به العقبى جَهُولٌ وَكَيِّسُ
وأمْراضُنَا أَسبابُهُنَّ كَثيرةٌ / تَحِلُّ بِأَجسامٍ فتهلكُ أنْفُسُ
قُل للأساةِ أسأتُمْ في علاجِكُمُ
قُل للأساةِ أسأتُمْ في علاجِكُمُ / فمُمْرِضي من ضَنى جسمي هو الآسي
ولو وَجَدتُ مزَاجَ القلب معتدلاً / ببرد أنفاسها في حرّ أنْفاسي
للّه ما رُضْتُ منها بالخضوع وما / ألامنيهِ لقلبي إلّا قلبِيَ القاسي
خَدَعْتُ قِرْنَ الهوى حتَّى فتكت به / باللّه قل هل بخدع القِرْنِ من باسِ
لأمرٍ طويلِ الهمّ نُزْجي العَرَامِسَا
لأمرٍ طويلِ الهمّ نُزْجي العَرَامِسَا / وتطوي بنا أخفافُهُنَّ البَسابِسا
وَتَذْعَرُ بالبَيداءِ عِيناً شوَارِداً / تُذَكّرُ بالأحداقِ عيناً أوانِسا
عذارَى تَرَى الحسنَ البديعَ مُطابِقاً / لأنوَاعِهَا في خَلْقِهِ ومجانسا
أعاذلُ دَعْني أطْلِقِ العبرةَ الَّتي / عَدِمْتُ لها من أجمل الصبْرِ حابسا
فإنِّي امْرؤٌ آوي إلى الشّجَنِ الَّذي / وَجَدتُ له في حَبَّةِ القلبِ ناخِسا
لَقَدَّرَت أَرضي أن تَعُودَ لِقَوْمِهَا / فَساءَتْ ظُنوني ثُمَّ أصبحتُ يائسا
وعزّيْتُ فيها النّفسَ لمّا رأيْتُها / تُكابِدُ داءً قاتل السمّ ناحِسا
وكيف وقد سِيمَتْ هواناً وصَيّرَتْ / مساجدَها أيدي النّصارى كنائسا
إذا شاءتِ الرّهبانُ بالضرْبِ أنْطقَتْ / مَعَ الصبحِ والإِمساءِ فيها النَّواقِسا
لَئِن كان أعيا كلَّ طِبٍّ علاجُها / فكم جَرَبٍ في السيفِ أعيا المَداوسا
صقليَّةٌ كاد الزمانُ بلادها / وكانت على أهلِ الزّمان محارسا
فَكَم أَعيُنٍ بالخوفِ أَمسَتْ سَوَاهراً / وكانت بِطيبِ الأَمنِ مِنهُم نواعِسا
أرى بَلَدي قد سامَهُ الرومُ ذلّةً / وكانَ بِقَومي عِزُّهُ مُتَقاعِسَا
وَكانَت بِلادُ الكفرِ تَلْبَسُ خَوْفَهُ / فَأَضحى لذاكَ الخوفِ مِنهُنَّ لابِسا
عدمتُ أُسوداً منهمُ عَرَبِيّةً / تَرى بَينَ أَيديها العلوجَ فَرائِساً
فَلَم تَرَ عَيْني مِثْلَهُمْ في كَتيبَةٍ / مضاربَ أبطالِ الحروبِ مَدَاعِسا
ويا رُبَّ برَّاقِ النصال تخالُهُ / من النقع ليلاً مُشْرِقَ الشهب دامسا
خلوا بين أطراف القنا بكماتِهِ / لِطَعنٍ مِنَ الفرسانِ يخلي القوانسا
وما خلتُ أنّ النّارَ يَبْرُدُ حَرّها / على سَعَفٍ لاقته في القيظِ يابِسا
أما مُلِئَتْ غزواً قَلَوْرِيّةٌ بهم / وأَردَوا بَطاريقاً بها وأَشاوِسا
هُمُ فَتَحوا أَغلاقَها بِسُيوفِهِمْ / وهم تَركوا الأَنوارَ فيها حَنادِسا
وساقوا بِأَيدي السبيِ بيضاً حَواسِراً / تَخَالُ عَلَيهِنَّ الشعورَ بَرانِسا
يَخوضونَ بَحراً كلَّ حِينٍ إِلَيهِمُ / بِبَحْرٍ يَكونُ المَوجُ فيهِ فَوارِسا
وحربيّةٍ ترمي بِمُحْرِقِ نِفْطِها / فيَغْشى سَعُوطُ الموتِ فيها المَعاطِسا
تراهُنّ في حُمْرِ اللّبودِ وصُفْرِهَا / كمثل بناتِ الزّنج زُفّتْ عَرَائِسا
إذا عَثّنَتْ فيها التنانير خلتَها / تُفَتِّحُ للبركانِ عنها مَنافِسا
أفي قَصْرينِّي رُقْعَةٌ يَعْمُرُونها / ورَسْمٌ منَ الإِسلامِ أَصبَحَ دارِسا
وَمِن عَجَبٍ أَنَّ الشياطينَ صَيّرَتْ / بُروجَ النُّجومِ المحرِقاتِ مَجالِسا
وَأَضحَتْ لَهُم سَرْقُوسةٌ دارَ مِنْعَةٍ / يَزورونَ بِالدَّيرين فيها النواوِسا
مَشَوْا في بلادِ أهْلُها تحْتَ أرْضِهَا / وما مارسوا منهم أبِيّاً مُمارسا
ولو شُقّقَتْ تلكَ القبورُ لأنهَضَتْ / إِلَيهِم مِنَ الأَحداثِ أُسداً عَوابِسا
وَلَكِن رَأَيتُ الغيل إن غابَ لَيثُهُ / تَبَخَّرَ في أَرجائِهِ الذئبُ مائِسا
وَوَرْدِيَّةٍ في اللوْن والفَوْحِ شُعشِعَتْ
وَوَرْدِيَّةٍ في اللوْن والفَوْحِ شُعشِعَتْ / فأبدتْ نجوماً في شُعاعٍ من الشمسِ
نفيتُ همومَ النفس منها بشربةٍ / دَبيبُ حُمَيَّاها يَرِقُّ عَنِ الحسِّ
كأن يدي من فضّةٍ فإذا حَوَتْ / زجاجتَهَا عادت مُذَهَّبَةَ الخمسِ
ولمَّا التقى الأجسامُ من غير ريبَةٍ
ولمَّا التقى الأجسامُ من غير ريبَةٍ / وقَد تَلِفَتْ بالشوقِ فيهِنَّ أَنفُسُ
جنينا ولم تُنْسَبْ إلينا جنايةٌ / ثمارَ نعيمٍ تُجْتَنَى حين تُغْرَسُ
ولمّا اسْتَقَلّ النجم يَرْفَعُ رايةً / يحلّ بها نُورٌ ويرحلُ حِنْدِسُ
تنهّدْتُ مرتاعَ الفؤادِ وإنّما / تنهدتُ للصبح الّذي يَتَنَفَّسُ
فيا صُبْحُ لا تُقْبِلْ فإنّكَ مُوحِشٌ / ويا لَيلُ لا تُدبِر فإنّكَ مؤنِسُ
شموسٌ دعاهنَّ وَشْكُ الفِرَاقِ
شموسٌ دعاهنَّ وَشْكُ الفِرَاقِ / فَلَبَّيْنَ في القُضُبِ المُيّسِ
تُريقُ المدامعَ كالساقياتِ / من السّكْرِ يَعْثُرْنَ بالأكؤسِ
طوالعُ نحو غروبٍ تُريكَ / جُسُومَ الديارِ بلا أنْفُسِ
تُزَوِّرُ صوناً عليها الخدور / فتبكي عيونَ المها الكُنّسِ
وقد زارَ عذبَ اللمى في الأقاحِ / أُجاجُ الدموع منَ النّرجِسِ
وقامتْ على قَدَمٍ فِرْقَةٌ / إذا وقَفَ العَزْمُ لم تجْلِسِ
ولَم يَبقَ إلّا انصرافُ الدّجى / بِزُهرِ كَواكبه الخنَّسِ
وَمَحْوُ النّهار بكافورةٍ / من النور عنبرةَ الحندسِ
ألا غَفلَةٌ من رَقِيبٍ عَتِيدٍ / يُلاحِظنا نَظْرَةَ الأشوَسِ
فَنُهْدي على عَجَلٍ قُبْلَةً / إلى شَفَةِ الرّشأِ الألْعَسِ
غداً يَتَقَطّعُ أقْرَانُهُم / ويتّصِلُ السيرُ في البسبسِ
ويكلأ ذِمْرٌ على ضامرٍ / خبِيئَةَ خِدرٍ على عِرْمِسِ
ويصبحُ من وَصْلِ سلمى الغنيّ / يُقَلّبُ منه يَدَيْ مُفْلِسِ