المجموع : 955
ما أنس يومَ بدت في القطر حادثةٌ
ما أنس يومَ بدت في القطر حادثةٌ / من الحوادِث تُنسي الوالدَ الولدا
وإذ أَلمت به دهياء كارثة / فأورثته الجوى وَالحُزنَ وَالكمدا
إذ عمَّه كوباء جارفٍ رهَجٌ / ما سارَ عَن بلد إلا أَتى بلدا
فَلَم يذر غير ممسوس به شرفاً / وَلَم يدَع غير مكلومٍ به كبدا
أَحب أن يجد اليوم الَّذي بهجت / أَنواره عين أَهليه فما وجدا
الأمْنُ قد زالَ والأيام قد فسدت / وَالعُود بعد اِعتدال منه قد أودا
لَم يَبقَ في الناس لا صبر ولا جلد / إن المصائب توهي الصبر وَالجلدا
لا دجلة دجلة من بعد نكبتها / وَلا الزَمان بواديها كَما عهدا
من كانَ يسكن في أمنٍ ضواحيها / قد قوَّض البيت والأوتاد وَالعمدا
ظنوا الهدى في الَّذي جاؤوه من عملٍ / وَقَد يَكون ضلالاً ما يُعدُّ هدى
من لم يهذِّبه علمٌ في شَبيبَته / فإنه لا يُلاقي بعدها رشدا
قالوا عَسى أن تنيل الشعب ثورته / سعادة غير أَنَّ الشعب ما سعدا
بل السَعادة في ترك الخصام وَفي / أن يصلح المَرء دنياه وَيجتهدا
لا يأمن المدلج الساري تورُّطَهُ / ما لَم يوطِّد له من عقله سندا
لَو قدَّروا الأمر ما ثارَت عجاجتها / وَلا شكت عينهم من خوضها الرمدا
ورب وارد ماء جاءه قدرٌ / فَما أَساغ له الماء الَّذي وردا
وَذي لهاث قد اِشتدت حرارته / حتى إِذا هُوَ لاقى حتفه بردا
هَذا جزاء امرئٍ قَد كانَ في سعة / من المَعيشة إلا أنه كندا
فَيا لَها فتنةً عمياءَ ثائرةً / قد عذَّبت من بنيها الروح وَالجسدا
ما نابَ غائبَها ما ناب شاهدَها / وَلَيسَ من غاب عَن شر كمن شهدا
وأسعد الناس من قد كان معتزلاً / يلازم الظل في اليوم الَّذي صخدا
قد أَفلح المتروي في عزيمته / وَكل قصد إذا زالَ الضلال هدى
ما نفع من عاش في أَيام مفسدة / من الحَياة إذا كانَت له نكدا
إذا الفَتى بان فيه الوهنُ وَالكبرُ
إذا الفَتى بان فيه الوهنُ وَالكبرُ / فأَيَّ عيش من الأيام ينتظرُ
قَد كنت أَرغب في الأسفار منتقلاً / إلى بلاد نأت إذ كنت أَقتدر
يا حبذا تلعة كانَت تطلُّ عَلى / أرضٍ تجاور فيها الماء وَالشجر
وَاليَوم عَن سفري في الأرض يوقفني / خلوّ ذاتِ يدي وَالضعف وَالخور
قد كنت في كل يوم راكِباً سفراً / وَاليَوم قد حانَ عَن دنياي لي السفر
ألممت بالمستنصرية زائراً
ألممت بالمستنصرية زائراً / أطلالها وَالجامِعاتُ تزارُ
دارٌ لعمري كانَ فيها مرة / أهل وأخرى ما بها ديّار
ما إن تُبالي الدار بعد خرابها / وَقفوا عليها ساعة أَو ساروا
ساءلتها مستعلماً عَن أَهلها / فوددت لَو تتكلم الأحجار
إن الحمى من بعدهم لا لَيله / ليل وَلا سمَّاره سُمَّار
أَخذ الفَتى لما تذكر عهده / يَبكي فتقرأ دمعه الأنظار
في الروض من بعد الخَريف وَبرده / ذبلت عَلى أفنانها الأزهار
يا حقُّ قد دَفَنوك حيّاً في الثرى / يوم القضاء فعادَني اِستعبار
وأَمضنى من بعد دفنك أَنَّني / ما زرتُ قبرك وَالحَبيب يزار
هَهُنا كانَ الشعب يُلفي دَليلا
هَهُنا كانَ الشعب يُلفي دَليلا / كُلَّما رام لِلمَعالي وصولا
هَهُنا كانَ العلم يَجلو السَجايا / وَيُنير الحجى وَيَهدي السَبيلا
هَهُنا في ظلال هذي المَباني / لبس الشرقُ غرة وَحجولا
هَهُنا كانَت الحَضارَةُ تَبني / للحكومات في البلاد أُصولا
من هنا كان السلم يَبسطُ فوق ال / أرض من ظله جناحاً طَويلا
من هنا كانَ الدين ينشر للنا / س بياناً يفسر التَنزيلا
من هنا كانَت العُروبَة تجني / شرفاً باذِخاً وَمَجداً أَثيلا
من هُنا كانَت السَعادة تُلقي / فوق قطر العراق ظلاً ظَليلا
من هُنا كانَ العلم يَسقي شَباباً / ظمئوا للعُلى وَيَسقي كهولا
من هنا كانَت الخلافة تُهدي / للبَرايا فطاحلاً وَفحولا
من هنا كانَ العدل يبدي سَلاماً / من هنا كانَ الحكم يَلقى عدولا
من هنا كانَ الشرق يهدي الى الغر / ب ضياء به ينير العقولا
وَفنوناً في روضها العين تَرعى / نرجساً أَو بنفسجاً مطلولا
قَد أَممنا المستنصريَّةَ صبحاً / فوجدناها أَرسماً وَطلولا
ووقفنا حيناً نكفكف بالأي / دي دموعاً يأبين إلا همولا
في عراصٍ تنكَّرت وَربوع / بدّلتها يدُ البلى تَبديلا
أَيُّها الربع أَينَ أَهلك ساروا / قل إذا كنت قادِراً أَن تَقولا
لا أَرى أَن يحير ربعٌ جواباً / كانَ عنه بنفسه مَشغولا
قَد بكينا فيه علوماً توارَت / وَبكينا فيه نجوماً أَفولا
واِستلمنا الجدران منه اِحتراماً / وَلثمنا ترابه تَبجيلا
حجرات بعد النضارة منها / لبست غبرة وأَبدَت نحولا
وَبيوت قد أَظلمت بعد أَن كا / نت تضيء الحَياة دَهراً طَويلا
وَبنت حولها العناكِبُ بالنس / جِ بيوتاً وَبتنَ فيها حلولا
وَعراص تعاورتها السوافي / وَمشت فوقها تجرّ الذيولا
بعد أَن كانَت للعلوم محطاً / حط فيها المتاجرون حمولا
وَصروح للعلم مرتفعات / قوضتها الأيام إلا قَليلا
قاومَت خلفة الحوادِث دهراً / ثم شق البِلى إليها سَبيلا
تهبط الشمس أَرضها كل يوم / وَتحييها بكرة وَأَصيلا
كل تلك السنين وَهي عصور / لَم يزرها النَسيم إلا بَليلا
هدم الدهر موفيات لرضوى / إنَّ للدهر عند رَضوى ذحولا
حيثما تلتفت تشاهد جداراً / مزقته الأيام عرضاً وَطولا
منهل للعلوم عذب به كا / نت عطاش القطرين تَروي الغَليلا
يا لثديٍ قد جف من بعد ما قد / رضعته الأجداد جيلاً فَجيلا
يا لأمٍّ من بعد ما حضنتهم / ترك الدهر شلوَها مأكولا
إننا يا دار الرجاء شبيها / ن كلانا قاسى الشقاء الوَبيلا
وَكِلانا يا معهد العلم مبدٍ / جسداً ناحلاً وَجسماً عَليلا
قَد لعمري أَمسَت عليك الليالي / وَعليَّ الحَياة عبئاً ثَقيلا
أيُّها المعهد الجَليل سلام / لَيسَ ما قد قاسيت شَيئاً قَليلا
إن دهراً قد هدَّ منك بناءً / لَم يَكن عمَّا قَد أَتى مَسؤولا
كنت يَنبوع حكمة لأناسٍ / تخذوا الحق صاحباً وَخَليلا
اِهتَدوا بالقرآن فاِتبعوه / وأجلُّوا التوراة والإنجيلا
أَيُّها المعهد القَديم أَتلقى / جدةً بعد أن بليت طَويلا
أَيُرينا طلوعه من جديد / فيك نجمٌ للعلم لاقى أفولا
أَيُّها العلم لح إذا الجهل أَدجى / كوكباً وابعثِ الضياء رسولا
تَتَمَنّى النفوس في كل أَرض / أن تراك العيون منها جَميلا
أَيُّها الجهل أَنتَ ليل مخوفٌ / باتَ يُرخي من الظلام سدولا
أَيُّها الليل دلَّنا في سرانا / قبل أَن تعجل النجوم أفولا
أَنا أَرجو إذا سَرى فيك قَومي / أن تكون الشعرى لقومي دَليلا
أَيُّها المغربان إني أرى في / أفق المشرقين نوراً ضَئيلا
وَعَسى أَن يَكون عنوان فجر / لنهار في العين يَبدو جَميلا
ذهب الزَّمان الأغبرُ
ذهب الزَّمان الأغبرُ / وَأَتى الزَّمان الأخضرُ
جاءَ الرَبيع فأصبحت / فيه البَلابل تصفر
في جنة غناء با / كرها سحاب ممطر
وَتفتحت أَزهارها / تَحكي عيوناً تنظر
وإذا تجاوبَت البلا / بل في مَكان تسحر
حول العِراق وأُمَّة / أَخذت به تتطور
هلعت قلوب القوم في اليابانِ
هلعت قلوب القوم في اليابانِ / للبحر حين طغى وَللنيرانِ
جُزُرٌ غلين كمرجلٍ فتهدَّمت / أَعلامُها من شدَّة الغَليان
وكأن أَسباب السماء تقطعت / وكأن قلب الأرض ذو خفقان
عرت البلاد زلازلٌ فتقوَّضت / فيها بهنَّ منازلٌ وَمَغاني
سل من أَلَمَّ بها يقيس خرابها / ماذا يرى فيها من العمران
وكأَنَّما اِعتاضَت جحيماً تَلتَظي / عَن جنة ملتفة الأغصان
أَرأَيتُما يا أَيُّها القَمرانِ / في الحادِثات كنكبة اليابان
صعقت تخر إِلى الوجوه حلولها / للصيحة الكبرى بكل مَكان
مُنيَ القُلوب وكل حي عندها / والأرض ذات العرض بالرجفان
كَم مرضعٍ ذهلت لها عَن طفلها / فرمت به عنها من الأحضان
وَكَم استجار أَبٌ عَليل بابنه / فأَشاح بالإعراض وَالخذلان
كل اِفتراقٍ لا أبا لك هينٌ / إلا افتراق الروح والجثمان
ما للأعزة في مناعة أَرضهم / هانوا وَما خلقوا بها لهوان
أَرأَيتُما يا أَيُّها القَمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
نار وَطوفان وَزلزال معا / لَم تُبق من صرحٍ ومن إيوان
أكئبْ بهاتيك الطلول وَما بها / من مشهدٍ يدعو إلى الأشجان
تَبكي العيونُ عَلى عفاء ربوعها / وَمصارع الفتيات وَالفتيان
يا للشقاء وَنكبة نزلت بمن / نَزلوا بتلك الأرض من سكان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
أَخذت تصب بها الطَبيعة غيظها / وَتَثور حانقة عَلى الإنسان
ماذا أَثار الأرض حتى أَصبحت / تَرنو إلى الإنسان بالعدوان
النار شبت في البلاد فأَحرقت / فيها الَّذين نجوا من الطغيان
وَالماء أَغرق من نجوا بفرارهم / من تلكم النيران في البلدان
عصفت بهم في اللَيل عاصفة الردى / فَبَدا الحَريق بجانِب الطوفان
إن صُدَّ عَن بحر فنار قد بَدَت / أَو صد عَن نار فَلُجٌّ داني
النار تدفعهم إلى أَمواجه / وَالموج يقذفهم إلى النيران
الماء وَالنيران قَد فَتكا بهم / وَالماء وَالنيران يستبقان
النار تَشوي وَجههم بشواظها / وَالماء يغرقهم بلا تحنان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
الأرض تقصف كالمدافع تحتهم / وَالجو يلمع باللَهيب القاني
وَتَرى البروق وَقَد تتابع وَمضُها / تَبدو ضواحك في سحاب دخان
وإذا الصواعق أَرزَمَت من فوقهم / خروا لخشيتها إلى الأذقان
بل كُلَّما سمعوا هزيمَ رعودها / وَضعوا أَصابعَهم عَلى الآذان
وَإِذا أَضاءَت أَغمضوا حذر الردى / أَو خطفها الأبصار باللمعان
إنَّ الغشمشم وَالجبان كلاهما / في مثل تلك الحال يستَويان
وكأنما تلك الجَزيرَة كلها / لَيسَت عَلى وسع سوى بركان
قَد كانَ في اليابان يا لشقائها / ما لَم يكن في الظن والحسبان
أكبر بها من نكبةٍ سوداء قد / أَخنت عَلى الآباء والولدانِ
أَما الوجوه فإنها قد بدلت / ألوانهن بأَسوأ الألوان
مسودة بالنار تحسب أَنَّها / مطلية بالقار وَالقطران
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
الرجَّة الأولى وَكانَت بغتةً / أَودَت بأكثرهم ببضع ثوان
ماتوا وَماتوا ثم ماتوا ثم لم / يسلم سوى القاصي من الموتان
أَما الألى ظنوا النجاة لنفسهم / فالظن صار بهم إلى الخذلان
لا يعرفون أَأبعدوا عَن حتفهم / أَم أَنَّ ساعات الحمام دواني
لَم يطو من أَسَفي عليهم كونهم / متوارثين عبادة الأوثان
بل كلنا بشر أَبوهم مِن أَبي / عند الرجوع وَكلهم إخواني
ما تلك إلا أُمَّة شرقية / قامَت قيامتها بغير أوان
كَم كانَ فيهم من خَطيب مصقع / طلب البيان ولات حين بيان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
خطب جسام لَم يشاهد مثله / وَلَقَد مضت حقب من الأزمانِ
لَو أنهم كانوا أَمام جحافل / طَلَبوا النزال وَسارعوا لطعان
لكنهم عرفوا بأن عدوهم / لا يَنتَهي بشجاعة الشجعان
أَرأَيتُما يا أَيُّها القَمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
أَما الخسار فإنه في نفسه / لأَجلُّ من وصفٍ ومن تبيان
بل ليس يَدري غير زائر جزرهم / ما قَد أَصابَ القوم من خسران
ذاكَ الثراء الوفر من مجهودهم / لَم يغنهم شيئاً عَن الحدثان
وَهَل الحَياة اذا أَلَمَّت نكبة / ما يَشترى بالأصفر الرنّان
أَهُناك من نفس المساوم مانع / أَم حيل بين العير وَالنزوان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
يا زهرة الشرق الَّتي قد أزهرت / حيناً كأحسن كوكب نوراني
قَد كانَ وجهك فاتني لمعانه / لَهفي عَلى لَمعانه الفتان
أَي الصروف عرا يسومك ذلة / وَهَل النجوم تذل للصرفان
الشرق لَيسَ وإن تعدد رزؤه / عَن نكبة اليابان ذا سلوان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
وَلَقَد يريك الدهر في حدثانه / ما للطَبيعة فيه من سلطان
لا يسلم الإنسان من عدوانها / فالوَيل كل الوَيل للإِنسان
إِنَّ الطَبيعة لا تُسالِم أَهلها / في كل أَرض أَو بكل زَمان
تأَتي الكوارِث يتّبعن كوارثاً / فتلمُّ بالإنسان وَالحَيوان
الأرض تَحتَ المرء يَغلي جأَشها / وَينام ملء العين في اطمئنان
لَيسَ الَّذي تأَتيه عند هدوِّها / مثل الَّذي تأَتيه في الثوران
في جوفها النيران تذكو وهي لا / تنفك حول الشمس عن دوران
إِنّا من الأرض الفضاء ببقعة / لَيسَ الحَياة بها سوى حدثان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
إن الزَلازِل لا تَزال خفيَّة / أَسباب ثورتها عَن الأذهان
كثرت ظنون العقل في تَعليلها / وَالكل مفتقر إلى برهان
وَلَقَد تَكون الكَهرباء يثيرها / في الأرض طبق ظروفها القمران
الكَون نسج الكَهرباء وإنها / هي هذه الحركات في الأكوان
وَهُناك ناس جاهِلون يَرون في / أمر الزَلازل أصبع الشَيطان
وَالبَعض يزعم أن جملة أَرضه / حملت عَلى ثور له قرنان
فإذا تعمد أن يحرك قرنه / أَخذت جَميع الأرض بالرجفان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
قَد يَجعل الوصاف غي
قَد يَجعل الوصاف غي / بَ الشيء منك بمشهد
فَتَكاد تلمس ما يصو / وره لعينك باليَد
لما اِختفت شمس النهار
لما اِختفت شمس النهار / ظهرت كَما أَرجو الدراري
ثم اِنبرى يَهفو السحا / بُ مِن اليَمين إِلى اليسار
فامتدَّ يَعدو دونها / قطعاً كأَمثال المهاري
أَو كالسفين نشرن أش / رعة فهن بها جواري
تَدنو فآونة لَها / تبدي وآونة تواري
أَما النجوم فأَعين / شهلاء تَرنو في خمار
أَو خُرَّدٌ بيض الطلى / ينظرن من خلل الستار
حيّ السماء وَما بها / من طالِعات في اِزدهار
لَولا نجوم اللَيل ضل / لَ سَبيله في اللَيل ساري
تلكم كواكِب زندها / في فحمة الظلماء واري
صغرت بعينك للنزو / ح وَما هنالك من صغار
أزرى الشعاع بكل أَب / عاد الفَضاء لدى السفار
شق الأثير بقوة / وَدَنا عَلى شحط المَزار
يا كَهرباء لأنت أَص / ل الكون أَجمَع في اِعتباري
وَسعت سماء للعوا / لم من طرائقها مجاري
متحركات ما لها / حتى النهاية من قرار
أَما النهاية فَهي لا / يَدري بها في الكون داري
بيض وزرق ثم أخْ / رى لا تريك سوى احمرار
وَلَقَد يَفور النور في / نجم ضَئيل بانفجارِ
وَلَقَد نضرت إِلى المجر / رة نظرة ذات اِختبار
فإذا المجرَّة شبه نه / رٍ في وَسيع الكَون جاري
وإذا النجوم بها شمو / س قد سطعن من الأوار
وَالشمس أم الأرض تغ / ذوها بأَنوار وَنار
منها الحَياة وكل ما / يَحمي الحَياة من البوار
وَلَها توابع جمَّة / كلّ مغذٌّ في مدار
وَتَرى أَولات ذوائبٍ / يَمشين هوناً في وقار
حتى إذا ما قاربَت / أَخذت تزايد في البدار
تأَتي وَتَذهَب ثُمَّ تأ / تي بعد حينٍ لازديار
وَهُناك قسم لا يحو / ر إذا تَناهى في النفار
العلم يَهدي السالكي / نَ إلى الحَقيقَة باختصار
وَالجهل يوقفهم عَلى / جرف من الأوهام هاري
لا علم إلا كنت حي / ناً منه خواض الغمار
أَبغي الحَقيقَة وَالحَقي / قةُ ما عَلَيها من غبار
وَأَرى طَريق الظن وع / راً ذا اِرتفاع واِنحدار
لا يسلم الإنسان حي / ن يَسير فيه من عثار
بعد التطلُّع للسما / ء ونظرة لي في الدراري
لا شيء يَجلو ناظري / كالرَوض في عقب القطار
الزَهر فيه مشبه / للزُهر في الفلك المدار
خلع الرَبيع من الشَقي / قِ عليه بُرداً وَالبهار
وَتَرَنَّمَت فيه الحما / ئم وَالفواخت وَالقماري
يَشدو الهزار لورده / وَالورد يبسم للهزار
لَقَد عشت عمراً أَنتَ فيه ظهيرُ
لَقَد عشت عمراً أَنتَ فيه ظهيرُ / لمن عاشَ بين الناس وَهوَ فَقيرُ
بكفك مصباحٌ من العلم ساطعٌ / به لعقول الناشئين تنير
وَقَد كنت حراً في حَياتك مصلحاً / تَدور مَع الإنصاف حيث يَدور
وَكنت لأصحاب الزعامَة واعظاً / تذكرهم أن الحَياة غرور
وَقفت أَمام الظلم ترغم أَنفه / وأنتَ على الإرغام أنتَ قَدير
دَعاكَ الردى أن صِر فصرت إلى الردى / إلى حيث كل العالمين يصير
فأطبقت منك العين إطباق راقد / تَثور شَظاياه وَلَيسَ يَثور
كانك لم تغضب عَلى الغاضِب الَّذي / يَطول عَلى إخوانه وَيَجور
كانك من أَجل المحاماة لم تقف / شجاعاً بحيث النائبات تَدور
أَفِدنا بأسرار الحياة درايةً / فأنت بأسرار الحَياة خَبير
كأني بالأيام بعدك أَثمرت / صلاحاً إليه أَنتَ كنت تشير
تنبهت الأذهان غبّ هجوعها / وَقَد حدثت بعد الأمور أُمور
كأني بصرح الأمن شِيد بربوة / إلى جانبيها روضة وَغَدير
كأني بحسناء المساواة قَد بَدَت / وَلَيسَ عَلَيها برقع وَستور
وَددت لَو اَنِّي اليَوم مثلك ميت / فَلَم ترَ عيني من يضير يضير
فإن يك أَمر قد تحسَّن مرة / فَقَد قبحت من بعد ذاكَ أُمور
أَتَت دون فعل الخير حتى أَزحنه / شرورٌ عَلى آثارهن شرور
يا ضَريحاً فيه الرشيد يَنامُ
يا ضَريحاً فيه الرشيد يَنامُ / مطمئناً مني عليك سَلامُ
أَكبرت لَيلة الرَشيد اللَيالي / وَمَضت في إكبارها الأيام
المَنايا يرميننا كل يوم / بسهامٍ فَلا تطيش السهام
هدَّ ركن البَيت الزَهاوي خطب / جلَلٌ جاءهم ورزء جسام
أَكلة لا تَسوغ ثم شكاة / ثم داء في الجوف ثم حمام
جئتُ صبحاً أُسائل القبر عنه / وَعَلى القبر هيبةٌ واِحتشام
أَيُّها القبر كيف فيك رَشيد / أَشَديد كَذا عليه السقام
لا تَكُن في وجه الرَشيد عبوساً / فَهوَ في وجه ضيفه بسام
لَقَد مَرَّ من لَيلي الطَويل هَزيعُ
لَقَد مَرَّ من لَيلي الطَويل هَزيعُ / وَطَرفي بأعجاز النجوم وَلوعُ
سأَحبس مني الطرف في أخرياتها / لأعلم هَل للآفلات طلوع
شَجاني فأبكاني بشاطيء دجلةٍ / حمام عَلى غصن الأراك سجوع
سمعت من ابن الطير إذ ظَلَّ ساجعاً / أَغاريد تَخفى مرة وَتشيع
يردد فوقَ الغصن في اللَيل سجعه / فيملأ جوف اللَيل وَهوَ وَسيع
فَيا شاعِر الأطيار زدني ترنماً / فإني لما أَنشدتنيه سَميع
جزعت لعبد اللَه إذ ماتَ إنني / عَلى كل ذي فضل يَموت جزوع
فَتى مثلما تَرجوه أما لسانُهُ / فرطبٌ وأما كفه فَرَبيع
قَضى فبكته عند ذاكَ بناته / وأَكثر دمع الباكيات نجيع
وأبَّنه أَبناؤُهُ فوق قبره / وأَكثرُ تأبين البَنين دموع
أَكل يوم نعيّ يقرع الأذنا
أَكل يوم نعيّ يقرع الأذنا / وَصاحب لي يأَتي أَنه دُفنا
خلت حماة بصنع الموت من حسنٍ / أَيَعلَم الموت ماذا في حماة جنى
ما كنت أَحسب أَنَّ الموت من سغبٍ / يأَتي فيخطف من أَبنائها حسنا
كأنني بشباب في حماة جثوا / يَبكون حول ضَريح ضمه حزنا
يؤبنون حَكيماً في حفيرته / مغيَّباً زارها فاِختارها سكنا
لَهفي عَلى الناس فيها أنهم دفنوا / لهم أَمانيَّ في ملحودة وَمُنَى
قَد كانَ للشعر ماء في مناهله / يسيل وَاليَوم ذاكَ الماء قَد أسنا
سَعى فَلَم ين يوماً في هدايتهم / وَغيره قَد سَعى من قبله فونى
إنّا لَفي زمنٍ ما للشعوب به / يوماً عَن العلماء المصلحين غنى
لَو كانَ يفدى فَقيد من مَنيته / لكنت أَول من يفدي الفَقيد أَنا
يا راحلاً لديار أَهلُها اِعتزلوا / أخبر هناك بحق ما لَقيت هنا
أُريد علماً بأسرار الحياة فَهَل / أستنطق الروح أَم أستنطق البدنا
أَكبِرْ بحرٍّ يَقول الحق ينصره / وَلا يُبالي أَسرّاً قال أَم علنا
وَهَل يضر حَكيماً ماتَ عَن أَدَبٍ / أن لا يَكون لقبر نام فيه سنى
جاءَت الصحف حاملات نعيا
جاءَت الصحف حاملات نعيا / أَكبرته الأسماع في بغداد
فَبَكَت في بَغداد حقي عيونٌ / كانَ حقي منها مكانَ السواد
كانَ مندوبها وَكانَت تباهي / برجاحاته جميعَ البلاد
فَبَكينا شبابه وَبَكينا / جلداً فيه راسخ الأوتاد
بأبي أَنتَ من أَديب شجاعٍ / نامَ في اللحد بعد طول الجهاد
رقدة في ملحودة سبقتها / وقفات له بصدر النادي
ماتَ في ميعة الشباب إذ العز / م صَديق إذ الزَمان معادي
قد لبسنا ثوب الحداد عليه / أنا وَالعلم وَالحجى وَبلادي
المَوت إذ وطن الأبيّ مهدَّد
المَوت إذ وطن الأبيّ مهدَّد / مجد يشايع أَو حياة تخلدُ
ما ماتَ في أَرض الجهاد محمد / بل عاش في أَرض الجهاد محمد
فَلَقَد أَتى عملاً غداة دنا العدى / يَمضي الزَمان وَذكره يتجدد
في مَوقف ما إِن تَرى إلا دماً / في الأرض يجري أَو دخاناً يصعد
أفديك من بطل هوى عَن طرفه / وَالسَيف في يده تشدّ به اليَد
شبت من الجيشين حرب نارها / تَشوي الوجوه فَلَم يرعك المشهد
إذ كانت الأعداء تسعر نارها / وَالنار منك قَريبة لا تبعد
وَلَقَد رسوت أَمام جحفلهم كَما / في صدر مجرى السيل يَرسو الجلمد
أَما الحِمام فَكانَ يبرز نابه / وَيُطيل من نظر إليك وَيرصد
حيث القَنابِل في مَيادين الوغى / نفدت وَعَزمك وافر لا ينفد
الناس حامدة ثبات محمَّد / وَالدين يحمد وَالمواطن تحمد
صاحوا الجهاد ضحىً فَلَبّى عالماً / أنَّ الجِهاد هُوَ الطَريق الأقصد
شبت فأَقسم بالبسالة أنه / بالرَغم عَن هرم به لا يقعد
ما زالَ في ظل الهلال مجاهداً / حتى أَصابَته بمنفلقٍ يد
فَبَكى عليه سيفُه وَجوادُه / وَبَكى عليه صلاحه وَالمسجد
لاقى الردى فوق الجواد كأَنَّما / متن الجواد إلى التَلاقي موعد
لِلَّه تلك النفس وَالخلق الَّذي / يَرضى وَذاكَ الخاطر المتوقد
أَريقت دماءٌ من رجال أَعزة
أَريقت دماءٌ من رجال أَعزة / بأَوطانهم فاحمرَّ منها صعيدها
يُدَسّون في أَرماسهم فكأنهم / صوارم بيض وَالقبور غمودها
لحود لها ضمت جسوماً كريمة / فلله ما ضمت هناك لحودها
أَلا يوقظ الشبانَ يا قوم موقظٌ / فَقَد طالَ في جوف التراب رقودها
ستنضخ في الأكفان يوم حسابها / دماء أَمام اللَه منها شهودها
فَكَم زوجة لما دَهى الظلم بعلها / بَكَت فَبَكى في الحجر منها وَليدها
وَمَفجوعة أَودى أَخوها بعسفهم / ووالدة قد بانَ عنها وَحيدها
مغانٍ تظل الغانيات بأَرضها / وَقَد غيل حاموها تُفَرَّى كبودها
وَتلتدم البيض الحسان من الأسى / فترفضُّ في اللبات منها عقودها
وَترجف بالنوح السماء ملاحها / وَتَبكي وَتَستَبكي المَلائكَ غيدها
وَتُنشد في تأبينهم شعراؤها / مراثيَ يُشجي السامعين نشيدها
وقوفاً عَلى الأجداث تَتلو قصائداً / فَتَبكي وَتُبكي السامعين قصيدها
قصائد تحكى وصف من غيِّب الثرى / إذا ختمته فالأسى يستعيدها
ديار بهن الامر صوح دوحه / سقاها ملث العدل فاخصرَّ عودُها
وما في بلاد اللَه كالظلم هادمٍ / ولا مثل حكم العدل بانٍ يشيدها
ويسعد نفسي أن ترى العدل حاضراً / فإن غاب عنها غاب عنها سعودها
وَما العدل إِلّا غادة ملكية / هوى النَفس مني مقلتاها وَجيدها
أَلا نهضة تدني الرجال من العلى / فَقَد طالَ في دار الهوان قعودها
بِنَفسي كَماة تحسب الموت أَن يرى / عَن المَوت يوماً روغها وَمحيدها
أباة تَرى أَنَّ الحياة حقيرة / وَما حب نفس لا يَجوز خلودها
فَتَعلَم أَنَّ الموت حق وأنها / إذا لَم تَرِدْه فَهو سوف يرودها
إذا لَم تَبِدْ بالسيف يومَ كَريهةٍ / فمرُّ اللَيالي بعد حين يُبيدها
أولئك أشراف البلاد وفخرها / أولئك لا غير أولئك صيدها
لي عند ذكرك يا صفا إِطراقُ
لي عند ذكرك يا صفا إِطراقُ / وَدموع حزن في التراب تراقُ
وتلهف وتأسف تبديهما / بحرارة من صدري الأعماق
فيك اللَيالي أَخلفت ميثاقها / إن اللَيالي مالها ميثاق
روَّى ضريحك عارض مترجز / يرغو فيهمى ودقه الغيداق
كانَت بك الآداب راقيةً فَما / فيها مجازَفةٌ ولا إِغراق
للشعر في الآفاق حين تَقوله / نفَسٌ كَما هبَّ الصَّبا خفاق
قبلته أذواق الرواة وإنما / في الشعر قد تتفاوت الأذواق
وَمنحت بالأدب الفَضائِلَ زينةً / فكأَنَّه في جيدها أَطواق
يا مشترى الآداب لا تسعوا فقد / نفد المتاع وسدَّت الأسواق
ما كلُّ ميتٍ يا عيوني فاذرفي / من أَجله تتحلَّب الآماق
يا كوكباً من عرش رفعته هوى / من بعد ما ضاءَت به الآفاق
أين ارتفاعك في مقامات العلى / بل اين ذلك الضوء والإشراق
اخترت من جوف الثرى متبوأً / علّ الثرى لك منزل تشتاق
إن الحَياة نعم عليك ثَقيلة / والنفي بعد العز لَيسَ يطاق
لا تلجأنَّ إلى المنية يا صفا / فالموت فيه تشتت وفراق
ملكت قوافيك القلوب بحسنها / وكذلك الآداب والأخلاق
الشعر يبكي في مصابك آسفاً / والنفس والأقلام والأوراق
فقدت بك الاتراك أَكبر حجة / للفضل كانَ على اسمه إطباق
حزنت عليك أماثل وأفاضل / وبكاك صحب منهم ورفاق
تجري عَلَى وجناتهم عبراتهم / فكأنما بين الدموع سباق
يا بدرَ فضلً تم حيناً نوره / فأصابه عند التمام محاق
هل صح أنك راقدٌ في حفرةٍ / فيها عليك من الثرى أطباق
في نوعه الإنسان يشبه دوحةً / للريح بين غصونها إخفاق
والناس تسقط عند كل مهبةٍ / منها كما تتساقط الأوراق
لَم يُبقِ مني الدهرُ بعدك ياصفا / إِلّا عيوناً دمعها رقراق
دافعت مِثلي عَن حقيقة أُمَّة / ما إِن لها لدفاعك اِستحقاق
فأردت إنهاضاً به لجماعة / كسلى لها في جهلها استغراق
قَد عشت غير مطأطئٍ في دولة / خضعت لجائر حكمها الأعناق
حاربت جيش عدائها ببسالة / في موقف شخصت به الأحداق
متيقناً أن الحكومة كلها / أسرٌ يغلّ الناس واسترقاق
تنفي الرجال لغير ما ذنب جنت / وعلى الأرامل مالها إشفاق
عبثاً تحامي يا صفا عنهم فما / للقوم فاغضض مقلتيك خلاق
والسم إن أبدى صرامة فعله / يوماً فماذا ينفع الدرياق
ما خاضَت الأحرار غمر كَريهة / إِلّا وأَنت الأوّل السباق
فثبتّ حين تذبذبوا وَتنكبوا / وَرحبت لما بالنوائب ضاقوا
ما كنت إِلّا لِلعَدالة عاشقاً / وَالعَدل مَحبوب له عشاق
لعبت بلبك من سلافة حبه / كأس كَما شاء الغَرام دهاق
وقد اضطهدت فزدت ثمة شهرة / كالعود يُكثر عَرفه الإحراق
أبديت فيه من التجمّل ما به / يبني عليك من الفخار رواق
ما كنت عن نصر البريءُ بقاعدٍ / أيام عمَّ الظلم والإرهاق
وألم خطب منه تزهق أنفس / ويمور في الأرض الدمُ المهراق
لَهفي عَلى زهرِ الرَبيع يَضوعُ
لَهفي عَلى زهرِ الرَبيع يَضوعُ / حيناً وَيسقط بعده فيضيعُ
لَهفي عَلى شفق السماء فإنه / حسنٌ وَإِن زواله لسريع
لهفي على بيض تخرّمها الردى / فالقلب من حزن لها مصدوع
بيض قَضَت في عنفوان شبابها / حيث الحَياة صبابة وَنزوع
بيض أوانس في ربيع حياتها / غمرت بها تحت التراب ربوع
الزهر كل الزهر غُيّب في الثَرى / فكأَنَّما تحت التراب رَبيع
يا صاحبي إن زرت مثواها معي / فليخفضن الطرفَ منك خشوعُ
لا ترفعنَّ الصوت ثمة بالبكا / إن القبور ومن بهن هجوع
يا سلوة النفس التي ذهبت فما / يرجى لها بعد الذهاب رجوع
ستسيل من عيني عليك دموعها / وتسيل من بعد الدموع دموع
ويسيل من بعد الدموع إذا جرت / بعد الدموع من العيون نَجيع
فكأن قبرك إذ زها بك روضة / وكأن عيني عندها ينبوع
وكأن شخصك فيهِ قلب ساكن / وعليهِ مرصوف الحجار ضلوع
أَنوار منذ دفنت جسمك ناعما / لي بالقبور صبابة وولوع
عيني السخينة لا تنام من الأسى / حتى تنام عيونه الملسوع
من يشتري مني الحياة جميعَها / بالموت إني للحياة أبيع
إن الحياة قبيحة في أعيني / والعيش فيها أنفُه مجدوع
وعليَّ بعدكِ يا نوار من الأسى / ضاق الفضاءُ وإنه لوسيع
قالوا تسلَّ بغيرها فأَجبتهم / ما حيلَتي إن كنت لا أَسطيع
أبكي وكيف ترون لا ابكي وقد / رحلت نوار وفاتني التشييع
رحلت ولم ترحل حياتي بعدها / هذا لعمرك في الغرام شنيع
الروض يبكي والنسيم على التي / ماتت فما أنا وحدي المفجوع
وجه تألق ثم زالَ كأَنَّه / برق بحاشية السماء لموع
يا لائِميّ على البكاءِ لأنني / لم أنتحر ولقد مضى أسبوع
ماذا عليكم إن بكيت ندامة / دمعي المذال وسنيَ المقروع
تضمن منك القبر لَو يَعلَم القَبرُ
تضمن منك القبر لَو يَعلَم القَبرُ / أَديباً بكاه الناس وَالعلمُ وَالشعرُ
بكاه الندى لما أصيب به الندى / بكاه الحجى والمجد والحسب الوفر
وَقفت عَلى قبر طوى أَقربَ الورى / إِليَّ وَدمع الحزن من أَعيني نثر
على جدث موفٍ جديد ترابه / هناك هناك الجود والنائل الغمر
هناك هناك العلم والفهم والنهى / هناك هناك الفضل والصدق والبشر
هناك أخي عبد الغنيّ مغيَّب / هناك شقيقي مؤنسي صاحبي البَر
فَيا قَبر أَنتَ اليوم أَكرم بقعة / من الأرض ذاتَ العرض فيها اِنطوى حر
ليَ الويل من رزء عظيم أصابني / وكسرٍ على الأيام ليس له جبر
فيا لهوَ أفراح الليالي وطيبها / ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
لعمري قد اِجتثت يَدُ المَوت دوحةً / تَسامَت الى العلياء أغصانها الخضر
مضى من بهِ قد كان يسترُّ صحبُه / فهل بعده يسترُّ من كان يسترُّ
لقد مات من قد كان للجود موئلا / لقد مات من قد كان يحيا بهِ البر
لَقَد ماتَ مَن قَد ماتَ عزي لموته / وَماتَ عزائي وَالسَكينة وَالصبر
لِنَفسي إذا ناجيت نَفسي ضراعة / وأَوجه آمالي الَّتي بطلت غبر
وفي القلب حرٌّ فاض دمعي لأجلهِ / على أن دمعي لا يبوح بهِ الحرّ
ذخرت لهذا أدمعي ولمثله / فواخجلي في الرزء إن نفد الذخر
لعمرك ما موت اللئام خسارة / ولكن موت الأكرمين هو الخُسر
يقتّلنا ريب المنون وما له / سلاح ولا ناب هناك ولا ظفر
أتعلم هذي الناس أن حياتهم / إلى الموت مهما التذ صاحبها جسر
وأن رضا الأيام عنهم خديعة / وأن مصافاة الليالي لهم مكر
نعم جهلوا والجهل عذر مصيرهم / ولو علموا ما اغتر من كان يغتر
أَعبد الغنيّ اسمع إذا كنتَ سامعاً / نداء أَخٍ قد نابه بعدك الضر
نداءَ أخ ذم الحياة لأنها / إذا لم تكن يسراً لحاملها عسر
نداء أَخ قد زارَ قبرك سائِلاً / لتخبره هَل صان أَوصالك القبر
أَم القبرِ لَم يحفظك حتى مشى البلى / إلى ذلك الخد الَّذي دونه الزهر
بِنَفسيَ يا عبد الغنيّ وأسرتي / وَفاؤُك وَالحسنى عفافك وَالطهر
على بُرحاءَ الشوق منا هجرتنا / وزدت على ما ليس يبلغه الهجر
يعز عَلَينا أَن يلم بك الرَدى / وَيذبل ذاكَ الزهر وَالورق النضر
لقد طفت عشراً حول قبرك لاثماً / تراباً عليهِ ما له قبل ذا قدرُ
وأجريت من عيني دموعاً مصونة / بها ابتل مني الخد والجيد والنحر
فأعززت تُرباً كان قبلك صاغرا / وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر
قضى اللَه رب الناس فينا بفرقة / ولِلّه رب الناس فيما قضى الأمر
رحلت عَن الدُنيا وَخلفت للأسى / أَخاً لك حلو العيش في فمه مر
أَخاً لك أَبكي الدهر بعدك عينَه / وَقَد كانَ قبلاً فيك يضحكه الدهر
أَخاً لك لا شمس الضحى في نهاره / تضيء وَلا في لَيله الأنجم الزهر
إذا ما نهارى جاء ساورني الأسى / وإن جنَّ ليلي فالأسى عسكر مجر
وَما كانَ منك العمر قد بلغ المدى / وَلكنما الأيام شيمتها الغدر
تعاقب أيامي برغم فتمِّحي / ولا ينمحي من لوح فكري لك الذكر
قسمت الأسى بين المساء وصبحها / فهذا له شطر وهذا له شطر
لذكراك في قَلبي ومن يأْسَ يدّكرْ / جوىً هُوَ مثل الجمر أَو دونه الجمر
يَذوب بِصَدري القَلب من حرّ ما به / وَذلك دَمعي لا بكيّ وَلا نزر
بكيتك حتى صار يرحمني البكا / وترحمني البلوى ويرحمني الضر
يَقولون صبراً يا جَميل عَلى الَّذي / أَصابك من رزء وأنى لي الصبر
ولو أن أحزاني بدجلة ما جرت / ولو أنها بالصخر لانفطر الصخر
ولو أنها بالبر زلزل عرضه / ولو أنها بالبحر لاضطرب البحر
وما أنس لا أنس اجتماعاتنا التي / بها العيش قرت عينه فهي العمر
وَكُنّا غصوناً أَنتَ زهرة روضها / وَكُنّا نجوماً أَنتَ من بينها البدر
لقد كنت للقطر العراقي سؤدداً / وفخراً لو ان القطر دام له الفخر
وإذ صرَّح الناعي له بوفاته / وقد راعني من أجل ما قاله الذعر
خررت مكباً وانتفضت بجملتي / كما انتفض العصفور بلله القطر
وقلت كما الطائيُّ قال بعصره / كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر
عذرت عيوناً فاض للرزءِ ماؤها / وليس لعين لم يفض ماؤها عذر
فيا لك من خطب يضل له الهدى / ويا لك من كرب يضيق به الصدر
ويا لك من رزءٍ له بتُّ واجما / وبات فؤادي فيه يعروه ما يعرو
ثقيل على روحي سماع نعيه / فيا لت سمعي كان عنه به وقر
وحين أتوا بالنعش من ضيعة له / توُفىَ فيها صدَّق الخبرَ الخبر
فقام عويلٌ للنساءِ وضجة / لها ارتجفت أرض المنازل والجدر
وصكت وجوه لم تكن قبلُ لطمت / وأُرخى منها في مناكبها الشعر
فقمنا حوالي نعشه نندب العلى / ونبكيه طول الليل حتى بدا الفجر
ولما غسلناه وتمَّ جهازه / وأُودع تابوتاً يجلله ستر
رفعناه بالأيدي وفوق خدودنا / وفوق تراقينا مدامعنا نثر
مشى من صنوف الناس إذ ذاك خلفه / بكاةً ألوفٌ ليس يحصيهم الحصر
ولما وصلنا الأعظمية ضحوة / دفناه في قبر أتم له الحفر
نظرت بإمعان إلى قعر قبره / إذا عرضه شبران بعدهما فتر
وأبنا إلى بغداد والناس ألسن / تكرّر أوصافاً له كلها غرُّ
وقمنا بمرسوم العزاء لأجلهِ / ثلاثة أيام بها يقرأ الذكر
فجاء إلينا الناس من كل وجهة / يعزوننا في قولهم لكم الصبر
ويتلون الروح التي أمس قد نأت / فواتح يهدى في تلاوتها الأجر
أيأمرني بالصبر قوم على الأسى / وقد أهلكت أهل الليالي وهم كثر
وقد غالت الإخوان إلا أقلهم / كأنهمُ ما ساعدوني ولا سروا
دهتهم فرادى واحداً بعد واحدٍ / كأن الليالي عند أهلي لها وتر
أرى الموت وثاباً عَلَى كل موسر / وكل فقير فات مجهوده اليسر
فقد نزع المثرين من عقرِ مالهم / كأنهمُ من قبل ذلك لم يثروا
وغال أناساً مدقعين فلم يكن / ثقيلاً وإن الموت يحمده الفقر
فيا موت زر أهل التعاسة إنه / عظيم لدى من زرت منهم لك الشكر
لنا من حياة في تضاعيفها الأذى / طريق إلى الراحات مسلكه وعر
نم بعيداً في خلوة الأجداثِ
نم بعيداً في خلوة الأجداثِ / من رغاء الخطوب والأحداثِ
نم بها واترك النزاع مثاراً / من جراء الأموال للوراث
أَنتَ في القبر غير منزعج من / صخب فوقه ومن هثهاث
قد تشبثت حينما كنت حياً / بحبال من المنى أنكاث
عابراً عرض البحر وَالبحر عجا / ج بأَمواجه عَلى الأرماث
من لرب الآمال قال غروراً / إن تلك الحبال غير رثاث
عَلى كل عود صاحب وَخَليلُ
عَلى كل عود صاحب وَخَليلُ / وَفي كل بيتٍ رنةٌ وَعويلُ
وَفي كل عين عبرة مهراقة / وَفي كل قلب حسرة وَغَليل
علاها وَما غير الفتوَّة سُلَّمٌ / شباب تسامى للعلى وَكهول
كأَنَّ وجوه القوم فوقَ جذوعهم / نجوم سماء في الصباح أُفول
كأَنَّ الجذوع القائمات منابر / علت خطباء عودَهنَّ تَقول
لَقَد ركبوا كور المَطايا يحثّهم / إلى الموت من وادي الحَياة رَحيل
أَجالوا بهاتيك المشانق نظرةً / يَلوح عليها اليأس حين تَجول
وَبالناس إذ حفوا بهم يخفرونهم / وقوفاً وَفي أَيدي الوقوف نصول
يرومون أن يلقوا عدولاً فينطقوا / وَهيهات ما في الحاضرين عدول
دنوا فرقوها واحداً بعد واحد / وَقالوا وَجيزاً لَيسَ فيه فضول
فمن سابقٍ كيلا يقال محاذرٌ / وَمستعجلٍ كيلا يقال كسول
وَلِلَّه ما كانو يحسون من أَذى / إذ الأرض تنأى تحتهم وَتَزول
وإذ قربوا منها وإذ صعدوا بها / وإذ مس هاتيك الرقاب حبول
وَما هي إلا رجفة تعتري الفتى / مفاجأةً وَالرأس منه يميل
مشوا في سَبيل الحق يحدوهم الرَدى / وَللحق بين الصالحين سَبيل
سَتَبكي عَلى تلك الوجوه منازل / وَتَبكي ربوع للعلى وَطلول
وأعظم بخطب فيه للمجد شقوة / وَفي جسد العلياء منه نحول
سرت روحهم تطوي السماء لربها / وَما غير ضوء الفرقدين دَليل
وَلِلَّه عيدان من الليل أَثمرت / رجالاً عليهم هيبة وَقبول
وَيالَك من رزء حمدت له البكا / وَقبحت فيه الصبر وَهوَ جَميل
قبور كأَنَّ القوم إذ رقدوا بها / عباديد سفر بالتلاع نزول
هوت أمهم ماذا بهم يوم صُلّبوا / عَلى غير ذنب كي يُقال ذحول
سوى أنهم قد طالبوا لبلادهم / بأمر إليهم فخره سيؤول
وَنادوا بإصلاح يَكون إلى العلى / وَللنجح وَالعمران فيه وصول
فَما رد عنهم بالشفاعة عصبةٌ / وَلا ذبَّ عنهم بالسلاح قَبيل
وَلا نفع السيف الصَقيل حديده / مضاء وَلا الرمح الطَويل عسول
لعمرك لَيسَ الأمر ذنباً أَصابه / قصاص وَلكن يعرب وَمغول
أَناخوا المَطايا حين أدرك لَيلها / بمأسدة فيها الحماة قَليل
وإني عَلى ما بي من الحر وَالصدى / لأنظر ماءً ما إِليه سَبيل
أفكر في الماضي فيأتي خياله / جَميلاً أَمام العين ثم يَزول
وإن بُكائي اليوم لَو نفع البكا / عليهم وَفي مستقبلي سَيَطول
أَبعد بني قومي أنهنه عبرتي / وأَمنعها إني اذا لَبَخيل
أَقبُّرة الحقل اغنمي الوقت واصفري / فَما بعد أَيام تمر حقول
يبرّحني أن الصروح تقوضت / وَيُحزنني أَنَّ القصور طلول
فَلَيتَ الَّذين اِستَحسَنوا الأمر فكروا / فكان عَن الرأي السَخيف عدول
قَد اسود لَيل الظلم حتى كأَنَّه / ستار عَلى الأرض الفضاء سَديل
وَيا لَك من لَيل يَروع كأَنَّما / بكل مَكان منه يرقب غول
وَقَد قر حتى قلت قد جمد الدُجى / وَخلت بياض الصبح لَيسَ يَسيل
وَعَسعَسَ يَرتاع الكرى من ظلامه / وَطالَ وَليل الخائفين يَطول
إذ الوطن المأسور ينهض قائماً / فتقعد أَغلال به وَكبول
مَضى ما مَضى لا عادَ وَاليَوم فاِستمع / إلى لهجة التاريخ كيفَ يَقول
ستكتب فيه بالدماء حوادِث / وَتُقرأ لِلوَيلات فيه فصول
وَيَذهَبُ هَذا الجيل نضو شقائه / وَيأَتي سعيداً بالسَلامة جيل