القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الملك الأَمجَد الكل
المجموع : 139
صباه الهوى ما أحوجَ الخِلْوَ أن يصبو
صباه الهوى ما أحوجَ الخِلْوَ أن يصبو / خليٌّ مِنَ الأشجانِ ما شفَّهُ الحبُّ
أقامَ زماناً ليس يعرفُ ما الهوى / الى أن تولَّتْهُ البراقعُ والنُّقْبُ
رمتْهُ على عمدٍ فلم تُخطِ قلبَهُ / سهامُ عيونٍ راشَهنَّ له الهُدبُ
عيونُ مهاً تنبو السيوفُ مواضياً / وتلكَ العيونُ البابليةُ لا تنبو
ولم تبدَّى السربُ قلتُ لصاحبي / لأمرٍ تبدَّى في مراتِعه السَّربُ
فلم يُستَتمَّ إلا وقد غدا / فؤادي بحكمِ الوجدِ وهو له نهبُ
الى اللهِ أشكو مِن غرامٍ إذا خبتْ / لوافحُ نيرانِ الغَضا فهو لا يخبو
ومِن جيرةٍ بانوا فأصبحتُ بعدَهمْ / مقيماً بجسمٍ ليس يَصحَبُه قلبُ
ومِن مقلةٍ لم يَفْنَ فائضُ غَربِها / على الدارِ إلا فاضَ مِن بعدِه غَربُ
اِذا انهلَّ في تلكَ المرابعِ دمعُها / تضاءلَ شؤبوبٌ به العارضُ السَّكْبُ
تَحدَّرَ في بالي الرسومِ كأنَّه / عقيبَ نوى سكانِها لؤلؤٌ رطبُ
أسا البعدُ في حقي بغيرِ جنايةٍ / غداةَ النوى أضعافَ ما أحسنَ القربُ
فلّلهِ قلبي كم يُجَنُّ جنونُه / بليلاهُ في تلكَ الديارِ وكم يصبو
وكم يشتكي جدَّ الفراقِ وعندها / بأنَّ النوى والهجرَ مِن مثلِها لِعبُ
ومُضْنَى هوًى يشتاقُ قوماً ترحَّلوا / وسارتْ بهم عنه الغريريَّةُ الصُّهْبُ
بكى بسحابِ الدمعِ حتى تعجبتْ / على الدارِ مِن تَهمالِ أدمعِه السُّحْبُ
وسافَ ترابَ الربعِ شوقاً كأنَّما / تبدَّلَ مسكاً بعدَهمْ ذلكَ التربُ
وعاينَ هاتيكَ الديارَ خوالياً / فما شاقَهُ النادي ولا المنزلُ الرحبُ
وأصبحَ فيها بعدما بانَ أهلُها / وأدمعُه فيهنَّ وهي له شُرْبُ
فماذا أرادوا بالفراقِ وبالنوى / لقد كان يكفي منهمُ الصونُ والُحجْبُ
لهم منَّيَ العُتبى على كلَّ حالةٍ / ولي منهمُ في كلَّ حالاتيَ العَتبُ
ويُلزمُني العَذّالُ ذنباً وليس لي / كما زعموا جُرْمٌ بُعَدُّ ولا ذَنْبُ
فيا ليت شعري هل أرى الدارَ بعدما / تناءوا بهمْ تدنو ويلتئمُ الشَّعبُ
ويُدني مزاري منهمُ كلُّ بازلٍ / سواءٌ عليه القربُ والمرتمى السَّهبُ
اِذا ما تبارى والرياحُ إلى مدًى / كبتْ لَغَباً في اِثرِه وهو ولا يكبو
يَغُذُّ برحلي منه في كلَّ مهمٍه / وبي عند حاجاتي إلى مثلِه هَضْبُ
ويسري وتسري الريحُ حسرى وراءَهُ / إلى حيث لم تَبلُغْ مجالهَهُ النُّجْبُ
ويَرْجِعُ ذاكَ البعدُ قرباً وتنثني / به سَجْسَجاً عندي زعازعُه النُّكْبُ
ومما شجاني في الغصونِ ابنُ أيكةٍ / تميلُ به مِن طيبِ تغريدِه القضبُ
ينوحُ ووجهُ الصبحُ قد لاحَ مشرقاً / يقولُ لنوّامِ الدُّجى ويحكُمْ هبّوا
فلم أرَ مثلي في الغرامِ ومثلَه / خليلَيْ وفاءٍ بَزَّ صبرَيهما الحبُّ
غرامٌ إذا ما قلتُ هانَ رأيتُه / وقد بانَ أهلوهِ له مركبٌ صعبُ
وبرقٌ بدا والليلُ ملقٍ جِرانَه / يلوحُ على بعدٍ كما اختُرِطَ العَضبُ
سَهِرْتُ لجرّاهُ إلى أن تمايلتْ / الى الغربِ مِن أقصى مشارِقها الشُّهبُ
أُنظَّمُ شعراً كالِغرِنْدِ كلامُه / شَرودٌ ولا تِيهٌ لديهِ ولا عُجبُ
فسائرُ أشعارِ الخلائقِ جملةً / لِحاءٌ وهذا الشعرُ مِن دونِها لُبُّ
يغنَّي به الساري فَيَسْتَعْبذب الهوى / ويستبعد المرمى فيحدو به الركبُ
تَعطَّرَ مِن دياركمُ النسيمُ
تَعطَّرَ مِن دياركمُ النسيمُ / وهبَّ فكِدْتُ مِن شوقٍ اهيمُ
وطالَ زمانُ نايكمُ فقلنا / لربعكمُ متى هذا القدومُ
أُعلَّلُ باقترابِ الدارِ قلباً / يُعذَّبُه فراقكمُ الأليمُ
اِذا عاتبتُه فيكم عصاني / وأين مرامُه مما أرومُ
أُريدُ سُلُوَّهُ عنكمُ وفيه / غرامٌ حَرُّ لوعتِه غريمُ
يطالبُني بكم فيزيدُ شوقاً / ودونكمُ تبالَةُ والغميمُ
وفرسانٍ إذا اشتبكَ العوالي / وكلَّحَ خوفَ مِتَها اللئيمُ
رأيتَهمُ وقد نَفَروا خِفافاً / وما شُدَّتْ مِن العَجَلِ الكُلُومُ
مِنَ القومِ الذين نمتْ وطابتْ / مغارسُ أصلِهمْ وزكا ألأُرومُ
بناةُ المجدِ في شرقٍ وغربٍ / يَدُلُّ عليهمُ خُلْقٌ كريمُ
لقد رَزُنوا على النظراءِ حِلماً / واِنْ خفَّتْ بغيرهمُ الحلومُ
ولمّا ثوَّبَ الداعي لحربٍ / وقد كَرَبتْ على ساقٍ تقومُ
تمطَّتْ في أعنَّتِها اليها / عتاقُ الخيلِ يَجرحُها الشكيمُ
فما حَمِيَ الجِلادُ بهم إلى أنْ / رأيتَ القومَ في عَلَقٍ تعومُ
وكم مِن قائلٍ لمّا رآني / ولي دمعٌ على سرَّي نمومُ
تَغَيَّرَ عهدُ مَنْ تهوى سريعاً / وكنتُ تظنُّه مِما يدومُ
اِذا ظلمَ الذي قد كنتَ ترجو / عواطفَ عدلِه فلِمَنْ تلومُ
لقد طُبِعَ الزمانُ على خلافٍ / وأهلُوه فحالُهمُ ذميمُ
صحيحُ الودَّ بينهمُ إذا ما / بلوتَهمُ لتَخْبُرَهمْ سقيمُ
وروضٍ بتُّ فيه حليفَ راحٍ / وقد مالتْ إلى الغربِ النجومُ
أُروَّحُ بالمُدامةِ فيه قلباً / غَلَبنَ على مسرَّتهِ الهمومُ
أرقُّ مِنَ النسيمِ إذا تمشَّى / عليلاً في جوانبهِ النسيمُ
كأنَّ حَبابَها في الكأْسِ وهناً / على وَجَناتِها درٌّ نظيمُ
يكادُ يطيرُ مِن فرحٍ إذا ما / أُديرتْ في زجاجتِها النَّديمُ
على روضٍ جِمامُ الماءِ فيه / يسيحُ فيرتوي منه الجَميمُ
غدا النُّوّارُ مبتسماً أنيقاً / غداةَ بكتْ على الروضِ الغيومُ
وربعِ هوًى سقاه مِن دموعي / هزيمٌ باتَ يَتبعُه هزيمُ
وقفتُ على معالمهِ ونِضْوي / طليحٌ قد أضرَّ به الرسيمُ
فجدَّدتِ الشجونَ لنا بليلي / وجيرتِها المرابعُ والرسومُ
فلا زمنٌ نَلَذُّ به ابتهاجاً / وقد بانتْ ولا عيشٌ حليمُ
فمَنْ للهائمِ الولهانِ يوماً / اِذا ما عادَهُ الوجدُ القديمُ
وطالَ عليه والتَّذكارُ يذكي / ضِرامَ غليلِه الليلُ البهيمُ
ولاحَ البرقُ مِن أعلامِ رضوى / فأمسى لا ينامُ ولا يُنيمُ
فمِنْ كَبِدٍ مضرَّمةٍ وعينٍ / تبيتُ لكلَّ لامعةٍ تَشيمُ
ومِن نظمٍ أُنضَّدُهُ ونثرٍ / سَقتْهُ خلاصةَ الأدبِ العلومُ
سأنشرُ منه ما قد ماتَ دهراً / ويَشكرُني له عَظْمٌ رميمُ
ويُسعِدُني على المختارِ منه / اِذا حبَّرتُه فكرٌ سليمُ
له النسبُ المؤثَّلُ في البوادي / ومِن أبياتِ مفخرِها الصميمُ
فأشعارُ الأنامِ له عبيدٌ / بحكمِ الفضلِ وهو لها زعيمُ
ما الدمعُ بعدَ نوى الأحبَّةِ عارُ
ما الدمعُ بعدَ نوى الأحبَّةِ عارُ / فاِلامَ صبرُكَ والمطيُّ تثارُ
هل بعدَ تَرحالِ المطيَّ عنِ الحِمى / صبرٌ على ألَمِ النوى وقرارُ
كلُّ الخطوبِ على الفراقِ عُلالةٌ / فدعِ الدموعَ تفيضُ وهي غِزارُ
لا تَمنعَنْ حَذَرَ الوشاةِ أتيتَّها / فُهِمَ الغرامُ وذاعتِ الأسرارُ
قفْ بي على الأطلالِ أَندُبُ ما عَفا / منهنَّ وهي مِنَ الأنيسِ قِفارُ
دِمَنٌ أنارَ الوصلُ في أرجائها / ونَوارُ إلا عن هوايَ نَوارُ
تلكَ الديارُ فلا عدا أطلالَها / مِن سُحْبِ جفني دِمةٌ وقِطارُ
ما زلتُ في عرصاتهنَّ بأهلِها / جَذِلَ الفؤادِ وللسرورِ ديارُ
ربعٌ بلغتُ به نهاياتِ المنى / والقومُ لي قبلَ الرحيلِ جِوارُ
أيامَ كنتُ مِنَ الشبيبةِ رافلاً / في فضلِ بُردٍ ما أراه يعارُ
بُردٍ عليه من الشبابِ طَلاوةٌ / ذهبتْ برونقِ حسنهِ الأعصارُ
حتى بدا وَضَحُ المشيبِ فلم يَرُقَ / في العيشِ منه سكينةٌ ووَقارُ
ولربَّ روضٍ بتُّ مشغوفاً به / في جانبيهِ شقائقٌ وبَهارُ
رقمتْ يدُ الأنوارِ وشيَ بساطِه / فغدا به يَتبرجُ النُّوّارُ
وسرى النسيمُ على ثراهُ معطَّراً / فكأنَّما في تربهِ عطّارُ
صدحَ الحمامُ على غصونِ أراكهِ / سحراً وجاوبهنَّ فيه هَزارُ
نكَّبتُ عنه وقد ترحَّحَ سُحرةً / أهلُوه عن تلكَ الرياضِ فساروا
وعزفتُ عنه وفي الفؤادِ لبينهم / عنهم وعنّي جاحِمٌ وشَرارُ
والنومُ مذ رحلَ الخليطُ عنِ الحِمى / ونأى الحبائبُ بعدهنَّ غِرارُ
وأما وأيامٍ بهنَّ قصيرةٍ / ذهبتْ ففي قلبي لهنَّ أُوارُ
أيامِ وصلٍ كلُّهنَّ أصائلٌ / وزمانِ لهوٍ كلُّهُ أسمارُ
لا ملتُ عن سننِ المحبَّةِ بعدما / قد شابَ فيها لِمَّةٌ وعِذارُ
يا صاحبيَّ شكايةٌ مِن وامقٍ / أفناهُ من بعدِ النوى التَّذْكارُ
لم أنسَ قولَكُما غداةَ مُحَجَّرٍ / والعيسُ قد شُدَّتْ لها الأكوارُ
لكَ في المنازلِ كلَّ يومٍ مقلةٌ / عبرى وقد شطَّتْ بهنَّ الدارُ
وهوًى يُثيرُ لكَ الغرامَ ونارُه / بين الربوعِ العذلُ والآثارُ
وهلِ الهوى إلا فؤادٌ خافقٌ / حذرَ الفراقِ ومدمعٌ مدرارُ
وحنينُ مسلوبِ القرارِ يكادُ مشن / مرَّ النسيمِ على الحبيبِ يَغارُ
ولكم سمعتُ الوجدَ يُنشِدُ أهلَه / لو كان يُغني في الغرامِ حذارُ
أمّا الغرامُ ففي ليالي هجرِه / طولٌ وأيامُ الوصالِ قصارُ
وكذاكَ صبحُ الشيبِ ليلٌ مثلما / ليلُ الشبيبةِ في العيونِ نهارُ
ذهبَ الشبابُ ولا أراه يزورُني / بعدَ الذَّهابِ ولا أراه يُزارُ
زمنٌ عليه مِنَ الشبيبةِ رونقٌ / وقفتْ أمامَ رُوائِه الأبصارُ
مَنْ لي بِرَيَّقِ عصرِه وزمانِه / واليه مِن دونِ العصورِ يشارُ
فله إذا ظُلَمُ الصدودِ تكاثفتْ فيها / واِن كره العذولُ منارُ
ولخمرِ شِعري في العقولِ تسرُّعٌ / ما نالَ أيسرَ ما يَنالُ عقارُ
شعرٌ إذا ما أنشدُوه كأنَّما / كأسُ المُدامةِ في لنديَّ تدارُ
فالشَّعرُ ما بين البريَّةِ معصمٌ / وعليه من هذا القريضِ سِوارُ
شَجَرٌ ليَ الفينانُ مِن أغصانِه / وله المعاني الناصعاتُ ثمارُ
مِن كلَّ قافيةٍ بعيدٍ أن يُرى / يومَ الرَّهانِ لشأوهنَّ غبارُ
فيها يُنالُ مِنَ الثوابِ عظائمٌ / وبها يُقالُ مِنَ الذنوبِ عثارُ
جمحتْ على الخُطّابِ فهي عزوفةٌ / وبها اِباءٌ عنهمُ ونِفارُ
ولها الخَيارُ ولا خَيارَ لغيرِها / في كلَّ ما تهوى وما تختارُ
فنشيدُها طربُ الحُداةِ وذكرُها / للَّيلِ يقطعُهُ بها السُّمارُ
قفْ بي على منزلٍ بالربعِ قد دَثَرا
قفْ بي على منزلٍ بالربعِ قد دَثَرا / أبدى الزمانُ لنا في طيَّهِ عِبَرا
أين الأحبَّةُ قد كانت وجوهُهمُ / حسناً تُخَجَّلُ فيه الشمسَ والقمرا
وقفتُ فيه فلم ألمحْ لهم أثراً / بين الطلولِ ولم أسمعْ لهم خَبَرا
أحبَّةٌ كان مستوراً حديثُهمُ / حتى تطاولَ عمرُ البينِ فاشتهرا
لولاهمُ ما نهاني الوجدُ مقتدراً / عما يحاولهُ منّي ولا امَرا
أجَّجتُ نارَ غرامي في ملاعبهِ / بفائضِ الدمعِ في الأطلالِ فاستقرا
وأَخْجَلَتْ سُحُبُ الجفانِ هاطلةً / سُحْباً حملنَ لسُقيا تُربهِ المطرا
يا ربعُ قد كنتَ لي قبلَ النوى وطناً / بلغتُ فيكَ على رغمِ العِدى وَطَرا
أشكو إليكَ نوًى باتتْ تُؤرّقُني / وكنتُ مِن قبلِها لا أعرفُ السَّهَرا
ما لي ومالكَ قد جدَّدتُ لي شَجَناً / بالراحلينَ وقد أحدثتَ لي ذِكّرا
عُلالةً أشكتي ما بي إلى طللٍ / مثلي عليه دليلُ الشوقِ قد ظهرا
نهنهتُ دمعي وخاطبتُ الديارَ أسًى / حتى إذا لم يُجبني رسمُهنَّ جرى
ونحتُ في جنباتِ الربعِ مِن وَلَهٍ / شوقاً فكدتُ به أستنطقُ الحجرا
وهبَّ معتلُّ أنفاسِ النسيمِ على / تلكَ الرياضِ بليلاً نشرُه عَطِرا
منازلٌ طابَ نفّاحُ النسيمِ بها / وطابَ سكانُها قِدْماً فطِبنَ ثرى
تلكَ الديارُ سقاها الدمعُ مُنبجِساً / شؤبوبُه دائمَ التسكابِ منهمرا
وبارقٍ ما روتْ ليلاً شرارتُه / اِلاّ وقابلَ مِن وجدي بكم شررا
ضاءَ الظلامَ وقد كانتْ ذوائبُه / في الأفقِ عاقدةً مِن شَعرِه طُرَرا
فما خَبا البرقُ إلا مِن زِنادِ هوًى / ما بين جنبَّي أبدى نُورَه وورى
وزارني طيفُ مَن أهوى زيارتَه / حتى إذا ما رآني ساهراً نَفَرا
سرى اليَّ ودونَ الملتقى قَذَفٌ / في الليلِ يركبُ من أهوالِه الخَطَرا
عجبتُ كيف سرى والليلُ مُنْسَدِلٌ / جِلبابُه نحوَ عينٍ ما تذوقُ كَرَى
فلستُ أدرى وقد شابتْ مفارقُه / أضوءُ برقٍ بدا أم وجهُه بَدَرا
وقائلٍ ودموعي بعدَ فرقتهِ / في الخدَّ تُخْجِلُ مِن تَسكابِها النهرا
ما بالُ دمعكَ ما ينفكُّ منسفحاً / اِمّا على مربعٍ أو ظاعنٍ هَجَرا
تُبدي بتَذكارِ أيامٍ به سَلَفَتْ / اِن غابَ عن منتدى الأوطانِ أو حضرا
وما يفيدُكَ مِن بعدِ الفراقِ اِذا اتخذتَ / ذكرَ ليالي المنحنى سَمَرا
وهل تردُّ لكَ الذكرى زمانَ هوًى / قد كنتَ تَحمَدُ فيه الوِردَ والصَّدَرا
فقلتُ لي راحةٌ في الدمعِ أسفحُه / اِذا مُنِعْتُ إلى أهلِ الحِمى النظرا
وفي الربوعِ إذا خاطبتُ أرسمَها / بالشَّعرِ وانحلَّ خيطُ الدمعِ فانتثرا
ووشَّحتْ كلماتي كلَّ ناحيةٍ / منها فصارتْ على لَبّاتِها دُرَرا
شِعرٌ له نفثاتُ السحرِ خالصةً / مِن دونِ شعرِ أُناسٍ قلَّما سَحَرا
له إذا أنشدوه في مجالسهمْ / عَرْفٌ يُخَجَّلُ في ناديهمُ القُطُرا
فلستُ أخشى عليه أن يُمَلَّ اِذا / فاه الرواةُ به أن قلَّ أو كَثُرا
أعيدوا حديثَ الظاعنينَ على سمعي
أعيدوا حديثَ الظاعنينَ على سمعي / اِذا شئتمُ مِن دونِ أهلِ الورى نفعي
واِلاّ فخلُّوني وما شاءَ هُ الهوى / فما ضاقَ يوماً عن معاناتِه ذَرْعي
وخلُّوا المطيَّ الهوجَ تبتدرُ الفلا / فاِنْ ظمئتْ فيها المطايا فها دمعي
مدامع قد أضحت على كل حادث / موزعة حتى على العيس والربع
واِنْ لمعَ البرقُ الحِجازيُّ شاقني / تألقُّهُ ما بين خَبْتٍ إلى جَمْعِ
تألَّقَ خفّاقَ الوميضِ كانَّه / فؤادي وقد سارَ الأحبَّةُ عن سَلْعِ
فأجرى وأذكى جاحمَ الشوقِ لمعُه / دموعي وما بين الجوانحِ مِن لَذْعِ
فللّهِ ايماضُ البروقِ كأنَّها / قواضبُ شيمتْ تحت ليلٍ مِنَ النقعِ
ومشمّا شجاني في الظلامِ ابنُ دوحةٍ / يُغَنَّي مِنَ الباناتِ شوقاً على فرعِ
فهمتُ بتسجيعِ الحمامةِ سُحرةً / وكلُّ أخي وجدٍ يَحِنُّ إلى السجعِ
وأحسستُ مِن ذاكَ التغرُّدِ في الحشا / لذكرِ الحمى لَسْعاً أشدَّ مِن اللَّسعِ
فمَنْ لي به والعيسُ في الآلِ ترتمي / بنا نحوَهُ ما بين خفضٍ إلى رفعِ
وتلكَ المطايا الخُوصُ في غَمَراتِه / مِن الضُّمرِ كلٌّ في العَساقيلِ كالنَّسْعِ
تؤمُّ بنا ماءَ العُذَيبِ وأهلَهُ / اِذا عاقَها الشوقُ المطاعُ عن الجِزعِ
فيا حارِ هل عاينتَ ناراً على الحمى / بدتْ لكَ وهناً أم رأيتَ سنا لمعِ
وهل نفحتْ عن منحنى البانِ نفحةٌ / ففزتَ بما فيها للمياءَ مَنْ رَدْعِ
فعينايَ في شُغْلٍ بفائضِ دمعِها / وقد نَثَرَتْهُ مِن فُرادى ومِن شَفْعِ
ومِن عجبٍ أنَّي اُريدُ عليهما / معيناً ومَن بُعدي على العينِ والدمعِ
ومَنْ ذا الذي مِن بعدِ جيرانِ حاجرٍ / يحاولُ صدَّي أو يَعِنَّ له منعي
وغيرُ عجيبٍ أن جَزِعتْ وقد سرتْ / حمولُهمُ تأتمُّ نجداً ولا بِدْعِ
بلاداً بها جادَ الزمانُ بقربِهمْ / عليَّ ولم يجنحْ إلى البُخْلِ والمَنْعِ
لئن سارَ مَنْ أهوى وسارتْ برحلهِ / مُضبَّرةُ المتنينِ مَوّارةُ الضَّبْعِ
لارتحلنَّ العيسَ بُدْناً توامِكاً / اِذا كان شملُ الوصلِ آلَ إلى صَدْعِ
وأتركُنها وهي التوامكُ سُهَّماً / تروحُ على أينٍ وتغدو على ظَلْعِ
الى أن يعودَ الشملُ بعدَ انصداعِه / وبعدَ فراقِ الظاعنينَ إلى جَمْعِ
وأُنشِدُ أشعاراً براهنَّ فاغتدتْ / كما أشتهيهِ جودةُ الفكرِ والطبعِ
قريضاً له في كلَّ عقلٍ خديعةٌ / ومُعجِبُه ما كان ضرباً مِنَ الخضدْعِ
قلائدُ أشعارٍ أُنضَّدُ دُرَّها / اِذا نضَّدَ الأقوامُ شِعراً مِنَ الوَدْعِ
نظيمٌ غدتْ ألفاظُه وهي نُصَّعٌ / مُبرأةٌ مما يَشينُ مِنَ القَرْعِ
يقولُ رجالٌ يسمعونَ بديعَهُ / لعمرُكَ ما في الطوقِ هذا ولا الوَسْعِ
لها في نفوسِ الناسِ وقعٌ إذا غدا / قريضُ أناسٍ وهو مُسْتَضْعَفُ الوَقْعِ
تمنَّى فكنتُمْ جُلَّ ما يتمناهُ
تمنَّى فكنتُمْ جُلَّ ما يتمناهُ / أخو وَلَهٍ مضنى الفؤادِ مُعنّاهُ
دعا لُبَّهُ داعي الغرامِ ودونكمْ / مفاوزُ تَعني الناجياتِ فلبّاهُ
مشوقٌ إذا ما الليلُ جُنَّ ظلامهُ / تضاعفَ فيه بالأحبَّةِ بلواهُ
دعاهُ اليهم قائدُ الشوقِ عَنْوَةً / ودونهمُ رملُ العُذَيبِ ومَرْماهُ
موامٍ تَكِلُّ النُّجبُ في جنباتِها / وخَرْقٌ يهولُ الأرحبيَّةَ مسراهُ
وهَجْلٌ إذا ما قلتُ للعيسِ هذه / أواخرُه كانتْ مِن البعدِ أُولاهُ
يحاذرُه الخِرَّيتُ مِن بعدِ خرقهِ / اِذا ما طمى لُجُّ السَّرابِ ويخشاهُ
كأنَّ عتاقَ النُّجبِ فيه سفائنٌ / وموّارَ آذيَّ العساقيلِ أمواهُ
أحبَّتَنا بِنتمْ فلي بعد بينكمْ / فؤادٌ أَجَدَّ الوجدُ لي فيه ذِكراهُ
نأيتمْ فلي قلبٌ شديدٌ خُفُوقُه / وبِنتمْ فلي طرفٌ جفا النومَ جفناهُ
أُسائلُ عنكمْ كلَّ ربعٍ رأيتُه / لكم مُقْفِراً قد أنهجَ الدهرُ مغناهُ
وأبكي بجفنٍ مِن أليمِ نواكمُ / قريحٍ ألحَّ الدمعُ فيه فادماهُ
تُجدَّدُ لي ربّاهُ كلُّ صبابةٍ / وتُذْكِرُني عهداً تقادمَ رؤياهُ
وتُسعِدُني عينايَ فيه بدمعِها / فيا ويحَ مَنْ أمسى وعيناهُ عوناهُ
لقد قلَّ أنصارُ الذي قد غدتْ له / على البينِ عوناً في المحبَّةِ عيناهُ
وأرخصَ في يومِ التفرُّقِ دمعَهُ / بحكمِ النوى والهجرِ ما كانَ أغلاهُ
وأبدى عليه مِن سرائرِ حبَّهِ / بما فاضَ منه كلُّ ما كانَ أخفاهُ
حنيناً على بعدِ الديارِ وقربِها / الى جيرةٍ بالمنحنى يتقاضاهُ
وشوقاً إلى أهلِ العقيقِ كثيرُه / يذودُ الكرى عن مقلتيِه وأدناهُ
أمِنْ بعدِ ما شابَ في الوجدِ فَودُهُ / وأبلى الشبابَ الغضَّ فيهم وأفناهُ
تناءوا وأمسى قانعاً بسلامِهم / على النأي أو طيفٍ إذا نامَ يغشاه
وما كانَ في ظنَّ المحبَّ بأنَّه / تخيبُ أمانيهِ ويُخفِقُ مسعاهُ
وقد كانَ لا يرضى على قربِ دارِهمْ / بما كانَ يرجوه وما يتوخّاهُ
ولمّا نأى ذاكَ الفريقُ عنِ الحِمى / وسارتْ تؤمُّ المازِمَيْنِ مطاياهُ
وسارَ غزالٌ كانَ يَهدي مع الصبَّا / اِذا منعوه مِن وصالي تحاياهُ
وأصبحَ قلبي وهو في الحبَّ مُوثَقٌ / يروحُ ويغدو وهو مِن بعضِ أسراهُ
سَمَحتُ بدمعي والسحابُ بدمعهِ / ضنينٌ على الربعِ المُحيلِ فرّواهُ
وأجريتُ دمعاً في الطلولِ مورَّداً / غزيرَ الحيا لا يبلغُ القطرُ شرواهُ
وقلتُ لقلبي طالَ عهدُكَ باللَّوى / فأين لياليهِ ومَنْ كنتَ تهواهُ
وقلتُ لِمَنْ قد كانَ يَعذِلُني على / غرامي به دعْ عنكَ ما لستُ أرضاهُ
فما لجَّ بالمشتاقِ في مذهبِ الهوى / على ما أراه العَذْلُ إلا وأغراهُ
وما كنتُ قبلَ البينِ والشمل جامعٌ / أرى العيشَ مخضرَّ الجنابِ بلقياهُ
حميداً إذا ما ربعُه عادَ مُكِثباً / شهيّاً إذا لم تفقدِ العينُ مرآهُ
فما كانَ أصفى ذلكَ العيشَ برهةً / وقد غابَ واشيه وما كانَ أسناهُ
وليلةَ وافاني على غيرِ موعدٍ / يجوبُ الدجى لا أصغرَ اللهُ ممشاهُ
وباتَ وذاكَ الحسنُ يجلوه طائعاً / على ناظري في الليلِ نورُ محيّاهُ
فبتُّ ولي ضوءانِ ضوءُ جبينهِ / على غرَّةِ الواشي وضوءُ ثناياهُ
أُعاطيهِ كأساً مِن مُدامٍ كأنَّما / عصارةُ خدَّيهِ الذي يتعاطاهُ
مُدامٌ إذا راقتْ ورقَّتْ حسبتَها / جنى ظَلْمِه مقطوبةً وسجاياهُ
وحيّاً بها صبّاً أماتَ سرورَهُ / تطاولُ أيامِ البعادِ فأحياهُ
وروَّحَ قلباً طالَ بالبينِ هَمُّهُ / وصبّاً به طولُ التفرُّقِ أضناهُ
ومضنًى يُراعي النيَّراتِ لأجلِه / غراماً فهلاّ في المحبَّةِ يرعاهُ
وما كانَ يدري ما الفراقُ ولا الهوى / ولا مؤلماتُ الصدَّ والبينِ لولاهُ
وما الروضُ سقّاهُ الغمامُ بمائهِ / فطرَّزهُ دمعُ السحابُ ووشّاهُ
تأرَّجَ طيباً عندما هبَّتِ الصبَّا / على جانبيهِ نَوْرُه وخُزماهُ
وأطلعَ فيه الزهرَ أخلافُ دَرَّهِ / كشعري إذا ما دبَّجَ الفكرُ معناهُ
يصوغُ له اللفظَ الصحيحَ فيغتدي / جلياً على الفَهمِ السقيمِ مُعمّاهُ
له نشواتٌ في العقولِ كأنَّما / أُديرتْ على الأذهانِ منه حُميّاهُ
ويلعبُ بالألبابِ سِحْرُ كلامِه / متى أوردتْهُ في المحافلِ أفواهُ
قريضٌ إذا فصَّلتُ جوهرَ لفظهِ / وبينَّتُ معناهُ وأحكمتُ مبناهُ
دنا جيدُ هذا الدهرِ منه وطالما / غدا عاطلاً مِن قبلِ شعري فحلاّهُ
أبثُّكَ ما بي أم كفاكَ نحولي
أبثُّكَ ما بي أم كفاكَ نحولي / ففيه على وجدي أتَمُّ دليلِ
يُخبَّرُ عما في الضمائرِ صادقاً / بغيرِ كلامٍ لا يُفيدُ طويلِ
ومذ نَمَّ فرطُ السُّقمِ عنه بحالهِ / تَرَفَّعَ عن واشٍ به وعذولِ
فيا أهلَ ودَّي كيفَ حلَّلتمُ النوى / أمِنْ خوفِ مالٍ في الغرامِ وقيلِ
مللتُمْ هوًى ما أن مللتُ عذابَهُ / على أن ما في الغيدِ غيرُ ملولِ
وخلَّفتموني في الديارِ وبنتمُ / بطرفٍ على بالي الديارِ هَمولِ
وتندو دموعي والدموعُ بواعثٌ / دواعي الأسى مِن زفرةٍ وعويلِ
وألفى شجاعُ البينِ منّي تجلداً / بصبرٍ على حكمِ الغرامِ ذليلِ
فما حيلتي ما في الأحبَّةِ راحمٌ / ولا في رجالِ الوجدِ غيرُ جهولِ
وكم لهم في كلَّ ربعٍ ومنزلٍ / حليفَيْ هوًى مِن قاتلٍ وقتيلِ
ولمّا جَزَعنا الجِزعَ قلتُ لناقتي / الى دارِ ليلى بالأجارعِ ميلي
تُراحَيْ مِن الاراقلِ في كلَّ مهمهٍ / وهَجْلٍ إلى سكانِها وذميلِ
مِنَ الهوجِ لم تغلْ واِنْ كظَّها السُّرى / الى كلَّ حيًّ نازحٍ وقبيلِ
اِذا هالَها الاِدلاجُ والخرقُ لم تُرَعْ / واِنْ سمعتْ للموتِ كلَّ أليلِ
تَغُذُّ بذي وجدٍ براهُ على النوى / نوازعُ شوقٍ في الفؤادِ دخيلِ
فمَنْ لأخِ الوجدِ العليلِ على النوى / بقربِ مزارٍ أو بِبَلَّ غليلِ
معنًّى بأغصانِ القدودِ رشيقةً / كبانِ الحِمى في دِقَّةٍ وذبولِ
يُرنَّحُها سكرُ الصَّبا فيُميلُها / دلالاً على العلاّتِ كلَّ مَمِيلِ
ولمّا وقفنا للوَداعِ اِشارةً / بطرفٍ مِنَ السَّجفِ الخفيَّ كحيلِ
وقد عنَّ مِن سربِ الغواني ربابٌ / سنحنَ لنا في مَرْبَعٍ ومَقيلِ
وقفتُ فلم أملِكْ بوادرَ عبرةٍ / تَسُحُّ على ربعٍ لهنَّ مَحيلِ
وما الدمعُ إلا للفراقِ فيها بأهلِها / وعهدَ الصَّبا في بُكْرَةٍ وأصيلِ
اِذا بَعُدَ الأحبابُ عنّي ولم أجدْ / رسولاً اليهمْ فالنسيمُ رسولي
أسائلُ عنهمْ كلَّ ريحٍ تنسَّمتْ / عليَّ ضُحًى مِن شمأَلٍ وقَبُولِ
فيا حبذا ذاكَ الزمانُ الذي مضى / حميداً باِلْفٍ يُرتضى وخليلِ
زماناً تقضَّى ما رأيناهُ سامنا / على ولَعٍ في الدهرِ غيرَ جميلِ
صَحِبْنا به تلكَ الغواني أوانساً / الى ظِلَّ عيشٍ للشبابِ ظليلِ
سأمدحُ ذيّاكَ الزمانَ بمِقْولٍ / يُريكَ لسانَ الشعرِ غيرَ كليلِ
بمدحٍ إذا فاهَ الرواةُ به غداً / قليلٌ مديحي وهو غيرُ قليلِ
على أن أهلَ الشَّعرِ امْسَوا وأصبحوا / كثيراً وما في الأكثرينَ عديلي
أشدُّ الهوى ما يمنعُ العينَ أن تكرى
أشدُّ الهوى ما يمنعُ العينَ أن تكرى / ويملأُ سمعَ المرءِ عن عذلِه وقرا
ويُضحي ونارُ الشوقِ بين ضلوعِه / تُؤججُها الشكوى وتُضرِمُها الذكرى
ويوسِعُه الوجدُ الذي في فؤادِه / لأهلِ الحمى نهياً على البينِ أو أمرا
ويُمسي حليفَ الشوقِ ذا جسدٍ له / بحكمِ الهوى بالٍ وذا مقلةٍ عبرى
غريبَ هوًى سقّى الديارَ بأدمعٍ / جَرَتْ في عِراصِ الربعِ هامعةً تترى
بكى جَزَعاً لمّا رأى الربعَ بعدهمْ / مِنَ الجيرةِ الغادينَ مُستوحِشاً قَفْرا
اِذا هطُلتْ فيه سحابةُ دمعهِ / وأنفدَها التَّذكارُ أعقبَها أُخرى
أحبَّتنا هل ذلكَ العهدُ باللَّوى / يعودُ كما قد كنتُ أعهدُه دهرا
وهل تلكمُ الأيامُ تَرجِعُ بعدَما / حشا كبدي تذكارُ أوقاتِها جمرا
لئن مَنَّ هذا الدهرُ بالقربِ بعدَما / تناءيتمُ عنّي سأُوسِعُه شكرا
وأقبلُ منه العُذْرَ في كلَّ حادثٍ / يجيءُ به حتى أُفهَّمُهُ العُذْرا
تكلَفُني الأيامُ صبراً عليكمُ / وهيهاتَ لا أسطيعُ بعدكمُ صبرا
وأسألُ عنكم كلَّ برقٍ على الحمى / يلوحُ فيبدي لمعُه عَذَباً حُمرا
عقدتُ به أهدابَ جفني وطَلَّقَتْ / لأجلكمُ عينايَ تهويمَها النَّزْرا
أُهَيْلَ الحِمى قد ضقتُ ذرعاً ببينكمْ / فهل مِن دنوًّ منكم يشرحُ الصَّدْرا
فلا تَصْرِفوا وجهَ المودَّةِ بعدما رأينا / زماناً في أساريرِه البشرا
ولا تُتبِعُوه بعدَ طيبِ حديثكمْ / حديثاً أرى في ضمنِه نظراً شَزْرا
وخيرُ خِلالِ المرءِ وجهٌ مُسَهَّلٌ / وخُلْقٌ رضيٌّ يَمْلِكُ الرجلَ الحُرّا
فأُقسمُ مذ بانَ الخليطُ عنِ الحِمى / تبدَّلتُ حلوَ العيشِ من بعدِه مُرّا
فما بالُ طيفِ العامريَّةِ هاجري / وقد كانَ قبلَ اليومِ لا يعرفُ الهجرا
أمِنها تُراهُ عُلَّمَ الغدرَ آنفاً / وقد مرَّ دهرٌ وهو لا يعرفُ الغدرا
لئن زارني والشامُ داري ودارُه / بنجدٍ ومرماها لقد أبعدَ المسرى
فلا كان قلبي كيف يصبرُ بعدما / تناءتْ وسارَ الواخداتُ بها عَشْرا
منعَّمةٌ حوراءُ يفضحُ وجهُها / بلألائهِ الشمسَ المنيرةَ والبدرا
لقد كنتُ ألقى منه في كلَّ ساعةٍ / ومِن بشرِه في وجهِ آماليَ البُشرى
وأرشفُ ظلمَ الثغرِ عذباً مُجاجُه / بنفسيَ أفدي ذلكَ الظلمَ والثغرا
فمَنْ للفتى الولهانِ أن لم يفزْ بهِ / على ظمأٍ منه وللكبدِ الحرّى
وما روضةٌ قد فوَّفَ القطرُ نبتَها / فأطرى لسانُ الحالِ عن نَورِها القَطْرا
وفاحَ نسيمٌ في الرياضِ كأنَّما / تَحمَّلَ وهناً من لطائمها عِطرا
ونوّعتِ الأزهارُ أرجاءَ دوحِها / اِذا ما مضى نشرٌ شممنا لها نشرا
كشعري إذا نضَّدتُ جوهرَ لفظِه / ونظَّمتُ منه في عقودِ العُلى دُرّا
وسائطُ لفظٍ لو تنضَّدَ دُرُّهُ / على عُنُقِ الجَوزاءِ أكسبَها فخرا
وما النجمُ أنأى منه بعداً ومطلباً / اِذا رامَهُ الجهّالُ يوماً ولا أسرى
له في بلادِ اللهِ أوسعُ مَرْكَضٍ / اِذا طائرُ الأشعارِ ألزمَها الوَكْرا
بي مِن جوى التبريحِ اشِفاقُ
بي مِن جوى التبريحِ اشِفاقُ / فهل لدائي منه اِفراقُ
ولي فؤادٌ مِن حذارِ النوى / ورحلةِ الأحبابِ خَفّاقُ
ومقلةٌ جادتْ بأمواهِها / على الطلولِ الخُرْسِ آماقُ
لا نومُها عادَ ولا طيفُهمْ / بعدَ النوى والبينِ طرّاقُ
منازلٌ مذ بانَ سكّانُها / عاودَني هَمٌّ واِيراقُ
ذِكْرٌ ووجدٌ بهما تلتظي / أضالِعٌ تَفْنَى وأشواقُ
وأربعٌ يشقى بها مغرمٌ / تُقلِقُه الذكرى ومشتاقُ
ووقفةٌ فيها واِنْ أرمضتْ / بِسُّمِ يومِ البينِ درياقُ
ما أنسَ لا أنسَ وقد ثوَّرَ ال / حادونَ عن نجدٍ وقد ساقوا
وراعني لا راعني بعدها / للبين اِرعادٌ واِبراقَ
واندفعتْ كلُّ بجاويَّةٍ / اِعمالُها نصٌّ واِعناقُ
وكلُّ وخادٍ رمينا بهِ / غُبرَ الموامي فهو سبّاقُ
له وراءَ القومِ أن غلَّلُوا / في البيدِ اِشآمٌ واِعراقُ
فهل يُرجَّى لفؤادي وقد / سارَ مع الأظعانِ اِطلاقُ
ظعائنٌ قامَ لأشواقِنا / بعد تنائيهنَّ أسواقُ
وأنفسُ العُشّاقِ بعدَ النوى / قد بقيتْ منهنَّ أَرْماقُ
ذاقوا مِنَ الوجدِ وأسبابِه / بعدَ نوى الجيرةِ ما ذاقوا
حواجبُ الغيدِ قِسيٌّ لها / في الحُسنِ قبلَ اليومِ اِغراقُ
كم فتكتْ يوُماً بعُشّاقِها / منهنَّ أهابٌ وأحداقُ
والحبُّ داءٌ راحَ مِن قبلِنا / عليه أحبابٌ وعُشّاقُ
أحبَّةٌ قد كان ناديهمُ / له بنورِ القومِ اِشراقُ
فوابلُ الدمع وقد أزمعوا / عن الحمى في الدارِ غَيداقُ
هم نقضوا عهدي ومَنْ ذا الذي / ما خانَهُ عهدٌ وميثاقُ
وما حماماتٌ بوادي الغَضا / مِن لحنها يَخْجَلُ اسحاقُ
لنوحِها في كبدي كلَّما / ناحتْ على الأغصانِ اِحراقُ
كأنَّها فيها قيانٌ غدتْ / يستُرها منهنَّ أوراقُ
يوماً كَنَوحي عندما كظَّني / مِن ألمِ التبريحِ اِرهاقُ
ولا سحيقُ المسكِ قد حبَّه / في الحيَّ عطارٌ وسحّاقُ
ينفحُ بالطيبِ فيستافُه / مِن نسماتِ الريحِ نشّاقُ
يوماً كأشعاري وقد عُطَّرَتْ / منهنَّ أمصارٌ وآفاقُ
لنظمهِ في طبقاتِ النُّهى / يدٌ وفي الاِعرابِ اِعراقُ
حُيَّيتِ مِن دِمَنٍ ومِن أطلالٍ
حُيَّيتِ مِن دِمَنٍ ومِن أطلالٍ / ومنازلٍ بالرقمتينِ بوالِ
أجَّجنَ بين أضالِعي نارَ الهوى / بمرابعٍ مِن أهلهنَّ خوالِ
فسقى معاهدَها عهادُ مدامعٍ / يغشى الطلولَ بوبلهِ الهطّالِ
يهمي إذا بخلَ السحابُ على الثرى / بسحابةٍ وطفاءَ ذاتِ عزالي
يروي ديارَ الغانياتِ مُلِثُّهُ / وكِناسَ كلَّ غزالةٍ وغزالِ
فيهنَّ مِن عَصْبِ الملاحةِ عصبةٌ / برعوا جمالاً فوقَ كلَّ جمالِ
مِن كلَّ حوراءِ اللحاظِ جفونُها / ترمي فؤادَ محبَها بنبالِ
وقَوامِ ساجي الطرفِ يهزأُ قدُّه / مِن لينهِ بالأسمرِ العَسّالِ
رشقوا فؤادي يومَ رامةَ فانثنى / عنهم بوجدٍ ما ألمَّ ببالي
ولربَّ ليلٍ قد فَرَيتُ أديمَهُ / مِن فوقِ كلَّ نجيبةٍ مِحلالِ
حرّانَ احتثُّ النياقُ سواهماً / في البيدِ بينَ دَكادِكٍ ورِمالِ
أضحتْ تُراعُ مِن السَّياطِ كأنَّما / تلكَ السياطُ قواتلُ الأصلالِ
من كلَّ جائلةِ الوَضينِ أذابَها / الاِعمالُ بينَ النصَّ والاِرقالِ
فتخالُها مثلَ السفائنِ في الضحى / تعلو وترسبُ في بحارِ الآلِ
طمعاً بعودِ الظاعنينَ وعودِ ما / قد ماتَ من قربٍ وطيبِ وصالِ
فلقد حُرِمتُ ببعدِ جيرانِ النقا / نوماً أُواصلَ فيه طيفَ خيالِ
ومِن العجائبِ أن أُعلَّلَ بعدما / بانَ الأحبَّةُ عنهمُ بمحالِ
وأُروَّحَ القلبَ الذي لم ينسَهمْ / بعدَ النوى بكواذبِ الآمالِ
هيهاتَ أن يُسليهِ بعدَ رحيلهمْ / طولُ المدى وتنقُّلُ الأحوالِ
فلَكَمْ سكبتْ على المنازلِ أدمعاً / أرخصتُهنَّ ن وكنَّ قبلُ غوالي
وأذلتُ دمعي في عراصِ ربوعِها / سَحّاً ولم يكُ قبلَهُ بِمُذالِ
وسألتُها عن أهلهنَّ وما الذي أجدى / وقد رحلَ الخليطُ سؤالي
في كلَّ يومٍ لا أزالُ مروَّعاً / بغناءِ حادٍ أو بِزَمَّ جِمالِ
ولهانَ أقلقُ للحمامِ إذا شدا / مِن فوقِ البانةِ الميّالِ
ولبارقٍ ما لاحَ في غَسَقِ الدُّجى / اِلاّ أَرِقْتُ لومضهِ المتعالي
ما لي وما للامعاتِ أَشيمُها / سَفَهاً وما للهاتفاتِ ومالي
يُضْرِمْنَ في قلبي لواعجَ جمرِه / قلبي لها بعدَ التفرُّقِِ صالِ
ما هبَّ معتلُّ النسيمِ عنِ الحِمى / اِلاّ فَزِعتُ إلى صَباً وشَمالِ
وسألتُ نفّاحَ النسيمِ لأنَّهُ / يَدري بِكُنْهِ قضيَّتي وبحالي
عن جيرة لم تخل فكرة خاطري / من ذكر أيام لهم وليال
يا حارِ قد غَدَتِ الديارُ عواطلاً / منهمْ وقد كانت وهنَّ حوالِ
أُرْدُدْ عليَّ الظاعنينَ وخلَّني / وهواهمُ وملامةَ العُذّالِ
ودعِ القريضَ لقائليهِ سوى الذي / يأتيكَ مثلَ الدرَّ مِن أغزالي
فلقد ظَفِرتُ مِن النظيمِ ببحرهِ ال / طامي وغيري منه بالأوشالِ
مِن كلَّ قافيةٍ ترى في طيَّها / ما شئتَ مِن حِكَمٍ ومِن أمثالِ
وعلى جزالتِها وجودةِ سكبِها / لم تمشِ يوماً مِسيةَ المختالِ
ولها المعاني الباهراتُ يَزينُها / لفظٌ كما نَضَّدْتَ سِمْطَ لآلي
شِعرٌ هو السَّحرُ الحلالُ وغيرُه / شِعرٌ إذا ما جاءَ غيرُ حلالِ
سِيّانِ اِكثاري إذا ألفَّتُه / يَحكي النجومَ الزُّهْرَ أو اِقلالي
فالفضلُ تعرفهُ وتعرفُ أهلَه / بأقلَّ شيءٍ مِن بديعِ مقالِ
شكايةُ الصبَّ إلى الأربُعِ
شكايةُ الصبَّ إلى الأربُعِ / ضلالةٌ في الوجدِ لم تنفعِ
وكيف يشكو فَعِلاتِ الهوى / فيهنَّ والأطلالُ لم تسمعِ
فهل لذاكَ الوصلِ مِن عودةٍ / أم هل لماضي العيش من مَرجِعِ
أم هل لمَنْ روَّعني صوتُه / بالصبحِ والاِصباحُ لم يَطلُعِ
أذانهُ شَتَّتَ شملَ الهوى / ليت المنادي بالنوى قد نُعي
مِن غفلةٍ عنه واِلاّ فيا / ليت أذانَ الصبحِ لم يُسمَعِ
فأيُّ دمعٍ لم يَفِضْ حُرْقَةً / وأيُّ قلبٍ منه لم يُصْدَعِ
يا دارُ سقّاكِ مُلِثُّ الحيا / مِن دِيمةٍ وطفاءَ لم تُقلِعِ
كأنَّها في الدارِ بعدَ النوى / وبعدَ جيرانِ النقا أدمعي
للهِ مِن نارِ هوًى بعدّهمْ / تُحنى على زفرتِها أضلعي
ومِن مقامٍ قمتُ فيه على / حُكْمِ وَدَاعٍ لهمُ مُفظِعِ
ومِن نوًى قد بَسَطَتْ شقَّةً / طالتْ على أينقنا الظلَّعِ
وليلةٍ قلتُ وقد أطنبتْ / عاذلتي في عذلِها
الموجِعِ /
لومي على فرطِ غرامي بهم / اِنْ شئتِ يا لائمتي أو دعي
فلستُ بالقابلِ عذلاً وهل / يقبلُه منكِ فتًى لا يعي
هذا فؤادٌ بعدَهمْ خافقٌ / ومقلةٌ للبينِ لم تَهجَعِ
ومغرمٍ قالَ لأيامِه / بعدَ النوى ما شئتِ بي فاصنعي
فليس لي مِن راحةٍ بعدَهمْ / كلاّ ولا في العيشِ مِن مطمعِ
يقلقُني البرقُ إذا ما بدا / كالسيفِ مسلولاً على لَعْلَعِ
فَيَنْفِرُ النومُ لأيماضِه / ويَصدِفُ العاني عنِ المضجعِ
ويطَّبيهِ فوقَ بانِ الحِمى / نوحُ حمامٍ بالغَضا سُجَّعِ
يَنُحْنَ في الأيكِ فيُبدي أسًى / مِن نوحِها سرُّ الهوى المودَعِ
ويذكرُ العهدَ فيخشى على / أعشارِ قلبٍ بهمُ مولَعِ
مالي وللآثارِ ابكي على / رسومِ أطلالهمُ البلقعِ
وأُنشدُ الأشعارَ في أربُعٍ / للشوقِ أسقيهنَّ بالأربَعِ
شعراً غدا كالماءِ مِن رقَّةٍ / بغيرِه الغُلَّةُ لم تَنقَعِ
أنظِمُ منه كلَّ سيارةٍ / تُنشَدُ في نادٍ وفي مجمعِ
اِذا حدا الحادي بها نجبَهُ / طوتْ شِقاقَ البيدِ بالأذرعِ
بحملِها وهي على أينها / دامية الأخفاف والأنسع
جوهرُ لفظٍ قد أشارَ النهى / اليه في النضيدِ بالاصبَعِ
فأيُّ لفظٍ فيه لا يُشتهى / وأيُّ فضلِ فيه لم يُجمَعُ
لكم مِن فؤادي شاهدٌ ليس يكذبُ
لكم مِن فؤادي شاهدٌ ليس يكذبُ / ومِن دمعِ عيني صامتٌ وهو مُعرِبُ
ولي من شهودِ الحبَّ خدٌّ مُخَدَّدٌ / وقلبٌ على نارِ الغرامِ يُقَلَّبُ
ولي بالرسومِ الخُرسِ مِن بعدِ أهلِها / غرامٌ عليه ما أزالُ أؤنَّبُ
واِنْ عنَّ ذكرُ الراحلينَ عنِ الحِمى / وقفتُ فلا أدري إلى أين أذهبُ
فربعٌ أُناجيهِ وقد ظلَّ خالياً / ودمعٌ أُعانيهِ وقد بات يُسكَبُ
وصبرٌ / وقد بانوا تباعدَ للنوى
ووجدٌ وقد ساروا الى الصبَّ يَقرُبُ /
يُروَعُه لمعُ البروقِ وتارةً / يبيتُ بتغريدِ الحمامِ يُعذَّبُ
ودمعٌ على الخدَّينِ يَهمي سحابُه / اِذا ما انبرتْ الحمائمُ تَندُبُ
ويَشغَفُها بانُ الحمى وظِلالُه / فتُوفي على فرعٍ مِن البانِ تَخطُبُ
فللّهِ مِن نارٍ لا يعرفُ الغمضَ جفنُها / اِذا ما بدا مِن أوّلِ الليلِ كوكبُ
تبيتُ تُراعيه ودونَ لقائها / بمَنْ بانَ عن نعمانَ عنقاءُ مُغرِبُ
فجسمي وقد بانوا الى الحيَّ راجعٌ / وقلبي مع الأحبابِ في الركب يَجنُبُ
وقد كان مِن مُرَّ التجنَّي مروَّعاً / فكيف إذا ما عادَ وهو تَجنُّبُ
وما أنا في وجدي بأوَّلِ واثقٍ / تبدَّى له برقٌ مِنَ الوعدِ خُلَّبُ
ولا حائرٍ في عرصةِ الربع واقفٍ / يُحيَّيهِ في شرعِ المطامعِ أشعبُ
يسائلُ عن هندٍ فلمّا ترحّلتْ / أقامَ فحيَّتْهُ على الدارِ زينبُ
لها مِن غزالِ الرملِ حُسْنُ التفاتهِ / اِذا ضَلَّ عنه في الأجارِعِ رَبْرَبُ
ويَسلبُه سحرُ العيونِ اصطبارَهُ / ويَخلُبُه لفظٌ مِنَ الماءِ أعذبُ
ويَصْدِفُها شَعرٌ بفَودَيهِ أشيبٌ / ويَشغَفُه ثغرٌ للمياءَ أشنبُ
ولم أنسَها يومَ الوَداعِ وقد بدا / لتوديعنا ذاكَ البنانُ المخضَّبُ
فلا راحةٌ إلا وقد سارَ أُنْسُها / ولا صبرَ إلا وهو بالهجرِ يُغلَبُ
ومَنْ يُعتِبُ المشتاقُ والنأيُ خصمُه / ومَنْ ذا الذي يوماً على البينِ يَعتِبُ
وأُلزِمتُ ذنباً في الهوى ما اقترفتُهُ / وما كنتُ لولا الدمعُ في الحبَّ أُذنِبُ
حنينٌ إذا جَدَّ الرَّحيلُ رأيتُه / بنفسيَ في اِثرِ الظعائنِ يًلْغُبُ
شوقٌ إلى أهلِ الديارِ يحثُّه / غرامٌ إلى العذريَّ يُعزى ويُنسَبُ
وما مزنةٌ أرختْ على الدارِ وبلَها / ففي كلَّ أرضٍ جدولٌ منه يَثْعَبُ
اِذا ما ارجحنَّتْ في الهواءِ وأرزمتْ / تدلَّى لها فوقَ الخمائلِ هَيدَبُ
واِنْ نضبتْ ممّا تًسُحُّ سحابةٌ / ألحَّتْ عليها دِيمةٌ ليس تَنضُبُ
بأغزرَ مِن دمعي وقد أُخفرَ السُّرى / وأمستْ نياقُ الظاعنينَ تُغرَّبُ
ولا بنتُ دوحٍ في الحدائقِ أصبحت / تنوحُ على بانِ الحِمى وتُطَرَّبُ
لها في أفانينِ الغصونِ ترنُّمٌ / يكادُ بما عندَ الحمامةِ يُعرِبُ
بأطيبَ مِن شعرٍ أُنضَّدُ لفظَهُ / على حَسْبِ ما أختارُه وأُرتَّبُ
قريضٌ غدتْ منه القصائدُ شرَّداً / تُشرَّقُ ما بينَ الورى وتُغَرَّبُ
قصائدُ لو أنَّي تقدَّمتُ أوّلاً / بهنَّ لأطراها نِزارٌ ويَعرُبُ
ولو أنَّها في عصرِ قومٍ تقدَّموا / لكانتْ بأفواهِ البريَّةِ تُخْطَبُ
واِنْ رامَها غيري وحدَّثَ نفسَهُ / ضلالاً بما فيها مِن الفضلِ يَتعَبُ
فهنَّ لأربابِ المنائحِ مفخرٌ / وهنَّ لأربابِ المدائحِ مكسبُ
ويختارُها عقلُ الأريبِ قينثني / اليها ويُمسي عن سواها يُنكَّبُ
وما فاحَ عرفُ المسكِ إلا وجدتَهُ / يُحدَّثُ أن العرفَ منهنَّ أطيبُ
أضرَّ بعيني دمعُها وانسكابُهُ
أضرَّ بعيني دمعُها وانسكابُهُ / على طللٍ أعيا عليَّ جوابُهُ
أخاطبُه بعدَ الأنيسِ وما الذي / يُفيدُ وقد سارَ الفريقُ خطابُهُ
عُلالةُ مشغوفٍ يزيدُ غليلَهُ / ضِرامُ الهوى بعد النوى والتهابُهُ
متى كَظَّهُ مِن جاحمِ الشوقِ زفرةٌ / أعدَّتْ تؤمُّ المازِمَيْنِ ركابُهُ
نجائبُ ما هابتْ مِنَ الخَرْقِ بُعْدَهُ / ولا غرَّها مِن بعدِ ظِمءٍ سرابُهُ
يسائلُ هل عادَ الخليطُ إلى الحمى / وقد طالَ تطلاباً لليلى اغترابُهُ
واِنْ لمعتْ مِن جانبِ الغَورِ لمعةٌ / بكاها بدمعٍ لا يَجِفُّ سحابُهُ
يطولُ على بالي الديارِ بكاؤهُ / ويعلو على خالي الربوعِ انتحابُهُ
بكاءُ مشوقٍ بانَ عنه قرينُهُ / كما بانَ عنه قبلَ ذاكَ شبابُهُ
فيا ليت شعري هل يعودُ زمانُه / كما راعَ قلبي حين طارَ غرابُهُ
وهيهاتَ لا يُرْجَى وقد بانَ عودُهُ / ومَنْ لي به لو كان يُرْجَى اِيابُهُ
اِذا صدَّ مَنْ تهواه من غيرِ علَّةٍ / وأصبحَ فيه لا يُفيدُ عتابُهُ
وزادَ على مُرَّ التجني وأمسيا / يزيدان قبحاً صَدُّه واجتنابُهُ
فسيّانِ بَعْدَ الهجرِ عندي وبعدما / يصدُّ زوراراً بُعْدُهُ واقترابُهُ
أحبَّتنَا رفقاً بصبًّ نقضتمُ / عُرى عهدِه ظلماً فزادَ اكتئابُهُ
وأصبحَ مغلوبَ التجلُّدِ كلَّما / بدتْ مِن أعالي الأبرقَيْنِ هضابُهُ
يَحِنُّ إلى مَنْ حلَّ في جنباتهِ / ويهوى الذي أمستْ تَجِنُّ قِبابُهُ
ويَسلُبهُ ظبيُ العقيقِ سُهادَهُ / ويُسكِرُه مِن غيرِ خَمْرٍ رُضابُهُ
ويُعجِبُهُ مَرُّ النسيم إذا سرى / اليه بعَرْفٍ أَكْسَبَتْهُ ثيابُهُ
ويُذكِرُه طيفُ الخيالِ ازديارَهٌ / اِذا نابَ عن طيبِ الوصالِ كتابُهُ
واِنْ لاحَ مِن أرضِ اليمامةِ بارقٌ / وطالَ على متنِ السحابِ انتصابُهُ
وأومضَ كالسيفِ الصقيلِ مجرداً / وفارقَهُ مِن بعدِ لأي قِرابُهُ
سَقَيْتُ بدمعي ماحِلَ الربعِ فانثنى / على سُحُبِ الأجفانِ يُثني تُرابُهُ
وضاقتْ بهامي الدمعِ منه طلولُهُ / وغُصَّتْ بباديَّ الدموعِ رحابُهُ
وقلتُ له لا تَحْفَلَنَّ بباخلٍ / مِنَ القَطْرِ لا يَهمي عليكَ ربابُهُ
ففي هذه الأجفانِ بحرٌ إذا وَنَتْ / عليكِ عِشارُ السُّحبِ جاشَ عُبابُهُ
وفي هذه الأشعارِ شعرٌ منقَّعٌ / يَعِزُّ على أهلِ القريضِ طِلابُهُ
كشعري الذي أضحى إلى العَرَبِ الأولى / ويكفيهِ مِن دونِ القريضِ انتسابُهُ
يضوعُ إذا أنشدتُه في محافلٍ / مِنَ الناسِ بينَ الخافقينِ مَلابُهُ
واِنْ غابَ عن أفكارِ قومٍ صحيحةٍ / غدا والى فكري الصحيحِ انتسابُهُ
ويَفْعَلُ في العقلِ الصحيحِ سماعُه / مِن السُّكرِ فِعلاً لم ينلْهُ شرابُهُ
اِذا ما أخذتُ الطِرسَ والقلمَ الذي / يسيرُ بهذي السائراتِ لعابُهُ
فأيُّ نظيمٍ ما أُحمَّرُ وجهَهُ / وأيُّ عليمٍ في الزمانِ أهابُهُ
دعوتُ بماءٍ في اِناءٍ فجاءني
دعوتُ بماءٍ في اِناءٍ فجاءني / غلامٌ بها صرفاً فأوسعتُه زَجْرا
فقالَ هو الماءُ القَراحُ واِنَّما / تجلَّى لها خدَّي فأوهمكَ الخَمْرا
طوبى لقيَّمنا أحنى على قمرٍ
طوبى لقيَّمنا أحنى على قمرٍ / يجلو براحتهِ عن وجههِ الكَلَفا
أو درَّةٍ كمنتْ في خِدرِها فغدا / يفضُّ باللطفِ عن أنوارِها الصَّدَفا
مَنْ لي بأهيفَ قالَ حين عَتبتُه
مَنْ لي بأهيفَ قالَ حين عَتبتُه / في قطعِ كلَّ قضيبِ بانٍ رائقِ
تحكي شمائلَهُ الرشاءُ إذا انثنى / ريّانَ بينَ جداولٍ وحدائقِ
سرقتْ غصونُ البانِ لينَ شمائلي / فقطعتُها والقطعُ حدُّ السارقِ
قولوا لجيرانِ العقيقِ والنقا
قولوا لجيرانِ العقيقِ والنقا / حتامَ يُهدونَ الينا القَلقَا
يا ساكني قلبي عسى مبشَّرٌ / يُخبرني متى يكون الملتقى
ما لبقائي بعدَ بعدَ بُعدي عنكمُ / معنًى فاِنْ لقيتكم طابَ البقا
أشقانيَ الدهرُ فاِنْ أسعدني / بجمع شملي بكم زال الشقا
أهواكم وأنقي وقلما / بجمعِ ما بينَ الغرامِ والتقى
حبكمُ سفينةٌ ركبتُها / مأمونةٌ فكيف أخشى الغرقا
حاشا لِمَنْ أصبحَ يرجو الوصلَ أنْ / يُمسي بنارِ هجرِكم مُحترِقا
كم يذهبُ هُذا العمرُ في الخسرانِ
كم يذهبُ هُذا العمرُ في الخسرانِ / ما أغفلني فيه وما أنساني
ضيَّعتُ زماني كلَّه في لعبٍ / يا عمرُ فهل بعدكَ عمرٌ ثاني
يا ليتهمُ عادوا إلى الأوطانِ / كي تجتمعَ الأرواحُ بالأبدانِ
كم رامَ بيَ العذولُ عنهمْ بدلاً / هذا غلطٌ عمري قصيرٌ فاني
اِنّا لتُتحِفُنا بالأُنسِ كتبكمُ
اِنّا لتُتحِفُنا بالأُنسِ كتبكمُ / واِنْ بعدتُمْ فاِنَّ الشوقَ يُدنيها
وكيف نضجرُ منها وهي مُذْهِبَةٌ / مِن وحشةِ البينِ لوعاتٍ نُعانيها
فاِنْ وصفتُمْ لنا فيها اشتياقَكُمُ / فعندنا منكمُ أضعافُ ما فيها
سلوا نسيمَ الصبَّا تُهدي تحيَّتنا / إليكمُ فهي تدري كيف نُهديها

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025