المجموع : 155
ألا عظةٌ إنَّ الزمانَ خؤونُ
ألا عظةٌ إنَّ الزمانَ خؤونُ / وإنَّ ملمَّاتِ الزمانِ فنونُ
لقد آن أن تُجلى الخطوبُ عن العمى / وتُلْفى شكوكٌ للمنى وظنون
فكم قد مَضَتْ من أُمَّةٍ إثْرَ أُمَّةٍ / وقَرْنٌ يليه بعد ذاك قرون
وقد أبصرَتْ عيني وأَصغتْ مسامعي / لو انَّ صفاةً للفؤادِ تلين
فلم أرَ إلاَّ وافداً قد تحللت / عُرى رَحْلِهِ حتَّى يُقالَ ظعين
ولا غابراً إلا على إثْرِ سالفٍ / أَوائِلُهُمْ للآخرينَ رُهون
ولا فرحاً إلا وأَعقبَ يَوْمَهُ / من الدهر نَوْحٌ دائمٌ وشجون
فَبُؤْسَى لصرفِ الدهر كم مرَّ عنده / تراثٌ لنا لا ينقضي وديون
وقد كان يُنْبي عن نصيحةِ مُشْفقٍ / علينا ولكنَّ النصيحَ ظنين
وبالأمسِ قد رُوِّعتُ ملءَ جوانحي / بنعيٍ يَسُدُّ الأفْقَ منه طنين
أتاني فلم يُمْهِلْ لأفزعَ عنده / إلى كذبٍ حتى استفاضَ يقين
ووافى كمثلِ الصبحِ عُرْيان كلَّما / تُكذِّبه عينُ البصيرِ يَبين
فيا حسرتا أن مالَ للبين والنوى / وأقفرَ من ليثِ المجالِ عرين
وصوَّحَ غصنٌ من ذرى المجدِ ناضرٌ / وأَقوى من القصرِ الرفيع مكين
فما للرُّبى لا جادها بارقُ الحيا / ترفُّ أزاهيرٌ لها وغصون
وما للجبالِ الصمِّ لم تنصدعْ أَسىً / وللزهرِ خَفْقٌ بَعْدَهُ وسكون
وما للظُّبا لم تنبُ منها مضاربٌ / وللسمرِ لم تُقْصَفْ لهنَّ متون
كذا يُكْسَفُ البدرُ المنيرُ متمماً / كذا يَعْقُبُ الصبحَ المنيرَ دُجون
كذا يُسْتَضامُ المجدُ وهو مؤثَّلٌ / كذا يُسْتَخَفُّ الطَّوْدُ وهو رصين
كذا يذهبُ الجود الحَلالُ وترتمي / نوىً بالسجايا العاطراتِ شَطونُ
كأن لم تكنْ تلك الصوارمُ والقنا / بطاعتِهِ يومَ الهياجِ تدين
كأنْ لم يكنْ للدهرِ عِلْقَ مَضِنَّةٍ / تَحَلَّى به أيامُهُ فيَزين
كأنْ لك يكنْ في رمحِهِ وسنانِهِ / منايا العدا تدنو به وتحين
أما خجلتْ من كرِّهِ وجِلادِه / فوارسُ كَفَّتْ عنه وهي صُفُون
ألم تكترثْ للمجدِ والجودِ والعلا / صوارمُ ما اهتزَّتْ بهنَّ يمين
وقد كان بالسمر الذوابلِ في الوغى / مصوناً كما صانَ العيون جفونُ
فهلاَّ وقد خاضَ المكارةَ لُجَّةً / وقاهُ من الجُرْدِ العِتاقِ صَفين
وإذ كان لا يهوى الفرار من الردى / حماهُ من المجدِ الأثيلِ مكين
وهلاَّ به ضنَّ الزمانُ فإنَّه / على أنْ يرينا مثلَهُ لضنيني
فإن يكُ قد ولَّى حميداً فإنما / له اللهُ بالذخرِ الجسيمِ ضمين
كم زورةٍ ليَ بالزوراءِ خُضْتُ بها
كم زورةٍ ليَ بالزوراءِ خُضْتُ بها / عُبابَ بحرٍ من الليلِ الدجوجيِّ
وكم طرقتُ قِبابَ الحيِّ مرتديا / بصارمٍ مثلِ عزمي هُنْدوانيه
والليلُ يسترني غربيبُ سُدْفَتِهِ / كأنني خَفَرٌ في خدِّ زنجيِّ
ما لهندٍ تكفكفُ الدمع حزناً
ما لهندٍ تكفكفُ الدمع حزناً / وشفاءُ الحزين في راحَتَيْها
صَبَغَ الدرُّ خدَّها قانياً إذ / نثرتها الشؤونُ من مقلتيها
كنتُ أسلو خيامَ نجدٍ فلما / مالتِ العيسُ بالحُدوج إليهاه
راح دمعي كدمعِ هندٍ ولكنْ / ساعةً ينهمي على وجنتيها
دع الخطِّيَّ يَثني مِعطفيه
دع الخطِّيَّ يَثني مِعطفيه / فإنَّ لأسهمي فضلاً عليهه
إذا كان العلا قَتْلَ الأعادي / ينالُ الخيرَ أَسْرَعُنا إليه
وقزازةٍ زرقاءَ رقُّ صفاؤها
وقزازةٍ زرقاءَ رقُّ صفاؤها / قد ضمَّ زهرَ الجلَّنارةِ ماؤهاه
فاعجبْ لراحٍ كاسُها من فضةٍ / ما إنْ تسيلُ وقد يسيلُ إناؤها
ومهفهفٍ غنِجٍ تَقَسَّمَتِ الظّبا
ومهفهفٍ غنِجٍ تَقَسَّمَتِ الظّبا / أَلحاظَهُ لمَّا رَنَتْ رُقَباؤهُ
فليومه زرق المهند تنتضي / ولمقلتيه حَدُّهُ ومضاؤهُ
أيا برقُ نافحْ ذكرَ ظبيٍ مهفهفٍ
أيا برقُ نافحْ ذكرَ ظبيٍ مهفهفٍ / حوى نفحاتِ المسكِ والندِّ ريَّاهُ
قسا فرماني عنْ قِسيِّ حواجبٍ / تنوبُ لها دأباً عن الرشقِ عيناه
تمنيتُ من أهوى به وهو قاتلي / وربَّ مُنىً للمرءِ فيها مناياه
وما راعني إلا تأوُّدُ عِطْفِهِ / وقد مالَ سُكراً والرضابُ حميَّاه
أَذلنا دماءً في هواه وأدمعاً / وضنَّ لنا ظُلماً بِظَلْمِ ثناياه
فما بَرِحَ الشوقُ المبرِّحُ سامياً / لأحوى حوى كلَّ المحاسنِ مرآه
فمنظرُهُ والثغرُ منه وعَرْفُهُ / وقامتُهُ والردفُ منه وخدَّاهر
لشمسِ الضحى والدرِّ والمسكِ ونفحةً / وغصنِ النقا والدعصِ والورد أَشباه
وركبٍ تَساقَوْا كؤوسَ الكرى
وركبٍ تَساقَوْا كؤوسَ الكرى / وقد طلب النومَ طولُ السرى
يؤمُّون نجداً فيا نجدُ بشرى / سيغبطُ منكَ الثريَّا الثرى
وقفتُ بواديهمُ لا أرى / كواعبَه البيضَ فيما أرى
أسائلُهُ أين أُدْمَ الصريمِ / وأَنْشُدُهُ أَيْنَ أُسْدُ الشرى
فلو كنتَ تُبصرني عنده / ذكرتَ جميلاً بوادي القرى
أحنُّ إلى دينِ اليهودِ من أجلهِ
أحنُّ إلى دينِ اليهودِ من أجلهِ / ولولا حذارُ السيفِ كنتُ يهوديَّا
ولستُ أخافُ السيفَ إلاَّ لأنني / أموتُ بأشواقي وأتركه حيَّا
سرى البرق من مثواكَ والليلُ مسودُّ
سرى البرق من مثواكَ والليلُ مسودُّ / تُشَقُّ دياجيه كما شُقِّقَ البرد
فهيّج لي شوقاً كما لفح الغَضَا / وذكَّرني عهداً كما نَفَحَ الند
تغيرتِ الأيام حتى أَحبَّني / فكلُّ خليلٍ بين أضلعه حقد
أيا مَن به أُمسي كئيباً وأغتدي / أآليت أن تُمسي إلى الغدر أو تغدو
حنانَيْكَ في نفسٍ تذوبُ ومقلةٍ / يؤرِّقُها دمعٌ ويؤلمها سُهْد
وممَّا طوى قلبي على الحزن أنني / أرى الوصلَ موروداً ومالي به وِرْدُ
وما كنت أدري أنَّ عهدَكَ حائلٌ / وأنك عن دينِ المودة مُرْتَد
إلى أن دهتني من صدودِكَ لوعةٌ / يُشَبُّ على الأحشاءِ من حرِّها وقد
ألا فاخبرنِّي عن وفائِكَ هل عفا / كما عَفَتِ الأطلالُ أم ضَمَّه لحد
فديتُك ما هذا الجفاءُ ألم يكن / يُرى بيننا نظمٌ كما نُظِمَ العقد
وكنتُ إذا الواشي مشى بنميمةٍ / تضاعفَ إمحاضاً على رغمه الود
فما بالُ ذاك العهدِ غُيِّرَ رَسْمُهُ / فلا وصلَ إلا حالَ منْ دونِهِ صدّ
رويدَكَ لا يدعى خليلك هاجراً / فأوصاله من خيفةِ البينِ تنقد
تذكَّرْ إخاءً كان بالأمس عَقْدُهُ / وثيقاً فأضحى اليوم ليس له عقد
أغدراً وقلبي ما يفارقُهُ الجوى / وخوفاً وأنَّى والحشا حَشْوُها الوجد
ألا ليت شعري والظنونُ كثيرةٌ / أَهَزْلٌ جنى هذي القطيعةَ أم جِدّ
مضى العيدُ لم أكحلْ جفوني بنظرةٍ / إليكَ فأضحى يومُهُ وهو مسودّ
وهل طمس الواشون بيني وبينكم / سبيلَ الرضى أم كان ما بيننا سدّ
أحين بكى الواشون من شَرَقٍ بنا / وأنجزني فيما رجوتُ بك الوعد
عتبتَ ولا عُتْبى وحُلْتَ فلا رضى / وغبتَ فلا لُقيا وخنت فلا عهد
أهذا جزاءُ الشوقِ إن كنتَ منصفاً / أما للهوى حقٌّ أما للنوى بُدُّ
أَجِدٌّ ولكن أنت بالشوق لاعبٌ / وما خيرُ جِدٍّ لا يساعده جَدّ
دعِ النفسَ يذهبْ عن رضاها حياتها / لئن ذهبتْ نفسي فما ذهب الودّ
عليك سلام الله ما حَنَّ أَوْرَقٌ / وما انهلَّ وسميٌّ وما سبَّح الرَّعد
غريرٌ يباري الصبحَ إشراقُ خدِّه
غريرٌ يباري الصبحَ إشراقُ خدِّه / وفي مفرقِ الظلماءِ منه نصيبُ
ترفُّ بفيهِ ضاحكاً أقحوانةٌ / ويهتزُّ في بُرْدَيْهِ منه قضيبُ
وواضحةٍ كمثلِ النصلِ تجري
وواضحةٍ كمثلِ النصلِ تجري / مع الأبصارِ كالماءِ القراحِ
ترى حُبُكَ المدادِ بجسمِ نورٍ / كمخضّرِ الفرندِ على الصِّفاحِ
كأن سوادَهُ في صفحتيها / بقايا الليلِ في وجهِ الصباحِ
وخودٍ ضمَّ مئزرُها كثيباً
وخودٍ ضمَّ مئزرُها كثيباً / يهالَ وبُرْدُها غُصْناً يراحَ
لها قُلُبٌ أبى النطقَ اكتتاماً / وسرُّ نطاقِها أبداً مباح
وقد أمرتْهما بالكتمِ لكنْ / أطاعَ سوارُها وعصى الوشاح
نَبَّهْتُهُ ونجومُ الليلِ زاهرةٌ
نَبَّهْتُهُ ونجومُ الليلِ زاهرةٌ / والفجرُ منصدعٌ والصبحُ قد لاحا
والليلُ منهزمٌ وَلَّتْ عساكرُهُ / والروضُ مبتسمٌ والزهرُ قد فاحا
فقام يمسحُ عينيه براحتهِ / فخلتُهُ في ظلامِ الليلِ مصباحا
يذكِّرني تحنانُ شدوِ غنائه
يذكِّرني تحنانُ شدوِ غنائه / على الأيكِ تحنانَ الحمامِ المغرِّدِ
له نغماتٌ أَفحمْت كلَّ صادحٍ / وصوتُ نشيدٍ قد شجا كلَّ منشد
فدعْ كلَّ ما حُدِّثتَ عن صوتِ معبدٍ / وطارحْ نشيداً عن نشيدِ ابنِ معبد
ومهفهفٍ نبتَ الشقيقُ بخده
ومهفهفٍ نبتَ الشقيقُ بخده / واهتزَّ أملودُ النَّقا في بردهِ
ماء الشبيبة والجمال أرق من / صَقْلِ الحسامِ المنتضى وفِرِنْده
يُحيى الأنامَ بلمحةٍ منْ وَصْلِهِ / مِنْ بَعْدِ ما وردوا الحمامَ بصدّه
إن كنت أهديتَ الفؤادَ له فقلْ / أيّ الجوى لجوانحي لم يُهْدِه
وسافرٍ عن قمرِ
وسافرٍ عن قمرِ / مبتسمٍ عن دُرَرِ
لو لاحَ للحورِ وقد / سلَّ حُسامَ الحَوَرِ
لقدَّ منه شَغَفَاً / قميصُه من دُبُرِ
وغزالٍ ذي اعتدالٍ شَفَّهُ
وغزالٍ ذي اعتدالٍ شَفَّهُ / بعد ما شَفَّ هواهُ الأنفسا
جارتِ الحمّى على وجنتِهِ / فاستحالَ الوردُ منهُ نَرْجِسا
ومجدِّين في السُّرى قد تعاطَوْا
ومجدِّين في السُّرى قد تعاطَوْا / غَفَوَاتِ الهوى بغيرِ كؤوس
جنحوا وانحنوا على العيسِ حتى / خلتْهم يعتبون أيدي العيس
نبذوا الغمضَ وهو حلوٌ إلى أن / وجدوه سُلافهً في الرؤوس
وروضةٍ عاطرٍ بنفسجُها
وروضةٍ عاطرٍ بنفسجُها / عطَّرها وشيُها وسندسُها
لما غَذَتْها السحابُ دِرَّتها / من فوقِ حوذانها ونرجسها
خاف عليها الغمامُ حادثةً / فسلَّ سيفَ البروق يحرسها