المجموع : 138
قُمْ وَانْثُرِ الزهْرَ عَلَى لَحْدِهِ
قُمْ وَانْثُرِ الزهْرَ عَلَى لَحْدِهِ / وَابْكِ مَضَاءَ الْعَزْمِ مِنْ بَعْدِهِ
هذا نَجيِبٌ قَدْ ثَوَى مُفْرَداً / كَأنَّهُ الصمْصَامُ في غِمْده
مَقْصَدُهُ ضاق بِهِ جِسْمُهُ / وَنفْسُهُ أَكْبَرُ مِنْ قَصْدِهِ
كانَ عِصَامِياً بَعِيدَ الْمَدَى / لا يَبْلُغُ الطرْفُ مَدَى حَدِّهِ
يعْمَلُ كالنحْلةِ لا يَنْثَني / وَكَمْ جَنَيْنَا الْحُلْوَ مِنْ شَهْدِهِ
ملَّ نَهَارُ الْقَيْظِ مِنْ كَدِّهِ / وَضَجَّ نَجْمُ الصبْحِ مِنْ سُهْدِهِ
رَأَيٌ يُريكَ اللَّيْلَ شمْس الضحى / وَهِمَّةٌ كَالنجْم في بُعْدِهِ
وَطُهْرُ نَفْسٍ إِنْ تُرِدْ وَصْفَهُ / فَانْظُرْ إلى الطلِّ عَلَى وَرْدِهِ
كانَ أَباً بَرّاً يَعافُ الكرَى / لَوْ مَرَّتِ الريحُ عَلَى وُلْدِهِ
عَلّمَهُمْ كَيْفَ يُحِبُّونَهُ / وَكَيْفَ يَبْكُونَ عَلَى فَقْدِهِ
لا بَرحَتْ ذِكْرَاهُ مِلْءَ النهَى / ولا خَلاَ مَغْنَاهُ مِنْ مَجْدِه
لَمحَ البِشْرُ باسماً بالأماني
لَمحَ البِشْرُ باسماً بالأماني / وشدا الصفوُ صادحاً بالأغاني
طَرَبٌ هزَّ كلَّ عِطْفٍ وجيدٍ / فكأنّ الوُجودَ من ألحان
إزْدَهِي مصرُ وامْلئي الكون تيهاً / بالأمير النبيل من إيران
أمةٌ مجدُها أطلَّ على الشم / س فحيّا سناءَه الفَرْقدان
قَهَرَتْ صَوْلَةَ الزمان وكانتْ / قَبَسَ النور في شبابِ الزمان
إنّ مصراً وإنّ إيرانَ في المج / د تليداً وطارفاً أَخَوان
أكبرَ ابنُ الحُسين أهرامَ مصرٍ / وشَدا البُحْتُرِيُّ بالإيوانِ
سَعِدا بالقِران في عزَّة الملْ / ك وفي ظلِّ دوْحِه الفَيْنان
فالتقَى بالرضا وبالفوز تاجا / ن وبالوُدِّ والصفا أُمتانِ
دُرّةٌ من كنوز مصرَ أضاءتْ / فوق تاج الملوك من ساسان
ونباتٌ زَكا بروض فؤادٍ / بين ظلين من ندى وحنان
إنّ عهدَ الفاروق عهدُ سُعودٍ / باسمُ الثغْرِ ناضرُ الأفنان
ملِك زانه الجلال وطافتْ / حوْله هالةٌ من الإيمان
قد سَرَى حُبُّه إلى كلِّ قلبٍ / وجرَى حمدُه بكلِّ لسان
لستِ من شأنه ولا بعضِ شانِهْ
لستِ من شأنه ولا بعضِ شانِهْ / كبح الشيْبُ والنُهى من عنانِهْ
فاذهبي ما سلا الفؤادُ ولكن / ساقه يأسُه إلى سُلوانه
وبدار الفِردوسِ من جانبوا الإث / مَ لعجز النفوسِ عن إتيانه
قد تولى الشبابُ ريحانةُ الح / بِّ فمن لي بالحبِّ أو ريحانه
آه من حَيْرةِ المشيبِ سواءٌ / هو في بَوْحِه وفي كتمانه
إن كتمناهُ قهقه الدهرُ جذلا / نَ ومدّ الخبيثُ طرفَ لسانه
أو أبحناهُ راعنا كلَّ يوْمٍ / شُرُفاتٌ يهوين من بنيانه
ورأيْنا الغِيدَ الأماليدَ حُلْماً / ضنّ بالملتقَى على وسنانه
كلُّ شيءٍ له أوانٌ يوفِّي / ه وفوْتُ الشباب قبل أوانه
كم نعمنا به زماناً فلمّا / طاح عشنا في ذكريات زمانِهْ
طائرٌ كان إن تغنَّى إلى الرو / ضِ شجا الحالياتِ من أغصانه
عسجديُّ الجناحِ ودّ العذارَى / لو خضبن البَنانَ من ألوانه
وتمنَّى الأصيلُ لو نال يوماً / لمحةَ الحسن من سنا لمعانه
أين تصفيقُه وأين مجالي / ه وأين الرخيمُ من ألحانه
جالَ في الأفْق جوْلةً ثم ولَّى / هل يعود الشادي إلى جَوْلانهْ
ومضى خافقَ الْجَناح ولم يت / رُكْ لقلبي منه سوى خفقانه
وحواه الماضي الْخِضمُّ وأبقَى / ذكرياتٍ تطفو على شُطْئانه
مرّةً نستريح شوْقاً لذِكرا / ه وحيناً نَجِدُّ في نسيانه
أنا عزمي من آل صخرٍ ورأسي / لقي الويلَ من بني شَيْبانه
ولنفسي مُنى الشبابِ وإن أد / رج وجهي الشبابَ في أغصانه
ما أُحَيْلَى الصبا فهل لمحةٌ من / هُ ومن زهْوهِ ومن ريعانه
بان بالأمس ركبُه فتطلّع / تُ أعُدُّ الطيوفَ من أظعانه
وبدا في طليعة الركب طيْفٌ / لجَّ منه الفؤَاد في تحنانهْ
هاج ذِكرَى دارِ المعارف والغص / نُ رطيبٌ والعمرُ في عنفوانِهْ
جمعتنا روْضاً جَنىً وظلالاً / تتدانى القطوفُ من أفنانه
فشدوْنا عنادلاً هزّت الده / رَ وكادت تُلهيه عن حَدثانه
وصحا الشرق ناشطاً يجبَه الدن / يا وينفي النعاسَ عن أجفانه
وكتَبنا في رْوعةٍ وبيانٍ / يُقسمُ السحرُ إنه من بيانه
من إمامٍ وشاعرٍ وأديبٍ / معجزاتُ الفنونِ طوْعُ بنانه
جمعتنا دارُ المعارف أحرا / راً فكنَّا للعلم من عُبْدانه
إنّ عُنوانَها جهابذُ مصرٍ / وجلالُ الكتابِ في عنوانهْ
مصنعٌ من ثقافةٍ وضياءٍ / كلُّ قطرٍ يعشو إلى نيرانه
يُنضج الخبزَ للعقول نقيّاً / لم يُروَّع بالبخسِ في ميزانه
كلّما دار دورةً نهض العق / لُ وألقى العتيقَ من أكفانه
طَبَعاتٌ فيها من الحسن طبعٌ / قيمةُ المرءِ في مدَى إحسانه
وإذا راعك الجمالُ لفنٍ / عبقري فاسألهُ عن فنَّانه
نجمع الدرَّ توْأماً وفريداً / ثم نأتي به إلى دَهْقانه
قُلْ كما شئت في مديح شفيقٍ / والكرام الثقاتِ من أعوانه
باعثُ الفِكر مثلهُ ناشرُ الفك / رِ له فضلُه ورفعةُ شانِهْ
أيُّ نفع للمسك في حُقّةِ المس / كِ وللمال في يَدَيْ خزّانِهْ
ينشَطُ الفكرُ بالذيوع ويزكو / وزكاء اليَنبوعِ في جريانه
يا ابن متري بلغتَ مدحي وهذا / منزلُ النجمِ أو قريبُ مكانه
صنتُ شعري عن أن يهونَ وبعضُ الش / عِر يسعى لذلِّه بهوانه
يصغرُ الفنُّ حينما تصغُر النف / سُ وينحطُّ من رفيع قِنانه
إن شعري أجرُ النبوغِ فما ب / ضَ لغير المُجيدِ في مَيْدانه
أشفيقٌ سِرْ بالشبابِ حثيثاً / أملُ الشرقِ في يَدَيْ شُبّانه
قد قرأنا في اقرأ صحائفَ أبدت / صفحاتِ الربيع في إبّانِهْ
نهضت بالشريفِ من لغة الضا / دِ وجاءت بالسحر من تبيانه
فهناءً دار المعارف لا زِلْ / تِ منارَ الحِجا ومجلَى افتتانه
لقِيَ الشرقُ في ذَراكِ ملاذاً / مُذْ بعثتِ الحياة في أوطانه
ملكت بما أوتيت ناصية النجمِ
ملكت بما أوتيت ناصية النجمِ / وحُزْت عِنانَ المجدِ والشرفِ الجمِّ
وعُدْت زعيمَ الفاتحين تقودُه / يدُ اللّهِ مِنْ غُنْمٍ لمصرَ إلى غُنْمِ
تطالعُكَ الأعلامُ نشوىَ كأنّها / بكلِّ الذي أوليْت مِصْر على عِلْمِ
خوافِقُ تنأى في السماءِ وتلتقي / كما مال رِتْمٌ في الفلاةِ إلى رتْمِ
ويُطرِبُها عالي الهتافِ فتنثني / كما رقصتْ هيفُ العذارى على غمِ
فُتنَ بألوانِ الرياض وحسنِها / فقاسَمْنَها في الحُسنِ أو جُرن في القسمِ
وكادَ سروراً ما بها من أهلّةٍ / يتيه على ابن الليل في ليلة التم
لها نشوةٌ لو أنَّ للكرمِ مثلها / لما كانَ إثْماً أنْ تساغَ ابنةُ الكرْمِ
زهاها على الرياتِ أن انتصارَها / على الدهرِ لم يُقْسَم لعُرْبٍ ولا عُجْمِ
وأن فَتَاها لم يقفْ في ثيابه / أخو نجدَةٍ في يومٍ حربٍ ولا سلمِ
حمَاهَا وأعْلاَهَا على النجْمِ سعيُه / فلله من يُعلى اللواءَ ومن يحمي
أبَى المجدُ أن يدنو بفضلِ عنانه / لغير بعيدِ الغَوْرِ والرأيِ والسهمِ
وما خضعَ النصرُ الأشمُّ لفاتحٍ / إذا لم يكُنْ من خيرة السادةِ الشُّمِ
حملنا له الأزهارَ تندَى نضارةً / وتهتز عن طيبٍ وتَفْتر عن بَسْمِ
وأنفسُ شيءٍ في الحياةِ أزاهِرٌ / يُبعثرها شعبٌ على قدمَيْ شهمِ
وجئنا بغُصنِ الغارِ تاجاً لجبهةٍ / عليها سطورٌ من إِباءٍ ومن عزْمِ
أقامَ طويلاً بالرياضِ كأنَّمَا / أُصيبتْ بناتُ المجدِ في مصرَ بالعُقْمِ
سعى الشعبُ أفواجاً إليكَ تسوقُه / نوازعُ حُب قد طَغيْن على الكتْمِ
رأينا به الأذى يهدرُ ماؤه / وجرجرةُ الأمواجِ في لُجّةِ اليم
صفوفٌ بناهَا اللّهُ في حب مُصطفى / تنزّهنَ عن صَدْعٍ وعُوفينَ من ثأمِ
بها اجتمعت كلُّ المدائنِ والقُرى / فما شئتَ من كيفٍ وما شئتَ من كَمِّ
إذا حاولَ الوهمُ المصوّرُ رسمها / على صفحةِ القُرطاسِ عزّتْ على الوهمِ
وأصواتُ صدقٍ بالدعاء تتابعت / لها كدَوِيِّ النحلِ في أذُنِ النجمِ
أصاخَ إليها الصمُّ يستمعونَها / فإن جحدُوها فالعفاء على الصمّ
تُحس أزيزَ النار في نبراتِها / وتلمحُ فيها قوّةَ العَزْمِ والجزْمِ
تكادُ تميدُ الأرضُ بالحشدِ فوقها / وتنسدُّ أرجاءُ الفضاءِ من الزحْمِ
زعمتُ بأن أطوِي لك الجمعَ سابحاً / فللهِ كَمْ لاقيتُ من ذلك الزعْمِ
أحاطت بي الأمواجُ من كُلِّ جانبٍ / أغُوص إلى لحمٍ وأطفُو على لحمِ
إذَا نالَ مني الوكْزُ ما كانَ يشتهي / خلصت إلى ما لا أحب من اللكْم
سددت عليّ الطُرْقَ لم ألْقَ مَسْلكاً / وأوسعت طُرْقَ المجدِ والحسبِ الضخمِ
تمنيتُ لو لامستُ كَفاً هي المُنَى / خواتِمُها قد صاغها الشعبُ من لَثْمِ
وشاهدتُ شهماً كلّما رمتُ رسمَهُ / تصوّرتُ أخلاق الملائكِ في الرسْمِ
وفزتُ بوجهٍ من سنَا اللّهِ ضوؤه / كريمُ المحيّا لا قطوبٍ ولا جهْمِ
إذا قدّرَ الشعبُ الرجالَ فإِنَهُ / قمينٌ بالاستقلالِ في الرأيِ والحكْمِ
دعْونَاكَ للجلّى فكنت غِياثَها / وقد عبثتْ خيلُ الحوادثِ باللّجْمِ
عليكَ من اللّهِ العزيزِ مفاضةً / من الحق لم تأبه لرمْحٍ ولا سهمِ
تصولُ على العدوان تستّلُ نابَهُ / وتصدع بالأيمانِ غاشيةَ الظلْمِ
وترفعُ صدراً كانَ حِصْناً وموئِلاً / لمصرَ فأغناهَا عن الحصْنِ والأطَمِ
رميتَ فسدّدتَ الرمَاءَ وإنَّما / هُو اللّهُ يرمي عن يمينك إذْ ترْمي
وما كل ذي سهمٍ أصابت يمينُه / ولا كل سهمٍ في إصابتهِ يُصْمِي
وجنّدتَ من آرائِكَ الغرِ جحفلاً / طلائِعُه أغَنتْ عن البيضِ والدُّهْمِ
وأرسلتَ صوْتاً في البلادِ مجلجِلاً / سمعنا به زأرَ الضراغِمِ في الأجْمِ
ففتّحت آذاناً وأيقظت أعيُناً / وصنتَ رِباطَ العنصرين من الفصْمِ
فلَمْ يرضَ جنبٌ أن ينَام على أذى / ولم يَرْضَ حَق أن ينامَ على هضْمِ
وطار بنُو مِصْرٍ لنجدةِ أمهم / سِرَاعاً فأكرِمْ بالبنين وبالأمِ
ونَالتْ بك استقلاَلَها مِصْرُ كَامِلاً / على الرغم من كيدِ الزمانِ على الرغْمِ
وحطّمتَ أغلالَ الإسارِ وقد لوتْ / يَدُ الدهرِ واستعصتْ طويلاً على الحَطْمِ
إذا عظمت نفسُ امرىء جلّ سعيُه / وجلّ فَلْم يُوصَمْ بزهْوٍ ولا عظمِ
تحدّثت الدنيا بسعدٍ ومصطفى / وهل قُرئتْ أم الكتابِ بِلاَ بسمِ
أبانَ لكَ الطرْقَ اللَّواجب للعُلا / فجلّيت فعلَ الفارسِ البطلِ القرمِ
بنيت وهدّمتَ الضلالَ مُجاهداً / فكنت كريماً في البناءِ وفي الهدْمِ
بك اهتزّت الآمالُ واخضر عودُهَا / كما اهتزّ روْضٌ جاده واكِفُ السَجْمِ
وربَّ رِجالٍ كالسحائبِ خُلّباً / تسد مصابيحَ السماءِ ولا تهمي
يرون من الحلمِ القرارَ على الأذى / وأين قرارَ الهَوْنِ من خُلقِ الحلْمِ
إذا شهوةُ الدنيا دهت عقْلَ عاقلٍ / غدَا وهو أذكى الناسِ شراً من الفدم
وإن عشقتْ روحُ الفتى راحةَ الفتى / فلا خير في روحٍ ولا خيرَ في جسْمِ
وقفتَ لنصر الحقِّ في قصر منترو / وقوف وضيء الرأيِ مجتمع الحزْم
وحولَكَ من أصحابِكَ الصيدِ فتية / خفافٌ إلى المولى شِدادٌ على الخَصْمِ
يروْنَ من الحتم الوفاء لقومِهمْ / وليست بشاشاتُ الحياةِ من الحتْم
كأنّ غبارَ النصر في لهواتِهم / جنى النحلِ أو أشهى وأطيب في الطعْمِ
لك الحججَ البيضَ الصلاَب كأنّها / نصال سهامٍ قد حززن إلى العَظْمِ
أمن جعل الضيف النزيل كواحدٍ / من الأهْلِ يُرْمَى بالجفاءِ وبالذم
فهمنا ولكن للسياسةِ منطقٌ / عزيزٌ على الأذهانِ صعبٌ على الفهْمِ
ومثلُكَ مَنْ ردّ العقُولَ لمنهجٍ / سديدٍ وأرْدَى الشك بالمنطقِ الحسْمِ
فما زلتَ حتى أدركتْ مِصرُ سؤْلَهَا / رفيعة شأوِ المجدِ موفورةَ السهْمِ
وأصبحَ حُبّاً كل ما كان من قلا / لمصرَ وغُنْماً كل ما كانَ من غُرْم
هنيئاً لَكَ الفتح المبين فإنّه / سيبقى على التاريخِ متضحَ الوسْمِ
نثرتُ له زَهْراً وأنظمتُ لؤلؤاً / فأحسنتُ في نثري وأبدعتُ في نظْمي
هزّتِ البُشْرَى جَناحَ الخافقيْنْ
هزّتِ البُشْرَى جَناحَ الخافقيْنْ / ومضتْ تخطِرُ بين المشرقيْنْ
وتهادَى النيلُ نشوانَ الهوىَ / ينثرُ الأزهارَ فوْق الشاطئينْ
كَمْ وكم للّهِ في الناسِ يَدٌ / يعجِزُ الشكرُ عليها باليدينْ
دُرّةٌ من سُؤدَدٍ لامعةٌ / ضمّها العرشُ لأغلى دُرَّتينْ
دُرّةٌ للمُلْكِ ما ماثلها / كَرَمُ التبْرِ ولا صَفْوُ اللجينْ
وشعاعٌ زاد في لأْلائِهِ / أنّه من لَمحاتِ النيِّرينْ
وشذىً من زهرةٍ ناضرةٍ / جمّلتْ في مصرَ أزهَى زهرتينْ
شرفُ الدوْحَة لاقَى شرفاً / فنما الفرعُ شريفَ المبِتَيْنْ
قرّتِ الأعْيُنُ لمَّا أنجبتْ / مصرُ للدنيا بها قرّةَ عَيْنْ
ونجا فاروقُها فاستبشرت / وصفا الدهر فكانت بُشْرَيَيْنْ
فاجتلت مصرُ مناها مرّةً / ثم عادت فاجتلتها مرَّتينْ
كم وقفنا نرتجي البُشْرَى كما / يُرْتَجَى بدرُ الدجَى في ليل غَيْنْ
واتجهنا نحو عابدين التي / أصبحتْ ثالثةً للقبلتينْ
صورةٌ للحبِّ ما أصدَقَها / ومن التصوير تزييفٌ ومَيْنْ
ومشى أجدادُها في مَوْكِبٍ / زاحم الدهرُ به بالمنكِبَينْ
مَوْكِبٌ قد خفَقَت أعلامهُ / وعلت فوقَ مَناطِ الفرقديْنْ
لم تَرَ العينُ له مثلاً ولا / خطرتْ أوصافُه في أذنينْ
يخْطِرُ التاريخُ فيه مثلَما / يخطِرُ الفارسُ بين الجحفَلَيْنْ
فيه مُحْيي مصرَ في أبنائه / زينةِ الدنيا وفخرِ المَلَوينْ
من كإسماعيلَ في آلائِهِ / أو كإبراهيم حامي الْحَرَميْنْ
جذوةُ الحربِ إذا ما اشتعلتْ / وبدا الشرُّ وأبدَى الناجذين
جمع الضادَ إلى رايته / مذ رآها أثَراً من بعدِ عَيْنْ
بدّدَت دُهْمُ الليالي شملَها / والليالي كلُّها من أبَوَيْنْ
فحباها وَحْدَةً ما عرفتْ / في الهَوى حدّاً لأقصى بلدينْ
وصلتْ رضوَى بلُبْنانَ كما / مزجت بالنيل ماءَ الرافدينْ
عجباً من آيةٍ كانتْ له / أصحتْ بابنِ فؤادٍ آيتيْنْ
ليس للعُرْبِ سواه عاهلٌ / يبهرُ الدنيا بعدلِ العُمَرينْ
زيّنتْه نشأةٌ طاهرةٌ / وهو للطهْرِ وللنشأةِ زَيْنْ
قانتٌ للّه في محرابِهِ / لم يَشُبْ آمالَه في اللّه رَيْنْ
مَلِكٌ يجتابُ ثوبيْ مَلكٍ / أينَ مَنْ يُشبهُه في الناس أينْ
سرَقَ النيلُ الندَى من كفِّه / فأسَالَ التِبْرَ فوق الواديينْ
حُبُّه دَيْنٌ وَدِينٌ للورَى / يَا لهُ في الحبِّ من دِينٍ ودَيْنْ
وبنى الملكَ أبوهُ جاهداً / فسَما فوق بناءِ الهَرَمينْ
عَلَوِيُّ العزم إنْ رام العلا / لم يضِقْ ذَرْعاً ولم يمَسْه أيْنْ
رفع الشعرَ إلى منزلةٍ / لم ينلْها في زمان ابن الْحُسَينْ
دَوْلةٌ قامتْ تناغِي دوْلةً / فنعِمْنا في ظِلال الدولتينْ
ربَّما في الشعرِ قامتْ صَفْحةٌ / بالذي يَعْيا به ذو الصفْحتينْ
إنّما الشعرُ على كثرتهِ / لا تَرى فيه سوى إحدى اثنتينْ
نفحةٌ قُدْسِيَّةٌ أو هَذَرٌ / ليس في الشعر كلامٌ بَيْنَ بَينْ
سلِمَتْ للتاجِ أصفَى دُرّةٍ / وأقرَّ اللّهُ عيْنَ الوالدينْ
جمعَ اللّهُ لها الْخيرَ كما / جمعَ الدنيا لنا في مَلِكَينْ
هَذِي الديَارُ وَأَنْتَ شاعِرْ
هَذِي الديَارُ وَأَنْتَ شاعِرْ / فَانْثُرْ كَرِيماتِ الْجَوَاهِرْ
وَافْعَلْ كَما يُمْلي الْهَوَى / فَاكْتُمْ حَدِيثَكَ أو فَجَاهِرْ
هِيَ مَنْ عَلِمْتَ مَكانَها / فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تُخَاطِرْ
حاذِرْ عَليُّ وَلَيْتَ شِعْرِي / هَلْ يَرُدُّكَ قَوْلُ حاذِرْ
حَوْراءُ تَسْرَحُ في الْقُلُو / بِ كَأَنَّها مَرِحُ الْجَآذِرْ
يَا لَيْلَةً حُمِدَت بِها / عُقْبَى الْمَوَارِدِ وَالْمَصَادِرْ
مَرَّت كَحَسْوَةِ طائرٍ / قِصَراً وَكَرَّاتِ الْخَواطِرْ
وَدَّ الْكَوَاعِبُ لَوْ تُمَدُّ بِمَا / لَهُنَّ مِنَ الْغَدَائِرْ
أوْ لَوْ وَصَلْنَ سَوَادَها / بِسَوَادِ حَبَّاتِ النَواظِرْ
نَشَرَ الْجَلالُ لِوَاءَهُ / فيها وَصَفَّقَتِ الْبَشائِرْ
وَطَفا السرورُ على الْوُجُو / هِ ودَبَّ ما بَيْنَ السرائِرْ
وأَتَتْ كَمَا يأْتِي الشبا / بُ مُبارَكَ النفَحَاتِ ناضِرْ
إِنْ غَاب فيها بَدْرُ ذِي الد / نْيَا فَبَدْرُ الدينِ حاضِرْ
أَمُحَمَّدٌ يا زِينَةَ الْ / فِتْيَانِ يا نَسْلَ الأَكابِرْ
صاهَرْتَ أَكْرَمَ أُسْرَةٍ / نِعْمَ الْمُصَاهَرُ والْمُصَاهِرْ
وَظَفْرْتَ مِنْ نِعَمِ الْحَيَا / ةِ بِنِعْمَةٍ يَا خَيْرَ ظَافِرْ
يا ابْنَ الأُلَى بَزَّتْ فِعا / لُهُمُ الأَوَائِلَ وَالأَوَاخِرْ
يا ابْنَ الأُلَى كانَتْ لَهُمْ / في كُلِّ حادِثَةٍ مَآثِرْ
كانَتْ رَشِيدُ بِجَدِّكَ الْ / أَعْلَى تَتِيهُ عَلَى الْحَوَاضِر
قَدْ كانَ رِدْئَاً لِلْعِبا / دِ وَكانَ مَوْئِلَ كُلِّ عَاثِرْ
كَمْ رَدَّ غَائِلَة الْمُحَا / فِظِ وَالْمُحَصِّلِ والْمُبَاشِرْ
عَصْرٌ بِجَدِّي ثُمَّ جَدِّك / كانَ بِالْعَلْيَاءِ زَاهِرْ
سَهِرَا فَنَامَ الْبَائِسُو / نَ مُحَصَّنِينَ مِنَ الْمَخاطِرْ
وَتَقَاسَمَا فَضْل الْفَخا / رِ وَنَادَيَا هَلْ مِنْ مُفَاخِرْ
جَدِّي بِعِلْمٍ ناصِعٍ / يَهْدِي وَلَيْلُ الشكِّ عاكِرْ
وَبِمِقْوَلٍ يَفْرِي الْحَدِي / د وَيَصْرَعُ الْخصْمَ الْمُكابِرْ
في حِينِ جَدِّكَ بِالسَما / حَةِ يُخْجلُ السحْبَ الْمَواطِرْ
دَانَ الزمانُ لِطَوْلِهِ / فَأَتَى إلَيْهِ وَهْوَ صَاغِرْ
سَلْ مَنْ رَأَوْهُ فَكُلُّهُمْ / لِنَوَالِ بَدْرِ الدينِ ذَاكِرْ
أَمَّا أَبُوكَ فَقَدْ سَعَى / في إثْرِهِ سَعَىَ الْمُثَابِرْ
خُلُقٌ كَنَوْرِ الرَّوْضِ بَا / كَرَهُ الْحَيَا والروْضُ عاطِرْ
وَعَزِيمةٌ أَمْضَى مِنَ الْ / أَقْدارِ في حَلَكِ الديَاجِرْ
بَطْشٌ كَبَطْشِ اللَّيْثِ أَغْ / ضَبَهُ الطوَى واللَّيْثُ خادِرْ
نزَلَتْ مَحَبَّتُهُ الْقُلُو / بَ وَأقْسَمَتْ أَلاَّ تُغادِرْ
هُوَ خَيْرُ مَنْ هَزَّ الْيَرَا / عَ وَهَزَّ أَعْوَادَ الْمَنابِرْ
فَإِذا انْبَرَى لِلْقَوْلِ كا / نَ لَهُ مِنَ التوْفِيقِ ناصِرْ
فَتَكادُ تَأْكُلُهُ النفُو / سُ هَوىً وتشْرَبُهُ الضمائِرْ
أَعليُّ إنَّكَ أنْتَ أَكْ / رَمُ نابِهٍ فِينا وكابِرْ
إنْ عُدَّ أَبْطَالُ الرجا / لِ فَأَنْتَ أَوَّلهُمْ وآخِرْ
هَنِّ إيرانَ بالقِرانِ ومِصْرَا
هَنِّ إيرانَ بالقِرانِ ومِصْرَا / واملأِ الكونَ بالبشائرِ عِطْرَا
وانثُرِ الشِّعْرَ للعروسينِ زَهْراً / وانظمِ الزَّهْرَ للعروسين شِعْرا
بَزَغَتْ في مشارقِ المجدِ شَمْساً / وبدَا في مطالِع السعدِ بَدْرا
شَرَفٌ يبهَرُ السماءَ وعِزٌّ / يمتطي هامةَ الكواكبِ زُهْرا
سَطعَ الفوْزُ والرضا بين تاجَيْ / نِ أعادا للشرقِ عزَّاً وذِكْرا
وتلاقَى مجدٌ بناه بنو الني / لِ بمجدِ بناه دارا وكِسْرَى
تهنئات البلاغ وهي ولاء / صوّرتها يد الطبيعة زهرا
ضمّني مجلسُ أنسٍ زانه
ضمّني مجلسُ أنسٍ زانه / صفوةٌ من نجباءِ الأصدقاءْ
منطقُ الهزل به جِدٌّ وكمْ / نَطق الْجِدُّ به القول الهُراء
فتطارحْنا حديثاً عَجَباً / فيه للروحِ وللعقلِ غِذاء
وتَجاذبْنا فنوناً جمعتْ / طُرَفاً ممَّا رواه الأدباء
ثم رُمْنا أن نحاجِي ساعةً / لنُريحَ النفسَ من كدِّ العَناء
قلت من يبدأ قالوا فابتدىء / أنت فالكلُّ لما تُلْقي ظِماء
قلت للنحويِّ قل قال وهل / تركت حتّى لنفسي من ذَماءْ
قلت فليأت البديعيُّ بما / شاءت الفِطْنةُ من لُغْزٍ وشاء
قال أتقنتُ بديعي كلَّه / غيرَ نوع هو حسنُ الابتداء
قلت للصرفيّ فابدأ قال قد / عاقني الإعلالُ في ريحٍ وشاء
ثم قالوا قل ولا تُكْثِر فمن / أكثرَ القول أملّ الْجُلَساء
قلت من يعرِفُ علماً وحِجاً / وذَكاءً وسماحاً في رِداء
يملأ الدنيا حياةً إن بدا / كوكباً يسطع فيَّاضَ الضياء
فأجابوا الشمسُ قلتُ انتبهوا / ليس للشمس نوالٌ وذَكاء
ثم قالوا زد فناديت ومما / مَوْرِدٌ قد راح في الناس وجَاءْ
موردٌ يمشي إلى قُصَّادِه / فيه رِيٌّ وحيَاةٌ وشِفاء
فنأوا عنِّي وقالوا عَجَبٌ / كيف يمشي مثلَما تزعُمُ ماء
قلتُ هل أبصرتُمُ جسماً يُرَى / للإِخاءِ المحضِ أو صِدق الوفاء
لِلعلا للفضلِ للدينِ وللأَ / دبِ الجمّ جميعاً والإِباء
فأجابوا قد عَجَزنا قل لنا / ذاك في الأرض يُرَى أم في السماء
قلت في الأرضِ وللأرضِ بهِ / ويحكم أيُّ ازدهارٍ وازدهاء
هو في الطبِّ أَبقْراطُ وفي / حَلْبة الشعرِ إمامُ الشعراء
وإذا أعطى أبيْتُم أَنَفاً / أن تعُدُّوا حاتماً في الكرمَاءْ
فأجابوا اكشف لنا حَيَّرتنا / عن أحاجيك إن شئتَ الغِطاء
قلت كلاّ فانظروا وانتبهوا / ليس في الأمر التباسٌ أو خَفاء
هل رأيتم دَوْحَةً مثمرةً / كلَّ آن في صباحٍ أو مَساء
هي في الصيف ظِلالٌ ونَدى / وهي دفءٌ وحَنانٌ في الشتاء
يجدُ البائسُ في ساحتها / موئِلاً حُلْوَ الْجَنَى رَحْبَ الفِناء
سألوني محسنٌ قلت نعم / ملجأُ القصّادِ كهفُ الفقراء
ثم قالوا شاعرٌ قلت أجل / شعْرُه الدرُّ بهاءً وصَفاء
ثم قالوا زاهدٌ قلت نعم / عنده الدنيا وما فيها هَبَاءْ
فأشاروا قِفْ عرفناه وهل / يُجْهَلُ البدرُ فما هذا الغَباء
عَجَباً حِزنا ولم نفطُنْ له / واسمُهُ كالصبح نوراً وجَلاء
لا نسمِّيه فيكفي وصفُه / فيه عن كلِّ تعريفٍ غَناء
قم وسجِّل فضلَه واهتِفْ به / وابتكِرْ ما شئتَ فيه من ثناء
حينما نِلتَ آبداتِ المعالي
حينما نِلتَ آبداتِ المعالي / وشفَيْنا المُنَى وكانتْ عِطَاشَا
قال لي الشعرُ قمْ وسجِّلْ وأرِّخْ / أيُّ بُشْرَى غدا الجميلُ باشا
ساكنِي الفيومِ إنِّي ذاكر
ساكنِي الفيومِ إنِّي ذاكر / عهدَكُمُ والذكر في البعدِ وفَاءْ
كم شدَا شعرِي على دوحتِكُمْ / أيّ شعرٍ غَرِدٍ أيّ غِنَاءْ
بلدٌ كالزهرِ حُسناً وشَذاً / بينَ أظلالس وأَنْسامٍ ومَاءْ
مثل خدِّ البكرِ في تلوينهِ / ترتدي في كُلِّ حينٍ بردَاءْ
فهيَ بالأمسِ سِوَاهَا في غدٍ / وهيَ في الصبح سِواهَا في المَساءْ
رُدّا شَبَابِي وَرُدّا عهدَ زيدانِ
رُدّا شَبَابِي وَرُدّا عهدَ زيدانِ / ومِنْ روَائعِ ما أَمْلاَهُ زيداني
قرأتهُ ورياضُ العُمْرِ وارفةً / فكانَ منهُ ومن سنِّي شبابَان
في ضوءِ خافقةٍ في الريف شعلتها / كالسِّر ما بينَ إعلانٍ وكِتْمَانِ
بدت بها زُمُرُ الأبطالِ ماثلةً / تطوي القرونَ لألقاهَا وتلقاني
من كلِّ ما شَادَ للإسلام مملكةً / أبقى على الدهرِ من رضوى وثهْلانِ
للعرب بالضادِ إيمانٌ يوحّدهم / كانوا لعدنانِ أو كانُوا لغسّانِ
ما خطّ زيدانُ أسطاراً على صحفٍ / لكن جلا صُوَراً من صُنْعِ فَنّانِ
قد كانَ أوّل مرتادٍ لأمته / والخلدُ في هذه الدنيا لَهُ ثَانِي
عُرْسٌ أقيمَ على الدمِ المسفوكِ
عُرْسٌ أقيمَ على الدمِ المسفوكِ / أأُرَدِّدُ الألحانَ أم أبكيكِ
باريسُ حيَّرْتِ القريضَ فمرّةً / يشدو وحيناً والِهاً يَدْثيك
نهكَتْكِ داهيةُ الْخُطوبِ فلم تَدعْ / للفوْزِ غيرَ حُشاشةِ المنهوك
إنْ كان ما تَعْنِي الحياةُ تنفُّساً / فالعيشُ خَيْرٌ في ظِلالِ النوك
لَهفي عليكِ ولهفَ شعري ما الذي / لاقيتِ من جَبَريّةٍ وفُتوك
ما بين ظُلْمٍ كالمنونِ مُحجَّبٍ / عاتٍ وظلمٍ كاسمِه مهتوك
ألقيتِ نفسَكِ للطغاةِ غنيمةً / ومضَى القضاءُ فعزّ مَنْ يُنجيكِ
جُرْحُ الهزيمةِ لا تَجِفُّ دماُه / وتجفُّ داميةُ القنا المشكوك
ناديتِ لا بيتانُ في تسعينهِ / مُصْغٍ ولا لافالُ بين ذَويك
ولقيتِ من عَسْفِ العدوِّ وكيدِه / دونَ الذي لاقيتِ من أهليكِ
ولي الْحُماةُ فما أجابوا دعوةً / لمّا دعاهم للردَى داعيك
تركوك للموتِ الزُؤام وأدبروا / يا ليتَهم للموتِ ما تركوك
ومضَوْا حيَارَى ذاهلين فما رأوا / كَفَّيْكِ ضارعةً ولا سمِعوك
قذفوا السلاحَ فصبّه أعداؤُهم / غُلاً فكاد حديدهُ يُرْديك
ونُعِيتِ للدنيا فشبَّتْ لوعةٌ / أصلَى القلوبَ بحرِّها ناعيكِ
ويلَ الشبابِ من النعومةِ إنَّها / أعراضُ سُمٍّ للشعوبِ وشيك
ما أتعسَ الزمنَ الجديدَ بِفِتْيةٍ / قتلوه في التصفيفِ والتدليك
قلبٌ كقُرْطِ الغانياتِ مُفَرّغٌ / وإرادةٌ من حيْرةٍ وشُكوك
عاشوا صعاليكَ الحياةِ وليتهم / فازوا بصدقِ عزيمةِ الصُّعْلوك
أبقتْ ليالي الأُنسِ من أخلاقهم / فزعَ النعامةِ وازدهاءَ الديك
باريسُ هالتْكِ الدماءُ غزيرةً / فسقطتِ بين نَصالِ جزّاريك
خِفْتِ القذائِفَ أن تهدَّ معالماً / فتهدّمَ التاريخُ في أيديك
ما كان أحْرَى لو دُكِكْتِ إلى الثرىَ / وتركتِ ذكْراً ليس بالمدكوكِ
ما برجُ ايفَ حين يسلَمُ مانعٌ / هَمْساً يطِنُّ غداً بأذْنِ بنيك
لو طال صبرُكِ في المكارهِ ساعةً / لرأيتِ أنّ الموتَ قد يُنجيك
إنّ الذي خلقَ الكرامةَ صانها / بالسيفِ يمحو رأْيَ كلِّ أفيك
بين المهانةِ والمَعَزّةِ خُطوةٌ / فإذا ضلِلْتِ فقلَّ مَنْ يَهديك
شتانَ بين فتىً يموتُ مجالِداً / وفتىً يموتُ بجُرْعةِ الفينيك
شتّى أساليبُ الحياةِ ولا أرَى / للمجدِ غيرَ طريقهِ المسلوك
سرُّ البطولةِف الشدائدِ جُرْأةٌ / سيَّانِ تَفرى الخطبَ أم يَفريك
قد كنتِ في السبعين أكرمَ موقفاً / والغانياتُ بشَعرِها تفديكِ
باريسُ قد ضرب الثبات بلندنٍ / مَثَلاً إلى أمثالِه يدعوك
عبَستْ لهم دنكركُ فاقتحموا الردَى / ومشَوا بوجهٍ للمنونِ ضحوك
واستقبلوا نُوّبَ الزمانِ ضراغماً / لما تخلّف عاهلُ البلجيك
جعلوا الهزائِمَ سُلّماً فتسلّقوا / للنصرِ فوقَ جماجمٍ وتَرِيك
أصْلَتْهُمُ الهيجاءُ نارَ جحيمها / فتخلّصوا كالعَسْجدِ المسبوكِ
لو أنَّهم وهَنوا لزالتْ ريحُهم / وقضَوْا عبيدَ الذلِّ والتفكيك
ولمَا رمى شرْ بُرْجَ منهم جَحْفَلٌ / في مأزِقٍ كفمِ الليوثِ ضَنيك
ولما رأت روما طلائعَ نجدةٍ / تشري المحامدَ بالدمِ المسفوكِ
ولما مضَى روميلُ يلعَقُ جُرْحَه / ويجرُّ ذيلَ العاثرِ المفلوك
ولما جرت في البحرِ تخطِرُ سُفْنُهم / من آخرِ الهادي إلى البلطيك
باريسُ والذكرىَ جحيمٌ فانظُري / نحوَ السماءِ لعلّها تُتسيك
وتذكّري ماضيكِ فهو مَجادةٌ / قد كان أستاذَ الوَرى ماضيك
يا أمَّ هوجو كلُّ شِعْرٍ يرْتَجي / لو كان يَلْقَى وحيَه من فيك
أشعلتِ مصباحَ الفنون فأشرقت / بضيائه الأيامُ بعد حلوك
فيكِ الثقافةُ بالمجانةِ تلتقي / ماذا أقولُ وكلُّ شيءٍ فيك
يا كعبةَ الدنيا ويا نادي الهوَى / الآنَ كيفَ الحالُ في ناديكِ
أتُرَى البلابلُ لا تزالُ صوادحاً / ام راعها الغِربانُ في واديكِ
والغانياتُ أُفزِّعتْ أسرابُها / وتفرّق السُّمارُ عن شاديك
طلعتْ عليكِ مع الصباح فوارسٌ / ومشَى الغريمُ لحقِّه المتروك
طاحوا بقيدكِ في الهواء وكم لهم / مِنَنٌ على المأسورِ والمملوك
وجنودُكِ الأحرارُ تستبقُ الْخُطا / لتردَّ صفعتَها إلى غازيك
فتفرّق الأعداءُ عنكِ بَدائداً / والطعنُ فوق قفاهُمُ المصكوك
سبحانَ من لا حكم إلاّ حكمهُ / يُمضِي إرادتَه بغير شريك
عودي إلى ظلِّ السلامِ وأشْرِقي / كالشمسِ تعلو الأفْقَ بعد دُلوكِ
واستقبلي الدنيا جديداً واعلمي / أنّ الأسَى والحزنَ لا يُجديك
قَدَرُ الإلهِ إذا كرِهتِ لقاءه / فلعَلَّ في عُقْباه ما يرضيك
فجعت مصر يوم نعي عليِّ
فجعت مصر يوم نعي عليِّ / بالأديب الفهّامة الألمعيِّ
شاعرٌ لازم القريض إلى أن / كان يوم الفراق حرف رويّ
وقضى واجبين يوم قضى نحبا / وأعظم بالواجب المقضيّ
واجب الشعر والوفاء مدى / العمر فطوبى لشاعر ووفيّ
إن جهد الرثاء لوعة راث / في مضامين شعره مرثيّ
لست أوفيه وصفه إنّ وصفاً / لعليٍّ يغني غناء السميّ
علم في الديار صنّاجة في الحفل / ركن في المجمع اللغويّ
وسراج في مفرق الرأي هاد / وجمال وبهجة في النديّ
وزميل سمح الزمالة برّ / وأخ بالإخاء جد حفيّ
ذلك الشاعر الذي ثكلته / مصر في يوم مأتم وطنيّ
لم تزل تسمع المراثي حتى / سمعت في الرثاء صوت نعيّ
تتنزى على زعيم أمين / وأديب جزل البيان سريّ
لستُ أوفيه حقّه إنه حقّ بي / ان عن البيان غنيِّ
وارثُ الأصمعيّ في لغة الضا / د وفي الشعر وارث البحتريّ
والأديبُ الذي له فطنة المصر / يّ زانت سليقة البدويّ
والمربي الذي تعهّد جيلاً / عهد علمٍ منه وعهد رقيّ
وأخو النشأتين شرقاً وغربا / من قديمٍ باقٍ ومن عصريّ
كم شهدناه في شواهد نص / ورأيناه في تعارض رأي
وسطا بين ممعن في وقوف / عند ماض وممعن في مضيّ
قائلاً ناقلاً سميعاً مجيبا / حسن تبيانه كحسن الصفيّ
يا عليّاً له مان عليٌّ / بين دانٍ من جيله وقصيّ
إن شعراً سمعته يوم ودّع / ت سيملي وداع حيّ فحيّ
سوف يبقى مستشهداً بمعانيه / وفاء لكل حرّ أبيّ
ولك القول حيث قلت غذاء / ودواء شاف لقلب الشجيّ
سوف يبقى لمنشدٍ وطروبٍ / وفخورٍ وناصحٍ ونجيّ
سوف يبقى مجدّداً لك ذكرا / حيث يُروي في العالم العربيّ
أنت أحييته تراثاً على الده / ر فعش في تراثه الأبديّ
عرشٌ ينوح أسى على سلطانهِ
عرشٌ ينوح أسى على سلطانهِ / قد غاب كسرى الشعر عن إيوانِهِ
طوت المنون من الفصاحة دولةً / ما شادها هارون في بغدانه
في ذمة الفن المقدسّ عازف / لقي الحِمام على صدى ألحانه
لمّا تهامست الصفوف بنعيه / كاد الفؤد يكفّ عن خفقانه
ساءلت حين قضى عليٌّ فجأة / هل حلّ يومُ الحشرِ قبل أوانه
سقد المؤبّنُ وهو يسمع شعره / من ذا يؤبّنه بمثل بيانه
وصف الزمان لنا وجاد بنفسه / لتكون برهاناً على حدثانه
قال احذروا غدر الحمام معزّزاً / بحياته ما قاله بلسانه
لا تعجبوا من موْته في حفله / إنّ الشجاع يموت في ميْدانه
بطلُ المنابر ما له من فوْقها / يهوي وكمْ عرفت ثبات جنانه
إن خانه ضعف المشيب فطالما / قهر المنابر وهو في ريعانه
كلاّ لعمري لم يخنه مشيبه / لكنّ حمّى المرء من خوّانه
لم يجنها إلا رقيقُ شعوره / والمرهفُ الحساس من وجدانه
حرٌّ قضى متأثراً ببيانه / ولكم جنى فنٌّ على فنّانه
يا شاعراً طار اسمه بقوادم / من عبقريته ومن اتقانهِ
ما دان يوماً للصغار بصيته / أو دان للزُّلفى برفعة شانه
والمجد منه زائفٌ وممحصٌ / لا تخلطوا بلوره بجمانه
ما كل لمّاع ببرقٍ ممطرٍ / البرق غير الال في لمعانه
عرشُ القوافي بعد موتك شاغرٌ / يا طول ما يلقاه من أشجانه
قل للذي يومي إليه بلحظه / هذا مجال لست من فرسانه
لا هُمّ حكمك في الورى جارٍ وما / من حيلةٍ للعبد في جريانه
الطير ملء الروض أشكالاً فما / للسهم لا يُصمي سوى كروانه
يمضي العظيمُ من الرجال فينبري / لمكنه خلفاء من أقرانه
والشاعرُ الموهوب فلتة دهره / إن مات أعيا الدهر سدّ مكانه
قل للرياض قضى عليٌّ نحبه / ولطيرها الشادي على أفنانهِ
الشاعرُ الغرد المحلّق في السها / بجناحه قد كفّ عن طيرانه
بكت اللآلىءُ بعده لالها / وتساءل الياقوت عن دهقانه
وتساءل التاريخ عمن شعره / كان السجل لحادثات زمانه
بكت الكنانةُ في عليٍّ شاعراً / جعل اسمها كالنجم في دورانه
عفُّ اللسان مؤدبُ الأوزان لم / يتلق وحي الشعر عن شيطانه
بل كان نفح الخلد أمتعنا به / حيناً وعاد به إلى رضوانه
للنيل شاد بشعره ما لم يشدْ / فرعونُ والهرمان من بنيانه
من كلِّ بيتٍ في السُّها شرفاته / تتلألأ الأضواءُ في أركانه
يعيي الفراعنةَ الشدادَ أساسهُ / ويحار ذو القرنين في جدرانه
شعرٌ إذا غُني به لم يبْق من / لم يروْه كالبرق في سريانه
غنى الطروبُ به على قيثاره / وترنمّ المحزون في أحزانه
بهر العذارى حسنَه فوددْن لو / صيغت قلائدهنّ من عقيانه
ويكاد سامعه يفسّر لفظه / من قبل أن يسري إلى آذانهِ
تغري سلاستهُ الغريرَ فيقتفي / آثاره سيراً على قضبانه
حتى إذا هدَّ المسيرُ كيانَه / حصب الورى بالصلد من صّوانه
يا رُب ديوانِ تأنّق ربه / في طبعه وافتن في عنوانه
لا يسمع اليقظان وقع قريضه / حتى يدبَّ النومُ في أجفانه
والشعرُ إما خالدٌ أو مدرجٌ / من ليلة الميلاد في أكفانه
قالوا عليٌّ شاعرٌ فأجبت بل / ساقٍ عصير الرم ملء دنانه
قمْ سائل الفقهاء هل في شرعهم / حرجٌ على ثملٍ بخمرة حانه
كم خطّ من صوّر الحياة مدادهُ / ما لم يخطّ مصوّر بدهانه
ببراعةٍ لو أدركت موسى رأى / من سحرها ما غاب عن ثعبانه
أين القصائد كالخرائد كلّها / بكرٌ وبكر الشعر غير عوانه
أحيا لنا ابن ربيعة تشبيبها / وأعاد للأذهان عهدَ حسانه
شيخٌ يحس الشيخ عند نسيبه / بدم الشباب يسيل في شريانه
وإذا تحمّس قلت حيدرة انبرى / تحت العجاجة فوق ظهر حصانه
وإذا تبدّى قلت لابس بردةٍ / قد جاء من وادي العقيق وبانه
وإذا تحضّر قلت نسمةُ روضة / من فرط رقّته وفرط حنانه
يا طالما حمل الأثيرُ نشيدَهُ / وكأنّما هو عازفٌ بكمانه
بغدادُ مصغيةٌ إلى أنغامه / ودمشقُ راقصةٌ على عيدانه
وكأنّما الحرمان عند هتافه / سمعا بلالاً هاتفاً بأذانه
يُثني على الفاروق تحسبه فتى / ذبيان قد أثنى على نعمانه
والملكُ يظهر بالثناء جلاله / والشعر مثل الدرّ في تيجانه
والشعر مرآة النفوس يذيع ما / طويت قرارتها على كتمانه
من أحرفٍ سوداء إلا أنه / نقشٌ يُريك الطيفَ في ألوانه
والشاعرُ الموهوب تقرأ شعره / فترى جمالَ اللّه في أكوانهِ
يا ويح قومي كم أشاهد بينهم / من شاعرٍ هو شاعرٌ بهوانه
يا راثي الموتى ومُخلد ذكرهم / بالخالد السيّار من أوزانه
أرثيك حفظاً للجميل وإنّه / دينٌ أعيذ النفس من نُكرانه
ماذا يؤمّل شاعرٌ من راحلٍ / أتره يطمع منه في إحسانه
وأنا الذي ما سمت شعري ذلةً / أو بعته بالبخس من أثمانه
يا رب بيت قد ضننت ببذله / ضناً على من ليس من سُكّانه
أقسمت ما جاوزت فيك عقيدتي / قسم الأمين البر في إيمانه
دارُ العلوم بنتك حصناً شامخاً / للضاد تلقى الأمن في أحضانه
رزئت لعمري فيك رزء الدوح في / كروانه والفلك في ربّانه
دارٌ قد انتظمت أياديها الحمى / أشياخه والنشىء من ولدانه
دارُ العلوم ونيلُ مصر كلاهما / بنميره يروي صدى ظمآنه
فاضا على الوادي فكان العلمُ من / فيضانها والماءُ من فيضانه
يا خادمَ الفصحى وكمْ من خادمٍ / تعتز ساداتٌ بلثم بنانه
أفنيت عمرك زائداً عن حوْضها / ذود الكريم الحرِّ عن أوطانه
أنصفتها من معشرٍ مستعجم / الغرب أصبح آخذاً بعنانه
والضاد حسب الضاد فخراً أنها / كانت لسان اللّه في فرقانه
هي سؤدد العربي يوم فخاره / وقوامُ نهضته وسرُّ كيانه
من ذاد عنها ذاد عن أحسابه / بل عن عقيدته وعن إيمانه
نم يا عليّ جوار ربك آمناً / لك عنده ما شئت من غفرانه
لك عند رب العرش أجر مجاهدٍ / فانعم برحمته وعدن جنانه
كم من شهيدٍ مات فوق فراشه / جمد الدمُ السيّال في جثمانه
إن المجاهد من أغار بفكره / لا من أغار بسيفه وسنانه
سيظل شعرك يا عليّ مردداً / ما غرّد القمري في بستانه
أقسمت ما نال البلى من شاعرٍ / يحيا حياة الخلد في ديوانه
لا لحنه عازف ولا وتره
لا لحنه عازف ولا وتره / ما كان طيّ النشيد ينتظرُهْ
أصغى لأنغامه ومهجته / نوح مع الطير هاجه سحره
يهتزّ لهفان في تسمعه / كأنّما قد سرى به قدره
اللّه في جنبه ولوعته / هشيم غصن أذابه شرره
أحس بالعمر في مقاطعه / وقافيات العذاب تعتصره
والموت في جرسها ونغمتها / خطو من الغيب لا يرى أثره
ما زال يدنيه من غياهبه / حتى احتواه بنظرة بصره
فخرّ في صمته وفرّ به / سرٌّ على الناس غامض خبره
وقيل ما باله وما وهنت / خطاه قلت انتهى عمره
باك أتى والدموع في يده / وبل من النار واكفٌ مطرهْ
ترتجُّ من حزنه قصيدته / ويصطلي في لهيبها ضجره
قد خاف من حرّها فراح لها / يصغي بقلبٍ تخيفه ذكره
ما أوشكت تنتهي مناحتها / وينتهي من معنيّها عبره
حتى غدا صرخةً على فمها / وداع من لن يردّه سفره
لا تعتبوا الدهر في منيته / ولا تقولوا طحا به كبره
فإنها قصّة ينوء بها / ضمير مصر وتكتوي سيره
محاربٌ في سبيل عزّتها / ما ردّه يأسه ولا حذرُهْ
ينقضُّ كالسهم في دجنّتها / فتحسب الليل هُتّكت ستره
ويلطِمُ القيدَ لا يروّعه / حديدُ جبّاره ولا سقره
تنزهت كفّهُ وكلمته / وعفّ والجوّ لاغطٌ هذره
عابوا على صمته فهل سمعوا / تهتزُّ فوقه نذره
ارتاعَ قرصانهُ وساستهُ / وأعوَلت من رياحه جزره
واستعجم القيد حين جابهه / بحجة كالصباح تبتدره
وصيحةٌ كالردى مباغتة / لا نابه ردّها ولا ظفره
وعاد للنيل صامتاً أنفاً / لا طبله قارعاً ولا زمره
يبني لأوطانه ويرفعها / والمصلح الحق من علا حجره
بنياه في ضحوة يسير على / أمانة عدلها سرى عره
وإذ بها وصمة يشيح لها / جبين مصر وتنزوي صوره
حيّا فحيّاه من تواضعه / والغدر بالحق نادر خطره
لكن قضى اللّه وانتهى بطلٌ / كنا لريب الزمان ندخره
لا ذنب راميه للمناب ولا / آمال أوطانه ستغتفره
أتى عليّ يسوق أدمعه / ويندب الشرق ضللت غيره
وكم له وقفة وجلجلة / والنيل من حولها صفي نهره
ومصر تصغي وشطها دنف / يكاد للشدو ينحني شجره
أسحاره فجره أصائله / ليلاته الناغمات أو بكره
عرائس بالنشيد سابحة / تلأْلأت في جبينها درره
كم ناغم الشرق في مواجعه / وهلّلت في سمائها غرره
من كل عرباء فوق حاجبها / أو ما نزار البيان أو مضره
مرصوفة السحر خلت حاديها / من أرض حسّان أقبلت عصره
يهزها هودجٌ ويرقصها / صنّاج بيد أهاجه سمره
تختال بالنيل في مفوّفة / يكاد يخضّل فوقها زهره
إن رقّ أبصرت حلم عاشقة / وليلها والحنين يعتصرهْ
وإن تثره فما الرياح وما / زئيرها إن تدفقت فكره
حمى بها الشعر بعد ما لهثت / أوزانه وارتمت به سرره
ساقوه حيران في مواطنه / لا بدوه في الصدى ولا حضره
وبعضهم لم يقله غير صدى / والبعض في مهده بدت حفره
وأنت للضاد حارس أبدا / ما خفّ إمعانه ولا حذره
غنّيت بالشعر كلّ موطنها / فعشبه في صداك أو مدره
هواك بالنيل مثل إخوته / سيان مطويّه ومنتشره
عروبة للسماك طرت بها / جناح غيب شآي به قدره
وسقت للتاج نغمة عزفت / غرام شعب تعددت صوره
حب لفاروق في جوانحنا / مخلد في حياتنا أثره
بكتك دار العلوم أنت صدى / سحرٍ لها لا تزال تبتكره
هذا الجني من غراس جنتها / في كل واد مهدل ثمره
سكت الصوت الذي دوّى زمانَا
سكت الصوت الذي دوّى زمانَا / وطوى الموتُ من الفصحى بيانَا
الفصيحُ القول قد أخرسه / قدرٌ يُخرس في الموت اللسانا
ما عهدناه على المنبر إلاّ / ماضياً كالسيفِ نصلاً وسنانا
يُرسل الأشعارَ حمراء اللّظى / والأغاريدَ صفاءً وليانا
كان صوتاً عربياً خالصاً / يسلك البيد ويستّن الرعانا
يقطعُ الأرض وهاداً وربىً / ويشق الجوَّ متناً وعنانا
بين بيروت وبغداد ترى / منه في الشعر الكريماتِ الحسانا
يُرسل الصيحةَ بالحق كما / يُرسل الناعي إلى اللّه الأذانا
كان في الحزمة أقوى مكسراً / أيُّ خطبٍ دهم العودَ فلانا
أيّها الشاعرأزمعت السرى / وتخيرت على البيْن الأوانا
كنت تهوى كل جحفلٍ حاشدٍ / فرماك الموتُ في الحفل عيانا
لم تمت فوق سريرٍ ناعمٍ / يكتسي ندا ويندى زعفرانا
إنما مت خطيباً في فمٍ / باغمٍ قد فقد اليوم الحنانا
من يجيب اليوم أبناءك إن / هتفوا باسمك فيهم يا أبانا
أيّها الضوء الذي أبصرته / لم يثر ولم ينفث دخانا
كنتَ في الشعر مكاناً عالياً / من تُرى بعدك يستد المكانا
في ربيع الزمانِ جَادَ زماني
في ربيع الزمانِ جَادَ زماني / بلقاء الأحبّة الإخوانِ
وانتشى القلبُ بالحنانِ وبالح / بِّ وحلوِ الهوى وصفوِ الأماني
وهفَا للرياضِ تعبقُ بالمس / كِ وأصغى لهمسةِ الأغصان
ودعاني الحنينُ فاشتغلَ الفك / ر وزادَ الوجيبُ لمّا دعاني
وتركتُ العنانَ للشعرِ يسمو / عربيَّ اللّسانِ من عدنان
فانبرى يسبق السحابَ ويُضفي / بسمةَ الكونِ فوق ثغرِ الزمان
وامتطى صهوةَ الرياحِ جريئاً / وتحدّى الطيورَ في الطيران
كُنْ معي يا قريض تُلهمني الف / نَّ فأشدو بأروع الألحان
كمْ رأيْنا على مدى كلّ عصرٍ / كيفَ تُذكي قريحة الفنان
طِرْ بِنا إلى رشيد ورفرف / بجناحَيْنِ مِنْ هوى وحنان
لنحيي الأحبابَ جاءَتْ تُحييّ / شاعرَ العُرْبِ سيِّدَ الأوزان
ضمّهم على الوفاءِ لقاءٌ / فتباروُا في حلبةِ الميدان
وأعادوا إلى الحياةِ عُكَاظاً / تنشر الشعرَ عبقري المعاني
يا تلاميذه وعارفي الفضلِ جِئْتُم
يا تلاميذه وعارفي الفضلِ جِئْتُم / لتحيّوا عليَّ في المهرجان
خبروني بربكم أيْنَ ولَّى / أيْنَ أصداء صوته الرنّان
هو في الزهر نفحةٌ من أريجٍ / عرفتها جوانبُ البستان
هو في الطيْر نغمةٌ ولهاةٌ / صوتها العذب فاق صوْت الكمان
هو في البيدِ واحةٌ من نعيمٍ / طوّقتها سواعِدُ الكثبان
هو في البحرِ موْجةٌ تتهادى / فاحتوتْها الرمالُ بالأحضان
هو في النيلِ نسمةٌ تُنعِشُ الرو / حَ وتحكي نضارةَ الشطئان
أصحيحٌ طوى المماتُ عليّاً / فطوى شاعراً فريد البيان
لم يمتْ مَنْ سعى الخلودُ إليه / وجرى ذِكرهُ بكلِّ لسان
هو حيٌّ يُطلُّ من كلِّ بيتٍ / دبَّجته عصارةُ الوجدان
كلما شدّني المزارُ إليه / طالعتني صحائِفُ الديوان