المجموع : 318
إذا كان عُقْبَى ما يَسوء التَّصبُّرُ
إذا كان عُقْبَى ما يَسوء التَّصبُّرُ / فتَعْجِيله عند الرَّزِيّة أَجْدَرُ
وغايةُ أحزانِ النفوسِ سُلوُّها / فأَوْلَى بها تَقْديُمه وهْي تُؤْجَر
وليس الشجاعُ النَّدْبُ من يضرب الطُّلَى / دِراكا ونارُ الحرب تُذْكَى وتُسْعَر
ولكنَّه من يُؤلمُ الثُّكْلُ قلبَه / وتَعروه أحداثُ الزمانِ فيَصْبر
فيا مالكَ الدنيا الذي الأرضُ والورى / من العدلِ في أيامه تتبختر
لئِنْ عَظُم الخطبُ الشديد مَحَلُّه / فحلمُك أعلى منه قَدْرا وأكبر
وبعضُ الذي يَحْوِيه صدرُك هِمَّةٌ / تضيق به الدنيا جميعاً وتَصْغُر
فللحلم منه والجلالِ شَوامِخٌ / وللعلم منه والفضائل أَبْحُر
لقد زَعْزعتْ شُمَّ الجبال رزيةٌ / أَلمَّتْ ولكنْ طودُ حلمِك أَوْقَر
وفضلُك مثلُ الشمسِ نورا ورفعةً / وحاشاهُ بل أَعْلَى وأَسْنَى وأَسْيَر
بعلمِك تَسْتهدِي نفوسُ ذَوِي النُّهَى / وأنت بما قال المُعَزُّون أَخْبر
وحكم التَّعازى سُنّةٌ نَبوية / وإلا فمنك الحزمُ يَبْدو ويَصدُر
وما قيل إلا بعض ما أنت عالم / فسِيّانِ فيه مُقْصِرٌ ومُكَثِّر
وعلمُك بالأشياءِ مالا زيادةٌ / عليهِ ولا تَنْساه ثم تُذَكَّر
إذا صَحَّ فهمُ المرءِ صَحَّ لنفسه / يقينٌ ومِسْبار العقولِ التَّصوُّر
لقد دانتِ الدنيا لعادٍ وتُبَّعٍ / ودَبَّر فيها الملكَ كِسْرى وقَيْصَرُ
وشادوا القصرَ المُشْمَخِرّات في الوَرى / يُقَصِّر طرف العين عنها فَيَحْسَر
فهل أَبقتِ الأيامُ أو جانَبَ الرَّدى / ذليلا فيُنْسَى أو عزيزا فيُذْكَر
ولو خَلَّف الموتُ امرأً لجَلاله / لكان بها أَوْلَى وأَحْرَى المُظَفَّر
لقد سَلبتْ كفُّ المنية مُهْجةً / تَكنَّفها للحزم والعزم عسكر
فويحَ المَنايا كيف غالتْه وهْي من / صَنائِعِكم فيما يُخاف ويُحْذَر
وتصريفُها بين الصَّوارم والقَنا / بأيديكمُ والخيلُ بالهام تَعْثُر
وأنتَ لها مثلُ الذريعة في الوَغى / إذا صان نفسَ القوم درعٌ ومِغْفَر
وأحسَبُه جادتْ يَداهُ بنفسه / لقاصِده والموتُ في ذاك مُخْدر
وما مات من أَحْيا بك اللهُ ذِكْرَه / ولكنّه في الدهر باقٍ مُعَمَّر
ولم تَعْدم الدنيا فَقيدا وإنْ سَما / ووجهُك فيها مشرقُ النّورِ أَزْهَر
فأنت لهذا الخَلْق روحٌ وناظِر / وكهفٌ به يَحْيَا ويَغْنَى ويَنظر
فلا عيشَ إلا في زمانك طيب / ولا نفسَ إلا من نوالك تُجْبَر
ولا مَلْكَ في الأرض إلا وظاهرٌ / على وجهه من ذكر فضلك أسطر
لآمنت حتى ليس في الأرض خائفٌ / ورَوَّعتَ حتى ذَلَّ من يَتجبَّرَ
وأنصفتَ حتى ليس في الأرض مُشْتكٍ / وأَغنيتَ حتى ليس في الأرض مُعْسِر
لك السيرة المشهورةُ الفضلِ في الورى / ففي كل قُطرٍ نَشْرُها يَتعَّطر
إذا قيل شاهِنْشاهُ لم يبقَ معجزٌ / من الفضلِ إلا وهْو فيه يُحرَّر
فللأَفضلِ الفضلُ الذي كلُّ فاضلٍ / من الناسِ عن إدراكه متأخِّر
فيا مهجةَ الإسلاِم رِفْقا بها له / فهذا الأسى فيها وفيه مُؤَثِّر
وما قيمةُ الدنيا قياسا لفعلها / حِيالكَ كلا فهْي أَدْنَى وأَحْقَر
وإن كان أثير الفراق مثيره / فقد نالك من فارقتَ ما هو أفخر
غَدا في جوارِ الله حيث يزوره / سحابُ حَياً من رحمةِ الله يَهْمِر
فإن قَبَروا جُثْمانَه فثَناؤُه / معَ الدهرِ في ألأفواهِ ما ليس يُقْبَر
بقاؤك يُسْلِى النفسَ عن كلِّ فائتٍ / وجودك يحيى الهالكين ويَنْشُر
سلمتَ مُفَدًّى بالنفوس جميعها / وعمرُك ممندُّ الحياةِ مُكرَّر
وافَى كتابُك يتلو عَرْفه السارى
وافَى كتابُك يتلو عَرْفه السارى / كفَارةِ المِسْكِ أَفْرَتْها يدُ الفاري
كالنوم بينَ أجفانٍ أَضَرَّ بها / طولُ السُّهاد كبُرْءٍ بعد إضرار
كالغيثِ من بعد مَحْلٍ كالوصال على ال / مهجور كالأمن من خوفٍ بإنذار
وحَقَّك القسمُ المبرور ما عَمِرت / بغير ذكرك بعدَ البين أسرارى
ولا تَخلَّص قلبي من يدَىْ حُزُنٍ / يوماً ولا مُقْلتي من دمعيَ الجاري
انظرْ إلى بهجةِ ذا المنظرِ
انظرْ إلى بهجةِ ذا المنظرِ / ولُمْ على الصَّبْوةِ أو فاعْذُرِ
ماءٌ وروضٌ وغزال حَكَتْ / صورتُه الدُّميةَ كالمرمر
وقد حَكى الوردُ بُدرِّ النَّدَى / كأَدمُعٍ في خدِّ مُسْتَعْبِر
والشمسُ في مَشْرِقها تُجْتَلى / في حُلَل الأشجارِ في الأحمر
كأنها نارٌ وقد أُضْرِمتْ / من خلفِ سِتْرٍ خَلَقٍ أخضر
هذا الربيعُ وهذه أَنْوارُهُ
هذا الربيعُ وهذه أَنْوارُهُ / طاب الزمانُ وأورقَتْ أشجارُهُ
فاشربْ على وجه الحبيبَ وغَنِّنى / هذا هواكَ وهذه آثارُهُ
حُكْمُ العيونِ على القلوبِ يَجوزُ
حُكْمُ العيونِ على القلوبِ يَجوزُ / وداؤُها من دائهنّ عَزيزُ
كم نظرةٍ نالتْ بطَرْفٍ ذابلٍ / ما لا يَنال الذابلُ المهزوز
فحَذارِ من مَلَقِ اللَّواحِظِ غِرَّةً / فالسحرُ بينَ جُفونها مكنوز
يا ليتَ شِعْري والأماني ضِلَّةٌ / والدهرُ يُدرِك صَرْفُه ويَجوز
هل لي إلى زمنٍ تَصرَّم عهدُه / سببٌ فيرجعَ ما مضى فأَفوز
وأَزور من أَلِف البعادَ وحبُّه / بينَ الجوانحِ والحَشَا مركوز
ظبيٌ تناسبَ في الملاحةِ شَخْصُه / فالوصفُ حتى يطول فيه وجيز
والبدرُ والشمسُ المنيرة دُونه / في الحسنِ حين يُحرَّر التمييز
لولا تَثنِّى خصره في رِدْفه / ما خِلتُ إلا أنه مغروز
تجفو غِلالتُه عليه لطَافًة / فبجسمِه من طَرْزِها تَطْريز
من لي بدهرٍ كان لي بوصاله / سَمْحا ووعدى عنده منجوز
والعيشُ مخضَرُّ الجَنابِ أَنيقه / ولأَوْجُهِ اللذاتِ فيه بُروز
والروضُ في حُلَل النبات كأنما / فُرِشتْ عليه دَيابِجٌ وخُزوز
والماء يبدو في الخليجِ كأنه / إيْمٌ لسرعِة سيره محفوز
والزهرُ يُوهم ناظِريه كأنما / ظَهرتْ به فوقَ الرياشِ كنوز
فأَقاحُه وَرِقٌ ومَنْثور الندى / دُرٌّ ونَوْرُ بَهارِه إبريز
والروضُ فيه تغازلٌ وتَمايلٌ / وتشاغُل وتراسُل ولغوز
للطيرِ فيها بالغصونِ تَصارُخٌ / وتَصايُحٌ وتفَاصحٌ ورموز
وكأنما القُمْرِيُّ يُنشِد مَصْرَعا / من كل بيتٍ والحَمامُ يُجيز
وكأنما الدولابُ يَرْمِزُ كلما / غَنَّت وأصواتُ الضفادِع شِيز
يا رُبَّ غانيةٍ أَضرَّ بقلبها / أنِّى بلفظِة مُعْدِمٍ مَنْبوز
فأَجبتُها ما عازَني نيلُ الغِنى / لكنَّ مَطْلبَه الحميدَ يَعُوز
إني أَعاف الذلَّ فيما أبتِغى / فلِهمَّتِى عن جانبيهِ نُشوز
ما خاب من هَضَم التفضُّلُ مالَه / كَرما ووافرُ عرضِه محروز
يا راغبا في غِنىً وكَنْزِ
يا راغبا في غِنىً وكَنْزِ / وكيمياءٍ بغيرِ رَمْزِ
وقعتَ عندَ الخبير فاسمعْ / نصيحتي غيرَ مستفَز
قناعةُ المرءِ كيمياءٌ / صَحَّتْ وكنزٌ وأيُّ كنز
فاسعَدْ بها مكسبا وأَنفِقْ / ما شئتَ منها بلا تَجزِّى
فالناسُ طولَ الزمان عنها / لا شكَّ في غفلةٍ وعَجْز
جاء الربيعُ أخو حياةِ الأَنْفُس
جاء الربيعُ أخو حياةِ الأَنْفُس / ومُجمِّلُ الدنيا بأَفْخَرِ مَلْبَسِ
فاغْنَمْ بنا مُلَح الزمانِ مُبادِرا / وتَملَّ منها حَظَّ من لم يُبْخَس
واستقبِلِ الأَرج المُعطَّر كلما / مَرَّت عليه الريحُ كالمُتنفِّس
فكأنما زهرُ النباتِ قَلائدٌ / نُثرِت على صَفحات بُسْط السُّندس
والوردُ يَخْجل حينَ قبَّل خَدَّه / ثغرُ الأَقاحي من عيون النرجس
فكأنه غيرانُ أدهشه الهوى / وأمالَ منه الفكرُ جِيدَ منكِّس
وكأنما الأغصان تَطْرب كلما / ألقتْ إليها الريحُ سرَّ مُوسوِس
وكأن هَتْف الوُرْقِ في أَغصانِها / لفظٌ يُفيدك من فصيحٍ أَخْرس
والماءُ قد عَبثتْ به أيدي الصَّبا / فَحكي غُضونا في جبينِ مُعبِّس
وكأنما حُبُك الرياحِ على النَّقا / أَثر الحَزازِ على سَنامِ الأَعْيُس
والطيرُ تَسْرَح في الرياض غَوادِيا / للرزقِ بين مُبكِّرٍ ومُغلِّس
والوحشُ بين سَوانحٍ وبَوارحٍ / ورَواتعٍ بين الرياض وكنَّس
تَرِد الغديرَ ورودَ من لا يشتفِى / وتنال من طَرفيْه ما لم تَغْرِس
والشمسُ تُجْلَى في مَطالع شَرْقها / في حُلَّتين مُعَصْفَرٍ ومُوَرَّس
أَفْرط نسياني إلى غايةٍ
أَفْرط نسياني إلى غايةٍ / لم تُبْق في النسيانِ لي جِنْسا
فصرتُ مهما عَرَضتْ حاجةٌ / أُعْنَى بها أَودعتُها طِرْسا
حتى إذا عاودتُ طالعتُها / ذَكَّرتِ العينُ بها النفسا
وأعجبُ ألأشياءَ أنْ غادرتْ / نوائب الأزمانِ لي حسا
فصرتُ أنسى الطِّرْسَ في راحتي / وصرتُ أنسى أنني أَنْسى
وصبيحةٍ باكرتُها في فتيةٍ
وصبيحةٍ باكرتُها في فتيةٍ / أَضحتْ لكلِّ نَفيسةٍ كالأنفس
والليلُ قد وَلَّى بعَبْسِة راحلٍ / والصبحُ قد وافَى بِبشْرِ مُعَرِّس
والصبحُ قد أخفَى النجومَ كأنه / سَيْلٌ يفيض على حديقةِ نرجس
يُنازِعُني شوقٌ إلى الثغرِ هاجسُ
يُنازِعُني شوقٌ إلى الثغرِ هاجسُ / أَثارتْه أنفاسُ النسيمِ النَّفائسُ
تَحمَّلْنَ من روضِ الكنيسةِ بهجةً / بليلةِ أَنْداءٍ نَمَتْها المجالس
وصافحْنَ أَجْناسا من النَّوْر سُحْرةً / رياض بني في تُرْبِها القصرَ فارس
ووافتْ طهورَ الظاهرية والرُّبا / عليهنَّ من رَقْم السحابِ طَنافس
وثامِرُ أَثْمارِ الكُرومِ مُنثّر / عليها كما بَثَّت فَريدا أَوَانِس
وشقت رياحين السّواقى بُرودها / براب لها لما سَرى وهْو قارِس
وسِرْن إلى الحيلى فغادرْنَ غُدْرَها / دُروعا حَكتْ ما اعْتَدَّ للحربِ فارِس
ودَرَّجْن بالقَصْرين رملا كأنه / غُصونُ جباهِ الروم وهْي عوابِس
ومَرَّت على ماءِ الخليج بسُحْرةٍ / وللطير فيها بالغصون وَساوِس
وفي الطيرِ والدولابِ شادٍ وزامرُ / لَدى شجرٍ تُجْلَى بهن العرائس
كأن الرُّبا في الزهرِ والماء حولَها / قَلانسُ وَشْىٍ حولَهن طَيالِس
كأن بياضَ الماءِ في كل جدولٍ / نُصولُ سيوفِ أَخلصَتْها المدَاوِس
كأن نبات النرجسِ الغضِّ إذ بدا / شَراريبُ خضرٌ فوقَهن كَبائسُ
وقد قابلتْ وردا جَنِيا كأنه / مَطَارفُ خَزٍّ فيه قانٍ ووارِس
وقد أظرَ الخِيرِىُّ صلبان عسجدٍ / على أربع حززن والقمعُ خامس
ديارٌ لبستُ اللهو فيها مع الصِّبا / فنِعْمَ الحُلَى فيها ونعم الملابس
لياليَ أُعطي الحبَّ فَضْلةَ مِقْوَدي / ذَلولا وعند العَتْب واللوم شامِس
أَصيدُ المَها فيهنّ ثم يَصِدْنَني / فكلٌّ لقلبي بالشباب فَرائس
تساوتْ بنا حالُ الصَّبابةِ والصِّبا / فكلٌّ لكلٍّ مُشبهٌ ومُجانس
وَأَوْفَى سلاحٍ سالمتْنيِ لأجله / شبابٌ ومُسْوَدُّ الضفيرةِ ناقِس
فأرشُفُ درّا لم يُثَقِّبه ناظمٌ / ونَوْرَ أقاح ما نَمَتْه المَغارس
وأقطف وردَ الخدِّ والوردُ زاهرٌ / وأَلزَم غصنَ البانِ والغصنُ مائس
وأَكْرع في سَلْوى حديثٍ كأنه / سُلافٌ تَبدَّتْ من فم الدن عانس
زمانٌ كطيفٍ زار وازْوَرَّوَشْكَ ما / تَصافَح جَفْنَا مُغْرَمٍ وهْو ناعس
وتُطْمِعُني نفسي إليها بعودةٍ / على أنه نوعٌ من الظن حادس
وكم رُمت عَوْدا مرةً بعد مرةٍ / إليها فيَثْنِى من عنانىّ حابس
أُعلِّل قلبي بالأماني طَماعة / على أنني عند الحقيقة آيس
إذا نام طَرْفُ الخَلْقِ أَرَّقنى أسى / تُضَرِّمه تحت الضلوع الحَنادس
لقد كنتُ بالإسكندرية في غِنىً / من القربِ لكني مع البعدِ بائس
عليها سلامي ما حَييتُ وإن أَمُتْ / تَولتْه للرَّاوِينَ شِعْرِي مدارس
أيامُ مُلْكِك أَعيادٌ وأَعراسُ
أيامُ مُلْكِك أَعيادٌ وأَعراسُ / فيها المَسرّاتُ أنواعٌ وأَجْناسُ
للهِ هِمّتُك العَلْياء كم جَمَعت / من خَلةٍ عاش منها الفضلُ والباس
تمكَّنَ النُّجْحُ من آمالِ سائلها / كما تأكدَ من حُسّادها الباس
ما يَرفع اللهُ في اَعْلى العُلى شَرَفا / إلا وَقْدْرُك فيه القلب والراس
آياتُ شكرِك في الأفواهِ جائلةٌ / كأنها لنفوسِ الخَلْقِ أنفاس
مَحاسنٌ كلما مَرّتْ على بصرى / ومِسْمَعي فَعلتْ ما تفعل الكاس
تُلْهِي المُحدِّثَ عن أَوْلَى الحديثِ به / كأنها لعقولِ الناس أَمْراس
ضاقتْ بها الكُتْب فالأيامُ ناسِخةٌ / والبحرُ نِقْس ووجه الأرض قرطاس
هذا على أن كُتْب الفضلِ قاطبةً / في بعضِ سِيرتِك العَلْياء كُرّاس
أجملتُ في كل فضلٍ ذِكْرَ سادتِه / فمدحُ غيرِك فيما بعدُ وَسْواس
وجُدْتَ بَدْءاً وعَوْدا غيرَ مُتَّئدٍ / كأنّ مالَك للقُصّاد أَحْباس
جودَ يَبيعُك ساداتِ الملوك بما / تُوليهمُ فهْو جَلاَّب ونَخّاس
وسار عدلُك في الدنيا فلو لَحِقتْ / أيامَه وائِلٌ ما عاش جَسّاس
عدلٌ به بان وجهُ الحَقِّ فهْو له / في كل فنٍّ مَدَى الأيامِ قسطاس
وهيبة تَتَنزَّى من مخافتِها / أُسْدٌ في قلوب الأُسد أَخْياس
يا روضَ فضلٍ جُيوشيٍّ له ثَمَرٌ / بالمرتضَى مُجْتَناهُ الجودُ والباس
روضٌ له أَرَجٌ يَسْرى الثناء به / فيَخْجل الوردُ والنَّسْرين والآس
أنوارُ شمسِ المَعالي فيه ظاهرةٌ / في الضوء شمسٌ وفي الإظلامِ مقْباس
غصنٌ سَما فرعُك العالي المُنيفُ به / في الروع صُلبٌ وعند الجود مَيّاس
فراسة لك فيه غيرُ خائبةٍ / وخاطرٌ في فنون الفضل هَجّاس
أَدنيتَه منك تقريباً فكان له / به جمالٌ وإجلال وإيناس
أَلبستَه حُلةً صِينتْ مَحاسُنها / له وحَسْبُك ملبوسٌ ولَبّاس
قَرَنْتَ في فَلك التوفيق بَدْرَك ذا / بالشمس حيث نجومُ الأُفْق جُلاّس
وعَرَّس الفخرُ في العُرْس الذي عَظُمت / أوصافُه وجَرتْ لي فيه أَفْراس
من كل قافيةٍ ذلتْ صعوبتُها / لخاطرِي وهْي بالألبابِ مِشْماس
ضَمّنتُها مدحَ شاهِنْشاهَ فهْو بها / دُرٌّ حَوتْه من الدِّيباج أكياس
لم يبق في الأرض قُطْرٌ لا يُعطِّره / كأنما لمَطايا الريحِ أَحْلاس
يا أفضلَ الناس قولا فاقَه عملٌ / وكلُّ قولٍ له الأفعال آساس
بقيتُما كبقاءِ الدهرِ في دعةٍ / ومن يُعاديكما للضُّرِّ بُرْجاس
حتى تسوسَ بَنُوه كل مملكةٍ / وأنت سائُسهم في كلِّ ما ساسوا
ورؤوسٍ جاءتْ بكلِّ رئيسٍ
ورؤوسٍ جاءتْ بكلِّ رئيسٍ / قد تَناهتْ في كلِّ معنىً نَفيسِ
كلُّ رأسٍ في طَيْلَسانٍ رُقاق / دقّ عما يُحاك في تِنِّيس
في رياضٍ كأنما نَشر الرو / مُ عليها مُصبَّغاتِ عروس
صَدَرت عن لَظىً وقابلتِ الجل / د فأبدتْ تبسما في عبوس
جَلَّ مَقدارُها فأصلحُ ما كا / نت هَدايا كِسْرَى إلى بِلْقيس
أُصيكَ بالبُعْدِ عن الناسِ
أُصيكَ بالبُعْدِ عن الناسِ / فالعِزُّ في الوحدة والياسِ
ووحدة الصَّمصامِ في غِمْدِه / خَصَّتْه بالعزة في الناس
له عِذارٌ أَثْرُهُ ظاهرٌ
له عِذارٌ أَثْرُهُ ظاهرٌ / للعين معدومٌ على اللَّمْسِ
كأن أُولاهُ على خَدِّهِ / ظلُّ قضيبٍ ظَلَّ في الشمس
أو ألفٌ حَرَّرها كاتبٌ / وهْيَ تُرى من ظاهرِ الطِّرْس
أو كطرازٍ في شِعارٍ وقد / شَفَّ عليه ظاهرُ اللُّبْس
وليس ما قلتُ ولكنّه / آثارُ لَمْسي فيه أو جَسِّى
يا من نَصيِبي منه قر
يا من نَصيِبي منه قر / بٌ مثلُ سرعةِ عِيسِهِ
أَسقمْتَني فخَفيتُ عن / نظرِ البصيرِ ولَمْسه
ورجعتُ جزأً دَقَّ عن / وهم الذَّكي وحَدْسِه
ولَطُفتُ حتى أنني / عَرَضٌ يقوم بنفسه
طرازُ مشيبٍ في عذارٍ له نَقْشُ
طرازُ مشيبٍ في عذارٍ له نَقْشُ / وفي كبِدي منه جروحٌ لها أَرْشُ
إذا نظرتْ ليلى إليه تَنهَّدتْ / وبادَر من أمطار أَدمُعِها رَشّ
ولو شئتُ أَخْفاه الخِضابُ وإنما / أنا أتّقى من أنْ يُداخِله غش
فقلتُ لها يا ليلُ إنْ شاب عارِضى / فما شاب لي عزمٌ ولا وَهَنَ البطش
فلا تُنْكرى من نهضتي ما عرفِته / وما هي إلا فوقَ ماعهِد الفرش
فلم يَثْنِها ما قلتُ حتى كأنما / كلاميَ سِرٌّ قابلتْ لفظَه الطُّرْش
وقالت أَقِلْني إنما كلُّ شعرةٍ / لشيبك أفعى في فؤادي لها نَهْش
إذا المرء خانْته الشَّبيبةُ وانتهى / إلى الشيبِ فالأَوْلى بجثته النعش
أفى كلِّ يومٍ لي إلى البَيْنِ حَسرةٌ
أفى كلِّ يومٍ لي إلى البَيْنِ حَسرةٌ / كأنّ النوى وَقْفٌ علىَّ خُصوصُ
نَأَوا والأسى يُجرى غُروبَ مَدامِعي / على الخد حتى كدت فيه أغوص
ألوم غراب البين يومَ فراقهم / وما هو إلا مركبٌ وقَلوص
نَعمْ في اسْتراق القلبِ باللَّحْظِ دُرْبةٌ / فوا عَجبا حتى العيونُ لصوص
نهايةُ ما سَما لعُلاكَ أرْضُ
نهايةُ ما سَما لعُلاكَ أرْضُ / وأشرفُ ما زَكا لنَداك بَعْضُ
تَقاصرَ دونَ هِمَّتك ارتفاع / وضاق ببعضها سعةٌ وعرض
جرتْ بمُرادِ بُغْيَتِك الليالي / فعَنْها صَحَّ إبرامٌ ونَقْض
ولا تَتَصرَّف الأقدارُ مالم / يَصِحَّ لجيِشهنَّ لديك عَرْض
ونفسُك ليس تُسْتَهْوَى بفانٍ / ولا يغتالُها مِقَةٌ وبُغض
وعِقْد الفضلِ منظومُ اللآلى / لديها لا يُفَكُّ ولا يُفضُّ
لغُرّةِ وجهِك الميمون نورٌ / لعين الشمس تحتَ سَناهُ غَض
كأن ملوكَ أهلِ الأرض نَفْلٌ / إذا اعتمدوا الفَخار وأنت فَرْض
نفوسهمُ وما مَلكْته منه / لكفك يستفاد ويُسْتَنَض
إذا افتخروا بمُلْكٍ ثم ملكٍ / فمِنْك كلاهما لا شكَّ قَرْض
فلو تسطو الأكفُّ لأخذِ شيءٍ / وأعقبَ فيه نَهْيُك عَزَّ قبض
يُسكِّن أمرُك الحركاتِ منهم / فيخفُت خوفَه نفَس ونَبْض
وكم لثم الترابَ لديه منهم / عزيزٌ طبعُه أنَفٌ ورَفْض
فَجُدتَ عليه بالنِّعَم اللواتي / عَظُمْنَ لديه وهْي لديك بَرْض
فقد ناداهمُ جَدْواك حتى / حَداهم نحوه سَعْى وركض
وفَرْضُ السعىِ محتوم عليهم / إليك وقد أَتَوا زُمَرا ليَقْضُوا
بقاؤك زهرةُ الدنيا فمهما / بقيتَ فعيشُنا خصب وخَفْض
ولولا أنت لم يُلْمِم بعينٍ / لمخلوقٍ من الثَّقَلين عمض
ولم تسكن نفوسٌ في جسومٍ / ولم يَثْبُت لأعظمهن مَخْض
رعيتَ الدين والدنيا بعدل / فحبُّك في قلوب الخَلْق مَحْض
فنَبْتُ رياضِ جودك للأماني / نُضَارٌ جَلَّ لا طَلْح وحَمْض
لسيفِ الأفضلِ ارْتعَب المنايا / وقد أودى بها الخوفُ المُمِض
غداةَ تراهُ والأُسد الضَّوارى / لها من حوله وَثْبٌ ورَفْض
يشقّ بها مَثارَ النّقعِ طيرٌ / لها فوق الثَّرَى صَفٌّ وقَبْض
أسودٌ في أَكُفِّهمُ صِلالٌ / لها نَهْشٌ تُميت به وعَض
كَفاكَ الرعبُ أنْ تَلْقَى عدوا / وقد عاداه مَضْجَعَه الأَقَضّ
ومهما مَرَّ شاهِنْشاه ذِكْرا / أطار فؤادَه هَمٌّ ونَفْض
أبوك مغيثُ هذا الدينِ قِدْما / غداةَ له من الطَّاغين دَحْض
تَداركَ نَصْرَه بدِراكِ ضربٍ / تُقَدُّ به الجَماجمُ أو تُرَضّ
وعَوَّذَه بها بِيضا حِدادا / يُناسبُها له عزمٌ وعِرْض
فقَدْرُك لا يجوز عليه خَفْضٌ / إلى أنْ يدخلَ الأفعالَ خَفْض
وعصرُك زهرةُ الدنيا وباقي / عصورٍ قد خلتْ حَلَبٌ ومَخْض
فأعراسُ المَسرَّةِ فيه شتى / وأبكار المَحاسن تُسْتَقَض
ليَهْن العيد أنْ وافاك فيه / وملكُك زاهرُ الأَكْناف بَض
بقيتَ بقاءَه ما دام يجرى / به في حَلْبة التكوين نهض
وقَدْرُك في سماءِ الفخر سامٍ / وعيشُك في رياضِ العِزّ غَض
فأَحْيا فؤادى نَشْرُه قبل نَشْرِه
فأَحْيا فؤادى نَشْرُه قبل نَشْرِه / ولاحتْ عقودٌ منه لي ورياضُ
كأن العيون النُّجْل منه وقد حكى ال / سوادَ سوادٌ والبياضَ بياض
حدائقُ زهرٍ يجتنى السمعُ زَهْرَها / وبحرُ مَعانٍ بالعقول يُخاض
وجدتُ لقلبي منه أُنْسا وراحة / تذلّ به أحزانه وتُراض
كأن فؤادي كان قبل وجوده / جَناحٌ بأحداثِ الزمان يهاض
صحائفُ أشواق إليك كثيرة / طِوال إذا عَدَّدْتُهن عِراض
تُرَى تشتفى بالقرب منا ومنكمُ / قلوبٌ بأَدواءِ الفراق مِراض
توالى عليها البينُ حتى بدتْ له / كُلومٌ على أرجائها وعِضاض
فأيُّ مِنةِ قَلَّد وأيّ سرور جَدّد / وأي لوعة بَرّد وأي شوق
أخمد وأي نعمة أورد /
فللهِ وقتٌ جاء فيه كأنما / أُعيدَ به عَصْرُ الشَّبيبِة من عُمْري
عشيةَ مالي غيرَ دمعي وسيلةٌ / تُفيد ودمعُ العين أَشْفَى لمن أَشْفَى
وما طائرٌ قصَّ الزمانُ جناحهَ / وأَعْدَمَه وكْرا وأَفْقده إلْفا
تَذكَّر زُغْبا بينَ أَكْناف بانةٍ / خَوافِى الخَوافي ما يَطِرْنَ بها ضعفا
إذا التحفَ الظّلْماءَ ناجَى هُمومَه / بترجيعِ نَوْحٍ كاد من رقةٍ يَخْفَي
بأشوقَ مني مذ أطاحَتْ بك النَّوى / هوائيةً مائيةً تَسبِق الطَّرْفا
تولَّتْ وفيها منك ما لو أَقِيسه / بما هي فيه كان من فَضْلِه أَوْفَى
فكأنني ظمآن ضلَّ بقَفْزةٍ
فكأنني ظمآن ضلَّ بقَفْزةٍ / حتى انتهى يأسا فصَابَ النِّيلا
من بعد مطْلٍ حتى كاد أن / يَضْحى به رَبْعُ الرجاء بخيلا
وكأنّ مولاىَ اقتدى بمقالِ مَن / نَظم القَريضَ وأَغْرَبَ التأويلا
لولا طِرادُ الخيل لم تكُ لذةٌ / فتَطارَدِى لي بالوصال قليلاً