المجموع : 174
اللهُ جارُكَ ظاعِناً ومُقِيما
اللهُ جارُكَ ظاعِناً ومُقِيما / ومُثِيبُك التبجيلَ والتعظِيما
قرَّتْ عيونُ المسلِمينَ وَقَدْ رَأَوْا / إِقدامَ عزمٍ بالفتوحِ زَعِيما
كَرَّاتُ نَصْرٍ أَصبَحَتْ لِذَوِي الهُدى / هِمَماً وَفِي أَرضِ الضلالِ هُمُوما
ما يَمَّمَتْ بالفلج مهجةُ كافِرٍ / إِلّا انثنى من ذِكْرِهِنَّ أَمِيما
فارفعْ لواءً بالنجاحِ عَقدْتَهُ / بالنَّصرِ فِي سُبُلِ الهُدى مَوْسُوما
وانْهَضْ بأَنصارِ الهُدى نحوَ العِدى / جيشاً بخَسْفِهِمُ أَجشَّ هَزِيما
من كُلِّ سامي الطَّرْفِ يَحْدُو وُلَّهاً / قَدْ غادَرَتْ أُمَّ الضلالِ عقيما
تُذْكِي أَكُفُّهُمُ لإضرامِ الوَغى / شُعَلاً وَفِي قِمَمِ الرؤسِ نجوما
مُسْتَلئِمينَ من السيوفِ بوارِقاً / ومن السَّنَوَّرِ عارِضاً مركوما
عزَّتْ بذكرِكَ فِي البلادِ صوارِمٌ / تركَتْ رجاءَ عُدَاتِها مَصْرُوما
وأَسِنَّةُ الخَطِّ الَّتِي خَطَّتْ عَلَى / شِيَعِ الضلالَةِ حَينَها المحتوما
طَلَعَتْ عَلَى دينِ الهُدى بكَ أَسْعُداً / وَعَلَى ديارِ المشركينَ رُجوما
فاطلُبْ بِهَا واللهُ مُسْعِدُ حظِّها / حَظَّاً من الفتحِ المُبينِ جَسيما
وامدُدْ عَلَى الآفاقِ كَفَّاً لَمْ تَزَلْ / تُفْني بوادِرُها العِدى والُّلوما
صابَتْ عَلَى الإِشراكِ خَسْفاً مُفْنِياً / وهَمَتْ علينا بالنوالِ غُيُوما
فلَقَدْ وسِعْتَ الأَرضَ معروفاً وَقَدْ / شَيَّدْتَ مجداً فِي السماءِ مُقيما
ولقد حَمَيْتَ ذِمارَ أُمَّةِ أحمدٍ / وأبَحْتَ من عِزِّ الضلالِ حَريما
في مَعْرَكٍ أَظْمَأْتَ أَكبادَ العِدى / فِيهِ وَرَوَّيْتَ الرِّماحَ الهيما
أَخْضَلْتَ فِيهِ السَّيفَ من مُهَجاتِهِمُ / وتركتَهم لِلرَّامِساتِ هَشِيما
بِكَ أَصْبَحَ الثَّغْرُ المُرَوَّعُ مُشْرِقاً / ولَكادَ قَبْلَكَ أَن يكونَ بهيما
يا أَيُّهَا المَلِكُ الَّذِي بسيوفِهِ / ورماحِهِ أَضحى الهدى مَعْصوما
بِكُمُ اغتدى شملُ العِدى مُتَبَدِّداً / وبكُمْ غَدا شملُ الهُدى منظوما
طِبْتُمْ فروعاً فِي ذُؤَابَةِ يَعْرُبٍ / وزَكَوْتُمُ فِي المالِكِينَ أَرُوما
المُسْرِعُونَ إِلَى النَّدى والطَّائِرُو / نَ إِلَى الوَغى والرَّاجِحُونَ حُلوما
والمُنتَضُونَ سيوفَهُمْ لوقائِعٍ / عَزَّتْ قناها فارِساً والرُّوما
دانَتْ لهم غُرَرُ المناقِبِ واصطَفَوْا / حَسَباً حديثاً فِي الدُّنا وقَدِيما
كَرُمَتْ مَغارِسُهُمْ وطابَ نِجارُهم / حَتَّى غدا بِهِمُ الزمانُ كريما
قَدْ عادَتِ الشمسُ فِي أَعلى مطالِعِها
قَدْ عادَتِ الشمسُ فِي أَعلى مطالِعِها / ولُجَّةُ البحرِ فِي أَعلى مَشَارِعها
وعزَّ نَظْمُ الهدى فِي كَفِّ ناظِمِهِ / وراقَ مُجْتَمَعُ الدنيا بِجامِعِها
وعادَ نُورُ جفونٍ فِي نواظِرِها / بِهِ وقَرَّتْ قلوبٌ فِي مواضِعِها
وقابَلَتْها اللُّهى فِي كَفِّ باذِلِها / وحوزَةُ الملكِ فِي أَكنافِ مانِعِها
وحطَّ رَحْلَ الوغى عن ظهرِ صائِفَةٍ / شابَتْ رؤوسُ الأَعَادِي من وقائِعِها
كادَتْ تَهُدُّ الصخورَ الصُّمَّ روعَتُها / لولا تَمَكُّنُ وَقْرٍ فِي مَسامِعِها
هَوْلٌ نَفى الجِنَّ عن أَخفى مَلاعِبِها / وأَوْحَشَ الوحشَ فِي أَقْصى مَرَاتِعِها
تقودُها دعوةُ التوحيدِ قَدْ أَخَذَتْ / عَهْداً من اللهِ فِي تشفيعِ شافِعِها
وغُرَّةٌ أَشرَقَتْ فِي كُلِّ مُظْلِمَةٍ / بثاقِبِ الهَدْيِ والأنوارِ ساطعِها
بِريحِ نصرٍ إِلَى الأَعداءِ تَقَدُمُها / كَرِيحِ عادٍ جَلَتْها عن مَصانِعِها
فإِن يعوذُوا بآنافِ الجِبالِ فقد / جاءَتْ أُنُوفُهُمُ فِي سَيْفِ جادِعها
أَو عَلَّلُوا بِفِرارٍ أَنفُساً عَلِمَتْ / أَنَّ الفِرارَ دواءٌ غَيْرُ نافِعِها
فَما النجاةُ تَمارى فِي تَفَكُّرِها / ولا الحياةُ تَرَاءى فِي مَطامِعِها
بلِ الرَّدى منكَ مكتوبٌ عَلَى مُهَجٍ / قَدْ أَصْبَحَتْ بارِزاتٍ فِي مَضاجِعِها
ولا بِسَيْفِكَ عَجْزٌ عن معاقِلِها / ولا سِنانُكَ نابٍ دُونَ دارِعِها
وَمَا تَرَجَّلْتَ إِلّا ريثَما نَزَلُوا / عَلَى الأَحِبَّةِ فِي أَدْنى مَصارِعِها
وأَنتَ جارٍ من العَلْيا عَلَى سُنَنٍ / تَدَارُكُ الحربِ من أَزْكَى شرائِعِها
واللهُ جارُكَ فِي حِلٍّ ومُرْتَحَلٍ / وسَاحَةِ الأَرْضِ دانيها وشاسِعِها
حَتَّى يُثيرَ لَكَ الآفاقَ مُؤْتَنِفاً / كواكِباً تُسْعِدُ الدنيا بطالِعِها
لِتَهْنَئْ سلامتُكَ المسلمينا
لِتَهْنَئْ سلامتُكَ المسلمينا / وتَفْدِكَ أَنْفُسُهُمْ أَجمعينا
فقد صَدَّقَ اللهُ مَا يرغبونا / وَقَدْ حقَّقَ الله مَا يأْمَلُونا
غَزَوْتَ فأُعطِيت نَصْراً عزيزاً / وصُلْتَ فَوُفِّيتَ فتحاً مُبينا
بسيفٍ ضربتَ بِهِ فِي الإِلَهِ / فأَعْزَزْتَ ملكاً ودُنيا ودِينا
وبَلْدَةِ شِرْكٍ تَيَمَّمْتَها / فغادَرْتَها آيَةَ السَّائِلِينا
ودائِعُ مجدٍ تَقَلَّدْتَها / فكُنتَ عليها القوِيَّ الأَمينا
نهضتَ فأَرْضَيْتَ مِنَّا النفوسَ / وأُبْتَ فأَقْرَرْتَ مِنَّا العُيُونا
فما خَيَّبَ اللهُ فيكَ الرجاءَ / وَلا كذَّبَ الله فيك الظُّنونا
فأُبقِيتَ حِصناً منيعاً رفيعاً / ودُمْتَ كريماً عزيزاً مَكينا
عَمْرِي لقدْ أَعْذَرَ الدمعُ الَّذِي وَكَفا
عَمْرِي لقدْ أَعْذَرَ الدمعُ الَّذِي وَكَفا / أَوِ اشْتَفى من تبارِيحِ الأَسَى وشَفَى
وَمَا غَناءُ دُموعِ العَيْنِ عن كَبِدٍ / حَرَّى ونِضْوٍ يُقاسِي الليلَ مُلْتَهِفا
يا ابْنَ الَّذِينَ لأَيدِيهِمْ وأَمْرِهِمُ / أَلقى الزمانُ قيادَ الذُّلِّ مُعْتَرِفا
ببأْسِهِمْ قامَ دينُ اللهِ منتصراً / من الحوادِثِ والأَعداءِ مُنْتَصِفَا
أَعْزِزْ عَلَى الدينِ والدنيا وأَهلِهما / خَطْبٌ سَما فارتقى من عِزِّكُمْ شَرَفا
غُصْنٌ من المجدِ عاذَ المسلمونَ بِهِ / هَبَّتْ عَلَيْهِ رياحُ النصرِ فانْقَصَفَا
للهِ من قَمَرٍ أَسْرَى العُفاةُ بِهِ / حَتَّى إِذَا مَا اسْتَوَى فِي أُفْقِهِ كُسِفا
سما إِلَى جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ مُعْتَلِياً / إِذْ لَمْ يَزَلْ مُسْتَهاماً بالعُلا كَلِفا
تِلْكَ المكارِمُ وَالَتْهُ فَعُلِّقَها / حُبَّاً شَهِدْتُ لقد أَوْدى بِهَا شَغَفَا
وسَهْمُ نصرٍ تُراعُ الحادِثاتُ بِهِ / أَضْحَى بسهمِ المنايا والرَّدَى قُذِفا
يا مَنْ رأَى الجودَ يَغْشى نَعْشَهُ شَغِفاً / بالهَمِّ مُرْتَدِياً بالحزنِ مُلتَحِفا
يدعوه حَتَّى إِذَا أَعْيا مُحاوَرَةً / نادَى فأَسْمَعَ صُمَّ الصخرِ وَا أَسَفا
وخلَّفُوهُ لديهِ رَهْنَ مَلْحَدَةٍ / حيرانَ يَلثُمُ بُرْدَ التُّرْبِ مُرْتشِفا
مبارِياً لدموعِ المزنِ مَا هَتَنَتْ / ومُسْعِداً لحمامِ الأَيْكِ مَا هَتَفا
قَدْ كَانَ من دُونِ ذَاكَ الغابِ لَيْثَ وَغىً / أَحْمَى العرينَ وَفِي تِلْكَ العُلا خَلَفَا
فاختارَهُ اللهُ فِي الدنيا لَكُمْ فُرُطاً / ذُخْراً وَفِي جَنَّةِ المأْوى لكُمْ سَلَفا
من بعدِ مَا اهْتَزَّ سيفُ النَّصْرِ فِي يَدِهِ / وصالَ غضبانَ من دُونِ الهُدى أَسِفا
وشَمَّرَتْ دونَ ذَاكَ الملكِ عَزْمَتُهُ / يَوَدُّ لَوْ كَرَّ صرفُ الدهرِ أَوْ زَحَفا
واسْتَشْرَفَتْ أَعيُنُ الأَبطالِ ناظِرَةً / أَيَّانَ يركبُ دِرْعَ الموتِ مُعْتَسِفا
والخيلُ قَدْ نَسَجَتْ سُفْلى سنابِكِها / من القتامِ عَلَى فُرسانِها كِسَفا
كَأَنَّهُمْ فِي لَبوسِ السابغاتِ ضُحىً / كواكِبٌ لبسَتْ من ليلها سُدَفا
والبِيضُ قَدْ غَشِيَتْ منهم سَنا غُرَرٍ / كَأَنَّها دُرُّ بَحْرٍ يسكُنُ الصَّدَفا
فاسلَمْ ولا زالَ شَملُ الكفر مُفترِقاً / بالسيفِ مِنكَ وشملُ الدينِ مُؤْتَلِفا
واستَقْبِلِ العيدَ مَسْروراً ولا بَرِحَتْ / تُهدِي الليالي إِلَيْكَ العِزَّ مُؤْتَنِفا
وليَهْنِكَ الفوزُ والزُّلفى وأَنفسُنا / يلقينَ من دونِكِ التَّبْرِيحَ والأَسَفا
أَهلاً بمن نَصَرَ الإِلهُ وأَيَّدَا
أَهلاً بمن نَصَرَ الإِلهُ وأَيَّدَا / وحمى من الإِشراكِ أُمَّةَ أَحْمَدَا
وسَخا لأَطرافِ الرِّماحِ بنفسِهِ / شُحَّاً وإِشفاقاً عل دينِ الهُدى
وبمَنْ حَمى التوحيدَ مِمَّنْ سامَهُ / خَسْفاً فأَصبَحَ فِي المعالِي أَوْحَدَا
حَتَّى أَعادَ الدِّينَ أَبيضَ مُشْرِقاً / بسيوفِهِ والكُفْرَ أدْهَمَ أَسْوَدَا
بَسَطَ الإِلهُ بِسَيْفِهِ وبرُمْحِهِ / ظِلّاً عَلَى الدِّينِ الحنيفِ مُمَدَّدا
بمكارِمٍ شهدَتْ عَلَيْهِ بأَنَّهُ / أَنْدى الورى كَفَّاً وأَطيَبُ مَحْتِدا
وشمائِلٍ لَوْ شامَ رَهْبَةَ سَيْفِهِ / لَغَدا لِرِقَّتِها الورى مُسْتَعْبَدَا
من أَحرَزَ الغاياتِ أَدْنى شأْوِهِ / حَتَّى تقاصَرَ عن مساعِيهِ المَدى
وسطا عَلَى الأَعداءِ حَتَّى لاغتدَتْ / عَنْقَاءُ مُغْرِبُ فِي البلادِ منَ العِدى
بعزائِمٍ فِي الرَّوْعِ قحطانِيَّةٍ / تركَتْ ديارَ الشِّرْكِ قاعاً فَدْفَدَا
يا حاجِباً وَرِثَ الرِّياسَةَ والعُلا / والملكَ والإِعظامَ أَمْجَدَ أمْجَدَا
والقائِدَ الميمونَ والقمرَ الَّذِي / يجلُو بغُرَّتِهِ الظلامَ إِذَا بَدَا
والأَزْهَرَ الوضَّاحَ والمَلِكَ الَّذِي / لبِسَ الندى والبأْسَ ثَوْباً وارتدى
إِنْ يُكْنَ عن بعضِ النجومِ بأَسْعُدٍ / فلقد تَجَلَّتْ كُلُّها لَكَ أَسْعُدَا
فَخْراً لمصدرِكَ الَّذِي لَمْ يَتَّرِكْ / لِظُبَى الصوارِمِ فِي الأَعاجِمِ مَوْرِدا
للهِ فِي الإِشراكِ منك وقائعٌ / أَرْبَتْ عَلَى حَرْبِ الذَّنائِبِ مَشْهَدَا
لا مثْلَ بَرْبَدِّيل يوم حَوَيْتَها / فَخْراً أَغارَ عَلَى الزمانِ وأَنْجَدَا
جَرَّدْتَ للإِسلامِ فِيهَا صارِماً / عَوَّدْتَهُ ضَرْبَ الطُّلى فَتَعَوَّدَا
وسلَلْتَهُ للهِ فِيهَا سَلَّةً / مَنَعَتْ صليباً بعدها أَن يُعْبَدا
ووقَفْتَ دونَ الدَّيْرِ فِيهَا وَقَفْةً / كَانَتْ لنصرِ اللهِ فِيهَا مَوْعِدَا
و قُلُنْيَةٌ أَنشأْتَ فِيهَا عارِضاً / للحربِ أَبْرَقَ بالحتوفِ وأرعدا
وَبِرَأْي عَيْنِي يومَ خُضْتَ لِفَتْحِها / بحراً من البيضِ الصَّوَارِمِ مُزْبِدا
فرأَيْتُ مَا اسْتَنْزَلْتُ من نجمٍ هَوَى / وشهِدْتُ مَا حُدِّثتُ عَنْ لَيْثٍ عَدَا
والحربُ قائِمَةٌ تَغَصُّ بِنَقْعِها / لَمحاً بنارِ المشرَفِيَّةِ مُوقَدا
والشمسُ حَيْرَى فِي السماءِ كَأَنَّها / ترنُو إِلَى الدُّنيا بمُقلَةِ أَرْمَدَا
والخيل تستلِمُ الصَّعيدَ كَأَنَّما / تبغِي إِلَى الجَوزاءِ منها مَصْعَدَا
ما إِن ترى إِلّا خُفُوقَ مهنَّدٍ / كالبرقِ يقرعُ فِي المَكَرِّ مُهَنَّدَا
وثُقُوبَ أَزْهَرَ كالشهابِ مُثَقَّفٍ / يُهْدَى إِلَى ظُلَم النُّفوسِ بِهِ الرَّدَى
فغدا إِلَيْها منكَ لَيْثُ خَفِيَّةٍ / مَا راح إِلّا للفخارِ ولا غَدَا
لا تَرْتَضِي للسيفِ سَلَّةَ ساعَةٍ / حَتَّى تراهُ فِي الكواهِلِ مُغْمَدا
وتركت شَنْتَ اشْتِيبناً وكأَنَّما / حَطَّتْ سيوفُكَ من عِداها الفَرْقَدَا
فَقَصَرْتَ مُدَّتَها بوقفةِ ساعَةٍ / أَبْقَتْ لَكَ الفخرَ الجليلَ مُخلَّدا
شَيَّدْتَ عزَّ المسلمينَ بهَدْمِ مَا / قَدْ كَانَ عِزُّ الكفرِ منها شَيَّدَا
وتَرَكْتَ غَرْسيَةً بنقمةِ غَدْرِهِ / بالرَّوْعِ فِي الأَرضِ الفضاءِ مُقَيَّدَا
لهفانَ يجتابُ النهارَ مُروَّعاً / بظباكَ والليلَ التمامَ مُسَهَّدا
خزيانَ قَدْ أَوْسَعْتَ حُرَّ بلادِهِ / وديارِهِ لَهَبَ السعيرِ المُوقَدَا
قَدْ غَرَّ أحزابَ الكُماةِ وَمَا حَمَى / وأَضَلَّ أَشياعَ الضَّلالِ وَمَا هَدَى
إِيهاً بني المنصورِ أَنْفُسُنا لكُمْ / ونفوسُ مَنْ فِي الشَّرْقِ والغربِ الفِدا
اليومَ أَنْسى فتحُكُمْ مَا قبلَهُ / عِظَماً كَمَا نَسَّا لِفَتْحِكُمُ غَدا
مَا أَطْبَقَ الهَمُّ إِلّا رَيثَما انْفَرَجَا
مَا أَطْبَقَ الهَمُّ إِلّا رَيثَما انْفَرَجَا / ولا دَجا الخطبُ إِلّا وَشْكَ مَا انْبَلَجا
مَا كادَ يبدو الضُّحى بالحزنِ مُكْتَئِباً / حَتَّى رأَيْنا الدُّجى بالنورِ مُنْبَلِجا
فاليومَ قَدْ لَبِسَ الإِظلامُ ثَوْبَ سَناً / فِي عُقْبِ مَا لَبِسَ الإِصباحُ ثوبَ دُجَى
وأورقَتْ شَجَرُ الدنيا لَدُنْ عَرِيتْ / وعادَ يشدو حمامُ الملكِ إِذ نَشَجَا
بَشَّر بالشَّمْسِ إِشْراقُ الضُّحى فَشَفَى / فِي إِثْرِ ناعٍ نَعَى نجمَ الهُدَى فَشَجا
رُزْءٌ حَكَى كَظَمَ الأَرواحِ أَعْقَبَهُ / صُنْعٌ أَعادَ إِلَى أَوْطانِها المُهَجَا
فأَصْبَحَ المُلْكُ لا رَبْثاً ولا خَلَلاً / وأَصبحَ الدِّينُ لا أَمْتا ولا عِوَجا
فَلْتَهْنِنا نِعَمُ الرحمنِ حينَ هَدَى / بِعَبْدِهِ سُبُلَ الحقِّ الَّذِي نَهَجا
بِناصِرِ الدِّينِ والإِسلامِ مُفْتَتِحاً / بِيُمْنِهِ كُلَّ بابٍ للمُنى ارْتُتِجا
يا ابْنَ الَّذِي قادَ من أَذْواءِ ذي يَمَنٍ / عُرْفاً بعُرْفِ المعالِي والهدى وُشِجا
من ذا يُنازِعُكَ الملكَ الَّذِي عَمَرَتْ / بِهِ أَوائِلُكَ الأَحقابَ والحِجَجَا
وَفِي جبينِكَ سِيَما المُلْكِ قَدْ بَهَرَتْ / وَفِي يمينِكَ قِدْحُ الحقِّ قَدْ فَلَجا
ما كَانَ أَوَّلَ كَرْبٍ جَلَّ فادِحُهُ / دَجَا فكُنْتَ لَنَا من هَمِّهِ فَرَجَا
فرُبَّ دهياءَ من خَطْبٍ أَضَأْتَ لَنَا / آراءَكَ الزُّهْرَ فِي آفاقِها سُرُجا
ورُبَّ يومٍ وأَيَّامٍ كَشَفْتَ بِهَا / عَنَّا وعن مَلِكَيْكَ المَأْزِقَ اللَّحِجَا
وَعَزْمَةٍ لَكَ يومَ الرَّوْعِ صادِقَةٍ / تركْتَ صُمَّ الصَّفا فِي جَوِّها رَهَجَا
ولُجَّةٍ من صَفِيحِ الهندِ خُضْتَ بِهَا / من المنايا إِلَى نَيْلِ المُنى لُججا
وكَرَّةٍ بعدَ أُخرى فِي نَدى ووَغىً / بَنْيتَها لسماواتِ العُلا دَرَجَا
فما دَعَتْ غَيْرَكَ الآمالُ حينَ دَعَتْ / ولا رَجا غيرَكَ الإِسلامُ حينَ رَجَا
ولا أَتَتْكَ وفودُ الحمدِ عامِدَةً / إِلّا تَلَقَّتْكَ مشغوفاً بِهَا لَهِجا
ولا تَيَمَّمَكَ التأْميلُ مبتكِراً / إِلّا ووافاكَ بالإِنعامِ مُدَّلِجَا
ولا تَقَلَّبْتَ فِي مثوىً ولا سَفَرٍ / إِلّا وذِكْراكَ فِي حَلْقِ الضَّلالِ شَجا
ولا نجا منكَ ذو غِلٍّ ولا دَغَلٍ / إِلّا إِلَى حُكْمِكَ الماضِي عَلَيْهِ نَجا
صَبْرٌ كثَهْلانَ يومَ الرَّوْعِ مُتَّئِداً / جُودٌ كَسَيْحانَ يومَ المَدِّ مُعْتَلِجا
فيا مُعَادِيَهُ أَجْفِلْ ولا وَزَراً / ويا مُؤَمِّلَهُ أَسْرِفْ ولا حَرَجا
ولا تَزَلْ أَيُّهَا الدَّهْرُ السعيدُ بِهِ / بِوَجْهِهِ بَهِجاً مِنْ ذِكْرِهِ أَرِجَا
هو البدرُ فِي فَلَكِ المَجْدِ دارا
هو البدرُ فِي فَلَكِ المَجْدِ دارا / فما غَسَقَ الخطبُ إِلّا أَنارَا
تَجَلَّى لَنَا فَأرَتْنَا السُّعودُ / غُيُوبَ المُنى فِي سناهُ جِهارا
وأَوْفَى فكادَتْ صَوَادِي القُلوبِ / تفوتُ العُيونَ إِلَيْهِ بِدارا
وحَلَّ فَحَلَّتْ جِسامُ الفُتُو / حِ تَبْأَى اخْتِيالاً وتُزْهى افْتِخارا
وحَقَّ لَهُ اليومَ رِقُّ الكرا / مِ طَوْعاً ورِقُّ العُداةِ اقْتِسارا
فَيا رُبَّ غايَةِ مَجْدٍ شَأَوْتَ / إِلَى فَخْرِها مُعْجِزاً أَنْ تُجارى
ومن يَسْمُ فِي ذِرْوَتَيْ حِمْيَرٍ / ويَحْتَلَّ من يَمَنِ المُلْكِ دارا
يُنازِعْ إِلَى شِبْهِ ذَاكَ السَّناءِ / وتَنْحُ مساعِيهِ ذَاكَ النِّجارا
وحَسْبُ الخليفةِ إِيثارُهُ / لكُمْ دونَ هَذَا الأَنامِ اقْتِصارا
تَنَقَّاكُمَا عامِرِيَّيْنِ قاما / بأَعبائِهِ فاسْتَجَدَّا الفَخارا
فلَمْ يَأْلُ بحبوحَةَ الملكِ حَظّاً / ولا ادَّخَرَ المسلمينَ اختيارا
رمى بكَ بَحرَ الأَعادِي وأَدْنى / من المُلْكِ حاجِبَهُ مُسْتَشارا
فكانَ الحسامَ وكُنْتَ السِّنانَ / وَكَانَ الشِّعارَ وكنتَ الدِّثارا
ولأْلأَ منهُ عَلَى الدِّينِ نُوراً / وأَضْرَمَ منكَ عَلَى الشِّرْكِ نارا
فأَوْلَيْتَ نُعْماهُ فِي اللهِ عَزْماً / ترى النَّصْرَ يَقْدُمُهُ حَيْثُ سارا
فصُنْتَ العُلا وأَبَحْتَ النَّدى / وحُطْتَ الهُدى وحميتَ الذِّمارا
فأَصبحَ سيفُكَ للدينِ حِصْناً / وأَمسى سِنانُكَ لِلْثَّغْرِ جارا
وَفِي شَنْتِ ياقُبَ أَوْرَدْتَها / شوارِبَ يَبْغِينَ فِي البحرِ ثارا
فسِرْتَ هِلالاً تُبارِي الهِلالَ / إِلَيْها وبَحْراً يخوضُ البِحارا
وشمساً تَطَلَّعُ بالمَغْرِبَيْنِ / بحيثُ تُوافِي ذُكاءُ الغُبارا
فما رِمْتَ حَتَّى عَلَتْ جانِباها / بأَيدِي المَذَاكِي عَجاجاً مُثارا
تهُبُّ بِهَا فِي الهواءِ الرِّيا / حُ إِمَّا دُخاناً وإِما غُبارا
وَلَمْ يَسْتَطِعْ ياقُبٌ نَصْرَها / ولا دَفَعَ الخَسْفَ عنهُ انْتِصارا
لَئِنْ غَوَّرَتْ فِي شَغافِ الشّمالِ / لقد أَنْجَدَ الفَتْحُ مِنْها وغَارا
وأَخْلَفَ بِرمُنْدَ منها الرَّجاءُ / وَمَا زادَهُ الشِّرْكُ إِلّا تَبارا
أَطَرْتَ إِلَى ناظِرَيْهِ عَجاجاً / تركتَ بِهِ عَقْلَهُ مُسْتَطارا
فما يعرفُ العَهْدَ إِلّا امْتِراءً / ولا يُوقِنُ العهدَ إِلّا ادِّكارا
ولما ادَّرَعْتَ إِلَيْهِ اليَقِي / نَ لَمْ يَدَّرِعْ منكَ إِلّا الفِرارا
وشامَ غِرَارَيْ حُسامِ المنايا / فما يَطْعَمُ النَّوْمَ إِلّا غرارا
ولَنْيُوشُ أَمْطَرْتَها صائباتٍ / تُصِيبُ النفوسَ وتَعْفو الدِّيارا
هَزَزْتَ إِلَيْها رِماحاً طِوالاً / تُصَيِّرُ أَعمارَ قومٍ قِصارا
فغادَرْتَها فِي ضَمانِ الإِلهِ / ويَمَّمْتَ أعلى وأَنْأَى مَزَارا
وَقَدْ يَفْرِسُ الليثُ أَرْوى الهِضابِ / ويُهْمِلُ حَرْشَ الضِّبابِ احْتِقارا
وخَلَّفْتَ فِيهَا مُبِيدَ الضَّلالِ / يُقَرِّبُها لَكَ ثوباً مُعَارا
يُكَفكِفُ أَدْمُعَ عَيْنٍ سِجاماً / ويُبْرِدُ أَحشاءَ صَدْرٍ حِرَارا
فَإِنْ أَخْطَأَتْهُ كُؤوسُ المنايا / لقد خَلَّدَتْ فِي حَشاهُ خُمارا
وعمَّ بِهَا فتحُكَ الأَرضَ نُوراً / كَمَا ذَرَّتِ الشمسُ فِيهَا النَّهارا
فَعَرِّجْ عَلَى الحَجِّ بالمسلمينَ / بِعُقْبِ اصْطِلامِكَ حَجَّ النَّصارى
فقد نَشَرَتْ مِصْرُ والقيروانُ / ومَدَّتْ عيونُ الحجازِ انْتِظارا
تَسَلَّيْتَ حَتَّى أُنْسِيَ الهائِمُ الهَمَّا
تَسَلَّيْتَ حَتَّى أُنْسِيَ الهائِمُ الهَمَّا / وأَغْنَيْتَ حَتَّى أُعْدِمَ المُعْدِمُ العُدْمَا
وإِلّا فكيفَ اغتالَتِ القُطْبَ والسُّها / وعارَضَتِ الجوزاءَ واعْتامَتِ النَّجْما
وكيفَ دَنَتْ منكَ الخطوبُ وَمَا رَجَتْ / بساحَةِ من والاكَ ظُلْماً ولا هَضْما
وكيفَ ابْتَغَتْ للسُّقْمِ عِنْدَكَ موضِعاً / وأَنتَ الَّذِي يشفي الإِلَهُ بِهِ السُّقْما
وكم رُعْتَها بالسَّيْفِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ / فإِنْ أَقْدَمَتْ يَوْماً ففِي بَسْطِكَ السَّلْما
أَلا أَقْدَمَتْ فِي حَوْمَةِ الموتِ والرَّدى / تُطارِدُهُ حمرا وتبهره قدما
وَهَلَّا وأَبْصارُ الكُماةِ شواخِصٌ / وبِيضُ الظُّبى تَحْمى وسُمْرُ القَنا تَدْمى
وَمَا كَانَتِ الحُمَّى بأَوَّلِ كاشِحٍ / سَعى لَكَ بالبُؤْسَى فجازَيْتَهُ النُّعْمَى
فأَوْلَيْتَها الصَّبْرَ اللَّجوجَ إِلَى العِدى / وَعَرَّفْتَها الصَّبْرَ الخَرُوجَ من الغُمَّى
ومن قبلُ مَا أَوْسَعْتَها صَدْرَ صافِحٍ / ونفساً يَلَذُّ المِسْكَ أَنفاسُها شَمَّا
فإِنْ جُدِّدَتْ فِي بُعْدِها لَكَ صِحَّةٌ / فمِنْ بَعْدِ أَنْ زَوَّدْتَها الطِّيبَ والحلْما
وإِنْ تَلْقَ جِسْماً بعد جِسْمِكَ فِي الورى / وكَيْفَ بِهَا أَنْ تَرْتَضِي بَعْدَهُ جِسْما
فَقَدْ أَهْدَتِ البُشْرى إِلَيْهِ وأَفْرَغَتْ / عَلَيْهِ السُّرورَ المَحْضَ والكَرَمَ الجَمَّا
وَمَا نَقَصَتْ منكَ الليالي فَعُوَّدٌ / عَلَيْكَ بِهِ إِلّا الخَطِيئَةَ والإِثْما
وعندَ ذُبُولِ الرَّوْضِ يُرْجى لَهُ الحَيا / وعِنْدَ محاقِ البدرِ يَسْتَقْبِلُ التِّما
ومَنْ يَصْلَ نارَ الحربِ فِي جاحِمِ الوغى / فلا غَرْوَ أَن يَحصى حشاهُ وأَنْ يَحْمى
ولا عَجَبٌ من وَهْن جسمٍ تعاوَرَتْ / قواهُ الحصونَ الصُّمَّ والمُدُنَ الشُّمَّا
فَبَسْطَةُ باعٍ جازَتِ الوَهْمَ والمدى / ورَحْبُ ذِراعٍ حازَتِ العُرْبَ والعُجْما
فإِنْ يَبْقَ من شكواكَ باقٍ فَهَذِهِ / تمائِمُكَ اللاتي شَفَيْتَ بِهَا قِدْما
خيولاً كساها الجَوُّ نُوراً فأَقْدَمَتْ / مُحَجَّلَةً غُرّاً وإِنْ نُتِجَتْ دُهْما
وبيضاً تَشَكَّتْ من شَكاتِكَ وَحْشَةً / بما أَنِسَتْ حَتَّى قَرَنْتَ بِهَا العَزْما
وسُمْراً كَأَنَّ الليلَ لما سَرَيْتَهُ / كَسا كُلَّ لَدْنٍ من كواكِبِهِ نَجْما
وكُلَّ غَريقٍ فِي الحديدِ كَأَنَّما / تَسَرْبَلَ من غَزْلِ الغزالَةِ واعْتَمَّا
تهاوَتْ بِهِ الأَهواءُ حَتَّى أَمَمْتَهُ / إِلَى طاعَةِ الرحمنِ فانْقَادَ وائتَمَّا
فلم يَدْرِ إِلّا ظِلَّ مُلْكِكَ مَوْطِناً / ولا والِداً إِلّا لَدَيْكَ ولا أُمَّا
ويا ذَا الرِّياساتِ افْتَتِحْ فَقَدِ انْجَلَتْ / فواتِحُكَ اللاتِي ضَمِنَّ لَكَ الحَتْما
ويا مُنْذِرَ الراياتِ والسَّابحاتِ قُمْ / فأَنْذِرْ عِداكَ الذُّلَّ والخِزْيَ والرَّغْما
ونادَتْ بكَ الدنيا أَبا الحَكَمِ احْتَكِمْ / بِحَوْلِ الَّذِي أَلقى إِلَى يَدِكَ الحُكْما
وأَوْفِ عَلَى العَلْياءِ واسْتَوفِ أَنعُماً / حباكَ الَّذِي يَحْبُو بأَجْزَلِها قِسْما
بَدَا لَكَ نَجْمُ السَّعْدِ واطَّلَعَ النُّجْحُ
بَدَا لَكَ نَجْمُ السَّعْدِ واطَّلَعَ النُّجْحُ / فبِاللهِ فَاسْتَفْتِحْ فقد جاءَكَ الفَتْحُ
وَقَدْ قَدَّمَ النَّصْرُ العزيزُ لِواءَهُ / وقبلَ طُلوعِ الشَّمْسِ يَنْبَلِجُ الصُّبْحُ
فَقُدْ فِي سبيلِ اللهِ جَيْشاً كَأَنَّهُ / من الليلِ قِطْعٌ طَبَّقَ الأَرضَ أَوْ جُنْحُ
كتائِبُ فِي إِقدامِها الحَقُّ والهُدى / وأَلوِيَةٌ فِي عَقْدِها اليُمْنُ والنُّجْحُ
فَقَدْ حانَ يومُ الفتحِ واهْتَزَّتِ المُنى / وصَحَّ رَجاءُ السَّيْفِ واستبشَرَ الرُّمْحُ
وحَنَّتْ إِلَى يَومِ اللِّقاءِ سَوَابِحٌ / لَهَا فِي بِحارِ المَوْتِ نَحْوَ العِدى سَبْحُ
حَمَلْتَ عليها كُلَّ حامِلِ نِعْمَةٍ / بيُمْناكَ مقروناً بِهِ الصِّدْقُ والنُّصْحُ
بضائِعُهُمْ فِي مَتْجَرِ الحَرْبِ أَنْفُسٌ / رِضاكَ لَهَا فِي كُلِّ مَلْحَمَةٍ رِبْحُ
فيا أَنْفَسَ الأَملاكِ نَفْساً وإِنَّهُ / بِهَا فِي سِبيلِ اللهِ يَوْمَ الوَغى سَمْحُ
ويا أَيُّهَا المشغوفُ بالبأْسِ والندى / وَمَا زالَ مشغوفاً بِهِ الحمدُ والمدحُ
وبَحْرُكَ مَوْرُودُ السَّواحِل مُفْعَمٌ / وعَبْدُكَ قَدْ أَوْدَى بِهِ الظَّمَأُ البَرْحُ
من سَبْيِ سيبِكَ مِمَّا أنْبَتَتْ نِعَمُكَ
من سَبْيِ سيبِكَ مِمَّا أنْبَتَتْ نِعَمُكَ / من دُرِّ بَحْرِكَ مِمَّا عَمَّهُ كَرَمُكْ
حَتَّى أَتيتُكَ طِيباً طابَ مرتَعُهُ / وَسْطَ الرِّياضِ الَّتِي جادَتْ لَهَا دِيَمُكْ
أَو كوكباً من نجومِ الحسنِ مطلَعُهُ / جَوُّ السَّماءِ الَّتِي مِنْ فَوْقِها هِمَمُكْ
من رِيقَتِي المِسْكُ بَلْ رَيَّاهُ من أَرَجِي / كَأَنَّما صافَحَتْنِي بالضُّحى شِيَمُكْ
والغُصْنُ يَسْرِقُ من قَدِّي تَثَنِّيَهُ / رقصاً وحَاشا لَهُ مِمَّنْ غَدَتْ نِعَمُكْ
أَقولُ لِلْصُّبْحِ والدُّنْيا تُنيرُ بِهِ / يَا صُبْحُ مَنْ يَرَ وَجْهِي فَهْوَ مُتَّهِمُكْ
وكم دَعَوْتُ وجُنحُ الليلِ مُنْسَدِلٌ / يَا لَيْلُ شَعْرِيَ يَغْشَى الليلَ أَمْ ظُلَمُكْ
وربَّ برقٍ خَبا لما هَتَفْتُ بِهِ / هيهاتَ من مَبْسِمِي يَا برقُ مُبْتَسَمُكْ
بدائِعٌ تقتضِي حَقِّي لَدَيْكَ وَقَدْ / رأَيتُ آمالَ أَهلِ الأَرْضِ تَقْتَسِمُكْ
لعلَّ عطفَكَ يَا مولايَ يأْذَنُ لِي / فِي وَضْعِ خَدِّيَ حَيْثُ اسْتَوْطَأَتْ قَدَمُكْ
وتَبْلُوَ السِّرَّ من قولٍ يُرَدِّدُهُ / إِلَيْكَ قَلْبِيَ لا يَعْيا بِهِ فَهَمُكْ
ما شَيَّدَ الكُفْرُ حِصْناً من بلادِهِمُ / إِلّا ليخقِقَ فِي أَبراجِهِ عَلَمُكْ
ولا تَذَوَّقَ طَعْمَ الأَمْنِ ذو حَذَرٍ / من النَّوائِبِ حَتَّى ضَمَّهُ حَرَمُكْ
ولا تَعَذَّرَ من طالَبْتَ مُهْجَتَهُ / ولا تَمَنَّعَ إِلّا من حَمَتْ ذِمَمُكْ
ولا تَنَسَّمَ من عاداكَ مَنْفَسَهُ / حَتَّى تَحِلَّ بأَقصى دارِهِ نِقَمُكْ
تَسَمَّعْ لِدَعْوَةِ ناءٍ غَرِيبِ
تَسَمَّعْ لِدَعْوَةِ ناءٍ غَرِيبِ / كَثيرِ الدُّعاءِ قليلِ المُجِيبِ
يَهيمُ إِلَيْكَ بِهَمٍّ شُجاعٍ / ويَجْبُنُ عنكَ بِسَتْرٍ هَيوبِ
ويقتادُهُ منكَ صِدْقُ اليقينِ / فيرتابُ منه بِظَنٍّ كَذُوبِ
أَيَأْذَنُ سَمْعُكَ لِي من بَعيدٍ / ولحظُكَ قَدْ رابَنِي من قريبِ
وكيفَ بأَشجانِ قلبٍ عزيزٍ / فيُسْعِدُهُ لَهْوُ قلبٍ طَروبِ
فناداكَ من غَمَراتِ التَّناسِي / وناجاكَ فِي ظُلُماتِ الخُطوبِ
بِبالِغَةٍ للتَّرَاقِي حَدَتْها / إِلَيْكَ وَصاةُ القريبِ المُجيبِ
بما خُطَّ للجارِ وابْنِ السَّبيلِ / وأُوجِبَ للمُسْتَضامِ الغريبِ
وَمَا قَدْ حَباكَ الرِّضا من مليكٍ / بلاكَ بلاءَ الحُسامِ الرَّسُوبِ
فَحَلّاكَ إِكرامَهُ فِي العيونِ / لِتَقْدُمَ أَعلامَهُ فِي الحروبِ
وأَذْكَى سِراجَكَ وَسْطَ القصورِ / لِيُعْلي عَجاجَكَ خَلْفَ الدُّروبِ
فأَرْعَيْتَهُ صِدْقَ حُرٍّ شَكُورٍ / تَسَرْبَلَ إِخلاصَ عَبْدٍ مُنِيبِ
وأَبْلَيْتَهُ نُصْحَ جَيبٍ سَليمٍ / وفِيِّ الضَّمانِ بِنُصْحِ الجُيُوبِ
تقودُ إِلَيْهِ رجاءَ البعيدِ / وتتلُو عَلَيْهِ ثناءَ القريبِ
وتَلْقى وُجوهَ المُحِبِّينَ عنهُ / بِبِشْرِ المُحِبِّ ووَصْلِ الحبيبِ
وكم مِنْبَرٍ للعُلا قَدْ بناهُ / لَهُ اللهُ من مُعظَماتِ الصَّليبِ
حَمَيْتَ ذُرَاهُ بأَنْفٍ حَمِيٍّ / ورَحْبَ ذَرَاهُ بصدرٍ رَحيبِ
وضاقَ بِمَنْ أَسْمَعَ الضَّيْمَ عَنْهُ / فيا لخطيبٍ صريعِ الخُطوبِ
قريبٌ إِلَى كلِّ أُفْقٍ بعيدٍ / بعيدٌ عَلَى ذِكْرِ مولىً قريبِ
وَقَدْ أَطْلَعَ الشرقُ والغربُ عنهُ / كواكِبَ تهوي لغيرِ الغُروبِ
نجوماً أَضاءَتْ بِفَصْلِ الخطابِ / لَهُ الدَّهْرَ إِلّا مكانَ الخطيبِ
وعنهُ تَنَكَّبْتَ قوسَ النِّضالِ / فَرِشْتَ لَهَا كلَّ سَهْمٍ مُصيبِ
فأَوْتَرْتَها لقلوبِ العُداةِ / وأَغْرَقْتَ فِيهَا لِرَمْيِ الغُيُوبِ
فما لَكَ عن غَرَضٍ كالصَّباحِ / تجلَّلَ أُفْقَ الصَّبا والجَنُوبِ
يضاحِكُ من رَوْضِ فِكْرِي بِذِكْرِي / أَزاهِيرَ نَوْرٍ بِنُورٍ مَشوبِ
فلِلَّهِ إِشراقُ ذَاكَ الشبابِ / تأَلَّقَ فِي حُسْنِ ذَاكَ المَشيبِ
فَفَاحَ تَضَوُّعُ ذا من ضَياعِي / كَمَا لاحَ مَطْلَعُ ذا من غُرُوبِي
فتِلْكَ نقائِضُ سَعْيِي وسَعْدِي / يُنادِينَ يَا لَلْعُجابِ العَجيبِ
وتلكَ بضائِعُ نثري ونظمي / ضوارِبُ فِي الأَرْضِ هَلْ من ضَريبِ
ويا للخلائِقِ هلْ من مُساوٍ / ويا للدَّواوينِ هل من مُجيب
ويا نَشْأَتِي عبْدِ شَمسٍ / ومن أَعْقَبَتْ هاشِمٌ من عَقِيبِ
وَمَا خَطَّهُ أَثَرٌ عن أَميرٍ / وسَطَّرَهُ أَرَبٌ عن أَرِيبِ
فَهَلْ فِي الوَرى غَيْرُ سَمْعٍ شهيدٍ / يُلَبِّيهِ كُلُّ فؤادٍ لَبيبِ
وغيرُ لسانٍ صدوقِ البيانِ / يُقِرُّ لَهُ كلُّ زَعْمٍ كَذُوبِ
بأَنْ لَمْ يَفُزْ قَبْلَها مُلْكُ مَلْكٍ / بِقِدْحٍ كَقِدْحِ مَلِيكَيْ تُجِيبِ
فأَنْجِبْ بِمُورِثِهِ من مَليكٍ / وأَسْعِدْ بوارِثِهِ من نَجِيبِ
وأَعْجِبْ بأَوفى مليكٍ أَضاعَ / من الذِّكْرِ والفخرِ أَوْفى نَصِيبِ
لواءَ ثناءٍ كَبَرْقِ الغَمامِ / يُهِلُّ إِلَيْهِ لواءُ الحروبِ
وَمَا قَدْ كَسَا كُلَّ بَرِّ وبَحْرٍ / بذكراهُ من كُلِّ حُسْنٍ وَطِيبِ
حَدَائِقَ من زَهَرَاتِ العُقولِ / تفوحُ إِلَى ثَمَرَاتِ القُلُوبِ
تَغَنَّى العذارى بِهَا فِي الخُدورِ / وتُحدَى المهارى بِهَا في السُّهوبِ
وَقَدْ أَيْنَعَ الحَزْنُ والسَّهْلُ منها / بِشِرْبِ ذَنوبٍ مَحا من ذُنُوبِي
بلاغُ حياةٍ وأَحْجَمْتُ عنهُ / لعودِ الخِباءِ ولِلْعَنْدَلِيبِ
كما ابْتَزَّ صَيْدَ العُقابِ الذُّبابُ / وصادَ النَّعامَ حَسيرُ الدَّبيبِ
وذُلِّيَ أَوْدَعَ هَذَا وهذا / أَظافِيرَ لَيْثٍ وأَنيابَ ذيبِ
مظالِمُ أَظْلَمَ حَقُّ المُحِقِّ / بِهِنَّ وأَشْرَقَ رَيْبُ المُرِيبِ
وأَنتَ عليها شهيدُ العِيانِ / وحكمُكَ فِيهَا صريحُ الوُجوبِ
ووَعْدُكَ أَلزَمَنِي من ذَرَاكَ / وِصالَ المُحِبِّ ورَعْيَ الرَّقِيبِ
فحِينَ افتَتَحْتَ بنصرٍ عزيزٍ / يُبَشِّرُ عنكَ بفتحٍ قريبِ
تَرَقَّيْتَ فِي هَضْبَةِ العِزِّ عَنِّي / وأَهْوَيْتَ بي لِمَهيلٍ كَثيبِ
ولَفَّتْكَ دُونِي غصونُ النعِيمِ / وأُسْلِمْتُ ضاحِيَ مَرْعىً جَديبِ
فَمُلِّيتَها جَنَّةً لا يزالُ / يُمَدُّ بِهَا كُلُّ عيشٍ خَصِيبِ
ولا بَرِحَتْها طيورُ السرورِ / يَميدُ بِهَا كلُّ غصنٍ رطيبِ
وإِنْ شاقَني من صَباها نسيمٌ / يُفَرِّجُ عنِّي بُرُوحَ الهَبُوبِ
وأُظْمِيتُ منها إِلَى رَشْفِ ماءٍ / يُمَثَّلُ لي فِيهِ رِيقُ الحبيبِ
وكم سُمْتُ أَوْراقَها فِي الرِّياحِ / لأَخْصِفَ فِيهَا لعارٍ سَليبِ
وأَمْسَحَها فِي مآقي جُفونٍ / دَوَامِي القَذَى قَرِحاتِ الغُرُوبِ
بما فَتَّ فيهنَّ رَمْيُ العُداةِ / وَمَا غَضَّ منهُنَّ ذُلُّ الغريبِ
فإِنْ رَمِدَتْ فقليلٌ لِعَيْنٍ / يُقَلِّبُها شَجْوُ قلبٍ كئيبِ
وإِنْ قَدَحَتْ بالحَشا فِي الحشايا / فَزَنْدَا ضِرامٍ لنارِ الكُروبِ
تُؤَجِّجُها حَسَرَاتُ التَّناسي / وتَنْفُخُها زَفَرَاتُ النَّحِيبِ
وكُلّاً وَسِعْتُ بصبرٍ جميلٍ / وبَعْضاً كَفَفْتُ بدمعٍ سَكوبِ
لأُوقِدَ منها مصابِيحَ جَمْرٍ / تُنِيرُ إِلَيْكَ بِسِرِّ الغُيوبِ
ولو غابَ عِلْمُكَ عن بَحرِ ظِمءٍ / وَمَا غِيضَ من شربِه فِي الشُّروبِ
لأغناكَ عن شُبْهَةِ الشَّكِّ فِيهِ / ذُبُولُ الجنى فِي ذُبولِ القضيبِ
وحَسْبي لَهَا منكَ حُرٌّ كريمٌ / وفيُّ الشهودِ أمين المَغِيبِ
وأرْجى عَليلٍ لِبُرْءِ السَّقَامِ / عليلٌ تَيَقَّنَ يُمنَ الطَّبيبِ
وحُسْنُ الظُّنونِ لِصدْقِ اليقينِ / نسيبٌ ولا كالنسيبِ الحسيبِ
فإنْ تُنهِ عَنِّي فأولى مُجابِ / دَعا للمكارِمِ أهدى مُجيبِ
وكُنتَ بذلِكَ أحظى مُثابٍ / لَهُ من ثَنائِيَ أوفى مُثيبِ
ومن يَمْنَعِ الضَّيفَ رَحْبَ الفِناءِ / فقد قادَهُ للفضاءِ الرَّحِيبِ
أهِلِّي قَدْ أنى لكِ أن تُهِلِّي
أهِلِّي قَدْ أنى لكِ أن تُهِلِّي / إلى صَوبِ الغمامِ المُسْتَهِلِّ
فَمُدِيّ طرفَ ناظرةٍ تَرَيْني / تَمَكَّنَ مَغَرِسي فِيهِ وأصْلي
سنا برقٍ تلألأَ عن ذِماِمِي / وصوبُ حياً تجلَّى عن مَحَلِّي
ودونَكِ مَبْركاً فِي فَيْءِ ظِلٍّ / يُريكِ بأنَّهُ فَيئي وظِلِّي
هُوَ الظِلُّ الَّذِي قارَعتِ عنهُ / حَصى الرَّمضاءِ دامِيةَ الأظلِّ
وهذا موعدُ الأَملِ المنادي / سُراكِ سُرورُهُ ألّا تَمَلِّي
ونورُ الفجرِ من إظلامِ لَيلٍ / أضاءَ نجومَهُ لَكِ أن تَضِلِّي
أوانَ يُفَتِّرُ الإِمساءُ جهدي / فأطلُبُ فِي سنا الإصباحِ ذَحْلي
ويَرْمَدُ فِي هجيرِ القيظِ جفني / فأجعلُ من سوادِ الليلِ كُحْلي
لكيما تعلَمي فِي أيِّ مأوىً / من الملكِ الرفيعِ وضعتُ رَحْلي
ويَصدُقَكِ العيانُ بأي حبلٍ / من ابن العامِرِيِّ وصلتُ حبلي
وحسبُكِ قولُهُ أهلاً وسهلاً / بما جاوزتِ من حَزْنٍ وسَهلِ
فسِيحي وارتَعِي كلَّاً إليه / عَلَى ظَلَعِ الكلالِ حَمَلْتِ كَلِّي
مدىً لكِ كانَ منكِ مَدى كريمٍ / فَكوني منه فِي حِلٍّ وبلِّ
وَقَدْ قَضَتِ المكارِمُ أن تَعزِّي / كَمَا قَضَتِ المكارِهُ أن تَذِلِّي
فَرَعياً فِي حمى مَلكٍ رَعاني / فَحَلَّ قيودَ تَرْحَالي وحِلِّي
مَدى عبد العزيز وأيُّ عِزٍّ / أنَختُ إليه ذُلّاً فَوْقَ ذُلِّ
فَعَوَّضَ منكِ فِي مثواه بِرِّي / وأذْهَلَ عنكِ فِي مثواهُ نُزْلي
وعن مَثَنى زِمامِكِ فِي يميني / شَبا قَلمٍ عَلَى الدُّنيا مُطِلِّ
يُملُّ عليه مؤتَمَنُ المعالي / مساعيَهُ فيَستَملي ويُملي
ويُسمِعُ فِي صريرِ الخطِّ منهُ / خطاباً لا يُمَلُّ من المُمِلِّ
لِجَدِّكَ كَانَ أوَّلُ سَعْدِ جَدِّي / وأغْدَقُ بارِقٍ فِي جَوِّ مَحلي
وأحنى موتِرٍ برضاه قوسي / وأخفى رائِشٍ بنَدَاهُ نَبْلي
وصَيَّرَ مَا حَمى حَرَمِي حَراَماً / عَلَى عَدْوِ الزمان المستحلِّ
ووطَّأ فِي مكارِمِهِ مِهادِي / وأعْلى فِي مراتِبِهِ مَحَلِّي
وكم حَلَّى يَدِي من ذي عِنانِ / ودَلَّ إلى يَدِي من ذاتِ دَلِّ
فَحَقَّاً مَا تَرَكتُ عَلَيْهِ بَعْدي / ثناءً أعْجَزَ المُثنِينَ قَبلي
فأمطَرْتُ الورى رُطَباً جَنيّاً / وَمَا سُقِيَتْ بغيرِ نداهُ نَخْلي
وسَقَّيتُ النُهى أرْياً مَشَوراً / وَمَا جَرَسَتْ سِوى نُعْمَاهُ نَحْلي
هُوَ المَلِكُ الَّذِي لَمْ يُبقِ مِثلاً / سِواكَ ولا لِنَظْمِ عُلاكَ مِثْلي
ويَبْخَسُني الزمانُ ولو وَفى لي / بِحَظّي لاشتكى جُهْدَ المُقِلِّ
ولو أنِّي سلَلْتُ عَلَيْهِ سَيفاً / تُقَلِّدُني لباءَ بِشِسْعِ نَعلي
وكَمْ من شاهِدٍ عَدْلٍ عَلَيْهِ / بظُلمِي لَوْ قَضى قاضٍ بِعَدْلِ
ولو سَمِ جَدُّكَ المنصورُ أدعُو / إِلَيْهِ لَمَ يَسُمْني سَوْمَ مَطْلِ
وأنتَ ورِثْتَهُ طِفلاً ولكن / رَجَحتَ عَلَى الرجالِ بِحلمِ كَهْلِ
بما رَدَّاكَ من هَدْيٍ وبِرٍّ / وَمَا حلّاكَ من قولٍ وفعلِ
فَغَضَّ من البدورِ سنا هِلالٍ / وهَدَّ من الليوثِ زئيرَ شِبلِ
وأنتَ أمِينُهُ فِي كل سَعْيٍ / سَقى نَهَلاً لِتُتْبِعَهُ بِعَلِّ
محافِظُ عَهدِهِ فِي قَوْدِ جَيْشٍ / بأعباءِ الوقائِعِ مُسْتقِلِّ
وتالي شَأوِهِ فِي كلِّ فَخْرٍ / وثاني سَعْيِهِ فِي كلِّ فَضْلِ
وفَيْضُ يمينِهِ والحمدُ يَغْلُو / ونورُ جبينهِ والحربُ تَغْلي
بكُلِّ أغَرَّ فوقَ أغَرَّ يَصْلى / جَحيم الحرب مُقْتَحِماً ويُصْلي
يلوثُ الدِرْعَ منهُ بِليْثِ بأسٍ / يصولُ عَلَى العِدى بأصمَّ صِلِّ
وكلِّ عُقابِ شاهِقَةٍ تَجَلَّى / أناسيُّ الحتوفِ لما تُجَلِّي
بَرِيُّ السيفِ من دَهَشٍ وجُبْنٍ / وحُرُّ الصدرِ من غَدرٍ وغلِّ
وَمَا يُثنى السِنانُ بغيرِ قَصفٍ / ولا حَدُّ الحُسامِ بغيرِ فَلِّ
جَلوتَ لهُمْ معالِمَ ذَكَّرَتْهُمْ / مَعالِمَ جَدِّكَ الملِكِ الأجلِّ
سلكتَ سبيلَهُ هَدْياً بهديٍ / وقمتَ مقامَهُ مِثْلاً بِمِثلِ
وأخلَصْتَ الصَّلاةَ إلى المَصَلَّى / فَبُورِكَ فِي المُصَلَّى والمُصَلِّي
وَقَدْ خَفَقَتْ عليكَ بنودُ عِزٍّ / عَلَتْ واللهُ أَعلاهَا ويُعلي
كما خَفَقَتْ عَلَيَّ قلوبُ غِيدٍ / أَمَرَّ لَهُنَّ دوني وَهوَ مُحلِ
بما أثبَتَّ فِيهِ من يَقيني / وَمَا حَقَّقْتَ فِيهِ من لَعَلِّي
وما راعيتَ فِيهِ من ذِمامي / وَمَا أدْنَيْتَ فِيهِ من مَحَلِّي
فلا زِلْتَ المُفَدَّى والمُرَجَّى / نَدَاهُ للغريبِ وللمُقِلِّ
ونُوراً فِي الظلامِ لِمُستَنِيرٍ / وظِلّاً في الهجيرِ لِمُسْتَظِلِّ
إلى أيِّ ذكرٍ غيرِ ذكرِكَ أرتاحُ
إلى أيِّ ذكرٍ غيرِ ذكرِكَ أرتاحُ / ومن أيّ بحرٍ بعد بحرِكَ أمتاحُ
إليكَ انتهى الرِّيُّ الَّذِي بكَ ينتهي / ولاحَ ليَ الرأيُ الَّذِي بكَ يَلتَاحُ
وفي ماِئكَ الإغداقُ والصَّفوُ والرَّوى / وَفِي ظلِّكَ الريحانُ والرَّوحُ والرَّاحُ
وكلٌّ بأثمارِ الحياةِ مُهَدَّلٌ / وبالعطفِ مَيَّاسٌ وبالعُرفِ مَيَّاحُ
فأغدَقَ للظمآنِ مَحْياً ومَشرَبٌ / وأفْصَحَ بالضَّاحِي غُصُونٌ وأدواحُ
تُغَنِّي طيورُ الأمنِ فِيهَا كأنَّما / بِعَلْيَاكَ تشدو أو بذكرِكَ ترتاحُ
فألحانُها فِي سَمْع من أنتَ حِزْبُهُ / أغانٍ وَفِي أسماعِ شانِيكَ أنْواحُ
وكم قُدْتَ للأَعداءِ من حُزْنِ ليلةٍ / ضُحاها لمن والاكَ غُنْمٌ وأفراحُ
سموتَ لَهَا باسمٍ وفعلٍ كِلاهُما / بِسَيْفِكَ فِي الهيجاءِ أزْهَرُ وَضَّاحُ
جِهادٌ وَفَتْ آياتُ فِعلِكَ باسمِهِ / كَمَا شَرَحَ المعنى بيانٌ وإيضاحُ
وكالجَيشِ إذ أعلقْتهُ مِنكَ نِسبَةً / بِعِزَّتها تعلُو الجيوشُ وتجتاحُ
أبُوَّةُ آباءٍ لأبناءِ مُلْكِهِ / مَشابِهُ يحدوهنَّ صِدقٌ وإفصاحُ
فما ظَلَموها قائمينَ بشِبهِها / إذا غَوَّروا تحتَ السَّنَوَّرِ أو لاحوا
سوابِغُ لَمْ تُخْلِلْ بِصِبغِ جُسومِهم / إذا مَا غَدَوا فِي لبسِ نُعماكَ أو راحوا
ولا أسهَكَتهُمْ فِي سبيلِك لِبسةٌ / بإسهاكِها طابوا ومن رِيحها فاحوا
وكم من فَتىً أعْدَيتَهُ منكَ شِيمَةً / يَشُمُّ بِهَا ريحَ العُداةِ فَيَرتاحُ
ويُزْجِي منَ الخَطِّي أشطانَ ماتِحٍ / إلى قُلُبٍ وَسْطَ القلوبِ فَيَمتَاحُ
وبَدْرٍ إذا مَا غُمَّ فِي رَهَجِ الوغى / تَجلَّى بِهِ قَرنٌ من الشمس لَمَّاحُ
وقرمٍ لِشَولِ الحق إن حالَ وَسْقُها / تَجلَّلهَا منه ضِرابٌ وإلقاحُ
جَعلتَ عَلَيْهِ البَرَّ والبحرَ إسْوَةً / ففي البرِّ طيَّارٌ وَفِي البحرِ سَبَّاحُ
وأقبَستَهُ من نورِ هَديِكَ فاهتَدى / إلى حيثُ لا يُهدْى شِراعٌ وَمَلّاحُ
بفلكٍ كأفلاكِ السَّماءِ نُجُومُها / كَمِيٌّ ونَبَّالٌ وشاكٍ ورَمَّاحُ
وغُرٌّ إلى الغاباتِ هِيمٌ نوازِعٌ / تهيم بِهَا فِي لُجَّةِ البحرِ أشباحُ
قَرَعتَ بِهَا أمواجَ بَحرٍ تركتَهُ / وأمواجُهُ تحتَ الكلاكِلِ أطلاحُ
مفاتيحُ أقفالِ الفتوحِ الَّتِي نأَتْ / وأنتَ بِهَا في طاعَةِ اللهِ فتّاحُ
وصابحَةٍ للمسلمين بغارَةٍ / غنائمُهُمْ فِيهَا تَمورُ وتَنساحُ
حَكَمتَ بِرَدِّ الحقِ عنها فأسمَحَتْ / ولولا ظُبَاكَ الحُمرُ مَا كَانَ إسماحُ
غداةَ طَمَستَ الغَيَّ منهم بوقعَةٍ / وَمَا قَدرُ مصباحٍ إذا لاح إصْباحُ
مآثِرُ لَمْ يَعطَل بِهَا قَرنُ ناطِحٍ / وكيفَ وقَرنُ الحقِّ عَنهُنَّ نَطَّاحُ
قد اكتُتِبَتْ فِي اللَّوحِ فخراً مؤيَّداً / صُدورُ الدُّنا منها سطورٌ وألواحُ
وآمالنا فِيهَا بضائِعُ مَتجَرٍ / سجاياكَ أموالٌ لهُنَّ وأرباحُ
مساعِيَ أبقينَ الدهورَ كأَنَّها / جُسومٌ لَهَا منه نفوسٌ وأرواحُ
محاسِنَ تتلوها الليالي كأنَّها / علومٌ إليها تَستَهلُّ وترتاحُ
فلو أُعطِيتْ غِيدُ الكواعبِ سُولَها / لَصِيغَ لَهَا منها عُقودٌ وأوْضاحُ
وبأسٌ لَوِ استعطى الكماةُ فُضُولَهُ / لقُدَّ لهُم منه سيوفٌ وأرماحُ
إليها حَدَتني حادِثاتٌ كأَنَّها / بَوارِحُ يَحدُوهُنَّ بَرحٌ وأبرَاحُ
عَلى غَولِ بحرٍ من هُمومٍ عُبابُهُ / بِرَحلي إلى غَول المتالفِ طوَّاح
إذا رام تغريقي فَلُجٌّ وغَمرةٌ / وإن مُدَّ فِي ظِمئي فآلٌ وضَحضَاحُ
وحَسبيَ منه فِي الهواجِرِ والسُّرى / جَناحٌ لَهُ من حُسنِ ظَنِّي وإنجاحُ
وشَأوُ مَدىً فِي مورِدِ النُجحِ شارِعٌ / وزندُ هدىً فِي فحمةِ الليلِ قَدَّاحُ
إذا مَدَّ إظلامُ الأسى ظُلَمَ الدُّجى / تَمَثَّلَ لي من نورِ وجهِكَ مِصباحُ
وإن أبهَمَتْ أقفَالَها عَنِّيَ الفَلاَ / تَخَيَّلَ لي من بِشرِ برِّكَ مِفتاحُ
فما صَدَّني عن مُلتَقى الغِيلِ ضيغَمٌ / ولا راعَني فِي مَورِدِ الماءِ تِمساحُ
ولا بَرَّحَتني يَا مُوفَّقُ نشوةٌ / سجاياكَ لي فِيهَا كؤوسٌ وأقداحُ
فكلُّ فؤادٍ مُخْلِصٍ فيكَ مُخلَصٌ / وكلُّ لسانِ صادِقٍ لَكَ مَدَّاحُ
أهنِّيكَ يَا عِيدَ الرَّغائِبِ عيدا
أهنِّيكَ يَا عِيدَ الرَّغائِبِ عيدا / تَلَقَّاكَ بِاسمٍ صادقٍ لِتَعُودَا
كنُعماك فينا فاتِحاً ومُتمِّماً / وجُهدِكَ فينا مُبدِئاً ومُعِيدا
فأعطاكَ بالعَهدِ الكريمِ مَوَاثِقاً / وبالنصر فِي طُولِ البقاءِ عهودا
وقد مَلأَ الأيَّامَ منك مَحاسِناً / وآفاقَها العليا إليكَ سُعودا
وحلّاكَ عِقدَ المَكرُمَاتِ مُنَظَّماً / وأَلبَستَهُ ثوبَ السرورِ جديدا
وقد أشرقَت منكَ المُصَلَّى بغرَّةٍ / يظلُّ لَهَا وجهُ الصباحِ حَسودا
أضاءَت بنورِ الحقِّ والعدلِ والنُّهى / فجاءَتكَ أحرارُ الرِّجالِ عَبيدا
سَجَدتَ لربِّ العرشِ ديناً وطاعةً / فَخَرَّتْ إليكَ النائباتُ سُجودا
ومَدَّ إليك الناظرونَ نواظِراً / أقامَتْ بإخلاصِ القلوبِ شُهودا
فَمَلَّأْتَها هَدياً وبِرّاً وسُودَداً / وبأساً عَلَى أعدائِهنَّ وجُودا
وأعلامَ عِزٍّ أحدَقتْ بمكارِمٍ / فواتخ عقبانٍ حَمَلْنَ أُسودَا
كأَنَّ نَدى يُمناكَ مِمَّا تجودُها / كساها من الرَّوضِ النَّضِيدِ بُرُودا
وقد طَلَعَ الدِّيباجُ والوشيُ فَوقَها / حَدَائِقَ زَهرٍ فِي الغصونِ نَضِيدا
وكم لَبِستْ منه عِداكَ حِدادَها / إذا لَبِسُوا فوقَ السُّروجِ حَديدا
وكم مَلؤُوا الأرضَ الفضاءَ حَوَافِراً / وجَوَّ السَّماء قَسطَلاً وبُنُودا
وبِيضاً ردَدْنَ الليلَ أبيضَ مُشرقاً / علينا وأيَّامَ المعانِدِ سُودا
وزُرقاً من الخطِّيِّ أوقدها الوغى / فأضحَتْ لَهَا غُلبُ الرِّقابِ وَقُودا
مَساعٍ رَعَينَ الملكَ حَتَّى تَلأَلأَت / قلائِدَ فِي لَبَّاتِهِ وعُقودا
فَلَو لَمْ تُشَيِّعكَ الجنودُ إلى العِدى / لأضحى لَكَ النصرُ العزيزُ جُنودا
فلا زِلتَ للإسلامِ سَيفاً مُحامِياً / وصِنوُكَ رُكناً للثُغورِ شَديدا
تُنادِمُهُ كأسَ الوفاءِ فإن غَدَا / بعيداً فما مثواهُ مِنكَ بَعِيدا
فَمُلِّيتُما نُصحاً يعودُ بغبطَةٍ / وألهِمتُما حَمدا يقودُ مَزيدا
فِداؤكَ من لَوْ كَانَ فِي وُسعِهِ الفِدا
فِداؤكَ من لَوْ كَانَ فِي وُسعِهِ الفِدا / للاقى الأسى من دونِ نَفسِكَ والرَّدى
فلم تُضحِ من صرفِ الزمانِ مُرَوَّعاً / ولا بِتَّ من ليلِ المنونِ مُسَهَّدا
ولا راعَ منك الصبحُ سِرباً مُسَوَّماً / ولا هَزَّ عنكَ الليلُ مَثوىً مُمَهَّدا
ولم تَجِدِ الشكوى لِعَلْيَاكَ مُرتَقىً / ولا النائباتُ فِي سَماِئكَ مَصعَدا
ولا الحُزنُ فِي رَوْضاتِ عِزِّكَ مَرتَعاً / ولا الهمُّ فِي أرجاءِ بَحرِكَ مَورِدا
ولا ماءُ دَمْعٍ فِي جفونكَ مَسلَكاً / ولا نارُ وَجْدٍ فِي ضلوعِكَ مَوقِدا
وأصبَحَ جَدِّي حِينَ أفديكَ طائِعاً / بنفسِيَ أحظى بالوفاءِ وأسعَدا
ومالي لا أفدِي المكارِمَ والعُلا / وناهِجَ سُبلِ الفضلِ والجودِ والندى
ولكِن أرى مِنْ سَلِّ رأيِكَ للنُهى / وسعيِكَ للحسنى وَهدْيِكَ للهُدى
لقاءَكَ مَا لُقِّيتَ إلّا تَصَبُّراً / وحملَكَ مَا حُمِّلتَ إلّا تَجَلُّدا
مُرَزَّأَ أفلاذِ الفؤادِ مصائِباً / توالت بِهَا الأيامُ مَثَنىً ومَوحَدَا
فلم تَبدَ إلّا كُنتَ بالصَّبرِ بادِياً / ولا عُدنَ إلّا كنتَ بالعَودِ أحمدا
جَدِيراً وَقَدْ أشجاكَ فقدُ مُحَمَّدٍ / بِسَلوَةِ ذِكرَاكَ النَّبيَ مُحَمَّدَا
لِتقتَضِيَ الأَجرَ الجَزيلَ مُضَاعَفاً / وتَشتمِلَ الصَبرَ الجَمِيلَ مُمَدَّدَا
بأعلى مِنَ النَّجمِ الَّذِي غَارَ مُقتنىً / وأزكى منَ الغُصْنِ الَّذِي
هِلالاً يُسامِي فيكَ مَجرىً ومَطلعَاً / وفَرعاً يبارِي مِنكَ أصلاً ومَحتِدا
تَتِمُّ بِهِ النُعمى ويُسلى بِهِ الأَسى / وتَبأى بِهِ الدنيا ويَشجى بِهِ العِدى
إذا سُقِيَتْ أرضٌ فقد بُشِّرت أرضُ
إذا سُقِيَتْ أرضٌ فقد بُشِّرت أرضُ / وعِندَ عُمومِ الكُلِّ ينتظرُ البعضُ
وقد ذَبُلَت فِي رَوضِ جُودِكَ زَهرَةٌ / ثناؤكَ منها فِي الورى يانِعٌ غَضُّ
وأَظلَمَ فِي عُلْيا سمِائكَ كوكَبٌ / يُسامِي بذكراكَ الظَّلامَ فَيَبيَضُّ
وقد بَسَطَتْ للجُندِ منكَ شفاءَها / يَدٌ شَفَّني منها التَّأخُّرُ والقَبضُ
وأجنادُ شُكرِي لَمْ تَفُتكَ بِعَرضِها / ولا فاتها فِي الأرضِ طُولٌ ولا عَرضُ
رُبَّ ظَبيٍ خَنِثٍ ألحاظُهُ
رُبَّ ظَبيٍ خَنِثٍ ألحاظُهُ / كَعَوَالي مُنذِرٍ يَومَ النِّزالِ
أترَعَ الكَأسَ وحَيَّاني بِهَا / فأخذت النَّجمَ من كَفِّ الهِلالِ
فكأنِّي واجِدٌ فِي شُربِها / لَذَّةَ المنصُورِ فِي بَذلِ النَّوالِ
بِسَعدِكَ لا بسعدٍ أو سُعادِ
بِسَعدِكَ لا بسعدٍ أو سُعادِ / تَنقَّلَ كلُّ هَمٍّ عن فُؤادِي
قعَدتُ عنِ الصِّبا وظَلِلتُ أدعُو / بأن تُعطى الظهورَ عَلَى الأعادي
وذلكَ حين أبصرتُ العَوالي / تُميلُ إليكَ أفئِدَةَ العِبادِ
عَلِمتُ بأنَّكَ المَلكُ الَّذي لا / تَدِينُ لغيرِهِ كُلُّ البِلادِ
عجِبتُ لمارِقٍ يعصيكَ جهَلاً / وَقَدْ سَبَقَتْ إليهِ لكَ الأيادي
فَسلْهُ مُخْزِياً هل كَانَ يَدرِي / بأنَّ الخِزْيَ فِي طَلَبِ العِنادِ
ألَمْ يَكُ لَوْ أنابَ إليك طَوْعاً / ينالُ منَ العلا فوقَ المُرادِ
ومَنْ لَمْ يَدرِ أنَّ الهامَ زَرْعٌ / لِينَظُرْ فِعْلَ سيفكَ فِي الأعادِي
حُسامَكَ لاستحالَتْ بالفَسادِ /
فإنَّ الدهرَ عندَكَ فِي قِيادِ /
وَمنْ يَكُنِ الزمانُ لديه عَبْداً / يَنَلْ مَا شاءَ من غَيْرِ ارتِيادِ
فَنَفْسُكَ بالمكارِمِ قَدْ تَحَلَّتْ / ورأيُكَ قَدْ تَحلَّى بالسَّدادِ
وسيفُكَ حيثُما وَجَّهتَ ماضٍ / ونُورُكَ حيثُما يَمَّمْتَ هادِ
ونجمُكَ طالِعٌ بالسَّعْدِ يَجْرِي / فسعدُكَ كُلَّ يومٍ فِي ازْدِيادِ
ونُصْحُكَ فِي الديانَة ليْسَ يَخْفى / وَمَا تَسْعى إلى غيرِ المَعادِ
وما صُوِّرْتَ إلا من حديدٍ / ولا استعْمِلتَ إلا للجِلادِ
وما تَرْضى بغيرِ الدِّرْعِ لِبساً / ولا فَرْشاً تحب سِوى الجِيادِ
أرى الأقدارَ مَا أمضَيْتَ تُمْضي / أأنْتَ تَسُوقُها أمْ أنتَ حادِ
أرى جَدْواكَ للإملاقِ ضِدّاً / وَفِي يَدِكَ المنونُ لمَنْ تُعادِي
أظُنُّكَ أنت مِفتاحَ المنايا / وَقَدْ مُلِّكْتَ أرزاقَ العِبادِ
أتَتْ كُتُبُ الأوائِلِ عنكَ تُثْني / تُبَشِّرُنا وتُنْذِرُ قَوْمَ عادِ
لأنكَ سوفَ تُهْلِكُ كُلَّ عادٍ / وتُنْصَرُ بالملائِكَةِ الشِّدادِ
ولَيْسَتْ فَعْلَةٌ تشناكَ لكِنْ / تَمَلَّكَ أهلَها ضِدُّ المعادِ
ولو وَجَدُوا السبيلَ إليكَ يوماً / لما خَفِيَتْ لهُمْ طُرُقُ الرَّشادِ
أشِرْ نحوَ الشَآمِ وأرْضِ مِصْرٍ / تَجِئْكَ مُجيبَةً لكَ بالقيادِ
وهل مَلِكٌ يُقاسُ إلى ابنِ يَحْيى / لَدى الهيجاءِ أو فِي كُلِّ نادِ
مليكٌ إن حَلَلْتَ بِهِ مُقِلّاً / نَزَلتَ عَلَى أجَلَّ من التِّلادِ
هَلِ المنصورُ للأيام إلّا / يَدٌ قِبَلَ البَرِيَّةِ بل أيادِ
يَحلُّ قصورُ مِثلِكَ فِي مِثالي / حُلولَ الماء فِي ظَمْآنَ صادِ
لئِنْ غَلَبتْ مناقِبُكمْ لِساني / فإنَّ العُذْرَ من بعضِ السِّدادِ
أقْدَمتَ دونَ مَعالِم الإسلامِ
أقْدَمتَ دونَ مَعالِم الإسلامِ / فاقْدَمْ بخيرِ تحية وسَلامِ
متقلِّداً سيفَ الغناءِ وفوْقَهُ / حَليُ البهاءِ وحُلَّةُ الإعْظامِ
سامٍ إلى مرآكَ أبصارُ الورى / قَلقاً إليكَ مُبارَكُ الإكرامِ
فوزاً بأسنى القِسمِ من مَلِكٍ حَوى / من صِدْقِ سَعيِكَ أجزَلَ الأقْسامِ
فَجَزَاكَ من كَرَمِ القُدومِ وفاءَ ما / أبليتَهُ من صادِقِ الإقدامِ
بمواقفٍ لكَ فِي الوغى سُمْنَ العِدى / طَيْشَ العقولِ وزَلَّةَ الأقدامِ
ومناقبٍ لولا دُنُوُّكَ للنَّدى / لأرَتْكَ فِي جَوِّ السماءِ السَّامي
رُتَباً رفَعْتَ ثناءها وسَناءَها / بِشَبا الرِّماحِ وألسُنِ الأقلامِ
وحمائِلٍ فِي طَيِّ مَا حَمَّلتَها / ذُلَّ الضَّلالِ وعزَّةُ الإسلامِ
للهِ منه صارمٌ لَكَ كُلَّما / نَجَمَ الشِّقاقُ دَنا لَهُ بِصِرامِ
نَكَصَتْ سيوفُ الغَي عنهُ وانْحَنَتْ / فَهِيَ الأهِلَّةُ وَهْوَ بَدْرُ تَمامِ
تَمَّتْ لَهُ وبهِ الرَّغائِبُ وانْجَلى / منهنَّ ليلُ الظُّلمِ والإظلامِ
سارٍ إلى الأعداءِ فِي سَنَنِ الدجى / حَتَّى يُقِيلَ عَلَى مَقيلِ الهامِ
فبه حَلَلْتَ بلادَ حِلِّكَ وانثنى / حَرَمَاً عَلَى الغاوينَ كُلُّ حَرَامِ
وحَكَمْتَ بالحقِّ المبينِ لأهلِهِ / عَدلاً من الأقدارِ والأحكامِ
أرضاً أنَرْتَ الحَقَّ فِي أعلامِها / بخوافِقِ الرّايات والأعلامِ
ومَطَرْتَ عاليَها صواعِقَ بارقٍ / أغدَقْتها بسوابِغِ الإنعامِ
سقياً لَهَا بِحَيا الحياةِ وكاشِفاً / عنها غَرَامَ الغُرْمِ والإرْغامِ
غادرتها للغدرِ دارَ إزالةٍ / وأقمتَها للأمن دارَ مقامِ
ونَظَمْتَ دُرَّ عُقودِها وعهودِها / فِي سِلْكِ هَذَا المُلْكِ أيَّ نِظامِ
وأقَمْتَ حَدَّ اللهِ فِيمَنْ ضامَها / ضَرْباً بِحَدِّ الصارِمِ الصَّمْصامِ
باغٍ أصابَ بِبَغْيهِ وبنكثِهِ / نَفساً عليها يَتَّقي ويُحَامِي
ولِئنْ خَتمْتَ عَلَيْهِ سِجنَكَ قاهِراً / فَغَدَا وأمْسى منكَ رَهْنَ حِمامِ
في بَطْنِ أمٍّ بَرَّةٍ لَقِحَتْ بِهِ / يومَ الوغى من ذابِلٍ وحُسامِ
فلقد تَمَخَّضَ عنه منكَ بروعَةٍ / تُوفي فتُسْقطُهُ لِغَيرِ تمامِ
ولقد نَدَبْتَ لِحَرْبِهِ فِي بَطْنِها / قَرْعَ الظُنونِ ومُرْجِفَ الأوْهامِ
ولَو اسْتَجَزْتَ لَهُ المَنامَ لَرَدَّهُ / كي لا يَرى عينَيْكَ فِي الأحلامِ
ولقد مَلأتَ عليهِ أجوَازَ المَلا / برَوَابِضِ الآسادِ فِي الآجامِ
مُتَرَبِّصينَ جَنى ثمارٍ قَدْ أنى / منها إليكَ تَفَتُّحُ الأكمامِ
فَابْشِرْ بِهَا من نِعْمَةٍ مشكورَةٍ / فِي دَوْلَةٍ موصولَةٍ بِدَوَامِ
وافْخَرْ فأنتَ لكلِّ مجدٍ مَفْخَرٌ / واسْلَمْ فأنتَ ذخيرةُ الإِسْلامِ
سعياً بِهِ أعْدَمْتَ مِثلَكَ فِي الورى / فَحَوَيْتَ مفخر ذلِكَ الإعدامِ
ولَئِنْ رَعَيْتَ الدِّينَ والدنيا فَما / أَنْسَتْكَ رَعْيَ وسائِلي وذِمامي
يومَ اطَّلعْتَ مشارِبي فرأيتَ فِي / عُقْرِ الحِياضِ الوُفْرِ خِزْيَ مقامي
وأنِسْتَ من نَظَري تَذَلُّلَ موقفي / ووَجِسْتَ فِي الأَحشاء حَرَّ أُوامي
ورأيتَ فِي أنيابِ عادِيَةِ العِدىْ / لَحْمِي وظُفْرُ الظُلْمِ مِنِّي دامي
وعَلِمْتَ إن أبْطَأَتَ عنّي أنَّني / مِمَّا أُلاقِي لا أَشُدُّ حِزامي
فَسَبَقْتَ خَشْيَةَ أن تَحينَ مَنِيَّتي / وبَدَرْتَ خِيفَةَ أنْ يُحَمَّ حِمامي
ونَكِرْتَ من جَوْرِ الحوادِثِ أنَّني / ظامٍ وبَحْرُ الجودِ فَوْقِيَ طَامِ
وحَرِجْتَ مِنِّي أن أهيمَ بغُلَّتي / سُقماً وَفِي سُقْياكَ بُرْءُ سَقامي
وبَصُرْتَ من خَلَلِ التَجمُّلِ خَلَّتي / وفَهِمْتَ من صمتِ الحياءِ كلامي
فَفَتقْتَ أنهارَ الجَدَا لحدائِقي / ونَصَبْتَ أغراضَ المُنى لِسِهامي
وفَتحْتَ نحوَ الماءِ ضِيقَ مَوَارِدِي / وفَسَحْتَ فِي المَرْعى لِرَعْي سَوَامي
وأنِفْتَ للآدابِ أنْ يَسْطُو بِهَا / جَهْلُ الزَّمانِ وعَثْرَةُ الأيَّامِ
رَحِماً من العِلْمِ اقتضى ليَ رَحْمَةً / من واصِلِ الآمالِ والأرْحامِ
فَلأَهْتِفَنَّ بحمدِها وثنائها / وجزائها فِي مُعْرِقٍ وشَآمِي
ولأَرْجُوَنْ بتمامِها من مُنْعِمٍ / لا يَرْتَضِي النُّعْمى بغيرِ تمامِ
أيادِيكَ رَدَّتْ يَدِي فِي يَدَيْكا
أيادِيكَ رَدَّتْ يَدِي فِي يَدَيْكا / وبِرُّكَ قادَ عِناني إليْكا
كقَوْدِكَ للحربِ خَيْلاً تَهُزُّ / عَوَاليَها من كِلا جانِبَيْكا
وقد أبْصرَ النُّجْحُ فِي ناظِرَيْكا / وساعَدَهُ السَّعْدُ من ساعِديكا
وهذا إيابيَ من يومِ زُمَّتْ / رِكابِيَ من غُرَّتَيْ كَوْكَبَيْكا
إلى كل بَرٍّ وبحرٍ أنارَتْ / جَوَانِبُها مِنْ ثَنائي عَلَيكا
أشِيمُ نجوماً هَدَتْني إليكَ / تَلوحُ مَطَالِعُها مِنْ يَدَيْكا
يدورُ بِهَا فَلَكٌ من عُلاكَ / فمِنْ مَشْرِقيْكَ إلى مَغْرِبَيكا
لياليَ أبْقَيْتَها للأَنامِ / وذِكْرَاكَ فِيهَا حَماماً وأيْكا
فلا بَرِحَتْ نِعَمُ اللهِ تَتْرى / لَدَيَّ مُفَجَّرَةً من يَدَيْكا