المجموع : 478
سَرَى جِنحَ ليلٍ والعُيُونُ هواجعُ
سَرَى جِنحَ ليلٍ والعُيُونُ هواجعُ / خَيَالٌ كَذُوبٌ عِندَهُ العَهدُ ضائعُ
خَيالُ التِّي لو أُنذِرَت بمَسيرِهِ / أقامَتْ عليه ألفَ بابٍ يُمانِعُ
فَتاةٌ حَكَتْ بدرَ الدُّجَى غيرَ أنَّها / تَبيتُ وَراءَ الحُجْبِ والبدرُ طالعُ
قدِ استُودِعَت قلبي فَضاعَ ويا تُرَى / مَتَى حُفِظَتْ عِند الحسانِ الوَدائعُ
هُوَ الصَّادقُ الخِلُّ الوَفيُّ الذي لهُ / أيادٍ جِسامٌ عِندَنا وصنائعُ
لهُ من قوافي الشِّعر جيشٌ عَرَمْرَمٌ / أتَتْنا إلى بيرُوتَ منهُ طلائعُ
قَوافٍ قَفاها أُنُسُهُ تابعاً لها / كما تَبِعَتْ ما قبلَهُنَّ التوابعُ
هيَ الزَّهْرُ لكنَّ الطُروسَ كمائمٌ / هيَ الزهْرُ لكنَّ السُطورَ مطالعُ
لَها مَنظَرٌ في العينِ أسَودُ حالكٌ / ولكنَّهُ في القلبِ أبيضُ ناصعُ
حَبانا بها طَلقُ البَنانِ مُهذَّبٌ / كريمٌ هَداياهُ اللآلي السواطعُ
أديبٌ بآياتِ البَلاغةِ مُفرَدٌ / لبيبٌ لأَشتاتِ الفضائلِ جامعُ
أخو الحَزْم ماضي الرأيِ في كُلِّ أمرِهِ / فليسَ لهُ في فِعلِهِ مَن يُضارِعُ
يَظَلُّ إليهِ مُسندَاً كلُّ طالبٍ / وذاكَ لهُ بينَ البَريَّةِ رافعُ
جَزَى اللهُ ماءَ النِّيلِ خيراً فإنَّهُ / شَرابٌ منَ الفِردَوسِ للناس نابعُ
شَرابٌ لأهلِ الله يَروى بهِ الظَما / ويَرَوى بما يُرويهِ دانٍ وشاسِعُ
كَفَى اللهُ مِصراً عن منافعِ غَيرِها / وفي غيرِها تَنبثُّ منها المنافعُ
مَحَطُّ رِحالِ العلمِ في كُلِّ حِقبةٍ / هيَ الأُمُّ والأقطارُ منها رواضعُ
أتُوقُ إلى تلك الدِّيارِ ومَن بِها / وهيهاتِ مالي في اللقاءِ مَطامِعُ
إذا قيلَ إنَّ المُستحيلَ ثلاثةٌ / فهذا لهاتِيكَ الثَلاثةِ رابعُ
ماذا يُؤَمِّلُهُ الحَسُودُ بجَهْدِهِ
ماذا يُؤَمِّلُهُ الحَسُودُ بجَهْدِهِ / إذ يَقصِدُ الموَلى كَرامةَ عبدِهِ
وإذا أرادَ اللهُ عَوْنَ مُوفَّقٍ / جُعَلِتْ مَلائكةُ السَّماءِ كجُندهِ
للهِ سِرٌّ في العِبادِ وحِكْمةٌ / تَدَعُ الرَّشيدَ كغائبٍ عن رُشدِهِ
يَقضي بما يَهْوَي فَسَلْ عن فِعِلِهِ / إنْ شئِتَ لكنْ لا تَسَلْ عن قَصدِهِ
والدَّهرُ كالبُستانِ بينَ رِجالهِ / لا بُدَّ يُؤذِي الشَّوكُ قاطفَ وَردِهِ
لو لم نَكُنْ ذُقنا مَرارةَ صَبرِهِ / بالأمسِ لم نَعرِفْ حَلاوةَ شَهدِهِ
لا تَحمَدِ الأمرَ الذي أبصَرتَهُ / حَتَّى يَتِمَّ فقمْ هُناكَ بَحمدِهِ
وإذا قَبَضْتَ مِنَ الصَداقةِ دِرْهماً / كَلِّفْ تجاريبَ الزَّمانِ بنَقْدِهِ
إنَّ الصَّديقَ هُوَ المُقيمُ على الوَفا / في وَقتِ ضَنْكِ العَيشِ لا في رَغدِهِ
أهْلُ الصَّداقِةِ في النُّحُوسِ قَلائلٌ / والكُلُّ أصحابُ الفَتَى في سَعدِهِ
ليسَ الجميلُ لِمَنْ يُعاهِدُ صاحباً / إنَّ الجَميلَ لِمَنْ يَقومُ بعَهدِهِ
لا يحَفَظُ الوُدَّ السَّليمَ لرَبِّهِ / مَن لم يكُنْ للناسِ حافظَ ودِّهِ
يا نِعمةَ اللهِْ الذي لَكَ نِعمةٌ / من فَضلِهِ وكَرامةٌ مِن عِندِهِ
وَعَدَ الإلهُ الصَّابرِينَ بعَونِهِ / لا تَحسَبَنَّ اللهَ مُخلِفَ وَعدِهِ
كم قد تَجرَّدَ سيفُ رجزٍ قاطعٌ / سَحَراً فأمسَى نائماً في غِمدِهِ
وَلَكَمْ تَمزَّقَ من سَحابٍ فارغٍ / قد كانَ يَرجُفُ بَرقُهُ من رَعدهِ
من عاشَ في هذا الزَّمانِ يَعوزُهُ / صَبرٌ على حَرِّ الزَمانِ وبَرْدِهِ
لا يُحْزِنُ المَرَضُ الفَتَى بقُدومِهِ / يوماً عليهِ كما يَسُرُّ بفَقْدِهِ
إنْ كُنتَ أحسنتَ الوَفاءَ فهكذا / قد أحسنَ المَلِكُ العظيمُ بِرِفدِهِ
شارَكتَهُ بالأمسِ في أتعابِهِ / واليومَ أنتَ شريكُهُ في مَجْدِهِ
ما بالُ تلكَ الشَّامةِ الخَضراءِ
ما بالُ تلكَ الشَّامةِ الخَضراءِ / في النارِ وَهْيَ كأنَّها في الماءِ
ومنَ العجائِبِ أنَّ ناراً قد بَدَت / في جَنَّةِ حُمِيَت عنِ الشُّهداءُ
يا ظَبيةً في الحيِّ حولَ كناسِها / سُمْرٌ حَفَفْنَ بصَعْدةٍ سَمْراءِ
ما نَرْتجي والحَرْبُ دائرةٌ إذا / قابَلْتِنا بالرَّايةِ البَيضاء
لا تَفتَخِر عَيناكِ في سَفكِ الدِّما / فَلَنا عُيونٌ سافكاتُ دِماءِ
ودعِي مُفاخَرَتي بحُمرةِ وَجنْةٍ / فقدِ انقلَبتُ بوَجْنةٍ حَمْراءِ
في الخيمةِ الزَّرقاءِ بِتِّ كأنَّما / أمسَيتِ فوقَ القُبَّةِ الزَّرقاءِ
ورأيتِ عَينَكِ في سَوادِ مَلابِسٍ / فظَنَنْتِها صارَتْ من الخُلَفاءِ
مَهلاً عليكِ فإنَّ حُسنَكِ دَولةٌ / ظَلَمَتْ فَليسَ لها طويلُ بَقاءِ
قد سُدْتِ أطرافَ الرِّجالِ فكيفَ لو / سُدْتِ الكِرامَ كسَيِّدِ الأمراءِ
الوارثُ الشَّرَفَ الذي يُغنيهِ عن / إنشاءِ مَرْتَبةٍ ورَفعِ بِناءِ
والمُنشئُ الحَسَبَ الذي يُغنيهِ عن / شَرَفٍ تَوارَثَهُ منَ الآباءِ
أوفَى وزادَ على القديمِ حديثُهُ / كصناعةِ التَخْميسِ للشُعراءِ
وتألَّفتْ أقلامُهُ وسُيُوفُهُ / فتَشابَهَتْ في هَيبةٍ ومَضاءِ
قد عَلَّمَتْهُ المَكْرُماتِ جُدُودُهُ / فاستَخَدمَ التعليمَ للأبناءِ
يجري على طُرُقِ الأمين مُحمَّدٌ / كالشِّبلِ يَقْفُو الليثَ في البَيْداءِ
في الشَّرْقِ غَرْبٌ للبلادِ كَشَرقِها / يَجُلو بهِ القَمرانِ عينَ الرائي
قَمرانِ ما للشمسِ يُفرَضُ منهُما / صُبحٌ ولا للبَدرِ وقتُ مساءِ
شَوقي إلى تِلكَ الرُبوعِ ومَنْ بها / شَوقُ العليلِ إلى شِفاءِ الدَّاءِ
تُهدِي لَنا أرَجَ النَّسيمِ فلا تَقُلْ / أرَجُ النّسيمِ سَرَى من الزَّوراءِ
أَصفَيتُ ساكِنَها العزيزَ مَوَدَّتي / وعلى مَحَبَّتهِ عَقَدتُ وَلائي
لاَ يَستطيعُ شِرَاءَ قَلبي غيرُهُ / فلَهُ بقَلْبي شُفعةُ الشُّرَكاءِ
إِنْ لم أَزُرْهُ فقد تَزُورُ رَسائلِي / شَوقاً بكلِّ وَصيفةٍ عَذراءِ
فَرْضٌ كتسليمِ المُصِلِّي عِندَنا / إِهداءُ تَسليمٍ لهُ ودُعاءِ
أكثَرتُ من مَدحِ الأميرِ فقالَ لي / أسرَفْتَ فاترُكْ فَضلةً لِسَوائي
فأجَبتُهُ دَعْ في المناقِبِ فَضلةً / للناسِ واحكُمْ بعَدها بخَطائي
يا ظالمَ الأشرافِ إذ قاسَمْتَهُم / فأخذتَ كُلَّ سجيَّةٍ غَرَّاءِ
إني رأيتُ الشِّعرَ فيكَ يُطيعُني / فأرَاكَ تُسِعفُني على الإنشاءِ
تُبدي ليَ المَعْنَى الذي أثني بهِ / وأنا أصوغُ عليهِ لفظَ ثَنائي
فَلَك الجميلُ فذاكَ رُوحٌ جِسمُها / لَفظٌ يُعَدُّ بها منَ الأحياء
للشِعرِ في كُلِّ عصرٍ مَرْكبٌ خَشِنُ
للشِعرِ في كُلِّ عصرٍ مَرْكبٌ خَشِنُ / لا يَستَقِلُّ عليهِ الرَّاكبُ الوَهِنُ
يَغُرُّ بالفارسِ الطاغي فيرَكَبُهُ / لكنْ تَرَدِّيِهِ عنهُ لَيسَ يُؤْتَمَنُ
غارَ الرِّجالُ على أبياتِهِ طَمعَاً / فكانَ أكثرَهُم من حَظِّهِ الدِمَنُ
نَعُدُّ منهم ألوفاً ما بها حَسَنٌ / حَتَّى يُصادَفَ منهم واحدٌ حَسَنُ
إنَّ الجميلَ قليلٌ عَزَّ مَطلَبُهُ / من كُلِّ ما تَشتهيهِ العينُ والأُذُنُ
فلا تَرى مِن حَصَى الياقُوتِ واحدةً / حَتَّى تَرَى ألْفَ صَخْرٍ ما لهُ ثَمَنُ
هذا هُوَ الأمَدُ الأقَصى الذي قَصُرَت / عنهُ الجِيادُ وكَلَّتْ دُونَهُ الهُجُنُ
في كلِّ فَنٍّ سِواهُ كُلُّ طائفةٍ / قَلَّ التَّفاوُتُ فيها حينَ تَقْتَرِنُ
أنا الخبيرُ بما في القَومِ من سَخَفٍ / لا يَجهَلُ السُّقمَ مَن بالسُّقمِ يُمتَحَنُ
واللهُ يَعلمُ أنَّ الصَمْتَ أجمَلُ بي / لولا حُقوقٌ بِهِنَّ القَلبُ مُرْتَهَنُ
عَلَيَّ مالا أُكافيهِ بصُنعِ يدٍ / فقد أُكافيهِ مِمَّا تَصَنعُ اللُسُنُ
مَدائحٌ هيَ فرضٌ لا انفِكاكَ لهُ / عِندي وما دُونَها الأنفالُ والسُنَنُ
أسُوقُها نحوَ بابٍ شادَ دَولَتهُ / مُلْكُ العِراقِ وشادَت مَجدَهُ اليَمَنُ
غريبةٌ حُيثُما حَلَّت فإنْ نَزَلَتْ / بِدارِهِ فهُناكَ الأهلُ والوَطَنُ
تَلقَى الأميرَ الذي تَلقَى بِساحتِهِ / شَخصاً هُوَ الرُوحُ في أرضٍ هيَ البَدَنُ
ذاكَ الأمينُ الذي يَرعَى رَعيَّتَهُ / بِعَينِ يَقْظانَ لا يَلهُو بها الوَسَنُ
قد جَدَّدَتْ لِبني رَسْلانَ هِمَّتُهُ / في أرضِ لُبنانَ ما لم تَنْسَهُ عَدَنُ
ألْقَتْ لهُ الدَولةُ العُظمَى بِعِصمتِها / فليَسَ من هَمِّهِ قيسٌ ولا يَمَنُ
مُهذَّبُ الخُلقِ ما في خُلقِهِ أوَدٌ / مُطهَّرُ العِرْضِ ما في عِرْضِهِ دَرَنُ
في صَدرِهِ إذْ تَحِلُّ النَّائباتُ بهِ / بحرٌ منَ الرَّأيِ فيهِ تَغرقُ السُّفُنُ
لي كُلَّ يومٍ بهِ في الشِّعرِ قافيةٌ / فلَيسَ يَنْفَدُ حَتَّى يَنْفَدَ الزَّمَنُ
خَرائدٌ مِنْ نَباتِ العُربِ سافرةٌ / قَبُولُها مِنَّةٌ مِمَّنْ لهُ المِنَنُ
ما زلتُ أمدحُ نفسي حينَ أمدَحُهُ / بأنَّني صادقٌ في القَوْلِ مُؤتَمَنُ
إنّي تَعَوَّدتُ قولَ الصِّدقِ مُلتزِماً / حَتَّى تَطابَقَ عِندي السِرُّ والعَلَنُ
لا أمدَحُ المَرْءَ مَهْما عَزَّ جانِبهُ / إلا بما فيهِ كالقُسْطاسِ إذ يَزِنُ
عَيبٌ عَلَيَّ وعيبٌ أن يُصَدِّقَني / إذا كَذَبتُ عليهِ الحاذقُ الفَطِنُ
لِمَنِ المَضارِبُ في ظِلالِ الوادي
لِمَنِ المَضارِبُ في ظِلالِ الوادي / مثلُ الجِبالِ تُشَدُّ بالأوتادِ
تكسو الذَّبائِحُ كُلَّ يومٍ أرضَها / بِدَمٍ فتَسْتُرُهُ بثَوبِ رَمادِ
حُفَّتْ بِغاباتِ الرِّماحِ وإنَّما / تِلكَ الرِّماحُ عَرِينةُ الآسادِ
تَخشَى اشتِعالَ العُودِ منها إذ تَرَى / لَيلاً أسِنَّتها كوَرْي زِنادِ
تِلكَ الدِّيارُ ديارُ طَيٍّ حَوْلها / أحياءُ جُلهُمَةٍ ورَبْعُ إيادِ
حَفَّت بها زُمَرُ الكُماةِ كأنَّها / دارُ السَّعيدِ تُحَفُّ بالأجنادِ
دارٌ بأرضِ الشُّوفِ قام بِناؤها / وظِلالُ هَيبْتِها على بَغْدادِ
إنْ لم تكُنْ كُلَّ البلادِ فإنَّها / نِصفُ البِلادِ وفَخْرُ كُلِّ بلادِ
هيَ كَعْبةُ القُصَّادِ بل هيَ منَهلُ ال / وُرَّادِ بل هيَ غُصَّة الحُسَّادِ
كَتبَتْ يمينُ الحقِّ في أبوابهِا / لا تَنْسَ أنّ اللهَ بالمِرْصادِ
يَممَّتُ صاحِبَها السَّعيدَ فقيلَ لي / أنتَ السَّعيدُ ظَفِرْتَ بالإسعادِ
إن كُنتَ طالبَ حاجةٍ فَقدِ انقَضَتْ / ما لم تَكُنْ مَلطوخةً بِفَسادِ
أهديتُهُ مِثلَ العَرُوسِ قَصيدةً / لكنَّها طَلَعَتْ بثَوبِ سَوادِ
حَزِنتْ لذُلِّ الشِعر حتى أيقَنَت / بِمَماتهِ فتَسربلَتْ بحِدادِ
ولقد هَمَمتُ بتَرْكهِ لو لم تَكُنْ / غَلَبَتْ عَلَيَّ صَبابةٌ بفُؤادي
ما كُنتُ أعرِفُ قبلَ مَعرِفتي بهِ / نَفْسي فكانَ كتوْأم المِيلادِ
قد قَلَّ في هذا الزَّمانِ رَواجُهُ / حَتَّى ابتُلِيْ مَعَ رُخصِه بكَسادِ
ولَئنْ تَكُنْ كَثُرَتْ معايبُهُ فَقد / ستَرَت عليها قِلَّةُ النُقَّادِ
يا واحداً غَلَبَ الأُلوفَ فأصبَحَت / رُتَبُ الأُلوفِ رَهينةَ الآحادِ
مَن كانَ يُجهِدُ في قِتالكَ نَفسَهُ / فبِسَيفِ ذُلٍّ لا بِسَيفِ عِنادِ
إنّي دَعَوتُكَ فاستَمَعْتُ إجابةً / بالقَلبِ قبلَ الأُذْنِ عِندَ بِعادي
حاشاكَ أنْ لا تَستَجِيبَ مُنادِياً / ونَرَى الإلهَ يُجيبُ حينَ تُنادي
إذا طَلَعَ النَّهارُ أرَى الرِّجالا
إذا طَلَعَ النَّهارُ أرَى الرِّجالا / كما أبصَرْتُ في اللَيلِ الخَيالا
وأعجَبُ كيفَ تَطوِي الأرضُ ناساً / لوِ اجتَمَعوا بها كانوا جِبالا
كُرُورُ الدَّهرِ يَنسَخُ كلَّ حيٍّ / كُنورِ الشَّمسِ إذ نَسَخَ الظِّلالا
تَمُرُّ الناسُ شخصاً بعدَ شَخصٍ / كما تَرمِي عنِ القَوسِ النِّبالا
إذا أغلَقتَ دُونَ المَوتِ باباً / تَناوَلَ ألفَ بابٍ كيفَ جالا
ومَن حَذِرَ المَنيَّةَ عن يَمينٍ / تَدُورُ بهِ فتأخُذُهُ شِمالا
منَ اللهِ السَّلامُ على أميرٍ / دَفَنَّا المجدَ مَعْهُ والجَلالا
كأنَّ المَوتَ لم يجسُرْ عليهِ / مُجاهَرةً ففاجأهُ اغتِيالا
فَتىً كالسَّيفِ إرهاباً وقَطْعاً / ومِثْلُ الرُّمحِ قَدّاً واعتِدالا
ومثلُ البَدرِ إشراقاً وحُسناً / ومِثلُ الغَيثِ جوداً وابتِذالا
أجَلُّ بني الكِرام أبّاً وجدَاً / وأكرَمُ رَهْطِهم عَمَّاً وخالا
وأحسنَهُم وأجمَلهُم فَعالاً / وأوثَقُهم وأصدَقُهم مَقالا
كريمٌ من كريمٍ من كِرامٍ / بَنَوْا في المجدِ أعمِدةً طِوالا
إذا عَدَّ النَّقيبُ لَهُمْ سَرَاةً / بَبيِتُ بجَهْدِهِ يشكو الكَلالا
سَليلُ أميرِ لُبنانَ المُنادي / أنا لُبنانُ لَمَّا مِلتُ مالا
إذا قُلتَ الأميرُ ولم تُسمِّي / فلا يَحتاجُ سامعُكَ السُؤَالا
دَعَوناهُ الأميرَ فما وَفَينا / ولو قُلنا الوَزيرُ لَما استحَالا
سألْنا تَخْتَ مَعْنٍ عن نَظيرٍ / لهُ هل قامَ فيهِ فقالَ لا لا
ستَندبُهُ البِلادُ ومَنْ عَلَيها / إلى أنْ تَستَعِيضَ لهُ مِثالا
وتُحصِي النَّاسُ ما فَعَلَتْ يَداهُ / ولكنْ بعدَ أنْ تُحصِي الرِّمالا
رَضينا بالذين تَخَلَّفُوهُ / فما رَضِيَ الزَمانُ ولا أقالا
ولا تَرَكَ الخليلَ لنا شِهاباً / ولا تَرَكَ السَّعيدَ لنا هِلالا
لِعَينِكَ يا سعيدُ عُيُونُ قومٍ / سَفَكنَ منَ الجُفُونِ دَماً حَلالا
لَبِستَ اليومَ ثوباً من بَياضٍ / فزادَ جَمالَكَ الباهي جَمالا
إلى دارِ السَّعادةِ سِرتَ فَوْراً / كأنّكَ عاشقٌ يَبغِي الوِصالا
رأيتَ العيشَ في الدُّنيا طريقاً / لَها فاخَترْتَ أقرَبَهُ مَجالا
هذِهْ عَرُوسُ الزَّهرِ نَقَّطَها النَّدَى
هذِهْ عَرُوسُ الزَّهرِ نَقَّطَها النَّدَى / بالدُرِّ فابتَسَمَتْ ونادَتْ مَعْبَدَا
لَمَّا تَفتَّقَ سِتْرُها عن رأسِها / عَبِثَ الحَياءُ بخَدِّها فَتورَّدا
فَتَحَ البَنَفْسَجُ مُقلةً مكحولةً / غَمَزَ الهَزازَ بها فقامَ وغَرَّدا
وتَبَرَّجَتْ وُرْقُ الحَمامِ بطَوْقِها / لمَّا رأينَ التَّاجَ يعلو الهُدْهُدا
بَلَغَ الأزاهرَ أنَّ وَرْدَ جِنانِها / مَلِكُ الزُهورِ فقابَلَتْهُ سُجَّدا
فرَنا الشَّقيقُ بأعينٍ مُحمَرَّةٍ / غَضَباً وأبدى منهُ قَلباً أسْودَا
بَسَطَ الغَديرُ الماءَ حَتَّى مَسَّهُ / بَرْدُ النَّسائِمِ قارصاً فتَجَعَّدا
ورأى النَّباتَ على جَوانِبِ أرضِهِ / مَهْداً رَطيباً لَيِّناً فَتَوسَّدا
يا صاحبيَّ تَعَجَّبا لِمَلابِسٍ / قد حاكهَا مَن لَم يَمُّدَّ لها يَدا
كلُّ الثِّيابِ يَحولُ لونُ صِباغِها / وصِباغُ هذِهْ حينَ طالَ تَجَدَّدا
ما بالُ هذا النَّهر يَضرِبُ صَدرَهُ / رَكضاً ويَهِدرُ كالبَعيرِ مُعَرْبِدا
هل غارَ من كَفِّ الأميرِ مُحمَّدٍ / كم حاسدٍ حَسَدَ الأميرَ محمَّدا
هذا الذي قَتَلَ العَدُوَّ بكَيدهِ / وأذابَ مِن حَرِّ الصُدُورِ الحُسَّدا
أعطاهُ خالقُهُ الذي لم يُعْطِهِ / أحَداً فإنْ حَسَدَ الحَسُودُ فما اعتَدى
أعطاهُ حِلمَ الشَّيخِ في سِنِّ الفَتَى / حَتَّى لَقد خِلْناهُ أشْيَبَ أمرَدا
ونَفَى عيوبَ الناسِ عنهُ جامعاً / ألطافَهُمْ في شَخصهِ فتَفرَّدا
عَجَباً نَزِيدُ على استِماعِ حديثِهِ / عَطَشاً ونَشهَدُ أنَّهُ رِيُّ الصَّدَى
ونَرَى حَلاوتَهُ ونَشهَدُ أنَّهُ / بحرٌ صَدَقْنا إنَّهُ بحرُ النَّدَى
ما زالَ كاللآّلِ ينثُرُ دُرَّهُ / طَوراً ويَنظِمُ حينَ شاءَ مُنَضِّدا
يَنهَى عن السُّكْرِ المَعِيبِ جَليسَهُ / ويُبيحُ ذاك إذا تَفَنَّنَ مُنشِدا
الكاتبُ اللَبِقُ الذي في كَفِّهِ / قَلَمٌ رأى آياتِهِ فتَشَّهدا
كلُّ السَّوادِ ضَلالةٌ لظَلامِهِ / إلاّ سَوادَ مِدادِهِ فهُوَ الهُدَى
يا ذا الذي يُعطِي الوُفُودَ لِسانُهُ / دُرَراً وتُعطِي راحتَاهُ العَسْجدا
وَفَدَتْ إليكَ قصيدةٌ خَيَّرتُها / فتَخيَّرتْ دُرَّ الجَوابِ مُقلَّدا
هل أنتَ تَرْضاني بِصدقِ مَوَدَّةٍ / عَبداً فإني قد رَضيتُكَ سَيِّدِا
ما زِلتُ مُستَنِداً إليكَ مُحدِّثاً / فكأنَّني خَبَرٌ وأنتَ المُبَتدا
أسَفاً لمن قد ماتَ قبلَ مَماتِهِ
أسَفاً لمن قد ماتَ قبلَ مَماتِهِ / لا بل لَعَمْري مات قبلَ حياتِهِ
لم يَدْرِ طَعْمَ العَيشِ مُنتبِهاً لهُ / كالحَيِّ حَتَّى ذاقَ طَعْمَ وَفاتِهِ
هذا غُلامٌ كالكُهولِ فكيفَ لو / بَلغَ الشَبابَ وخاضَ في فَلوَاتِهِ
ما زالَ يَنَحتُ ذِهنُهُ من قَلبِهِ / حَتَّى بَراهُ فكانَ شَرَّ عُدَاتِهِ
نَهْنِه دمُوعَكَ يا أبهاُ فقد جَرَى / ما قد جَرَى ومَضَى على عِلاّتِهِ
أشقَى الوَرَى عَيناً وأضيَعُ مَدمعاً / مَن قد بَكَى للأمرِ بعد فَواتِهِ
قد كانَ قبلَ البَينِ أهلاً للبُكا / إذ لم يكُنُ أمَلٌ بطُولِ ثَباتِهِ
عَهدِي بهِ أنْ لا يعيِشَ نَظيرُهُ / فَحسِبتُهُ قد جَفَّ مُنذُ نَباتِهِ
إذ لم يَجِدْ في الناسِ أمثالاً لهُ / طَلَبَ الملائكَ فَهْيَ من طَغمَاتِهِ
ولقد رآهُ الدَّهرُ من آحادِهِ / فلِذاكَ لم يُدْخِلْهُ في عَشَراتِهِ
يا صاحبَ السَّبْعِ السِّنينَ ودُونِها / ماذا تَرَكتَ لشَيخِنا في ذاتِهِ
أنتَ الغريبُ كما نَرَاكَ وهكذا / شَمْلُ الغريبِ يكونُ قُرْبَ شتاتِه
قد ضاق جسمك عن مدى النَّفس التّي / ضغطت هياكِلها جميع جهاتهِ
فمَضت إلى الموعودِ من غاياتِها / ومَضَى إلى المعهودِ من غاياتِهِ
هذا الذي تَرَكَ الأبُ الأقصَى لنا / لكن كَحظِّ بَنيهِ حَظُّ بَناتِهِ
كأسٌ على الغِلمانِ يَعرِضُ تارةً / قبلَ الشُّيوخِ لُسوءِ رأيِ سُقاتِهِ
يا أيُّها القبرُ الذي استُودِعْتَهُ / أبشِرْ فما من قائلٍ لكَ هاتِهِ
إِعطِفْ عليهِ فأنتَ حَقاً أمُّهُ / وازجُرْ ثَراك مُؤَدِّباً حَشَراتِهِ
واحرصْ على ذاكَ اللِسانِ فإنَّهُ / قد كانَ يَسقِي الشَّهْدَ من كَلِماتِهِ
لَكَ أُمُّهُ رَبَّتْهُ فاشكُرْ فَضْلَها / واشكُرْ أباهُ فذاكَ من حَسنَاتِهِ
يا طالما سَهِرَتْ عليهِ فقُلْ لها / ها قد أمِنْتِ اليومَ من يَقَظاتِهِ
لا تَخلَعي ثوبَ السَّوادِ لأجلِهِ / ما دامَ تحتَ اللَحْدِ في ظُلُماتِهِ
لمّا رآكِ وقد دَعَوْتِ بفارسٍ / سَبَقَ الرِّجالَ وجَدَّ في خَطَواتِهِ
لا تُنكِري هذا القَضاءَ بمَوتِهِ / فلَقَدْ جَرَى فيهِ على عاداتِهِ
بَلغَ الكمالَ كطاعنٍ في سنِّهِ / فَيكونُ ذلكَ مُنتَهَى أوقاتِهِ
إن لم لكَ يَكُنْ في نَقْدِ الرِّجالِ يَدُ
إن لم لكَ يَكُنْ في نَقْدِ الرِّجالِ يَدُ / فانظُرْ إلى الموتِ كيفَ الموتُ ينتَقِدُ
يَدورُ في الأرض حولَ النّاسِ مُلتمساً / كريمَ قومٍ ولا يَرضَى بما يَجِدُ
جَبَّارُ صَيدٍ يريدُ الصَّقْرَ مُفتخِراً / بهِ فإن لم يَجِدهُ يُرْضهِ الصُرَدُ
إذا انتضَى سَيفَهُ فالرأسُ مَورِدُهُ / وإن رَمَى السَّهْمَ فليَستهِدِفِ الكَبِدُ
يا أيُّها المَلِكُ المرهوبُ جانبُهُ / هذا هُوَ المَلِكُ المرهوبُ إذ يَفِدُ
يا أيُّها الأسدُ الجاني بسَطْوتِهِ / على ضَواري الفَلا هذا هُوَ الأسَدُ
يا أيُّها البَطَلُ الشَّاكي السِلاحِ تُرَى / أينَ السِّلاحُ وماذا يَمنَعُ الزَّرَدُ
قد خانَ عَهْدُكَ ما تَرجُوهُ من عُدَدٍ / إذا أتى الموتُ يوماً ماتتِ العُدَدُ
ما زالَ كلُّ ابنِ أثنَى مُنذُ فِطرَتِهِ / فَريسةً بينَ أيدي الموتِ تَرتِعدُ
يا مَنْ يقولُ غداً دَعْ عنكَ ذِكرَ غَدٍ / فلَيسَ للمَرْءِ في هذا الزَّمانِ غَدُ
للموتِ كلُّ أبٍ فوقَ التُّرابِ مَشَى / وكلُّ أُمٍّ وما رَبَّتْ وما تَلِدُ
إلى تُرابٍ جُبِلْنا منهُ مَرجِعُنا / نظيرَ ماءٍ إليه يَرجِعُ البرَدُ
نَهتَمُّ في خِصبِ أجسامٍ نُنَعِّمُها / ويَشكُرُ الدُودُ مِنَّا ما بهِ نَعِدُ
مَناحةٌ في دِيارِ المَيْتِ قائِمةٌ / ودُعوةٌ في دِيارِ القبرِ تَحتَشِدُ
للدَّهرِ في كلِّ عينٍ دَمعَةٌ قَطَرَتْ / منهُ وفي كلِ قلبٍ جَمْرةٌ تَقِدُ
مَتَى تُرِدْ أن تَعُدَّ السالِمينَ فضَعْ / صِفراً على الطِّرسِ حتى يحدُثَ العَدَدُ
أستَودعُ اللهَ مَن بالأمسِ وَدَّعَني / كُرهاً فَوَدَّعَ قلبي الصَّبرُ والجَلَدُ
ما زالَ يَصحبُنا دَهراً ويُؤُنِسُنا / فما لهُ صارَ عنا اليومَ يَنفرِدُ
قد نازَعتْنا المنايا شَخصَهُ حَسَداً / وَيلاهُ حتَّى المنايا عِندَها الحَسَدُ
تَسطُو علينا بلا كَفٍّ ولا عَضُدٍ / وليسَ يَنفَعُ مِنَّا الكَفُّ والعَضُدُ
قد غابَ في الشَّرقِ بدرٌ في الضُّحَى عَجَباً / فأبصَرَ النّاسُ منهُ غيرَ ما عَهِدوا
لو أنصفتْهُ دَراري الأُفْقِ ما طَلَعتْ / حُزْناً عليه وغَشّى أُفْقَها الكَمَدُ
يا أيُّها المضجَعُ الميمونُ طالعُهُ / هل ضَمَّ كمنْ تحويهِ أو بَلَدُ
أكرِمْ لَكَ اللهُ ضَيفاً قد ظَفِرتَ بهِ / فطالما أكرَمَ الضِيفانَ إذ وَفدوا
واعرِفْ جَلالَة شخصٍ فيك قد عَرَفتْ / مَقامَهُ كُبراءُ الناسِ والعُمَدُ
واحرِصْ على كلِّ عَظمٍ من مَفاصلِهِ / فذاك من أشرَفِ الآثارِ يُعتَقدُ
يا مَنْ سَكِرتَ وليسَ السُّكْرُ عادتَهُ / بخَمْرةٍ لم يُفِقْ من سُكرِها أحَدُ
أراكَ بالقُرْبِ منِّي غيرَ مُبتعِدٍ / وأنتَ أبعَدُ مَنْ في الأرضِ يَبتِعدُ
ما نومةٌ لَكَ يومُ الحَشْرِ مَوعِدُها / ويحي وما غيبةٌ ميعادُها الأبَدُ
ما بالُ عينيِكَ لا تَنفَكُّ مُغمضَةً / جُفُونُها وبِعيني لا بها الرَمدُ
هذِهْ هيَ النَظْرَةُ الأخرى نُزوَّدُها / فهل بِزادِ حُدِيثٍ منكَ نُفتَقَدُ
وهل تُرَدُّ على بُعدٍ تحيِتُّنا / وهل تُؤَدَّى رِسالاتٌ لنا تَرِدُ
عَلوتَ يا أيُّها العالي إلى فَلَكٍ / قد طالَ منكَ إلى ما فَوقَهُ الرَّصَدُ
أنتَ الغريبُ ومَنْ لي أن يكُونَ لنا / غرائبٌ في أساليبَ الرِّثا جُدُدُ
جادَتْ على قَبرِكَ الأنواءُ باكيةً / كأنَّما قد عراها الغَمُّ والنَكَدُ
هذا هُوَ المَنزِلُ الباقي وعُدَّتُهُ / هي الذَّخيرةُ لا مالٌ ولا وَلَدُ
دَعْ يومَ أمسِ وخُذْ في شأنِ يومِ غَدِ
دَعْ يومَ أمسِ وخُذْ في شأنِ يومِ غَدِ / واعدِدْ لِنفسِك فيهَ أفضَلَ العُدَدِ
واقنَعْ بما قَسَمَ اللهُ الكريمُ ولا / تَبسُطْ يَديَكَ لنَيلِ الرِّزقِ من أحَدِ
والبَسْ لكُلِّ زمانٍ بُرْدةً حَضَرَت / حتى تُحاكَ لك الأُخرى من البُرَدِ
ودُرْ مَعَ الدَّهرِ وانظُرْ في عَواقبِهِ / حِذارَ أن تُبتَلى عَيناكَ بالرَّمَدِ
مَتَى تَرَ الكلبَ في أيَّامِ دَوْلتِهِ / فاجَعلْ لرِجْليكَ أطواقاً من الزَرَدِ
واعمْ بأنَّ عليكَ العارَ تَلْبَسُهُ / من عَضَّةِ الكلبِ لا من عضَّةِ الأسَدِ
لا تأمُلِ الخيرَ من ذي نعمةٍ حَدَثَت / فَهْوَ الحريصُ على أثوابهِ الجُدُدِ
واحرِصْ على الدُرِّ أن تُعطِي قلائدَهُ / مَن لا يُميِّزُ بينَ الدُرِّ والبَرَدِ
أعدَى العُداةِ صَديقٌ في الرَّخاءِ فإن / طَلَبْتَهُ في أوانِ الضِّيقِ لم تَجِدِ
وأوثَقُ العهدِ ما بينَ الصِّحابِ لِمَنْ / عاقَدتَ قلباً بقلبٍ لا يَداً بيَدِ
عليكَ بالشُّكرِ للُمعطي على هِبةٍ / ودَعْ حَسُودَكَ يَشوي فِلْذَة الكَبِدِ
لو كانَ يَفَعلُ في ذي نِعمةٍ حَسَدٌ / لم ينجُ ذو نعمةٍ من غائلِ الحَسَدِ
مَحَضْتُك النُّصحَ عن خُبرٍ وتجرِبةٍ / واللهُ سُبحانَهُ الهادي إلى الرَشَدِ
فاخَترْ لنفسِكَ غيري صاحباً فأنا / شُغِلتُ عنكَ بما قد جدَّ في البَلَدِ
قد شَرَّفَ اليومَ إبراهيمُ بلَدتَنا / كأنَّهُ الرُوحُ قد فاضَتْ على الجَسَدِ
اهدَت إلينا ضَواحي مِصرَ جَوْهرةً / من مالِنا فهي قد جادَتْ ولم تَجُدِ
ما زالتِ الشَّامُ تشكو طُولَ وَحْشتِهِ / كالأمِّ طالتْ عليها غُربةُ الوَلَدِ
سُرَّتْ بزَوْرتِهِ يوماً ونَغَّصَها / خوفُ الفِراقِ فلم تَسلَمْ من الكَمَدِ
عليلةٌ من دواعي الشَّوقِ حينَ دَرَى / من لُطفِهِ ما بها وافَى كمُفتقِدِ
لئنْ يكُنْ من حِماها غيرَ مُقترِبٍ / فقلبُهُ عن هَواها غيرُ مُبتعِدِ
كريم نفسٍ يُراعي عهدَ صاحبهِ / فلا يُقصِّرُهُ طُولٌ منَ المُدَدِ
مُهذَّبٌ ليسَ في أقوالِهِ زَلَلٌ / وليسَ في فِعلِهِ عَيبٌ لمُنتَقدِ
يقومُ بالأمرِ بينَ النَّاسِ مُنفرِداً / والغيرُ قد كَلَّ عنهُ غيرَ مُنفرِدِ
ويَحطِمُ المَنكِبَ الأعلى بهمَّتِهِ / من قُوَّةِ الرأي لا من قُوَّةِ العَضُدِ
منَ الرِّجالِ رجالٌ عَدُّهم عَبَثٌ / وواحدٌ قد كَفَى عن كَثْرةِ العَدَدِ
مالي وما لنُجوم الليلِ أحسُبُها / إذا ظَفِرتُ بوجهِ البَدرِ في الجَلَدِ
أهديتُهُ بِنتَ فكرٍ قد فتحتُ لها / من حُسنِ أوصافهِ كَنْزاً بلا رَصَدِ
تَمكَّنت بعدَ ضُعفٍ من نَفائسِهِ / حتَّى ابتَنَتْ كُلَّ بيتٍ شامخِ العُمُدِ
كلُّ الملابِسِ تَبلَى مثلَ لابِسِها / ومَلبَسُ الشِّعرِ لا يبلى إلى الأبدِ
وأفضَلُ المدحِ ما وازَنْتَ صاحبَهُ / وزْنَ العَروض فلم تَنْقُص ولم تَزِدِ
مَنْ يقرَبِ النَّارَ لا يَسلمْ منَ الحَرَقِ
مَنْ يقرَبِ النَّارَ لا يَسلمْ منَ الحَرَقِ / فابعُدْ عنِ النَّاسِ واحذَرْهم ولا تَثِقِ
واُصبرْ على نَكَدِ الدُّنيا وكُنْ بطَلاً / يَلقَى السُّيُوفَ غَداةَ الحربِ بالدَرَقِ
إن كنتَ قد ضِقْتَ ذَرْعاً عن نوائِبها / فلا تَخَفْ إن لُطفَ اللهِ لم يَضِقِ
يَستدرِكُ المرْءُ ما يَبدُو لناظِرهِ / واللهُ يَصنعُ ما يَخَفى على الحَدَقِ
كم أرَعَدَ الجَوُّ فاهَتزَّتْ جَوانِبُهُ / ثُمَّ انتَهَى الرَّعدُ لم يفَعَلْ سَوَى القَلَقِ
ورُبَّما أطبَقَتْ سُحْبٌ فما قَطَرَتْ / إلا كما يَنقضِي البُحرَانُ بالعَرَقِ
لا يَيْأسَنَّ مريضٌ من سَلامِتهِ / ما دامَ في جِسمهِ شيءٌ من الرَّمَقِ
كم ماتَ من كانَ يُرجَى عَيشُهُ فقَضَى / وعاشَ من كانَ يَخَشى موتُهُ فبَقِي
لِكلِّ لَيلٍ صَباحٌ نستَضيءُ بهِ / فلا تَدوُمُ علينا ظُلمةُ الغَسَقِ
وآخرُ الأمرِ في ضُعفٍ كأوَّلِهِ / كما نَرى الشِبْهَ بينَ الصُّبحِ والشَفَقِ
تَخالَفَ النَّاسُ في الدُنيا فما اتَّفَقوا / إلاّ على حُبِّها الخالي من المَلَقِ
تَسابَقَت نحو كَسْبِ المالِ أنفسهم / ورِفعةِ الجاهِ مثلَ الخيلِ في الطَلَقِ
والفَقرُ أفضلُ من مالٍ حَمَلتَ بهِ / ثِقْلاً من الهَمِّ يُبلِي العينَ بالأرَقِ
والذُلُّ أحسَنُ من مجدٍ لَبِستَ بهِ / ذَمّاً منَ النَّاسِ مثلَ الطَّوق في العُنُقِ
لا خيرَ في خَمرةٍ تَحلُو لِشارِبها / طَعْماً ولكن تَلِيها غُصَّةُ الشَرَقِ
من لا يُقلِّبُ طَرْفاً في عَواقِبهِ / فليسَ تأمنُ رِجلاهُ من الزَّلَقِ
قُلْ للذي مَزَّقَ الدِّيباجَ مُعتمِداً / وبات يرقَعُ منهُ باليَ الخِرَقِ
لا تفتحِ البابَ للضِّرغامِ محترزاً / من البعوض فهذا أعظمُ الحُمٌقِ
شَرُّ الجَهالةِ ما كانَتْ على كِبَرٍ / تُسَوِّدُ الشَيْبَ مِثْلَ الحِبْرِ على الوَرَقِ
وأيسَرُ الجَهلِ ما يَرتَدُّ صاحِبُهُ / عنهُ كمن هَبَّ مُنتاشاً منَ العُمُقِ
لا تَعجَبَنَّ لِسَكرانٍ تَراهُ صَحا / لكنْ لِمَنْ غاصَ في سُكرٍ فلم يُفِقِ
إن الثَباتَ على عَيبٍ أقمْتَ بهِ / عيبٌ جَديدٌ سِوَى المَغرُوسِ في الخُلُقِ
النَّاسُ بالوَضعِ أشباهٌ وقد نَشِبتْ / فيهم مُبايَنةٌ من أكثرِ الطُرُقِ
ماذا نُؤَمِّلُ من نَفعٍ إذا اتَّفَقَتْ / أسماؤُنا والمُسمَّى غيرُ مُتَّفِقِ
يا ليتَ لي بحرَ شُكرٍ كي أخُوضَ بهِ / لكنْ أخافُ على نفسي من الغَرَقِ
شُكرُ الذي ما بِهِ عيبٌ سِوَى نِعَمٍ / تَتابَعَتْ منهُ مثلَ العطفِ ذي النَّسق
ذاكَ الذي كُلَّما رُمتُ اللحاقَ بهِ / في الحُبِّ ألفَيتُهُ قد جَدَّ في السَبَقِ
وكُلَّما كَدِرَتْ عينُ الزَّمانِ صَفا / وكُلَّما دَنِسَتْ نَفسُ الزَّمانِ نَقِي
دَلَّتْ على وُدِهِ الصَّافي صَنائِعُهُ / كالمِسكِ دَلَّتْ عليهِ نَفْحةُ العَبَقِ
والحُبُّ إنْ كانَ لا يأتي بفائدةٍ / فَذاكَ كالغُصنِ لا يُجنِي سِوَى الوَرَقِ
نَرَى منَ النَّاسِ أقواماً مَوَدَّتُهُمْ / تُرضي الفَتَى بلسانٍ خادِعٍ مَلِقِ
تِلكَ الجَرادةُ في بحرٍ وليِمتُنا / مَن فاتَهُ اللحمُ فليِشْبعْ منَ المَرَقِ
أتَحسبُ من حُمْر الشَّقيقِ خُدُودُها
أتَحسبُ من حُمْر الشَّقيقِ خُدُودُها / ومن بعضِ رُمَّان الجِنانِ نُهودُها
دَهِشْتَ لما شاهدتَ منها مُوَلَّهاً / فأنقَصتها من حيثُ جئتَ تَزِيدُها
فَتاةٌ لِعينَيها جُفونٌ مَرِيضةٌ / لِكَثرةِ ما تَغزُو وهُنَّ جُنودُها
سَمِعتُ بأنَّ الخالَ يُحسَبُ عَبدَها / فأمّلْتُ أنْ تَدنْو كذاكَ عبيدُها
أرى كلَّ حربٍ فيهِ للقومِ هُدنةٌ / سِوَى حربِ مَن تسطو عليهِ البيضِ سُودُها
وكلُّ مرِيضٍ يتَّقِي اللهَ نائباً / سِوىَ جَفنها الطَّاغي بما لا يُفيدها
نَحيلةُ خَصرٍ مثلَ جسمي من الضَّنَى / تَرِفُّ عليهِ مثلَ قلبي بُنودُها
رأيتُ قَضيبَ الخَيزُرانةِ ذابلاً / فأيقَنتُ أن الخَيزُرانَ حَسوُدُها
هَوِيتُ التي كم عِندَها من دمٍ لنا / تحَلَّى بهِ مثلَ القَلائدِ جِيدُها
ومالَتْ بِعطِفي صَبْوةٌ لو تَلاعَبتْ / بِخَيمْتِها الشَّمَّاء مالَ عَمُودُها
ولكننَّي ممَّن أعَدَّ لدَهرِهِ / كتائبَ صَبرٍ ليسَ يُحصَى عَدِيدُها
وعِندي وقارٌ من خلائقِ أحمَدٍ / فَجُزْتُ ولم تُمطِر عَلَيَّ رُعودُها
خَلائِقُ تَزدانُ السَّجايا بِحُسنِها / كما زَيَّنتْ بيضَ النُّحورِ عُقودُها
إذا كانتِ الأفلاكَ فَهْيَ نُجومُها / وإن كانتِ الأقمارَ فهْيَ سُعُودُها
كريمُ صفاتٍ لا يَمُرُّ قَدِيمُها / على مِسمَعٍ حتى يَلُوحَ جَديدُها
إذا أصبحَتْ دُهْمُ الأمورِ مريضةً / شَفاها بإذنِ اللهِ حينَ يَعودُها
لهُ هِمَّةٌ في الحادثاتِ بعيدةٌ / إذا راضَتِ الأعمالَ يدنو بَعيدُها
تألَّفَ حُسنُ الخَلْقِ والخُلقِ عِندَهُ / وتِلكَ اخِتصاصاتٌ عزيزةٌ وُجودُها
على وَجهِهِ نُورُ الجمالِ يزِينُهُ / طَلاقةُ بِشرٍ فوقَهُ يَستَفيدُها
ومن ذِهنهِ ماءُ السُّيوفِ وحَدُّها / ومِن عَزمِهِ في النَّائبات حَديدُها
لَقد صَلَحَ ابنُ الصُّلحِ لِلمَدْح صادقاً / فكانَ أميراً للقَوافي يَقودُها
لها بينَ أيدِيهِ الكِرامِ مَواقِفٌ / صِحاحٌ دَعاويها عُدولٌ شُهوُدُها
وقد شَقَّ نَظْمُ الشِّعرِ عندي لِعلَّةٍ / يِشُقُّ على قلبي الصَّبورِ جُحودُها
منَ الشِّعرِ مَدْحٌ قَلَّ مَنْ يَستَحِقُّهُ / وصَنعةُ هَجْوٍ لَسْتُ ممَّن يُرِيدُها
لَعمْركَ ليسَ فوقَ الأرضِ باقِ
لَعمْركَ ليسَ فوقَ الأرضِ باقِ / ولا مِمَّا قَضاهُ اللهُ واقِ
وما للمَرْءِ حظٌ غيرُ قُوتٍ / وثَوْبٍ فَوقَهُ عَقْدُ النِّطاقِ
وما للمَيْتِ إلاّ قيدُ باعٍ / ولو كانَتْ لهُ أرضُ العراقِ
وكم يمضي الفِراقُ بلا لِقاءٍ / ولكنْ لا لِقاءَ بِلا فِراقِ
أضَلُّ النَّاسِ في الدُّنيا سَبيلاً / مُحِبٌّ باتَ منها في وِثاقِ
وأخسَرُ ما يَضيعُ العُمرُ فيهِ / فَضولُ المالِ تُجمَعُ للرِّفاقِ
وأفضلُ ما اشتغَلْتَ بهِ كِتابٌ / جليلٌ نفعُهُ حُلوُ المَذاقِ
وعِشرةُ حاذقٍ فطِنٍ حكيمٍ / يُفيدُكَ من مَعانيهِ الدِّقاقِ
هُناكَ المجدُ يَنهَضُ من خُمُولٍ / بصاحبِهِ إلى أعلى الطِّباقِ
ويُنشي الذِّكرَ بينَ النَّاسِ حَتَّى / يقومَ بهِ على قَدَمٍ وساقِ
مضَى ذِكرُ الملوكِ بكُلِّ عَصرٍ / وذكر السُّوقةِ العلماءِ باقِ
وكم علمٍ جنى مالاً وجاهاً / وكم مالٍ جَنَى حربَ السِّباقِ
وما نَفعُ الدَّراهمِ مع جَهُولٍ / يُباعُ بدِرهمٍ وقتَ النَّفَاقِ
إذا حُمِلَ النُّضارُ على نياقٍ / فأيُّ الفخرِ يُحسَبُ للنِّياقِ
وأقبَحُ ما يكونُ غِنَى بخيلٍ / يَغَصُّ وماؤُهُ مِلءُ الزِّقاقِ
إذا مَلَكَتْ يداهُ الفَلسَ أمسَى / رقيقاً ليسَ يطمَعُ في العَتاقِ
ألا يا جامعَ الأموالِ هَلاّ / جَمَعْتَ لها زَماناً لاِفتِراقِ
رأيتُكَ تَطلُبُ الأَبحارَ جَهلاً / وأنتَ تكادُ تغرَقُ في السَّواقي
إذا أحرزتَ مالَ الأرضِ طُرّاً / فما لَكَ فوقَ عَيْشكَ من تَراقِ
أتأكلُ كُلَّ يومٍ ألْفَ كَبْشٍ / وتَلبَسُ ألفَ طاقٍ فوقَ طاقِ
فَضولُ المال ذاهبةٌ جُزافاً / كماءٍ صُبَّ في كأسٍ دِهاقِ
يَفيضُ سُدىً وقد يسطو عليها / فينُقِصُ مِلأها عندَ انِدفاقِ
مَضَت دُوَلُ العُلومِ الزُّهرِ قِدْماً / وقامتْ دَولةُ الصُّفرِ الرِّقاقِ
وأبرَزَتِ الخَلاعَةُ مِعصَميْها / وباتَ الجَهْلُ ممدُودَ الرِّواقِ
فأصبَحَ يَدَّعي بالسَّبقِ جَهلاً / زَعانِفُ يَعجزونَ عَنِ اللحاقِ
إذا هَلَكَتْ رِجالُ الحَيِّ أضحَى / صَبيُّ القومِ يحلِفُ بالطَّلاقِ
أسَرُّ النَّاسِ في الدُّنيا جَهولٌ / يُفَكِّرُ في اصطباحٍ واغتِباقِ
وأتعَبُهم رئيسٌ كلَّ يومٍ / يكونُ لكلِّ ملسوعٍ كراقِ
وأيسرُ كلِّ موتٍ موتُ عبدٍ / فقيرٍ زاهدٍ حَسَن السِّياقِ
فليسَ لهُ على ما فاتَ حُزنٌ / وليسَ بخائفٍ ممَّا يُلاقي
الناسُ لولا سجايا النفسِ أشباهُ
الناسُ لولا سجايا النفسِ أشباهُ / فإنّما كُلُّهُمْ تُرْبٌ وأمواهُ
والبعضُ يُفرَقُ عن بعضٍ بجَوهرهِ / كاللفظِ يُفرَقُ عن لفظٍ بمَعناهُ
هذا الذي دارَ بينَ النَّاس من قِدَمٍ / وهكذا قد أقامَ اللهُ دُنياهُ
لو كانتِ النَّاسُ خَلْقاً واحداً بَطَلتْ / مَصالحُ العيشِ واندَكَّتْ زَواياهُ
لولا السَّماحةُ ضاع الحُسنُ مُنكسِراً / فلم يكن لمليحٍ في الوَرَى جاهُ
للهِ في الخَلْقِ سِرٌّ ليسَ نُدرِكُهُ / وكيفَ يُدرِكُ عبدٌ سِرَّ مَوْلاهُ
لكلِّ أمرٍ رِجالٌ يَصْلُحُونَ لهُ / وكلُّ مَرْءٍ لهُ أمرٌ تَوَلَّاهُ
نالَ الرِئاسةَ مَولانا الرئيسُ ولو / رأى لها غيرَهُ المُعطِي لأعطاهُ
سيفٌ إذا ما فَرَى عُنقاً سِواهُ بهِ / فَرَتْ بهِ الصَخرَ عِندَ الضَّربِ يُمناهُ
يَقضِي الحوائجَ إفراداً وتَثْنيةً / ولا يُثَنِّي المُنادي حينَ ناداهُ
وتنقُضُ البُؤُس بعدَ العَقْدِ راحتُهُ / وتنظُرُ السِّرَّ قبلَ الجَهرْ عيناهُ
ما زالَ يجلو ظَلامَ الظُّلمِ مُجتهِداً / كالليلِ حينَ ضِياءُ الصُّبحِ يَلْقاهُ
وينصُرُ العدلَ حتماً وَهْوَ يَحْسَبُهُ / دَيناً لدُنياهُ أو دِيناً لأُخراهُ
يُمسِي الأمانُ ويُضِحي تحتَ رايتِهِ / كأنَّما في حِماها كانَ مَنْشاهُ
مرفوعةٌ بعَمُودٍ تحتَ أجنِحةٍ / منَ المَلائكِ رَفَّتْ فوقَ أعلاهُ
جِئنا نُهنِّيهِ بالفَوْز الجليلِ ومَنْ / أصابَ في الرَّأيِ هَنَّانا وهنَّاهُ
فلا يزالُ قريرَ العينِ مُبتهِجاً / يَرعَى العِبادَ وعينُ اللهِ تَرْعاهُ
وقَفْتُ مَدحي فلا يَطْمَعْ بهِ أحَدٌ
وقَفْتُ مَدحي فلا يَطْمَعْ بهِ أحَدٌ / على الذي مِثلَهُ في النَّاسِ لا أجِدُ
وليسَ مدحي لهُ حُبّاً وتَكْرِمةً / لكنّني غيرَ وِرْدِ الحَقِّ لا أرِدُ
عَيبٌ عليَّ إذا أنشدتُ قافيةً / في غيرهِ أو جَرَتْ لي باليَراعِ يَدُ
ومن تَيَمَّمَ حيث الماءُ مُندِفقٌ / فذاكَ قد ضاعَ منهُ الحَزمُ والرَّشَدُ
هذا الذي عِندَهُ للشِّعرِ من أدَبٍ / جاهٌ وعِندَ سواهُ حَظُّهُ الكَمَدُ
هل يَستوي من يَظُّنُ الشِّعرَ طَلْسَمةً / ومَن يروضُ معانيهِ وينتقِدُ
إذا كَتَبْنا لهُ في الطِّرْسِ قافيةً / كادَتْ تَطيرُ إليهِ وَهْيَ تَجتهدُ
وإنْ سَعينا على بُعدٍ لزورتهِ / خِلنا منَ القُربِ يَسعَى نحوَنا البَلَدُ
يَذِلُّ عِندَ أميرِ النَّاسِ أكبرُهُمْ / وعِندَهُ يُرفَعُ الأدنَى الذي يَفِدُ
تُنسي مكارِمُهُ الأضيافَ مَنزِلَهم / فلا يَشوقُهُمُ أهلٌ ولا وَلَدُ
مُبارَكُ الوَجهِ بادي اللُطفِ باهِرُهُ / تَكادُ تنحَلُّ من ذِكرِ اسمهِ العُقَدُ
إنْ حاضَرَ النَّاسَ قُلْنا إنَّهُ مَلَكٌ / أو باشَرَ الحربَ قُلْنا إنَّهُ أسَدُ
قد مارسَ الصَّبرَ في الأيَّام عن جَلَدٍ / حَتَّى تَعجَّبَ منهُ الصَّبرُ والجَلَدُ
فنالَ ما تَشتهيهِ النَّفسُ مُقتدراً / ولم تَنَلْ منهُ ما يُشفَى بهِ الكَبِدُ
قد جَدَّدتْ لبَني رَسْلانَ دَوْلتَهُم / يَدُ الأمينِ التي باللهِ تَعتَضِدُ
من كان من أمراءِ النَّاس مولِدُهُ / فإِنَّهم مِن مُلوكِ النَّاسِ قد وُلِدوا
آلُ المناذِرَةِ القومِ الذينَ غَدَت / منهم فرائِصُ أهلِ الأرضِ تَرتعِدُ
هذا هُوَ النَّسَبُ العالي الذي شَهِدَت / بهِ الرُّواةُ فصَحَّ النَّقلُ والسَّنَدُ
أكادُ أشكوكَ يا مَنْ قد حُسِدتُ بهِ / فقد تخوَّفتُ أنْ يُؤذينيَ الحَسَدُ
رَفَعتَ قدرِي بما أبدَيتَ من عَمَلٍ / بمثلِهِ ينبغي أنْ تُرفَعَ العُمَدُ
رأيتُ نَظرةَ حُبٍّ منكَ صادقةً / لو كانَ بي رَمَدٌ لم يَلبَثِ الرَّمَدُ
ونِعمةً طَوَّقَتْ عُنقي قَلائِدُها / بالأمسِ واليومُ موصولٌ بهِ وغَدُ
أستغفرُ اللهَ قد طالَ الزَّمانُ وما / وَفيتُ شُكراً عليهِ كُنتُ أعتَمِدُ
وازَنْتُ نِعمتَكَ العُظمَى بهِ عَدَداً / حتى استَطالتْ فضاعَ الوَزْنُ والعَدَدُ
لو لم تُغِثني بما يُعطي الفَتَى مَدَداً / على الثَّنا لم يكن لي في الثَّنا مَددُ
وربَّما ساعَدَ الممدوحُ مادحَهُ / إذ كان يصلُحُ للمدحِ الذي يرِدُ
والصِّدقُ أهونُ ما يجري اللِّسانُ بهِ / مِثلَ الصِّرَاطِ أمامَ العينِ يَطَّرِدُ
تَناقضَ الرَّأيُ بينَ النَّاسِ والعَمَلُ
تَناقضَ الرَّأيُ بينَ النَّاسِ والعَمَلُ / والكُلُّ يَرضَى بما فيهِ ويقَتبِلُ
إن كانَ ذلكَ مَقبُولاً بِرُمَّتِهِ / فليسَ بينَ الوَرى عَيبٌ ولا زَلَلُ
النَّاسُ في الأرضِ كالأشجارِ قامَ بها / حُلوٌ ومُرٌّ ومُعْوجٌّ ومُعتَدِلُ
وكُلُّ صِنفٍ لهُ وَقتٌ يُرادُ بهِ / فَلا يَصِحُّ لهُ من غَيرهِ بَدَلُ
مَن كانَ في النَّاسِ مولوداً على صِفَةٍ / فليسَ للنَّاسِ في تَغْييرها أمَلُ
إذا تَمكَّنَ خُلقُ السُّوءِ في رَجُلٍ / كما إذا استحَكَمَتْ في جِسِمهِ العِلَلُ
لا يستطيعُ بخيلٌ أنْ يجُودَ ولو / حَوَى من المالِ ما لا تَحمِلُ الإبِلُ
وكُلَّما رُمتَ تَشديدَ الجَبانِ على / شجاعةٍ زادَ فيهِ الجُبنُ والفَشَلُ
إنَّ الكريمَ الذي لا مالَ في يَدهِ / مِثلُ الشُّجاعِ الذي في كَفِّهِ شَلَلُ
والمالُ مِثلُ الحَصَى ما دَامَ في يَدِنا / فليسَ يَنفَعُ إلاّ حينَ يَنتقِلُ
إنَّ الذي قسَمَ الأخلاقَ قد قَسَمَ ال / أرزاقَ تجري إلى أن يُقسَمَ الأجَلُ
يا رُبَّ قومٍ سَعَوا بالجَهلِ فانتَصَروا / ورُبَّ قومٍ سَعَوا بالعَقلِ فانخَذلوا
وقَلَّ من طابَقَتْ دُنياهُ حِكمَتُهُ / مِثلَ الأمينِ الذي اعتزَّت بهِ الدُوَلُ
ذاك الذي يَجمعُ السَيفِينِ سَيفَ يدٍ / وسَيفَ رأيٍ وكُلٌّ به كَلَلُ
بالجِدِّ قَومٌ وقَومٌ بالجُدودِ لهُم / فخرٌ وهذا على الأمرَينِ يَشتَمِلُ
من آلِ رَسْلانَ من لَخْمٍ لهُ نسَبٌ / إلى تَنُوخَ إلى قَحْطانَ يتَّصِلُ
سَقَتْ شَقائقَ نُعمانٍ بِمَنْبِتِهِ / ماءُ السَّماءِ التي يَجري بها المَثَلُ
قُلْ للخَوَرنَقِ قد أنشا الزَّمانُ لنا / مَنْ رَبُّهُ اللهُ لا منْ رَبُّهُ الهُبَلُ
مَنْ يَقرَعُ الذِّكرُ والأورادُ مِسَمعَهُ / لا ناقةُ العَطَنِ الهَوجاءُ والجَمَلُ
تِلكَ المُلوكُ أساسٌ قامَ مُنتصِباً / عليهِ قَصرٌ بَناهُ الخالقُ الأزَلُ
خُلاصةٌ قد تَصَفَّت من عَشائِرِها / كما تَصفَّى لنا من شَهدِهِ العَسَلُ
لَقد وَجدنا بني رَسلانَ طائفةً / مثلَ الأهلَّةِ بالتَّدريجِ تَكتَمِلُ
أليومَ نالت كمالَ البدرِ فاقتصَرَتْ / إذ لا كمالَ إلى ما فَوقَهُ يَصِلُ
كُنَّا نُعظِّمُ إسماعيلَ من قِدَمٍ / فصَغَّرَ الدَّهرُ ما تَستعظِمُ الأُوَلُ
قد كانَ ذلكَ فوقَ الغَربِ رابيةً / واليومَ هذا على كُلِّ الرُّبَى جَبَلُ
هُوَ الكريمُ الذي تُملى القُلوبُ بهِ / أُنساً وتُجلَى بمَرأى وَجههِ المُقَلُ
لا تَسبِقُ الفعلَ من إنجازِهِ عِدَةٌ / ويَسبِقُ السَّيفَ من إنصافِهِ العَذَلُ
رَحيبُ صَدرٍ تَضيعُ النَّائِباتُ بهِ / ولا تَضيقُ على آرائهِ السُبُلُ
تَخفَى على مِثلِنا أسرارُ حِكمتِهِ / كما تَحجَّبَ عن أبصارِنا زُحَلُ
ألبستُهُ من مديحي خاتَماً نَقَشَتْ / فيهِ شَهادَتَها الأملاكُ والرُسُلُ
نَقشٌ إلى الدَّهرِ لا يُمحَى لهُ أثَرٌ / حتى تَزُول وتُمحَى السَّبعَةُ الطُوَلُ
قُلْ للأميرِ الذي من نَقدِهِ وَجَلٌ / يَغشَى القَوافي ومن تَقصيرِها خَجَلُ
عارٌ علينا مديحٌ فيكَ مُنتحَلٌ / وأنتَ في النَّاسِ بِدْعٌ ليسَ تنتَحِلُ
يا سيفَ دولةِ قَيْسٍ تَقتَضي رَجُلاً / كابنِ الحُسَينِ وإنِّي ذلكَ الرَجُلُ
سَهَّلْتَ لي الشِّعرَ حتَّى لو نَطقَتُ بهِ / في النَّومِ جاءَ صحيحاً ما بهِ خَلَلُ
رَوضٌ تَقلَّبتُ فيهِ من شمائِلِكم / فكَيفَما مِلْتُ يَملا راحتي النَفَلُ
لو كانَ للدَّارِ نُطقٌ سَبَّحَتْ عَجَبا
لو كانَ للدَّارِ نُطقٌ سَبَّحَتْ عَجَبا / أو راحةٌ صَفَّقتْ من بَهجةٍ طَرَبا
قد زارها اليومَ مَن عزَّت بزَوْرتِهِ / كأنَّه قد طَلَى حِيطانَها ذَهَبا
كادت منَازِلُها تَلقاهُ راقِصةً / لكنَّها حَفِظَتْ قُدَّامهُ الأدَبا
هذا الأمينُ الذي لُبنانُ في يَدِهِ / أمانةُ اللهِ يَرعاها كما وَجبَا
ساسَ البِلادَ بلُطفٍ من خَلائقِهِ / واللُطفُ اقطَعُ من سَيفٍ لمَنْ ضَرَبا
مُبارَكُ الوَجهِ يأتي الخِصبُ حيثُ أتى / ويَذهَبُ السَّعدُ مَعْهُ حيثُما ذَهبا
يغزو الخُطوبَ برأيٍ غيرِ مُنثلِمٍ / لو كانَ ناراً لكانَتْ عِندَهُ حَطَبا
لئن تأخَّرَ في أيَّامِهِ زَمناً / فقد تَقدَّمَ في أجيالهِ رُتَبا
قَدِ اختباهُ إلى اليومِ الزَّمانُ كما / يَخْبا الحريصُ إلى الشَيخُوخَةِ النُخَبَا
أهدَيتُ أبياتَ شِعري مَن بهِ افتَخَرتْ / أبياتُ داري فظَّنتْ نَفْسَها شُهُبا
عَلَّقتُها اليومَ في مِحرابِ دَولتِه / فخراً فباهَيْتُ في تَعليِقها العَرَبا
رضيتُ من عينِ ذاك الحَيِّ بالأثَرِ
رضيتُ من عينِ ذاك الحَيِّ بالأثَرِ / حتى رَضيتُ بسَمْع الذِّكرِ والخَبَرِ
وهامَ قلبي بما يَحْويهِ مُنشغِفاً / حتى بما فيهِ من تُرْبٍ ومن حَجَرِ
أستقبِلُ الرِّيحَ من واديهِ مُعتنِقاً / كأنَّها لي صَديقٌ جاءَ من سَفَرِ
ويُؤْنِسُ البرقُ عيني إذْ يَلوحُ لها / منَ الكثيبِ فتجني لَذَّةَ النَّظَرِ
يا حَبَّذا أرضُ عُسفانَ التي شَرَقَتْ / بالبيضِ والسُّمْرِ بينَ البيضِ والسُّمُرِ
وحَبَّذا القُبَّةُ الزَّرقاءُ من فَلَكٍ / فإنَّها اشتَمَلَتْ ليلاً على القَمَرِ
رَبيبةٌ في بُرُودِ البَدْوِ طالعةٌ / تُغنِي مَحاسِنُها عن زِينةِ الحَضَرِ
تَرنُو بطَرْفٍ غَضيضِ الجَفْنِ مُنكسرٍ / فلا نَراها بقلبٍ غيرِ مُنكسِرِ
بِتنا على خَطَرٍ من سُخطِها ولَقد / تأتي السَلامةُ أحياناً منَ الخَطَرِ
إذا تَكَدَّرَ ماءُ النِّيلِ مُضطرِباً / فإنَّ صفوَ الوَرَى في ذلكَ الكَدَرِ
وفي زِيارةِ مِصرٍ لو ظَفِرتُ بها / مَشَقَّةٌ تُعقِبُ الأتعابَ بالظَفَرِ
مَن لي بِزَورةِ هاتيكَ الدِّيارِ لكي / أقضِي الحُقوقَ التي يُقضَى بها وَطَري
مَوَدَّةٌ بَيننا بالأمسِ قد غُرِسَت / واليومَ طالَبتُ ذاكَ الغَرْسَ بالثَّمَرِ
عليَّ حَقٌّ لمن يُغضِي بمنَّتِهِ / عن القُصُورِ ويعفو عَفْوَ مُقْتَدِرِ
الطَّاهرُ القلبِ لا عيبٌ يُدنِّسُهُ / والرَّاشدُ السَّعَيِ عِندَ اللهِ والبَشَرِ
إذا استطاعتْ يداهُ في الوَرَى ضَرَراً / فإنَّ في قلبه عَجْزاً عنِ الضَّرَرِ
وحَيثُ لا يَتَّقِي في النَّاسِ من حَذَرٍ / يكونُ من رَبِّهِ في غايةِ الحَذَرِ
إن كُنتُ قَصَّرْتُ في مَدحي لهُ سَلَفاً / فالقَطْرُ يأتي قليلاً أوَّلَ المَطَرِ
ورُبَّ مُختَصَرٍ في اللَّفظِ نَحسَبُهُ / مُطوَّلاً في المعاني غيرَ مُختصَرِ
نالَ الإمارةَ من لاقَتْ بمَنصِبهِ / من دولةٍ نَقَدَتْهُ نَقْدَ مُختبِرِ
قد أعطَتِ القوسَ باريها على ثِقَةٍ / لكنَّها غيرُ ذاتِ السَّهمِ والوتَرِ
قُلْ للكريمِ الذي سادَ الكِرامَ لَقْد / أسرَفْتَ إذ لم تَدَعْ فخراً لمُفتخِرِ
ما زِلتَ تَرقَى إلى أنْ نِلتَ منزِلةً / تُعَدُّ من طَبَقاتِ الأنجُم الزُّهِرِ
يا عُمدةَ الدَولةِ العُظمَى التِّي بعَثَتْ / إلى المشارقِ منها كوكبَ السَّحَرِ
قد ناظرَتْكَ على قَصدٍ مراتِبَها / فهُنَّ يَكبُرْنَ مَهْما ازدَدْتَ في الكِبَرِ
هذِهْ هيَ الدَولةُ الغَرَّاءُ نَنظُرُها / ما طال تأريخُها جاءَتكَ بالغُرَرِ
يا أيُّها السَفْحُ ماذا يَصنَعُ البانُ
يا أيُّها السَفْحُ ماذا يَصنَعُ البانُ / إذا انتَنَتْ من قُدودِ الحَيِّ أغصانُ
وأنتَ يا أيُّها الحامي العشيرةَ مَن / يَحميكَ إنْ بَرَزَتْ للفَتكِ أجفانُ
حَيَّا الحَيا ذلكَ الحيَّ الذي اجتمَعَتْ / في طَيِّ أبياتِهِ أسْدٌ وغِزْلانُ
لِأَعْيُنِ الغِيدِ شَكلٌ من ظِباهُ وفي / ظُباهُ مِن وَجَناتِ الغيدِ ألوانُ
رَبعٌ إليهِ قُلوبُ النَّاسِ ظامِئَةٌ / من وَجْدِها وَهْوَ بالأنواءِ رَيَّانُ
كأنَّ خِضْرَ بنَ رَعدٍ حلَّ ساحتَهُ / فأرعَدَتْ مُزنةٌ واخضَرَّ بُستانُ
ذاكَ الكريمُ الذي في ظلِّ رايتهِ / أمنٌ وفي أُنسِهِ رَوْحٌ ورَيْحانُ
قد زَارَ بيروتَ فاخَضَرَّتْ جوانِبُها / من شِدَّةِ الخِصْبِ حتى اخضَرَّ لُبنانُ
ذاكَ الذي يُجَتنى في السِّلمِ من فَمِهِ / دُرٌّ ومن سَيفِهِ في الحَرْبِ نِيرانُ
إذا انطفَتْ نارُ حربٍ في النَّهارِ لهُ / قامَتْ لصُنعِ القِرَى في الليلِ نيرانُ
الطاعنُ الخيلَ قد ألقىَ فَوارِسَها / عنها فهُنَّ على الفُرسانِ فُرسانُ
قد علَّمَ السَّيفَ بَذْلَ الجُودِ من يَدِهِ / فالوَحْشُ من حَولهِ والطَّيرُ ضِيفانُ
مُؤَيَّدٌ بيَمينِ اللهِ مُقتدِرٌ / لهُ مَلائِكةُ الرَّحمنِ أعوانُ
تُمسي السُّعودُ قياماً تحت رايتِهِ / كأنَّهُ عندَهُ جندٌ وغِلمانُ
كأنَّ مَنزِلَ خِضْرٍ ذَاتُ فاكِهةٍ / مِنَ الجِنانِ بها نخْلٌ ورُمَّانُ
يستأمِنُ الخائفُ اللاجي إليه كما / يَغنَى الفقيرُ ويُكسَى الخَزَّ عُريانُ
مهذَّبُ النُّطقِِ لا لَغْوٌ يُعابُ بهِ / وللمعاني كما للّفظِ مِيزانُ
حَوَى الإصابةَ في حُكمٍ وفي حِكَمٍ / فكانَ في الكُلِّ يُدعَى يا سُلَيمانُ
يا مَن بَغَى أن يراني تلكَ مَكرمةٌ / لها على كَرَمِ الأخلاقِ بُرهانُ
لقد عَرَفناكَ بالأسماعِ عن بعُدٍ / وكيفَ تَجهَلُ صَوتَ الرَّعدِ آذانُ
هذِهْ عُجالةُ مَدحٍ لو وَفيتُ لهُ / بما اقتَضَى لم يكُنْ يكفيهِ دِيوانُ
قَطَفتُ من طِيبِ رَوضٍ زَهرةً وكَفَى / إذْ ليسَ يَقطِفُ كلَّ الزَّهرِ إنسانُ
أعَلِمْتِ ما بالقلبِ من نارِ الجَوَى
أعَلِمْتِ ما بالقلبِ من نارِ الجَوَى / يا ظَبْيةً بينَ المُحجَّرِ واللِوَى
وَرَدَ الهَوَى منكم عليَّ وهكذا / كانَ اشتِعالُ النَّارِ من ذاكَ الهَوَى
قالت تَميِلُ إلى السِّوى فأجَبتُها / أينَ السِّوَى ولَعلَّ في الدُّنيا سِوَى
لو كُنتُ أعلمُ عِندَ غَيركِ بُلْغةً / لكَرِهتُ أن أطوي حَشايَ على الطَوَى
وبمُهجتي شَوقٌ أقامَ كأنَّهُ / مَلِكٌ على عَرشِ الفُؤادِ قدِ استَوَى
أطعَمتُهُ قلبي الكليمَ فما اكتَفَى / وسقَيتُهُ دمعي السَّجيمَ فما ارتَوَى
قد كُنتُ أحسَبُهُ كضَيفٍ نازلٍ / فإذا أنا ضَيفٌ إليهِ قد أوى
ولَقَد سَمَحتُ لهُ بأنْ يكوِي الحَشا / فكَوَى ولكنْ ما رَضِي حتى شَوَى
ولرُبَّ طَيفٍ زارَني فوَجَدتُهُ / داءً عليَّ وكُنتُ أحسَبُهُ دَوا
وافى فحيَّا مُؤنِساً يُرِوي الظَّما / ومَضَى فوَدَّعَ جارحاً يُوهِي القُوَى
صارت تخافُ النَّومَ عيني بَعدَهُ / لا تَجزَعي ذَاكَ الكِتابُ قدِ انطَوَى
شَغَلَت فُؤادي عن مُغازَلةِ المَهَى / شِيمٌ لَوَت قلبي إليها فالتَوَى
للخِضْرِ أخلاقٌ يكادُ ثناؤُها / يَخَضرُّ منهُ كلُّ عُودٍ قدْ ذَوَى
طابت موارِدُها فَتُبِهجُ مَن رأى / وتَسُرُّ مَن سَمِعَ الحديثَ ومن رَوَى
قُلْ للّذي يزهو بمَكرْمُةٍ لهُ / هذا الذي كُلَّ المَكارمِ قد حَوَى
يَقضِي حُقوقَ الدِّينِ والدُّنيا معاً / في الجَهْرِ والنَجْوَى على حَدٍّ سَوا
هُوَ رُكنُ بيتِ الرَّعدِ وَهْوَ عَمُودُهُ / فيهِ الجَلالُ بجانبِ التَّقوَى ثَوَى
طُوِيَت على الإخلاصِ نيَّةُ قلبِهِ / ولِكُلِّ عبدٍ عندَ رَبِّكَ ما نَوَى
سادَ البلادَ فكان رَبَّ عَشيرةٍ / بينَ العَشائِرِ باتَ مرفوعَ اللِوا
أعيا المظَالمَ أنْ تَجُوزَ بِلادَهُ / يوماً ولو طَارَتْ إليها في الهوا
يا أيُّها الرَّعدُ الذي في الحربِ لو / وقَعَتْ صَواعِقُهُ على جَبَلٍ هَوَى
مَلأَ المَسامِعَ منكَ صِيتٌ قارعٌ / والرَّعدُ يَقرَعُ كلَّ سَمْعٍ إذ دَوَى
لا يستطيعُ البُعدُ حَجْبَ جَمالِهِ / كالصُّبحِ ليسَ يَصُّدُ شُهرَتَهُ النَّوَى
يا مَعشَرَ الشُّعرَاءِ تلكَ صِفاتُهُ / ما ضَلَّ صاحبكُم بِهِنَّ وما غَوَى
إنّي نَطَقتُ بما رأيتُ وبعضُهُ / مِمَّا سَمِعتُ فما نَطَقتُ عَنِ الهَوَى