المجموع : 591
لا قَضى اللَّه لِقَلبي
لا قَضى اللَّه لِقَلبي / في الهَوى أَن يَستَريحا
أَنا راضٍ مِن هَوى البي / ضِ بأن كان قريحا
يا ميلحَ الوَجهِ لِمْ تصْ / نعُ ما ليسَ مَليحا
إنّما يُعذِرُ في التّق / بيحِ من كان قبيحا
أنا مُشفٍ من تَجنّي / كَ وقد كنتُ صحيحا
والّذي صيّرَ من حب / بِكَ في جسمِيَ روحا
لا أطاعَ القلبُ مِنِّي / أبداً فيك نصيحا
وَما مَرحُ الفتى تَزْوَرُّ عنه
وَما مَرحُ الفتى تَزْوَرُّ عنه / حُدودُ البِيضِ بالحَدَقِ المِلاحِ
ويُصبِحُ بين إعراضٍ مُبينٍ / بلا سببٍ وهجرانٍ صَراحِ
وقالوا لا جُناحَ فقلتُ كلّا / مشيبِي وحْدَهُ فيكمْ جُناحي
أَلَيسَ الشّيبُ يُدْنِي من مماتِي / وَيُطمِعُ مَنْ قَلانِي في رواحِي
مَشيبٌ شُنَّ في شَعَرٍ سليمٍ / كشنِّ العُرِّ في الإبلِ الصّحاحِ
كأنّي بعد زَوْرَتِهِ مَهِيضٌ / أدِفّ على الوظيفِ بلا جَناحِ
أو العانِي تورّط في الأعادِي / فَسُدَّ عليه مُطَّلعُ السّراحِ
سَقى اللَّه الشّبابَ الغضّ راحاً / عتيقاً أو زلالاً مثلَ راحِ
ليالِيَ لَيسَ لِي خُلقٌ مَعِيبٌ / فلا جِدِّي يُذمُّ ولا مِزاحي
وَإِذْ أَنا من بَطالاتِ التَّصابِي / ونَشواتِ الغواني غيرُ صاحِ
وَإِذْ أسْماعهُنَّ إليَّ مِيلٌ / يُصِخْنَ إِلى اِختِياري وَاِقتِراحِي
فَدونكَها اِبنَ حَمْدٍ ناقضاتٍ / لقولِ فتىً تجلّدَ للّواحِي
فقال وليس حقّاً كلُّ قولٍ / أهذا الشّيبُ يمنعني مراحِي
وَقاني اللَّه فَقدَك من خليلٍ / ثَنَتْ مِنِّي مودّتُهُ جِماحِي
فكان على قَذى الأيّامِ صفوِي / وكان على حَنادِسها صباحِي
ألا يا قومُ للقَدَرِ المُتاحِ
ألا يا قومُ للقَدَرِ المُتاحِ / وللأيّامِ ترغبُ عن جِراحي
وللدّنيا تماطلُ بالرّزايا / مِطالَ الجُربِ للإبلِ الصِّحاحِ
تُسالمنِي ولِي فيها خَبِئ / أَغَضُّ عليه بالعَذْبِ القَراحِ
ويا لِمُلِمَّةٍ نَزَعتْ يميني / وَحَصَّتْ بالقوادِمِ مِنْ جَناحي
فُتِنْتَ بها ومنظرُها قبيحٌ / كما فُتِنَ المُتَيَّمُ بالملاحِ
أَلا قُلْ للأَخايرِ من قريشٍ / وسُكَّانِ الظّواهِرِ والبِطاحِ
هَوى مِن بَينِكمْ جبلُ المعالِي / وعِرْنينُ والمكارِمِ والسَّماحِ
وَجبَّ اللَّهُ غارِبَكمْ فَكونوا / كَظالعةٍ تحيد عن المَراحِ
يُدَفِّعُها مُسوّقها المُعَنّى / وقَد شَحَطَ الكَلالُ عن البُرَاحِ
وَغضّوا اللّحْظَ عن شَغَفٍ إليهِ / فما لكُمُ العَشيَّة مِنْ طَماحِ
غُلِبْناهُ كَما غُلِبَ ابنُ ليلٍ / وقد سَئِمَ السُّهادَ على الصَّباحِ
فَقُلْ لِمَعاشرٍ رهبوا شَباتِي / وما تجني رماحِي أو صفاحِي
رِدُوا من حيثُما شِئتم جِمامِي / فإنّي اليومَ للأعداءِ ضاحِ
ورُومونِي وَلا تخشَوْا قِراعِي / فقد أصبحتُ مُستَلَبَ السِّلاحِ
وقودونِي فما أَنَا في يديكمْ / عَلى ما تَعهَدون من الجِماحِ
وَلا تَتنظَّروا منِّي اِرتِياحاً / فَقَد ذَهَب ابنُ موسى بِاِرتياحِي
فَللسّببِ الّذي يُشجِي اِلتِزامِي / وَلِلسّببِ الّذي يُسلِي اِطّراحي
لَوانِي ما لَوانِي عن مُرادِي / وحالَ الدّهرُ دونَ مَدَى اِقتراحِي
فلا دَوٌّ تَخُبُّ به رِكابي / ولا جَوٌّ تَهُبُّ به رِياحي
فَمَنْ للخيلِ يقدِمُها مُغِذّاً / يُنازعْنَ الأعنّةَ كالقِداحِ
ومَنْ للبيضِ يُولِغُها نجيعاً / مِنَ الأعداءِ في يَومِ الكفاحِ
ومَنْ للحربِ يُوقِد في لَظاها / إِذا اِحتدَمَتْ أنابيبَ الرّماحِ
ومَنْ لِمُسَرْبَلٍ في القِدِّ عانٍ / على وَجَلٍ يُذادُ عن السَّراحِ
وَمَن للمالِ يَعْصِي فيه بَذْلاً / أساطيرَ العواذلِ واللّواحي
وَمَن لِمُسَوَّفٍ بالوعدِ يُلوى / وَمَطروحٍ عَنِ الجَدوى مُزاحِ
هِيَ الدّنيا تُجَمْجِمُ ثُمَّ تَأْتي / مِنَ الأمرِ المبرّحِ بالصِّراحِ
تُنيلُ عَطيّةً وتردُّ أخرى / وتَطوِي الجِدَّ في عينِ المزاحِ
فمنْ يُعدِي على أُمِّ الرّزايا / إذا جاءتْ بقاسيةِ الجِراحِ
سَلامُ اللّه تنقلُهُ اللّيالِي / ويُهديهِ الغُدوُّ إلى الرّواحِ
على جَدَثٍ تشبّث من لُؤَيٍّ / بِيَنبوعِ العِبادَةِ والصَّلاحِ
فَتىً لم يَرْوَ إلّا مِن حَلالٍ / وَلَم يكُ زادُهُ غير المُباحِ
وَلا دَنِسَتْ لَهُ أُزُرٌ بعارٍ / ولا عَلِقَتْ له راحٌ براحِ
خَفيفُ الظّهرِ مِن حَمْلِ الخَطايا / وَعُريانُ الصّحيفةِ من جُناحِ
مَسوقٌ في الأمورِ إِلى هُداها / وَمَدْلولٌ على بابِ النّجاحِ
مِنَ القومِ الّذين لَهُمْ قلوبٌ / بِذِكرِ اللَّهِ عامرةُ النّواحي
بِأَجسامٍ منَ التّقوى مِراضٍ / لِمبصرها وأديانٍ صِحاحِ
بَنِي الآباءِ قوموا فَاِنْدُبوهُ / بِأَلِسنَةٍ بِما تُثْنِي فِصاحِ
وَإِنْ شِئتمْ لَه عَقْراً فشُلُّوا / نفوسَ ذوِي اللِّقاحِ عن اللِّقاحِ
أَصابَكَ كلُّ مُنْهَمِرٍ دَلوحٍ / وحاملُ كلِّ مُثقَلَةٍ رَداحِ
وَروّاكَ الغمامُ الجَونُ يسرِي / بطيءَ الخَطْوِ كالإبلِ الرِّزاحِ
تُرابٌ طابَ ساكنُهُ فباتتْ / تأرّجُ فيه أنفاسُ الرّياحِ
غَنِيٌّ أنْ تجاورَهُ الخُزامى / وتُوقد حوله سُرجُ الأقاحِي
لِي مِنْ رُضابِكَ ما يُغنِي عن الرّاحِ
لِي مِنْ رُضابِكَ ما يُغنِي عن الرّاحِ / ونورُ وجهكَ في الظّلماء مصباحِي
وحمرةٌ نُشِرتْ في وجْنَتيكَ بها / مَلكتَ ناصِيَتَيْ وردٍ وتفّاحِ
وقد لَحَوْني على وجْدِي فقلْ لهمُ / كَيفَ اِنثَنى خائِباً مِن طاعَتي اللّاحِي
تَلومُني وَاِلتِياعٌ ما يُفارِقُني / مِلْءَ الضّلوعِ بقلبٍ غيرِ مُرتاحِ
وَأَنتَ صاحٍ وَلاحٍ مَنْ به سُكرٌ / وَما اِستَوى في الهَوى السّكرانُ والصَّاحِي
قُمْ غَنِّنِي بِأَحاديثِ الهَوى طَرَباً / وَسَقّنِي مِن دُموعي مِلْءَ أقداحي
ولا تَمِلْ بي إلى مَن لا أُسَرُّ بهِ / ففي يَمينكَ أَحزاني وأفراحي
وقد شَجِيتُ بقُمْرِيٍّ على غُصُنٍ / باكٍ بلا أدْمُعٍ يجرين نَوّاحِ
قلْ للّذين أرادوا مثلَ مَفْخرتي / أَنّى لكمْ مثلُ غُرّاتي وأوضاحِي
وَهَلْ تَبيتونَ إِلّا في حِمى كَنَفِي / وفي خَفَارةِ أسيافي وأرماحي
مَنْ فيكم وَقَد اِشتدَّ الخصامُ له / مِنْ دونِكم مثلُ إِيضاحي وَإِفصاحي
ما زالَ رائدُكُمْ في كلِّ مَكرُمةٍ / لولايَ فيكمْ بوجهٍ غيرِ وضّاحِ
وقد بلغتُ مراماً عزّ مطلبُهُ / لَم تَبلغوهُ وَعيسى غيرُ أطلاحي
وَكَم ثَوَتْ منكُمُ الأحوالُ فاسدةً / حتّى صرفتُ إليها وجهَ إصلاحِي
لا لذّةٌ لِيَ في غير الجميلِ ولا / في غيرِ أوديةِ المعروفِ أفراحي
دفعتُ عنكم بمَا تجلو القُيونُ وقد / دفعْتُمُ الشرَّ عجزاً عنه بالرّاحِ
سيّانِ سِرِّي وجهري في ظِهارتِهِ / ومستوٍ خَمَرِي فيهِ وتَرْواحي
إنْ كان رِبْحُكُمُ مالاً يفارقُكمْ / فليس غيرَ الأيادِي البيضِ أرباحي
ورثتُ هذِي الخصالَ الغُرَّ دونكُمُ / عن كلِّ قَرْمٍ طويلِ الباعِ جَحْجاحِ
قومٌ إذا ركبوا يوماً على عَجَلٍ / ضاق الفضاءُ وسدّوا كلَّ صَحْصاحِ
ترى جيادَهُمُ في كلِّ مُعتَرَكٍ / تُلقِي من الأرضِ صُفّاحاً بصُفّاحِ
هُمُ البحورُ لمنْ يعتادُ رِفْدَهُمُ / والنَّاسُ ما بين أوْشالٍ وضَحْضاحِ
لَو طاوَلوا النّجمَ لم يطلعْ على أحدٍ / أو صاولوا النّارَ لم تظهرْ لقدّاحِ
أُولاكَ قومِي فجيئونِي بمِثِلهمُ / في منزلٍ هابطٍ أو ظاهرٍ ضاحِ
مَعالمٌ لا مرورُ الدّهرِ يُخلِقها / ولا يخاف على مَحْوٍ لها ماحِ
يا مليحَ الوجهِ لِمْ فع
يا مليحَ الوجهِ لِمْ فع / لُكَ لي غيرُ مَليحِ
إنّ مَنْ يبذلُ نفساً / في الهوى غيرُ شحيحِ
لم تَخِرْ جسمِيَ فَرْداً / لَكَ معْ حسمِيَ روحي
والهوى بَلْوى ولكنْ / لسقيمٍ بصحيحِ
كم ليالٍ سَهَرِي في / كَ غَبوقي وصَبوحِي
بِتّ أشكو غُصص الحب / بِ إلى غير مُريحِ
لو خطانِي جُرحُهُ وقْ / تاً لداويتُ جُروحي
لِي بكاءٌ من دمٍ صِرْ / فٍ من الجَفْنِ القريحِ
كُلّما اِستَبدلتُ أُبْدلْ / تُ قبيحاً بقبيحِ
وإذا طاوعتُ أمر ال / حُبِّ عاصيتُ نصيحي
سَلامٌ على العَمل الصالحِ
سَلامٌ على العَمل الصالحِ / وغادٍ من النُّسكِ أو رائحِ
سلامٌ على السَّنَنِ المستقيمِ / سلامٌ على المَتْجرِ الرّابحِ
سلامٌ على صوم يومِ الهجيرِ / وهبّةِ ذِي مدمَعٍ سافِحِ
سلامٌ على عَرصَاتٍ خَلَوْ / نَ للدّين من غابقٍ صابحِ
وفارقنا يومَ جدّ الرّحي / لُ عُريانَ مِن مِيسَمٍ فاضِحِ
فتىً كان في دارنا هذِه / بطَرْفٍ إِلى غيرها طامحِ
تراهُ إذا غَسَقَ الخابطونَ / على منهجٍ للهُدى واضحِ
محمّدُ فارقْتنا عَنْوةً / فجرحِي الرّغيبُ بلا جارحِ
وأوْدعتنِي في صميم الفؤا / دِ مِنِّيَ ما ليس بالبارحِ
وهوّن رُزْءَك أنّي أقولُ / مضيتَ إلى مُنيةِ الفارحِ
إلى نِعَمٍ ليس كالأعْطياتِ / ونافحُها ليس كالنافحِ
كنار العَراءِ بلا مُصطَلٍ / وسَجْلِ القَليبِ بلا ماتِحِ
ودارُ السّياسةِ مجفُوَّةٌ / وغدرانُهنَّ بلا نَاشِحِ
وكنتَ وقد طَرَحَتْها بَنان / كَ مُحتقِراً خيرَ ما طارحِ
فلو سُئِلَتْ عنك لاِستَعجلتْ / إلى منطقِ الشّاكر المادحِ
وكم لك في المجدِ من ثورةٍ / إلى البلد الشّاحط النازحِ
على كلّ منفرجِ الكاذَتَين / كَتُومٍ لأنفاسهِ سابحِ
تَراهُ إِذا اِسوَدّ ليلُ العَجاجِ / من الرَّوْعِ كالكوكبِ اللائحِ
وَقَد عَلِموا حينَ شبّوا الأُوارَ / مَجَسَّكَ من لاذِعٍ لافِحِ
بِأَنّك أَضربُ من حامِلٍ / لسيفٍ وأطعنُ من رامحِ
وَأَكتَم للسِّرِّ حين اِكتَوَتْ / خطوبٌ على النّاشر البائِحِ
وأنّك منتقماً إذ تكون / لِذُحْلِكَ خيرٌ من الصّافِحِ
تفِيءُ إلى الأبْلجِ المستنيرِ / من الرأْيِ في المُعضِلِ الفادِحِ
وإن عَنَّ يومُ حِباءٍ هَطَلْتَ / وفي النّاسِ مَنْ ليس بالرّاشحِ
مضيتَ خفيفاً من الموبقاتِ / وأين الخفيفُ من الدالِحِ
ولو أنصف النّاسُ تُرباً أُهيلَ / على جَسَدٍ ناصعٍ ناصحِ
لَزاروهُ وَاِستَنزلوا عندهُ / عطاءً من المانع المائحِ
فإمّا نزحتَ وراءَ الصَّفيحِ / فلستَ عن الخير بالنَّازحِ
فَللّهِ قبرٌ أراقوا بهِ / ذَنوباً من الذُّخُر الصّالحِ
تمرُّ به أرِجَ الخافقين / ملآنَ من عَبَقٍ فائِحِ
فإنْ نحن قِسنا إليه القبورَ / أَبَرَّ بميزانِهِ الرّاجحِ
ولا زالَ منهمرُ الطُّرَّتين / يَسُحُّ بماءٍ له سائحِ
عليه وإنْ كان مستغنياً / بما فيه من كرمٍ طافِحِ
تساوى الأنامُ بهذا الحِمام / فسهلُ المعاطِفِ كالجامِح
وقامتْ به حجّةُ الزّاهدين / وضاق له عُذُرُ الكادحِ
وكلٌّ مُصيخٌ وإنْ كان لا / يَحسُّ إلى هَتفةِ الصّائِحِ
وَثِقْتُ بكمْ حتّى خجلتُ وكم جَنَتْ
وَثِقْتُ بكمْ حتّى خجلتُ وكم جَنَتْ / لنا ثقةٌ من خَجْلَةٍ في الصّفائِحِ
وما كنتُ أخشى قبلها إنْ كشفتُكُم / أُكشّفكمْ عن مثلِ هذي القبائحِ
هَبونِي اِمرَءاً لا مَنَّ منه عليكُمُ / ولا كان يوماً عنكُمُ بمُنافحِ
وإنْ قادكمْ كُرْهاً إلى ربوةِ العُلا / نكصتُمْ على الأقفاءِ نكْص طَلائِحِ
ولم يسعَ فيما تبتغون ودونَهُ / حجازٌ منَ الأعداءِ ليس ببارحِ
وأدْناكُمُ عفواً إلى جانبِ الغِنى / وكلُّكُمُ ما بين ناءٍ ونازحِ
وقد صَلُحَتْ أيّامُكمْ باِجتِهادِهِ / فَلِمْ يومُهُ ما بَينكمْ غيرُ صالحِ
وَأَظْفَركمْ بالعزِّ وَالعزُّ شاهقٌ / وَأَنتُمْ بِلا طَرْفٍ إلى العزِّ طامحِ
شَحَذْتُكُمُ سيفاً أصُدُّ به العِدى / وما كان عندي أنّ سيفِيَ جارِحِي
وإنّ الّذي أغراكُمُ بقطيعتِي / وقد كنتُ وصّالاً لكمْ غيرُ نازحِ
وَإنّي لَسَمْحٌ باذلٌ بِفراقكمْ / وما كنتُ فيه برهةً بالمسامِحِ
تبدّلتُ لمّا أنْ أرَبْتُمْ ولم أُعِنْ / على رَيْبِكُمْ بيضاً بسودِ المسائحِ
وأخْرَجَ ما أبْدَعتُمُ من مساءَةٍ / هوىً لكُم قد كان بين الجوانِحِ
وَلَمّا شَرِبتُ الوُدّ منكمْ بسومِكمْ / رجعتُ بكفٍّ بيعُها غيرُ رابحِ
وَلَولايَ في مِيزانكم يومَ خبرةٍ / لَما كانَ إِلّا شائلاً غيرَ راجحِ
فَلا تَحسبوا أنّي مقيمٌ على أذىً / فإنِّيَ مَوْتورٌ كثيرُ المنادِحِ
إذا ضرّني يوماً صديقي وساءَنِي / فَما هوَ إلّا كالعدوِّ المكاشِحِ
تَقَطَّع وُدٌّ كانَ بَيني وَبينكمْ / وطاحتْ بهِ في الأرضِ إحدى الطَّوائِحِ
فَما لِي إِلى أَوطانكم من مطامِحٍ / وما لِي إلى أعطانكمْ من مَسارِحِ
وما لِيَ إِلْمامٌ بدارِ حُلولِكمْ / وَما كنتُ إلّا بينَ غادٍ ورائِحِ
وإنْ كانتِ البطحاءُ دارَ مُقامِكمْ / فما لِيَ تعريجٌ بتلك الأباطِحِ
وأيْقنتُ أنّي ثاوياً في دياركمْ / مقيمٌ على آلِ القفارِ الصّحاصِحِ
وكنتُ وما جرّبتكم كَلِفاً بكمْ / فأظفرنِي تجريبُكمْ بالفضائِحِ
لنا في تلاقينا وجوهٌ ضواحكٌ / وكم دونهنّ من قلوبٍ كوالحِ
وقد كنتُمُ صبحاً بغيرِ دُجُنَّةٍ / فقد صرتُمُ جُنْحاً بغير مصابحِ
فلا تسألونِي عن صفاءٍ عَهِدتُمُ / فقد طار في هُوجِ الرّياح البوارحِ
فَإِنْ تَشحَطوا بعدَ اِجتِماعٍ وإلْفَةٍ / ببعض الرّزايا الهاجمات الفوادِحِ
فقلبِيَ عنكمْ مُعرضٌ غيرُ مائقٍ / ودمعِي عليكمْ جامدٌ غيرُ سافِحِ
وما كلُّ ما لاقيتُ منكمْ شكوتُهُ / وأوّلُ جِدِّ المرءِ تعريضُ مازحِ
فشتّانَ لو أنصَفْتُمُ من نفوسكمْ / ولم تظلموا ما بين هاجٍ ومادحِ
وإنّ غبينَ النّاسِ مَن بات عِرْضُهُ / تعرّضُهُ السُّوءى لبعضِ القرائحِ
إنّ من يعذُلُ نُصْحاً
إنّ من يعذُلُ نُصْحاً / في الهوى غيرُ نصيحِ
ما لمنْ ينصف أنْ يُل / حى على غير القبيحِ
أيُّ ثِقْلٍ لك يا لا / حِي على القلبِ القريحِ
كلُّ ما لا يَشتهِي يَلْ / قى سليمٌ من صحيحِ
إنّما تُدخل عذلاً / بين جثمانِي وروحِي
والّذي تبغِي به الرّا / حةَ لِي غيرُ مريحِ
قلْ لمشغوفٍ بَعذْلِي
قلْ لمشغوفٍ بَعذْلِي / في مساءٍ وصباحِ
لا تلمنِي في هَوَى البي / ضِ فإنّي غيرُ صاحِ
أيُّ قلبٍ هو خِلْوُ ال / سِرِّ من عِشْقِ المِلاحِ
كُنْ كَما شِئتَ ودَعْنِي / في فسادِي ورواحِي
ما على غيريَ منّي / في فسادِي وصلاحِي
وَإِذا أَفلحتَ فَاِترُكْ / للورى غيرَ الفلاحِ
بيني وبين عواذلِي
بيني وبين عواذلِي / في الحبِّ أطرافُ الرماحِ
أنَا خارجيٌّ في الهوى / لا حُكمَ إلّا للمِلاحِ
فَضحَ الشّيب شبابي فَاِفتَضَحْ
فَضحَ الشّيب شبابي فَاِفتَضَحْ / ونَكا قلبي به ثمّ جَرَحْ
جدَّ لِي من بعد مزحٍ صبغُهُ / ورَكوبُ الجِدِّ من كان مَزَحْ
فَاِشتَفى منِّي عَدوِّي وَاِكتَفى / وَرَأى كلَّ الَّذي كانَ اِقتَرحْ
وَذنوبٌ كُنَّ لِي مغفورةً / عاد فيها كلُّ من كان صَفحْ
كُلّما ناديتُهُ نَحوي مضى / وَإِذا قلتُ دنا مِنِّي اِنتَزحْ
والّذي طيّر عنِّي غُمَمِي / حين وافى حَلَّهُ بعدُ جَلَحْ
فَاِعجَبوا كُلّكُمُ مِنّي إذنْ / أَعشقُ اللّيلَ ولا أهوى الصُّبُحْ
أبِي يعصِبُ الغاوون ما في عِيابهم
أبِي يعصِبُ الغاوون ما في عِيابهم / ويَلْطَخُنِي بالشرِّ مَن هو مُلْطَخُ
ولو شئتُ أضحى بين دارِي وبينهمْ / بساطٌ بعيدٌ لِلمطايا وَبرزخُ
كأنّي مقيمٌ بين قومٍ أذلّةٍ / أَميمُ رزاياً بالجنادل يُشدَخُ
ولِي مُهجةٌ لم يبقَ إلّا طُلولُها / تُرشُّ بأنواعِ الهمومِ وتُرضَخُ
إذا قلتُ يوماً قد مضى ما يريبها / تَراسخَ بِي ما لم يكنْ قبلُ يَرسُخُ
ويشمَخُ قومٌ ناقصون عن العُلا / وكم بيننا أنْ كنتُ بالفضل أشمَخُ
فقلْ للّذي يبغِي لِحاقِي غباوةً / أفي غير فحمٍ أنتَ دهرَك تنفُخُ
وَما أَنتَ إلّا يَرْمَع الدَّوِّ كارعٌ / وَإلّا فغرثانٌ ولا نارَ يطبُخُ
في مِثلِها يُستَثارُ الصَّبرُ والجَلَدُ
في مِثلِها يُستَثارُ الصَّبرُ والجَلَدُ / وعندها يَتقاضى الحزمُ ما يَجِدُ
وَما الرزيَّةُ إلّا أَنْ تُلِمَّ بنا / وَنَحنُ لاهونَ عنها غُفَّلٌ بُعُدُ
مثلُ السّوامِ رَعَى في أرض مَضْيَعةٍ / نامَ المُسِيمُ بِها وَاِستَيقظَ الأسدُ
تَمشي الضَّراءَ وهامٌ لا تُخَمِرُّها / محلّقٌ فوقهنّ العارِضُ البَرَدُ
وإنّما المرءُ في الأيّامِ مُحتَبَسٌ / على المنيّةِ تأتيهِ ومُقتَعَدُ
يَسعى وَلَم يسعَ إلّا نَحوَ حُفرتِهِ / يخالُ معتمداً أو كيف يعتمدُ
جاب البلادَ وعدّى عن مصارعِهِ / فَاِختطّ مَصرعَه مِنْ بينها بَلدُ
وَكَيف يَنجو حِبالاتِ الرّدى رجلٌ / مُستَجمعٌ للمنايا بعده بَدَدُ
وَقَد عَلِمنا بِأنّا مَعشرٌ أُكُلٌ / للموتِ نُوجَدُ أحياناً ونُفتَقَدُ
يَرتاحُ نحوَ غدٍ من غفلةٍ أبداً / مَنْ ليس يدرِي بما تجنِي عليهِ غَدُ
كَم ذا فَقَدنا كراماً لا إِيابَ لهمْ / حُطّوا منَ المَنزلِ الأعلى وَنفتَقِدُ
ذاقَتْ شِفاهُهُمُ طعمَ الرّدى مَقِراً / وَطالَما كانَ يَجري بينها الشَّهَدُ
وَكَم وَرَدْنا وَما تُغْنِي ورادَتنا / إنّا وردنا وأُعْفُوا مُرَّ ما وردوا
لم يُغنِ عنهمْ وقد همّ الحِمامُ بهمْ / ما جَمّعوا لدفاعِ البُؤْسِ وَاِحتَشدوا
وَلَيسَ يُجدِي وَإِنْ أَرْبى بكثرتِهِ / عَلى الفَتى مَدَداً إِذا اِنقَضتْ مُدَدُ
كَأنّهمْ بَعد ما اِمتدَّ الزّمانُ لَهمْ / لِما مَضوا في سبيلِ المَوتِ ما وُلِدوا
فَنَحنُ نَبكي عَلى آثارهمْ جَزَعاً / نَقولُ لا تبعُدوا عنّا وقد بَعُدوا
قُلْ لِلوَزير سواك المرءُ نوقظُهُ / وَسمعَ غيرِكَ يَغشى العَذْلُ والفَنَدُ
حَتّى مَتى أَنتَ فيما فات مُكتئِبٌ / جَنَى الحِمامُ فلا عَقْلٌ ولا قَوَدُ
دَعِ التتبّع للعُمرِ الّذي قطعتْ / عَنه الحياةَ المنايا وَاِنتَهى الأمدُ
ما دُمتَ تطمعُ فيه فَاِحزنَنَّ له / فإنْ يَئِسْتَ فلا حُزْنٌ ولا كَمَدُ
وَاِستبقِ دمعَك لا تذهبْ به سَرَفاً / فمسرفٌ فيه يُضحِي وهو مقتصدُ
وإنْ جَزِعتَ لأَنْ مدّت إليك يدٌ / فبالّذي عشتَ ما مُدّت إليك يَدُ
ومُنيةُ الوالدين الدّهرَ أجمعَهُ / أنْ يكرعا الموتَ حتّى يسلمَ الولَدُ
تِلكَ الدّيارُ برامَتين همودُ
تِلكَ الدّيارُ برامَتين همودُ / دَرَسَتْ ولم تدْرسُ لهنّ عُهودُ
حَيثُ اِلتَوى ذاكَ اللّوى ثمَّ اِستَوى / وَاِلتفَّ مِن شَملِ الأراكِ بَدِيدُ
أَوَ ما رأيتَ وُقوفَنا بمُحَجَّرٍ / والدّمعُ مِنْ جَفْنِي عليه يجودُ
مُترنّحينَ منَ الغرامِ كأنّنا / قُضُبٌ تميلُ مع الصِّبا وتميدُ
والرّكبُ إمّا سادِرٌ مُتَهالكٌ / أو راكبٌ ثَبجَ السُّلوِّ جَليدُ
وعلى أهاضيب المُشقَّرِ غادةٌ / للرّيمِ منها طَرفُهُ والجيدُ
صَدّتْ ولم تُرِدِ الصُّدودَ وربّما / جاء العناءُ ولم يُرِدْه مريدُ
ولقد طَرقتَ وما طَرقتَ صبابةً / عيني ونحن إلى الرّحالِ هُجودُ
في ظلِّ خوصٍ كالقسيِّ طلائحٍ / أخَذَتْ عَوارِيَهُنَّ منها البيدُ
أَنّى اِهتَديتَ وَكيفَ زُرتَ وَبَينَنا / دون الزّيارةِ مُرْبخٌ وزَرودُ
ومفاوزٌ مِنْ دونهنّ مفاوزٌ / وتهائِمٌ مِنْ فوقهنّ نُجودُ
وغرائرٍ أنكرنَ شيبَ ذوائبي / والبيضُ مِنَّي عندهنّ السُّودُ
أنكرنَ داءً ليس فيه حيلةٌ / وَذَممْنَ مفْضىً ليس عنه مَحيدُ
يُهْوى الشّبابُ وَإِنْ تَقادم عهدُه / ويُمَلُّ هذا الشّيبُ وهو جديدُ
لا تَبْعُدَنْ عهدَ الشَّبابِ ومِنْ جوىً / أَدعو لَهُ بِالقربِ وَهوَ بعيدُ
أَيّامَ أُرمَى بِاللّحاظِ وأرتمِي / وأصادُ في شَرَكِ الهوى وأصيدُ
قد قلتُ للرّكب السِّراعِ يحثُّهمْ / مترنِّمٌ بحُدائه غِرَّيدُ
في سَبْسَبٍ خافي المعالمِ والصُّوى / فكأنّما موجودُهُ مفقودُ
مَنْ مبلغٌ فخرَ الملوكِ رسالةً / أَعيَتْ عليَّ يقولُها المجهودُ
أتَرى ليالِيَّ اللواتي طِبنَ لي / في ظلّكَ الوافي عليَّ تعودُ
وَمَتى أَزور ربيعَ أرضِك زَوْرَةً / وعليَّ من نَسْجِ الرّبيعِ بُرودُ
وأنا الّذي من بعد نَأْيِكَ نازحٌ / عن كلِّ ما فيه الهوى مطرودُ
أُضحِي أَرى ما غيرُهُ عندي الرِّضا / وأُريدُ كُرهاً ما سواه أُريدُ
للَّهِ حِلْمُك والرِّواقُ يُرى بهِ / للسائلين من الوفود وفودُ
والقول يُرزَقُهُ الشّجاعُ ويمتري / منه ويُحرَمُ نُطقَه الرِّعديدُ
في مَوقفٍ ينتاب تامورَ الفتى / للرّعبِ إقرارٌ بهِ وجُحودُ
وعلى الأسرّةِ من ضيائك بارقٌ / أو كوكبٌ جَهَر النّجومَ فَريدُ
وكأنَّ وجهَك قُدَّ من شَمسِ الضُّحى / أم مِنْ سَنا قمر الدّجى مقدودُ
لاذوا بمن ثَمَرُ المروءَة يانعٌ / منه وأُمُّ المَكْرُماتِ وَلودُ
والمنهلُ العِدُّ النميرُ وحيثما / يُدنى المَذود ويُمنحُ المحدودُ
يا فخرَ مُلكِ بني بويه ومَنْ له / ظِلٌّ على هذا الورى مَمْدودُ
وَالمُعتلي قِمم العَلاء بهمّةٍ / قامَتْ وهمّاتُ الرّجالِ قُعودُ
وَالمُنشئ الغُرِّ الغرائبِ في النّدى / حتّى تُعلّم منه كيف الجودُ
هيَ دولةٌ مازلتَ تَرْأبُ شعبَها / وتذُبُّ عنها كالئاً وتذودُ
تُنمى إِذا اِنتَسَبتْ إِليك وما لها / إِلّاكَ آباءٌ لها وجُدودُ
وَرَدَدْتها بالأَمسِ ثلَّةَ قَفْرةٍ / شَطَّتْ فأحْرزَها علينا السّيدُ
أَوْقَدتها بعدَ الخبوِّ فما لها / أَبَدَ الزّمانِ تطامنٌ وخمودُ
مَنْ ذا الّذي يَرنو إِلَيها طالباً / ولها ببابك عُدّةٌ وعديدُ
لَولا دِفاعُك ما اِستَقَرّ بمَفْرَقي / ذاك المتوَّجِ تاجُهُ المعقودُ
ولَزال هذا الملكُ بعد مماتِهِ / وَلمالَ عنهُ دعِامُه المعمودُ
كَم ذا صَليتَ وِقايةً لِنَعيمِهِ / يَوماً يَذوبُ بحَرِّهِ الجلمودُ
في ظهرِ مُستَلبِ الفُتورِ كأنّه / هَيْقٌ بأجواز الفلاةِ شَرُودُ
وكأنّه ينسابُ في خَلَلِ القنا / يومَ الكريهةِ أرْقمٌ مَزؤودُ
في غِلمةٍ سلكوا طريقَك في الوغى / والبيضُ منهمْ رُكّعٌ وسجودُ
مُتَسرّعينَ إِلى القِراعِ كأنّهمْ / وعليهمُ زُبَرُ الحديد حَديدُ
يُرْدُون مَنْ شاؤوا بِغَيرِ منيّةٍ / فَهُمُ وَإِنْ غَلَبوا الأسودَ أُسودُ
لا يَأخُذونَ المالَ إِلّا بِالقَنا / تَحمرّ مِنه ترائبٌ ووريدُ
أَو مِنْ ظُبا لم تَعْرَ يومَ كريهةٍ / إِلّا وَهاماتُ الكُماةِ غُمودُ
لا تَحقرنَّ منَ العدوِّ صغيرةً / وَاِرْدُد مكيدَةَ مَنْ تراه يكيدُ
وَإِذا اِسْتَرَبْتَ بِمنْ خَبَرْتَ فلا تَنَمْ / فَالدّاءُ يُعدِي والقليلُ يزيدُ
إِنَّ الحَسودَ هوَ العدوُّ وإنّما / سَتَروا قَبائِحَهُ فَقيل حسودُ
وَالضِّغنُ تَطْمُرُهُ الأناةُ فتعترِي / حِزَقاً إليه ضغائنٌ وحقودُ
وَالعودُ إِنْ طَرَحَ التقادُم قادحاً / فيهِ وَلم تدلكه ظلَّ العودُ
لَولا الصّلاحُ بِأنْ يُعاقَبَ مجرمٌ / ما كان وَعدٌ مُطمِعٌ وَوَعيدُ
ضَمِنَتْ لك الأقدارُ كلّ محبّةٍ / وَأحَلَّكَ الرّحمَن حيثُ تريدُ
وَنَعِمْتَ بِالنّيروزِ نعمةَ ناشدٍ / أضحى وَحشوُ يمينِهِ المنشودُ
وَعَرَتْكَ فيه جلالةٌ وإدالةٌ / وأتَتْكَ منه مَيامنٌ وسُعودُ
حَتّى يَقولَ المستزيدُ لكَ العُلا / ما فَوقَ هَذا في العَلاءِ مَزيدُ
أوَدُّ بأنّنِي أبقى ويبقى
أوَدُّ بأنّنِي أبقى ويبقى / لِيَ الوَلَدُ المحبَّبُ والتِّلادُ
ولا أُقذى ولا أُوذى بشيءٍ / وأوّلُ خائبٍ هذا الوِدادُ
وأنِّي بين أثناءِ الّليالِي / صلاحٌ لا يخالطه فسادُ
هَلْ شافعٌ لِي إلى نَعْمٍ وسيلتُها
هَلْ شافعٌ لِي إلى نَعْمٍ وسيلتُها / وَلا وَسيلةَ إلّا السَّقْمُ والجُهُدُ
لَم تطعمِ الحبَّ فَاِرتابَتْ لطاعِمهِ / ولم تَجِدْ بِي فلم أوقنْ بما أجدُ
في القربِ والبعدِ هجرانٌ ومَقْلِيَةٌ / فليس ينفعنِي قربٌ ولا بُعُدُ
ما نامَ ذِكرُكِ في قلبِي فيوقظُهُ / برقٌ سرى موهِناً أو طائرٌ غَرِدُ
أُحِبُّ منكِ وإنْ ماطَلْتِ عن أرَبي / وعداً وكم أخلف الميعاد من يَعدُ
ما أطعمَ الحبَّ يأساً ثمّ مَطْمَعَةً / لَو كانَ لي بالّذي يجني عليَّ يَدُ
لا مَوقف الحبِّ أَنساهُ وَنَحنُ عَلى / رَصْفٍ من البينِ يخبو ثمَ يَتَّقِدُ
حَيثُ اِستَندتُ إِلى صبرِي فأَسْلَمنِي / والشّوقُ يأخذُ مِنِّي كلّ ما يجدُ
ألا ليت عيشاً ماضياً عنكِ بالحِمى
ألا ليت عيشاً ماضياً عنكِ بالحِمى / وإنْ لم يَعُدْ ماضٍ عليكِ يعودُ
ويا زَوْرَنا لمّا سمحتَ بزَوْرةٍ / سمحتَ بها وهْناً ونحنُ هُجُودُ
على غفلةٍ جاء الكرى باعثاً لنا / بلا موعدٍ والزّائرون هُمُودُ
فيا مرحباً بالطّارِقي بعد هَجْعَةٍ / تَقَرُّ به الأحلامُ وهْوَ بعيدُ
وعلّمَني كَيفَ المُحالُ لقاؤُهُ / وَأنّى اِلتِقاءٌ وَاللّقاءُ كَؤودُ
وَما نحنُ إلّا في إسارِ عَدَامةٍ / وعند كَرانا أنّ ذاك وجودُ
هبّتْ تلومُ على النّدى هندُ
هبّتْ تلومُ على النّدى هندُ / يا هندُ خيرٌ من غِنىً حَمْدُ
الحمدُ يبقى لي وإنْ تَلِفَتْ / نفسِي وفاتَ الأهلُ والوُلْدُ
وَالمالُ تَأكلُهُ النّوائبُ وال / أحداثُ حتّى ما لَهُ رَدُّ
وَيَبيت يحرسُهُ وإن دفعتْ / عنه الكرامُ الطِّفْلُ والعبْدُ
وَالحمدُ لا يَستطيع يأخذهُ / مِنْ راحتيَّ النّاكلُ الوَغْدَ
وإذا سريتُ سرى معِي وَضِحاً / وهْناً وجُنْحُ اللّيلِ مُسْودُّ
يا هِندُ إنّ الدّارَ زائلةٌ / والقربُ يأتي بعده بُعدُ
عُمْرِي يروح وما أهَبْتُ بهِ / ذاك الحِمامُ به ولا يَغْدُو
ما كنتُ بالمنقادِ في يَدِه / لو كان في أيدِي الرّدى بُدُّ
وَالمَرءُ غايةُ لِبْسِهِ كَفَنٌ / يَبلى وآخِرُ بَيتِهِ اللَّحْدُ
كَم مَعشَرٍ هُجرتْ ديارُهُمُ / بأساً وعرّج عنهُمُ القصدُ
مُتَجاوِرينَ بدارِ مَضْيَعَةٍ / لا حرَّ عندهُمُ ولا بَرْدُ
ما فارَقوا إلّا بِرغمِهُمُ / في النّاسِ مَنْ عَشِقوا ومَنْ وَدّوا
وَإِذا دعا وجْداً يُدِلُّ بهِ / عند المنيّةِ خانَهُ الوُجْدُ
والخُلْدُ مُنْيَتُهُ وليس له / مُكْثٌ على الدّنيا ولا خُلْدُ
يا هندُ ليس يُجير من حَذَرٍ / خوفَ الرّدى غَوْرٌ ولا نَجْدُ
كلُّ النفوسِ وإنْ غفلنَ هوىً / بين الحمامِ وبينها وعْدُ
والنّدْبُ فسلٌ في الزّمان إذا / أهوى له والواهنُ الجَلْدُ
لو فات تشعيثُ الزّمان فتىً / فات الأصمَّ اليابسَ الجَلْدُ
ونَجَتْ وعولُ هضابِ كاظمةٍ / منه وما شَقِيَتْ به الرُّبْدُ
وَتودُّ هندٌ وهْيَ مُشفقةٌ / أنّى خَلَدْتُ وفاتَها الوُدُّ
وتردّ عنِّي كلَّ طارقةٍ / أنّى وليس يُطيعها الردُّ
وَتَقول لا عَبِثَ البِعادُ بنا / وَتضلّ عَمّن خانهُ البُعْدُ
وَتَؤودُها البأساءُ إنْ نزلتْ / داري وعرّس عندِيَ الجَهْدُ
وَتُريدُ لي ما ليسَ في يَدِها / أمداً على الأيّامِ يمتدُّ
وتُعيذُنِي ما ليسَ يَنفعها / من راحةٍ ما بَعْدها كَدُّ
تَسَلين إنْ زلّتْ بنا وبِكم / قدمٌ وطُوِّل بيننا العهدُ
كَم جاءَ مثلَكِ وهْيَ ذاهبةٌ / من حادثٍ بعضُ الّذي يبدو
إنّ الرّدى لابدّ أُورَدُهُ / مستوخماً يوبى له الوِرْدُ
يَلِجُ البيوتَ وليس يدفعهُ / هَزْلٌ يرادُ به ولا جِدُّ
لا تَخدِشِي خدّاً عليَّ فما / ردّ الفتى أنْ يُخدَش الخدُّ
وتعلَّمي إنْ كنتِ عالمةً / أنّ الحِمامَ على الورى يعدو
ما إنْ جنى وِرْدٌ عليكِ ردىً / حتّى يُعطَّ لذلكَ البُرْدُ
لا تَحفلي بِالشامِتين فما / أنا في المنيّةِ دونهمْ وَحْدُ
لَم يُدرِكوا بَعدِي الطِلابَ ولا / سدّوا بمثْلِي الخَرْقَ إنّ سدّوا
وَلَقد كَفيتُهُمْ وما شَعروا / كيْدَ العِدا وَلِكَيدِهمْ وقْدُ
وعَلَتْ بهمْ لمّا جَذَبتُهُمُ / بيَدَيَّ قَسْراً تلكُمُ الوَهْدُ
نَزعوا الخمولَ بما كَسوتُهُمُ / من مَأْثُراتٍ حشوُها المجدُ
وَتَناهَبوا الأوْساقَ مِنْ شَرَفٍ / لا صاعَ فيهِ لَهُمْ ولا مُدُّ
وَأَنَا الّذي وَسْطَ الخميسِ إذا / نادَيتُ شُدّوا بِالقَنا شَدّوا
وعَلَيَّ مِن خِلَعِ القَنا حَلَقٌ / لَم يدنها نَسجٌ ولا سَرْدُ
في حيثُ ينجيكَ الطّعانُ وَلا / يُنجِي الأقبُّ القارحُ النَّهْدُ
مَنْ لِي بعارِي المَنْكِبَين منَ ال / دُنيا له عن خَتْلها شدُّ
يَنجو قَذاها غيرَ مُتّئدٍ / مِثْلَ الوَسيقةِ لَزَّها الطَّرْدُ
وَيَصُدُّ عَن تَزويقِ زينتها / حَيث اِستثيرَ فأعوَزَ الصَّدُّ
وَجناءَ مِنها الصّبرُ عن مَلَقٍ / تُنبِي بهِ أسبابُها النُّكْدُ
يا مُرَّةً وَيظنّ ذائقُها / أبَدَ الزّمانِ بأنّها شَهْدُ
ما دامَ غيُّك وهوَ منك هوىً / فَيدوم فيك وَيذهب الرُّشدُ
كَم ذا عقدتِ على الوفاءِ وما / ينفَكُّ يضعفُ ذلك العَقْدُ
وذنوبُ صَرْفِكِ إنْ عُدِدْنَ لنا / فَنِيَ الزّمانُ وَما اِنقَضى العَدُّ
أَمّا دِيارُ السّاكِنين إِلى / نَجواكِ فهْيَ الدُرَّسُ المُلْدُ
لا جِرْسَ فيه غير أنْ صَدَحَتْ / قُمْرِيّةٌ أو قَعْقَعَ الرَّعْدُ
وَبَكى عَلى مَنْ حلّها وَمضى / مُسْحَنْكِكُ القُطرينِ مُرْبَدُّ
زَجِلاً كأنّ صَلِيلَ هَيْدَبِهِ / زَأَرتْ وَقَد ريعَتْ بِه الأُسْدُ
أين الّذينَ عَلى القِنانِ لهمْ / شَرَفٌ عَزيزٌ بَحرُهُ عِدُّ
مُدّوا النعيمَ فحين تَمَّ لهمْ / سُلبوه وَاِنقطَعَ الّذي مُدّوا
من كلِّ أَبّاءِ الدنيّةِ لمْ / يُفْلَلْ له في مطلبٍ حَدُّ
كاللّيثِ أبرز شخصَه خَمَرٌ / والسّيفِ أعلَنَ مَتْنهُ غِمْدُ
ذَعَنَتْ لعزّتهمْ وهَيبتهمْ / الشّيبُ في الأحياء والمُرْدُ
ويسودُ طفلُهُمُ تميمتُهُ / لم تنفصمْ وقرارُهُ المَهْدُ
ردّوا الخطوبَ قعُدْنَ ناكصةً / لكنّهمْ للموتِ ما ردّوا
وكأنّهمْ من بعدما سكنوا الْ / أجداثِ ما هَزَلوا وما جدّوا
ما نافعٌ جدِّي إلى أمَدٍ / جدّ الفَتى وَقدِ اِلتَوى الجَدُّ
فَلَئِنْ فُقِدْتُ فإنّ لِي كَلِماً / حَتماً خَوالِدَ ما لَها فَقْدُ
تفرِي البلادَ وما يُحَسُّ بها / عَنَقٌ على دوٍّ ولا وَخْدُ
من كلِّ قافيةٍ مُرَقِّصَةٍ / يشدو بها الغِرّيدُ إنْ يشدُو
وإذا تضوّع نشرُ نَفْحَتِها / قال العَرَارُ تضوّع الرَّنْدُ
طَلَعتْ كَشمسِ ضحىً على أُفُقٍ / بيضاءَ لا يسطيعها الجَحْدُ
وَكَأنَّما أَغراضُها شرَرٌ / في وهنِ ليلٍ شبّها زَنْدُ
سَيّارةٌ جَمحُ الكلام لها / سَمْحٌ وحُرُّ فصيحها عَبدُ
يُنثْنِي عليها الحاسدون على / إحسانها وخصومُها اللدُّ
فَلَوَ اِنَّ جوهرَ لَفظها جسدٌ / لأضافَهُ في سِلْكِهِ العِقْدُ
عَصيتُك وَالأنفاسُ منِّي هواجِرٌ
عَصيتُك وَالأنفاسُ منِّي هواجِرٌ / فَكَيفَ ترجّيني وقيظُك باردُ
صحبتُ السُّرى حتى كسانِي ثِيابه / ونَظْم دَراريهِ عليَّ قلائِدُ
أُعانقُ سُمراً غيرُهنّ من الدُّمى / وألثِمُ بيضاً غيرُهنّ الخَرائِدُ
ولي حاجةٌ عند الأسنّةِ والظُّبا / تَهُمُّ بها نفسِي فأين المساعدُ
تُعافُ لها الآمالُ وهْيَ نوافقٌ / وينفُقُ فيها الموتُ والموتُ كاسدُ
إِذا لاكتِ الهيجاء فيها نفوسَنا / فَلَيسَ يَفوت الشّرطَ إلّا المُجالِدُ
مُرادِيَ أنْ تستَلّنِي في مُلِمّةٍ / فَإنّي حُسامٌ صانَهُ عنك غامِدُ
فتىً يلبسُ الإقدامَ والصّبرُ جازعٌ / ويكرع ماءَ الصَفْحِ والحلمُ حاقدُ
وكم لِيَ من يومٍ عصبتُ به الرّدى / وسمرُ العوالِي للنُّفوسِ تُراودُ
وَما ضَرّ قَولُ الكاشِحينَ وإنّما / كلامُ الأعادي للمعالِي مَقالِدُ
بقلبي غرامٌ ليس يَشفيه مَنْ أرى / ألا كلُّ ما يشفي المريض العوائدُ
وما ضرّني أنِّي خَليٌّ منَ الغِنى / وَوَفْرُ العُلا عندِي طريفٌ وتالِدُ
بياضك يا لون المشيبِ سوادُ
بياضك يا لون المشيبِ سوادُ / وَسُقمُك سقمٌ لا يكادُ يُعادُ
فقَد صِرتُ مَكروهاً على الشّيبِ بَعدَما / عَمِرْتُ وما عند المشيبِ أُرادُ
فلِي من قلوبِ الغانياتِ ملالةٌ / ولي من صلاحِ الغانياتِ فسادُ
وَما لي نَصيبٌ بَينهنّ وَلَيسَ لي / إذا هنّ زوّدن الأحبّةَ زادُ
وَما الشّيبُ إلّا توأَمُ الموتِ للفتى / وعيشُ امرئٍ بعد المشيبِ جهادُ