المجموع : 367
حَبَّذا فِتيانُ صدْقٍ أَعرسوا
حَبَّذا فِتيانُ صدْقٍ أَعرسوا / بعذارى من سُلافاتِ الخُمورْ
عَرْبَدَ الصحوُ عليهمْ بالأسَى / فاتَّقاه السُّكْرُ عَنهم بِالسُّرور
عَمَرُوا ربعَ الصِّبَا من قبلِ أنْ / يَتَمشّى فيه بالشَّيب دُثُور
إنّ للأَعمارِ أَعجازاً إذا / بُلِغَتْ لم تُثْنَ مِنهُنَّ صُدور
كلُّ نافي العمر في شِرَّتِهِ / للصِّبَا نارٌ وفي الوَجْنَةِ نور
يقتنون العيشَ من قانيةٍ / ذاتِ عمرٍ كَثُرت فيها الدُّهور
أطلَعَ الساقي عشاءً مِنهُمُ / أَنجُمَ الكاساتِ في أيدي البُّدور
عَدّ بالأكوابِ عَنّي إنّ لي / في يَدِ الآنسِ عَنهُنَّ نُفور
غَمَرَ الشَّيبُ الدُّجى مِن لِمَّتي / بِنُجومٍ طُلَّعٍ لَيسَتْ تَغور
لا نُشورٌ لِشَبابي بَعدَ ما / ماتَ مِن عُمري إلى يَومِ النُّشور
وَخِضابُ الشَّيبِ لا أَقبَلُهُ / إِنَّهُ في شَعَري شاهِدُ زُور
أَنا مِنْ وَجْدي بِأَيَّام الصِّبا / أَذرِفُ الدَّمعَ رَواحاً وَبُكور
فَكَأنِّي ذو غليلٍ تَلتَظي / لَوعةٌ مِنهُ إِلى ماءِ الثُّغور
أصِفُ الراحَ ولا أشْرَبُهَا / وهيَ بالشّدْوِ على الشَّرْبِ تَدور
كَالَّذي يأمرُ بالكرِّ ولا / يَصْطلي نارَ الوَغى حَيثُ تَفور
فَسَواءٌ بَينَ إِخوانِ الصّفا / وذَوي اللَّهوِ مَغيبي والحُضور
أَنا مَن كَسْب ذُنوبي وَجِلٌ / وإنِ استَغفَرتُ فَاللَّهُ غَفور
يا قليلَ الوفاء ضاعَ ودادٌ
يا قليلَ الوفاء ضاعَ ودادٌ / أنْت ضيّعْتَهُ بكثرة غدرِكْ
أنا أشكو صَبَابَةً لَذَعَتْني / بَرّدَ اللَّه حرَّ نَحري بِنَحرِك
وَجَنى لي فَإِنَّ قَلبي عَليلٌ / ما اشتهى من جَنِيِّ رُمّانِ صَدرك
وَتَدَاوَيتُ من خُماري بخمرٍ / نابِعاتٌ بِها جَواهِرُ ثَغْرِك
هَذهِ كُلُّها أَماني وِصالٍ / حيلَ بَيني وَبَينَهُنَّ بِهَجرِك
هُنَّ الحِسانُ وَحَرْبُهَا الهَجْرُ
هُنَّ الحِسانُ وَحَرْبُهَا الهَجْرُ / فَلِذاكَ يَجْبُنُ عِندَها الذِّمْرُ
أصَلِيتَ تلك الحربَ تجربةً / أم أنْتَ عن فَتَكاتِها غَمْرُ
مِن كُلِّ ناشِئةٍ إذا اتّصَلَت / مِنْ عُمْرها بالأرْبَعِ العَشْرُ
وكَمِ اشْتَهَى مِنها عَليلُ هوىً / ثَمَراً بِهِنَّ تَفَلَّكَ الصَّدرُ
خُلُقي مَطِيَّةُ خُلْقِها وَهُمَا / سهلٌ يديرُ عِنَانَهُ وَعْرُ
يا ظبيةً إنْ مَرّضَتْ نظراً / فَلِكُلِّ قَسْوَرَةٍ به قَسرُ
كَرْبٌ هواك وما له فَرَجٌ / وَمَتى يُفارِقُ لَذعَهُ الجَّمرُ
حَتّى الأَراكةُ منك ظالمةٌ / دُرّاً بفيكِ أيُظْلَمُ الدّرُّ
وَكَأنَّ بَرْقاً في تَبَسّمِهِ / وكأنّما دَمْعي له قَطرُ
أشكو خُماراً ما شربتُ له / خَمراً بِفيكَ فَريقُكَ الخمرُ
وَيَهيجُ بي وَجَعٌ وَعِلَّتُهُ / سَقَمٌ بِطَرفِكَ إنَّ ذا سحرُ
وَأَرى الَّذي تَجِدينَ فيكِ لَهُ / نَفْعاً فَمنهُ مَسَّنِيَ الضُّرُّ
من وجهكِ الحُسنُ اقتنى مُلَحاً / فكأنّها في وَجْهِهِ بِشرُ
ليستْ تنالُ الشمسُ منزلةً / مِنها فَكَيفَ ينالها البَدرُ
وأراكِ قد حاولتِ نَقْلَ خُطىً / فَقَصَرْتِها وعلا بكِ البُهْرُ
وعَذَرتُ مِنكِ الخصرَ مَرْحَمَةً / ولِحَملِ ردفِكِ يُعْذَرُ الخصرُ
عَذَلتْ على دَنفٍ أخا مِقَةٍ / لا يَستَقِلُّ بِبَعضِها الصَّبرُ
فَرَثَتْ لِذِلَّتِهِ ورُبَّتَما / لانَ الصّفَا وَتَواضَعَ الكبرُ
بَعَثَتْ لَواحِظُها بِعِطفَتِها / سِرّاً إِلَيهِ فَلَيتَها جَهرُ
قَتَلَتْهُ وهيَ تُريدُ عِيشَتَهُ / ذنبٌ بعيشكِ ذاك أمْ أجْرُ
أشكو إلى اللَّه ما قاسيتُ من رَمَدٍ
أشكو إلى اللَّه ما قاسيتُ من رَمَدٍ / مواصلٍ كَرْبَ آصالي بأسْحَاري
كأنّ حَشْوَ جفوني عند سَوْرَتِهِ / جيشٌ منَ النَّملِ في جُنحِ الدُّجى ساري
كأنّه للقَذَى والدمعِ في وَحِلٍ / فَخَلْعُهُ أَرجُلاً مِنهُ بِإِضرارِ
كَأَنَّ أَوجاعَ قَلبي من مُطاعَنَةٍ / بِالشَّوكِ ما بَينَ أَشفاري وأَشفاري
كَأَنَّما لُجَّةٌ في العَينِ زاخِرةٌ / تَرمي سَواحِلَ جَفنَيها بِعُوّارِ
تُفَجِّرُ الماءَ مِنها كُلَّما وَضَعَتْ / لِهَجعَةٍ مِنهُما ناراً على نارِ
كم ليلةٍ بتُّ صفراً من كرايَ بها / ومن مَخيلةِ صُبْحٍ ذاتِ إسفارِ
إذ باتَ جفني رضيعَ ابني يقاسمُهُ / لُبانَ أسحَمَ يَغذوهُ بِمِقدارِ
في حَلْقَةٍ مِن ظَلامٍ لا تَرى طَرَفاً / يَبدو بها من سَنا صُبْحٍ لأَبصارِ
كَأَنَّما الشَّرقُ دِهْقَانٌ يَرى غَبناً / في دَفعِهِ مِنهُما الكافورَ بِالقارِ
كَأَنَّما الشَّمسُ قد رُدَّتْ إلى فَلَكٍ / على الخلائقِ ثَبْتٍ غيرِ دَوّارِ
كَأَنَّما اللَّيلُ ذو جَهلٍ فَلَيسَ يَرَى / في دِرهَمِ البَدْرِ مِنها أَخْذَ دينارِ
يشكو لجفنيَ جفني مثلَ عِلّتِهِ / كَالضَّيمِ يُقْسَمُ بينَ الجارِ والجارِ
فالحَمدُ للَّه مَجرى النورِ من غَسَقٍ / وجاعلِ اللَّيلِ في تَلطيفِ أَحجارِ
كَم أبعدَ النَّاسُ في أَمرٍ ظنونَهُمُ / فكان دائي قريبَ البُرْءِ بالباري
وجدولٍ جامدٍ في الكفِّ تحملُهُ
وجدولٍ جامدٍ في الكفِّ تحملُهُ / يغوصُ فيه على درِّ النهى النّظَرُ
يكسو السطورَ ضياءً عند ظلمتها / كأنّ ينبوعَ نورٍ منهُ ينفجرُ
يَشِفُّ للعينِ عن خطِّ الكتاب كما / شفّ الهواءُ ولكن جِسمُهُ حَجَرُ
يُبدي الحُروفَ بجُرحٍ نَالَها عَرقٌ / فيهِ وقَرَّ عَلَيها جامداً نَهرُ
كَحَلت عينِيَ إذ كَلَّتْ بِجَوهَره / أَما يُحَدّ بِكُحْلِ الجَوهَرِ البَصرُ
كَأنَّه ذِهنُ ذي حذق يَفُكُّ به / من المُعَمّى عويصاً فكّهُ عَسِرُ
نِعمَ المُعينُ لِشَيخٍ كَلَّ ناظرُهُ / وَصَغَّرَ الخطَّ في ألحاظه الكِبَرُ
يرى به صُوَرَ الأسْطار قد عَظُمَتْ / كعُنْصُلِ الماءِ فيه يَعظُمُ الوبَرُ
زِنْ بديعَ الكلامِ وَزناً مُحَرَّرْ
زِنْ بديعَ الكلامِ وَزناً مُحَرَّرْ / مثل ما يُوزَنُ النضارُ المُشَجَّرْ
وتكَلَّمْ بما يَزينُكَ في الحَف / ل وَتَقْنَى به عَلاءً ومَفخَرْ
إنَّ حُسْنَ الثناءِ بعدك يَبْقَى / لك بالذكرِ منه عيشٌ مُكَرَّرْ
روحُ معناك جسمُهُ منكَ لفظٌ / وعلى كلّ صورة يَتَصَوّرْ
فإذا ما مَقَالُ غَيْرِكَ أضْحَى / عَرَضاً فَلْيَكُنْ مَقالُكَ جَوْهَرْ
لم نؤت ليلتنا الغرّاء من قِصَرِ
لم نؤت ليلتنا الغرّاء من قِصَرِ / لولا وصالُ ذواتِ الدلّ والخفَرِ
السافراتُ شموساً كلَّما انتَقَبَتْ / تبرّجَتْ مُشْبِهاتُ الأنجُمِ الزُّهُرِ
مِن كُلِّ حَوراءَ لم تُخذَلْ لَواحِظُها / في الفتكِ مُذ نَصَرَتْها فَتكَةُ النظرِ
أَوْ كُلّ لَمياءَ لو جادَتْ بِريقِ فمٍ / نَقَعتُ حَرّ غليلي منه في الخَصَرِ
محسودةُ الحسن لا تنفكّ في شَغَفٍ / منها بصبحٍ صقيل الليل في الشَّعَرِ
لا تأمننّ الردى من سيف مُقلَتِها / فإنّه عَرَضٌ في جَوهَرِ الحَوَرِ
إِنِّي امرؤ لا أرى خَلْعَ العذارَ على / مَن لا يقُومُ عَلَيهِ في الهوى عُذُري
فما فُتِنتُ بردفٍ غَيرِ مُرْتَدَفٍ / ولا جُنِنْتُ بِخَصرٍ غَيرِ مُخْتَصَرِ
وَشَرْبةٍ من دم العنقودِ لو عُدِمتْ / لم تُلْفِ عيشاً له صفوٌ بلا كدَرِ
إِذا أُديرَ سَناها في الدّجى غَمَسَتْ / دُهْمَ الحنادس في التحجيل والغَررِ
تَزداد ضِعْفاً قُواها كلَّما بَلَغَتْ / بها الليالي حدودَ الضَّعف والكِبَرِ
لا يَسمَعُ الأَنفُ من نَجْوَى تَأَرُّجِها / إِلّا دعاويَ بين الطيبِ والزَّهرِ
إِذا النديمُ حَساها خِلتَ جريَتها / نجماً تَصَوّبَ حتّى غارَ في قَمَرِ
تُصافِحُ الراحَ من كاساتها شُعَلٌ / ترمي مخافة لمسِ الماء بالشَّرَرِ
تعلو كراسيَّ أيدينا عرائِسُهَا / تُجْلى عَلَيهِنَّ بَينَ النايِ والوتَرِ
حَتَّى تَمَزَّقَ سترُ الليلِ عن فَلَقٍ / تَقَلُّصَ العَرْمَضِ الطامي على النَّهَرِ
والصُّبحُ يرفعُ كفّاً منه لاقطةً / ما للدَّراري على الآفاق من دُرَرِ
عَيشٌ خَلَعتُ على عُمري تَنَعُّمَه / ليتَ اللياليَ لم تخلعه عن عُمري
وَلّى وما كنتُ أدري ما حقيقتُه / كأنّما كان ظلَّ الطائر الحَذِرِ
باللَّه يا سَمُراتِ الحيِّ هل هَجَعَتْ / في ظِلِّ أَغصانِكَ الغِزْلانُ عَن سَهَري
وَهَل يُراجِعُ وَكراً فيك مُغْتَرِبٌ / عَزّتْ جناحَيهِ أشراكٌ منَ القَدَرِ
فَفيكَ قَلبي ولَو أَسطيعُ من وَلَهٍ / طارتْ إليك بجسمي لَمحَةُ البَصَرِ
قُولي لِمَنزِلَةِ الشَّوقِ الَّتي نَقَلَتْ / عَنها اللَّيالي إلى دار النَّوى أثَري
نِلْتُ المُنَى بابنِ عبّادٍ فَقَيّدَني / عَنِ البدورِ الَّتي لي فيك بالبِدَرِ
حَطّتْ إليه حُداةُ العيسِ أرْحُلَنا / فَالعَزم صِفْرٌ بِمَثواهُ مِنَ السَّفَرِ
كانَ ابتِدائي إِلَيه عاطِلاً فغدا / منه بِحَلْيِ الأماني حاليَ الخَبَرِ
مُمَلَّكٌ قَصْرُ أعْمارِ العُداةِ به / وَقْعُ السُّيوفِ على الهاماتِ والقَصَرِ
عَدْلُ السياسةِ لا يَرْضى له سِيَراً / إلا بما أنْزَلَ الرّحمنُ في السُّوَرِ
يُسْدي بِيُمْناهُ من معروفه مِنَناً / تَكسو الصَّنائعَ صنعانِيَّةَ الحِبَرِ
لو أَضحَتِ الأرضُ يوماً كفَّ سائِلَهُ / لَم تَفتَقِرْ بَعدَ جَدواه إِلى مَطَرِ
يَأوي إِلى عِزَّةٍ قَعْساءَ مُرْغِمَةً / أَنْفَ الزَّمانِ على ما فيه من أشَرِ
لا يُفْلتُ الجريُ من أيدي عزائمه / أو يجعلَ الهامَ أجفانَ الظبا البُتُرِ
جارٍ له شأوُ آباءٍ غطارِفَةٍ / أُسْدٍ على الخَيلِ أقمارٍ على السُّررِ
لا تَسْتَلِينُ المَنايا عَجْمَ عودِهِمُ / والنَّبعُ لَيسَ بِمَنسوبٍ إلى الخَوَرِ
يُقَطّبُ الموتُ خوفاً من لقائِهِمُ / ويضحكُ الثغرُ منهمْ عن سَنَا ثُغَرِ
يا مُرْويَ الرُّمح والأرماحُ ظامئةٌ / من الأسود الضَّواري بالدَّمِ الهَدَرِ
لولا تَعشّقُكَ الهيجاءَ ما ركبَتْ / بك العزيمةُ فيها صَهْوَةَ الخطَرِ
إِذا التَظَتْ شُعَلُ الأَرماحِ وَانغَمَسَت / مِنَ الدُّروعِ عَلى الأَرواحِ في غدرِ
وفي اصطِبارِكِ فيها والرَّدى جَزِعٌ / ما دلّ أنّك عنها غيرُ مُصْطَبرِ
ومأزقٍ مَزّقَتْ بيضُ السُّيوفِ به / ما لا يُرَقّعُه الآسونَ بالإبَرِ
من جَحْفَلٍ ضَمِنَ الفتحُ المبينُ له / ذُلَّ الأعادي بعزِّ النَّصرِ والظّفَرِ
تَحدو عَذابَكَ فيه للوَغَى عَذَبٌ / تَهفو كَأَيدي الثكالى طِشْنَ من حررِ
جاءَتْ صُدُورُ العوالي فيه حاقِدَةً / يَفتَرُّ منها دخانُ النقعِ عَن شَرَرِ
فَكَمْ قُلوبٍ لها جاشَتْ مراجِلُها / لَمّا تَساقَطَ جَمْرُ الطَّعنِ في النُّقَرِ
كَأَنَّما كُلُّ أَرضٍ من نَجيعِهِمُ / رَخوُ الأَسِنَّةِ منها ميِّتُ الشعرِ
وخائضٍ في عُبابِ الموتِ مُنصلتٍ / مُقارِعِ الأُسد بين البيضِ والسمرِ
خَلَقْتَ بالضربِ منه في القذالِ فماً / أنْطَقْتَ فيه لِسانَ الصَّارِم الذكرِ
يا معلياً بعلاهُ كلّ مُنْخَفِضٍ / ومُغنِياً بِنَداهُ كُلَّ مُفتَقِرِ
هَل كانَ جُودُكَ في الأَموالِ مُقتَفِياً / آثارَ بأسِكَ في أُسدِ الوَغى الهُصُرِ
نادَى نَدَاكَ بَني الآمالِ فَازدَحَموا / بِالوَاخِداتِ على الرّوْحاتِ والبُكَرِ
كَما دَعا الرّوْضُ إذ فاحَتْ نَواسِمُهُ / رُوّادَهُ بِنَسيمِ النّوْرِ في السَّحَرِ
يُهدي لَكَ البحرُ مما فيه مُعْظَمَهُ / والبحرُ لا شكَّ فيهِ مَعدَنُ الدّرَرِ
إِنّا لَنخجل في الإِنشادِ بينَ يَدي / رَبِّ القوافي الَّتي حُلّينَ بالفقرِ
مَن ملَّك اللَّهُ حُسنَ القول مِقولَهُ / فلو رآه ابنُ حُجْرٍ عادَ كالحجَرِ
هَجَرَ الخيالُ فزرتُهُ بالخاطرِ
هَجَرَ الخيالُ فزرتُهُ بالخاطرِ / ولقد يكونُ زمانَ هجركِ زائري
أسَدَدْتِ مسراه فلم يُطِقِ السُّرَى / أمْ باتَ عِندَكِ نائِماً عن ساهِرِ
طُمعَتْ مصافحتي له إذ زُرتُهُ / فَقَبضتُ مِن ظلِّ الخيالِ النافِرِ
إِنّي اقتَنَعْت بِزَورَةٍ زُوْرِيَّةٍ / أَلفَيتُ باطِنَها خِلافَ الظاهِرِ
وَإِذا أَرَدتَ بِأَنْ تُصَوِّرَ للمُنى / صُوَراً فَسَلِّمْها لِفِكرَةِ شاعِرِ
يا مَنْ لها بالسِّحرِ طرْفٌ قاتلٌ / أسَمِعْتِ بالفُتْيَا الَّتي في الساحِرِ
إِنِّي نَظَرتُ فَلَم أجِدْ لك فتكَةً / إلّا بِحَدِّ حسامِ لَحظٍ فاتِرِ
أثْبَتِّ حُبّكِ في فؤادٍ خافقٍ / أوَ ما عجبت لواقعٍ في طائِرِ
وأَشَمَّ من بَيتِ الرئاسَةِ أكبرٍ
وأَشَمَّ من بَيتِ الرئاسَةِ أكبرٍ / يُنْمَى إِلى شُمِّ الأُنوفِ أَكابِرِ
يُرْدي المدجَّجَ وهوَ غَيرُ مدجَّجٍ / كم دارِعٍ أرداه رمحُ الحاسِرِ
ويشِبُّ نيرانَ الحُروب بمرهفٍ / كصبيب ماءٍ في الجماجِم غائِرِ
في جَحْفَلٍ يَغْشَى الوقائعَ زاحفاً / بسماءِ أجنحة وأرضِ حوافِرِ
وَعَجاجَةٍ كَسحابَةٍ مُلْتَفّةٍ / فوْقَ الرُؤوسِ على بُروقِ بَواتِرِ
ضحكتْ تُقهقِه والكماةُ عوابسٌ / بالضربِ فوق قوانسٍ ومغافِرِ
وكأنّ جُرْدَ الخيل تحت حُماتها / عُقبانُ جوٍّ جُنّحٍ بِقساوِرِ
والسابِغاتُ على الكماة حبائكٌ / كَحُبابِ ماءٍ أَو نَثيرِ غَدائِرِ
وكأنّ أطرافَ السيوف نواجذٌ / يحرِقْنَ في شِدْقِ الحِمام الكاشِرِ
ما قستُ نجدتَهُ بحدّةِ مِحْرَبٍ / إلا قضيتُ له بفضلٍ قاهِرِ
إنّ الشجاعةَ في الحُماة وإنها / لأشدّ منها في الأبيِّ الصابِرِ
فتخافُ أذمارُ الكريهةِ فتكَهُ / خَوْفَ البُغاثِ من العُقابِ الكاسِرِ
بسنانِ أسْمَرَ للحيازم ناظمٍ / وغرارِ أبيضَ للجماجمِ ناثرِ
تَبدو مِنَ المَنصورِ فيهِ شَمائِلٌ / تِلكَ السجايا مِن سجايا الناصِرِ
إِنّ الفروعَ على الأصول شواهدٌ / تَقْضي بطيبِ مناقبٍ وعناصرِ
مِن كُلّ أَروعَ من ذؤابةِ حِمْيَرٍ / ناهٍ بألْسِنَةِ القواضبِ آمِرِ
أضْحَتْ أيادي يَدَيْهِ وهي تُؤنِسُهُ
أضْحَتْ أيادي يَدَيْهِ وهي تُؤنِسُهُ / إذ أوْحَشَتْهُ مَعالِيهِ منَ النُّظَرا
مُؤيَّدٌ بمضاءِ الرأيِ يَحْمَدُهُ / لا يُحمَدُ السيفُ إلا ماضياً ذكرا
يُمْضي الأمورَ بآراءٍ مُسَدَّدَةٍ / كَأَنَّهُنَّ سِهامٌ تقصد الثُّغَرا
مِنَ العوارِفِ آلافٌ مُجَدِّدَةٌ / للنَّاسِ في كلِّ عامٍ معْلَماً دَثَرا
لو كانَ يُنْظَمُ حُبّاً في مَدائِحِه / حَبُّ القلوبِ نَظمناها له فِقَرا
رَدّتْ زمانَ الجهل هِمّتُهُ / وَغَيّرَتْ فيه من عاداتها الغِيَرا
يا مَن أَياديهِ في الأَنعامِ لَا عُقِلَتْ / أطْلَقْنَ بالمدح فيه ألْسُنَ الشُّعَرا
دُمْ في جلالةِ قدرٍ بالعُلى قُرِنَتْ / وَحَالَفَ السّعْدُ فيما تأمُلُ القَدَرا
أيا رشاقةَ غُصْنِ البان ما هَصَرَكْ
أيا رشاقةَ غُصْنِ البان ما هَصَرَكْ / ويا تألُّفَ نظم الشمل مَنْ نَثَرَك
ويا شؤوني وشأني كُلّهُ حَزَنٌ / فُضّي يَواقِيتَ دَمعي واحبِسي دُرَرك
ما خِلتُ قَلبي وَتَبريحي يُقَلِّبُهُ / إلا جناحَ قطاةٍ في اعتقال شَرَك
لا صبرَ عنكِ وكيف الصبر عنكِ وقد / طواكِ عن عينيَ الموجُ الذي نَشَرك
هلّا وروضةُ ذاك الحسنِ ناضرةٌ / لا تلحظُ العينُ فيها ذابلاً زَهَرك
أماتكِ البحرُ ذو التيَّار من حَسَدٍ / لمّا دَرَى الدرُّ منه حاسداً ثَغرك
وَقَعتُ في الدَّمعِ إِذ أُغْرِقتِ في لُجَجٍ / قَد كادَ يَغمِرُني مِنهُ الَّذي غَمَرَك
أَيَّ الثَّلاثَةِ أَبكي فَقْدَهُ بِدَمٍ / عميمَ خُلقِكِ أم مَعناكِ أم صِغَرَكْ
من أين يَقْبَحُ أن أفنى عليكِ أسى / والحسنُ في كُلِّ فَنُّ يَقتَفي أثَرَكْ
كُنتِ الشَّبيبةَ إذْ وَلَّتْ ولا عِوَضٌ / منها ولو رَبحَ الدُّنيا الَّذي خَسِرَك
ما كنتُ عنكِ مطيلاً بالهوى سَفَري / وقد أطَلْتِ لِحَيْني في البلى سَفَرك
هل واصلي منكِ إلا طيفُ ميّتَةً / تُهْدي لعينيَ من ذاك السكونِ حَرَك
أُعانقُ القبر شوقاً وهو مشتَمِلٌ / عليكِ لو كنتُ فيه عالماً خَبَرَك
وددتُ يا نورَ عيني لو وَقَى بَصَري / جَنادِلاً وتُراباً لاصِقا بشَرَك
أقولُ للبحر إذ أغشيتُهُ نظري / ما كَدّرَ العيشَ إلا شُرْبُها كَدَرك
هلا كففتَ أُجاجاً منك عن أُشَرٍ / من ثَغْرِ لمياءَ لولا ضعفها أسرك
هلا نظرتَ إلى تفتير مُقْلَتِها / إني لأعجبُ منه كيف ما سَحَرَك
يا وَجْهَ جوهرةَ المحجوبَ عن بَصَري / من ذا يقيكَ كسوفاً قد علا قَمَرَك
يا جِسمَها كَيفَ أَخلو من جوى حَزَني / وأَنتَ خالٍ مِنَ الرّوح الَّذي عَمَرك
ليلي أطالَكَ بالأحزانِ مُعْقَبَةً / عليّ مَنْ كانَ بالأفراح قد قَصَرَك
ما أغْفَلَ النائمَ المرموسَ في جدثٍ / عمّا يُلاقي من التَّبريح مَنْ سَهِرك
يا دُولةَ الوصلِ إن ولّيتِ عن بصري / فالقلبُ يقرأ في صُحْفِ الأسى سمَرك
لَئِن وجدتُكِ عَنّي غيرَ نابيَةٍ / فإنّ نفسيَ منها ربُّها فطرك
إِن كانَ أَسلَمكِ المضطَرُّ عن قَدَرٍ / فلم يخنْكِ على حالٍ ولا غَدَرَك
هل كان إلا غريقاً رافعاً يَدَهُ / نهاهُ عن شُرْبِ كاسٍ مَن بِها أَمَرَك
أَما عَدَاكِ حِمامٌ عَن زيارتِهِ / فكيفَ أطْمَعَ فيك النفسَ وانتظَرَك
إِن كانَ للدَّمع في أرجاءِ وَجنَتِهِ / تبرّجٌ فهو يبكي بالأسى خَفَرك
وما نَجوتُ بِنَفسي عَنكِ راغِبَةً / وإنّما مَدّ عُمْري قاصرٌ عُمُرَك
تَغَنَّتْ قيانُ الوُرْقِ في الوَرَق الخُضْرِ
تَغَنَّتْ قيانُ الوُرْقِ في الوَرَق الخُضْرِ / ففجِّرْ ينابيعَ المدام مع الفَجْرِ
وخُذْ من فتاة الغيد راحاً سَبِيئةً / لها قدمٌ في السبق من قِدَم العُمرِ
ولا تشربنْ في كبوةِ الكُوبِ بالفَتى / كَذلِكَ يَجري في مَدى السُّكرِ من يجري
وَإنَّ النَّدى ما زال يَدعو رياضَهُ / إِلَيها النَّدامى وهيَ في حُلَلِ الزَّهرِ
فتجلوهمُ أيدي السقاة عرائساً / ترى الدّرّ أزراراً لأثوابها الحُمرِ
وتحسب إبريق الزجاجة مُغْزِلاً / يُشَوَّفُ في الإِرضاع منه إلى غِفْرِ
ومَشمولَةٍ في كَأسِها اشتَمَلَت على / نُجومِ سُرورٍ بَينَ شُرّابها تسري
تريكَ إذا ما الماءُ لاوَذ صِرفها / تَوَاثُبَ نمْلٍ في زجاجاتها شُقرِ
يفرّ الأسى عن كلّ عضو تحلّهُ / فِرارَ الجبانِ القلبِ عَن مَركَزِ الذمرِ
وأشمطَ خُضْنا نَحوَهُ اللَّيل بِالسُّرى / وقد خاطَ منه النومُ شفراً على شَفرِ
له بيعةٌ ما زال فيها مُحَلِّلاً / حرامَ الرِّبا في بيعهِ التِّبرِ بالتِّبرِ
بَسَطنا لَهُ الآمالَ عِندَ انقِباضِهِ / لأَخذِ عَجوزٍ من بَنيّاتِهِ بِكرِ
مُعَتَّقَةٍ حمراءَ تنْشُرُ فضْلَها / لِخُطّابها في اللَّونِ والطَّعمِ وَالنَّشرِ
إذا شمّها أعطاكَ جُمْلَةَ وصفها / ففي أنفْهِ عِلمُ الفَراسَةِ بالخمرِ
لها قَسْوَةٌ من قلبه مُسْتَمِلّةٌ / لعُنْفِ ندامَاها كذا قَسوةُ الكفرِ
وللَّه ما ينساغُ منها لِشُربها / بِتَسهيل خُلْقِ الماءِ مِن خُلقِها الوعرِ
وقد عَقَدَتْ أيمانُهُ العُذْرَ دونها / فَحَلَّ نَدى أيمانِنا عُقد العذرِ
وأَبرَزَ مِنها في الزُّجاجَةِ جَوهَراً / نُسائِلُهُ بِالشَّمِّ عن عَرَضِ السُّكرِ
تَمَيّعَ منها كالنّضَارِ مُشَجَّراً / وإن كان في ريّاهُ كالعنبر الشَّحري
أدرنا شُعاعَ الشمس منها بأنجُمٍ / نُبَادرُها مملوءةً من يدِ البَدرِ
على حينَ شابتْ لمَّةُ اللَّيل بالسنا / ونَفّرَ عنَّا نَوْمَنَا العودُ بالنقرِ
كَأَنَّ الثرَيَّا في انقضاضِ أُفولِها / وِشاحٌ منَ الظَّلماءِ حلّ عنِ الخصرِ
كَأَنَّ انهِزامَ اللَّيل بعدَ اقتِحامِهِ / تَمَوُّجُ بحرٍ ناقضَ المدَّ بالجزرِ
كَأنَّ عَصَا موسى النبِيَّ بِضَربها / تريكَ من الأظْلام مُنْفَلِقَ البحرِ
كأنّ عَمُودَ الصُّبحِ يُبْدي ضياؤه / لِعَينَيكَ ما في وَجهِ يَحيى منَ البشرِ
رَحيبُ ذُرَى المعروفِ مُستهدَفُ الندى / تَنَدّى الأماني في حدائِقِهِ الخضرِ
تَحَلَّبُ من يُمنَاهُ ثَجاجَةُ النَّدى / وتَنبتُ من ذِكراه رَيحانَةُ الفخرِ
لَهُ سِيرَةٌ في مُلكِهِ عُمَرِيَّةٌ / وكَفٌّ مِنَ الإِعدامِ جابِرَةُ الكَسرِ
بَعيدٌ كَذاتِ الشَّمسِ دانٍ كَنورها / وإن لم تَنل ما نال من شرفِ القدرِ
تُكَفكِفُ عَنهُ سورةَ اللَّحظِ هَيبَةٌ / فَللَّهِ منها ما تَصَوَّرَ في الفِكرِ
كَأَنَّ الزّمانَ الرحبَ من ذكره فَمٌ / ونحنُ لسانٌ فيه ينطقُ بالشكرِ
تَعَوّد منه المالُ بالجود بذْلَةً / لإيسارِ ذي عُسرٍ وإغناءِ ذي فَقرِ
فَإِن أَنت لم تُنفِقْهُ أنفقَ نفسه / وصارَ إِلى ما كانَ تَدري ولَم تدرِ
كَأَنَّ عَطاياهُ وَهُنَّ بدايةٌ / بحورٌ وإن كانت مكاثرةَ القطرِ
هُمامٌ إذا ما همّ أمضى عزائماً / بواترَ للأعْمار بالقُضُبِ البُتْرِ
وصَيّرَ في إقحامهِ مهجَ العدى / تسيلُ على مذلوقةِِ الأسَل السُّمرِ
ينوبُ منابَ السيف في الروع ذكرُهُ / فما ذَكَرٌ ماضٍ يسيلُ منَ الذكرِ
ويَختَطُّ بالخطِّيِّ أرضَ كريهةٍ / يجرّرُ فيها ذيلَ جحْفَله المَجْرِ
ومُقْتَحَمُ الأبطالِ يبرُقُ بالرّدى / وتخفقُ في آفاقه عَذَبُ النصرِ
مُحلّقَةٌ في الجوّ منه قشاعمٌ / كأنَّ شراراً حشْوَ أعيُنِها الخزرِ
تروحُ بِطاناً من لحومِ عداتهِ / فما لقتيلٍ خَرّ في الأرضِ مِن قَبرِ
ويثنى عنِ الضّرْبِ الوجيعِ سُيوفَهُ / منَ الدّمِ حُمْراً في عجاجاته الكُدْرِ
وكم ردّها مَفْلُولَةً حدُّ صبرِهِ / إذا جَزعُ الهيجاءِ فلّ شَبَا الصَّبرِ
فلا تأمَنِ الأعداءُ إملاءَ حِلْمِهِ / بتأخيرِ نزْعِ السَّهم يصدَعُ في الصَّخرِ
إذا لبدَ اللَّيثُ الغضَنفَرُ فارتَقِبْ / له وثبةً فرَّاسةَ النابِ والظُّفرِ
وَرُبَّ شرارٍ لِلعيونِ مَواقعٍ / تحرّكَ للإحراق عن ساكنِ الجمرِ
فيا ابنَ تميمٍ والعُلى مُستَجيبَةٌ / لِكُلِّ امرِئٍ ناداكَ يا مَلكَ العصرِ
ومنْ مالُهُ بالجود يَسرحُ في الورى / طَليقاً وكَم مالٍ مِنَ البخلِ في أسرِ
حَلَلنا بِمَغناكَ الَّذي يُنْبِتُ الغنى / ويُجْري حياةَ اليسرِ في مَيِّتِ العسرِ
وكم عزْمةٍ خضنا بها هَوْلَ لُجّةٍ / كَصارِمِكَ الماضي ونائِلِكَ الغمرِ
وَجَدنا المنى والأمنَ بعد شدائِدٍ / تُقَلِّبُ أفلاذَ القُلُوبِ منَ الذُّعرِ
فَمدحُكَ في الإِحسانِ أطلقَ مِقوَلي / وعندكَ أُفْني ما تبقّى مِنَ العُمرِ
وجدنا المُنى والأمنَ بعدَ شدائدٍ / بِأَكبَرَ لم تَعْلَق بِهِ شِيمَةُ الكبرِ
وفَوزَ أُناسٍ والمَواهبُ قِسمةٌ / بِلَثمِ سَحابٍ من أنامِلِكَ العشرِ
ورفعَ عقيراتِ المدائحِ والعُلى / تَصيخُ إلى شعرٍ تَكلَّمَ بالسِّحرِ
بِمُختَلِفِ الألفاظِ والقصدُ واحِدٌ / كَمُختَلِفِ الأَنفاسِ مِن أرَجِ الزَّهرِ
فَمِن تاركٍ وَكراً إليكَ مُهاجرٍ / وَمِن مُستَقِرٍّ من جنابِكَ في وَكرِ
وَإِن كُنتُ عن مُجْرى السّوابقِ غائباً / فحاضرُ سبقي فيه مع قُرّحِ الخطرِ
وَيُهدي إليكَ البحرُ درَّ مغاصِهِ / وإن لم تقفْ على طَرَفِ العبرِ
حَمَيتَ حِمى العلياءِ في المَلكِ ما سَرى / إلى الحجرِ السّاري وخَيَّمَ بالحِجْرِ
مَن كانَ عنهُ يدافِعُ القَدَرُ
مَن كانَ عنهُ يدافِعُ القَدَرُ / لم يُرْدِهِ جنٌّ ولا بَشَرُ
وثَنى الرَّدى عنهُ الرَّدى جَزَعاً / وسَعَتْ على غيراتهِ غِيَرُ
وَرَمَى عِداهُ بكلِّ داهيَةٍ / دهياءَ لا تُبقي ولا تذَرُ
لا عيبَ فيما كانَ من جَلَلٍ / يَجري بِكُلِّ مُقَدَّرٍ قَدَرُ
إنَّ الملوكَ وإنْ هُمُ عَظُموا / تُغْرَى العُداةُ بِهِم وَإِن حَقَروا
والغَدْرُ قد مُلِئَ الزَّمانُ به / قِدماً وكم نَطَقَتْ بهِ السيَرُ
وأولو المكايدِ إنْ رأوا فُرصاً / ركبوا لها العزَماتِ وابتدروا
والمُصطَفَى سَمّتْهُ كافِرَةٌ / لِتُضيرَهُ أو مسّهُ الضّررَ
وعَلا مُعاويةً بِذي شُطَبٍ / عند الصّباحِ لِشَجّهِ غُدَرُ
وعصابَةٍ لِلْحَينِ قادَ بها / ظُلْمُ النّفوسِ وساقَها الأشَرُ
حَتَّى إِذا ظَنُّوا بأنَّهُمُ / رَبِحوا وأنْجَحَ سَعْيُهُمْ خَسِروا
وَرَدوا الحتُوفَ وبئسَ ما وَرَدوا / لَكِنَّهمْ ورَدوا وما صَدروا
مثلَ الفراشِ تَقَحّمَتْ سُعُراً / فانظرْ إلى ما تَصنَعُ السُّعرُ
خُذلِوا وما نُصروا على مَلِكٍ / ما زالَ بالرّحمنِ يَنتَصِرُ
ردّوا المكايدَ في نُحورِهِمُ / عن عادِلٍ بسيوفِهِ نُحروا
كانَ ابتداءُ فسادِهِمْ لهُمُ / وَعَلَيهِمُ بِصَلاحِهِ الخبَرُ
رفعوا عيُونَهُمُ إلى قَمَرٍ / فَرَماهُمُ برُجُومِهِ القَمَرُ
صَبَّ الحديدَ عليهِمُ ذَرِباً / فكأنّهُمْ من حولهِ جَزَرُ
عَجباً لهم بُطِنُوا بعَيشهِمُ / وَبِقَتلِهمْ إذْ صُلِّبوا ظَهروا
يَبِسَتْ جُذوعُهُمُ وهُم ثَمَرٌ / للضُّبْعِ أينعَ ذلك الثّمَرُ
مِن كُلِّ رابٍ سَلهَبٍ رَسخَتْ / منهُ القوائمُ ما له حُضُرُ
وَكَأَنَّما الحرباءُ مِنهُ علا / عوداً ونارُ الشمسِ تَستَعِرُ
أوَ ما رَأَوْا يحيَى سعادَتُهُ / وقفٌ عليها النّصْرُ والظّفَرُ
إِنَّ الزّمانَ خَديمُ دَولَتِهِ / يُفني أعاديها وإنْ كَثُروا
مَلِكٌ على الإسلامِ ذِمّتُهُ / سِتْرٌ مَديدٌ ظِلّهُ خَصِرُ
سَمْحٌ تَبَرّجَ جودُ راحتهِ / لعفُاته ولعِرضه خفَرُ
ذو هيبَةٍ كالشّمْسِ مُنْقَبِضٌ / عنها إِذا انبَسَطَتْ له النّظرُ
والعَدلُ فيها والتّقى جُمِعَا / فَكأَنَّ ذا سَمعٌ وذا بَصَرُ
خَفَضَ الجناحَ وخَفْضُهُ شَرَفُ / وعلى السِّماكِ علا له قَدرُ
مُتَيَقّظُ العَزَمات تحسبُها / ينتابُها من خَوْفِهِ السّهَرُ
كَالسَّيفِ هُزَّ غِرارُهُ بِيَدٍ / لِلضَّربِ وهوَ مُصَمِّمٌ ذكَرُ
وكأنّ طيبَ ثنائِهِ أرجٌ / عن روَضِهِ يَتَنَفّسُ السّحَرُ
تَنْمي على الأعداءِ عَزْمَتُهُ / والزّندُ أوَّلُ نارِهِ شرَرُ
وكأنّ ركنَ أناتِهِ سَبَلٌ / بموارِدِ المَعروفِ يَنفَجِرُ
يا فاتِكاً بِعُداتِهِ أبداً / إنّ الذِّئابَ تُبيدُها الهُصُرُ
شُكراً فَإِنَّ السَّعْدَ مُتَّصِلٌ / وُصِلَتْ بهِ أيّامُكَ الغُرَرُ
واسْلَمْ فَإِنَّكَ في الندى مَطَرٌ / يَمحُو المحولَ ولِلهدى وَزَرُ
ما أُغْمِدَ العَضْبُ حتّى جُرِّدَ الذكرُ
ما أُغْمِدَ العَضْبُ حتّى جُرِّدَ الذكرُ / ولا اختفَى قَمَرٌ حتى بدا قَمَرُ
قد ماتَ يحيَى فماتَ الناسُ كُلّهُمُ / حتى إذا ما عليٌّ جاءهم نُشِروا
إنْ يُبْعَثُوا بسُرورٍ مِنْ تملُّكهِ / فَمنْ مَنيّة يحيَى بالأسَى قُبِروا
أَوفى عليٌّ فَسِنُّ المَلكِ ضاحِكَةٌ / وعينُهُ من أبيه دَمْعُها هَمِرُ
يا يَومَ وَلَّى عنِ الدُّنيا بِهِ طُمِسَتْ / بِظُلمَةِ الرزءِ مِن أَنواركَ الغُررَ
ومادَتِ الأَرضُ من فُقدانِها جَبلاً / ينابِعُ الجودِ من سفحَيهِ تَنفَجِرُ
لَم تُغْنِ عَنهُ غِياضٌ مِن قَناً وظُبىً / حمرُ الحماليق فيها أُسْدُها الهُصُرُ
يَرَونَ زُرْقَ ذِئابٍ ما ثَعالِبها / إلَّا عَوامِلُ في أيمانها سُمُرُ
ويَترُكونَ إِذا جَيشَا الوَغى انتَظَما / سَلخاً كَساه حديداً حَيّةٌ ذَكرُ
وديعةُ السّيلِ في البطحاءِ غَادرها / تقري الرِّماحِ بها الآصالُ والبكرُ
لَم يُغْنِيَا عَنهُ لا عِزٌّ يُدِلُّ بِهِ / مَن كانَ بِالكِبرِ في عِرنِينِهِ أَشَرُ
ولا مهابَةُ محجوبٍ تَبَرَّجَها / كَأنّهُ عِندَ أبصارِ الورى خَفَرُ
شُقَّت جُيوبُ المعالي بالأسى وبكَتْ / في الخافقَينِ عليه الأنجمُ الزُّهرُ
إِذِ السَّماءُ بِصَوتِ الرَّعدِ صَرْختُها / يكادُ منها فؤادُ الأرضِ يَنفَطِرُ
والجَوُّ مُتَّقِدُ الأحشاءِ مُكتَئِبٌ / كَأَنَّما البرقُ فيها لِلأَسى سُعُرُ
وقَلَّ لابنِ تَميمٍ حُزْنُ مَأتَمِها / فَكلّ حُزنٍ عظيمٍ فيه مُحتَقَرُ
قامَ الدّليلُ ويَحيَى لا حياةَ لهُ / إِنَّ المنِيَّةَ لا تُبقي ولا تَذرُ
أمسى دفيناً ولم تُدْفَنْ مفاخرُهُ / كالمِسْكِ يُطوى ونشْرٌ مِنهُ يَنتَشرُ
قد كنتُ أحسبُ أن أُعطَى مُنايَ به / وأن يطولَ على عمري لهُ عمرُ
وها أنا اليومَ أرثيهِ وكنتُ لهُ / أُنَقّحُ المدحَ والدنيا لها غِيَرُ
يا وَيْحَ طارِقِ لَيلٍ يَستَقِلُّ بِهِ / سامي التليلِ براهُ الأيْنُ والضُّمُرُ
في سرجه من طُيورِ الخيلِ مُبتْدِرٌ / وما جناحاهُ إلّا العُنقُ والخَصِرُ
يطوي الضَّميرَ على سِرٍّ يُكِنُّ به / بُشْرَى ونَعْيٍ حَيارَى منهما البَشَرُ
لَولا حَديثُ عَلِيٍّ قلتُ من أسَفٍ / بِفيكَ يا مَن نَعى يَحيَى لَنا العَفَرُ
إِن هُدَّ طَوْدٌ فذا طَوْدٌ يُعَادِلُهُ / ظِلٌّ تُؤَمَّنُ في أفيائِهِ الجدُرُ
أَو غيضَ بَحرٌ فَذا بَحرٌ بِمَوضِعِهِ / لِوارِديهِ نَميرٌ ماؤُهُ خَصِرُ
يا واحِداً جُمِعَتْ فيهِ الكرامُ ومَنْ / بِسَيفه مِلَّةٌ التَّوحيدِ تَنتَصِرُ
أوجَفْتَ طِرْفَكَ والإِيجافُ عادتُهُ / والصُّبحُ مُحتَجِبٌ واللَّيلُ مُعتَكِرُ
لَمّا سَرَيتَ بِجَيشٍ كُنتَ جُملَتَهُ / وما رَفيقاكَ إلّا النَّصرُ والظَّفَرُ
طوى له اللَّه سَهباً بِتَّ قاطِعَهُ / كأنّما بُعْدُهُ بالقُرْبِ يُخْتَصِرُ
وَقَصَّرَ السَّعدُ لَيلاً فالتَقى عَجلاً / مِنهُ العِشاءُ على كَفَّيكَ والسَّحَرُ
وفي ضُلوعِكَ قَلبٌ حَشوُهُ هِمَمٌ / وبَينَ عَينَيكَ عَزمٌ نَوْمُهُ سَهَرُ
حَتّى كَسَوْتَ حياةً جِسْمَ مَملكةٍ / بِرَدّ روحٍ إليهِ منكَ يَنْتَظرُ
هنئتَ بالملكِ إذْ عُزّيتَ في ملكٍ / لِمَوْتهِ كانَ منكَ العيش يذَّخِرُ
جَلَستَ في الدستِ بالتَّوفيقِ وابتَهَجَتْ / بِكَ المَنابِرُ وَالتِّيجانُ والسُّرُرُ
أَضحَتْ عُلاكَ على التَّمكينِ ثابِتَةً / فَطيبُ ذِكرِكَ في الدُّنيا له سَفَرُ
تناوَلَ القَوْسَ باريها فأسْهُمُهُ / نَوافِذٌ في العدى أَغراضُها الثُّغَرُ
وقامَ بالأمرِ سهْمٌ منكَ مُعْتَزِمٌ / يجري منَ اللَّه في إِسعادِهِ القَدَرُ
وأصبَحَتْ هِمَمُ الآمالِ سانِيةً / عَنِ العَطايا الَّتي عُنوانُها البِدَرُ
وَأَنتَ سَمحٌ بِطَبعٍ غَيرِ مُنتَقِلٍ / سِيّانِ في المحلِ مِنكَ الجَوْدُ وَالمَطَرُ
واسلَمْ لِعِزِّ بني الإِسلامِ ما سَجَعَتْ / سَوامِرُ الطَّيرِ وانآدت بِها السَّمُرُ
كفَى سيفُكَ الإسلامَ عاديةَ الكُفرِ
كفَى سيفُكَ الإسلامَ عاديةَ الكُفرِ / وَصُلْتَ على العادينَ بالعزِّ والنصرِ
وأصبَحَ قولُ المبطلين مُكذَّباً / ومَدَّ لَكَ الرّحمَنُ في أمَدِ العُمْرِ
وأَينَ الَّذي حَدَّ المُنَجِّمُ كَوْنَهُ / إذا مَرّ لِلصُّوَّامِ عَشْرٌ مِنَ الشَّهرِ
وما قَرَعَ الأسماعَ بالخبرِ الَّذي / أبَى اللَّهُ إلّا أنْ يُكَذَّبَ بالخُبرِ
غَدا الزّيجُ ريحاً في تَناقُضِ عِلمِهِ / وتعديلُهُ عُرفاً أحالَ على نُكْرِ
فهلّا رأى قَطْعاً عليهِ بِسَجْنِهِ / ومَشْياً بدُهْمٍ كانَ بالكَبْوِ والعَثرِ
وإِنَّ عَليّاً يَنْتَضي القُضُبَ الَّتي / يَرُدّ بها مَدّ العُداةِ إلى قَصْرِ
لَقَد ضَلَّ عُبّادُ النُّجومِ وما اهتَدوا / بِبَعثِ رَسولٍ للأَنامِ ولا ذِكرِ
وَكَم مَرَّ في الدُّنيا لَهم مِنْ مُمَخْرِقٍ / مِنَ النَّاسِ مَطوِيِّ الضّلوع على غَمرِ
إذا جالَ في عِلمِ الغيوبِ حَسبْتَهُ / مُسَيلِمَةَ الكذّابَ قامَ منَ القبرِ
أباطيلُ تجري بالحقائقِ بينهم / من الكِذْبِ منهم لا عنِ السبعةِ الزُّهرِ
وميلٌ إليها بالظنونِ وإنّما / يُنَكِّبُ عنها كلُّ يَقظانَ ذو حِجْرِ
وما الشُّهْبُ إلّا كَالمصابيحِ تلتَظي / مَعَ اللّيلِ للساري وتخمدُ في الفجرِ
فَيا أَيُّها المغتَرُّ بالنَّجمِ قُلْ لَنا / أتعلمُ سرّاً فيه من ربّه يَسْري
وبَينَكُما بَوْنٌ بَعيدٌ فما الَّذي / تَقَوّلَهُ الغفرُ اختِلافاً عَنِ الغفرِ
فيا أحْلَمَ الأمْلاكِ عن ذي حِبالَةٍ / وإنْ جاءَ في الأمرِ الَّذي جَدّ بالإمْرِ
تدارك جهولاً ضلّ أو زلّ أوْ به / جُنونٌ فما يَرتابُ للسَّيفِ في النَّحرِ
فَصَيِّرْ جميلَ الصَّفحِ عنهُ عِقابَهُ / فقد جَلّ منكَ القدرُ عن ضَعَةِ القدرِ
سُعودُكَ في نيلِ المُنى لا تَوَقّفَتْ / منَ اللَّهِ تجري لا منَ الشَّمسِ وَالبدرِ
ملكتَ فمهّدتَ الأمورَ مُجَرِّداً / لتمهيدها رأيَ المجرِّبِ لا الغُمْرِ
وَنَظَّمتَ حبّاتِ القُلوبِ مَحَبَّةً / عَلَيكَ وقَد كانَت مباينةَ النَثرِ
لأمرٍ أدَمتَ الحَصرَ في حرْبِ جَرْبةٍ / وما حَرْبُها إلا مُداوَمَةُ الحصرِ
وتَرْكُكَ بالزّرقِ اللّهاذِمِ أهْلَها / وبالبيضِ صَرْعى في الجزيرَة كالجَزْرِ
وما ضُويِقُوا مَن قبلِ هذا وإنّما / بقَدرِ التهابِ النّارِ تَغْليَةُ القِدرِ
بِسَير جُيُوشٍ في البحُورِ إليهِمُ / تُحيطُ بهم زَحْفاً مع المَدّ والجَزْرِ
إِذا انتَقَلتْ بالصَّيدِ قُلتُ تَعَجُّباً / متى انتقل الآجام بالأُسُدِ الهُصْرِ
مجرِّدَةً بيضَ الحتوفِ خوافقاً / بها العَذَباتُ الحمرُ في اللُّجَجِ الخضرِ
وكلّ مُديرٍ يتّقي بمَجاذِفٍ / مُشاكَلَة التَّشبيهِ في الأنمُلِ العشرِ
ترى الشحمَ فوق القارِ منه مُمَيَّعاً / فيا من رأى ليلاً تَسَرْوَلَ بالفجرِ
سَوادُ غُرابٍ في بَياضِ حَمامَةٍ / تَطيرُ بِهِ سَبحاً على الماءِ أو تَجري
قَطَعتَ بِهِم في العيشِ من كلِّ جانِبٍ / فَقَد أَقصروا فيها عنِ النظمِ بالنثرِ
وكم طائرٍ منهم قصصتَ جناحَهُ / فأصبحَ مسجوناً عنِ النَهضِ في الوكرِ
لمّا رأوا أنَّ المخنَّق منهمُ / سَدَدْتَ به مجرى التنفُّسِ في الصدرِ
أنابوا وتابوا عن ذنوبٍ تَقَدّمَتْ / بزعمهمُ من قطعهم سُبُلَ البحرِ
فَإِن نَشَرُوا ما بَينَهمْ لَكَ طاعَةً / وقد طُوِيَت مِنهُم صُدورٌ على غَمرِ
فَعِندَكَ نارٌ تَركَبُ الماءَ نَحوَهمْ / لَها زُنُدٌ يَقدَحنَ مِن زُنُدٍ بُتْرِ
ونبلٌ كنبل الأعْيُنِ النُّجْلِ أُرْسِلَتْ / تطيرُ بريشٍ مُستعار مِنَ النَّسرِ
تُنَصَّلُ للأعْداءِ في الحرب بالرّدى / إذا نُصِّلَتْ هاتيكَ في السلمِ بالسِّحرِ
وَلَن يخدعوا في الحربِ وهوَ مُبيدُهُم / فتىً كان مولوداً مِنَ الحربِ في حِجْرِ
وأَنتَ مِنَ الأَعداءِ أَدهى خديعةً / إذا ما صَدَمْتَ الجَّيشَ في الجَّيشِ بالمَكرِ
وكُنتَ عنِ التَّحريضِ بِالحَزمِ غانِياً / وهل يَعْدَمُ الإحراقَ مُتَّقِدُ الجمرِ
خُلِقْتَ لنا من جَوهَرِ الفضلِ سَيِّداً / وَيُمناكَ من يُمْنٍ وَيُسْراكَ من يُسْرِ
وَعَوّلَ في العسرِ الفَقيرُ على نَدى / يَدَيكَ وَهَل يَغْنى الكسيرُ عَنِ الجبرِ
زَمانُكَ لا يَنفَكُّ يَفتَرِسُ العدى / كذي لِبْدَةٍ مُسْتَعْظَمِ النابِ وَالظفرِ
وطَعْماكَ من شَهدٍ وطابَ لأَهلِهِ / وخُلقاكَ من سَهلٍ عَلَيهِم وَمِن وَعرِ
حَياةَ ابنَ يَحيى للأَعادي مَنِيَّةٌ / وأَعمارُهمْ مَبتُورةٌ مِنهُ بِالعمرِ
لَقَد فَخَرت مِنهُ العلى بِسَمَيْذَعٍ / لإحسانه وَجْهٌ تَبَرْقَعَ بالبِشرِ
بأكبرَ يستخذي له كلّ أكبرٍ / فيُطرِقُ إطراقَ البُغاثَةِ للصَّقرِ
إذا مُدِحَ الأملاك قام بمدحِهِ / لهُ قَدَمُ الدنيا على قَدَمِ الفخرِ
إِلَيكَ امتَطَينا كُلَّ راغٍ بِمَوجِهِ / كَما جَرجَرَ القَرْمُ الحقودُ على المكري
إذا ما طما وامتدّ بالرّيح مدُّهُ / ذَكرنا به فيَّاضَ نائِلك الغمرِ
ولولاك لم نركب غواربَ زاخرٍ / مسنَّمَةً في اللَّحمِ مِنهُ إلى العمرِ
وَإِن فاتَني إِعذارُ شِبليكَ بِالغنى / فإنَّ بترك العزم مُتّضِحَ العُذرِ
ضَعُفتُ عن النّهْضِ القوي زَمَانَةً / وَنُقّلَ بعد الباع خَطوي إِلى شِبرِ
وَإِنّي لأهدي في سُلوكِ غَرائِبي / ومُعجِزِ نَظمي كُلَّ جَوهَرَة بِكرِ
إِذا ما بَنى بَيتاً مِنَ الشِّعرِ مِقوَلي / ثنى نابياً عن هَدْمِهِ معولَ الدَّهرِ
وَما الشِّعرُ ما يخلو من الكَسْرِ وَزْنُهُ / ولكنَّهُ سحرٌ وبابِلُهُ فكري
وَإِنِّي بما فَوقَ المُنى مُوقِنٌ / وكم شَرَقٍ لِلَّيثٍ مِن وابِل القطرِ
عَجَبي من سكينتي وَوَقَاري
عَجَبي من سكينتي وَوَقَاري / بعد صَيْدِ المها وَخَلْعِ العِذارِ
واجتلائي منَ الشموشِ عروساً / نَقّطَتْ خَدّها بزُهْرِ الدراري
بنتُ ما شئتَ من زمانٍ قديمٍ / يَنْطوِي عُمْرُها على الأعصارِ
في صَمُوتٍ أقرّ بالنشر منها / وهوَ تَحتَ الصَّعيدِ نائي القرارِ
فإذا فُضَ خاتَمٌ عنه أهْدَت / أرَجَ المِسكِ وهيَ في ثَوبِ نارِ
قهوةٌ مَزّقَتْ بكفِّ سناها / بُرْقُعَ اللَّيلِ عَن مُحَيّا النَّهارِ
عَدَلَتْ بَعدَ سِيرَةِ الجورِ لمّا / نَرْجَسَ المزجُ لونَها الجُلّناري
وحكى نَشْرَها النسيمُ ولكن / بعدما نامَ في حُجورِ البهارِ
وهي ياقوتةٌ تُبَرْقعُ خدّاً / من جُمانٍ منظَّم بِعِجارِ
كُلَّما صافحتْ يداً من لجينٍ / مَنَحتها أناملاً مِن نضارِ
جوهرٌ يَبْعَثُ المسرَّة منه / عَرَضٌ في لطائِفِ الجِّسمِ سارِ
وكأنّ العيونَ تلحظُ منه / صورةً روحها مِنَ الجِسمِ عارِ
أنكِحوا عِندَ مَزجِها الماءَ ناراً / فَارتَمَت عِندَ لَمسِهِ بِالشرارِ
وانبرَتْ منهما ولائدُ دُرٍّ / طائرِ الوَثبِ عَنهُما بالنّفارِ
في قَميصِ الشَّرابِ مِنهُما شعاعٌ / يُبْرِدُ الهَمَّ وهوَ عَيْنُ الأوارِ
في رياضٍ تَنَوَّعَ النَّوْرُ فيها / كاليواقيتِ في حِقاقِ التِّجارِ
فكأنّ البنفسجَ الغضّ منه / زرقةُ العَضّ في نهودِ الجَواري
وَكَأنَّ الشقيقَ حُمْرُ خدودٍ / نقّطَ المسكُ فوقها بانتِثارِ
مُطْرِبٌ عندها غناءُ الغواني / في سَنا الصُّبحِ أَو غِناءُ القَماري
كانَ ذا كلّه زمانَ شبابٍ / كنتُ فيه على الدُّمَى بالخيارِ
هل تَردُّ الأيّامُ حُسني ومَنْ لي / بكمالِ الهلال بعد السّرارِ
نَحنَ قَومٌ ما بَينَنا نتَناجى / بِالأَحاديثِ في الملوكِ الكبارِ
مَلِكٌ في حمايَةِ المُلْكِ منهُ / دَخَلَ النَّاسِ في حَديثِ البحارِ
وَوَجدنا فَخرَ ابنِ يَحيى عَريضاً / ظُنّ ما شئت غيرَ ضيقِ الفخارِ
مَلكٌ في حِمايَة المَلكِ مِنهُ / قَسْوَرٌ شائكُ البراثِنِ ضارِ
عادلٌ يتَّقي الإِلهَ ويَعفو / عن ذوي السيِّئاتِ عَفْوَ اقتِدارِ
أسكَنَ اللَّهُ رأفةً مِنهُ قلباً / وَرَسَا طودُ حِلمِهِ في الوقارِ
لا تزالُ الأبرارُ تأمَنُ منه / سَطْوَةً تُتّقَى على الفُجّارِ
أَريَحِيٌّ حُلْوُ الشَّمائِلِ تَجري / بَينَ أَخلاقِهِ شَمُول العقارِ
لا يُجَارَى لِسَبقِهِ فَلِهذا / لم يَجِدْ في مَدَى العُلى من يُجاري
كُلُّ فَضلٍ مُقسَّمٍ في البَرايا / منه والشمسُ عُنْصُرُ الأَنوارِ
فالقٌ هامةَ الشُّجاعِ بعَضْبٍ / مطفئٌ روحَهُ بإيقادِ نارِ
وإِذا الحربُ أَقبَلَت بالمَنايا / كَرَّ والذِّمرُ لائِذٌ بالفرارِ
لم تَنَمْ عِندَهُ الظُبا في جُفُونٍ / فَالهُدى بانتِباهِها ذو انتِصارِ
وهوَ في حميَرَ الملوكِ عريقٌ / في صَميمِ العلى ومحْضِ النّجارِ
سادةٌ يُطْلعُ الدراريَّ منهم / فلَكٌ في العلى قَديمُ المدارِ
هم أقاموا زَيْغَ العدى بذكورٍ / تَكتَسي بِالدِّماءِ وهيَ عَوَارِ
حيث يَلْقَوْنَهُمْ بوضعِ خدودٍ / لَهم في الثَّرى ورفع عَمَارِ
عدِّ عن غيرهم وعَوِّلْ عَلَيهمْ / فهمُ في الوَغى حُمَاةُ الذِّمارِ
وإذا ما قَدَحْتَ نارك فاخْتَرْ / زَنْدَ مَرْخٍ لقَدْحِها أو عَفارِ
مُعْلَمٌ في الوغى إذا خاف غفلٌ / شُهرَةً مِنهُ للإِلالِ الحرارِ
واليعابِيبُ حَولَهُ تَتَعادى / كَالسراحينَ بِالأُسودِ الضَّواري
كُلُّ بَحرٍ يَسطو بِجَدولِ غَمرٍ / جامد فيه وهوَ بالسَّيلِ جَاري
والأساطيلُ في الزواخر يرمي / بلدَ الروم غَزْوُها بالدَّمارِ
يابساتُ العيدانِ تُثْمِرُ بالغي / دِ إذا أوْرَقَتْ بِبِيضِ الشفارِ
راعِفاتُ القنا تَلَوّنُ فيها / عَذَبَاتٌ كَمِثلِ مُصْحَفِ قاري
مِحْرَبٌ يَقهَرُ العداةَ ويُلْقي / كَلْكَلَ الحَربِ منهمُ في الدِّيارِ
والمنايا كالمُشْفِقاتِ تُنادي / بِبَنيها حَذارِ منه حذارِ
في خَميسٍ تُغَمِّضُ الشمسُ عيناً / فوقه من مَهيلِ نَقْعٍ مُثارِ
تَحسِبُ الطَّيرَ وهيَ وَقفٌ عَلَيهِ / رُقِمَتْ منه في مُلاء الغبارِ
عَمَّنَا في جواره خفضُ عيشٍ / فَذَكرنا بِذاكَ حُسنَ الجِوارِ
نَنتَقي لَفظَ وَصفِهِ ونُرَوِّي / مُدَداً في خواطِرِ الأَفكارِ
وَنَداهُ كَما تَراهُ ارتِجالٌ / جابِرٌ في الفَقيرِ كَسْرَ الفَقارِ
يا ابن يَحيى الَّذي ينيل الغِنى بَي / نَ حياءٍ من رِفْده واعتِذارِ
لَكَ يَدعو بِمَكَّةَ كُلُّ بَرٍّ / حَولَ بيتِ الإِلهِ ذي الأَستارِ
ومُطلٌّ على مِنَى بَعد حَجٍّ / لِبُلوغِ المُنى ورميِ الجمارِ
والَّذي زارَ أرضَ طِيبَةَ يَغْشى / خدُّهُ قَبْرَ أحمدَ المُختارِ
فهنيئاً للعيد عزَّةُ ملكٍ / باتَ يرمي العدى بِذُلِّ الصَّغارِ
وابقَ في المُلْكِ لابتِناءِ المَعالي / وَلِصَوْنِ الهدى وبَذْلِ النّضَارِ
هل كان أودعَ سرَّ قلب مِحجرا
هل كان أودعَ سرَّ قلب مِحجرا / صَبٌّ يُكابِدُ دَمعَهُ المُتَحَدِّرا
باتَت لَهُ عَينُ تَفيضُ بِلُجّةٍ / قَذَفَ السّهادُ على سَواحِلِها الكرى
ما بالُ سالي القلبِ عَنَّفَ مَن لَهُ / قَلبٌ بِتَفتيرِ اللِّحاظِ تَفَطَّرا
وَرَمى نَصيحَتهُ إلى قَنصِ الهَوى / فإذا رَعَى حَوْلَ الحبائلِ نُفّرا
إِنَّ الغرامَ غرامُهُ ذو سَوْرَةٍ / وَمِنَ العيونِ على القلوبِ تَسَوّرا
وإذا تَعَلّقَ بالعَلاقةِ مُهْتَدٍ / ورنا إلى حَوَرِ الظباءِ تحيّرا
وَمِن الفواتِكِ بِالوَرى لكَ غادَةٌ / كَحَلَتْ بمثلِ السحرِ طرفاً أحوَرا
ملآنُ منها حِقْفُها وَوِشاحُها / صِفْرٌ تخالُ الخَصْرَ فيه خِنْصَرا
عادَت سَقيماً مِن سَقامِ جُفونِها / خَطَرَت عَلَيهِ كَرُؤيَة فَتَخَطَّرا
شَرِقَ الظلامُ تألّقاً بضيائها / فكأنّما شَرِبَ الصَّباحُ المُسفرا
سَحَبَتْ ذوائبَها فَيا لأَساودٍ / نَفَثَتْ على القدمينِ مِسْكاً أَذفَرا
وَمَشَت تَرَنّحُ كَالنَّزيفِ وَمَشيها / فَضَحَ القطاةَ بِحُسنِهِ والجُؤذَرَا
فَعَجِبتُ من غُصْنٍ تُدَافِعُهُ الصَّبا / بِالنهدِ أَثمَر وَالثنايا نَوّرَا
معشوقةٌ حَيّتْ بوردةِ وجنةٍ / وَسقَتْ بكاسِ فمٍ سلافاً مُسْكرا
لا تَعجَبَنْ مما أقولُ فَمِقوَلي / عن حُكْمِ عَيْني بالبخيلة أخْبَرا
إنِّي امرؤ كلّ الفكاهة حازها / والصّيْدُ كلُّ الصَّيدِ في جوفِ الفِرا
يا ربَّ ذي مَدٍّ وجزرٍ ماؤهُ / للفلك هُلْكٌ قَطْعُهُ فَتَيَسّرا
نَفَخ الدُّجى لما رآه ميِّتاً / فيه مكان الروح ريحاً صرصرا
يُفضي إلى حيِّ العبابِ تَخاله / لولا رُبى الآذيِّ قيعاً مقفرا
يخشى لوحشَتِه السُّلَيْكُ سلوكَهُ / ويلوكُ فيه الرعبُ قلبَ الشنفرى
خُضنا حشاه في حَشَى زِنجيَّةٍ / كَمُسِفّةٍ شَقَّتْ سُكاكاً أغبرا
تنجو أمَامَ القدح وَخْدَ نجيبةَ / فكأنّه فحلٌ عليها جرجرا
بحرٌ حكى جودَ ابن يحيى فيضُهُ / وطما بسيفِ القصر منه فَقَصّرا
أقرَى الملوك يداً وأرفع ذِمَّةً / وأجلّ منقبةً وأكرمُ عُنْصُرا
لا تحسبِ الهمّاتِ شيئاً واحداً / شتّانَ ما بين الثُّريَّا والثَّرى
بدرُ المهابة يحتبي في دَسْتِهِ / مَلِكٌ إذا مَلكٌ رآه كبّرا
نجْلُ الأعاظم من ذؤابةِ حِمْيَرٍ / صقَلَ الزمانُ به مفاخرَ حميَرا
يزدانُ في العلياءِ منه سريرهُ / بِمُمَلَّكٍ في المهدِ كانَ مؤمَّرا
لبِسَ التَّذلُّلَ والخشوعَ لعزّهِ / كلّ امرئٍ لبس الخنى وتحيَرا
وكأنّما في كل مِقوَلِ ناطقٍ / من ذكره خَوْفٌ يُسَلّ مُذَكَّرا
وكأنّهُ في الدَّهرِ خُيِّرَ فانتقى / أيّامَهُ من حُسْنِها وتَخَيّرا
طَلْقُ المُحَيَّا لا بُسُورَ له إذا / بَسَرَ الحِمامُ بِمأزِقٍ وتَمَعَّرا
أخدودهُ في الرأسِ ضَرْبَةُ أبيضٍ / وقليبُه في القلب طعنةُ أَسمَرا
وإذا تَعَرّى للشجاع حُسَامُهُ / بكريهةٍ قَتلَ الشجاعةَ بالعَرا
كم منْ صريعٍ عاطلٍ من رأسه / بالضرب طَوّقَهُ حساماً مبترا
مُتَيَقِّظٌ ملأ الزمانَ لأهله / أمنْاً أنامَ به وخوفاً أسهَرا
عَصَفتْ لِتُدرِكَهُ الصَّبا فكأنَّما / جَمدَتْ وَقرَّت خلفه لمَّا جَرى
أَحْبِبْ بِذاكَ السبقِ إذ هوَ في مَدى / شَرَفٍ يثيرُ به العلى لا العِثيَرا
يُسْدي المكارم من أناملِ مُفْضِلٍ / أغْنى الزمانُ بنَيلها مَن أَفقَرا
أحيا بِهِ المعروفَ بينَ عِبادِهِ / ربٌّ بسيرته أماتَ المُنكَرا
وكتيبةٍ كَتَبَتْ صدورُ رماحها / للموتِ في صُحُفِ الحيازم أسْطُرا
مُلِئَتْ بها الحربُ العَوَانُ ضراغماً / وصلادماً وقشاعماً وَسَنَوّرا
جاءت لفيفاً في رواق عجاجةٍ / سوداءَ دَرْهَمَها اللميعُ ودنّرا
وبدا عليٌّ في سماءِ قتامها / قمراً وصالَ على الفوارس قَسْوَرا
بخطيبِ موتٍ في الوقائع جاعلٍ / لغراره رأسَ المدجَّج مِنْبَرا
بحرٌ إذا ما القرنُ رام عبورَهُ / لم يَلْقَ فيه إلى السَّلامَةِ مَعبرا
عَطِبَتْ به مُهَجُ الجبابِرَةِ الأُلى / بَصُرُوا بِكِسرى في الزَّمانِ وقَيصَرا
رسبت بلَجَّتِهِ النُّفوسُ ولو طَفَتْ / لحسبتَهُ قَبْلَ القيامةِ محشرا
وَرَدَ النجيعَ وَسَوْسَنٌ جنباته / ثُمَّ استَقَلَّ بِهِنَّ وَرداً أَحمرا
وكأنّما نارٌ تُشَبُّ بمتنه / أبداً تُحَرّقُ فيه روضاً أخضرا
فَتَقَ الرياح بفخره فكأنّما / خُضْنا إليه بالمعاطسِ عنبرا
رَفَعَ القريضُ به عقَائِرَ مَدحِهِ / فَاهتَزَّ في يَدِهِ النّدى وتَفَجَّرا
وأَتى العَطاءُ مُفَضضاً ومُذهباً / وأتى الثناءُ مسهّماً ومحبَّرا
فكأنّما زخرتْ غواربُ دجلةٍ / وكأنّما نُشِرَتْ وشائعُ عبقرا
يا مَنْ إذا بَصَرٌ رآه فقد رأى / في بردَتَيهِ الأَكرَمينَ مِنَ الوَرى
وَبَدا لَهُ أَنَّا بِأَلْسِنَةِ العلى / في جَوهَرِ الأَملاكِ نَنظِمُ جَوهَرا
من نُور بِشرِكَ أشرقَ النور الَّذي / بِتَكاثُرِ الأعيادِ عِندَكَ بَشّرا
وَاسلَمْ لِملكِكَ في تَقَاعُسِ عِزَّةٍ / وَأَبِدْ بِسَيفِكَ مَن عَدا واستَكبَرا
نَعِيمُكَ أنْ تُزَفَّ لك العُقَارُ
نَعِيمُكَ أنْ تُزَفَّ لك العُقَارُ / عروساً في خلائقها نِفَارُ
فإن مُزِجت وجدتَ لها انقياداً / كما تنقادُ بالخُدَعِ النّوَارُ
رأيتُ الراحَ للأفراح قطباً / عليه من الصَّبُوح لها مَدَارُ
إذا ضَحِكَتْ لُمْبِصِرِها رياضٌ / بواكٍ فَوْقَها سُحُبٌ غِزارُ
كَأَنَّ فروعها أيدٍ أَشارتْ / بأطرافٍ خواتِمُها قِصارُ
ولم أرَ قبل رؤيتها سيوفاً / لِجَوهَرِهِنَّ بِالهَزِّ انتِثارُ
ولا زنداً له في الجوِّ قَدْحٌ / مكانَ شرارها هَمَتِ القِطارُ
وقائدةٍ إلَيكَ مِنَ القناني / كَميتاً جُلّها في الدَّنِّ قارُ
تَروحُ لِسُكرِها بِكَ في عِثَارٍ / فَتَحمَدُهُ إِذا ذُمَّ العثارُ
إذا مُزِجتْ لِتَعْدلَ في الندامى / تَطَايَرَ عن جوانِبِها الشرارُ
وقلتُ وقد نظرتُ إلى عُجابٍ / أثغرُ الماء تَضحَكُ عنه نارُ
نَلقَ مَهَاة عيشك من مَهَاةٍ / وزينتها القلادةُ والسّوارُ
تُمَرّضُ مُقْلَةً ليصحَّ وَجْدٌ / تَوَارَى في الضُّلوعِ له أُوَارُ
ويَفتَنُ شَخْصَكَ المرمِيَّ منها / فتورٌ بالملاحةِ واحْوِرارُ
وخُذ ماءً منَ الياقوتِ يَطفو / له دُرَرٌ مُجَوَّفَةٌ صغارُ
يريك حديقةً من ياسَمينٍ / تَفَتّحَ وَسْطَها لَهُ جُلّنارُ
إذا فتحَ المزاجُ اللَّونَ منها / مضى وردٌ لها وأتى بَهَارُ
فَقَد طَردَ الكرى عنّا خطيبٌ / رفيعُ الصَّوتِ مِنْبَرُهُ الجدارُ
ورقّ ذماءُ نَفْسِ الليل لمَّا / تَنَفَّسَ في جوانبهِ النهارُ
أدِرْ ذَهَبَ العقار لِنَفْيِ هَمٍّ / ولا تحزنْ إذا ذهبَ العَقَارُ
فَلِلمَعروف فِي يُمْنى عَليٍّ / غِنىً لا يُتَّقى معَهُ افتِقارُ
هو المَلِكُ الَّذي اضطَرَبَتْ إِلَيهِ / بِقُصّدهِ الخضارمُ والقفارِ
تَرَفّعَ من معاليه مَحَلّا / له في سَمْكِهِ الدريُّ جارُ
وأعْرَقَ في نجارٍ حِميَرِيٍّ / فطابَ الفرعُ مِنهُ والنجارُ
وَما زَالوا بِأَنواعِ العَطايا / لَهُ يُمنى تُجاوِدها يَسارُ
تعمّ الوفدَ من يده أيادٍ / كَأَنَّ البحرَ من يَدِهِ اختِصارُ
ويسمحُ زنده بِجُذىً تَلَظّى / إذا زندٌ خبا وَوَهَى العفارُ
وإن وهبَ الألوفَ وهنَّ كُثْرٌ / تقدَّمَ قبلهنَّ الإعتذارُ
عَظيمُ الجدّ يُضربُ مِن ظُباهُ / وَيُطعَنُ مِن أَسِنَّتِهِ البوارُ
يسيرُ وخلفه أبطالُ حربٍ / على حَوضِ المنونِ لهم تَبَارُ
إذا أضحى شعارُ الأُسدِ شَعْراً / فمن زَرَدِ الدروع لهم شِعارُ
وقد وَسِعَتْهُمُ الحلقاتُ منها / وَأَحمَتهُنَّ للهَيجاءِ نارُ
يَخوضُ حَشى الكريهَةِ مِنهُ جَيشٌ / نُجومُ سَمائِهِ الأسَلُ الحرارُ
بِحَيثُ تَغورُ من قِمَمِ الأَعادي / جَداوِلُ بالأَكُفِّ لَها انفِجارُ
إِذا لَبِسَت سَماءٌ مِنهُ أَرضاً / دَجاها فَوقَهُ نَقعٌ مثارُ
تُريكَ قَشاعِماً في الجوِّ منها / حوائمَ كلَّما ارتَكَمَ الغبارُ
حُسامُكَ نُورُ ذِهنِكَ فيه صَقْلٌ / وَعَزْمُكَ في المضاءِ له غرارُ
لَقَد أَضحى على دينِ النَّصارى / لِدينِ المسلِمينَ بِكَ انتِصارُ
حَمَيتَ ذِمارَهُ بَرَّاً وبَحراً / بمرْهَفَهٍ بها يُحمى الذِّمارُ
أراك اللّهُ في الأعلاج رأياً / لَهُم مِنهُ المَذَلَّةُ والصَّغَارُ
رَأَوا حَربِيَةً تَرمي بِنِفطٍ / لإخمادِ النفوسِ له استعارُ
كأنّ المُهْلَ في الأنبوب منه / إلى شَيِّ الوجوه له ابتِدارُ
إذا ما شكّ نحرُ العلجِ منه / تعالى بالحِمام له خُوَارُ
كأنَّ مَنافسَ البُركانِ فيها / لأهوالِ الجحيمِ بها اعتبارُ
نحاسٌ ينبري منه شُواظٌ / لأرواحِ العلوجِ بِه بَوَارُ
وما لِلماءِ بالإطفاءِ حُكْمٌ / عَلَيهِ لَدى الوقودِ ولا اقتِدارُ
فَرَدَّ اللَّه بأسَهُمُ عَلَيهمْ / فَرِبحُهُمُ بِصَفقَتِهم خَسارُ
وخافوا من مناياهُمْ وفرّوا / فدافعَ عن نُفوسِهِمُ الفِرارُ
وقد جعلوا لهم شُرُعَ الشواني / مَعَ الأَرواحِ أَجنِحَةً وطاروا
وهل يَلقى مُصادَمَةً حَصاهم / جِبالاً سَحقُها لَهُمُ دَمارُ
لِيَهنَكَ أنَّ مُمتَنِعَ الأماني / لِكَفِّكَ في تَناوُلِها اختِيارُ
لَكَ الفُلْكُ الَّتي تَجري بِسَعْدٍ / يدورُ به لك الفَلَكُ المُدَارُ
تَهبُّ له الرياح مُسَخَّراتٍ / وتَسكنُ في تَحركها البحارُ
وما حَمَلتْهُ من أنواع طيبٍ / فَمَدْحٌ عَرْفُهُ لَكَ وافتِخارُ
أَمَولانا الَّذي ما زال سَمحاً / إِلَيهِ بِكُلِّ مَكرُمَةٍ يُشارُ
أرى رسمي غداً بيدي كرسمٍ / عَفَا وَعَفَتْ له بالمحلِ دارُ
وكانَتْ لى شُموسٌ ثم أَضحَت / بدوراً والبدورُ لها سرارُ
وبين سناهُما بَوْنٌ بعيدٌ / وذا ما لا يُرَادُ به اختبارُ
وَجَدتُ جَناحَ عُصفورٍ جناحي / فَأَصبَح لِلعقابِ به احتِقارُ
فلي نَهْضٌ يجاذبُني ضَعيفٌ / أَتَنهَضُ بي قَوادِمُهُ القصارُ
فَرُدَّ عَلَيَّ موفوراً جناحي / وإلّا لا جَنَاح ولا مَطَارُ
خيالُكِ للأَجفانِ مَثَّلهُ الفكرُ
خيالُكِ للأَجفانِ مَثَّلهُ الفكرُ / فعينيَ ملأى بالهوى ويدي صِفْرُ
سَرى والدُّجى الغِربيبُ يُخْفي مكانهُ / فنمّ عليه من تضَوّعها نَشْرُ
وَقَد صَوَّبَ النَّسرُ المُحَلِّقُ تالِياً / أخاه ومات الليل إذْ وُلِدَ الفجرُ
أَلَمَّ بِصَبٍّ لَيسَ يَدري أمِرجَلٌ / يفور بنيرانِ الأسى مِنهُ أو صَدرُ
غَريبٌ جَنى أرْيَ الحياةِ وشَرْيَها / وَيَجني الفَتى بِالعَيشِ ما يَغرِسُ الدَّهرُ
أنازحةَ الدَّارِ الَّتي لا أزورها / إذا لم يُشقَّ البحرُ أو يُقْطَعِ القفرُ
إذا بَعُدَتْ دار الأحبَّةِ بالنوى / فذاك لهمْ هجرٌ وإنْ لم يَكُن هَجرُ
رَحَلتُ ولَم يَرْحَلْ عَشِيَّةَ بيننا / معي برحيل الجِسمِ قَلبٌ ولا صَبرُ
وداءُ خُمار الشّرْبِ سَوفَ يُذيبني / فَقَد نَزَحت في فيكِ غَزرٌ بِهِ الخمرُ
وما زال ماءُ العين في الخدِّ مُعْطِشي / إلى ماءِ وجهٍ في لقائي له بِشْرُ
عَسى البعدُ يَنفي موجِبُ القربِ حكمَه / فعند انقباضِ العُسرِ ينبسطُ اليسرُ
عَسى بينُنا يُبْقي المَوَدَّة بَينَنا / ولا ينتهي منّا إلى أجلٍ عمرُ
فَقُلْ لأناسٍ عرَّسوا بِسَفاقِسٍ / لِطائرِ قَلبي في مُعَرَّسِكم وَكْرُ
وفرخٍ صغيرٍ لا نهوضَ لمثله / يُراطنُ أشكالاً ملاقِطُها صُفْرُ
إذا ما رأَى في الجوِّ ظِلَّ مُحَلِّقٍ / تَرَنَّمَ واهتزَّت قَوادِمُهُ العشرُ
يظنّ أباه واقعاً فإذا أبي / وقوعاً عليه شُبَّ في قلبِهِ الجمرُ
يلذُّ بعيني أن ترى عَينَهُ وأن / يُلَفّ بنحري في التلاقي له نَحْرُ
أَحِنُّ إلى أوطانِكُم وَكَأنَّما / ألاقي بها عَصْرَ الصّبا سُقيَ العصرُ
ولم أرَ أرضاً مثل أرضكمُ التي / يُقبِّلُ ذيلَ القصرِ في شطِّها البحرُ
يمدّ كجيشٍ زاحفٍ فإذا رأى / عَطاءَ عَلِيٍّ كان من مَدّهِ جزرُ
أَما يَخجَلُ البحرُ الأُجاجُ حُلولَه / ببحرٍ فراتٍ ما للجَّتِهِ عَبرُ
جَوادٌ إِذا أَسدى الغنى مِن يَمينِهِ / تَحَوَّلَ عن أَيمانِ قُصّادِهِ الفقرُ
حَمى ثغرَه بالسيف والرمح مُقْدِماً / ويحمي عرينَ القَسْوَرِ النابُ والظفرُ
إذا ما كَسونا المدحَ أوصافَهُ ازدَهى / فَطيّبَ أفواه القوافي له ذكرُ
يَصولُ بِعَضبٍ في الكفاحِ كأنَّه / لِسانُ شواظٍ مِنهُ يَضطَرِمُ الذعرُ
وَتَحسَبُ مِنهُ الريحَ تَغدو بِضَيغَمٍ / على جِسمِهِ نهيٌ وفي يده نَهْرُ
ومُعتَذِرٌ عمّا تنيلُ يمينه / وكلّ المنى في البعض منه فما العذرُ
بصيرٌ بمردي الطعن يُغْري سنانه / بجارحةٍ في طيّها الوِرْدُ والغَمْرُ
يجول فيلقي طعنةً فوق طعنةٍ / فأولاهما كَلْمٌ وأخراهما سَبْرُ
إذا رفعَ المغرورُ للحَيْنِ رأسهُ / يُعَجِّلُهُ من مَدّ عامله قَصْرُ
وهَيجاءُ لا يُفْشي بها الموتُ سرّهُ / إِذا لَم يَكُن بِالضَّرب من بيضها جَهْرُ
تهادى بها جُرْدٌ كأنَّ قتامها / ظلامٌ وأطرافَ القنا أنجمٌ زهرُ
إذا قَدّتِ البيضُ الدروعَ حسِبتها / جداول في الأيمان شُقّتْ بها غُدرُ
فَكَم صافَحَتْ مِنها الحروبَ صفائحٌ / وَفَتْ بحصادِ الهام أوراقها الخضرُ
لِيَهْنِ الرعايا منك عَدلُ سياسَةٍ / ودفعُ خطوبٍ لليالي بها غدرُ
ويسرٌ حَسَمْتَ العُسْرَ عنهم بصنعه / كما حَسَمَ الإسلامُ ما صَنَعَ الكفرُ
فلا زلت تجني بالظبا قِممَ العِدى / وتُثمِرُ في الأيدي بها الأسَل السمرُ
ثلاثةُ أفلاكٍ عن العين مُضمرهْ
ثلاثةُ أفلاكٍ عن العين مُضمرهْ / تدور إذا حرّكتها في حشَا كُرَه
فلا فَلَكٌ إلّا يُخَصُّ بدورةً / موافقةٍ منها الخلافَ مُقَرَّره
وللفلك النّارِيِّ مِنهُنَّ كَفَّةٌ / ترى النّارَ فيها للبخور مُسَعّره
تَمُرُّ على فُرُشِ الحريرِ وغَيرها / وراءَ حجابٍ وهيَ غَيرُ مُؤثِّره
وتبدي دخاناً صاعداً من منَافِسٍ / مُصَنْدَلَةٍ أنْفاسُهُ ومُعنبَرَه
ولم أرَ ناراً تطعم الندّ قبلها / لها فَلَكٌ في الأرض في جَوفِ مجمَرَه
تُلطِّفُ أجْساماً كثافاً بلذعها / فتصعدُ أرواحاً لطافاً مُعَطَّرَه
وتَغشى علِيّاً نَفحةٌ كَثَنائِهِ / مُرَدّدَةٌ في مَدحه ومُكَرَّرَه
هُمامٌ إذا سَلَّ المُهَنَّدَ في الوَغى / وَأَغمَدَهُ في الهامِ بِالضربِ حَمَّرَه
رَزينُ حَصاةِ الحِلمِ شَهمٌ مُهَذَّبٌ / تَرى مِنهُ بَدراً في السريرِ وَقَسوَرَه
بَنى سَعدُه قَصراً على البحرِ سامِياً / فتحسبُهُ من جوهر الحسن صَوّرَه
يُنيرُ على البعدِ ائتِلاقاً كَأَنَّما / على الشطِّ لقى لجُّهُ منه جَوهَرَه
أبَرّ على إيوان كسرى فلو رأى / مراتِبَهُ في الملك منه لأكبَرَه