المجموع : 955
للحَرب وَيلات بِنِس
للحَرب وَيلات بِنِس / بَتها هنالك تكبرُ
للحرب كسر في عظا / مِ رجالها لا يجبر
الحرب للمتهوسي / نَ هيَ الطَريق الأوعر
الحرب ذنب الاجتما / عِ وإنه لا يغفر
الحرب لَولا أن تمس / سَ ضرورة لا تشهر
تضني الَّذي هُوَ ظافر / وَتُذلُّ من لا يظفر
في الحرب لا تلقى من ال / فئتين من لا يخسر
جو السَلام إذا تَوَق / قدت الوغى يتعكر
لِلَّه أطراف تطا / ير أَو بطون تبقر
لِلَّه أَجساد عَلى / جنباتها تتكور
ما إن يَروق عيونَ حز / بِ السلم ذاكَ المنظر
أرهب بطياراتها / تُلقي المنون وَتمطر
أعجب بغواصاتها / تَرمي وَلَيسَت تظهر
لَم يسمع الناس حربا كالَّتي سلفت
لَم يسمع الناس حربا كالَّتي سلفت / في هَولها وَلأرزاء الورى قدمُ
دامَت سنين مَع الوَيلات أَجمعها / دَهياء تلقف من تَلقَى وَتَلتَهم
لِلَّه شيبٌ أَحبوا الموت من أَسف / عَلى بنيهم وَشبانٌ قد اخترموا
قد استمروا وَنار الحرب موقدة / يكافحون وَلَم يأَخذهمُ السأم
الحمد لِلَّه رب العالمين عَلى / أن زالَ بالخَير ذاكَ الحادِث العمم
وأن أتى السلم حتى ظل سامعه / مِن غلْيِ أَفراحه يَبكي وَيبتسم
وَمن نتائجها أن خاب موقدها / وأن تحررت الأقوام والأمم
وَعادَ في كل أَرجاء العراق إلى / أبنائه الحكم مقضياً كَما حكموا
السيف وَالقَلم امتازا بذودهما / فليحيَ للمعضلات السيف وَالقَلم
لا يحسب الزحف غيا
لا يحسب الزحف غيا / جند له عظموتُ
الجند للموت يحيا / وَللحياة يَموتُ
نعدّ للنار نارا / وَللحَديد حديدا
أجل وَنَحمي الذمارا / وَلا نَعيش عَبيدا
إن العراق لأمٌّ / لنا وَنحن بنوها
إذا أَلم ملمٌّ / فإننا منجدوها
أَوطاننا هيَ عز / وَمصدر للحَياة
إن المَجرة رمز / لدجلة وَالفرات
يا أَيُّها الوَطَن اسلمْ / من كارثات الزَمان
انا لنحميك بالدمْ / من ذلةٍ وَهَوان
لَيلى أطلي علينا / تَري مثال السَجايا
جنداً يسير الهوَينا / إلى لقاء المَنايا
هيا بنا ثم هَيّا / إلى ثغور العِراق
هناك نَحسو حميّا / للفوزِ واللَهُ واقي
في الأرض دارَت رحىً للحرب طاحنةٌ
في الأرض دارَت رحىً للحرب طاحنةٌ / وَلَيسَ منها عَلى ذي حيطةٍ خطرُ
إني لأعجب فيما منه أعجب أن / لا يسلم الرأس فيه السمع وَالبصر
قد ولد الحرص حرباً
قد ولد الحرص حرباً / بين الوَرى وَخصاما
وَشبت الحرب ناراً / عمت تَروع الأناما
يا نار كوني علينا / برداً وَكوني سلاما
في كل أَرض وَصقع / مدافعٌ ثائراتُ
يقتلن كل فَتىً قد / تفيد منه الحَياة
وَليسَ يُبقين إلا / أراملاً وَيَتامى
تَحوم في الجو طيّا / راتٌ وَتمطر نارا
وَتحصر البحر غوا / صاتٌ وَتُهدي البوارا
وَتملأ البر دبا / باتٌ تُقِلُّ الحماما
هناك بحر خضمٌّ / يَجري ليغمر بحرا
هناك بركانُ نارٍ / تَسعى لتأكل أخرى
هناك جيش لهام / يؤم جيشاً لهاما
جند أراد التفافاً / عَلى العدو فخفا
وآخرون أرادوا / إلى الخنادِق زحفا
فَدامَت الحرب بين ال / كتيبَتين لزاما
تَلقى الصفوف صفوفاً / بمرهفات الحراب
فَكَم قَتيل عَلى الأر / ض مات بعد اِضطراب
وَكَم جَريح طَريح / لا يَستَطيع قياما
فيها المدافع تَرغو / من غيظها وَتَثورُ
وَالجند يصدم جنداً / مرابطاً لا يَخور
وَالحرب تزداد يوماً / من بعد يومٍ ضراما
من قارعات صباحاً / يهتز منها المَكان
وَبارقات مساء / يحمرُّ منها الدخان
وَناسفات بليل / يبعثن موتاً زؤاما
القَتل قتل ذَريعٌ / وَالخطب خطب جسام
فوقَ الرغام دماء / يحمر منها الرغام
الأرض تشرب منها / وَلا تبل أواما
في البر وَالبحر نارٌ / وَفي السَماء دويّ
وَللرصاص أزيزٌ / وَللرجال هُوِيّ
القتل يؤثر عمداً / وَلا يعد أَثاما
ليست الحرب غير نار تشبُّ
ليست الحرب غير نار تشبُّ / حيث يَشقى شعبٌ وَيسعد شعبُ
إنها قبل أن تشب لظاها / عاصفٌ بين أُمتين تهب
صبروا صَبَروا حَتى ظفروا
صبروا صَبَروا حَتى ظفروا / حَتّى فازوا حتى ظهروا
في حرب ما نشبت إلا / عمت وَبها اشترك البشر
لا الشمس رأت ما يشبهها / فيما قد مر وَلا القمر
حرب لا يبصر ناظرها / إلا نيراناً تستعر
وكأن بها جثث القَتلى / أَوراق الغابة تنتثر
فَهناك مدافع قاصفةٌ / وَهناك رصاص ينهمر
وَهناك قنابل ناسفة / وَهناك قذائف تنفجر
وَهناك حراب قَد لمعت / وَهناك بطون تبتقر
وَهناك وجوه ساهمة / وَهناك قلوب تنفطر
وَهناك جموع قد هجمت / وَهناك صفوف تندحر
قد حازَ القَوم بحومتها / ظفراً لا يشبهه ظفر
قد ساعدهم ما قَد حشدو / هُ من الأجناد وَما حشروا
وَتَقَهقَرَت الأكفاء وَكا / نوا قبل الرجعة قد قهروا
وإذا اغتر الإنسان بقو / وته يعمى منه البصر
النحس قضى أَن يندحر ال / أنجاد كذلك فاِندحَروا
وَالسعد قَضى أن ينتصر ال / أحلاف عليهم فاِنتصروا
الكثرُ قضى وإذا ما الكث / رُ قَضى شَيئاً أمضى القدر
إن الإنسان بما قد أَب / دعه الإنسان ليفتخر
إِذ طارَ عَلى طيارته / في الجوِّ يكر وَيبتدر
إذ غاصَ عَلى غواصته / في البحر يصول وَيستتر
نشر الأنباء بلا سلكٍ / يزري بالبعد وَيَحتقر
بل كلَّم وَهُوَ بغرفته / ناساً عَن بلدته شطروا
ما أكثر ما اخترعت يده / إن الإنسان ليقتدر
وَعد الأحلاف فَلَم يوفوا / يوماً بالوعد وَلا ادَّكروا
كَم من حر قد أَنذرهم / يحتج فَلَم تغنِ النذر
شربوا من خمرة نصرتهم / حتى ثملوا حتى سكروا
قالوا ما لم يك معقولاً / فعلوا ما لم يك ينتظر
ضغطوا يؤذون وَقَد جهلوا / أن البركان سينفجر
أَأَضاع القَوم رويتهم / أَم قَد بطروا لما اِنتصروا
بل إن القوة غرتهم / وَالقوة آفتها الغرر
ما زالَ الغَرب بما يأتي / ه يغيظ الشرق وَيعتذر
فَيكاد الشرق لغمَّته / مِمّا قد كابد ينتحر
وإذا بقي الإنسان بلا / وَطر بالمَوت له وطر
وَعراص همى السحابُ ملحّاً
وَعراص همى السحابُ ملحّاً / في ثراها فخددتها السيولُ
أَنبت الغيث في المهابط منها / شجرات مَع الرياح تَميل
ترسل الشمس في الغدوّ شعاعاً / فيرد الشعاع منها الأصيل
قَد سرينا نؤم أَرضاً بها لَيْ / لى وَفخذٌ من أَهل لَيلى حلولُ
نستحث المطي في مهمه قف / رٍ يناجي به الذئاب الغول
تذرع البيد وانيات مهازي / لُ وَهَل يحمد السرى المَهزول
تَتَهادى بين التلول فَتَمشي / مبعدات عنها وَتَبقى التلول
وَالخطى للكلال تقصر حيناً / وَلِحثِّ الرجال حيناً تَطول
هيَ تَمشي إلى الشمال ثقالاً / وَخياشيمها إلى الغرب ميل
صاخبات كأَنَّهن ثكالى / غابَ عَنها وَراءَها المَثكول
تَبتَغي بالسرى وصولاً إلى الحي / يِ مريحاً وَلَيسَ ثَمَّ وصول
وَبَدا بعد ساعة مكفهرّاً / عارضٌ في أفق الشمال عجول
يَتَرامى فيه وَتحدوه ريح / ذات عصف يخف منه الثَقيل
فأَتانا وَفيه برق وَرَعدٌ / وَمياه تَفيض منها السيول
يرزم الرعد كالمَدافع فيه / وَيوالي إرزامَهُ فَيَطول
وَتَكاد الأرض الَّتي قد جثمنا / فوقها من هول الهَزيم تَزول
ظلمة فَوقَ ظلمة فوق أخرى / في دياجيرها تضل العقول
هطلت ساعة تهول وَزالَت / غير أنا عَن الطَريق عدول
قد ضللنا الطَريق نخبط في الأر / ضِ كَما ضلَّ ذو عمىً مسمول
وإذا في أيامن الغرب منا / كَرَجاء المسلول ضوء ضَئيل
فَتَساءَلنا للسَلامة عنه / وأَجابَ الخَبير منا يَقول
لمعت نارهم وَقَد عسعس اللَي / لُ وَمل الحادي وَحار الدَليل
قد رحلنا نحثحث العيس لَيلاً / عَن بلاد بها الكِرام قَليل
ذل فيها العَزيز مِمّا يلاقي / من صعاليكها وَعز الذَليل
قد لقينا منهم جفاء وَضيماً / أَنا وَالشعر وَالنجار الأصيل
من قَديم يا أَهل بَغداد أَنتم / أمةٌ عندها يضيع الجَميل
لَست أَنسى وَلا الدجنّة تنسى
لَست أَنسى وَلا الدجنّة تنسى / إِذ شجتني حمامة في الوادي
بنُواحٍ يَحكي نياحة ثكلى / نزلت بابنها الوَحيد العوادي
في رَبيع الشباب مات جَميلاً / فهيَ تَبكي وَحيدها وَتنادي
أَخرَجته وَاللَيل أسود داج / من فؤاد يحكي حَزين فؤادي
رددته لما أَرنَّت فجاء ال / لَيل يَبكي من ذلك الترداد
حجبت شخصها الدجنة عني / فهو إلا تسجيعها غير بادي
غير أني سمعتها تتغنى / موهناً فوقَ غصنها المياد
لَقَد كنت في درب ببغداد ماشياً
لَقَد كنت في درب ببغداد ماشياً / وَبَغداد فيها للمشاة دروبُ
فَصادَفَت شيخاً قد حنى الدهر ظهرَه / له فوق مستن الطَريق دَبيبُ
عليه ثياب رثة غير أنها / نظاف فَلَم تدنس لهن جيوبُ
تدلّ غضونٌ في وَسيع جبينه / عَلى أنه بين الشيوخ كَئيبُ
يَسير الهُوَينا وَالجماهير خلفه / يسبونه وَالشيخ لَيسَ يجيبُ
له وقفة يقوى بها ثم شهقة / تكادَ لها نفس الشَفيق تذوبُ
فَساءَلت من هَذا فَقالَ مجاوب / هوَ الحق جاءَ اليوم فهو غَريبُ
فجئت إليه ناصراً ومؤازراً / وَدَمعي لإشفاقي عليه صَبيبُ
وَقلت له إنا غَريبان ههنا / وكل غَريب للغريب نَسيبُ
ورب حسناء تَمشي وَهيَ باكيةٌ
ورب حسناء تَمشي وَهيَ باكيةٌ / لَها دموع عَلى الخدين تنسجمُ
دموعها عَن أَساها الجم معربة / كأَنَّها فوق ذاوي خدها كلم
قرأت منها سطوراً تلك تنبئني / أن الرجال لها من غلظة ظلموا
حسناء لا تَجزَعي من غمة ثقلت / فَلَيسَ من حالة إلا ستنصرم
يأتي الشباب وَيأتي بعده زمن / هُوَ الكهول وَيأتي بعده الهرم
وَبعد ذلك موت يَستَريح به / من الحَياة الَّذي قد مضه الألم
وانه منهل لا جفّ مورده / للشاربين عليه الناس تزدحم
كانَ الشَباب سلاحاً لي أَصولُ به / عَلى الَّذين استخفوا بي وأحتكم
وَاليَوم إِذ نالَت الأيام من جلدي / أَودُّ لَو جاءَني موتٌ فيخترم
إنَّ سجع الحَمام في الأسحارِ
إنَّ سجع الحَمام في الأسحارِ / وَهبوب النَّسيم بعد القطارِ
وَبَريق الندى عَلى الأزهارِ / وَخَرير الماء الزلال الجاري
موحيات إِليَّ بالأشعارِ /
فإذا ما دَعا الحمام هديلا / سحراً وَالنَسيم هب بليلا
وَأَراني الندى ميحيّاً صَقيلا / وَجرى الماء حيث ألفى مسيلا
جاشَ شدو بالشعر في أفكاري /
فترنمت كالطيور صباحا / بغناء يمازج الأرواحا
ذاكَ سر الهوى به القلب باحا / في نَشيد يولي النفوس ارتياحا
قَد تعلمته من الأطيار /
حبذا الروض في زَمان الرَبيع / إن حسن الأزهار فيه طَبيعي
مرَّ فيه النَسيم غير سَريع / فوقَ سطح مثل السماء بَديع
فيه تَزهو النجوم بالأنوار /
وَشدا الطير منشداً بالبديه / غزلاً رائقاً تفنَّن فيه
إيه يا طير إيه أَحسنت إيهِ / إن لحناً في الروض تُسمِعُنِيه
هُوَ أَحلى من نغمة الأوتار /
اشدُ يا طير لا تعدّاك خَيرُ / صوتك القصد فاِعتمد لا غيرُ
لا تخف ما عليك مني ضيرُ / أَنا أَيضا يا طير مثلك طيرُ
قَلَمي في شدو الهوى منقاري /
لست أَنسى فيما سمعت الهزارا / إنه كان فاتناً سحّارا
صاح في الروض صيحة ثم طارا / فكأَنَّ الهزار أَضرم نارا
عند ما صاح في حشى الجلَّنار /
وأَعاد الشحرور أَلحان وجدِ / طائراً من نهد هناك لنهدِ
بين نبتٍ يضوع عرفاً ووردِ / من خزامَى وَياسمينٍ ورند
وَشَقيقٍ وَنرجسٍ وعرار /
وَنحا العَندَليب دعصاً جَميلا / عقد الزهر فوقه إكليلا
فَتَدانى منه قَليلا قَليلا / وَتلافى الغَرام فصلاً طَويلا
بان تأَثيره عَلى الأزهار /
وأتى زهرة تألَّقُ زهوا / فأطالا تناجياً بالشكوى
ثم غنى وَقالَ في الوصف شدوا / موقف جامعي ومن أَنا أهوى
طالَ فيه عتابه واعتذاري /
قرب جورية يفوح شذاها / ذات لون من السماء أَتاها
في شعاع للشمس طبق هواها / قبلت فاه وَهوَ قبل فاها
لتلاقٍ من بعد شحط المزار /
زار إذ ذر قرنها في الأفْقِ / ترمق الروض من أَقاصي الشرقِ
فزها ما فيه بذاك الرَّمْقِ / من ورود حمرٍ وصفرٍ وزرقِ
أَظهرت ما للنور من أَسرار /
إن حسن الرَبيع للعين فاتنْ / كَم به من زهر كثير المحاسنْ
غير أن الزَمان يا قوم خائنْ / فلأزهاره جمال ولكنْ
هي آه قصيرة الأعمار /
حبذا الروض إنه قد تزيَّنْ / ببهار وأقحوان وسوسنْ
زرته في الصباح حين تبينْ / وأطلت الجلوس فيه إلى أن
صعدت في السماء شمس النهار /
حيث فَوقي للسرو ظلٌّ ظَليلُ / وَعَلى السرو للحمام هَديلُ
وَبساط للزهر تحتي خميل / وأمامي روض نضير جَميل
وَغَدير للماء عند يَساري /
وَبذات اليَمين مني تَفورُ / عين ماء كأنه بللورُ
ذاب لطفاً فاِهتز فيه النور / وَعلى العين وهيَ تجري طيور
رفرفت من فواختٍ وَقماري /
إذ تمشَّت ريحٌ تريدُ وصولا / لغصونٍ بسقن في البعد طولا
فتخطت بنفسجاً مطلولا / ثم مرَّت عجْلى تجرُّ ذيولا
فوقَ ماء يَسيل في أنهار /
عبرته حتى اِلتقت بالغصونِ / ولوت من أعطافها والمتونِ
فبكت من حزن عليها عيوني / يا بنات النبات هجت شجوني
بتلويك اليوم في الأشجار /
يا بَنات النبات رعتِ حَياتي / إذ تأوَّدت يا بَنات النباتِ
ليت ما فيك من أذاة بذاتي / بأبي أَنتَ فاِهدئي من بنات
تنحني للهوى بكل انكسار /
وَالقماريّ حاضناتٌ فروعا / مبديات بسجعهن خشوعا
يتشاكين بينهن الولوعا / وأنا صامت أصب دموعا
هنَّ مني عَلى الخدود جواري /
وَتغنى بعض الحمام غناءَ / ذا فنون أَجادها ما شاءَ
فَشكا في غضونها البرحاء / وَبَكى واِستثار مني بكاء
لم يكن منع فيضه في اِقتداري /
إنما يا حمام جددت دائي / بالَّذي قَد رجعته من غناء
لَم تَبكي مفتشاً في السَماء / أَو هَل يا حمام إلفك نائي
وله أَنتَ جاثم في اِنتظاري /
قالَ وَالقَول من حمام هَديرُ / طارَ صبحاً إلفي وَلست أطيرُ
قد رَماني ظلماً بسهم شرير / فَجناحي بما رَماني كَسير
فأنا جاثمٌ هنا باضطرار /
إنني قد بسطت واضح عذري / فأفدني خبْراً بما لست أَدري
إن أحبابك اِستقلوا بفجر / فَلِماذا وَالحب بالمرء مغري
ماكِث أنت بعدهم في الديار /
إن من كانَ بين جنبيه قلبُ / ما كذا يصرم الَّذين يحبُّ
لَيسَ ينسى الأحباب من هو صبُّ / إن دعواك للمحبة كذْبُ
هُوَ من صبغة الحَقيقة عاري /
قد كذبت الهوى فَما أَنت إلا / مدَّعٍ لَيسَ يتبع القَول فعلا
رحلوا ثم لَم تَزَل أَنت حلا / أَنتَ لَو كنت في الحَقيقة خلا
لتتبَّعتهم عَلى الآثار /
حوِّلن يا حمامُ ظنَّك عني / فالَّذي قد ظننت آثمُ ظنِّ
يا حمام اتئد وَلا تتَّهمني / أَنا مأمور بالمقام لأني
بَينَ قَومي من مطلقي الأفكار /
طلعت في جلالة ووقارِ
طلعت في جلالة ووقارِ / من وَراء التلاع شمس النهارِ
طلعت من حجابها كإله ال / حسن في موكب من الأنوار
وَتَجَلَّت مثل العروس بوجه / نوره باهر أولي الأبصار
فكست منكب الربى وَحوالي / ها رداءً مطرزاً بالنضار
وأدرَّت عَلى الرياض شعاعاً / لجَّ في لثم مبسم الأزهار
كُلَمّا مس ظاهر الأرض أعطى / رونقاً للتراب والأحجار
ما تدانى إلا أَذاع نشاطاً / لحياة الحيوان والأشجار
وَلَه في جَداول الروض رقص / فوق سطح الماء الزلال الجاري
وأَضاءَ الهواء فهو كبحرٍ / ماج في لج نوره الموّار
إن للشمس منظراً لَيسَ يُلفَى / مثله في النجوم والأقمار
منظراً راق حسنه غير أني / كل يوم أَراه بالتكرار
أترى أَفزع الغزالة ذيبُ
أترى أَفزع الغزالة ذيبُ / فَهي تَسعى شَريدة وَتغيبُ
وقد اصفر وجهها كفتاة / قلبها من وشك الفراق كَئيب
أَم أَتَت نصف دورةٍ هَذه الأر / ض دَنا فيه من ذكاء غروب
وَعَلاها السحاب فاحمرَّ منها / إذ توارَت ذوائِبٌ وَجيوب
صاح ما هذه الدماء أراها / بعيوني أَفي السماء حروب
أَم ترى في يد الطَبيعة لوحاً / نظر الروح نحوه مجلوب
تقف العين عنده وَهي حيرى / يستبيها جماله المحبوب
حار في وصفه الأديب فَلا يَع / لم ماذا عَسى يَقول الأديب
وانظر البر إن مشهده بع / دَ غروبٍ لها شجيٌّ مهيب
بقر الحي من مراتعها تر / جع في مشية خطاها قَريب
وَقَطيع الأغنام من وجهة الشر / قِ إلى جانب الخيام يؤوب
وَصغار الحملان مَربوطة تص / بو إِلى أمّهاتها وَتَلوب
تسمع الأمهات وَهي إليها / مسرعات بغامها فَتُجيب
مشهد للغروب في البر شاج / فَتَكاد القلوب منه تَذوب
مشهد يعجز المصوِّرُ وَالشا / عرُ عَن رسمه وَيعيا الخَطيب
تَقلبُ بانتظام في الهَواءِ
تَقلبُ بانتظام في الهَواءِ / حمائمُ هن بهجةُ كل رائي
ملونة وَلَيسَ هناك صبغ / بألوان حوت كل البهاء
حَمائم كلها رمن اِقتراباً / من الأرض ارتفعن إِلى السماء
وَعدن صواعداً متقلبات / وَلَيسَ صعودهن بلا عناء
هجرن وُكُونَهن بها اضطراراً / فطرن من الصباح إلى السماء
إذا رمن الوقوع عَلى بيوت / ربين بها اِنقلبن إلى الوَراء
بِتَصفيق يلذُّ لسامعيه / وَتَصعيد ورقص في الهَواء
لَقَد طابَ لبنان وَطابَ هواؤه
لَقَد طابَ لبنان وَطابَ هواؤه / وَطاب به أهل وَطابَ ربوعُ
إذا كان في بَيروت صيف هجيره / يعاف فإن الفصل فيه رَبيع
عيون وجنات قد التف دوحها / وَعانق منهن الفروع فروع
وَطير عَلى الأغصان تَشدو بلحنها / وَزهر عَلى حسن الرواء يضوع
وَتحسب أَن النرجس الغض أَعين / من الطل في أَجفانهن دموع
كأَنَّ نسيم الصبح إذ هبَّ وامق / له بأفانين الأراك ولوع
وبين غَدير الماء وَالروض هضبة / يلاحظ منها الأفق وَهوَ وَسيع
وَفي الجانب الغَربي من سرواتها / أَشم يكل الطرف منه رَفيع
وَفيه غياض إن ولجت بها وَلَم / يدلك دارٍ بالطَريق تضيع
وَللناس في لبنان عزم وَفِطنة / وَمشيٌ لإدراك الرقيِّ سَريع
بنوا لِلمَعالي كل صرح ممرد / وإن بناء المقدمين منيع
وَكَم في قرى لبنان من فتية زهوا / وَمن فَتَيات حسنهن بَديع
يسرن زرافات إلى مسرح الهَوى / كَما سارَ للمَرعى الخَصيب قَطيع
وَيَرمين بالألحاظ من يبتدرنه / وإن الَّذي يَرمينه لصريع
لَقَد صدحت تَشكو بليل حمامةٌ / عَلى فنن من ذي الأراك سجوع
تَنوح عَلى إلف تَرامَت به النَوى / وَفي القَلب من ذاك النواح صدوع
تَنوح عَلى ما ضيعت من سعادة / وَقَد مرَّ من ليل الشَقاء هَزيع
فَقلت لها كفي حمامة واهدئي / وإن كانَ أَدنى ما عراك يَروع
دعَتنيَ من لبنان لُبنى لخفرها / وإني للبنى ما حييت مطيع
فقلت لها لبيك لبيك إنَّني / لأمر له تدعينني لسميع
وَلكن دون الخفر لَو أَستَطيعه / جموعاً ومن خلف الجموع جموع
لَئِن أَخذت شمس السَعادة تَختَفي / فَللشمس من بعد الغروب طلوع
وَللأرض من بعد الخَراب عمارة / وَللراحلين المبعدين رجوع
ذكرت زَماناً فيه لبنان جنة / وَشمل بَني لبنان فيه جَميع
الشَمس قد غربت فَقامَ مَقامها
الشَمس قد غربت فَقامَ مَقامها / شفقٌ بحاشية السماء رَقيقُ
لي حين يبدي اللَيل زهر نجومه / نظر إِلى الشعرى العبور سَحيق
وكأن هَذا اللَيل سجف أَسوَد / وَكأَنَّما فيه النجوم خروق
يا أَرض ماءك ابلَعي
يا أَرض ماءك ابلَعي / وَيا سماء أَقلعي
وَيا قوارع اهدَئي / وَيا زوابع اهجَعي
وَيا بروق امسكي / وَيا غيوم أقشَعي
قد بلغ السيل الزُبى / ولم يدع من موضع
بمثل هَذا السيل في / أعمارنا لم نسمع
كَم غمرت مياهه / من مربع فمربع
يهطل ماء من سحا / ب بالبخار مشبع
كأَنَّه بحر هوى / من المحل الأرفع
حيث الظَلام دامس / يفزع قلب الأروع
لَقَد مددت أَصبعي / فَلَم أُشاهد أصبعي
يا لَك مِن لَيل بَهي / مٍ للرجال مفزع
حتى إذا البرق بدا / عرفت منه موقعي
إذ سقطت صاعقة / في بَيت جاري الأشفع
فَكادَ من دويِّها / ينشق طبل مَسمعي
وظلّ لبى ذاهِلاً / كأنه لَيسَ مَعي
أَرى سيوفاً أَرهفت / من البروق اللُّمَّع
ابيضَّ منها اللَيل من / بعد سوادٍ أَسفع
كأنها أَنياب غو / ل للورى مبتلع
وظل يَرغو الرعد بع / د البرق فوق الأربُع
كَأَنَّما يَثور في ال / سماء ألف مدفع
أَرَدت أَن أكلم ال / بعض فَلَم أستطع
زوبعة شَديدة / تأَتي وَراء زوبع
تخال أن البيت طا / ئر بريح زعزع
وأنه منقلع / وَلَيسَ بالمنقلع
تلم في هبوبها / من الجهات الأَربَع
من هولها لَم يَبقَ في ال / حَياة لي من مطمع
يَكاد يخطف العيو / ن البرق بالتَلمُّع
الأرض من سخط السما / ءِ بالغت في الجزع
يا لنفوس غاب عن / ها الرشد فَهي لا تَعي
يا لقلوب خفقت / بالخوف بين الأضلع
وَللنساء معولا / تٍ من عَظيم الهلع
أَنت مِمّا تُبدينه من صفاءِ
أَنت مِمّا تُبدينه من صفاءِ / يا سَماء العِراق خير سَماءِ
انظريني فقد أحبك قَلبي / وأَحبتك مثله حوبائي
انظريني إذا العنادل غنت / سحراً فوق منكب الشجراء
انظريني ليلاً إذا الشمس غابَت / بعيون النجوم في الظلماء
انظريني إذا الخَليقة أَخفت / ما لَها فوقَ الأرض من ضوضاء
انظريني إذا الطَبيعة أَصغَت / في الدياجي الى خَرير الماء
انظريني إِذا الحوادث رامَت / هدأة في الصباح أَو في المَساء
انظريني إذا الخَريف تَراءى / آسيا من أَشجاره الجَرداء
انظريني إذا غَدا الروض خلواً / من زهور أَو زهره من رواء
انظريني من الفروج خلال ال / سحب سراً بعينك الزَرقاء
انظريني اذا نظرت بِعَيني / وَهيَ شكرى إليك عند البكاء
هي في اللانهاية السَوداءِ / تَتَراءى كسنةٍ بيضاءِ
سدم هَذه المجرَّة تنأى / وَشموس جلَّت عَن الإحصاء
شبه واد تَرى عَلى ضفتيه / كركام كَرائم الحصباء
هيَ سيل من الهيولى طفت في / ه نجوم كَثيرة كالغثاء
زبد في نهر جرى من أثير / وَفَقاقيع منه في دأماء
تَتَجافى مدفوعة وَلكل / فلكٌ في أَعماق هَذا الفضاء
لم تحد في اندفاعها قيد شبر / عَن سَبيل لها هناك سواء
ما رأت في البَصير عَيني اهتداء / كاِهتداء الطَبيعة العَمياء
انها قد تحركت في طريقي / نِ هما قد تقابلا في السماء
ما اِختلاف هناك في السير إلا / لاختلاف في وجهة الأنواء
أَكر قد تدحرجَت منذ كانَت / واِستمرَت من غير ما إبطاء
وَلكلٍّ توابعٌ أَنا استب / عدُ حرمانها من الأحياء
قال لي العَقل ما تحرك هَذا ال / كَون إلا بدافع الكَهرباء
هيَ نفسُ النجوم لَيسَت سواها / وَهيَ ما في النجوم من أَضواء
الهيولي هي الأثير تردّى / صوراً ثم شق جيب الرداء
منك يا أَيُّها الأثير بدا الكَو / ن وَفيه الوجود للأشياء
أَنتَ سر المَكانَ وَالكَون وَالده / رِ وسر الحَياة في الغبراء
أَنتَ شيءٌ وَغير شيءٍ وَكافي / كلَّ شيءٍ يا حيرة الحكماء
كَم نجوم يخفين بعد ظهور / وَنجوم يظهرن بعد خفاء
يوصل النور بعضهنَّ بألف / من سنينا إلى عيون الرائي
دفعتها يد الطَبيعة بالقو / وة منها قنابلاً في السماء
من نجوم حمر وَصفر وزرق / وَنجوم خلافها بيضاء
إن منها ما كانَ فَرداً وَمنها / ذا بناءٍ مثنىً وفوق الثُنائي
لست أَدري وَلَيتَني كنتُ أَدري / في خلاء تطوافها أم ملاء
عندهن القوى العَديدة لكن / لم يجئنا منهنَّ غير الضياء
عَجَبي مِن نسرينِ قد وقع الوا / حدُ والثاني طائرٌ في الفضاء
وَسماكينِ رامحٍ يطعن اللَي / لَ دراكاً وأعزل في اللقاء
لهف نَفسي عَلى بناتٍ حسانٍ / أيّ نعشٍ حملنَهُ في العراء
ويل أَهل السماء من عقرب جا / ءت إليهم تدبّ في الظلماء
وَلَقَد باتَ أَرنَب الجو يَرنو / من بعيد للحيَّة الرقطاء
قَد تَمَنَّى العيوق أَن يسلم الجد / يُ من الذئب ناصتاً للعواء
رجف التوأمان لما تَراءى / أسدٌ ذو براثن عقفاء
عاف للذعر حين أَبصر فهداً / فرس الجو سنبل الخضراء
وَلَقَد باتَ راجفاً حمل الزه / رِ أَمام التنين خوف البلاء
هَل بعين الشعرى الغميضاء لَيلاً / أَخبروني قذى من الأقذاء
ما أَظن الميزان يوزن فيه / بعض ما في الحلوى من الأشياء
أَيُريد الراعي الصديّ ليروى / فَلَقَد أَلقى دلوه في الدلاء
قَد تَرى في السماء بالعين لَيلاً / سرطاناً كمثله في الماء
أَيُّها الحوت قل إلى أَي وقت / هَكَذا أَنتَ سابح في الفضاء
يخطف الثعلب الدجاجَة لَولا ال / كلب قد باتَ حارساً بالدَهاء
هَل تَرى ممسك الأعنة يَدنو / من مجال الشجاع في الهيجاء
قَد رأَيت السماك يطعن بالرم / حِ جيوش الظلماء في الأحشاء
وَرأَيتَ الجبار يحرق أَسنا / ناً على الطالِعات بعد المساء
وَأَرى السعد ذابحاً ذا أَثامٍ / وَأَرى الغول منه غير براء
هَل أَصاب الرامي وَقَد سدد السه / مَ من القوس منكب الجوزاء
قَد أَرى في النجوم دبينِ مازا / لا يدوران بينها في الفضاء
مِن كَبير ومن صَغير وكل / منهما حول القطب ذو تعداء
وَقرود النجوم أَربعة قد / درن منها في غابة غبياء
ما أبص الإكليل يطلع لَيلاً / وَالثريّا مَرفوعة في السماء
خفق القَلب للعناق بليل / وأطال الجاثي زَمان الثواء
تحسب الفرقدين صنوين داما / لإخاء وَما هما لإخاء
وَدت المرأة المسلسلة الإب / حار فوق السَفينة القوراء
وَسهيلٌ وَلَيسَ مثل سهيلٍ / متعب من تنفس الصعداء
في السماء الشبان جم غَفير / ثم ما إن بها سوى عذراء
إن ذاكَ الكرسي بين الدراري / يِ لرب للعزة القعساء
وَلَقَد أَكبر السها في عيوني / ما لنجم السها من العلياء
أَنا أَهوى الشعرى العبور لما قد / جمعت من سنىً لها وَسناء
وإذا عُدَّتِ الكواكبُ شعراً / فهي بيتُ القَصيدة العصماء
إِنَّ هَذا الوجود سر تفشَّى / في سماء وَسيعة الأرجاء
وكأن النجوم فيها قلوب / خفقت في جوانح الظلماء
وإذا الشمس وَالكواكِب جمعا / ء زوت نورها فيا للعماء
وَلعل الحَكيم يقرأ فيها / من مراد الحَقيقة الخرساء
كلمات وَقَد تَكون رموزاً / كتبت في صحيفة زرقاء
أعين الجاهلين مَهما تَساوَت / لا تَراها كأعين العلماء
قَد حَلَلنا طيف النجوم عَلى بع / دٍ بعيد بآلة صماء
فَعَرَفنا مقومات الثريا / وَعلمنا عناصر الجوزاء
إنما النور حين يقدم منها / حامل جملة من الأنباء
وَحدة في الوجود بالرغم عما / وَضَعوه من كثرة الأسماء
لَيسَ للعالم الَّذي نحن نحيا / ضمنه من بداية وانتهاء
ظنه الناس للفناء وإني / مَع نقصي حسبته للبقاء
لَيسَ يفنى فيما علمت من الأش / ياءِ إلا ظواهر الأشياء
ربما تظهر الحَقيقة بيضا / ء لَنا من تصادم الآراء
أَيُّها الجهر بالحَقائِق مني / أنت دائي وَقَد تَكون دوائي
لَست أَدري وقد وقفت مَكاني / أَأَمامي سعادتي أَم وَرائي
هَذه الأرض ذرة قَد توارَت / عَن عيون النجوم في تيهاء
هي إحدى توابع الشمس تَجري / حولها كالفراشة العَشواء
فأَتاها فصولها كالربيعي / نِ عليها وَصيفها وَالشتاء
وَلَها حول نفسها دوران / هُوَ داعي صباحها وَالمساء
دورتان الأولى عَلى النفس والأخ / رى عَلى الشَمس في زَمانٍ سواء
إِنَّ أَرضاً تَمشي عليها وَئيداً / كرة قَد تَدَحرَجَت في السماء
أيُّها العَقل أي بدع تَراه / إن جرت في الفضاء بنت الفضاء
جوفها في نار تئزُّ من الحم / مى أَزيزاً وَسَطحها في ماء
وَعلى الأرض دار في كل شهر / قمر ذو وَجاهَة وَبَهاء
كل ضوء يريكه في صفاح / فمن الشمس مصدر الأضواء
نصفه يستنير منه وَنصف / منه باق في لَيلَةٍ لَيلاء
دل أن لَيسَ كائناً فيه ماءٌ / ما تَرى في سَمائه من صفاء
لا كُسوفٌ وَلا خسوفٌ إذا لَم / يقع النيران في الأفياء
إِنَّما هَذه التوابع يجري / نَ درا كاً في الجو حول ذكاء
أَخبروا أنهن مرتبطات / بِذَكاء من جذبها برشاء
ثم لَم يجزموا أَهن بَنات ال / شمس أَم جئنها من الأنحاء
رشقتها النجوم من كل صوب / بسهام للدفع ذات مضاء
رشقتها من الجوانب لما / وَجدتها تجري بغير وقاء
غير أَنَّ النضال بالنبل مِمّا / لَيسَ يؤذي كالطعنة النجلاء
إنما هذه القوى عند ظَني / نجمت من مَعامل الكيمياء
ما أَرى في جواهر الجسم إلا / قوة قد تكاثَفَت في البناء
وَهيَ تنحل في العَناصر بالبط / ءِ إلى قوة بلا اِستثناء
قوة في الكون اِستقرت وأخرى / ما اِستقَرَّت كالجِسم وَالكَهرباء
ثُمَّ إن الشموس منحلة في / سدم بعد فقدها للماء
لَيسَ يَبني السديم شمساً كَما شا / ع لدى زمرة من العلماء
إن أَدنى توابع الشمس فيما / علموه عطارد في السماء
دار أَطرافها كَما يَلعَب الخش / فُ إلى جنب ظبية أَدماء
بعده الزهرة الجَميلة تأَتي / كَوكباً للصباح أَو للمساء
تسحر العين كلما قابلتنا / في اللَيالي بوجهها الوضاء
لَم يَكُن عند وَصفها حين تَبدو / لا مَديحي شَيئاً وَلا إطرائي
ثم هذي الأرض الَّتي نحن نحيا / فَوقها خاضعين للأهواء
ثُمَّ يأَتي المريخ فهو لنا يب / دو مضيئاً كنقطة حَمراء
بعده تأَخذ النُجيمات يجري / ن درا كاً في الجو كالأقرباء
بَعدَها المشتري وَهَل هُوَ إلا / ملك الزاهرات ذو الخَيلاء
ثم يأَتي وَراءه زحلٌ في / حلقاتٍ عليه ذات ضياء
ثم فاِعلَم يدور في الجو أورا / نوس مخفياً عَن عيون الرائي
ثم نبتون وَهُوَ آخر مادا / ر عَلى الشمس من بنات الفضاء
تِلك سَياراتٌ يحمن عَلى النا / ر تباعاً كالهيم حول الماء
تلك أَجرامٌ لَيسَ يبعثن نوراً / غير ما يقتبسنه من ذكاء
إن كلاً منهنَّ يَجري من الغَر / ب إِلى الشرق حولها في زَهاء
وَهوَ عند الدنو منها سَريع / وَهوَ عند الإبعاد ذو إبطاء
وَلكل سوى القريبين أَقما / ر عليه تدور في الأنحاء
رب سيّاحة أَتَت مِن بَعيد / تطلب الشمس صبة باللقاء
ذات ذيل تجره كَسَديم / خلفها أَو ذؤابةٍ شهباء
غادة من غيد السماء إلى من / قد أَحبت تَمشي عَلى اِستحياء
وَأَرى إِذ مَشَت عليها اضطراباً / أَهي سكرى بخمرة صهباء
فإذا ما طافَت به مرة عا / دت سَريعاً أَدراجها للوراء
ما هُوَ القصد وَالمزار بَعيد / يا تُرى من زيارة الحسناء
إن للشمس موكباً فيه تَمشي / نَحو نجمٍ ضمن الثريا نائي
وَأَرى في اصطدامها بسواها / وَهُوَ الزعم أَكبر الأرزاء
إن أَصابَت إحدى التوابع ضرَّا / ءُ أَحس الجَميع بالضراء
ما تأَذَّى عضو من الجسم إلّا / تتأذى بقية الأعضاء
إن دفع الأثير شد عراها / بذكاء فظن جذب ذكاء
إنه وَالوجود عبءٌ ثَقيل / قائم في الفضاء بالأعباء
ذاكَ أَنَّ الأثير يَجري إِلى الشم / س كأمثالها من الأنحاء
وَلإيضاحه أَقولُ وَقولي / لَيسَ إلا رأَياً من الآراء
حَرَكات الأَلِكْتُروناتِ ضمن ال / جسم تَنفي الأثير في الأثناء
فَيَسيل الأثير رداً لما اختل / لَ به من توازن في البناء
فَهوَ يَزجو بجريه ما يلاقي / هِ إليها من أكرة أَو هباء
وأراها من الأثير الَّذي يَج / ري إليها من حولها في نماء
فَهيَ تَنمو حَتى تَكون شموساً / ذات شعّيْ حرارةٍ وَضياء
وَلَقَد كانَت الشموس قَديماً / تابعات لغيرها في السماء
ثُمَّ لما نمت كَثيراً تَناءَت / بعدُ عنها وأغربت في التنائي
وَلَقَد جئت بالحقائق أَشدو / وَتَركت الخَيال للشعراء
إن بين المَريخ وَالمُشتَري مِن / ها نجيماتٌ هنَّ غير بطاء
لَيسَ في الظن أَن تَكون حَياة / فوق تلك الركائب الأنضاء
وَلَقَد جاءَت الحَياة إلى الغب / راء مَدفوعة من الزهراء
إنَّها مركز النظام الَّذي عُد / دَتُ له أَرضنا من الأجزاء
أدفأتنا وَقَد يَعود إليها / ما لنا من سعادة وَشَقاء
قدحت في السماء بالزند فابيض / ضت من النار فحمة الظلماء
كَم لَها في أَشعة أَرسلتهن / نَ إلى الأرض من يد بيضاء
حسنت في عَيني وَقَلبي لما / بزغت في غلالة صفراء
وَضعت إكليلاً بهياً من النو / رِ عَلى رأَسها يد الكبرياء
أطلعتها يَد الطَبيعَة لما / جَحَدوها كحجة غَراء
كَم عَلَيها يبين من كلف كال / خال قد زانَ وجنة الحسناء
رب ليل للشهب فيه عَلى الأر / ضِ مثال من غارة شعواء
اسبحي في السماء أَيَتُّها الأر / ضُ وَلا تزعجي سماك السماء
ما سَعيد إلا الَّذي عاشَ عمراً / مَع جيرانه حَليف الولاء
وَعَلى خط محور لك دوري / مَع أَطواد سطحك الشماء
يا سَماء العِراق إني مَريض / يا سَماء العراق أَنت شفائي
اِفتَحي في ستار سحبك شقّاً / وانظريني بعينك الزَرقاء
إنما أَخشى أَن أَموت فَتَبقى / حاجةٌ لي لَم تقض في الحوباء
يا نجمة الصبح من حا
يا نجمة الصبح من حا / لقٍ عَلَينا أطلِّي
وَيا نَسيمُ تحرك / من أَجل لَيلى وأجلي
وَيا هزار أَعد لي / ما كنت بالأمس تُملي
لا أَهجر الروض ما كا / ن بالرّوائِح يدلي
حمدت فيه مَقامي / ما بين ماء وَظلِّ
إليَّ يا نرجس انظر / بأعين منك نُجل
يا ياسمين تفتح / يا أقحوان اِبتسم لي
وَيا عنادل غني / وَيا غصون أظلِّي
ما أَحسَن الزهرَ يَزهو / في روضة غب طلِّ
لَيسَ الأزاهر إلا / مظاهراً للتجلي
وَكَيفَ أَنسى بقاعاً / فيها مَنازِل أَهلي
ماذا يذيق بنيه / دهر يُمرُّ وَيُحلي
لَيتَ الحكومة كانَت / تَبقى لأهل المحل