المجموع : 154
يكلفني مولايَ رجعَ جوابه
يكلفني مولايَ رجعَ جوابه / وما لتعاطي المعجزات وماليا
أجيبك للفضل الذي أنت أهلُه / وأكتب مما قد أفدت الأماليا
فأنت الذي طوَّقْتَني كل منة / وأحسبت آمالي وأكسبت ماليا
وأنت الذي أعدى الزمانَ كمالُهُ / وصيَّرت أحرارَ الزمان مَواليا
فلا زلت للفعل الجميل مواصلاً / ولا زلتَ للشكر الجزيل مُواليا
معاذ الهوى أن أصحبَ القلب ساليا
معاذ الهوى أن أصحبَ القلب ساليا / وأن يشغل اللوام بالعذل باليا
دعانيَ أُعطِ الحبَّ فضلَ مقادتي / ويقضي عليَّ الوجد ما كان قاضيا
ودون الذي رام العواذلُ صبوةٌ / رمتْ بيَ في شِعبِ الغرام المراميا
وقلب إذا ما البرق أومض مَوْهنا / قدحتُ به زنداً من الشوق واريا
خليليَّ إنّي يومَ طارقة النوى / شقيت بمن لو شاء أنعم باليا
وبالخيف يومَ النفر يا أم مالك / تخلّفتِ قلبي في حبالك عانيا
وذي أشَر عذب الثنايا مخصّر / يُسقِّي به ماء النعيم الأقاحيا
أحوم عليه ما دجا الليل ساهراً / وأصبح دون الورد ظمآن صاديا
يضيء ظلامَ الليل ما بين أضلعي / إذا البارق النجديُّ وهُناً بدا ليا
أجيرتنا بالرمل والرمل منزلٌ / مضى العيش فيه بالشبيبة حاليا
ولم أر ربعاً منه أقضى لبانةٌ / وأشجى حماماتٍ وأحلى مجانيا
سقتُ طلَّة الغرُّ الغوادي ونظّمت / من القطر في جيد الغُصُون لآليا
أبثُّكُمُ إني على النأي حافظٌ / ذمامَ الهوى لو تحفظون ذماميا
أناشدكم والحرُّ أَوْفَى بعهده / ولن يعدم الإحسانُ والخيرُ جاريا
هل الودُّ إلا ما تحاماه كاشحٌ / وأخفق في مسعاه من جاء واشيا
تأوّبني والليل يُذكي عيونه / ويسحب من ذيل الدُّجُنَّةِ ضافيا
وقد مَثَلَتْ زهرُ النجوم بأفقه / حباباً على نهر المجرة طافيا
خيالٌ على بعد المزار أَلَمَّ بي / فأذكرني من لم أكن عنه ساليا
عجبت له كيف اهتدى نحو مضجعي / ولم يُبْقِ مني السّقم والشّوق باقيا
رفعت له نار الصبابة فاهتدى / وخاض لها عرضَ الدُّجُنَّةِ ساريا
ومما أجدَّ الوجد سربٌ على النّقا / سوانح يصقلن الطّلَى والتراقيا
نزعن عن الألحاظ كلَّ مسدَّدٍ / فعادرنَ أفلاذَ القلوب دواميا
ولما تراءى السرب قلت لصاحبي / وأيقنت أن الحبّ ما عشتُ دانيا
حذارَك من سقم الجفون فإنه / سيُعدي بما يعيي الطبيب المداويا
وإن أمير المسلمين محمداً / ليُعدي نداه الساريات الهواميا
تضيء النجومَ الزاهراتِ خِلالُهُ / وينفث في رُوع الزّمان المعاليا
معالٍ إذا ما النجم صوَّبَ طالباً / مبالغها في العزّ حَلّق وانِيا
يسابقُ عُلْوِيَّ الرياح إلى الندى / ويفضح جدوى راحَتَيْهِ الغواديا
ويغضي عن العوراء إغضاء قادرٍ / ويرجحُ في الحِلم الجبالَ الرواسيا
همام يروع الأسد في حومة الوغى / كما راعت الأسدُ الظباءَ الجوازيا
مناقبُ تسمو للفخار كأنما / تجاريّ إلى المجد النجوم الجواريا
إذا استبق الأملاك يوماً لغايةٍ / أبيتَ وذاك المجدَ إلاَّ التناهيا
بهرت فأخفيت الملوك وذكرها / ولا عجبٌ فالشمس تخفي الدراريا
جلوتَ ظلامَ الظلم من كل مُعتدٍ / ولا غرو أن تجلو البدور الدَّياجيا
هديتَ سبيلَ الله من ضَلَّ رشده / فلا زلتَ مهدياً إليه وهاديا
أفدت وَجِيَّ الملك مما أفدته / وطوّقتَ أشرافَ الملوك الأياديا
وقد عرفت منها مرينٌ سوابقاً / تقر لها بالفضل أخرى اللياليا
وكان أبو زيّان جيداً مُعطَّلاً / فزينته حتى اغتدى بك حاليا
لك الخير لم تقصد بما قد أفدتَه / جزاءً ولكن همةٌ هي ماهيا
فما تُكبرُ الأملاكُ غيرَك آمراً / ولا ترهبُ الأشرافُ غيرك ناهيا
ولا تشتكي الأيام من داء فتنة / فقد عَرفَتْ منك الطبيب المداويا
وأندلساً أوليتَ ما أنت أهلُهُ / وأوردتها وِرداً من الأمن صافيا
تلافيت هذا الثغر وهو على شفاً / وأصبحت من داء الحوادث شافيا
ومن بعد ما ساءت ظنونٌ بأهلها / وحاموا على وِرد الأماني صواديا
فما يأملون العيش إلاّ تعلُّلاً / ولا يعرفون الأمن إلاّ أمانيا
عطفت على الأيام عطفة راحمٍ / وألبستها ثوب امتنانك ضافيا
فآنس من تلقائك الملكُ رشدَه / ونال بك الإسلام ما كان راجيا
وقفت على الإسلامِ نفساً كريمةً / تصدُّ عدوّاً عَنْ حماه وعاديا
فرأيٌ كما انشقَّ الصباح وعزمةٌ / كما صقل القينُ الحسامَ اليمانيا
وكانت رماح الخَطِّ خُمصاً ذوابلاً / فأنهلتَ منها في الدماء صواديا
وأوردتَ صفحَ السيف أبيضَ ناصعاً / فأصدرتَه في الرَّوْع أحمرَ قانيا
لك العزم تستجلي الخطوب بهديه / ويُلْفَى إذا تنبو الصوارم ماضيا
إذا أنت لم تفخرْ بما أنت أهلُهُ / فما الصبح وضاح المشارق عاليا
ويهنيك دون العيد عيدٌ شرعتَهُ / نبتُّ به في الخافقين التهانيا
أقمتَ به من فطرة الدين سُنّةً / وجدَّدْتَ من رسم الهداية عافيا
صنيعٌ تولّى الله تشييد فخره / وكان لما أوليت فيه مجازيا
تودُّ النجومُ الزُهرُ لو مَثَلَتْ به / وقضّت من الزُّلفى إليك الأمانيا
وما زال وجه اليوم بالشمس مشرقاً / سروراً به والليلُ بالشهب حاليا
على مثله فلْيعقدِ الفخْرُ تاجه / ويسمو به فوق النجوم مراقبا
به تغمرُ الأنواءُ كلَّ مُفَوَّهٍ / ويحدو به من كان بالقفر ساريا
ويوسُفُ فيه بالجمال مُقَنَّعٌ / كأنَّ له من كلِّ قلب مناجيا
وأقبل ما شاب الحياءَ مهابةً / يُقلِّب وجه البدر أزهر باهيا
وأقدمَ لا هيّابة الحفل واجماً / ولا قاصراً فيه الخطى متوانيا
شمائلُ فيه من أبيه وجَدّه / ترى العزَّ فيها مستكناً وباديا
فيا عَلَقاً أشجى القلوب لَوَ أنَّنا / فديناك بالأعلاق ما كنت غالبا
جريْتَ فأَجرْيتَ الدموع تعطفاً / وأطلعتَ فيها للسرور نواشيا
وكم من وليٍّ دون بابك مخلصٍ / يُفدِّيه بالنفس النفيسة واقيا
وصيد من الحيَّيْن أبناء قيلةٍ / تكفُّ العوادي أو تبيد الأعاديا
بهاليلُ غرٌّ إن أعدّوا لغارةٍ / أعادوا صباح الحيِّ أظلم داجيا
فوالله لولا أن توخَّيتَ سُلَّةً / رضيت بها أن كان ربُّك راضيا
لكان بها للأعوجيَّاتِ جولةٌ / تُشيبُ من الغُلبِ الشبابِ النّواصيا
وتترك أوصالَ الوشيج مقصَّداً / وبيضَ الظُبي حمرَ المتون دواميا
ولما قضى من سنة اله ما قضى / وقد حسدت منه النجوم المساعيا
أفضنا نُهنِّي منك أكرم منعم / أبى لعميم الجود إلاّ تواليا
فيهني صفاح الهندِ والبأسَ والندى / وسمرَ العوالي والعتاق المذاكيا
ويهني البنودَ الخافقاتِ فإنها / سيعقدها في ذمة النصر غازيا
كأني به يُشقي الصوارم والظُّبى / ويحطمُ في اللأم الصلابِ العواليا
كأني به قد توّج الملك يافعاً / وجَمّع أشتات المكارم ناشيا
وقضَّى حقوق الفخر في ميعة الصِّبا / وأحسن من ديْن الكالِ التقاضيا
وما هو إلاّ السعدُ إنْ رُمْتَ مطلعاً / وسدَّدْت سهماً كان ربُّك راميا
فلا زلت يا فخر الخلافة كافلاً / ولا زلت يا خير الأئمة كافيا
ودمتَ قريرَ العين منه بغبطةٍ / وكان له ربُّ البريّةَ واقيا
نظمتُ له حرَّ الكلام تمائماً / جعلتُ مكان الدُّرِّ فيها القوافيا
لآلٍ بها تبأى الملوك نفاسة / وجلَّت لعمري أن تكون لآليا
أرى المال يرميه الجديدان بالبى / وما إن أرى إلا المحامدَ باقيا
سَلِ الأفق بالزُّهر الكواكب حاليا
سَلِ الأفق بالزُّهر الكواكب حاليا / فإنِّيَ قد أودعْتُه شرحَ حاليا
وحَمَّلْتُ معتلَّ النسيم أمانةً / قطعتُ بها عمر الزمان أمانيا
فيَا مَنْ رأى الأَرواحَ وهي ضعيفةٌ / أُحَمِّلُها ما يستخفُّ الرواسيا
وساوسُ كم جدّتْ وجدَّ بيَ الهوى / فعُذَّبه القلبُ المقلَّبُ هازيا
ومن يُطعِ الألحاظ في شرعة الهوى / فلا بدَّ أن يعصي نصيحاً ولاحيا
عدلتُ بقلبي عن ولاية حكمه / غداة ارتضى من جائر اللحظ واليا
وما الحبُّ إلا نظرةٌ تبعث الهوى / وتُعقب ما يُعيي الطبيب المداويا
فيا عجباً للعين تمشي طليقةً / ويصبح من جرّائها القلبُ عانيَا
ألا في سبيل الله نفس نفيسةٌ / يُرخّصُ منها الحبُّ ما كان غاليا
ويا رُبَّ عهدٍ للشباب قضيتُهُ / وأحسنت من دَيْنَ الوصال التقاضيا
خلوتُ بمن أهواه من غير رِقبةٍ / ولكنْ عفافي لم أكن عنه خاليا
ويوم بمستنّ الظباء شهدتُهُ / أجدَّ وصالاً بالياً فيه باليا
ولم أَصحُ من خمر اللحاظ وقد غدا / به الجوُّ وضّاح الأسِرَّةِ صاحبا
وجرّد من غمد الغمامة صارماً / من البرق مصقول الصفيح يمانيا
تبسّم فاستبكى جفونيَ غمرةً / ملأتُ بدُرِّ الدمع فيها ردائيا
وأذكرني ثغراً ظمئتُ بِورْدِهِ / ولا والهوى العذريّ ما كنْتُ ناسيا
وراح خَفوق القلب مثلي كأنما / ببرق الحمى من لوعة الحبِّ ما بيا
وليلةَ بات البدرُ فيها مضاجعي / وباتتْ عيون الشهب نَحوي روانيا
كرعتُ بها بين العُذَيْب وبارقٍ / بمورد ثغر بات بالدارِّ حاليا
رشفتُ به شهدَ الرُّضاب سُلافةٌ / وقبّلْتُ في ماء النعيم الأقاحيا
فيا برد ذاك الثغر رَوَّيتَ غُلَّتي / ويا حَرَّ أنفاسي أَذَيْتَ فؤاديا
وروضة حسن للشباب نضيرةٍ / هصرتُ بغصن البانِ فيها المجانيا
وبتُّ أُسقّي وردة الخد أدمعي / فأصبح فيها نرجسُ اللحظ ذاويا
ومالت بقلبي مائِلاتُ قدودها / فما للقدود المائلاتِ وماليا
جزى الله ذاك العهدّ عَوْداً فطالما / أعاد على ربعي الظباء الجوازيا
وقلْ لليالٍ في الشباب نعمتُها / وقضَّيْتُها أُنساً سُقيتِ لياليا
ويا واديا رفّت عليَّ ظلالهُ / ونحن ندير الوصل قُدِّستِ لياليا
رمتني عيونُ السرب فيه وإنما / رَمَيْنَ بقلبي في الغرام المراميا
فلولا اعتصامي بالأمير محمّد / لما كنتُ من فتك اللواحظ ناجيا
فقل للذي يبني على الحسن شعرَهُ / عليه مَعَ الإحسان لا زلتَ بانيا
فكم من شكاةٍ في الهوى قد رفأتُها / ورفَّعتُها بالمدح إذ جاء تاليا
وكم ليلةٍ في مدحه قد سهرتُها / أُباهي بدُرِّ النظم فيه الدّراريا
ولاح عمود الصبح مثل انتسابه / رفعتُ عليه للمديح المبانيا
إمامٌ أفادَ المكرماتِ زمانَهُ / وشاد له فوق النجوم المعاليا
وجاوز قدْر البدر نوراً ورِفْعَةً / ولم يرضَ إلا بالكمال مُواليا
هو الشمس بَثَّتْ في البسيطة نفعَها / وأنوارها أهدت قريباً وقاصيا
هو البحر بالإحسان يزخُر موجُهُ / ولكنه عذبٌ لمن جاء عافيا
هو الغيث مهما يُمسكِ الغيث سُحبه / يُروِّ بسحب الجود من كان صاديا
شمائلُ لو أن الرياضَ بحسنها / لما صّار فيها زهرها الغضُّ ذاويا
فيا ابن الملوك الصيد من آل خزرجٍ / وذا نسبٌ كالصبح عَزَّ مُساميا
ألستَ الذي ترجو العفاةُ نوالَهُ / فتُخْجِلُ جدواه السحابَ الغواديا
ألستَ الذي تخشى البغاةُ صيالَه / فتوجِلُ علياهُ الصعابَ العَواديا
وهدْيُك مهما ضلّتِ الشّهبُ قصدها / تولَّتْهُ في جنح الدُّجُنَّةِ هاديا
وعزمك أمضى من حسامك في الوغى / وإن كان مصقول الغِرَارَيْنِ ماضيا
فكم قادحٍ في الدين يكفر ربَّه / قدحتَ له زند الحفيظة واريا
وما راعه إلاّ حسامٌ وعزمةٌ / يضيئان في ليل الخطوب الدَّواجيا
فلولاك يا شمسَ الخلافة لم يَبِنْ / سبيلُ جهاد كان من قبلُ خافيا
ولولاك لم تُرفع سماءُ عجاجَةٍ / تلوحُ بها بيضُ النصول دراريا
ولولاك لم تنهلْ غصونٌ من القنا / وكانت إلى وردِ الدماءِ صواديا
فأثمر فيها النصلُ نصراً مؤزّراً / وأجنى قطاف الفتح غضَّاً ودانيا
ومهما غدا سفّاح سيفك عاريا / يغادر وجهَ الأرض بالدم كاسيا
قضى الله من فوق السَّموات أنه / على من أبى الإسلام في الأرض قاضيا
فكم معقلٍ للكفر صبَّحتَ أهلَه / بجيشٍ أعادَ الصبح أظلم داجيا
رقيتَ إليه والسيوف مُشِيحةٌ / وقد بلغت فيه النفوس التراقيا
ففتحتَ مرقاه الممنّعَ عَنْوَةً / وبات به التوحيد يعلو مناديا
وناقوسه بالقسْرِ أمسى معطّلاً / ومنْبرُه بالذكر أصبح حاليا
عجائب لم تخطر ببالِ وإنما / ظفرنا بها عن همة هي ما هيا
فمنك استفاد الدهرُ كلَّ عجيبةٍ / يباهي بها الأملاك أخرى لياليا
وعنك يُروّي الناسُ كلَّ غريبة / تخطُّ على صفح الزمان الأماليا
ولله مبناك الجميل فإنهُ / يفوق على حكم السعود المبانيا
فكمْ فيه للأبصار من مُتَنَزَّهٍ / تجدُّ به نفس الحليم الأمانيا
وتهوى النجوم الزهرُ لو ثبتت به / ولم تكُ في أفق السماء جواريا
ولو مثلَتْ في سابقيه لسابقت / إلى خدمةٍ ترضيك منها الجواريا
به البهوُ قد حاز البهاءَ وقد غدا / به القصرُ آفاقَ السماء مُباهيا
وكم حلَّةٍ جلَّلْتَه بحُليِّها / من الوشي تُنْسي السابرِيَّ اليمانيا
وكم من قِسيّ في ذراه ترفَّعت / على عُمُدٍ بالنور باتت حواليا
فتحسبها الأفلاك دارت قِسيُّها / تظل عمود الصبح إذ بات باديا
سواريَ قد جاءت بكلّ غريبة / فطارت بها الأمثال تجري سواريا
به المرمرُ المجلوُّ قد شفَّ نورُهُ / فيجلو من الظلماء ما كانَ داجيا
وكم حلَّةٍ جلَّلْتَه بحُليِّها / من الوشي تُنْسي السابرِيَّ اليمانيا
وكم من قِسيّ في ذراه ترفَّعت / على عُمُدٍ بالنور باتت حواليا
فتحسبها الأفلاك دارت قِسيُّها / تظل عمود الصبح إذ بات باديا
سواريَ قد جاءت بكلّ غريبة / فطارت بها الأمثال تجري سواريا
به المرمرُ المجلوُّ قد شفّ نورُهُ / فيجلو من الظلماء ما كانَ داجيا
إذا ما ضاءت بالشّعاع تخالها / على عِظَمِ الأجرام منها لآليا
به البحر دفّاع العباب تخاله / إذا ما انبرى وفد النسيم مُباريا
إذا ما جَلَتْ أيدي الصَّبا متن صفحه / أرتنا دُروعاً أكسبتنا الأياديا
وراقصةٍ في البحر طوع عِنانها / تراجع ألحانَ القيان الأغانيا
إذا ما علتْ في الجو ثم تحدَّرتْ / تُحلّي بمرفضِّ الجُمان النواحيا
بذوب لجين سال بين جواهرٍ / غدا مثلها في الحسن أبيض صافيا
تشابَهَ جارٍ للعيون بجامدٍ / فلمْ أَدْرِ أَيّاً منها كان جاريا
فإِنْ شئت تشبيهاً له عن حقيقةٍ / تصيب بها المرمى وبوركتَ راميا
فقلْ أرقصت منها البحيرة متنها / كما يُرقصُ المولودَ من كان لاهيا
أَرتنا طباعَ الجود وهي وليدة / ولم ترضَ في الإحسان أَلاَّ تُغاليا
سقَتْ ثغر زهر الرّوض عذب بُرودها / وقامت لكي تهدي إلى الدهر ساقيا
كأنْ قد رأت نهر المجرّة ناضباً / فرامت بأن تُجري إليه السَّواقيا
وقامت بنات الدوح فيه موائلاً / فرادى ويتلو بعضهنّ مثانيا
رواضع في حجر الغرام تَرَعْرَعَتْ / وشبَّت فشَبَّتْ حبِّها في فؤاديا
بها كلُّ ملتفّ الغدائر مسبل / تُجيل به أيدي النسيم مداريا
وأشرف جيدُ الغصن فيها معطلاً / فقلّدتِ النوّارَ منه التراقيا
إذا ما تحلّت درَّ زهْر غُروسُهُ / يبيتُ لها النَّمَّامُ بالطّيب واشيا
مصارفة النقدين فيها بمثلها / أجاز بها قاضي الجمال التقاضيا
فإن ملأت كف النسيم بمثلها / دراهمَ نَوْرٍ ظلَّ عنها مُكافيا
فيملأ حجر الروض حول غصونها / دنانيرَ شمس تترك الروض حاليا
تغرِّدُ في أفنانها الطيرُ كلّما / تجسُّ به أيدي القيان الملاهيا
تراجعُها سجعاً فتحسب أنها / بأصواتها تُملي عليها الأغانيا
فلم ندرِ روضاً منه أنعَمَ نَضْرَةً / وأعطرَ أرجاءً وأحلى مجانيا
ولم نرَ قصراً منه أعلى مظاهراً / وأرفع آفاقاً وأفسح ناديا
معانيَ من نفس الكمال انتقيتَها / وزيَّنْتَ منها بالجمال المغانيا
وفاتحتَ مبناه بعيدٍ شرعتَهُ / تبثُّ به في الخافقين التهانيا
ولما دعوتَ الناس نحو صنيعه / أجابوا لهم من جانب الغور داعيا
وأمُّوهُ من أقصى البلاد تقرُّباً / وما زال منك السعد يدني الأقاصيا
وأذكرتَ يوم العرض جوداً ومنعةً / بموقفِ عرضٍ كنتَ فيه المجازيا
جزيت به كلاًّ على حال سعيه / فما غرسَتْ يمناهُ أصبح جانيا
وأطلعت من جزل الوقود هوادجاً / تُذكِّرُ يوم النّفر من كان ساهيا
وحينَ غدا يُذكى ببابك للقرى / فلا غرو أن أجريت فيه المذاكيا
وطامحةٍ في الجو غير مطالةٍ / يردُّ مداها الطرفَ أحسرَ عانيا
تمدُّ لها الجوزاءُ كفَّ مُصَافحٍ / ويدنو لها بدرُ السماء مناجيا
ولا عجبٌ أن فاتت الشُّهبَ بالعُلا / وأن جاوزت منها المدى المتناهيا
فبين يدَيْ مثواك قامت لخدمة / ومن خدمَ الأعلى استفاد المعاليا
وشاهدُ ذا أنّي ببابك واقفٌ / وقد حَسَدَتْ زُهر النجوم مكانيا
وقد أرضعت ثديَ الغمائم قبلها / بحجر رياض كانَّ فيه نواشيا
فلما أُبينت عن قرارة أصلها / أرادت إلى مرقى الغمام تعاليا
وعدَّت لقاء السحب عيداً وموسماً / لذاك اغتدت بالزَّمرِ تُلهي الغواديا
فأضحكتِ البرق الطروبَ خلالها / وباتت لأكواس الدراري مُعاطيا
رأت نفسها طالتْ فظنّتْ بأنها / تفوتُ على رغم اللحاق المراميا
فخفّتْ إليها الذابلاتُ كأنها / طيورٌ إلى وكر أطلْنَ تهاويا
حكت شبهاً للنحل والنحلُ حولَه / عصيٌّ إلى مثواه تهوي عواليا
فمن مثبتٍ منها الرمية مدركٍ / ومن طائرٍ في الجو حلّق وانيا
وحصنٍ منيع في ذراها قد ارتقى / فأبعد في الجو الفضاء المراقيا
كأن بروقَ الجو غارتْ وقد أَرتْ / بروجَ قصورٍ شِدتَهُنَّ سواميا
فأنشأتَ برجاً صاعداً متنزّلاً / يكون رسولاً بينَهُنّ مداريا
تطوُّرَ حالاتٍ أتى في ضروبها / بأنواع حَلْي تستفزُّ الغوانيا
فحِجْلٌ برجليها وشاحٌ بخصرِها / وتاجٌ إذا ما حلَّ منها الأعاليا
وما هو إلا طيرُ سعد بذروةٍ / غدا زاجراً من أشهب الصبح بازيا
أمولايَ يا فخر الملوك ومَنْ به / سيبلُغُ دينُ الله ما كان راجيا
بَنُوكَ على حكم السعادة خمسةٌ / وذا عدد للعين ما زال واقيا
تبيتُ لهم كفُّ الثريّا مُعيذةً / ويصبحُ معتلُّ النواسم راقبا
أَسامٍ عليها للسعادة مِيسمٌ / ترى العزّ فيها مستكناً وباديا
جعلت أبا الحجّاج فاتحَ طرسهم / وقد عرفتْ منك الفتوحُ التواليا
وحسبُك سعدٌ ثم نصرٌ يليهمُ / محمّدٌ الأرضَى فما زلت راضيا
أقمتَ به من فطرة الدين سُنْةً / وجدْدت في رسم الهداية عافيا
وجاءوا به مِلءَ العيون وسامةً / يُقبّلُ وجْهَ الأرض أزهر باهيا
فيا عاذراً ما كان أجرأ مثلَه / فمثلُك لا يُدمي الأسود الضواريا
وجاءتك من مصر التحايا كرائماً / فما فتقت أيدي التِّجار الغواليا
ووافتك من أرض الحجاز تميمةٌ / تُتَمِّمُ صنعَ الله لا زال باديا
وناداك بالتحويل سلطانُ طَيْبَةٍ / فيا طيب ما أهدى إليك مناديا
وقام وقد وافى ضريح محمّدٍ / لسلطانك الأعلى هنالك داعيا
سريرتك الرُّحْمَى جزاك بسعيها / إلهٌ يُوفِّي بالجزاء المساعيا
فوالله لولا سُنَّةٌ نبوية / عهدناه مهديّاً إليها وهاديا
وعذر من الإعذار قرر حكمه / من الشرع أخبارٌ رُفعن عواليا
لراعت بها للحرب أهوال موقفٍ / تُشيبُ بمبيضّ النصول العواليا
لك الحمدُ فيه من صنيع تعدُّه / فثالثُه في الفخر عزّز ثانيا
تشدُّ له الجوزاء عِقدَ نطاقها / لتخدمَ فيه كي تنال المعاليا
وهُنّيت بالأمداح فيه وقد غدا / وجودك فيه بالإجادة وافيا
ودونك من بحر البيان جواهراً / كَرُمْنَ فما يُشْرَيْنَ إِلاَّ غَواليا
وطارتُ لفيها وصف كلِّ غريبةٍ / فأعجزتُ من يأتي ومن كان ماضيا
فيا وارث الأنصار لا عن كلالةٍ / تراثَ جلال يستخفُّ الرواسيا
بأمداحه جاء الكتاب مفصلاً / يرتِّلُه في الذكر من كان تاليا
لقد عرفَ الإِسلام مما أفدتَهُ / مكارمَ أنصاريّةً وأياديا
عليك سلامُ الله فاسلم مخلَّداً / تُجدِّد أعياداً وتبلي أعاديا
أرقتُ لبرق مثل جفنيَ ساهراً
أرقتُ لبرق مثل جفنيَ ساهراً / ينظِّم من قطر الغمام جواهرا
فيبسم ثغرُ الرَّوض عنه أزَاهرا / وصبحٍ حكى وجه الخليفة باهرا
تجسّم من نور الهدى وتجسّدا /
شفانيَ معتلُّ النسيم إذا انبرى / وأسند عن دمعي الحديث الذي جرى
وقد فتَقَ الأرجاءَ مسكاً وعنبرا / كأنَّ الغني بالله في الروض قد سرى
فهَبَّتْ به الأرواح عاطرة الرَّدا /
عذيريَ من قلبِ إلى الحسن قد صبا / تُهّيجُهُ الذكرى ويصبو إلى الصّبا
ويُجري جيادَ اللهو في ملعب الصَّبا / ولولا ابن نصرٍ ما أفاق وأعتبا
رأى وجههُ صبح الهداية فاهتدى /
إليك أمير المسلمين شكايةٌ / جنى الحسنُ فيها للقلوب جنايةُ
وأعظم فيها بالعيون نكايةً / وأطلع في ليل من الشَّعر آيةُ
محيَّاً جميلاً بالصَّباح قد ارتدى /
بهديك تُهدى النيرات وتهتدي / وأنوارُها جدوى يمينك تجتدي
وعدلك لأملاك أوضح مرشد / بآثاره في مشكل الأمر تقتدي
فما بال سلطان الجمال قد اعتدى /
تحكم منا في نفوسٍ ضعيفةِ / وسلَّ سيوفاً من جفونٍ نحيفة
ألمْ يدر أَنَّا في ظلال خليفةِ / ودولةِ أمن لا تُراع منيفةِ
بها قد رسَا دِينُ الهوى وتمهَّدَا /
خذوا بدم المشتاق لحظاً أراقَهُ / وبرقاً بأعلام الثنية شاقَهُ
وإن كلفوه فوق ما قد أطاقَهُ / يُبثُّ حديثاً ما ألذَّ مساقَهُ
خليفتنا المولى الإمامَ محمّدا /
تقلَّد حكم العدل ديناً ومذهبا / وجَوْرَ الليالي قد أزاح وأذهبا
فيا عجباً للشوق أذكى وألهبا / وسلَّ صباحاً صارم البرق مُذْهبا
وقد بات في جفن الغمامة مُغمدا /
يذكّرني ثغراً لأسماء أشنبَا / إذا ابتسمت تجلو من الليل غَيهبا
كَعزْم أمير المسلمين إذا اجتبى / وأجرى به طِرفاً من الصبح أشهبا
وأصدر في ذات الإله وأوردا /
فسبحان من أجرى الرياح بنصرِهِ / وعطَّر أنفاسَ الرياض بشكرهِ
فبرد الصِّبا يُطوى على طيب نَشرهِ / ومهما تجلّى وجهُهُ وسط قصرِه
ترى هالةٌ بدرُ السماء بها بدا /
إمامٌ أفادَ المعلُواتِ زمانَهُ / فما لحقت زُهْرُ النجوم مكانَهُ
ومدَّ على شرقٍ وغربٍ أمانَهُ / ولا عيب فيه غير أن بنانَهُ
تُغرِّقُ مُستجديه في أبحر الندى /
هو البحرُ مدَّ العارضَ المتهلِّلاَ / هو البدر لكن لا يزال مُكمَّلا
هو الدهر لا يخشى الخطوب ولا ولا / هو العَلمُ الخفّاق في هضبة العُلا
هو الصّارم المشهور في نصرة الهدى /
أما والذي أعطى الوجودّ وجَودَهُ / وأوسع من فوق البسيطة جودَهُ
لقد أصحب النصرَ العزيزَ بنودَهُ / ومدَّ بأملاك السماء جنودَهُ
وأنجز للإسلام بالنصر موعدا /
أَمَوْلاي قد أَنْجحَتَ رأياً ورايةً / ولم تُبْقِ في سبق المكارم غايَةً
فتهدي سجايا كابن رشد نهايةً / وإن كان هذا السعدُ منك بدايةً
سيبقى على مر الزمان مخلَّدا /
سعودك تُغني عن قراع الكتائبِ / وجودك يُزري بالغمام السواكبِ
وإن زاحمتها شهبها بالمناكب / ووجهك بدر المنتدى والمواكبِ
وقد فَسَحَتْ في الفخر أبناؤك المدى /
بنوك كأمثال الأنامل عِدَّةً / أُعِدَّتْ لما يخشى من الدهر عُدةً
وزيد بهم بُرْدُ الخلافة جدَّةً / أطالَ لهم في ظل ملكك مُدَّةً
إلهٌ يُطيل العمر منك مؤبدَا /
بدروٌ بأوصاف الكمال استقلَّتِ / غمامٌ بفيّاض النوال استهلَّتِ
سيوفٌ على الأعداء بالنصر سُلَّتِ / نجومٌ بآفاق العلاء تجلَّتِ
ولاحت كما شاءت سعودُكَ أَسْعُدا /
وإن أبا الحجاج سيفُك مُنْتَضى / وبدرٌ بآفاق الجمال تعَرَّضا
بنورك يا شمسَ الخلافة قد أضا / ورَاقت على أعطافه حُلل الرضا
فحلَّ محلاًّ من عُلاك ممهَّدا /
مليك له تعنو الملوكُ جلالةً / يُجرِّرُ أذيال الفخار مُطالةً
وتفْرَقُ أسدُ الغاب منه بسالةً / وترضاه نصَار الرسول سُلالةً
فأبناؤه طابوا فروعاً ومحتدا /
أزاهر في روض الخلافة أينعَتْ / زواهرُ في أفق العلاء تطلّعَتْ
جواهرُ أغيتْ في الجمال وأبدعتْ / وعن قيمة الأعلاق قدراً ترفَعَتْ
يسرُّ بها الإسلام غيباً ومشهدا /
بعهدِ وليِّ العهد كُرِّمَ عهدُهُ / وأنجز في تخليد ملكك وعْدُهُ
تنظَّمَ منهم تحت شملك عِقدُهُ / وأورثهم فخراً أبوهُ وجَدُّهُ
فأعلى علياً حين أحمدَ أحمدا /
ونجلُك نصرٌ يقتفي نجل رسمِه / أمير يزينُ العقلَ راجحُ حِلْمِهِ
أتاك بنجلٍ يُستضاءُ بنجمِهِ / لحب رسول الله سَمَاهُ باسمِهِ
وباسمكَ في هذي الموافقة اقتدى /
أقمتَ بإعذار الإمارة سنةً / وطوَّقت من حلي بفخرك مِنّةً
وأسكنتها في ظل بِرِّك جَنَّةً / وألحفتَها بُردَ امتنانك جُنَّةً
وعَمّرْتَ منها بالتلاوة مسجدا /
فلله عيناً من رآهم تطلَّعُوا / غصُوناً بروض الجود فيك ترعرعُوا
وفي دوحة العلياء منك تفرعُوا / ملوكٌ بجلبابِ الحياء تقنعُوا
أضاء بهم من أفق قصرك منتدى /
وقد أشعروا الصبر الجميلَ نفوسَهُمْ / وأضْفَوُا به فوق الحلي لبوسَهُمْ
وقد زيّنوا بالبِشر فيه شموسَهُمْ / وعاطَوْا كؤوس الأُنس فيه جليسَهُمْ
وأبْدَوْا على هوْل المقام تجلُّدا /
شمائلُ فيهم من أبيهم وَجَدِّهِمْ / تُفَصَّلُ آيُ الفخر فيها بحمدِهِمْ
وتنسبها الأنصار قدماً لسعدِهِمْ / تضيءُ بها نوراً مصابيح سعدِهِمْ
ولمْ لا ومن صحب الرسول توقّدا /
فوالله لولا سنةٌ قد أقَمتَها / وسيرة هديٍ للنّبِيّ علمتَها
وأحكامُ عدل لجنود رسمتها / لجالتْ بها الأبطال تقصد سمتَها
وتترك أوصال الوشيج مُقصَّدا /
ويا عاذراً أبدى لنا الشرعُ عُذْرَهُ / طرقت حمى قد عظم الله قدرَهُ
وأجريت طيباً يحسد الطيبُ نشرَهُ / لقد جئت ما تستعظم الصيدُ أمرَهُ
وتفديه إن يقبلْ خليفتها فدا /
رعى الله منها دعوة مستجابةً / أفادت نفوسَ المخلصين إنابةً
ولم تُلفِ من دون القبول حجابةً / وعاذرها لم يُبدِ عذراً مهابةً
فأوجب عن نقص كمالاً تزيّدا /
فنقص كمال المال وفرُ نصابِهِ / وما السيف إلا بعد مشق ذبابِهِ
وما الزهر إلا بعد شق إهابهِ / بقطع يراع الخط حُسْنُ كتابِهِ
وبالقص يزدادُ الذُبالُ توقدَا /
ولَمَّا قَضَوْا من سنّة الشَّرع واجبا / ولم نلق من دون الخلافة حاجبا
أفضنا نهني منك جذلان واهبا / أفاض علينا أنعُماً ومواهبا
تعوّد بذل الجود فيما تَعَوَّدا /
هنيئاً هنيئاً قد بلغت مؤمَّلاً / وأطلعت نوراً يبهر المتأمْلا
وأحرزت أجر المنعمين مكمَّلا / تبارك من أعطى جزيلاً وأجملا
وبلّغ فيك الدينّ والملك مقصدا /
ألا في سبيل العز والفخر موسِمُ / يظل به ثغر المسرّة يبسِمُ
وعَرفُ الرضى من جوه يتنسَّمُ / وأرزاق أرباب السعادة تقسمُ
ففي وصه ذهن الذكي تبلّدا /
وجلَّلت في هذا الصنيع مصانعا / تمنّى بدورُ التِّمِّ منهم مطالعا
وأبديت فيها للجمال بدائعا / وأجريتَ للإحسان فيها مشارعا
يودُّ بها نهرُ المجرّةِ موردا /
وأجريت فيها الخيل وهي سوابقُ / وإن طَلَبَتْ في الرَّوْع فهي لواحقُ
نجومٌ وآفاق الطراد مشارقُ / يفوتُ المتاحَ الطرف منها بوارقُ
إذا ما تُجاري الشّهبَ تستبق المدى /
وتطلعُ في ليل القتام كواكبا / وقد وردت نهرَ النهار مشاربا
تقودُ إلى الأعداءِ منها كواكبا / فترسم من فوق التراب محاربا
تحورُ رؤوسُ الروم فيهنَّ سجُدا /
سوابحُ بالنصر العزيز سوانحُ / وهُنَّ لأبواب الفتوح فواتحُ
تقود إليك النصرَ والله مانحُ / فما زلت بابَ الخير والله فاتح
وما تم شيء قد عدا بعدما بدا /
رياحٌ لها مثنى البروق أَعنّةٌ / ظِباءٌ فإن جَنَّ الظلام فجِنَّةٌ
تقيها من البدر المتمَّم جُنَّةٌ / وتُشرع من زُهر النجوم أسِنَةٌ
فتقذف شهبَ الرَّجم في أثغر العدا /
فأشهبُ من نسل الوجيه إذا انتمى / جرى فشأى شُهبَ الكواكب في السّما
وخلّف منها في المقلَّد أنجما / تردَّى جمالاً بالصباح ورُبمَّا
يقول له الإصباح نفس لك الفدا /
وأحمرُ قد أذكى به البأسُ جمرةً / وقد سلب الياقوت والوردّ حمرةً
أدار به ساقٍ من الحرب خمرةً / وأبدى حباباً فوقها الحسن غُرَّةً
يزيد بها خداً أسيلاً مورّدا /
وأشقرُ مهما شعشع الركضُ برقَهُ / أعار جوادَ البرق في الأفق سبقَهُ
بدا شفقاً قد جلّل الحسنُ أفقَهُ / ألمْ تَرَ أن الله أبدع خلقَهُ
فسال على أعطافه الحسنُ عسجدا /
وأصفرُ قد ودَّ الأصيلُ جمالَهُ / وقد قدَّ من بُرد العشيّ جِلالَهُ
إذا أسرجوا جِنحَ الظلام ذبالَهُ / فَغُرَّتُهُ شمسُ تضيء مجالَهُ
وفي ذيله ذيلُ الظلام قد ارتدى /
وأدهمُ في مسح الدُّجى متجردُ / يجيشُ بها بحرٌ من الليل مُزبدُ
وغُرَّتُه نَجمٌ به تتوقَّدُ / له البدرُ سرجٌ والنجوم مُقَلَّدُ
وفي فلق الصبح المبين تقيَّدا /
وأبيضُ كالقرطاس لاح صباحُهُ / على الحسن مغداه وفيه مراحُهُ
وللظّبَياتِ الآنساتِ مِراحُهُ / تراه كنشوانٍ أمالَتْهُ راحُهُ
وتحسبهُ وسطَ الجمال مُعربدا /
وذاهبةٌ في الجَوْ مِلْءَ عِنانِها / وقد لَفَعَتْها السُّحبُ بُرد عَنانِها
يفوت ارتداءَ الطَّرف لمح عِيانِها / وخَتَّمت الجوزاءُ سبط بنانِها
وصاغت لها حَلْيَ النجوم مقيّدا /
أَراها عمودُ الصبح عُلْوَ المصاعدِ / وأوهمها قربَ المدى المتباعدِ
ففاتته سبقاً في جال الرواعد / وأتحفتِ الكفَّ الخضيب بساعِدِ
فطوّقتِ الزُّهرَ النجومَ بها يدا /
وقد قذفتها للعصيّ حواصبُ / قد انتشرت في الجوِّ منها ذوائبُ
تزاوَرُ منها في الفضاء حبائبُ / فبينهما من قبل ذاك مناسبُ
لأَنهما في الروض قبلُ توَلّدا /
بناتٌ لأم قد حَبينَ لرَوْحها / دعاها الهوى من بعد كتم لبَوْحِها
فأقلامُها تهوي لخطِّ بلَوْحِها / فبالأمس كانت بعض أغصان دَوْحِها
فعادت إليها اليومَ من بعدُ عُودِّا /
ويا رُبَّ حصن في ذراها قد اعتلى / أنارتْ برُوجُ الأفق في مظهر العلا
بروجَ قصور شِدْتَها متطوّلا / فأنشأت برجاً صاعداً متنزَّلا
يكون رسولاً بينها متردِّدا /
وهل هي إِلاّ هالةٌ حولَ بدرِها / يصوغُ لها حلياً يليق بنحرِها
تطوّر أنواعاً تشيد بفخرِها / فحِجْل برجليها وشاحُ بخصْرِها
وتاجٌ بأعلى رأسها قد تنضّدا /
أراد استراقَ السّمع وهو ممنَّعُ / فقامَ بأذيال الدُّجى يتلفَّعُ
وأصغى لأخبار السّما يتسمّعُ / فأتبعَه منها ذوابل شرَّعُ
لتقذفه بالرعب مثنى ومَوْحَدا /
وما هو إلاَّ قائمٌ مدَّ كفَّهُ / ليسأَلَ من ربِّ السَّموات لُطفَهُ
لمولَى تولاّه وأحكم رصفَهُ / وكلّف أربا البلاغة وصفهْ
وأكرم منه القانت المتهجِّدا /
ملاقي ركب من وفود النواسمِ / مقبّلَ ثغر للبروق البواسم
مختِّمَ كفٌّ بالنجوم العوائمِ / مُبلِّغَ قصد من حضور المواسمِ
تجدده مهما صنيع تجدَّدا /
ومضطربٌ في الجو أثبت قامةً / تقدمٍ يمشي في الهواء كرامَةً
تطلَّع في غصن الرشاء كمامةً / وتحسبه تحت الغمام غمامةً
يسيل على أعطافها عَرَقُ الندى /
هوى واستوى في حالة وتقلّبَا / كخاطف برق قد تألَق خُلَّبَا
وتحسبه قد دار في الأفق كوكبَا / ومهما مشى واستوقف العقل معجبا
تُقَلِّب فيه العين لحظاً مردْدا /
لقد رام يرقى للسماء بسلَّم / فيمشي على خطَّ به متوهِّم
أجِلْ في الذي يُبديه فكر توسُّمِ / ترى طائراً قد حلّ صورة آدمِي
وجنَّا بمهواة الفضاء تمرَّدا /
ومنتسب للخال سمُّوْه مُلْجَما / له حَكَماتٌ حكمُها فاه أَلْجما
تخالَفَ جنساً والداه إذا انتمى / كما جنسُهُ أيضاً تخالف عنهما
عجبت له إذ لم يلدَّ تولّدا /
ثلاثتها في الذكر جاءت مُبينةً / من اللاء سَمَاها لنا اللهُ زينةً
وأنزل فيها آية مستبينةً / وأودع فيها للجهول سكينةً
وآلاءهُ فيها على الخلق بدَّدا /
كسوْه من الوشي اليماني هودجا / يمدُّ على ما فوقَه الظلَّ سَجْسَجَا
وكم صورةٍ تجلى به تهر الحجى / وجزل وقود ناره تصدع الدجى
وقلب حسودٍ غاظ مذكيه موقدا /
وما هي لا مظهر لجهادِهِ / أَرَتْنا بِها الأفراح فضل اجتهادهِ
ملاعبها هزَّت قدود صعادِهِ / وأذكرت الأبطال يوم طرادِهِ
فما ارتَبْتَ فيه اليومَ صدَّقتَهُ غدا /
أَلاَ جدَّدَ الرحمن صنعاً حضرتَهُ / ودوحَ الأماني في ذراه هصرتَهُ
بقصرٍ طويلُ الوصف فيه اختصرتَهُ / يقيّدُ طِرفَ الطَّرف مهما نظرتَهُ
ومن وجد الإحسان قيداً تقيّدا /
دعوتَ له الأشراف من كل بلدةٍ / فجاءوا بآمالٍ لهم مستجدّةِ
وخصّوا بألطافٍ لديه معدّةِ / أيادٍ بفيّاض الندى مستمدّةِ
فكلُّهُمُ من فضله قد تزوَّدَا /
وجاءتك من آل النَّبِيّ عصابةٌ / لها في مرامي المكرمات إصابةٌ
أحبتك حباً ليس فيه استرابةٌ / ولبَت دواعي الفوز منها إجابةٌ
وناداهُمُ التخصيص فابتدروا النّدا /
أجازوا إليك البحر والبحرُ يزخَرُ / لبحر سماح مَدُّهُ ليس يجزرُ
فروّاهُمُ من عذب جودك كوثرُ / ووالَيْتَ من نُعماك ما ليس يُحْصَرُ
وعظّمتَهم ترجو النَّبيَّ محمَّدا /
عليه صلاةُ الله ثم سلامُهُ / به طاب من هذا النظام اختتامُهُ
وجاء بحمد الله حلواً كلامُهُ / يعز على أهل البيان مرامُهُ
وتمسي له زُهر الكواكب حُسَّدا /
أبثُّ به حادي الركاب مشرِّقا / حديث جهادٍ للنفوس مشوّقا
رميتُ به من بالعراق مفوّقا / وأرسلت منه بالبديع مطوقا
حماماً على دَوح الثناء مغرّدا /
ركضتُ به خيلَ البيان إلى مدى / فأحرزتُ فضلَ السبق في حلبة الهدى
ونظّمتُ من نظم الدراري مقلَّدا / وطوّقتُ جيد الفخر عِقداً منضدا
وقمتُ به بين السِّمَاطين مِنشدا /
نسقْتُ من الإحسان فيه فرائدا / وأرسلتُ في روض المحاسن رائدا
وقلّدتُ عِطف الملك منه قلائدا / تعوّدتُ فيه للقبول عوائدا
فلا زلت للفعل الجميل معوِّدا /
ولا زلت للصنع الجميل مجدّدا / ولا زلت للفخر العظيم مخلدا
وعُمِّرتَ عُمراً لا يزال مجدَّدا / وعُمِّرتَ بالأبناء أوحدا أوحدا
وقرَتْ بهم عيناك ما سائق حدا /
قد نُظِمَ الشملُ أَتَمَّ انتظامُ
قد نُظِمَ الشملُ أَتَمَّ انتظامُ / واغتَنَم الأَحْبَابُ قُربَ الحبيبْ
واستضحَكَ الروضُ ثُغور الكِمامُ / عن مَبْسِمِ الزَّهْرِ البَرودِ الشّنيب
وعَمَّمَ النَّوْرُ رؤوسَ الرُّبى / وجَلَّلَ النُّورُ صُدُورَ البِطَاحْ
وصافحَ القُضْبَ نسيمُ الصَّبا / فالزَّهْرُ يَرنُو عن عيون وَقاحُ
وعاودَ النهرَ زمانُ الصّبا / فَقَلَّدَ الزَّهْرَ مكان الوشاحْ
وأَطْلَعَ القَصْرُ بُرودَ التمامَ / في طالع الفتح القريبِ الغريبْ
خدودُها قامتْ مُقامَ الغَمامْ / فلا اشتكَى من بَعدهَا بالمغيبْ
أَصْبَحْتِ يا ريَّةُ مَجْلس النُفوسُ / جَمالُكِ العَيْنَ بها يَبْهُرُ
والبِشْرُ يَسْري في جميع الشُموسْ / ورايةُ الأُنس بها تُشْهَرُ
والدَوحُ للشكرِ تحطُّ الرؤوسْ / وأَنجمُ الزَّهر بها تُزْهِرُ
وراجَعَ النهرَ غناءُ الحَمامْ / وقد شَدَتْ تَسْجَعُ سَجْعَ الخطيبْ
بِمِنْبَرِ الغصنِ الرشيقِ القَوامْ / لَمَّا انْثَنَى يَهْفُو بقدٍ رطيبْ
يا حَبَّذا مبناكِ فخرُ القصورْ / برُوجُهُ طَالتْ برُوجَ السما
ما مثلُهُ في سالفاتِ العُصُورْ / ولا الذي شادَ ابنُ ماء السما
كم فيهِ من مَرْأى بهيجٍ ونورْ / في مرتقى الجو به قد سما
خَليفة اللهِ ونِعْمَ الإمامْ / أَتْحَفَكَ الدّهْرُ بصنعٍ عَجيبْ
يهنيكَ شملٌ قد غدَا في التئامْ / مُمهَّداً في ظلِّ عيشٍ خصيبْ
نواسمُ الوادي بمسك تَفُوحْ / ونَفْحَةُ النَّدَّ به تَعْبَقُ
وبهجةُ السكان فيهِ تَلُوحْ / وجَوُّه من نورهم يُشْرقُ
وروضُهُ بالسِّرِّ منْهُ يَبوحْ / بلابلٌ عن وَجْدِهِ تنطِقُ
لَوْ أَنَّ مَنْ يَفْهَمُ عنها الكلامْ / فَهْيَ تُهنّيكَ هناءَ الأديبْ
ونهرُهُ قد سلَّ منه الحُسامْ / يلحظُهُ النَّرْجِسُ لحظَ المريبْ
فَأَجْمَلُ الأيام عَصْرُ الشبابْ / وأَجْمَلُ الأَجْمَلِ يَوْمُ اللقا
يا دُرَّةَ القصر وشَمْسَ القبابْ / وهازمَ الأحزَاب في الملتقى
بشّركَ الربُّ بحسن المآبْ / متعك اللهُ بطولِ البقا
ولا يَزالُ القَصْرُ قَصْرُ السلامْ / يختالُ في بُرْدِ الشباب القشيبْ
يتلو عليك الدهر في كل عامْ / نصر من الله وَفتح قريبْ
قد نُظمَ الشملُ أَتمَّ انتظامْ
قد نُظمَ الشملُ أَتمَّ انتظامْ / ولاحت الأقمار بعد المغيبْ
وأضحك الروض ثغور الكمامْ / عن مَبْسِمِ الزهر البَرود الشنيبْ
وعاودَ الغصنَ زمانُ الصِّبا / وأُشربَ الأنسَ جميعُ النفوسْ
وعمَّمَ النَّوْرُ رؤوسَ الربى / وجلّلَ النُّورُ وجوهَ الشموسْ
وأَطْربَ الغُصنَ نسيمُ الصَّبا / فالدوحُ للشكرِ تحُطُّ الرؤوسْ
واستقبلَ البدرُ ليالي التمامْ / وصافَحَ الصبحَ بكفٍّ خضيبْ
وراجعَ الأطيارَ سجعُ الحمامُ / بكلِّ ذي لحنٍ بديعٍ غريبْ
نواسمُ الوادي بمسك تفوحْ / ونَفْحَةُ الندِّ به تَعْبَقُ
وبهجةُ السكانِ فيهِ تلوحْ / وجوُه من نوره يُشْرقُ
وعَرفُه بالطيبِ منهُ يَفوحْ / كأنه من عنبرٍ يُفْتَقُ
والنَهرُ قَدْ سُلَّ كمثلِ الحُسامْ / حَبابُهُ تَطْفو وطَوراً تَغيبْ
وثغرها قد راقَ منه ابتسامْ / يُهَنِّئ الحِبَّ بقرب الحبيبْ
كوكبٌ أبراجُهنَّ الخُدودْ / يلوحُ عنها كلُّ بدر لَياحْ
جواهرٌ أصْدافُهنّ القُصورْ / نظَّمها السعدُ كنظمِ الوشاحْ
يا حبذا والله ركبُ السرورْ / يُبَشِّرُ المولى بنيلَ اقتراحْ
ابتهجَ الكونُ بموسى الإمامْ / واختال في بُردِ الشباب القشيبْ
وعادَهُ يخدم مثل الغلامْ / شبابه قد عَادَ بعد المشيبْ
أكرمْ به واللهِ وفدُ الكريمْ / موْلاتُنا الحرةُ في مُقْدِمِهْ
مرضاتُها تُحظي بدار النعيمْ / وتوجبُ التوفيقَ من مُنْعِمِهْ
بَشَّرَ بالنصرِ وفتْحٍ جسيمْ / وخَيْرُهُ أجمعُ في مَقْدَمِهْ
لقاؤُها المبرورُ مسكُ الخِتامْ / بَشَّركَ الله بصُنْع عجيبْ
وقصرُك الميمونُ قصرُ السلامْ / خُطّ بحفظِ من سميعٍ مجيبْ
مولايَ يهنيك وحقَّ الهنا / قد نظم الشملُ كنظم السُّعُودْ
قد فزتَ بالفخرِ ونيلِ المنى / وأنجزَ السعدُ جميعَ الوعودْ
وقَرَّتِ العينُ وزال العنا / وكلما مَرَّ صنيع يعودُ
فلا يَزَلْ ملكُكَ حِلْفَ الدوامْ / يحوزُ في التخليدِ أَوْفَى نصيبْ
يتلو عليك الدهرَ بعدَ السلامْ / نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قريِّبْ
لهِ مَا أَجْمَلَ رَوْضَ الشبابْ
لهِ مَا أَجْمَلَ رَوْضَ الشبابْ / من قَبْلِ أن يُفْتَح زهر المشيبْ
في عهدِهِ أَدَرْتُ كأسَ الرُّضابْ / حبابُها الدرُّ بثغرِ الحبيبْ
مِنْ كُلِّ مَنْ يُخجِلُ بدر التمامْ / إذا تبدَّ وجهُهُ للعيونْ
ويفضحُ الغصنَ بلين القَوامْ / وأينَ منهُ لينُ قدِّ الغصونْ
ولحظُهُ يَمْضي مَضاءَ الحُسَامْ / ويُذهِلُ العقلَ بسحرِ الجفونْ
أَبْصَرْتُ منهُ إِذ يَحُطُّ النقابْ / شمساً ولكنْ ما لها من مغيبْ
إذا تجلَّتْ بعدَ طولِ ارتقابْ / صرفتُ عنها اللحظ خوف الرقيبْ
مَنْ عاذري منه فُؤاداً صَبا / للامع البرقِ وخفقِ الرياحْ
يطيرُ إن هبَّ نسيمُ الصَّبا / تعيره الريح خفوق الجَناحْ
ما أولعَ الصبَّ بعهد الصِّبا / وهل على من قد صبا من جُناحْ
فقلبُهُ من شوقِهِ في التهابْ / قد أَحْرَقَ الأكبادَ منه الوجيبْ
والجفْنُ منه سُحْبُهُ في انسكابْ / قد رَوَّضَ الخدَّ بدمع سكيبْ
غَرناطةٌ رَبْعُ الهوى والمنى / وقُربُها السؤْلُ ونيلُ الوطَرْ
وطيبُها بالوصلِ لو أمكنا / لم أقطعِ الليلَ بطول السَهَرْ
عما قريبٍ حقَ فيها الهنا / بِيُمْنِ ذي العودةِ بعد السَفَرْ
وَيَحْمُدُ الناسُ نجاحَ الإِيابْ / بكلِ صنيعٍ مُسْتَجَدِّ غرِيبْ
ويكتبُ الفالُ على كلّ بابْ / نَصْرٌ مِنَ اللهِ وفَتْحٌ قَرِيبْ
ما لَذَّةُ الأَمْلاكٍ إِلاَّ القَنَصْ / لأَنْهُ الفالُ بصيْدِ العِدى
كم شاردٍ جَرَّعَ فيهِ الغُصَصْ / وأَوْرَدَ المحروبَ وِرْدَ الردى
وكم بذا الفَحْصِ لنا مِنْ حِصَصْ / قد جُمِعَ البأسُ بها والندى
مولايَ مولايَ وأنت الذي
مولايَ مولايَ وأنت الذي / جَدَّدْتَ للأملاكِ عهدّ الجلالْ
والشمسُ والبدرُ مِن العُوَّدِ / لما رأت منك بديع الجمالْ
والروضُ في نعمتهِ يغتذي / بطيب ما قد حُزْتَهُ من خلالْ
بُشْراكَ بُشراكَ بحسنِ المآبْ / تَسْتَضْحِكُ الروضَ بثغرٍ شَنيبْ
وَدُمْتَ محروسَ العُلا والجنابْ / بِعِصْمَةِ اللهِ السميعِ المجيبْ
لو تَرْجعُ الأيامُ بعدّ الذهابْ
لو تَرْجعُ الأيامُ بعدّ الذهابْ / لم تقدحِ الأيامُ ذكرى حبيبْ
وكلُّ مَنْ نامَ بليلِ الشبابْ / يوقظُهُ الدهرُ بصبح المشيبْ
يا راكبَ العَجْزِ ألاَ نَهْضَةٌ / قَدْ ضَيَّقَ الدهرُ عليك المحالْ
لا تَحْسَبَنْ أَنَّ الصِّبا روضَةٌ / تنامُ فيها تحتَ فَيْءِ الظلالْ
فالعيشُ نومٌ والرَّدَى يَقْظَةٌ / والمَرْءُ ما بَيْنَهما كالخَيالْ
والعمرُ قد مَرَّ كمرِّ السحابْ / والملتَقَى باللهِ عَمَّا قَريبْ
وأنتَ مخدوعٌ بلمع السرابْ / تَحْسَبُهُ ماءً ولا تسريبْ
واللهِ ما الكونُ بما قَدْ حَوَى / إِلاَ ظِلالٌ تُوهمُ الغافلا
وعادَهُ الظلِّ إذا ما استوى / تُبصِرُهُ مِنتقلاً زائلا
إِنّا إِلى اللهِ عبيدُ الهوى / لم نعرفِ الحقَّ ولا الباطلا
فكُلُّ مَنْ يَرْجُو سِوى اللهِ خابْ / وَإِنَّمَا الفوزُ لعبدِ منيبْ
يستقبلُ الرُّجعى بصدقِ المتابْ / ويرقُبُ اللهَ الشهيدَ القريبْ
يا حَسْرَتَا مَرَّ الصِّبا وانقَضَى / وأَقْبَلَ الشَيْبُ يَقُصُّ الأَثَرْ
وَا خَجْلَتا والرَّجْلُ قد قُوْضَا / وَما بَقِيّ في الخُبْرِ غَيْرُ الخَبَرْ
وليتني لو كُنْتُ فيما مَضَى / أَدْخِرُ الزادَ لطولِ السَفَرْ
قد حانَ من رَكُبِ التصابي إيابْ / ورائدُ الرُّشْدِ أطال المغيبْ
يا أَكْمَهَ القلْبِ بِغَيْنِ الحِجَابْ / كم ذا أَناديكَ فلا تستجيبْ
هَلْ يُحْمَلُ الزادُ لدارِ الكريمْ / والمصطفى الهادي شفيعٌ مُطَاعْ
فجاهُهُ ذخرُ الفقير العديمْ / وحُبُّهُ زادي ونِعْمَ المِتاعْ
والله سمَاهُ الرؤوفَ الرحيمْ / فجارُهُ المكفولُ ما إنْ يضاعْ
عَسى شفيعُ الناس يومَ الحِسابْ / ومَلْجَأُ الخَلْقِ لرفعِ الكروبْ
يَلْحَقُني منه قَبُولٌ مُجابْ / يشفع ليل في موبقات الذنوب
يا مُصطَفى والخَلْقُ رَهْنُ العَدَمْ / والكونُ لم يَفْتُقُ كِمامَ الوجودْ
مَزِيَّةٌ أُعطيتها في القِدَمْ / بها على كلِّ نبيِّ تسودْ
مَوْلدُك المرقومُ لَمَّا نجَمْ / أَنْجَزَ للأُمَّةِ وَعدَ السُّعُودْ
ناديتُ لو يُسمَحُ لي بالجوابْ / شهرَ ربيع يا ربيعَ القلوبْ
أطلعتَ لِلْهَدْي بغير احتجابْ / شمساً ولكن ما لها من غرُوبْ
في كؤوسِ الثَّغر من ذاكَ اللَّعَسْ
في كؤوسِ الثَّغر من ذاكَ اللَّعَسْ / راحةُ الأَرْوَاحْ
وتغشَّى الروضَ مسكيُّ النَّفَسْ / عاطرَ الأرواحْ
وكَسا الأرواحَ وشياً مُذْهَبا / يبهُرُ الشَّمْسَا
عَسْجَدٌ قد حلَّ من فوق الربى / يُبْهِجُ النَّفْسَا
فَاتَّخِذْ للْهوِ فيه مَركبَا / تَلْحَقِ الأُنْسَا
مِنْبَرُ الغُصْنِ عليه قد جَلَسْ / ساجِعُ الأدْواحْ
حُلَلَ السُّنْدُسِ خُضْراً قد لَبِسْ / عِطْفُهُ المرتاحْ
قُمْ تَرى هذا الأَصيلَ شاحبَا / حُسْنُهُ قَدْ رَاقْ
ولأَذيالِ الغُصونِ ساحبَا / في حُلّى الأوراقْ
ونديمٍ قالَ لي مخاطبا / قولَ ذي إشفاقْ
عادةُ الشمس بغربٍ تُخْتَلْسْ / هاتِ شَمْسَ الراحْ
إِنْ أرانا الجَوُّ وجهاً قد عَبَسْ / أَوْقِدِ المصباحْ
ووجوه الشَّرْبِ تُغني عن شُموسْ / كُلَّما تُجْلَى
بلحاظِ أَسْكرتْنَا عنْ كُؤوسْ / خَمْرُها أَحْلَى
مظهراتٌ من خفايا في النُّفوسْ / سُوَراً تُتْلَى
ما زمانْ الأُنسِ إلاَّ مُخْتَلَسْ / فاغْتَنِم يا صاحْ
وعُيونُ الشُّهب تذكَى عن حَرَسْ / تخصم النُّصَّاحْ
مَا تَرَى ثَغْرَ الوميضِ باسِمَا / يُظْهِرُ البِشْرا
بَثْ من أزهاره دَرَاهِمَا / قائلاً بَشْرى
ركب المولى مع الظهر الفَرَسْ / وشُفِيْ وارتاحْ
بجنودِ اللهِ دَأْباً يَحْتَرِسْ / إِنْ غَدا أَوْ راحْ
وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَينا والهَنَا / بَعضَنَا بَغْضَا
فَزَمَانُ السَّعْدِ وَضَّاحُ السنا / وَجْهُهُ الأَرْضَى
أَثْمَرَتْ فيهِ العَوالي بالمنى / ثَمَراً غَضّا
يَجْتَني الإِسلامُ منها ما اغْتَرَسْ / سَيْفُهُ السَّفَّاحْ
في ضمير النقع منها قد هَجَسْ / شهب تلتاحْ
يا إماماً بالحسام المُنْتَضَى / نَصَرَ الحَقَّا
ثغرك الوضاح مهما أَوْمَضَا / أَخْجَلَ البَرْقَا
وديونُ السَّعدِ منهُ تُقْتَضَى / توسع الحُقَّا
لك وجهٌ من صباح مُقْتَبَسْ / بِشرُهُ وَضَّاحْ
وجميلُ الصفحِ منهُ مُلْتَمَسْ / مُنْعِمٌ صَفّاحْ
هَاكَهَا تُمْزَجُ لُطفاً بالنسيمْ / كُلَّمَا هَبَّا
قد أَتَتْ بالبِرِّ والصنعِ الجسيمْ / تَشْكُرُ الرَّبَّا
أَخْجَلَتْ من قَالَ في الصبحِ الوسيمْ / مُغْرَماً صَبَّا
غَرَّدَ الطَيْرُ فَنَبِّهْ من نَعَسُ / يا مُديرَ الراحْ
وتعرَّى الفَجْرُ عن ثوبِ الغَلَسْ / وانْجَلّى الإِصْباحْ
وَجْهُ هذا اليومِ باسِمْ
وَجْهُ هذا اليومِ باسِمْ / وشَذَا الأزهارِ ناسِمْ
هَاتِهَا صَاحِ كُؤُوسَا / جالباتٍ للسُرورِ
وارتقبْ منها شُموسَا / طالعاتٍ في حُبورِ
ما ترى الروض عَروسَا / في حُلى نَوْرٍ ونُورِ
وأَتَتْ رسْلُ النَّواسِمْ / تجتلي هذي النَّواسِمْ
قد أَهَلَّتْ بالبشَائِرْ / أَضْحَكَتْ ثَغْرَ الأَزَاهِرْ
سَنْحَتْ في يُمْنِ طائِرْ / ونظمنَ كالجواهرْ
فانشروها في العَشائِرْ / إنَّ هذا الصنعَ باهرْ
وَأَشِيعُوا في العَوَالمْ / الْغَنِيْ بِاللهِ سَالِمْ
أَيُّ نُورٍ يَتَوَقَدْ / أَيِّ بدرٍ يَتَلاَلاَ
أَيُّ فخر يتخَلَّدْ / أَيُّ غَيْثٍ يَتَوَالى
إِنَّما المولى محمَّدْ / رحمةُ اللهِ تعالى
كَفُّهُ بحرُ المقاسِمْ / وبها حجُ المباسِمْ
خَيْرُ أمْلاَكِ الزَّمانِ / مِنْ بني سَعْدٍ ونَصْرِ
ما تَرَى أَنَّ الشَّواني / في صَعِيد البَرِّ تجري
قَدْ أَطَارَتْها التَّهاني / دونَ بحريِّ وبحرِ
مُذْ رَأَتْ بَحْرَ النعائِمْ / كُلُّها جارٍ وعائِمْ
فَهَنيئاً بالشِّفَاءِ / يا أَمِيرَ المُسْلِمينَا
ولنا حَقُّ الهَنَاءِ / وجميع العَالَمينَا
إن جَهَرْنَا بالدُّعَاءِ / ينطق الدَّهْرُ أَمينَا
دُمْتَ محروسَ المكارِمْ / بِظُبَى البِيضِ الصوارِمْ
نَواسِمُ البُسْتَانْ
نَواسِمُ البُسْتَانْ / تَنثُرُ سِلْكَ الزَّهَرِ
والطّلُّ في الأَغْصَانْ / يَنْظمُهُ بِالجَوْهَرِ
وَرَايةُ الإِصْباحْ / أَضَاءَ مِنْها المَشْرِقُ
تنشُرُها الأَرْوَاحْ / فلا تَزَالُ تخفِقُ
والزُّهْرُ زَهْرٌ فَاحْ / لها عُيونٌ ترمُقُ
فَأَيْقِظِ النُّدْمَانْ / يُبْصِرْنَ مَا لَمْ يُبْصَرِ
جَوَاهِرُ الشُّهبانُ / قد عرضَتْ للمشتري
قَدَحْتَ لي زَنْدَا / يا أَيُّهَذا البَارِقُ
أَذكرتني عَهْدا / إِذ الشبابُ رَائقُ
فالشوق لا يهدا / وَلاَ الفُؤَادُ الخافِقُ
وَكَيْفُ بالسُّلْوَانْ / والقَلْبُ رَهْنُ الفِكَرِ
وسُحُبُ الهِجْرَانْ / تحجب وَجْهَ القَمَرِ
لَوْلاَ شُموسُ الكَاسْ / نُديرها بين البُدُورْ
وعَرَّجَ الإِيناسْ / مِنّا عَلَى ربعِ الصُدُورْ
لكنْ لَهَا وَسْوَاسْ / يُغري برباتِ الخُدُورْ
كَمْ والد هَيْمانْ / بِصُبْحِ وَجْهِ مُسْفِرِ
ضياؤه قد بان / من تحت ليل مقمر
يا مطلعَ الأَنْوارْ / كَمْ فيكَ مِنْ مَرأَى جَميلْ
ونُزْهةَ الأَبْصَارْ / ما ضَرَّ لو تَشْفي الغَليلْ
يا روضَةَ الأَزْهارْ / وعَرْفُها يُبْرِي العليلْ
قَضِيبُكَ الفَيْنَانْ / يُسْقَى بِدَمْعٍ هَمِرِ
فَلاعج الأشجانْ / فيضَ الدموع يمتري
هَلْ في الهَوَى نَاصِرْ / أَوْ هَلْ يُجَارُ الهائِمُ
لو كانَ لي زائِرْ / طيفُ الخيالِ الحائِمُ
ما بتُّ بالساهِرْ / ودمع عيني ساجمُ
والحُبُّ ذو عُدوانْ / يَجْهَدُ في ظُلْم البَرِي
وصَارمُ الأَجْفَانْ / مُؤيَّدٌ بالحَوَرِ
رُحماكَ في صَبِّ / أَذْكَرْتَهُ عَهْدَ الصِّبَا
بَواعِثُ الحُبِّ / قادت إِلَيْهِ الوَصَبَا
لم تَهْفُ بالقَلْبِ / ريحُ الصَّبا إِلاّ صَبَا
بَليلةُ الأردانْ / قد ضُمِّخَتْ بالعَنْبَرِ
يُشيرُ غُصْنُ البانْ / منها بفَضْلِ المِئْزَرِ
طَيَّبَها حَمْدُ / فَخْرِ الملوكِ المجتبَى
مَنْ يَرْجَحُ الطَّودُ / من حِلْمِهِ إذا احتبى
قد جَرَّدَ السَّعْدُ / منْهُ حُساماً مُذْهَبَا
فَالبأْسُ والإِحسانْ / والغَوْثُ للمُسْتَنْصِرِ
تَحْمِلُهُ الرُّكبانْ / تحيةً لِلمنْبَرِ
عِصَابةُ الكُتَّابْ / حَقٌ لها الفَوْزُ العظيمْ
تختالُ في أثْوابْ / أَلْبَسَها الطَّوْلَ الجسيمْ
فَحَسْبُها الإِطْنَابْ / في الحمدِ والشكرِ العَمِيمْ
خَليفَةَ الرَّحْمَنْ / لاَ زِلْتَ سَامي المظْهَرِ
يا مَوْرِدَ الظمآنْ / ورأسَ مالِ المعْسِرِ
خُذْهَا على دَعْوَى / تَزْري على الرَّوْضِ الوسيمْ
جاءت كما تَهْوَى / أرقَّ من لَوْنِ النسيمْ
قد طارحَتْ شكوَى / مَنْ قالَ في الليلِ البهيمْ
ليلُ الهَوَى يَقْظَانْ / وَالحُبُّ تِرْبُ السَّهَرِ
والصَّبْرُ لي خَوَّانْ / والنومُ من عَيْني بَرِي
باللهِ يا قامَةَ القَضِيبِ
باللهِ يا قامَةَ القَضِيبِ / ومُخْجلَ الشَمْسِ والقَمَرْ
مَنْ مَلَكَ الحُسْنَ في القلوبِ / وأَيَّدَ اللَّحْظَ بالحَوَرْ
مَنْ لَمْ يَكُنْ طَبْعُهُ رقيقَا / لم يَدْرِ ما لَذَّةُ الصِّبا
فرب حُرٍّ غدا رقيا / تملكُهُ نفحَةُ الصَّبا
نَشْوانَ لم يشربِ الرحيقَا / لكنْ إِلَى الحُسْنِ قد صَبَا
فَعَذَّبَ القَلْبَ بالوَجيبِ / وَنَعَّمَ العَيْنَ بالنَظَرْ
وَبَاتَ والدمعُ في صَبيبِ / يقدحُ من قَلْبِه الشَرَرْ
عجبْتُ من قلْبيَ المُعَنَّى / يَهْفُوّ إِذَا هَبَّتِ الرِّيَاحْ
لَوْ كَانَ لِلصَّبِّ ما تَمَنّى / لَطَارَ شَوْقاً إِلَى البِطاحْ
وبُلْبُلُ الدَّوْحِ إِنْ تَغَنَّى / أَسْهَرَ ليلي إِلى الصّبَاحْ
عَسَاكَ إِنْ زُرْتَ يا طَبيبي / بالطَّيْفِ في رقْدةِ السَّحَرْ
أَنْ تَجْعَلَ النَّومَ من نَصيبي / والعَيْنَ تحمي من السَّهَرْ
كَمْ شادنٍ قَادَ لي الحُتُوفَا / بمربعِ القَلْبِ قَدْ سَكَنْ
يَسُلُّ من لَحْظِهِ سُيُوفَا / فالقَلْبُ بالروعِ ما سَكَنْ
خُلِقْتُ من عادتي أَلُوفَا / أَحِنُّ للأِلْفِ والسَّكَنْ
غَرنَاطَةٌ مَنْزلُ الحبيبِ / وقُربُها السُؤُلُ والوَطَرْ
تبهُرُ بالمنّظرِ العَجيبِ / فلا عَدَا رَبْعَها المَطَرْ
عَرَوسةٌ تاجُها السَّبِيكهْ / وزهرها الحَلْيَ والحللْ
لم تَرْضَ من عزها شريكَهْ / بحُسْنِها يُضرَبُ المَثَلْ
أَيَّدَها اللهُ من مليكهْ / تملُكُها أَشرَفُ الدُّوَلْ
بدولةِ المرتَجى المهيبِ / الْملِكِ الطاهرِ الأَغَرْ
تختالُ من بُردها القشيبِ / في حُلَّةِ النَّوْرِ والزَّهَرْ
كُرْسيُّها جَنَّةُ العَريفِ / مرآتُها صفحةُ الغديرْ
وجوهر الطلِّ عن شُنوفِ / تحكُمُها صنعةُ القديرْ
والأُنسُ فيها على صنوفِ / فمن هديلٍ ومن هديرْ
كَمْ خَرَّقَ الزَّهْرُ من جيوبِ / وكَلَّلَ القُضْبَ بالدُّرَرْ
فَالغُصْنُ كالكاعبِ اللَّعُوبِ / والطيرُ تَشْدُو بلا وَتَرْ
وَلائِمُ النَّصْر في احتفالِ / وفَرْحُ دينِ الهدى جَديدْ
سلطانها مُعمِلُ العوالي / مُحَمَّدُ الظافرُ السعيدْ
ومُخْجِلُ البدر في الكمالِ / سلطانها المجتبى الفريدْ
أَصْفَحُ مَوْلّى عن الذنوبِ / أكرمُ عافٍ إذا قَدرْ
وشمسُ هَدْيٍ بلا مغيبِ / وبحر جودٍ بلا حَسَرْ
مَوْلاَي يا عاقِدَ البُنُودِ / تُظَلَّلُ الأَوْجُهَ الصِّبَاحْ
أَوْحَشْتَ يا نُخبَةَ الوجودِ / غرناطةً هالةَ السَّمَاحْ
سافرتَ باليُمْنِ والسُّعُودِ / وَعُدْتَ بالفتحِ والنجاحْ
يا مُلْهَمَ القَلْبِ للغيوبِ / ومُطْعَمَ النَّصْرِ والظَّفَرْ
أسمعك الله عن قريبِ / عَلَى السَّلامَهْ مَعَ السَّفَرْ
رَيْحانَةُ الفَجْرِ قد أَطَلَّتْ
رَيْحانَةُ الفَجْرِ قد أَطَلَّتْ / خضراءَ بالزُّهْرِ تُزْهِرُ
ورايةُ الصبحِ قد أَظَلَّتْ / في مرقَبِ الشرقِ تُنْشَرُ
فَالشُّهْبُ من غارةِ الصَّباحِ / تُرعَدُ خوفاً وتَخْفِقُ
وَأَدهمُ الليل في جماحِ / أَعنَّةَ البرقِ يُطلقُ
والأفقُ في ملتقى الرياحِ / بأدمعّ الغيثِ يَشْرَقُ
والسحبُ بالجوهرِ استهلَّتْ / فالبرقُ سيفٌ مُجَوْهَرْ
صفاحُهُ المذهباتُ حلَّتْ / في راحةِ الجوِّ تُشْهَرُ
كم للصَّبا ثَمَّ من مَقيلِ / بطيبه الزَّهْرُ يَشْهَدُ
والنهر كالصارم الصقيلِ / في حِلْيةِ النَّوْرِ يُغمَدُ
وربَّ قالٍ بِهِ وقيلٍ / للطير في حينٍ تُنْشِدُ
فَأَلسُنُ الوُرْقِ قد أَمَلَّتْ / مدائحاً عنهُ تَشْكُرُ
ونسمةُ الصبح قد تجلَّتْ / في سُندسِ الرَّوضِ تعثُرْ
والكأْسُ في راحةِ النَّديمِ / يَجلو بها غيهبَ الهُمُومْ
أَقْبَسَتِ النارَ في القَديمِ / من قبلِ أن تُخلَقَ الكُرُومْ
والنهرُ في ملعبِ النَّسيمِ / للزهرِ في عِطْفِهِ رُقومْ
فَلَبَّةُ الحَلْي قد تَحَلَّتْ / والطَلُّ في القُضْبِ جَوْهَرُ
وبهجة الكون قد تَجَلَّتْ / والروضُ بالحسنٍ يَبْهُرُ
يُذْكِرُني وَجْنَةَ الحبيبِ / والآسَ في صفحةِ العِذَارْ
وشاربَ الشاربِ العجيبِ / بينَ أَقاحٍ وجُلَّنَارْ
يُديرُ من ثغرِهِ الشَّنيبِ / سلافةً دونَها العُقارْ
حَلَّت لأَهْلِ الهوَى وَجَلَّتْ / بالذكرِ والوهْمِ تُسْكِرُ
كَمْ مِن نُفوسٍ بها تَسَلَّتْ / فما لها الدهرَ مُنكِرُ
يا غصنَ بانٍ يميلُ زَهْوَا / رَيَّانَ في روضةِ الشَّبابْ
لو كُنْتَ تُصْغي لرفعِ شكوَى / أَطَلْتُ من قصةِ العِتابْ
وَمَنْ لمثلي بِبَثِّ نَجْوَى / للبدر في رفرفِ السحابْ
عَزَائمُ الصَّبْرِ فيك حُلَّتْ / وعُقْدَةُ الصَّبر تذخَرُ
قد أَكْثَرَتْ منكَ ما استَقَلَّتْ / وليت لو كنتَ تَشْعُرُ
كَمْ لَيْلَةٍ بتُّها وبِتَّا / ضِدَّيْنِ في السُّهدِ والرُّقَادْ
أسامرُ النجمَ فيكَ حَتَّى / عَلَّمتُ أَجْفَانَها السُّهَادْ
أَرْقُبُ بدر الدجى وأَنتَا / قد لُحْتَ في هالةِ الفُؤادْ
نَفْسِيَ وَلَّيْتَ ما تَوَلَّتْ / دَعْهَا على الشوقِ تَصْبِرُ
لو سُمْتَها الهَجْرَ ما تَوَلَّتْ / ولم تكنْ عنكَ تَنْفِرُ
عَلَّمَهَا الصَّبْرَ في الحروبِ / سلطانُنَا عاقِدُ البُنُودْ
مُعَفِّرُ الصَّيدِ للجنوبِ / أَعَزُّ مَنْ خُفَّ بالجُنُودْ
نُصِرْتَ بالرعبِ في القُلوبِ / والبيضُ لم تبرحِ الغُمودْ
عِنايةُ اللهِ فيه حَلَّتْ / بسعدهِ الدينُ يُنْصَرُ
والخَلْقُ في عصرِهِ تَمَلَّتْ / غَنائماً ليس تُحْصَرُ
مولايَ يا نُكتةَ الزمانِ / دارَ بما تَرْتَضِي الفَلَكْ
حَلَلْتَ باليُمْنِ والأمانِ / كلُّ مليكٍ وما مَلَكْ
لَمْ يَدْرِ وَصْفي ولا عِياني / أَمَلِكٌ أَنْتَ أَمْ مَلَكْ
جنودُكَ الغُلْبُ حيث حَلَّتْ / بالفتْحِ والنصْرِ تُخْفَرُ
وعادة الله فيك دَلَّتْ / أنكَ بالكُفْرِ تَظْفَرُ
يا آيةَ اللهِ في الكمالِ / ومُخْجِلَ البدر في التَّمامْ
قدِمْتَ بالعزِّ والجَلالَ / والدَهْرُ في ثَغره ابتسامْ
يختالُ في حُلَّةِ الجمالِ / والبدرُ قد عادَ في اخْتِتَامْ
رَيْحَانَةُ الفَجرِ قد أَطَلَّتْ / خَضْراءَ بالزُّهْر تُزْهِرُ
ورايةُ الصُبحِ قد أَظَلَّتْ / في مرقبِ الشرقِ تُنْشَرُ
عليكِ يا رَيَّةُ السلامُ
عليكِ يا رَيَّةُ السلامُ / ولا عَدَا رَبْعَكِ المطَرْ
مُذْ حَلَّ في قصرِكِ الإمامُ / فقُربُكِ السؤلُ والوَطَرْ
والدَّوْحُ في روضكِ الأَنيقْ / للشكْر قد حَطَّتِ الرُّؤُوسْ
والغصنُ في نَهْرهِ غَريقْ / وفي حَلاهُ كما عروسْ
والجوُّ من وجهِكَ الشّريقْ / تحسُدُهُ أَوْجُهُ الشموسْ
وأَعْيُنُ الزَّهْرِ لا تَنامُ / تَسْتَعْذِبُ السُّهْدَ والسَّهَرْ
تَنْفُثُ مِنْ تحتِها الغَمامُ / تَرقيكَ من أَعْيُنِ الزَّهَرْ
عَروسةٌ أَنْت يا عَقيلَهْ / تُجْلَى على مَظْهرِ الكَمالْ
مَدَّتْ لكِ الكفَّ مُسْتقيلَهْ / تمسَحُ أَعْطافَك الشَّمَالْ
والبَحْرُ مرْآتُكِ الصَّقيلّهْ / تَشِفُّ عنْ ذلكَ الجَمَالْ
والحَلْيُ زَهْرٌ لَهُ انتظامُ / يُكَلِّلُ القُضْبَ بالدُّرَرْ
قد راقَ من ثغرهِ ابتسامُ / والوردُ في خَدِّها خَفَرْ
إِنْ قيلَ مَنْ بَعْلُها المفَدَّى / وَمَنْ لَهُ وَصْلُها مُباحْ
أقولُ أسنَى الملوكِ رِفْدَا / مُخَلَّدُ الفَخْر بالصِّفاحْ
مُحَمَّدُ الحمدِ حينَ يُهْدَى / ثناؤُهُ عاطِرَ الرياحْ
تُخْبِرُ عن طيبهِ الكِمامُ / والخُبْرُ يُغْني عن الخَبَرْ
فالسعْدُ والرُّعْبُ والحُسَامُ / والنصْرُ آياتُهُ الكُبَرْ
ذو غُرةٍ تَسْحَر البُدُورَا / وطلعةٍ تُخْجِلُ الصّباحْ
كم رايةٍ سَامَها ظهورَا / تُظَلِّلُ الأَوجُهَ الصِّبَاحْ
وكم ظَلامٍ جَلاهُ نُورَا / أَظْفَرَ بالفَوزِ والنجاحْ
الطَّاهرُ الظَّاهرُ الهُمامُ / أَعَزُّ من صَالَ وافْتَخَرْ
لِسَيْفِهِ في العِدى احتكِامُ / جرَى بِهِ سابِقُ القَدَرْ
يا مُرسِلَ الخيرِ في الغِوارِ / لو تَطْلُبُ البحْرَ تَلْحَقُ
لَكَ الجواري إذا تجاري / سَوابقَ الشُّهْبِ تسْبِقُ
تَسْتَنُّ في لُجَّةِ البِحارِ / فالكُفرُ مِنْهُنَّ يَفْرَقُ
فَالدَّيْنُ وَلْيُقْصَرِ الكلامُ / بسيفِكَ اعْتَزَّ وانتصَرْ
كذاكَ أَسْلافُكُ الكرامُ / هُمْ نصَروا سَيِّدَ البَشَرْ
نسيمُ غرناطةٍ عَليلُ
نسيمُ غرناطةٍ عَليلُ / لكنَّهُ يُبْرئُ العليلْ
وروضُها زهرهُ بليلُ / ورشفُهُ ينقَعُ الغَليلْ
سَقَى بنجدٍ رُبَى المصَلَّى / مباكراً روضَهُ الغَمامْ
فَجَفْنُهُ كلما استهلاَ / تبسَّمَ الزهْرُ في الكِمامْ
والروض بالحسن قد تحلى / وجَرَّدَ النهر عن حُسامْ
ودَوْحُها ظِلُّهُ ظليلُ / يَحْسُنُ في ربعه المقيلْ
والبرقُ والجَوُّ مستطيلُ / يَلْعَبُ بالصارم الصَّقيلْ
عَقيلةٌ تاجُها السبيكهْ / تطِلُّ بالمرقَبِ المنيفْ
كأنْها فَوقَهُ مليكهْ / كرسيُّها جنةُ العريفْ
تطبَعُ من عسجد سبيكهْ / شموسُها كلها تطيفْ
أَبْدَعَكَ الخالقُ الجميلُ / يا منظراً كُلُّهُ جَميلْ
قلبي إلى حسنه يميلُ / وقَبلنا قد صَبَا جميلْ
وزادَ للحسنِ فيكَ حُسْنا / مُحَمَّدُ الحمدِ والسَّماحْ
جَدَّدَ للفخرِ فيك مَغْنى / في طالعِ اليُمْنِ والنجاح
تدعى دشاراً وفيكَ مَعْنى / يخصُّكَ الفَألُ بافتتاحْ
فالنصرُ والسعدُ لا يزولُ / لأَنَّهُ ثابتٌ أَصيلْ
سعدٌ وأنصارُهُ قبيلُ / آباؤه عترة الرسولْ
أَبْدَى به حكمةَ القديرِ / وَتَوَّجَ الروضَ بالقِبابْ
ودرَّعَ الزهْرَ بالغديرِ / وزيَّنَ النهرَ بالحَبَابْ
فمنْ هديلٍ ومنْ هديرِ / ما أولعَ الحسنَ بالشبابْ
كَبَتْ على روضها القَبولُ / وطرفُها بالسُّرى كَليلْ
فلم يزلْ بينَها يجولُ / حتى تبدتْ له حجولْ
للزهر في عطْفها رُقُومُ / تلوحُ للعينِ كالنجومْ
وللندى بينها رسومُ / عِقْدُ الندى فوقَهُ نظيمْ
وكل وادٍ بها يَهيمُ / ولم يزلْ حولَهَا يَحُومْ
شنيلُها مَدَّ منهُ نيلُ / والشينُ ألفٌ لمستنيلْ
وعَيْنُ وادٍ بِهِ تسيلُ / من فوقِ خدٍّ له أَسيلْ
كم من ظلالٍ به ترفُّ / تضفو لَهُ فوقَها ستورْ
ومن زجاجٍ بهِ يَشِفُّ / ما بيْنَ نَوْرٍ وبين نُورْ
ومن شموسٍ بها تُصَفُّ / تُديرُها ببينها البدورْ
مِزاجُها العذبُ سلسبيلُ / يا هَلْ إلى رشفها سبيلْ
وكيف والشيبُ لي عذولُ / وصِبغُهُ صُفْرَةُ الأَصِيلْ
يا سرحةً في الحمى ظليلَهْ / كم نِلْتُ في ظلِّكِ المُنَى
رَوَّضَكِ اللهُ من خَمِيلَهْ / يُجنَى بها أَطيبُ الجَنَى
وبرقُها صادقُ المَخِيلَهْ / ما زالَ بالغيثِ مُحْسِنَا
أنجزَ لي وعدَك القَبولُ / فلمْ أَقُلْ مِثْلَ من يقولْ
يا حسرة الحي يا مطولُ / شرحُ الذي بيننا يطولْ
قد طَلَعَتْ رايةُ الصَّباحِ
قد طَلَعَتْ رايةُ الصَّباحِ / وآذنَ الليلُ بالرَّحيلْ
فباكرِ الروضَ باصْطباحِ / واشربْ على زهرِهِ البَليلْ
فالوُرْقُ هَبَّتْ من السُبَاتِ / لمنْبَرِ الدوحِ تخطُبُ
تسجَعُ مُفْتَنَّةَ اللُّغاتِ / كُلٌّ عن الشوقِ يُغربُ
والغصنُ بعدَ الذَّهابِ يَاتِي / لأكؤسِ الطلِّ يشرَبُ
وأدمع السُّحْبِ في انسياحِ / في كل روضٍ لها سبيلْ
والجَوُّ مستبشرُ النَّواحِي / يلعبُ بالصارمِ الصقيلْ
قُمْ فاغتنمْ بهجةَ النفوسِ / ما بَيْنَ نَوْرٍ وبين نورْ
وشَفِّع الصبح بالشموسِ / تديرها بيننا البدورْ
ونَبِّهِ الشَّربَ للكؤوسِ / تُمزَجِ من ريقة الثغورْ
ما أَجْمَلَ الراحَ فوقَ راحِ / صَفْراءَ كالشَّمْسِ في الأَصيلْ
تغادرُ الصدرَ ذا انشراح / للأُنسِ في طَيِّهِ مَقيلْ
ولا تَذَرْ خمرةَ الجُفونِ / فَسُكْرُها في الهوى جنونْ
ولتخشَ من أسهم العُيُونِ / فَإِنَّهَا رائدُ المنونْ
عرضت منها إلى الفُتُونِ / وكلُّ خطبٍ بها يهونْ
أهيمُ بالغادةِ الرَّداحِ / والجِسْمُ من حُبِّها عَليلْ
لَوْ بِتُّ منها عَلى اقتراحِ / نَقَعْتُ من ريقها الغليلْ
أُوَاعِدُ الطيفَ للمنامِ / ومَنْ لِعَيْنَيَّ بالمنامْ
أسهرُ في ليلةِ التمامِ / وأنتَ يا بدرُ في التمامْ
وأَلْثمُ الزهرَ في الكِمامِ / عليه من ثغرِكَ ابتسامْ
سَفَرْتَ عن مَبْسِمِ الأقاحِ / وَريقُكَ العَذْبُ سَلْسَبيلْ
قُلْ ليَ يا رَبَّة الوشاحِ / هلْ لي إلى الوصْلِ من سبيلْ
يا لعبةَ الحسنِ زِدتَ حُسْنَا / وللهوى حولكَ المطافْ
وغصنَ بانٍ إِذَا تَثَنَّى / لو حان من زهرك القطافْ
أَلاَ انعطافٌ على المعَنَّى / فالغصنُ يُزْهي بالانعطافْ
أَصْبَحْتَ تَزْهُو على المِلاحِ / بذلكَ المنْظَرِ الجميلْ
ووجهُكَ الشمسُ في اتضاحِ / لو أنها لم تكنْ تميلْ
ما الزَّهْرُ إِلاَّ بنظْم دُرِّ / تُحْسَدُ في حُسْنِهِ العُقُودْ
للملكِ الظاهرِ الأغّرِّ / أكرمِ مَنْ حُفَّ بالسعودْ
محمدِ الحمدِ وابنِ نصرِ / وباسطِ العدلِ في الوجودْ
مُساجِلِ السحبِ في السماحِ / بالغيثِ من رِفْدِهِ الجليلْ
ومُخْجلِ البدرِ في اللياحِ / بغُرَّةٍ مَا لَهَا مثيلْ
يا مُشْرِبَ الحبِّ في القلوبِ / وواهبَ الصَّفْح للصِّفَاحْ
نُصرتَ بالرعبِ في الحروبِ / والرُّعبُ أجدَى من السِّلاَحْ
قد لُحْتَ من عالم الغيوبِ / لم تعدمِ الفَوْزَ والفَلاَحْ
مراكشٌ نُهبَةُ افتتاحِ / والصنعُ في فَتْحها جليلْ
بشراك بالفتحِ والنجاحِ / والشكرُ من ذلكَ القبيلْ
أَبْلِغْ لغرناطةٍ سلامي
أَبْلِغْ لغرناطةٍ سلامي / وصِفْ لها عهديّ السليمْ
فَلَوْ رَعَى طيفُها ذمامي / ما بتُّ في ليلة السليمْ
كَمْ بتُّ فيها على اقتراحِ / أُعَلُّ مِن خمرةِ الرُّضَابْ
أُديرُ فيها كؤوسَ راحٍ / قد زانَها الثغرُ بالحَبَابْ
أختال كالمهرِ في الجِماحِ / نشوانَ في روضةِ الشبابْ
أضاحِكُ الزهر في الكِمامِ / مُباهياً روضَهُ الوسيمْ
وأَفضحُ الغصنَ في القوامِ / إِنْ هبَّ من جَوِّها نسيمْ
بَيْنَا أَنّا والشبابُ ضافِ / وظِلُّيهُ فوقَنا مَديدْ
ومورد الأنسِ فيه صافِ / وبُرْدُهُ رائقٌ جديدْ
إِذْ لاحَ في الفَوْدِ غَيْرَ خافِ / صُبْحٌ به نَبَّهَ الوَليدْ
أَيْقَظَ من كانَ ذَا منامِ / لما انْجَلَى لَيْلُهُ البهيمْ
وأرسلَ الدمعَ كالغمامِ / في كلِّ وادٍ به أهيمُ
يا جيرةً عَهْدُهُمْ كريمُ / وفِعْلُهُمْ كُلِّهمْ جميلْ
لا تعذُلُوا الصبَّ إِذْ يهيمُ / فقبلَهُ قد صَبا جميلْ
القربُ من ربعكم نعيمُ / وبُعْدُكم خطبُهُ جَليلْ
كم من رياضٍ به وِسَامِ / يُزهى بها الرائض المسيمْ
غديرها أزرق الجمامِ / ونبتُها كُلُّه جميمْ
أَعِنْدَكُمْ أَنّني بِفاسِ / أُكابدُ الشوقَ والحنينْ
أذكرُ أهلي بها وناسي / واليومُ في الطولِ كالسنينْ
اللهُ حسبي فكم أُقاسي / من وحشةِ الصبحِ والبنينْ
مطارحاً ساجِعَ الحمامِ / شوقاً إلى الإِلْفِ والحميمْ
والدمعُ قد لَجَّ في انسجامِ / وقد وَهَى عِقدُهُ النظيمْ
يا ساكني جَنَّةِ العريفِ / أُسْكنْتُمُ جَنَّةَ الخلودْ
كم ثَمَّ من منظرٍ شريفِ / قد حُفَّ باليُمْنِ والسُّعُودُ
وربَّ طودٍ به منيفِ / أدواحُهُ الخضرُ كالبنودْ
والنَّهْرُ قد سُلَّ كالحسامِ / لراحةِ الشَّربِ مستديمْ
والزهرُ قد راقَ بابتسامِ / مُقَبِّلاً راحةَ النديمْ
بَلَّغْ عبيدَ المقامِ صَحْبي / لا زلْتُمُ الدهرَ في هَنَا
لقاكُمُ بُغْيَةُ المُحبِّ / وَقُربُكُمْ غايةُ المنَى
فعندكُمْ قد تركتُ قَلبي / فجدَّدَ اللهُ عَهْدَنَا
ودارك الشمل بانتظامِ / من مُرتجى فضلِهِ العميمْ
في ظلِّ سُلطانِنا الإمامِ / الطاهرِ الظاهرِ الحليمْ
مُؤمِّنُ العُدْوتَيْنِ مِمَّا / يُخَافُ من سطوةِ العِدَى
وفَارجُ الكربِ إِنْ أَلَمَّا / ومُذهبُ الخطب والردَى
قد راقَ حُسناً وفاقَ حِلْمَا / وما عدا غير ما بدا
مَوْلاَي يا نخبةَ الأَنّامِ / وحائزَ الفخر في القديمْ
كَمْ أرقبُ البدرَ في التمامِ / شوقاً إلى وجهِكَ الكريمْ
في طالعِ اليُمْنِ والسُّعودِ
في طالعِ اليُمْنِ والسُّعودِ / قد كَمُلَتْ راحةُ الإمامْ
فأشرقَ النُّورُ في الوجودِ / وابتسمَ الزَّهْرُ في الكِمَامْ
قد طَلَعَتْ رايةُ النجاحِ / وانهزَم البؤسُ والعَنَا
وقال حَيَّ على الفلاحِ / مُؤذِّنُ القوم بالمنَى
فالدهر يأتي بالاقتراحِ / مُسْتَقْبلاً أوجهَ الهنا
تخفقُ منشورةَ البرودِ / والسعدُ يقدمُ من أَمامْ
والأُنسُ مُسْتَجمَعُ الوفودِ / واللطفُ مستعذَبُ الجمامْ
وأكؤسُ الطلِّ مُتْرَعَاتِ / بأنمل السوسَنِ النَّدي
والطيرُ مُفْتَنَّةَ اللغاتِ / تشدُو بأصواتِ مَعْبَدِ
والغصنُ يَذْهبُ ثُمَّ يَاتِي / بالسُّندسِ الغضِّ مرتدي
والدوحُ يُومي إلى السُّجودِ / شكراً لذي الأنعمِ الجسامْ
والريحُ خفَّاقَةُ البنودِ / تباكر الروض بالغَمَامْ
مظاهرٌ للجمالِ تُجْلَى / قد هَزَّ أعطافَها السرورْ
وباهرُ الحسنِ قد تجلَّى / ما بين نَوْرٍ وبين نُورْ
قد هَنَّأَتْ بالشفاءِ مولى / بعصرِهِ تفخرُ العصورْ
ما بين بأسٍ وبين جودِ / قد مَهَّدَ الأمنَ للأنامْ
فالدينُ ذو أَعيُنٍ رقودِ / وكان لا يطعَمُ المنامْ
والكأسُ في راحةِ السقاةِ / تروحُ طوراً وتَغْتَدِي
يهديكها رائقُ السِّماتِ / ما بين برقٍ وفَرْقَدِ
والشمسُ تذهبُ للبياتِ / قد لَبِسَتْ ثوبَ عَسْجَدِ
والزهرُ في اليانعِ المجودِ / يقابلُ الشَّربَ بابتسامْ
والروضُ من حلية الغمودِ / قد جَرَّدَ النهرَ عن حسامْ
مولايَ يا أشرفَ الملوكِ / وعصمةَ الخلقِ أجمعينْ
أُهديكَ من جوهر السلوكِ / يقذفُهُ بحرُكَ المَعينْ
جعلت تنظيمه سلوكي / وأنت لي المنجد المعين
تحيةُ الواحدِ المجيدِ / ورحمةُ الله والسلامْ
عليك من راحم ودودِ / يا مُخْجلَ البدرِ في التمامْ
قد أَنْعَمَ اللهُ بالشفاءِ
قد أَنْعَمَ اللهُ بالشفاءِ / واستُكْمِلَتْ راحةُ الإمامْ
فلْتَنْطقِ الطيرُ بالهناءِ / وَلْيَضْحَكِ الزهرُ في الكِمامْ
وجودُهُ بهجةُ الوجودِ / وبُرؤُهُ راحةُ النفوسُ
قد لاحَ في مرقبِ السعودِ / واستبشرت أوجُهُ الشموسْ
فالدوحُ يُومي إلى البنودِ / أكمامُهُ غَطَّتِ الرُؤُوسْ
والزُّهْرُ في روضةِ السماءِ / كالزَّهر قد راق بابتسامْ
والصبحُ مُستشرفُ اللواءِ / والبدرُ مستقبلُ التمامْ
محاسِنُ الكونِ قد تَجَلَّتْ / جمالُها العقلَ يَبْهُرُ
عرائسٌ بالبها تَحَلَّتْ / والطلُّ في الحَلْي جَوْهَرُ
وأَلْسُنُ الوُرْقِ قد أَمَلَّتْ / مدائحاً عنه تشكُرُ
تَستَوْقِفُ الخلْقَ بالغناءِ / كأنَّها تُحسِنُ الكلامْ
تُطْنِبُ للهِ في الثناءِ / تقولُ سُلِّمتَ يا سلامْ
كَمْ مِنْ ثُغورِ لَهَا ثُغُورُ / تَبْسِمُ إِذْ جاءَها البشيرْ
ومن خدور بها بدورُ / يشيرُ منها له المشيرْ
تقولُ إِذْ حَفَّها السرُورُ / تباركَ المنعمُ القديرْ
قد أنعمَ اللهُ بالبقاءِ / في ظلِّ مولّى بِهِ اعتصامْ
قد صادفَ النجحَ في الدَّواءِ / فالداء عَنَّا لَه انفصامْ
يهنيكَ مولايَ بل يُهَنَّى / بِبُرْئِكَ الدينُ والهُدَى
فالغربُ والشرقُ منكَ يُعْنَى / بمذهبِ الخطبِ والردَى
واللهِ لولاكَ ما تَهنّا / ما فيهِ من سطوة الردَى
يا مورِدَ الأَنْفُسِ الظِماءِ / قد كانَ يَشْتَفُّها الأَوامْ
وقرةَ العينِ بالبهاءِ / رَدَدْتَ للأعْيُنِ التمامْ
لَوْ أبذلُ الروحَ في البشارَهْ / بَذَلْتُ بعضَ الذي مَلَكْ
فأنتِ يا نفسُ مُسْتعارَهْ / مولايَ بالفضلِ جَمَّلَكْ
لم أَدْرِ إِذْ سطَّرَ العبارَهْ / أَمَلِكٌ هُوَ أم مَلَكْ
لا زلتَ مولايَ في هَنَاءِ / مُبَلَّغَ القَصْدِ والمرامْ
ودمتَ للملكِ في اعتلاءِ / تسحبُ أَذْيالَهُ الغمامْ