المجموع : 152
قدم المدى وأرى الهوى يتجدد
قدم المدى وأرى الهوى يتجدد / ما اليوم يأتيني بما يأتي غد
يا نظرة ما كنت أقصد شرها / أكذاك انت فكيف بي لو أقصد
ظرف الهوى ما بيننا وحلا به / هذا السهاد فخاب من لا يسهد
إن كنت تطلب شاهداً بمحبتي / فاسأل فؤادك إنه لي يشهد
طال البعاد وطوله لا ينقضي / فكأننا في كل يوم نبعد
أهفو إذا هتفت عليّ نسائم / من مصر أو أشفى علي الفرقد
ويزيد عن وجدي عليك تحسري / فأكاد لا أدري بأني موجد
وأصون صبري أن يبدده الأسى / أمد النوى لكنه يتبدد
من كان مثلك مفرداً في عصره / لا غرو أن يصبو إليه المفرد
يا من دعاني في المحبة أوحداً / لم لا ينال رضاك هذا الأوحد
تتوقد النيران بين جوانحي / ويسر قلبي أنها تتوقد
إني أبثك ما أجن على النوى / حتى كأنك ههنا لي مسعد
وإذا الدجى حكمت علي طباقه / وانحط فوق الأفق ظل أسود
أشكو إلى الرحمن فيك ظلامتي / والعرش دان والملائك سجد
خلق الغرام لنا ونحن له فهل / لسوى الغرام هنا وليد يولد
الدهر صب والطبيعة صبة / والعشق بينهما يشب ويخمد
أفروق لي كبد لديك عهدتها / لا تشتفي وقد أشتفت بك أكبد
أنا فيك مشتاق إليك ومن رأى / شوقاً إذا نفد الهوى لا ينفد
تدنيي مما به تقصينني / فاسر في الحالين مما أكمدُ
لا تجحدي ماضي الوفاء فإنهُ / قامت دلائلهُ بما لا يجحد
ما للحوادث جندت لي جندها / أمع الهدون لها تظل تجنّدُ
عاد لها أن لا تنام عن الوغى / والوقت سلم والعزائم هجّدُ
قد كنت ألقاها وسيفي مصلت / فاليوم ألقاها وسيفي مغمدُ
وإذا الفتى اضطربت جوانب عيشه / وبدا لهُ في الحظ وجه أربد
قامت متون الناقلات بأمره / وجرى بهِ فيما يريد الفرقدُ
والله لا أرضى الهوان من امرئ / والموت فيه لكل حر موردُ
هي همة هوجاء يبعث بعضها / بعضاً وتفتأ دهرها تتجدّدُ
يا مجد قومي لم أفدك زيادة / قد مُجّدوا في عصرهم ما مُجدوا
أعطيت مقودي الصبا فجرى به / وسواي في يده يكون المقودُ
فأطال تفنيدي عليه مفنّد / ولكل صب في صباه مفندُ
أرمي وترميني شبيهات المها / فسهامها تصمي وسهمي يصردُ
يا رب ما للغانيات ولامرئ / تفنى تجلّدُه إذا يتجلّدُ
وارحمتا لأُلي الهوى وارحمتا / كم شُرّدوا بيد الغرام بُدّدوا
همُ والحمائم أهل شأن واحد / إن غرّدت فوق الأراكة غرّدوا
يا من نأيت ولي حنين نحوه / أملي به للناشدات فتنشدُ
أأرى الزمان يعود يُبرد غلتي / بلقاك بعد اليوم أم لا يُبرد
هيهات ما للقائنا من موعدٍ / عزّ اللقاء وعزّ معه الموعدُ
قد كان يجهد في تفرقنا النوى / حتى استطاع فما له لا يجهدُ
إنا اقتسمنا الحمد فيما بيننا / فأنا محمده وأنت الأحمدُ
أبداً أجود بخلتي لك راضياً / وتجود إلا أن جودك أجودُ
هذا بناءٌ في الإخاء مشيدٌ / دام الإخاء ودام من هم شيّدوا
إني لأعهد فيك صون مودتي / يا ربّ صنها مثل ما أنا أعهد
عوّذ كمالك من عيون حُسّد / ترنو إلى أهل الكمال فتحسد
واستعبد الدنيا بعزم قاهر / قد ناله أسلافنا فاستعبدوا
فاليوم لا المرء النبيل معزّز / كلا ولا الرجل الأصيل مسوّدُ
الشرق أوشك أن يُهد بناؤهُ / إن الخطوب لنا بذاك تهدّد
كان الموطد قبل ذاك وإنما / ذهب الذين من المقاول وطدوا
لهفي على عيش حرمت بقاءهُ / ولي لعمري وهو عيش أرغد
أيام يلقاني ويلقاك الهوى / وله من الإخوين ثم تودّد
ونصول بالأقلام في الدّول التي / كبرت فلولا الله كادت تعبدُ
والعصر جافٍ والخطوب شديدة / والباب من دون السلامة موصدُ
تهنا زماناً في الشبيبة فانقضى / وسينقضي والخير أو نتزوّدُ
يا سيدي وأخي كفاني أن أرى / أن قد يهنئني أخ لي سيّدُ
هنأتني فلك الثناء من امرئ / لولاك لم يك بالسعادة يسعدُ
عوّدتني منك الوفا فشكرته / والمرء في الدنيا كما يتعودُ
فلتحي للعلياء نوراً ساطعاً / يفنى المدى وثناء فيك يخلّدُ
أما لو يفيد العتب لارتاح عاتبه
أما لو يفيد العتب لارتاح عاتبه / دعوه فهذا البرق لا بد كاذبه
قلوبكم هامت كما هام قلبُهُ / وأمس طلبتم ما هو اليوم طالبهُ
فلا تحسبوه خاسراً ليس خاسراً / تجاربكم زالت وهذي تجاربه
لهُ مثلهُ في أنسه ونفاره / يراضيه أياماً وأخرى يغاضبه
بأية عين أم لأية زلّة / نراقبه في حبِه ونحاسبه
ألا أنه سهم أصاب فؤاده / وكل فؤاد ذلك السهم صائبه
تذكرت ريعان الشباب الذي مضى / فأحزنني أن لن تعود أطايبه
لقد كنتُ أقضي ليلتي في حديثه / يسائلني عن حبه فأجاوبه
سمعتُ بنات الورْق تشدو ضحيّة / فقلت اسمعوا هذه الطيور تخاطبه
لها مهجٌ فيها هوى تحتهُ لظى / فإما سرت ريح توقد لاهبه
أرى اليأس أدنى للشفاء من الرجا / إذا عزّ مطلوب سلا عنه طالبه
وكم من جوى مستمكن في جوانح / أهاب به لوم فجاشت غواربه
وداعاً أيها الملك الجليل
وداعاً أيها الملك الجليل / دنا سفر ومهدت السبيل
ستحملك النجائب نحو ملك / كهذا الملك لكن لا يزول
وعرش ليس ترقاه المنايا / وتاج فوق رأسك لا يميل
أهذا الوجه يدركه أفول / نعم والزهر يدركها أفول
ألا فلتبكه مقل الأعالي / وإن كثير أدمعها قليل
لقد عزفت له أمس المعالي / وهذا اليوم نغمتها عويل
سمعت مدافع الأحزان تدوي / فقلت لصحبتي نبأ جليل
وأبصرت البنود منكسات / تقاصر في الفضاء وتستطيل
خوافق كالضمائر في اساها / كأن بها صواريها تشول
واحست حمرها مسحت دموعاً / على بعض الخدود غدت تسيل
رويداً إيها الركب المنائي / لأمر ما تعجلك الرحيل
تسير بمن تشيعه الأماني / لمثواه وتتبعه العقول
تنقل في قصور العزحتى / يكون لقصره الأبقى وصول
وجل بالنعش في أرجاء ملك / كما قد كان صاحبه يجول
فذاك تعلل لو كان يشفي / غليل النفس لانطفأ الغليل
بكى التاميز صاحبه المفدى / فجاوبه هنا هرم ونيل
وباب البحر جف به عباب / وبات البر سلن به سهول
هناك السابحات لها زفير / وثم السابقات لها صهيل
تشابه لا عجات في الخوافي / إذا اختلفت ظواهرها الشكول
لقد هال الورى خطب دهاهم / ولا عجب فذا خطب يهول
قضى أدورد عن مجداثيل / ويبقى بعده المجد الأثيل
فإن ثكلته أمته لحين / فإن لمثله الدنيا ثكول
وإن يك ساءه عمر قصير / فإنا ساءنا حزن طويل
وإن طال الحمام إلى علاه / فثم الهضب تغمرها السيول
فهل في المالكين له مثيل / أما والله ليس له مثيل
سيذكره السلام إذا اضمحلت / قواعده وكاد بها يميل
وتنشده السياسة إن دجتها / دياجي الشك وارتبك الدليل
وتطلبه العواصم لا تراه / وعاصمة البقاء له مقيل
أبا الأحرار لا ينساك حر / شبابهمو يجلك والكهول
رفعت بناءهم وجريت معهم / كذاك الليث تتبعه الشبول
تناديك الشعوب بكل أرض / فليتك سامع ماذا تقول
تناجي منك حاميها المرجى / وصولتها إذا قامت تصول
وهذا اليوم قد خفضت رؤوساً / كزهر الروض يخفضها الذبول
سلام الله يا ادورد منا / عليك وبعد فالصبر جميل
رُبّ فجر كالكأس قد أكفأوها
رُبّ فجر كالكأس قد أكفأوها / بعد ما طوّفت على الندمانِ
شُربت خمرها فلم يبق من آ / ثارها في الزجاج غير الدخان
تتراءى في جوفها قطرات / من بقايا النبيذ كالأرجوان
عمر الشباب لقد مضيت محببا
عمر الشباب لقد مضيت محببا / وتركت لي عمرا سواك بغيضا
أُمحى وتثبتني الشقاوة كارها / مثل الكتاب يكابد التبييضا
عُوّدتُ أمراضي وطولَ تألمي / حتى كأني قد ولدت مريضا
ما هاج في الأطيار هذا النواح
ما هاج في الأطيار هذا النواح / روض أريض ونمير قراح
تبكي على أعقاب ملك الدجى / أم هللت من فرح بالصباح
وشاعر الفجر على ربوة / مستقبل دولته بالصياح
يختال في حلة أرياشه / يضرب تيهاً بالجناح الجناح
يضطرب العرف على رأسه / كتاج ملك في مجال الكفاح
أحمر كالجمرة يسعى بها / مقتبس عند أشتداد الرياح
كأنها من شعاع النفس قد خلقت
كأنها من شعاع النفس قد خلقت / فليس يدركها نقص ولا دنس
تزكو شمائلها في روح عاشقها / كما زكا بأريج الوردة النفس
يا ملك الشعر أطلت المنامْ
يا ملك الشعر أطلت المنامْ / استيقظ اليوم وعد للكلام
البلبل الشادي وباكي الحمام / كلاهما يهدي إليك السلام
لكن ستر القبر لا يرفعُ / وأنت من مثواك لا تطلعُ
لكل قوم شاعر مفلقُ / لسانه عن مجدهم ينطقُ
وأنت من سابقهم أسبقُ / تفوت من فات ولا تُلحق
كالبرق في عليائه يلمعُ / وكل طرف إثره يطلعُ
بكى امرؤ القيس على منزل / بين الدخول القفر أو حوامل
وضج من ليل الهوى الأليلِ / فصاح يا ليل ألا فانجلي
وراح في ضلته يمزعُ / إذا دعت أهواؤهُ يتبعُ
وشأن هومير بإلياذته / شأن إله الحرب في غارته
جرى مع الشعب على عادته / كالعبد لا يعصى هوى سادته
وشاعر الأمة إذ يخضعُ / كالخادم الخائن إذ يخدعُ
جمال كأن النفس بعض شعاعه
جمال كأن النفس بعض شعاعه / إذا غاب أمسى موضع النفس مظلما
أظل أناجيه فالفيه صامتاً / ولو أدركته لوعتي لتكلما
رعى الله هذا القلب لم يؤت رحمة / لقد كنت أرجو أن أذوب ويرحما
أتصبر والمتيم غير صابر
أتصبر والمتيم غير صابر / وتهجر والمتيم غير هاجر
صدقت فكل حب فيه بدء / يكون وكل حب فيه آخر
أظنك قد هجعت الليل بعدي / ولم تعلم بأني فيه ساهر
سأزجر عن هواك غداً فؤادي / ولا والله لست غداً بزاجر
فزد تيهاً ازد حباً فإني / وإن أسرفت في هجري لشاكر
طال هذا البعاد جداً فمن لي
طال هذا البعاد جداً فمن لي / بسبيل تدنى إليك قليلاً
كلما قلتفي غد نتلاقى / حلف الدهر صادقاً أن يحولا
بي شوق نما فأضحى هياما / وهيام نما فأمسى غليلاً
قد أذاب البعاد جسمي حتى / فني الجسم ثم أبقى النحولا
عجباً كيف لا تكونين مثلي / عجبا كيف تصبرين طويلاً
كل ذي لوعة يريد مثيلاً / وأنا في الهوى أريد مثيلاً
إسهري الليل واذرفي مثل دمعي / واذكريني إذا ذكرت عليلا
لك يا مي خاطري ولساني / فاجعلي منهما رضاك بديلا
قد علمت الوفاء فيك ولكن / ليس يرتاح من أحب جميلا
هل يعقل الدهر وهل يسمع
هل يعقل الدهر وهل يسمع / فما الذي يشكو له الموجع
تجري صروف لا على نية / نخالها تبطئ إذ تسرع
وكلنا شاك وباك على / تكاد لا تمسكها الأضلع
وصاحب النعمة لاه بها / وحامل النقمة لا يهجع
رحماك يا خالق هذا الورى / إرث لبلواه إذا يضرع
صعب علينا بعض ما قد جرى / أما إذا شئت فما نصنع
أتسقم ميّ وأبقى صحيحاً
أتسقم ميّ وأبقى صحيحاً / ألا أنني الصاحب الخائن
فيا ويح قلبي من غادر / لقد غر بالمسكن الساكن
إذا لم يكن مان في وده / فها هو في عهده مائن
فيا رب هب لي مواجع مي / بأضعاف ما يزن الوازن
وهب من حياتي حياة لها / وإني لأمثالها ضامن
لها من أمانك ركن منيع / ومن أنت أمنته آمن
أفدن صبابة وأفدت وداً
أفدن صبابة وأفدت وداً / فصُنتُ صبابتي وأزلن ودي
كأني لم أبت معهن ليلاً / أطوف بقبلتي في كل خد
ليالي لا الوصال بذي امتناع / ولا دون المقاصر من مرد
عسى الحب النؤوم يهب يوماً / فيأخذ سلوتي ويرد وجدي
فنستجلي النسيب كما اجتلينا / ونخفي رقة الشكوى ونبدي
ونحزن تارة ونسرأخرى / ونهدي بالطلى حيناً ونهدي
ألا يامسرح الآرام اينع / لعلك جامعي بوماً بهند
من اللائي يمتن الصب عمداً / ويحين الضنى عن غير عمد
بفضلي في بني يكن ومجدي / وحسبك مقسماً فضلي ومجدي
قد استبعدني في الحب ظلماً / وسودت الزمان وكان عبدي
أطلت تدللاً واطلت صبراً
أطلت تدللاً واطلت صبراً / كلانا باذل ما يستطيع
لقد أودعت قلبك ما بقلبي / فضاع وكنت أحسب لا يضيع
رددت تضرعي ورددت دمعي / فليس يجاب عندك لي شفيع
فيا ويلاه من قلب عصي / يذوب بحبه قلب مطيع
ويا لهفي على أمل مباح / يدافع دونه بأس منيع
ويا حزني على هذي الأغاني / أرددها وليس لها سميع
اسيدتي الرفيعة إن روحي / يقربها إليك هوى رفيع
وأيام الصفاء وإن توانت / يطارد ركبها نأي سريع
أذا ذهب الربيع ولم أمتع / بنضرته فلا عاد الربيع
يا غراماً في بدئه كان حلواً
يا غراماً في بدئه كان حلواً / كيف أصبحت بعد ذلك مرا
لم أزل فيك أشكر الوصل حتى / أزف البعد فإغتدى الوصل هجرا
بالله من منا يصيب إذا اشتكى
بالله من منا يصيب إذا اشتكى / قولي اصيب كما أقول أصيب
قومي نسائل في السماء نجومها / فلقد اسائل بعضها فتجيب
أرنو إلى الآفاق وهي جوامد / ونثور أشجاني لها فتذوب
أريد مجلس أنس
أريد مجلس أنس / بسوح روض أريض
في ظل نخل طويل / بجنب نهر عريض
مع فاتنات حسانٍ / يجدن نظم القريض
متوجات بسودٍ / مؤزرات ببيض
مع لذة في انتباه / وضجرة في غموض
وأكؤس في رعود / وراحة في وميض
أمام عين حبيب / وراء عين بغيض
إن تم لي كل هذا / وفضت يا روح فيضي
شكاية شاك سوف يظهرها غداً
شكاية شاك سوف يظهرها غداً / ترددت الأشجان فيه فردّدا
كسير جناح جاور الروض أزمنا / وبات على خضر الغصون مغردا
جفاه ربيع فانثنى عنهُ وردهُ / فلم يلف إلا بعده الحزن موردا
فيا روض أن يصبح أديمك يابساً / ويمس بك الغصن اللبيس مجردا
وتندب بك الورقاء نوراً وزهرة / ويبك بك الشحرور باناً وأملدا
فدع كل صوت بعد صوتي فإنني / أنا الطائر المحكي والآخر الصدى
ألا ما لسيدتي ناحبه
ألا ما لسيدتي ناحبه / بروحي مدامعها الساكبه
يكاد على خدها الاحمرار / يبين لناظره لاهبهْ
وليست بمعرضة في دلال / ولكن أرى أنها غاضبة
ألا صدقت هذا العبرات / وقد كنت أحسبها كاذبة
لمن يذخر الودّ مسلوبهُ / إذا هو أرضى به سالبه
تمنيت لو كتبت ما بها / ولكنها لم تكن كاتبه
تفتش ليست ترى صاحباً / يقاسمها الحزن أو صاحبه
لقد غلب اليأس آمالها / وآمالها كانت الغالبه
أزيلي الحجاب عن الحسن يوماً / وقولي مللتُكَ يا حاجبه
فلا أنا منك ولا أنت مني / فرح ذاهباً إنني ذاهبه