المجموع : 138
دُموعُ عُيونٍ أم دِماءُ قُلوبِ
دُموعُ عُيونٍ أم دِماءُ قُلوبِ / على راحلٍ نائي المَزَارِ قريبِ
نعاه لنا الناعِي فأفْزَعَ مِثْلَما / تُراعُ بِصَوْتٍ في الظلامِ رهيب
فقلنا أبِنْ رُحْماكَ طارتْ عُقُولُنا / فلم نستَمِعْ من فِيكَ غَيْرَ نَعِيب
شككنا وكان الشكُّ أمْناً وراحةً / وَكم من يقينٍ في الحياة مُريب
حَنانَكَ إِنّا أُمّةٌ هَدَّ ركنَها / صِراعُ ليالٍ واصطلاحُ خُطوبِ
إذا كَشَفَتْ عنها القميصَ بدتْ بها / نُدُوبٌ لطعنِ الدهرِ فوق نُدُوبِ
وإِنْ أرسلتْ في ذِمَّةِ اللّه عَبْرَةً / على ابن سُرىً حامي الذِّمارِ وَثُوبِ
دَهَتْها الليالي في سواه ولا أرَى / شَعُوباً لهذا الناس مِثْلَ شَعُوبِ
تَدَاوَى من الإِعْوالِ بالبثِّ والبُكا / وتَشْفِي لَهِيباً للجوَى بلهيب
وتمسَحُ دمعاً كي تجودَ بِمثْلِهِ / وتَنْسَى أَريباً بادِّكارِ أَريب
فيأيُّها الناعِي إذا قُلْتَ فاتَّئِدْ / فما مُخطىءٌ في قولهِ كمُصيب
حَنَانكَ قُلْ ما شئتَ إلاّ فَجيعةً / بفقدِ كريمٍ أوْ فِراقِ حَبيب
فقال قَضَى قُلْنا قَضَى حاجةَ العُلا / فقال مَضَى قُلنا بغير ضَرِيب
فهزَّ اعتلاجُ الْحُزنِ أَضلاعَ صَدْرِهِ / وأخْفَى نَشيجاً تحتَ طيِّ نحِيب
وقال قضَى عبدُ العزيزِ ولم يكُنْ / نصيبُ امرىءٍ في الرِّزْءِ فوقَ نَصيبي
فواحسرتا مات الإِمامُ ولم تكُنْ / نِهايةُ هذِي الشمسِ غيرَ مَغيبِ
وغاض مَعِينٌ كان رِيّاً ورحمةً / وكلُّ مَعينٍ صائرٌ لنُضُوبِ
فَمَنْ لِكتاب اللّهِ يلمَحُ نُورَهُ / بعينِ بصيرٍ بالبَيانِ لبيب
ومَنْ يدفَعُ العادِي على دينِ أَحْمدٍ / بعزمٍ كَمَسنُونِ الْحِرابِ صَلِيب
وقد كُنْتَ يا عبدَ العزيزِ إِذا دَجَتْ / وقد قيل أمّا بَعْدُ خيرَ خَطِيب
بنفسِيَ مَن عَانى الحياةَ مُشَرّداً / يَجُوبُ من الآفاقِ كُلَّ مَجُوب
غريباً تَقاضاه الليالي حُشاشةً / ولكنّه للفضلِ غيرُ غريب
يطوفُ بأقطارِ البلادِ كأنه / خيالٌ مُلِمٌّ او خيالُ أَدِيبِ
ويطوي وراء البِشْرِ نفساً جَرِيحةً / وأعشارَ قلبٍ بالهُمومِ خَضِيب
أيشكو لئيمُ القومِ كَظّاً وبطْنَةً / ويَشْكو فتى الفتيانِ مسّ سُغُوبِ
لأمر غدا ما حَوْلَ مكةَ مُقْفِراً / جَديباً وباقي الأرضِ غيرُ جَديب
تُقَتِّلُنا الأيامُ وهْيَ حياتُنا / وتعُطي وما أبْصرْتُ غيْرَ سَليب
فما حِيلتي إِنْ كان بالماء غُصَّتي / ودائي إذا عَزَّ الدواءُ طبيبي
كأنَّ حِبالَ الشمسِ كِفّةُ حابِلٍ / تُحيطُ بنا من شمأَلٍ وجَنوب
نَروحُ بها والموتُ ظمآنُ ساغبٌ / يلاحظُنا في جَيْئَةٍ وذُهوب
على الشَّفَقِ المُحْمرِّ مِنْ فَتكاتِهِ / بَقايَا دَمٍ للذاهبينَ صَبيب
هل الدَّهْرُ إلاّ ليلةٌ طال سُهْدُها / تَنَفَّسُ عن يومٍ أَحَمَّ عَصِيب
وليس ترابُ الأرضِ غَيْرَ تَرائبٍ / وغيرَ عُقولٍ حُطِّمتْ وقُلوبِ
سَلُوا وَجَناتِ الغِيدِ في ذِمَّةِ الثَّرَى / أتُزْهَى بحسنٍ أَمْ تُدِلُّ بِطيب
وكانت شِبَاكاً للعُيونِ فأصبحتْ / ولستَ تَرى فيهنَّ غَيرَ شُحُوب
فَيَا مَنْ رأَى عبدَ العزيزِ تَنُوشُه / نُيُويبٌ لعادي الموتِ أَيُّ نُيُوب
طريحاً على أيدي الأُسَاةِ كأنّه / حِمالةُ عَضْبٍ أو رِشاءُ قَليبِ
فَيَا وَيْحَ للصدرِ الرّحيبِ الّذي غدا / بمُزْدَحِمِ الآلامِ غيرَ رَحيب
تدِبُّ به في مَوْطِنش الحلمِ علّةٌ / لها كالصِّلال الرُّقشِ شَرُّ دَبِيبِ
تَرى القلب منها واجباً أنْ تَمَسَّهُ / فتتركَهُ قلباً بغيرِ وَجِيب
أصَابَتْ نِظَاماً للمعالي فبدَّدَتْ / ومقصِدَ آمالٍ ومجدَ شُعُوب
لقد كنتَ تُعْلي في الحياةِ قَصائدي / وتهتزُّ عُجْباً إِنْ سَمِعتَ نَسيبي
فهاكَ نِداءً إنْ يَجِدْ منكَ سامعاً / وهاكَ رِثاءً إنْ يَفُزْ بمُجِيب
رِثاءٌ يكادُ المَيْتُ يَحْيَا بلفظِهِ / ويَحْبِسُ شمسَ الأُفْقِ دونَ غُروب
فطارِحْ به الْخَنْساءَ إِن جُزْتَ دارهَا / ونافِسْ به إن شئتَ شِعرَ حَبيب
تمنّيتُ لو أرستُ شعري مع البُكا / بغيرِ قَوافٍ أو بغيرِ ضُرُوب
وصَيَّرْتُ أنّاتي تفاعيلَ بحرِهِ / وجِئْتُ بوَزْنٍ في القَريضِ عجيبِ
فإِنّي رأيتُ الشِّعْرَ تنفِرُ طيرُهُ / إِذا دُهمتْ من فادحٍ بهبُوبِ
تَهَابُ القوافِي أَنْ تمَسَّ جَلاَلةً / لذي شَمَمٍ ضَافِي الجلالِ مَهِيب
عليكَ سلامُ اللّه ما ناح طائرٌ / على غُصُن غَضِّ الإِهابِ رطيب
أجابتْ نداءَ الحقِّ سُمْرُ العواسلِ
أجابتْ نداءَ الحقِّ سُمْرُ العواسلِ / وعادتْ إلى الأغماد بيضُ المَناصلِ
وقرّت قلوبٌ جازعاتٌ خوافِقٌ / وخالَطَ دمعُ البشرِ دمعَ الثواكل
وطافت على الشرِّ المناجِزِ حكمةٌ / أطاحتْ بما قد حاكه من حبائل
وأطفأ نيرانَ العداوةِ وابلٌ / من الْحِلم حَيّا صَوبَه كلُّ وابل
وصفّق بالبشرى الفراتُ ودِجْلةٌ / على نغماتِ الساجعاتِ الهوادل
وحطّمتِ السلْمَ الْحُسامَ فلَم تَدَعْ / به بعدَ طولِ الفتكِ غيرَ الحمائلِ
فليت زُهيْراً بيننا بعدَ ما خَبَتْ / لظَى الحربِ وانجابت غيومُ القساطلِ
هو السيف أطغَى ما خضعتم لحكمه / إذا ما انتضاه الحقدُ في كفِّ جاهل
يقطِّعُ أوشاجاً علينا عزيزةً / ويبترُ جبّاراً كريمَ الوصائل
يسيلُ دمُ القُرْبَى عليه مطهَّراً / أعزَّ وأزكَى من نجيع الأصائل
أخي أنت دِرْعي إنْ ألمّت مُلِمّةٌ / وإن فدحتْني عابساتُ النوازل
أخي أنت من نفسي دماؤك من دمي / فإن كنتُ مأكولاً فكنْ خيرَ آكل
أأرمي أخي يا ويلَ ما صنعتْ يدي / فيا ليتها كانتْ بغيرِ أنامل
إذا مسَّني خَطْبٌ فأولُ راكبٍ / يخوضُ لي الْجُلَّى وأَسرعُ نازل
أكلتُ دماً إنْ لم أزُدْ عن حياضِهِ / كريماً وأدفَعْ عنه كيدَ الغوائلِ
أضاحكهُ والقلبُ ما عبِثتْ به / لِئامُ المساعي أو سمومُ الدخائل
وأبسطُ كفّي نحوه غيرَ جافلٍ / ويبسُط نحوي كفَّه غيرَ جافل
إذا البيدُ لم تُنْبِت نباتاً فحسْبُها / فقد أنبتتْ فينا كريم الشمائل
وقد علَّمتنا أنْ يكونَ إخاؤنا / كشامخِ رَضْوَى ركنُه غيرُ زائل
ألسْنا الكرامَ الغُرَّ من آلِ يَعْرُبٍ / لَدَى الرَّوْعِ أو عندَ التفافِ المحافل
حَمَيْنا بحمدِ اللّهِ أنسابَ قومِنا / وصُنّا على الأيامِ مجدَ الأوائل
وما خُلِقَتْ إلاّ لعزمٍ نفوسُنا / كأنَّا خُلِقْنا من غُبار الجحافل
إذا افترقت أهواءُ قومِ تشَّتتوا / ولم يرجِعوا إلاّ بعارِ التخاذلِ
عزيزٌ على الأوطانِ أنَّ شجاعةً / تمزِّقُها الشَّحْناءُ في غيرِ طائل
حمانا كتابُ اللّهِ من بعدِ فُرْقَةٍ / فكنّا لدين اللّهِ خيرَ المعاقل
وصالتْ بنا من قوّةِ البأسِ وَحْدةٌ / على الكونِ لم تتركْ مَصالاً لصائل
فثُلّتْ عُروشٌ واستطارتْ أسِرّةٌ / من الذُّعر في أعوادِها والزلازل
جمعنا على الحُبِّ القلوبَ فأشرقتْ / كَما أشرقت بالغيث زُهْرُ الخمائل
وعِفْنَا ورودَ الماءِ أكدرَ آسناً / وحنّتْ حنايانا لعذب المناهل
وعادت إلى الحسنَى العَبيدُ وشَمَّرٌ / وسار بشيرُ السلمِ بين القبائل
وأصْغَوا إلى الرأي السديدِ وأنصتوا / لنصحِ نصيرٍ للعُروبةِ باسلِ
إلى حَمَدٍ ترنو المعالي مُدِلَّةً / وتُلْقي بأسباب النُّهى والفضائل
عرفناه وِرْداً للندى غَيرَ ناضبٍ / لراجٍن وعزماً للعلا غيرَ ناكل
وقد دفن القومُ التِّراتِ وأقبلوا / إلى الحقِّ يمحو ضوؤه كلَّ باطل
وسلُّوا لإعلاء العِراق عزائما / أسدَّ وأمضَى من سِنان الذوابل
يُفدون بالأرواحِ والأهلِ فَيْصلاً / مناطَ المُنى من كل راجٍ وآمل
تبّاً له من ثقيلٍ
تبّاً له من ثقيلٍ / دَماً ورُوحاً وطِينهْ
لو كان من قوم نُوحٍ / لَما ركِبْتُ السفينه
اِقْبِسِ النورَ من شُعاعِ الراح
اِقْبِسِ النورَ من شُعاعِ الراح / والثِمِ الحسْنَ في جَبينِ الصّباحِ
وابْعثِ اللّحْنَ من سَمائِكَ يا شعْرُ / ونافسْ به ذواتِ الجناحِ
وانْهبِ الحسْنَ من خُدودِ العذَارَى / واسرِقِ السِّحْرَ من عُيونِ المِلاحِ
وتَنَقَّلْ بيْنَ الخمائلِ جَذْلا / نَ طليقَ الهَوَى جَمِيمَ المِراح
واسقِنا من سُلافِك العَذْبِ إِنّا / قد سئمنا مرارةَ الأقداح
كم ثملنا برَشْفةٍ منكَ يا شعْرُ / فصرْنا رُوحاً بلا أشباح
ورأينا من الحقائقِ ما عزَّ / على كلِّ باحثٍ كدَّاح
وقرأنا في كلِّ شيءٍ رُموزاً / فوقَ طوق البيانِ والإِيضاح
ورَسَمنا بدائعَ الكونِ في لوْ / حٍ تعالى عن جَفْوَةِ الألواح
وفهِمنا لُغَى الطُّيورِ وأصْغَيْنا / لهمسِ الغُصون في الأدْواحِ
ورأيْنا البُرُوقَ تَضحَكُ في الرَّو / ضِ فتهفو لها ثُغورُ الأَقاحي
إِيهِ يا شعرُ أنتَ سَلْوايَ في الدنيا / إِذا ضاق بي فسيحُ البَراح
كم عناءٍ كشفتَ بعدَ نِضالٍ / وجَبينٍ مَسَحتَ بعدَ كِفاح
لا تَدَعْني يا شعرُ في ليلة الذِّرَى / وَأَطْلِقْ إِلى الخَيالِ سَارحي
غَنِّي باللِّقاءِ بعدَ شَتاتٍ / وبعطفِ الزَّمانِ بعدَ شِيَاحِ
غنني بالربيع يَخْطر في الرَّوْ / ضِ ويَعْطُو بمِئْزَرٍ ووُشاح
غنني غنني فقدَ عَيَّ نَابي / ونَبَا مِزْهَري عن الإِفْصَاح
كيف تَحوِي الأوتار ما يغمُرُ القلْبَ / ويَطْفُو به من الأفراح
غنِّ في ليلة البشائرِ يا شعْرُ / وغرِّدْ بصوتِك الصدَّاح
وَخُذِ الفنَّ من ترانيمِ إِسْحَا / قَ وبُعْدَ المَدَى عن ابن رَبَاح
وامْلأ الأُفْقَ بالنَّشيدِ تُرَدِّدْ / رَجْعَ أنغامِهِ جميعُ النَّواحي
مَاسَتِ الباسِقاتُ في ضِفَّةِ الوا / دِي وأَرْخَتْ شُعورَها للرِّياح
وَرَنا الزهرُ باسماً يَنْشُرُ النُّو / رَ ويهَفْوُ بثَغْرهِ الفَوَّاح
أسْكَرَتْهُ الذِّكْرَى فأصْغَى وأَصْغَى / يمَلأُ السَّمْعَ وهوْ نشْوانُ صاحي
مَالَ تيهاً كما تميلُ العَذارَى / هلْ على الزَّهر في الهوى من جُناحِ
إنَّ ذكرى الزَّفافِ أسعدُ ذكرَى / تملأُ النَّفْسَ من مُنىً وارتياح
سعِدتْ مصرُ بالمليكةِ فِيهِ / واستنارتْ بنورها الوضَّاح
شرفٌ باذِخٌ يتيهُ على الدُّنْيا / ومجدٌ من الصَّميمِ الصُّراح
نَبَتَتْ في مَنابتٍ أرضُها المِسْكُ / وفي ظلِّ عزَّةٍ وسمَاح
وبدتْ دُرَّةً من النُّبْلِ والمجدِ / فغضَّت منَ الدَّرارِي الصِّحاح
فهناءً فاروقُ يا مَوْثِلَ النِّيلِ / ويا يُمْنَ نَجْمِهِ اللَّمَّاحِ
أنتَ أنهضْتَ مصرَ تستَبِقُ الْخطْوَ / وتمضِي بِعَزْمَةٍ وطِماح
وَبَعثْتَ الآمالَ في كلِّ قلْبٍ / وغرَسْتَ الإِحسانَ في كلِّ رَاحِ
ذاكَ سِرُّ البيتِ الكريم وفيْضٌ / من عَطاءِ المَهيْمنِ الفتَّاح
آلَ بيتِ الْمُلْكِ المؤثَّلِ أنتمْ / شَرَفٌ مُشْرِقُ الأسارِيرِ ضَاحي
عَجَزَ الشِّعرُ أن ينالَ مَدَاكُمْ / وكَبَتْ دونَ وَصْفِكُمْ أمْداحي
كتَبَ اللّهُ في الخلودِ عُلاَكُمْ / مَالِمَا خُطَّ في السَّمَوَاتِ مَاحي
جَدُّكُمْ أَنْقَذَ البلادَ وأعْلَى / رايةَ الدِّينِ بالظُّبَا والرِّماح
حكمةٌ تأسرُ القلوبَ بصَفْحٍ / وإِباءٌ يَغْشَى الوَغَى بِصفاح
كم تَغَنَّى بفضله كلُّ مَغْدىً / وسَرَى ذِكْرُهُ بكلِّ مَرَاح
عاشَ فاروقُ والمليكةُ ذُخْراًج / وَمنَاراً للبرِّ والإِصْلاح
ولْتعِشْ قُرَّةُ البَصائِرِ فِرْياَ / لُ حياةُ النُّفوسِ والأرْوَاح
العَيْنُ عَبْرَى والنُّفُوسُ صَوادِي
العَيْنُ عَبْرَى والنُّفُوسُ صَوادِي / ماتَ الْحجَا وقَضَى جَلاَلُ النَّادِي
أرْجَاءَ ذَا الوادِي الخَصِيبِ جنابُهُ / ماذَا أَصَابَكَ يَا رَجَاءَ الوَادِي
سَهْمٌ رَمَاك بهِ الحِمامُ مُسَدَّدٌ / أَوْدَى بأَيِّ رَويَّة وسَدَادِ
وقَضَى على الآمَالِ في أَفْنَانِها / فَذَوَتْ ولم تُمْهَلْ لوَقْتِ حَصَادِ
وأَصَابَ من قَبَس الزَّكَانةِ شُعْلَةً / وَهَّاجَةً فَغَدت فَتيتَ رَمَادِ
وطَوَى حُسَاماً مِنْك في جَفْن الثَرَى / قَدْ كَانَ يَسْتَعْصي عَلَى الأَغْمَادِ
صُحُف الحيَاةِ وأَنْتَ أصْدَقُ قارىءٍ / لسُطُورِها تُطوَى إِلى ميعَادِ
والوَرْدُ يَزْهُو ناضِراً فَوْقَ الرُّبَا / ويَعُودُ حِيناً وهو شَوْكُ قَتَأدِ
والمَاءُ يَجْتَذِبُ النُّفُوسَ نَمِيرُه / وَلَقَدْ يَكُون الماءُ غُصَّةَ صَادِي
مَا هَذِهِ الدُّنْيَا أمَا مِنْ نِعْمةٍ / فيها لغَيْرِ تَشَتُّتٍ ونَفَادِ
قَدْ حَيَّرَتْ شَيْخَ المَعَرَّةِ حِقْبَةً / في نَوْحِ بَاكٍ أَوْ تَرَنُّم شَادِي
تَعَبُ الحيَاةِ يَجيءُ من لَذَّاتِها / ولذِيذُهَا يُجْنَى مِنَ الإِجْهاد
يَطْوِي بِسَاطَ الْعُرْسِ فيها مأتمٌ / في إِثره عِيدٌ من الأعيَادِ
قَدْ كَانَ في رُزْء الحسَيْن بكَرْبَلاَ / عيد اليزيدِ وعيدُ آل زِياد
أَيَمُوتُ عاطفُ والكِنَانةُ تَرْتَجِي / وَثَباتِه واليوْمُ يَوْمُ جلاَدِ
أيَموتُ في المَيْدَانِ لم يُغْمَدْ له / سَيْفٌ ولم يُخْلَعْ نِياط نِجادِ
أَيَمُوتُ والنَّصْرُ المُبِينُ مُلَوِّحٌ / بِلوَائِه لطَلائِع الأجنَادِ
ويَغِيضُ ماءٌ كانَ أيْسَرُ قَطْرةٍ / مِنهُ حَيَاةَ خَلاَئِقٍ وبِلادِ
عُمْرٌ إِذَا قَلَّتْ سِنُوه فإِنَّما / آثارُهُنَّ كثِيرَةُ التَّعْدَادِ
كالعِطْرِ تَجْمَعُ قَطْرةٌ من مائهِ / زَهْراً يَنُوءُ بغُصْنِهِ المَيَّادِ
كَمْ مِنْ فَتيٍ في التُّرابِ وخَلْفَهُ / ذِكْرٌ يُزَاحِمُ مَنْكِبَ الآبَادِ
ومُعَمَّرٍ عَبَرَ الوُجودَ فَما رَنَا / طَرْفٌ إِليهِ ولا بَكَى لِبعَادِ
عُمْرُ الرِّجالِ يُقَاسُ بالمَجْدِ الَّذي / شادُوه لا بِتَقَادُمِ المِيلادِ
عَزَّ المعارِف مُطْرِقاً في عَاطِفٍ / زَيْنِ الفِناءِ وسَيِّدِ الأنْدَادِ
للعِلْم والأخْلاَقِ كانَ مُعَاضِداً / فطَوَى الْحَياةَ وفَتَّ في الأعْضَادِ
ما زالَ يَكْدَحُ والْخُطُوبُ بِمَرْصَدٍ / والدَّاءُ يَطْغَى والزَّمانُ يُعَادِي
لَمْ تثْنِهِ الآلامُ عن غَاياتهِ / أو تَلْوِه الأسْقَامُ دُونَ مُرَادِ
فاللَّيْلُ مَوْصُولٌ بيَوْمٍ حافلٍ / واليومُ مَعقُودٌ بليْل سُهَأدِ
وكأنّما نصْحُ الطبيبِ بسَمْعِه / هَذَرُ الوُشَاة وزَفرَةُ الْحُسَّادِ
وَهَبَ الحياةَ كريمةً لبِلادِهِ / ومَضَى إلى الأُخْرَى صَريعَ جِهاد
وإِذَا بذَلتَ لمِصرَ كلَّ عَزيزةٍ / إِلاّ الحيَاةَ فَأَنتَ غيرُ جَواد
حَمَلُوا على الأعْوَادِ خيرَ وديعةٍ / أَعلمتَ مَنْ حَمَلوا على الأَعْوَاد
في رَكْبِه زُمَرُ السَّمَواتِ العُلاَ / تَحْدُو مَطِيَّتَهُ لِخَيْرِ مَعَاد
والصبرُ ناءٍ والرُّءُوسُ خواشِعٌ / والدَّمعُ جارٍ والقُلوبُ صَوَادِي
حَمَلوا على النَّعْشِ الكَريمِ سُلاَلةَ الْ / حَسَبِ الكَريمِ وصَفوةَ الأَمْجاد
وتَحمَّلوهُ ليَدْفِنوا تَحْتَ الثَّرَى / شَمَمَ الأُبَاةِ وصَوْلَةَ الآسَادِ
حَفّ الشبابُ به وفي عَبَرَاتهم / كَمَدُ الجنودِ لمصْرَعِ القُوّادِ
يا رَامِيَ الأملِ البَعِيدِ بهمّةٍ / شمَّاءَ تُدْرِك غايةَ الأَبْعاد
وعَقيدةٍ لو صُوِّرَتْ بمُماثلٍ / كانت تكونُ رَصانَةَ الأطْواد
لم يَزْهُها ضافي المديح ولم تكن / في الحق ترهب صولةَ النقَّاد
وعزيمةٍ لا الزجر نهنه هَمّها / يوماً ولا فُلَّتْ من الإيعاد
كادت تَدُور مع الكَواكِب دَوْرَها / بالنَّحس آونةً وبالإِسْعاد
كانتْ أَحزَّ من المُدَى وأَحَدَّ مِنْ / غَرْب الظُّبَى يُسلَلْنَ يومَ طِرَاد
وَثِقتْ بخالِقها القَديِرِ فشمَّرتْ / مَحْمودةَ الإِصْدَار والإِيرَاد
سِيشيلُ منه رَأتْ هَصوراً يَزْدَرِي / ألمَ الإِسَارِ وقَسْوَةَ الأصْفَأد
لَهْفِي عَلَيه والدّيارُ بَعِيدةٌ / وخَيالُ مِصْرَ مُرَاوِحٌ ومُغادِي
مُتَوَثِّباً نحوَ المُحِيط كأنَّه / صَقْرُ الفلاةِ بِكفّة الصَّيّاد
ما دكّه عَصْفُ الْخُطُوبِ ولا وَنَى / لزَعازِع الإِبْراق والإِرْعاد
لا تَعْجَبوا مَنْ كان سعدٌ خالَهُ / ألقَتْ له الأخلاقُ كلَّ قِيَاد
سَعْدُ الذي غَرَسَ المُهَيْمِنُ حُبَّه / في كلِّ جارِحةٍ وكلِّ فُؤَادِ
مُحْيي القَضَاءِ رَمَاه في رَيَعَانِهِ / سَهْمُ القضاءِ فما له من فادي
وثبتْ عَليه من المَنُونِ غوائِلٌ / وعَدَت عليه من الزَّمان عَوادِي
شَيّدتَ داراً للقَضاءِ فأصْبَحَتْ / للدّينِ والأخْلاقِ خيرَ عِماد
لو لم تَجِىءْ يومَ الحِسابِ بغَيْرِها / لَسَمَوْتَ فوق مَنازِلِ العُبّادِ
وبَثثتَ رُوحَكَ في الشّيوخِ فكلُّهم / داعٍ إلى نُور النبوّة هادِي
وبَنَيْتَ بالأخْلاقِ منهمْ دولةً / بَلَغتْ بِحَوْلِكَ أَبْعَدَ الآمادِ
الدِينُ سَمْحٌ إِنْ سَلَكْتَ سَبيلَه / لِلْخَيْرِ لا للشَّرِّ والإِفْسَادِ
فلَكَمْ رَأينا في المَعابد أَشْعَباً / للختْل يَلْبَسُ بُرْدَةَ الزُّهّاد
فَزِعت لك الأقْلاَمُ فوق طُروسِها / ومن المِدَادِ لَبِسْنَ ثوْبَ حِداد
وتكادُ تَلْتَهبُ المَنَابرُ حَسْرةً / لمّا رَحَلْتَ على خَطِيب إِياد
والشِّعْرُ أضحتْ هاطلاتُ دُموعِهِ / بَحْراً فنَاح عليكَ في الإِنشاد
مَنْ لي وظِلُّ الموتِ داج بَيْننا / بِضِياءِ ذاك الكَوْكبِ الوقّاد
مَنْ لي بِذاكَ الوجهِ بَيْنَ غُصُونِهِ / أَسْطارُ أَسْرارِ الْحَياةِ بوادِي
يا طالباً نُورَ اليَقينِ حَيَاتَهُ / جاءَ اليقينُ فسِرْ بأَوْفَرِ زَاد
وامْلأْ جُفونَكَ بالكَرَى في غِبْطةٍ / قد كنتَ أَحوجَ ساهدٍ لرُقاد
واخلَعْ ثيابَ الداءِ عَزَّ دواؤه / والْبَسْ بعَدْنٍ أنْفسَ الأبْراد
واذْهبْ كما ذَهب الشباب مُشَيَّعاً / بِدم الجُفونِ وحُرْقة الأكْباد
سَحّتْ عليكَ مع الْجَنُوب رَوَائِحٌ / وهَمَتْ عليك مع الشمالِ غوادِي
فَتاةَ الْقَرِيضِ اهْبِطي مِنْ عَلِ
فَتاةَ الْقَرِيضِ اهْبِطي مِنْ عَلِ / مَدَدْتُ يَدَيَّ فَلا تَبْخَلي
كَبَا بِفَتَى الشعْرِ طُولُ الصعُودِ / فإِنْ كُنْتِ رَاحِمَةً فَانْزِلي
يَحِنُّ إلَيْكِ حَنِينَ الْمَشِيبِ / إِلَى ضحكَاتِ الصبَا الْمُخْضِلِ
سَلاَ بِكَ لَيْلَى وَأَتْرَابَهَا / وَنَامَ عَنِ الْعَذْلِ وَالْعُذَّلِ
شَغَلْتِ فَتاكِ بِسِحْرِ الْبَيَانِ / ولَوْلاَ عُيُونُكِ لَمْ يُشْغَلِ
يَرَاكِ مِنَ اللَّيْلِ في بَدرِهِ / وَفِي شَعْرِهِ الْفَاحِمِ الْمُسْبَلِ
وَفِي كُلِّ آهٍ رَمَاهَا الْهَوَى / عَلَى شَطِّ مَدْمَعِهِ الْمُرْسَلِ
وَيَلْقَاك في كُلِّ وَجْهٍ صَبِيحٍ / بِغَيْر الْمَلاَحَةِ لم يُصْقَلِ
وَمِنْ فِيكِ يسْمَعُ نَجْوَى الْغُصُونِ / وَيُصْغِي إِلَى هَمْسَةِ الْجَدْوَلِ
تَعِيشِينَ في زَاخِرٍ مِنْ ضِيَاءٍ / يُصَفِّقُ بِالأَمَلِ الْمُقْبِلِ
تَحُومُ الْمَلاَئِكُ مِنْ فَوْقِهِ / كما حَامَ طَيْرٌ عَلَى مَنْهَلِ
رَوِينَا بِهِ فَنَسينَا الْحَيَاةَ / وَمَا دِيفَ فِيها مِنَ الْحَنْظَلِ
وَذُقْنَا سُلاَفاً أَبَتْ أَنْ تَرِفَّ / بِكَفِّ النُواسِيِّ والأخْطَلِ
إِذَا قُتِلَتْ أَحْيَتِ الشارِبينَ / فَكَيْفَ إذَا هِيَ لَمْ تُقْتَلِ
كَأَنَّ الْحَبَابَ عَلَى وَجْهِها / وُعُودٌ حَصَلْنَ وَلَمْ تَحْصُلِ
عِدِينِي عِدينِي فَتَاةَ الْقَرِيضِ / وَإِيَّاكِ إِيَّاكِ ةأَنْ تَمْطُلِي
تَعَالَيْ نُقَبِّلُ وَجْهَ الربِيعِ / بَشِيرِ الْمُنَى وَمُنَى الْمُجْتلي
وَنَجْمَعُ مِنْ زَهْرِهِ ما نَشَاءُ / ونَرْفُلُ في ثَوْبِهِ الْمُخْمَلِ
تَعالَيْ نَطِيرُ بِريشِ الأَثِيرِ / ونَعْلُو بِهِ حَيْثُما يَعْتَلِي
نَمُرُّ كمَا مَرَّ طَيْفُ الْخَيَالِ / أَلَمَّ لماماً وَلَمْ يَحْلُلِ
فَبَيْنَا نُحَدِّثُ أهْلَ الْحِجازِ / إذَا صَوْتُكِ الْعَذْبُ في الْمَوْصِلِ
نُحَيِّي بَنِي الْعَرَبِ الأَوْفِياءَ / وَنُسْمِعُهُمْ غَرَدَ الْبُلْبُلِ
أُولَئِكَ قَوْمِي بُناةُ الْفَخارِ / وَزَيْنُ الْمحَافِل وَالْجحْفَلِ
وَلَوْلاَ الإِذَاعَةُ عاشَ الْكِرامُ / حُماةُ الْعُرُوبةِ في مَعْزلِ
أدَارَ الإِذاعَةِ مِنْ مُخْلِصٍ / عَنِ الْوُدِّ وَالْعَهْدِ لَمْ يَنْكُلِ
هَناءً بأَعْوامِكِ الْمُشْرِقَاتِ / وَأَيَّامِ نَهْضَتِكِ الْحُفَّلِ
وُلدتِ وَلِلْعِلْمِ أَسْرَارُهُ / وَقَدْ كُنْتِ مِنْ سِرِّهِ الْمُعْضَلِ
بَذَلْتِ الثَّقَافَةَ للِظامِئِينَ / وَلَوْلاَ يَمينُكِ لم تُبْذَلِ
وَنَبَّهْتِ وَسْنَانَ جَفْنِ الصبَاحِ / بِآيٍ مِنَ الْكَلِمِ الْمُنْزَلِ
وَغَنَّيْتِ حَتَّى تَعَزَّى الْحَزينُ / وَقَرَّ الشَّجِيُّ وَهَام الْخَلِي
تَرانِيمُ ما سَمِعَتْهَا الْفُنُونُ / بِأَوْتارِ إِسْحاقَ أَوْ زَلْزَلِ
وَكَمْ قَدْ هَزَلْتِ لتَشْفي النُفُوسَ / فَكَانَ مِنَ الْجِدِّ أَنْ تَهْزِلي
مَضَتْ مِصْر تَصْعَدُ نَحْوَ السماءِ / وَتَسْمُو عَلَى مَسْبَحِ الأَجْدَلِ
وَأَضْحَتْ مِنَ الْعِلْمِ في رَوْضَةٍ / وَمِنْ عِزَّةِ الْمُلْكِ في مَعْقِلِ
تتِيهُ بِتاريخِ أَمْجادِها / وتُزْهَى بِفارُوقِهَا الأَوَّلِ
نَغَمُ الشعرِ في رُبا جَنَّاتِهْ
نَغَمُ الشعرِ في رُبا جَنَّاتِهْ / أسكت ابنَ الغُصونِ في دَوْحاتِهْ
مال سَمْعُ الدنيا إليه وأصغَتْ / هاتفاتُ المُنَى إلى هاتفاته
وَتَرٌ صاغه الإلهُ وألقَى / نَغَماتِ الفِرْدَوْسِ في نَغَماته
ورنينٌ من السماءِ تمنَّى / كلُّ طَيْرٍ لو أنَّهُ من لَهاته
صُنْتُه أنْ يهونَ والفنُّ يسمو / حينَ تسمو به نفوسُ حُماته
وتقلدتُه حساماً لمصرٍ / تتوقى الخطوبُ وَقْعَ شَابته
وهززتُ الشبابَ للسبقِ فانث / الوا سِراعاً على هدَى مِشْكَاتِهْ
ما مدحتُ الكريمَ إلاّ لأدعو / بمديحي إلى كريمِ صِفاته
أنا بالمجدِ مُولَعٌ وبأهلي / ه وبالباقياتِ من ذِكْرَياته
أعشَقُ النُبْلَ في جلالةِ معنا / هُ وأهوَى الإقدامَ في عَزَماته
قد رأيتُ العَلاَء في اسم عَليٍ / ورأيتُ التوفيق خيرَ سِماته
فشدا باسمهِ قَريضي كما يَشْ / دو طليقُ الْجَناحِ في رَوْضاته
وإذا كرّم الرجالُ ابن توفي / قٍ فقد كرّموا النبوغَ لذاته
بَسَماتُ الربيع في بَسَماته / وسنا الصبح من سنا قَسَماته
كوكبي الذكاءِ لو صدع اللي / لَ لجلَّى بنورِه ظُلُماتِه
باحثٌ لا يصيدُ في مَهْمَهِ الع / لم سوى الشارداتِ من آبداته
رأيُه مِجْهَرٌ فما غابَ أمرٌ / كيفما دقَّ عن مدَى نَظَراته
لَمَحاتٌ كأنّها خاطفُ الب / رقِ وأين البُروقُ من لمحاته
إن رمَى الشكَ رأيُهُ فَرّ حيْرا / ن يجِرُّ الذيولَ من شُبُهاته
ما رأى عَبْقَرٌ ولا جِنُّ وادي / ه كهذا الذكاءِ في معجزاته
وشبابٌ كأنه ناضرُ الريح / انِ في حسنهِ وفي نَفَحاته
صانه النبْلُ أن يُمَسَّ له ذَيْ / لٌ وأدَّى الإيمانُ فرض ذكاته
غرس اللّهُ نبتَه فنما نَضْ / راً وآتَى الشَّهِيَّ من ثمراتِه
يمتطي العْبقَرِيُّ ناجيةَ العز / مِ حثيثَ الْخُطا إلى غاياته
لا يَرَى الطرْفُ منه إلاّ غُباراً / عجز الطرْفُ انْ يَرَى قَصَباته
يتمنَّى الشُيوخُ لو بذلوا العُمْ / رَ لِقاءَ القليلِ من ساعاته
عُمُرُ المرءِ بالجليلِ من الأع / مالِ لا بالكثيرِ من سنواته
بُؤرَةُ الضوءِ كم بها من شُعاعٍ / ملأ الأفْقَ في جميعِ جهاته
ورحيقُ الأزهارِ كم ضمَّ من رَوْ / ضٍ شَذِيِّ الشَّميمِ في قَطَراته
جمع الفضلَ حين فرقه النا / سُ وآواه بعدَ طولِ شَتاته
دائراتُ المعارفِ اجتمعت في / ه ففتِّش عنهن في صَفحَاتِه
كم لُغاتٍ جرَآ بها لفظُه العَذْ / بُ سليماً كأنَّها من لغاته
هو في الطبِّ من كِبار نُحاته / وهو في النحوِ من كِبارِ أُساته
وهو في حَلْبَةِ البيانِ أديبٌ / تسمَعُ السحرَ في رُقَى نَفَثَاته
وهو إن شئتَ حافظٌ لغويٌّ / كلماتُ القاموسِ من كلماته
نسخةٌ للسانِ في صدرِه الوا / عي طبعُها على طَبَعاته
يعرِفُ الأَيْهُقَانَ والثولَ والذع / لوقَ والسَيْسَبَي ونوع نباته
أنا أخشَى جدالَه كلّما صا / لَ عنيفَ الجدال في صَوْلاته
مجمع الضاد يرفع الرأس في / زهو بآرائه وصدق أناته
حَسْبُ دهرٍ جنَى على الناسِ أنْ كا / ن عليٌّ يُعَدُّ من حَسَناتِهْ
معملُ المَصْلِ وهو فتحٌ مبينٌ / بعضُ ما نال مصرَ منَ مَأْثُراته
فتَكاتُ المكروبِ ألقتْ سلاحاً / للسريعِ السديدِ منَ فَتكاتِه
يصرَعُ الموتَ ثابتَ العزمِ مِقْدا / ماً جريئاً في عزمِه وثباته
كم حبا الناسَ من حياةٍ أمدَّ الل / هُ للمجدِ والعُلا في حياته
نال أسمَى الألقابِ والفضلُ فضلٌ / كيفما قد رفعتَ من درجاته
عابدينُ كعبةُ مصرٍ ركْنُها حَرَمٌ
عابدينُ كعبةُ مصرٍ ركْنُها حَرَمٌ / للخائفينَ إذا خَطْبٌ بهم نَزَلا
تهوي إليها وفودُ الأرض ضارعةً / ترجو بها الأمنَ أو تُحْيي بها الأملا
أَمْرٌ وعاه بنو الإنسانِ وَحْدَهُمُ / فَمَنْ بربِّكَ قلْ لي أخبر الجملا
إنْ نَبا خَدُّكَ المُصَعَّرُ عنِّي
إنْ نَبا خَدُّكَ المُصَعَّرُ عنِّي / مُذْ نَبا هَجْوِيَ المَبرِّحُ عَنْكَا
فبجهلٍ قابلتَ ما كان منِّي / وبحلمٍ قابلتُ ما كان منكا
ولو استطعتُ لابتدعتُ كُفوفاً / من هِجاءٍ تَصُكُّ وجَهكَ صَكّا
ولفكَّكْتُ من أساريرِكَ الكِبْ / رَ بقولٍ من وَخْزَةِ الموتِ أنْكَى
إنّنا مَعْشَرٌ نَرى الذلَّ في الو / دِّ لغيرِ اللّهِ المهيمنِ شِرْكا
قد رأينا في المالِ والذلِّ فَقْراً / ورأينا في العِزِّ والفقر مُلْكا
حَنّ شِعري إلى اللّقاءِ وأنَّا
حَنّ شِعري إلى اللّقاءِ وأنَّا / أَينَ ألقاكَ ليتَ شعري وأنَّى
ضَربتْ بينَنا المنونُ بِسُورٍ / حَجبتهُ العقُول عَنْها وعَنَّا
تتلاقَى بِه الدموعُ حَيارَى / وتَغُوصُ الظنونُ فيه فَتضنى
كم حوَى مِن ورائه زَهراتٍ / وغُصُوناً رَيّا المَعاطفِ لُدنَا
كم حوى من ورائِه عبقري / اتٍ ورأياً عَضْبَ الشباةِ وذهْنَا
كم حَوى مِن صحائفٍ لم تُتمَّمْ / وأناشيدَ لم تَعِشْ لتُغَنَّى
وأمانٍ زُغبٍ تطير إلى القَب / ر خِمَاص الحشى فُرادى ومَثْنَى
حَجَبَ السورُ خلفَه لي رجاءً / خانَه الدهرُ في صِباهُ وأخْنَى
أسكتَتهُ قوارعُ الموتِ لحناً / ولوتْهُ زَعازعُ الموتِ غُصنَا
هُو في البدرِ حينما يطلعُ البد / رُ وفي الروضِ حينَما يتَثَنَّى
ما بُكاءُ الأطفالِ أجدى عليهِ / لاَ ولاَ الصبرُ والتجلُّدُ أغنَى
فيه أسْعدتُ كلَّ باكٍ بِدَمعي / وأعرتُ الثكلى الحزينَةَ جفْنَا
كلَّما مرّت النوادبُ صُبحاً / ضربَ القَلبُ بالجَناحِ وحنَّا
يا شباباً فقدتُ فيه شَبابي / أدْركِ الوالهَ الشجي المُغنَّى
قد وأدتُ الرجاءَ في هذه الدنيا / فلا أرتجِي ولا أتَمنّى
وخنقتُ السنينَ أو ما علاها / فرأيتُ الميلادَ مَوْتاً ودَفْنا
مَنْ يُعمر يجد أخلاّءَهُ في الأر / ضِ أوفَى مِمَّن عليها وأحنَى
يذهب الأمسُ بالرجال فيُنسَوْن / وتَمضِي القُرون قرنا فقرنا
رِيشَةٌ في مهامهِ البيد طارَت / أيْنَ طارت اللّهُ أعلمُ مِنّا
وخضَمُّ الماضِي يَعُجُّ بمن في / ه ويغْشى قوْماً ويغمرُ مُدنَا
وظُعونُ المنونِ منذُ سليل الطي / نِ تَطوي الصحراءَ ظعنا فظعنَا
سُفن تلتقِي على شاطىء الغي / بِ لتَلقي هُناكَ سُفناً وسفنَا
ما لنا غيرَ أن نقولَ حيارى / بلسان الدموع كانُوا وكُنَّا
لا تقل إنّ صالحَ الذكرِ يبقى / كل شيءٍ في الدهرِ يبقى ليفْنَى
ما غنائي بالذكر يبقى جميلاً / حين أمسى تحت الصفائح رَهْنَا
ما رجائي والسيف أضحى حُطاماً / أن أرى بعده نِجاداً وجَفنَا
قد فقدنا أنطونَ بالأمس والحز / ن على فقده يُجدِّدُ حُزنَا
أخذته فُجاءةُ الموتِ أخذاً / رِيعَ مِن هولهِ الصباحُ وجُنَّا
ما حنى الرأسَ مرةً لِعظيمٍ / فأبى أن يراهُ لِلسِّنّ يُحنَى
أنجمٌ أشرقت فأطفأها المو / تُ كما تُطفأ المصابيح وهْنَا
ما على الدهر لو تريّث حِيناً / أو على الدهرِ مَرّةً لو تأنَّى
كلّ يوم نرثي ونندبُ حتّى / صار ندب الرجال في مصر فنا
ورحا الموتِ لا تني تملأ الأر / ضَ ضجيجاً وتنثر الناس طحْنَا
نَسي الشعرُ في صراع الرزايا / رنّةَ الكاسِ والغزالَ الأغَنَّا
شغَلته مآتمٌ ونعوشٌ / عَنْ هَوى زَينبٍ وعَن وَعد لُبنى
كم سلَوْنا عَن صاحبٍ بحبيبٍ / فإذا بالحبيبِ يُخلفُ ظنَّا
نتداوى مِن لاعجِ الشوقِ بالش / وقِ ونطوي أسى لننشر شجنا
ماتَ أنطونُ وانقَضت دولةُ المج / دِ وكانت به تعزّ وتغنَى
وغدا عَبْقرٌ وواديه أضغا / ثاً وعادت رَجاجة العقْلِ أفنَا
ورأينا الأقلامَ يَشققن صدراً / بعده حَسرةً ويقرعْنَ سِنَّا
نندبُ الكاتبَ الذي يرسل القو / لَ قويَّ الأداءِ معنى ومَبنَى
لا ترى لفتةً به تجبهُ الذو / قَ ولا لَفظةً تخدش أذْنَا
موجِزٌ زاده الوُضوحُ جمالاً / والتخلِّي عن الفَضالاتِ وزْنَا
أين ذاكَ الخلق المسيحَ كأن لم / يكُ بالأمسِ يملأ الأرضَ حُسنَا
والبشاشات أينَ مِنِّي سناها / والأفاكيهُ مِنْ هُناك وهنا
والسياسات والدهاء الذي كا / نَ سِلاحاً حيناً وحيناً مِجَنّا
أينَ ذاكَ الصدر الذي يحملُ الع / بءَ عظيماًن وليس يحملُ ضِغْنَا
كم غزتْهُ الخُطوبُ دُهمَ النواصي / وهو أصفى من الصباح وأسنَى
يا أخي هَلْ يليقُ أن تدخلَ البا / بَ أمامي وأنت أصغرُ سنَّا
قِفْ تأخّر قد كنت تُعلي مكانِي / ما جَرى ما الذي نَبا بك عنَّا
كنتَ بالأمس كنت بالأمسِ رُوحاً / مَرحاً ضاحِكاً وصَوْتاً مُرِنّا
كنت مَعنىً من الشباب وإن / شاخَ وعزْماً لم يعرف الدهر وهنَا
تملأُ الأرضَ والزمانَ حياةً / هادىءَ النفسِ وادِعاً مطمئنا
تبذلُ الخيرَ لم يُكدَّر بمنٍّ / وكثيرُ مِنّا إذا مَنَّ مَنَّا
مجمعُ الضادِ كنتَ للضادِ فيه / عَلَماً يُحسِر العيونَ ورُكنَا
كنتَ مِصباحَنا المنيرَ إذا غمّ / ت سبيلٌ وطالَ ليلٌ وجَنَّا
كنتَ يومَ الجِدالِ بالحجةِ البيضا / ءِ تمحو سحائبَ الشكِّ وكنّا
عِفّةٌ في اللّسانِ صَيّرت الأي / امَ تشدو بمدحِك اليومَ لُسْنَا
تبلغُ الغايةَ القصيّةَ ما أدْ / مَيتَ جُرحاً ولا تعمدتَ طَعنَا
كلُّ قِرْنٍ لدى النضال يرى في / كَ لمعنى الوفاءِ للحق قِرنَا
حَسْرتَا للفتى إذا قارَب الشوْ / طَ طوتْهُ المنونُ غَدْراً وغبْنَا
كلّما مدّ للكمالِ يديهِ / صَدّ عنهُ الكمالُ كِبراً وضَنَّا
إنْ قوِينا عَقْلاً ضعُفنا جُسوماً / ورأينا في الموتِ بُرءاً وأمْنَا
وشئونُ الحياةِ شتّى ولكنْ / حُبُّنا للحياةِ أعظمُ شأنَا
لو يعيشُ الإنسانُ عُمْرَ السُلحفا / ةِ لأغنَى هذا الوجودَ وأقنَى
ما الذي نرتجيه والعُمْرُ طَيفٌ / إنْ فتحنَا العينين بانَ وبنّا
نحنُ في هذه الحياة ثِمارٌ / كُلُّ شيءٍ إن أدْرَكَ النضْجَ يُجْنَى
يا أخي هل تُجيبُ إن هتف الش / وقُ حبيباً صدْقَ الوفَاءِ وخِدْنَا
إن أكنْ فيكَ داني القلبِ بالأم / سِ فروحي لروحِك اليوم أدْنَى
أتراني إنْ حان حَيْني قَميناً / أن أرى في ذَراك ظِلاً وسَكْنَا
نَمْ قريراً فإنَّ في ضجعةِ القب / رِ سَلاماً للعاملين ويُمْنَا
وجَدَ الساهرُ المجدُّ وِساداً / ورأى الطائرُ المحلِّقُ وَكْنَا
إنْ يكنْ في الحياةِ مَعنىً مِن الصفْ / وِ فَما للحياةِ بَعْدَكَ معْنَى
ألْقيتُ للغِيد الملاحِ سلاحي
ألْقيتُ للغِيد الملاحِ سلاحي / ورجَعتُ أغسلُ بالدموعِ جراحِي
ولمحتُ رَيْحانَ الصبا فرأيتُه / ذَبُلَتْ نضارتُه على الأقداح
كان الشبابُ طمِاحَ لاعجَةِ الهَوى / فاليوم يرفَعُ ساعدَيه طِمَاحِي
مَنْ لي وقد عَبِثَ المشيبُ بلِمّتي / بضياءِ ذاك الفاحِم اللَّماح
قد كان للذَّاتِ أسْرع ناصحٍ / فغدا على الشُبُهات أولَ لاحي
لو أستطيعُ لبعتُ عمري كلّه / لمنى الصبا وأريجه النفّاح
أيامَ أوتاري تغرِّدُ وحَدها / وتكادُ تَسْكَرُ في الزُّجاجةِ راحي
أيامَ شِعْري للفواتنِ رُقْيَةٌ / تستَلُّ كلَّ تدلُّلٍ وجِمَاح
دوجين لم يجدِ الفتى مصباحه / وأبان أسرارَ الهَوى مصْباحي
الفلسفاتُ وما حوتْ في نظرةٍ / من لحظِ ساجية العيونِ رَداحِ
تُغري الهوى وتصُدُّه لَمحَاتُها / فَيَحارُ بين تمنُّعٍ وسماح
والنظرةُ البَهْمَاءُ أفتكُ بالفتى / من كلِّ واضحةِ المرام وَقاح
فخذوا اليقينَ ونورَه لعقولكم / ودعوا شُكوكَ الحُبِّ للأرواح
سِرْ يا قطارُ ففي فؤادي مَرْجَلٌ / يُزْجيك بيْنَ مَتالعٍ وبِطاح
لو كنتَ شِعْري كنت أسبقَ طائرٍ / يكفيه للقطبين خَفْقُ جَناحِ
قالوا هنا لُبْنانُ قلتُ وهل سوى / لُبنانَ ملعبُ صبوتي ومِراحي
يبدو أشم على البطاحِ كأنّه / عَلَمٌ بكفِّ الفارِس الجحْجاح
نسجت له سُحبُ السماءِ مطارفاً / وحبتْه زُهْرُ نجومها بوشاح
طُرُقٌ كما التوت الظنونُ وقِمةٌ / قامت كحقٍّ للشعوب صُراح
النبعُ خمرٌ والحدائقُ نَشْوَةٌ / والجوُّ من مِسْكٍ ومن تُفّاح
لُبنانُ دوْحُ الشعرِ أنت تعلّمتْ / منكَ الهديلَ سواجعُ الأدواح
شِعْرٌ له فِعْلُ السُّلاف فلو أتى / قبلَ الشرائع كان غيرَ مُباح
ونضيرُ ألفاظٍ كأزهارِ الرُّبا / يبسِمن غِبَّ العارِضِ السَّحَّاحِ
وخمائلٌ من أحرُفٍ قُدْسيةٍ / أخملن صوتَ الطائر الصَدّاح
الفنُّ من سرِّ السماءِ ونَفْحَةٌ / من فَيْضِ نورِ الواهب الفتّاح
والعبقريةُ أنْ تحلِّقَ وادعاً / فتفوتَ جُهْدَ الناصِبِ الكَدّاح
لُبنانُ أنتَ من العزائم والنُّهى / ما أنتَ من صَخْرٍ ولا صُفّاح
أبطالُكَ الصيدُ الكُماةُ مَناصِلٌ / طُبِعتْ ليوم كريهةٍ وتلاحي
شَحُّوا على مُتَع الحياةِ بلحظةٍ / ومشَوا لِورْدِ الموتِ غيرَ شِحاح
قهروا الزمانَ ولن تضيعَ كرامةٌ / للحقِّ بين أسِنةٍ ورماح
المجدُ بابٌ إن تعاصَى فتحُه / فاسألْ كتائبهم عن المفتاح
دقّوا فما أودَى بعزم أكفِّهم / بأسُ الحديدِ وقسوةُ الألواح
ومن الْحِفاظِ المُرِّ ما يُعْيي الفتى / ليست تكاليفُ العلا بمزاح
كم صابروا عَنَتَ الحياةِ وعُسْرَها / بخلائقٍ غُرِّ الوجوهِ صِباح
نزحوا عن الأوطانِ في طلب العُلا / والعزمُ مِلءُ حقائبِ النُزّاح
وسرَوْا مع الريح الهَبُوبِ فلا تَرى / إلاّ رياحاً زُوحمتْ برياحِ
لم يستكينوا للزمان ووعدِه / فالدهرُ أكذَبُ من نَبِيِّ سَجاح
في أرض كُولُمْبٍ بنَوا فيما بَنوا / شَمَمَ الأبيِّ وعزمة المِلحاح
وبكلِّ جوٍ رايةٌ هفَّافةٌ / تهتزُّ كالمتخايل الميّاح
لو أبصروا في الشمسِ موضعَ مَهْجَرٍ / لتسلّقوا لسعيرها اللّواح
والنفسُ إن عظُمت يضيقُ بسعيِها / صدرُ الفضاء برَحْبِه الفيّاح
للناسِ ناحيةٌ تلُمُّ شَتاتَهم / والعبقريُّ له الوجودُ نواحي
يمشي الجريءُ على العُبابِ مخاطراً / وأرَى الجبانَ يموتُ في الضحْضاح
لُبنانُ صنتَ الضادَ في لأوائها / من شرِّ ماحٍ أو هَوى مجتاح
في البَدْوِ لوَّحها الهجيرُ فلم تجدْ / إلاّ ظِلالَكَ نُجعةَ المُلْتاح
جمعَتْ رجالُكَ زَهرَها في طاقةٍ / عَبِق الوجودُ بنشْرِها الفَوَّاح
نظموا لها عِقْداً يرِفُّ شعاعُه / بلآلىءٍ مِلء العيونِ صحاح
وحَمَوْا كتابَ اللّه جلّ جلاله / من لَغْوِ فَدْمٍ أو هُرَاءِ إباحي
فانظرْ إلى البُستان هل تلقى به / إلاَّ وروداً أو ثُغورَ أقاحي
لُبنانُ والفِرْدَوسُ أنت لقيتُه / فطرَحْتُ عند لِقائِه أتْراحي
وتركتُ للهْوِ العنانَ وأطلقتْ / أيدي الزمانِ العاتياتُ سراحي
وشهِدتُ فيكَ الْحُورَ تسبح في السَّنا / نفسي فِداءُ ضِيائها السّباح
طاوعتُ في نجلائِهنّ صَبابتي / وعصَيتُ ما تَهْذي به نُصَّاحي
ما الفتنةُ الشّعْواءُ إلاّ أعينٌ / سُودٌ تَلأْلأَ في وجوهِ مِلاح
دافعتُ بالغَزَلِ الْحَنونِ لحاظَها / شتَّانَ بيْن سِلاحِها وسلاحي
وبعثتُ أنّاتي وقلتُ لعلَّها / تُغْني إشارتُها عن الإِفصاح
فتجاهلتْ لغةَ الغرامِ وتابعتْ / خُطُواتِها في عِزَّةِ وشِياحِ
عادتْ إليَّ حَبائلي فَلَممتُها / ورضِيتُ من ضحِكِ الهَوى بنُواحي
لم يُبْقِ مني الوجدُ غيرَ حُشاشةٍ / لولا التعلُّلُ آذنتْ بروَاح
أشكو وما الطبُّ الحديثُ براحمٍ / شجوي ولا مُتسمِّعٍ لِصياحي
هل بين مؤتمرِ الأساةِ مجرِّبٌ / شافٍ لأدواءِ الصبابةِ ماحي
والطبُّ لا يصِلُ المَدَى إن لم تصِلْ / جَدْواه للأَرواحِ وَالأشباحِ
مَرْحَى بمؤتمرٍ تبلّجَ نورهُ / في الشرقِ مثلَ تبلُّجِ الإصباح
زُمَرٌ من البَشَرِ الملائكِ كم لهم / في الطبِّ من غُرَرٍ ومن أوْضاح
بذلوا النفوسَ فكم شهيدِ جِراحةٍ / منهم وكم منهم شهيدُ كِفاح
وتفهّموا سِرَّ الحياةِ ولم يكنْ / سرُّ الحياةِ لغيرهم بمُباح
دهَتِ البلادَ بعوضةٌ أجَمِيّةٌ / جاءت على قدَرٍ لمصرَ مُتاح
دقَّتْ لغير ترحُّلٍ أطنابَها / ورمتْ مراسيها لغيرِ بَراح
وَعَدَتْ على الماء القراحِ جُيوشُها / فغدا النميرُ العذْبُ غيرَ قراح
السُّمُّ أقوَى في شَبا خُرْطومِها / من حدِّ كلِّ مُهنَّدِ سفَّاح
كالْجِنِّ تهوَى الليلَ في وثَباتِها / وتَفِرُّ ذُعْراً من بُزوغِ صَباح
يا خِيرةَ الشرقِ المُدِلِّ بقومِه / هذا أوانُ البعثِ والإِصلاح
المجدُ فوقكُمُ دنتْ أفنانُه / فتلقّفوا ثمراتِه بالرّاح
وترسَّموا سَنَنَ الرئيسِ وهدْيَه / شيخِ الأساةِ عليّ الْجراحِ
وَانفُوا عن الطبِّ الرَطانةَ إنّها / نَمَشٌ يَعيثُ بوجههِ الوضَّاح
كم في حِمَى الفصْحَى وبين كُنوزها / من مُشْرِقاتٍ بالبيانِ فصاح
ما أنكرتْ أممٌ لسانَ جُدودها / يوماً وسارتْ في طريق فلاح
لُبنانُ مُذْ حلّتْ ذَراكَ رِكابُنا / حلّتْ من الدنيا بأكرم ساح
الأرْزُ فيك ونخلُ مصرَ كلاهما / أخَوانِ في الأتراح والأفراح
وَالنيلُ منكَ فلو بَكْيتَ لفادحٍ / غَمَر الشُّطوطَ بدمعِه النضّاح
لُبنانُ آن لك الفَخارُ بسادةٍ / عُرْبٍ كِرامِ المنْبِتَيْنِ سِمَاح
مجدٌ إذا ما أشرقتْ صَفحاتُه / أزْرتْ بُمؤتلِقِ النهارِ الضاحي
حَسْرَتَا للكُونْتِ برْنَا
حَسْرَتَا للكُونْتِ برْنَا / دُوت لَوْ تَنْفَعُ حَسْرَهْ
رَامَ أن يستنْقِذَ الكَوْ / نَ ويَسْتَأْصِلَ شَرَّهْ
قَتْلُهُ جُبْنٌ وخُذْلاَ / نٌ ولُؤْمٌ وَمَعَرَّهْ
طَلَبَ الكَفَّ عَنِ الحرْ / بِ فَمنْ نَفَّذَ أمْرَهْ
خَرَقَ الهُدْنَةَ أبْنَا / ءُ يَهُوذَا ألْفَ مَرَّهْ
وَهْوَ لاَ يُؤمِنُ حَتَّى / سَلَبُوه الروحَ جَهْرَهْ
أتُرىَ آمَنَ لَمَّا / خَرَقَ الأَنْذَالُ صَدْرَهْ
رُبَّما يَحْفِرُ ذُو الآ / مَالِ بالآمَالِ قَبْرَهْ
اقتبالُ الربيعِ في بَسَماتِهْ
اقتبالُ الربيعِ في بَسَماتِهْ / نبَّه الكونَ بعدَ طولِ سُباتِهْ
ينْثُرُ الزَّهرَ كالدنانيرِ غضّاً / أيْنَ حُرُّ النُّضارِ من زَهَراتهْ
قد سئِمْنا دُجَى الشتاءِ فجئنا / نرشُفُ النورَ من سنَا لمحاتهْ
وخلعنا الدِّثارَ مثلَ أسيرٍ / حُلّ من قَيْده ومن وخزاتهْ
قد ظنناه في الشتاءٍ وِقاءً / فجمعنا الشتاءَ في طَيّاتهْ
تبخلُ الكفُّ أن تُشير من البْر / دِ ويخشَى المقرورُ من لفَتاتهْ
جَمَدتْ صَوْلةُ اللسانِ وكادتْ / تجمُدُ الهاتفاتُ من كلماتهْ
واختفَى الطيرُ واختفَى كلُّ صوتٍ / مَوْصِليِّ الأداءِ في لَهَواتهْ
ورأينا الأشجارَ يسلُبها الحس / نُ سَنا حَلْيِه وسِحْرَ شِياتِهْ
مال فيها برأسِه كلّ فرْعٍ / باحثاً في الترابِ عنْ وَرَقاتهْ
يهرَمُ الدهرُ في الشتاءِ ويلْقَى / ما مَضَى في الربيعِ من صَبواتهْ
هو تَختُ الوجودِ غنَّى به الطيْ / رُ فهزَّ الغصونَ في دَوْحاتهْ
سايرته الأزهارُ تهفو يميناً / وشمالاً على هوى نغماته
وإذا صفَّقَ الغديرُ انثنى الغُصْ / نُ نضيرَ الشبابِ في رَقَصاتهْ
هاتِ عهدَ الشبابِ إنْ غاصَ في الما / ء وإنْ غابَ في السماء فهاتهْ
هَمَساتُ الشبابِ في النفس أحلى / من حديثِ الهوى ومن هَمساتهْ
نارُه تطرُدُ الهمومَ فتمضِي / خافقاتِ الجَنانِ من جَمَراتهْ
نارُه تصهرُ العزيمةَ سيفاً / تتوقّى السيوفُ وَقْعَ شَباتهْ
ما أحَيْلى وثوبَه وهْو ماضٍ / يتحدَّى الزمانَ في فَتَكاتهْ
نَفحاتُ الشبابِ أين تولَّت / لَهْفَ نفسي على شذى نفحاتهْ
قَدحٌ قد حَلَتْ أوائلُهُ رَش / فاً وذقنا المرّيْنِ في أُخْرَياتهْ
ما أراني من غيرهِ غير ثوبٍ / ضمَّ أردانَه على عِلاّتهْ
ربَّ شيخٍ في عالَمِ الطبِّ حيٌّ / ويراه الزمانُ من أمواتهْ
الشبابُ الشبابُ نورٌ من الل / هِ وريحٌ تهُبُّ من جَنَّاتهْ
يا شبابَ الحِمَى ويا جنده الأحْ / رارَ إن فتَّشَ الحمى عن كُمَاتهْ
زاحِموا في وليمةِ الدهر أرْسَا / لاً ولا تكتفوا بجَمْع فُتاتهْ
الطُّموحُ الحياةُ والمجدُ في الدّن / يا مُبَاحٌ لِطالِبي قَصبَاتهْ
لا ينالُ الفَتَى مَدى المجدِ إلاّ / بمَضاءٍ يُرْبي على وَثَباتهْ
الذراعُ الأزَلُّ والساعدُ المفْ / تُولُ ذُخْرُ الشبابِ في أَزماتهْ
تسخَر الريحُ بالضعيفِ من النَّب / تِ وتخشَى القويَّ من باسقاتهْ
املِكوا الدّهرَ إنّه لا يُوَاتي / غيرَ عَزْمٍ يَفُلُّ من عَزَماتهْ
علَّمتْنا الأيامُ أنّ الذي يُحْ / سنُ يَلْقَى الجزاءَ عَنْ حَسَنَاتهْ
ذهب النومُ فالَّذي يُغْمضُ العَيْ / نَينِ يا تَعْسَه ويَا وَيلاَتِهْ
أسرِعوا فالزمانُ ماضٍ وكَمْ مِنْ / مبطىءٍ قد طَوَاه في عَجلاتهْ
واطرُقوا البابَ كلُّ بابٍ كفيلٌ / بولُوجٍ لمن دَرَى دقَّاتهْ
قد يطولُ السري على المدلج السا / ري فيُدنيه من مدَى غاياتِهْ
لا تُنالُ العُلا بلَيْت ولكنْ / وعُكوفِ الفَتَى على مِرْآتهْ
آلةُ الفَوْزِ همّةٌ تطحَنُ الصخ / رَ وتسمُو للنَّجْمِ في سَبَحاتِهْ
ابتنوا للعُلا وللنيلِ مجداً / واسكُبوا من حياتكم في حياتهْ
لكُمُ في مليكِكم خيرُ داعٍ / تستجيبُ المنَى إلى دَعَوَاتهْ
قُدوةٌ للشباب قد عَرَف الجي / لُ طريقَ الحياةِ من خُطُواتهْ
مرَّةً سامقاً على صهوة الْخَيْ / ل وأخرَى مطامِناً في صلاتهْ
لم نَرَ البَدْرَ قبله يعتلي العَرْ / شَ ويُمْسِي الجلالُ من هَالاَتهْ
أو شهدنا نوراً على الأرض يمشي / الهدى واليقينُ من مشكاتِهْ
أو عهدنا تاجاً على مَفْرِقِ الشم / س يُشِعُّ الإيمانُ من خَرَزاتهْ
كن كما شئتَ أيها الشِّعْرُ فنَّا / ناً فلن تستطيع لمحَ صِفاتهْ
هو خَلْقٌ من الكمالِ المصفَّى / من رآه الكمالَ بذاتهْ
النَّدى والحنانُ في بسماته / والعلا والجلالُ في قسماتهْ
يا مليكاً أعلى الحديثَ من المجْ / دِ وأحيا قديمه من رفاتهْ
إن عيد الجلوس أشرق في الكَوْ / نِ شروقَ الربيع في روضاتهْ
المنى اليانعاتُ من ثَمرَاته / وجَمَالُ الزمانِ في لحظاتهْ
يزدهي النيلُ بالمليكِ المرجَّى / خيرِ أبطالِهِ وحامي حُماتهْ
إن تكنْ مصرُ قبله هِبةَ النِّي / لِ فقد صارَ نيلُها من هِباتهْ
سدَّ القَضاءُ منافِذَ الأسماعِ
سدَّ القَضاءُ منافِذَ الأسماعِ / ماذا يقولُ إذا نعاكَ الناعِي
بُهِتَ القريضُ فما يُبينُ وأَذْهَلَتْ / نُوَبُ الخطوبِ نوادبَ الأسجاع
وتنكَّرَتْ صُورُ البيانِ وعقَّني / عن أَنْ أبوحَ كما أشاءُ يراعي
تمحو سواجمُهُ المِدادَ فخطُّهُ / أسطارُ ملتَهِبِ الحشَا مُلْتاع
والشعرُ إن عقَدَ المُصَابُ لسانَهُ / فسكوتُه ضَرْبٌ من الإبداع
نَعْيُ الكريمِ العَبْقَرِيِّ لأُمَّةٍ / نَعْيُ الغَمامِ إلى رياضِ القاع
وَيْلَ المنونِ تطاولت أحْداثُها / فَلَوتْ قناةَ الأَرْوعِ الشَّعْشَاعِ
وطغَتْ عواصفُها فغَالَ هُبوبُها / أَضْواءَ ذاكَ الكوكبِ اللمّاع
بكتِ الصحافةُ فيه أشجعَ فارسٍ / وأعزَّ مَدْعُوٍ وأكرَمَ داعي
قد كان جَبْرائيلُ مُلْهِمَ وَحْيها / يرعَى جلالةَ قُدْسِها ويُراعي
فإذا جفاني الشعرُ يومَ رِثائِهِ / فلقد رثَتْه مآثرٌ ومَساعي
وإذا فَرَرْتُ من الوداعِ وهَوْلهِ / فلقد بعثتُ مع الدُّموعِ وَداعي
زَهَتْ دولةُ الطبِّ لمَّا شُفيتَ
زَهَتْ دولةُ الطبِّ لمَّا شُفيتَ / وعاوَدَها الأملُ الناهضُ
فللطبِّ أنتَ وَتينُ الحياةِ / وأنت له قلبُهُ النّابضُ
أَيُّ هَذَا المِكْرُوبُ مَهْلاً قَلِيلاَ
أَيُّ هَذَا المِكْرُوبُ مَهْلاً قَلِيلاَ / قَدْ تَجَاوَزْتَ في سُراكَ السبِيلاَ
لَسْتَ كَالْواوِ أنتَ كَالْمِنْجَلِ الْحَصَّادِ / إِنْ أحْسَنُوا لَكَ التمْثِيلاَ
ما غَلَبْتَ النفُوسَ بِالْعَزْمِ لَكِنْ / هَكَذَا يغْلِبُ الْكَثِيرُ الْقَلِيلاَ
أَنْتَ في الْهِنْدِ في مَكانٍ خَصِيبٍ / فَلِمَاذَا رَضِيتَ هذا الْمُحُولاَ
أَنْتَ كَالشيْبِ إِن دَهِمْتَ ابْنَ أُنْثَى / لم تُزَايِلْ جَنْبَيْهِ حَتَّى يَزُولاَ
حارَ بنشنج فِيكَ يَابْنَ شَعُوبٍ / ونَقَضْتَ الْمُجَرَّبَ الْمَعْقُولاَ
عَقَدَ الأَمْرَ فابْتَكَرْتَ لَهُ الْحَلَّ / وما كانَ عَقْدُهُ مَحْلُولاَ
قامَ يَغْزُوكَ بَيْنَ جَيْشِ الْقَوارِيرِ / فَوَلَّى بِجَيْشِهِ مَخْذُولاَ
وَتَرَكْتَ الْحُمُوضَ تَجْرَعُها الأَرْ / ضُ وجَرَّعْتَنَا الْعَذَابَ الْوَبِيلاَ
وبموشَى أرَادَ حَصْرَكَ بِالْجُنْدِ / وَهَلْ تَحْصُرُ الْجُنُودُ السُيولاَ
يا ثَقِيلَ الظِلال آذَيْتَ بِالْما / لِ وَبالنَّفْسِ فَالرحِيلَ الرَحيلاَ
مَنْ يبِتْ عِنْدَهُ الْهِزَبْرُ نَزِيلاً / كانَ مِنْ قَبْلِ زادِهِ مَأكُولاَ
رُبَّ طفلٍ تركتَ مِنْ غَيْرِ ثَدْيٍ / يَضْرِبُ الأَرْضَ ضَجَّةً وعَوِيلاَ
وَفَتاةٍ طَرَقْتَها لَيْلةَ الْعُرْ / سِ وَقَبْلَ الْحَلِيلِ كُنْتَ الْحَلِيلاَ
كَحلُوا جَفْنَها فَكَحَّلْتَ فيها / كُلَّ جَفنٍ أَسىً وَسُهْداً طَوِيلاَ
خَضَّبَتْها يَدُ الْمَوَاشِطِ صُبْحاً / فَمَحاهُ الْمُطَهِّرُونَ أصِيلاَ
ما رَحمتَ الْعُيُونَ تِلْكَ اللَّوَاتِي / تَرَكَتْ كلَّ عاشِقٍ مَذْهُولا
لَوْ رَآها جِبْرِيلُ أسْتَغْفِرُ اللّهَ / لأَلْهَتْ عَنْ وَحْيِهِ جِبْرِيلاَ
يا قَتِيلَ الْفِينيك يَكْفِيكَ قَتْلا / كَ فَأَغْمِدْ حُسامَكَ الْمَسْلُولا
إِنَّ في مِصْرَ غَيْرَ مَوْتِكَ مَوْتاً / تَرَكَ الأَرْوَعَ الأَعَزَّ ذَلِيلاَ
فَارْتَحِل بَارِدَ الْفُؤَادِ قَريراً / مُرْوِياً مِنْ دَمِ الْعِبَادِ الْغَلِيلاَ
أيركَبُها هذا فَتَنتهِبُ الثرَى
أيركَبُها هذا فَتَنتهِبُ الثرَى / وتنهبُ رِجْلَيَّ الحصَى والجنادِلُ
رَضيتُ رضاءَ اليأسِ واليأْسِ راحةٌ / وأتْعبُ خَلْقِ اللّهِ في الناسِ آملُ
خَفَقَتْ بساحتِكَ البشائِرْ
خَفَقَتْ بساحتِكَ البشائِرْ / وسَرَتْ بريّاكَ الأزاهرْ
يا يومَ مولِدِه وما / لكَ في جمالِكَ من مُفاخرْ
جاهرْ بنُبْلك في الزما / نِ فحقُّ مثلِكَ أَنْ يجاهرْ
لك أوّلٌ في المَكْرُما / ت وما لفيضِ يدَيْكَ آخرْ
أشرقتَ في أُفُقِ القلو / بِ ودُرْتَ في فَلكِ الضمائرْ
وجُمِعْتَ من ضَوْءِ المنى / وخُلِقْتَ من نور البصائرْ
لكَ بينَ أعيادِ الزما / نِ سَناً على الأعياد باهرْ
شَفَقاكَ خدّا غادةٍ / ودُجاكَ أحداقُ النواظرْ
ما أنتَ في الدنيا سوَى / أملٍ وضِيءِ الْحُسن سافرْ
هذا الجمالُ كأنّه / قد صِيغَ من خَطَراتِ شاعرْ
سَحَر العُيونَ بحُسنِه / والحسنُ للأبصارِ ساحرْ
الصبحُ بسّامُ السنا / والليلُ مصقولُ الغدائرْ
يا يومَ فاروقٍ وكمْ / لكَ عند مصرٍ من مآثِرْ
شهدت بمطلعك الحيا / ة تفيض بالنِعَمِ الزواخرْ
ورأتْ جَبيناً كالصبا / حِ أضاء مُعْتَكِرَ الدياجرْ
ورأتْ مُنىً قدسيَّةً / دقَّ الزمانُ لها البشائرْ
ورأت مخَايلَ دَوْلَةٍ / فوْقَ النجوم لها معَابرْ
ورأت رجاءَ النيلِ في / ثوبٍ من الإيمان طاهرْ
ورأت بَوادرَ هِمَّةٍ / أعظِمْ بهاتيكَ البَوادرْ
ورأت سَرِيرة خاشعٍ / سَجدَتْ لخشيتهِ السرائرْ
وتطلعَ المِحْرابُ في / جَذَلٍ وأشرقتِ المنابرْ
واستبشر الدينُ الحني / فُ بخيرِ من يُحيي الشعائرْ
نادَى البشيرُ به فيا / بُشْرَى المدائنِ والحواضرْ
ومشتْ ملائكَةُ السما / ء تَهُزُّ في الجوِّ المباخرْ
فالأفْقُ مِسْكٌ عاطرٌ / والمَهْدُ مثلُ المسكِ عاطرْ
هتفتْ لمَوْلِدِ كابرٍ / لمُطَهَّرِ الأنسابِ كابرْ
هتفتْ بفاروقٍ أجَ / لِّ مُمَلَّكِ وأعزِّ ناصرْ
خطَّ المثالَ وفضلُهُ / مَثَلٌ يُباري الريحَ سائرْ
والناسُ بينَ مُكَبِّرٍ / داعٍ ومُولي الحمدِ شاكرْ
ملأوا القلوبَ بحبهِ / وبِذِكْرِهِ ملأوا الحناجرْ
فاروقُ فَرْدٌ في الجلا / لِ فلا شبيهَ ولا مناظرْ
هذي بَواكِرُه فكي / ف يكونُ ما بعدَ البواكرْ
ينهَى ويأمر هادياً / أفْدِيه من ناهٍ وآمرْ
فَرْعٌ من الدَّوْح الكر / يم مُباركُ النَّفحاتِ زاهرْ
وقديمُ ماضٍ في العَلا / ء يزينُه في النُّبْل حاضرْ
وسُلاَلةُ الأمجادِ أبنا / ء المواضي والبَواترْ
من كلِّ مِسْعَر غارَةٍ / والموتُ مُحْمَرُّ الأظافرْ
يُجْرِي الحصانَ مُخَاطراً / فوقَ الجِماجم والمغافرْ
أمضَى لدعوةِ صارخٍ / من لمح كرّات الخواطرْ
يأبى عليه نِجاره / وإباؤه ألاّ يبادرْ
للنَّقع فوقَ جَبينه / مِسْكٌ يُضَمِّخُ كلَّ ظافرْ
المجدُ لا يُلْقي العِنا / نَ لغيرِ ذي العزم المثابرْ
السابقِ الوثّابِ طَلاَّ / عِ الثَّنِيَّاتِ المصابرْ
مَنْ لا يُحاذِرُ إنْ دَعا / هُ حِفاظُه ألاّ يُحاذرْ
عشِقَ المخاطرَ مُرَّة / فَجَنى الشِّهادَ من المخاطرْ
من كالأساوِرَةِ البوا / سلِ والقَسَاورةِ الخوادِرْ
أجدادِ فاروقٍ كِرا / م الْمُنتَمى طُهْرِ الأواصرْ
بعثوا تُراثَ الأوَّلي / نَ ووطَّدوا مَجْدَ الأواخرْ
تُزْهَى بهم مِصرٌ كما / زُهِيَتْ بفِتْيتها تُماضرْ
دعْها تُكاثر بالذي / أسدَوْا نَعَمْ دَعْها تُكاثرْ
فاروقُ أشرِقْ بالمنى / يسمو لِضوئك كُلُّ حائرْ
مصرٌ وأنت يمينها / عَقَدت على الحبِّ الخَناصرْ
أصديقي يودُّ أني أساء
أصديقي يودُّ أني أساء / وعدوِّي يُظن فيه الوفاءُ
عُكِس الحال لا محالة لكن / ربّما أنجد الغريقَ الماء
مِصْرُ اسْلَمي واسْلَمي وسُودِي
مِصْرُ اسْلَمي واسْلَمي وسُودِي / يا أَلِفَ الْكَوْنِ والْوُجُودِ
نَهَضْتِ والأَرْضُ في دجُاهَا / والشمْسُ والْبَدْرُ في الْمُهُودِ
قَدْ كُنْتِ والدهْرُ في صِباهُ / نَجْمَ هُدىً ساطِعاً سَناهُ
تَعْنُو لِسُلْطانِكِ الْجِباهُ / مَرْفُوعَةَ الرَأْسِ والْبُنُودِ
يا بَسْمَةً في فَمِ الزمانِ / ومَوْطِنَ الْعِزِّ والأمانِ
نِيلُكِ أحْلى مِنَ الأَمَاني / جَنىً وَأَذْكَى مِنَ الْوُرُودِ
الأرْضُ أنَّى خَطَوْت تِبْرُ / وزَهْرُها جَوْهَرٌ ودُرُّ
عِقْدٌ وهذا الْوُجُودُ نَحْرُ / قد يَجْمُلُ النحْرُ بالعُقُودِ
كَمْ نِلْتِ بالْعِلْمِ مِنْ مَقَامِ / وِنلتِ بالْجِدِّ مِنْ مَرَامِ
إِلى الأَمَامِ إِلى الأَمَامِ / إلى الْمَعَالي إلى الْخُلُود
يا مِصْرُ نَحْنُ الْفِدَاءُ نَحْنُ / ما مَسَّنا في الْخُطُوبِ وَهْنُ
أرْوَاحُنَا في يَدَيْكَ رَهْنُ / وعَهْدُنَا أَصْدَقُ الْعُهُودِ
آباؤُنَا قَادَةُ الدهُورِ / قَدْ أَنْطَقُوا صَامِتَ الصخُورِ
مِنْ كُلِّ وَثَّابَةٍ جَسُورِ / كَأَنَّهُ صَائِلُ الأُسُودِ
يا مِصْرُ فارُوقُكِ الْمُرَجَّى / إِلَيْهِ تَرْنُو الْمُنَى وتُزْجَى
بِيُمْنِهِ قَدْ بَلَغْتِ أَوْجا / وَعِشْتِ في قِمَّةِ السُّعُودِ
بِفَضْلِهِ صِرْتِ في الشُّعُوبِ / مَهِيبَةَ الْقَدْرِ في الْقُلُوبِ
فَمِنْ وُثُوبٍ إلى وُثُوبِ / ومِن صُعُودٍ إلى صُعُودِ
نُكَرِّرُ الشكْرَ مُخْلِصِينَا / لِمَنْ أَعَادَ الْحَيَاةَ فِينا
لِمَصْدَرِ النورِ لِلْبَنِينَا / والْمَنْهَلِ الْعَذْبِ لِلْوُرُودِ
مِصْرُ اسْعَدِي وازْدَهِي وَتِيهي / دَعَاكِ لِلنَّصْرِ فاتْبَعِيهِ
مَا لَكِ في الْمَجْدِ مِنْ شَبِيه / وما لِجَدْوَاهُ مِنْ حُدُودِ
عاشَ مَلِيكُ الْبِلادِ زَنْدَا / وَسَاعِداً مُسْعِداً أَشَدَّا
فارُوق الْمُرْتَجَى الْمُفَدَّى / مُوَفَّقَ الرَّأْيِ والْجُهُودِ
مَصْرُ اسْلَمِي واسْلَمِي وسُودِي / يا أَلِفَ الْكَوْنِ والْوُجُودِ