المجموع : 174
لَكَ البُشْرَى ودُمْتَ قريرَ عَيْنِ
لَكَ البُشْرَى ودُمْتَ قريرَ عَيْنِ / بشأْوَيْ كوكَبَيْكَ النَّاقِبَيْنِ
مليكَيْ حِمْيَرٍ نَشَآ وشَبَّا / بتيجانِ السَّناءِ مُتَوَّجَيْنِ
صَفِيَّي مَا نَمَتْ عُلْيَا مَعَدٍّ / وسِبطَيْ يَعْرُبٍ فِي الذِّرْوَتَيْنِ
وسَيْفَيْ عاتِقَيْكَ الصَّارِمَيْنِ / وطودَيْ مفخَرَيْكَ الشامِخَيْنِ
هُما للدينِ والدنيا مَحَلّاً / سُوَيْدَاوَاهُما فِي المُقْلَتَيْنِ
نَذَرْتَهُما لدينِ اللهِ نَصْراً / فَقَدْ قاما لنَذْرِكَ وَافِيَيْنِ
وَمَا زالا لَدَيْكَ ولَنْ يَزَالا / بأَعباءِ الخلافَةِ ناهِضَيْنِ
شَرَائِعُ كُنْتَ مُبْدِعَها وَكَانَا / عَلَى مسعاكَ فِيهَا دائِبَيْنِ
وقاما فِي سماءِ عُلاكَ نُوراً / وإِشْرَاقاً مقامَ النَّيِّرَيْنِ
فحاطَ الملكَ أَكْلأُ حائِطَيْنِ / وحَلَّ الدينُ أَمنَعَ مَعْقِلَيْنِ
بحاجِبِ شَمْسِ دَوْلَةِ عبدِ شَمْسٍ / وسيفِ اللهِ منها فِي اليَدَيْنِ
وناصِرِها الَّذِي ضَمِنَتْ ظُباهُ / حِمى الثَّغْرَيْنِ منها الأَعْلَيَيْنِ
غَذَوْتَهُما لِبانَ الحربِ حَتَّى / تَرَكْتَهُما إِلَيْها آنِسَيْنِ
وَمَا زالا رَضِيعَيْها عَوَاناً / وبِكْراً ناشئَيْنِ ويافِعَيْنِ
فما كَذَبَتْ ظنونُكَ يومَ جاءا / إِلَى أَمَدِ المكارِمِ سابقَيْنِ
ولا خابَتْ مُناكَ وَقَدْ أَنافا / عَلَى رُتَبِ المعالي سامِيَيْنِ
ولا نُسِيَتْ عهودُ الحارِثَيْنِ / ولا ضَاعَتْ وصايا المُنْذِرَيْنِ
ولا خَزِيَتْ مآثِرُ ذِي كَلاعٍ / ولا أَخْوَتْ كواعِبُ ذِي رُعَيْنِ
ولمَّا اسْتَصرَخَ الإِسلامُ طاعا / إِلَى العاداتِ منكَ مُلَبِّيَيْنِ
كما لَبَّيْتَهُ أَيَّامَ تلقَى / سيوفَ عُداتِهِ بالرَّاحَتَيْنِ
تراثٌ حزتَ مفخَرَهُ نِزاعاً / إِلَى أَبناءِ عَمِّكَ فِي حُنَيْنِ
وقدتَ زمامَهُ حِفْظاً ورَعْياً / إِلَى سِبْطَيْ عُلاكَ الأَوَّلَيْنِ
فيا عِزَّ الهُدى يومَ اسْتَقَلّا / لحزبِ اللهِ غَيْرَ مُوَاكِلَيْنِ
ويا خِزْيَ العدى لما استَتَمَّا / إِلَيْهِمْ بالكتائِبِ قائِدَيْنِ
وَقَدْ نَهَدَا بأَيمَنِ طائِرَيْنِ / وَقَدْ طَلَعَا بأَسْعَدِ طالِعَيْنِ
وَقَدْ جاءَتْ جُنودُ النصرِ زحفاً / تلوذُ بظلِّ أَكرمِ رايتَيْنِ
كتائِبُ مثل جُنحِ الليلِ تَبْأَى / عَلَى بدرِ الظلامِ بِغُرَّتَيْنِ
بكُلِّ مُقَضْقِضِ الأَقرانِ ماضٍ / كَأَنَّ بثوبِهِ ذا لِبْدَتَيْنِ
فتىً وَلَدَتْهُ أَطرافُ العَوَالِي / ومُقْعِصَةُ المنايا تَوْأَمَيْنِ
كَأَنَّ سِنَانَهُ شِيعيُّ بَغْيٍ / تَقَحَّمَ ثائِراً بِدَمِ الحُسَيْنِ
وكُلِّ أَصَمَّ عَرَّاصِ التَّثَنِّي / وذِي شُطَبٍ رقيقِ الشَّفْرَتَيْنِ
كَأَنَّهُما وليلُ الحربِ داجٍ / سَنا بَرْقَيْنِ فِيهَا خاطِفَيْنِ
أَمَا وسَناهُما يومَ اسْتَنارا / بنورِ الأَبلَجَيْنِ الأَزهرينِ
وراحَا بالمنايا فاسْتَباحا / ديارَ لَمِيقُ غيرَ مُعَرِّدَيْنِ
وَقَدْ جاشَتْ جُيوشُ الموتِ فِيهَا / بأَهْوَلَ من توافي الأَيْهَمَيْنِ
كَأَنَّ مَجَرَّةَ الأَفلاكِ حَفَّتْ / بِهَا محفوفَةً بالشِّعْرَيَيْنِ
وَقَدْ زُمَّتْ رِكابُ الشِّرْكِ منها / إِلَى سَفَرٍ وَكَانَا الحادِيَيْنِ
وناءا بالدماءِ عَلَى رُباها / حَياً للدِّينِ نَوْءَ المِرْزَمَيْنِ
لعزم موفَّقين مسدَّدَيْنِ / وبأس مؤيدين مظفَّرَيْنِ
وَقَدْ خَسَفا كُرُنَّةَ بالعَوَالِي / و بُوغَةَ بادِئَيْنِ وعائِدَيْنِ
لقد زَجَرَ الهُدى يومَ استطارا / إِلَى الأَعداءِ أَيْمَنَ سانِحَيْنِ
وشامَ الكفرُ يومَ تَيَمَّمَاهُ / بجندِ الحَقِّ أَشْأَمَ بارِقَيْنِ
فتلكَ مصانِعُ الأَمنِ اسْتَحالَتْ / مصارِعَ كُلِّ ذي خَتْرٍ ومَيْنِ
لغاوٍ سَلَّ سيفَ النَّكْثُ فِيهَا / كما نَعَبَ الغرابُ بيومِ بَيْنِ
فأَضْحَتْ منه ثانِيَةً لِحَزْوى / ووَلَّى ثالِثاً للقارِظَيْنِ
تنادِيهِ المعاهِدُ لَيْتَ بَيْنِي / وبينَكَ قَبْلُ بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ
لئِنْ وَجَدَتْهُ أَشْأَمَ من قُدارٍ / لقد عَدِمَتْهُ أَخْيَبَ من حُنَيْنِ
سَليبَ المُلْكِ مُنْبَتَّ الأَمانِي / وفَقْدُ العِزِّ إِحْدى المِيتَتَيْنِ
طريدَ الرَّوْعِ لَوْ حَسِبَ الزُّبانى / تلاحِظُهُ لَغارَ مع البُطَيْنِ
وكلُّ مُخادِعٍ لَكَ لم يُخَادِعْ / حُسامَكَ منه حَسْمُ الأَخْدَعَيْنِ
هَوَتْ بِهِمُ مَوَاطِئُ كُلِّ غَدْرٍ / إِلَى أَخْزى موارِدِ كُلِّ حَيْنِ
لسيفٍ لا تَقِي حَدَّاهُ نَفْساً / تَرَاءى من وراءِ الصَّفْحَتَيْنِ
فباءَ عِداكَ من خُلفِ الأَمانِي / ومن فَقْدِ الحياةِ بِخَيْبَتَيْنِ
فللإِشراكِ كِلْتا الخِزْيَتَيْنِ / وللإِسلامِ إِحْدى الحُسْنَيَيْنِ
مغانِمُ لا يُحيطُ بِهِنَّ إِلّا / حسابُ الكاتِبَيْنِ الحافِظَيْنِ
كَأَنَّ الأَرضَ جاءَتْنَا تَهادى / بِوَجْرَةَ أَوْ بِشِعْبَيْ رَامَتَيْنِ
بكُلِّ أَغَرَّ سامِي الطَّرْفِ غُلَّتْ / يداهُ للإِسارِ بيارِقَيْنِ
وأَغْيَدَ أَذْهَلَتْ سَيفاكَ عَنهُ / هَرِيتَ الشِّدْقِ عَبْلَ السَّاعِدَيْنِ
فيا سُمْرَ القَنا زَهْواً وفخراً / بَيْنَ الجَحْفَلَيْنِ
ويا قُضُبَ الحديدِ خَلاَكِ ذَمٌّ / بما أَحْرَزْتِ من قَصَبِ اللُّجَيْنِ
بطَعْنِ الأَكرَمَيْنِ الأَجْوَدَيْنِ / وضربِ الأَمجَدَيْنِ الأَنْجَدَيْنِ
فلِلَّهِ المنابِرُ يومَ تَبأَى / بفتحٍ جاءَ يتلُو البُشْرَيَيْنِ
لئِنْ كَانَ اسمُهُ فِي الأَرضِ فَتْحاً / فَكُنْيَتُهُ تمامُ النِّعمتَيْنِ
فتوحٌ عَمَّتِ الدنيا وذَلَّتْ / لَهُنَّ رقابُ أَهلِ الخافِقَيْنِ
وخَرَّ لَهَا الصليبُ بكلِّ أَرضٍ / صريعاً للجبينِ ولِلْيَدَيْنِ
مآثِرُ عامِرِيَّينِ اسْتَبَدَّا / لساحاتِ المكارِمِ عامِرَيْنِ
وهِمَّاتٌ تَنازَعُ سابِقاتٍ / إِلَى ميراثِ مُلْكِ التُّبَّعَيْنِ
هما شمسا مفارِقِ كلِّ فخْرٍ / فَخَلِّ سَناهُما والمَغْرِبَيْنِ
وبحرَا الجودِ ليثا كلِّ غابٍ / فَكِلْ عَدْوَيْهِمَا بالعُدْوَتَيْنِ
ويا قُطْبَ العُلا مُلِّيتَ نُعْمى / تَمَلّاها بقُرْبِ الفَرْقَدَيْنِ
فَقُرَّةُ أَعيُنِ الإِسلامِ أَلّا / تزالَ بمَنْ وَلَدْتَ قَريرَ عَيْنِ
هُوَ النَّصْرُ والتَّمْكِينُ أَدْرَكَ طالِبُهُ
هُوَ النَّصْرُ والتَّمْكِينُ أَدْرَكَ طالِبُهُ / ولاحَتْ وَشيكاً بالسُّعودِ كواكِبُهْ
وبَشَّرَ بالفتحِ المُبينِ افْتِتاحُهُ / وأَحْرَزَتِ الصُّنعَ الجليلَ عواقِبُهْ
وسلطانُ عِزٍّ فِي أَرُومَةِ مَفْخَرٍ / تعالَتْ عَلَى زُهْرِ النجومِ مَرَاقِبُهْ
وجُودٌ تناهى فِي الخلائِقِ وانْتَهَتْ / إِلَى حاتِمٍ فِي الأَكْرَميْنَ مَناسِبُهْ
تَقَضَّتْ رَجاءَ الراغِبينَ سِجَالُهُ / وعَمَّتْ كما عَمَّ الغَمامُ مَوَاهِبُهْ
ومَلْجَأُ أَمْنِ المُسْتَضَامِ ومَعْقِلٌ / كَفى الدهرَ حَتَّى مَا تنوبُ نوائِبُهْ
وسيفٌ مُحَلَّىً بالمَكارِمِ جَفْنُهُ / مُعَوَّدَةٌ نصرَ الإِلهِ مَضارِبُهْ
إذَا سلَّهُ دينُ الهُدى بَكَّرَ الرَّدى / لديهِ يُرَاعِي أَمرَهُ ويُرَاقِبُهْ
تَخَيَّرَهُ الرَّحمنُ من سَرْوِ حِمْيَرٍ / فَناضَلَ عنه باتِكُ الخَدِّ قاضِبُهْ
مُخَلَّدَةٌ فِي الصالحينَ سِماتُهُ / وباقِيةٌ فِي العالَمِينَ مَنَاقِبُهْ
حسامُ الإِمامِ المُصْطَفى وسِنانُهُ / ومَفْزَعُهُ فِي المُشْكِلاتِ وحاجِبُهْ
هو القَدَرُ المحتومُ من ذا يَرُدُّهُ / وسلطانُ ربِّ العرشِ مَنْ ذا يُغَالِبُهْ
سما لعميدِ المشركِينَ بعزمَةٍ / تداعَتْ لَهَا أَركانُهُ وجوانِبُهْ
وشَيَّعْتَهُ يَا ابْنَ الكرامِ بجحفَلٍ / سواءٌ عَلَيْهِ خَرقُهُ وسباسِبُهْ
يُكاثِرُ أَعدادَ الحصَى بِكُمَاتِهِ / وتَعْتَدُّ أَضعافَ النجومِ قواضِبُهْ
لَهَامٌ كسا أرضَ الفضاءِ بِجَمْعِهِ / وفاضَتْ عَلَى شمسِ النهارِ ذَوَائِبُهْ
نَهَضْتَ بِهِ والجَوُّ بالنَّقْعِ مُفْعَمٌ / وأَنَّسْتَهُ والليلُ تسطُو غَياهِبُهْ
وأَعلى لَكَ القدرَ الجليلَ أَمَامَهُ / لواءٌ أَضاءَ الشرقَ والغربَ ثاقِبُهْ
فلما رأَى غَرْسِيَّةٌ أَنَّهُ الرَّدى / يقيناً وأَنَّ اللهَ لا شَكَّ غالِبُهْ
وَقَدْ حَلَّ حزبُ اللهِ دونَ شَغافِهِ / وَقَدْ سَلَكَتْ فِي ناظِرَيْهِ كتائبُهْ
ووافاهُ ريحُ العزمِ يسقي رُبُوعَهُ / وتنهَلُّ بالموتِ الزؤامِ سحائِبُهْ
وأَبصَرَ بحرَ الموتِ طَمَّ عُبابُهُ / وفاضَتْ نواحِيهِ وجاشَتْ غوارِبُهْ
وأَيقَنَ أَن اللهَ صادقُ وَعْدِهِ / وأَنَّ أَمانيَّ الضلالِ كواذِبُهْ
وأَسلَمَهُ ضنكُ المقامِ إِلَى الَّتِي / لَهَا قامَ ناعِيهِ وضَجَّتْ نوادِبُهْ
وَقَدْ رابَهُ أَنصارُهُ وكُماتُهُ / وأَوْحَشَهُ أَشياعُهُ وأَقارِبُهْ
وأَخلفَهُ الشيطانُ خادِعَ وعدِهِ / وأَيقنَ أَنَّ اللهَ عنكَ مُحارِبُهْ
تلقَّاكَ فِي جيشٍ من الذُّلِّ جحفلٍ / صوارِمُهُ آمالُهُ ورغائِبُهْ
ومِن قَبْلُ أَحفى الرُّسْلَ نحوَكَ ضارِعاً / عَلَى حينَ أَنْ عَزَّتْ لديكَ مطالبُهْ
وأَعْيا بآراءِ التَّرَضِّي وزيرُهُ / وأَنْفَذَ أَلفاظَ التَّذَلُّلِ كاتِبُهْ
فأَعْطى بِكِلْتَيْ راحَتَيْهِ مُبادِراً / لأَمْرِكَ مُرْضٍ بالَّذِي أَنتَ راغبُهْ
وأَمْكَنَ حَبْلَ الرِّقِّ من حُرِّ جِيدِهِ / مُتابِعَ عَزْمٍ حَيْثُ أَمْرُكَ جاذِبُهْ
فأَعْطَيْتَهُ مَا لَوْ تَأَخَّرَ ساعَةً / لَزُمَّتْ إِلَى نارِ الجحيمِ رَكائِبُهْ
وأَضْحَتْ سَبايا المسلمينَ حُصُونُهُ / وَقَدْ نَفِدَتْ وِلْدَانُهُ وكواعِبُهُ
فَمَلّاكَ عِزَّ الملكِ والنصرِ رَبُّهُ / وهَنَّأَكَ الصُّنْعَ المُتَمَّمَ واهِبُهْ
شهدَتْ لَكَ الأَبطالُ يَوْمَ كفاحِها
شهدَتْ لَكَ الأَبطالُ يَوْمَ كفاحِها / والحَرْبُ بَيْنَ غُدُوِّها وَرَوَاحِها
والبِيضُ يومَ جلائِها ومَضائِها / والخيلُ فِي إِقْحامِها ومِرَاحِها
ومواكِبُ الأَملاكِ يومَ بهائِهَا / ومشاهِدُ السَّاداتِ يومَ سَماحِها
أَنَّ المَدى يومَ ارْتِهانِ سِباقِها / لَكَ والمُعَلَّى يومَ فَوْزِ قِداحِها
عَقَدَتْ بِمَفْرِقكَ الرياسةُ تاجَها / وكَسَتْكَ لِبْسَ رِدائِها وَوِشاحِها
ونَمَتْكَ من أَملاكِ يَعْرُبَ نَبْعَةٌ / تَلْوِي الكواكِبَ فِي ذُرى أَدْوَاحِها
آسادُ أَغْيالٍ عَلَى مُهْتاجِها / وبِحارُ إِنعامٍ عَلَى مُمْتاحِها
ومَحَطُّ أَرْحالِ المُنى بموارِدٍ / رَحْبٍ عَلَى الوُرَّادِ عَذْبُ مُرَاحِها
ومنابِتُ العِزِّ الَّذِي عَمَرَتْ بِهِ / فِي الدهرِ شُمُّ إِكامِها وبِطاحِها
ومعاقِدُ التيجانِ فَوْقَ مفارِقٍ / بَهَرَتْ إِياةَ الشَّمْسِ من أَوْضاحِها
والبأْسُ مِلْءُ صُدُورِها والحِلْمُ حَشْ / وُ بُرُودِها والجُودُ مَوْطِنُ راحِها
حَكَمَتْ لَهَا مُضَرٌ عَلَى ساداتِها / يومَ افْتِخارِ أُحَيْحَةَ بْنِ جُلاحِها
خُصَّتْ بتعليمِ الأَذانِ فَنُودِيتْ / فِي نَوْمِها بِصَلاحِها وفَلاحِها
واسْتَقْرَضَ الرَّحمنَ جَنَّةَ خُلْدِهِ / بِثَباتِ حائِطِهِ أبُو دَحْدَاحِها
ومَناقِبٌ أَرْبَتْ عَلَى خُطَبائِها / ومآثِرٌ زادَتْ عَلَى مُدَّاحِها
فَنَمَتْكَ فِي أَقيالِها ومُلُوكِها / وعَمَرْتَ سُبْلَ نوالِها وسَماحِها
فلَبِسْتَ ثوبَ سَنائِها ووَفائِها / وحَفِظْتَ عَهْدَ سُيُوفِها ورِماحِها
فَعَبَأْتَ للإِسلامِ عَطْفَةَ رَحْمَةٍ / أَلْحَفْتَ أَهلَ الأَرْضِ ظلَّ جَناحِها
وتباشَرَتْ منكَ المُنى لما دَنَتْ / بِمُيَسَّرِ الشِّيَمِ الكرامِ مُتاحِها
وبَطَشتَ بالإِشراكِ بَطْشَةَ قادِرٍ / باللهِ مُجْتَثِّ العِدى مُجتاحِها
فَحَطَمْتَ عُدَّةَ مُلْكِها وفَصَمْتَ عُرْ / وَةَ جَمْعِها وكَفَيْتَ غَرْبَ جِماحِها
وقَرَيْتَ عُلْيا بَنْبِلُونَةَ عَزْمَةً / هَبَّتْ عَلَيْها من مَهَبِّ رِياحِها
وتَكَنَّفَتْكَ من السعُّودِ كواكِبٌ / طَلَعَتْ بِخَيْلِكَ فِي وجوهِ نجاحِها
والخيلُ تَغْدُو فِي الوغى بفَوارِسٍ / تَخِذَتْ معاقِلَها ذُرى أَشباحِها
ثُمَّ انْبَرى المنصورُ فِيهَا قارِعاً / بابَ السَّماءِ بِدَعْوَةِ اسْتِفْتَاحِها
مُسْتَنْجِزاً تأْييدَ ذِي العَرْشِ الَّذِي / فَلَقَ المشارِقَ عن سَنا إِصْباحِها
فَنَهَبْتَ عُمْرَ حياتِها وَحَوَيْتَ رِق / قَ حَريمِها وحَكَمْتَ فِي أَرواحِها
فأَقَمْتَ فِيهَا للجِلادِ ولِلرَّدى / سُوقاً حَوَيْتَ المَجْدَ فِي أَرباحِها
ورَمَتْ ظُباكَ إِلَيْكَ نَفْسَ مَليكِها / وارِي زِنادِ الخِزْيِ غيرَ شَحاحِها
مُسْتَرْحِماً لَكَ من وَقائِعَ لن تَزَلْ / يُودِي بمُهْجَتِها أَلِيمُ جِراحِها
فَزِعاً إِلَيْكَ بنفسِ عانٍ خاضِعٍ / بادِي المَقَاتِلِ للسُّيوفِ مُبَاحِها
فِي شِيعَةٍ أَمَّتْ إِلَيْكَ وَقَدْ رَأَتْ / أَنَّ الخضوعَ إِلَيْكَ خَيْرُ سِلاحِها
فأَجَرْتَ منه بالتَّعَطُّفِ مُهْجَةً / وَقْفاً مواعِدُها عَلَى أَنْواحِها
وَكَرَرْتَ خيلَ اللهِ تَحْمِلُ مِثْلَها / أَطْلاحَ أَسفارٍ عَلَى أَطلاحِها
فَصَدَعْتَ أَحشاءَ الظَّلامِ بِعَزْمَةٍ / تَسْرِي البصائِرُ فِي سَنَا مِصباحِها
والنصرُ يُشْرِقُ فِي ظُبى أَسيافِها / والفَتْحُ يَلْمَعُ فِي ذُرى أَرْماحِها
حَتَّى صَبَحْتَ بِلادَ مِيرُو وَقْعَةً / أَنْحى عَلَى الإِشراكِ سُوءُ صَباحِها
لاقَتْكَ دونَ حُصُونِها فَكَأَنَّما / لاقَتْ سُيُوفَكَ فِي فضاءِ بَرَاحِها
وأَبَحْتَ منها كُلَّ مُخْطَفَةِ الحَشا / شَرِقٍ عَلَى اللَّبَّات نَظْمُ وِشاحِها
فُجِئَتْ بِلَمْسِ البَعْلِ إِلّا أَنَّها / خَطَّتْ رماحُ الخَطِّ عَقْدَ نِكاحِها
بِيضٌ حَدَتْهُنَّ السيوفُ فَأَبْرَزَتْ / صَفَحَاتِ أَوْجُهِهِنَّ بِيضُ صِفاحِها
يا حاجِباً شمسَ الأَقاصِي والدُّنى / بِنداهُ ثوبُ أَمانِها وَصَلاحِها
اِسْلَمْ ولا زالَتْ حياتُكَ غِبْطَةً / أَبَداً تُدِيرُ عَلَيْكَ أَكْؤُسَ رَاحِها
تَبَلَّجَ عن إِشراقِ غُرَّتِكَ الصُّبْحُ
تَبَلَّجَ عن إِشراقِ غُرَّتِكَ الصُّبْحُ / وأَسفَرَ عن إِقدامِكَ النصرُ والفَتْحُ
وقَرَّتْ عيونُ المسلمينَ بأَوْبَةٍ / مصادِرُها عِزٌّ ومَوْرِدُها نُجْحُ
كَأَنَّ شُعاعَ الشمسِ من نُورِ هَدْيها / وعَرْفَ نسيمِ الروضِ من طِيبِها نَفْحُ
ضَرَبْتَ بِحِزْبِ اللهِ فِي الأَرْضِ مُقْدِماً / إِلَى مَتْجَرٍ جنَّاتُ عَدْنٍ لَهُ رِبْحُ
فَضَعْضَعْتَ تيجانَ الضَّلالِ بوقْعَةٍ / عَلَى الشِّرْكِ لا يُؤْسى لَهَا أَبداً جُرْحُ
ورَوَّيْتَ من ماءِ الجَماجِمِ والطُّلى / مُتونَ جِيادٍ شَفَّها الظَّمَأُ التَّرْحُ
بوارِقَ مَا أَوْمَضْنَ عنكَ لِناكِثٍ / فأَخْلَفَ من سُقْيا دَمٍ دِيمَةً تَسْحُو
صفائِحَ أَعداها سناكَ فأَشْرَقَتْ / وَلَمْ يَعْدُهُنَّ العفوُ منكَ ولا الصَّفْحُ
وزُرقاً تَعالى لِلْعُداةِ كَأَنَّما / تَطايَرَ من زَنْدِ المَنُونِ لَهَا قَدْحُ
هَوَادٍ إِذَا جَلَّيْنَ عنكَ لِناكِثٍ / فَحَتْمُ المنايا من لَواحِظِها لَمْحُ
وسابِحَةٌ فِي البَرِّ والبَحْرِ لَمْ يَزَلْ / بِبَأْسِكَ فِي بحرِ الدماءِ لَهَا سَبْحُ
إِذا جَمْجَمَتْ يوماً بِهَا منكَ صَوْلَةٌ / إِلَى الشِّرْكِ لَمْ يَمْلِكْ أَعِنَّتَها الكَبْحُ
رفَعْتَ براياتِ الهُدى من صدورِها / هوادِيَ أَدْنَى شَأْوِها الشَّدُّ والضَّبْحُ
فما حَمَلَتْ خَطْباً إِلَى دارِ خالِعٍ / وإِنْ عَزَّ إِلّا كَانَ أَيْسَرَهُ الفَدْحُ
ولا وَطِئَتْ لِلْكُفْرِ أَرْضاً وإِنْ نَأَى / بِهَا الغَوْلُ إِلّا مَسَّها مِنْهُمُ قَرْحُ
فَكَمْ رَوَّعَتْ لِلْغَيِّ فِي عُقْرِ دارِهِ / حِمىً لَمْ يُرَعْ من قَبْلِهِنَّ لَهُ سَرْحُ
بكُلِّ حَمِيِّ الأَنْفِ دونَكَ لَم يَخِمْ / بِهِ ساعِدٌ عَبْلٌ ولا صارِمٌ شَبْحُ
تَحَلَّوا فَنَاطُوا بالْعَوَائِقِ فِي الوَغَى / جيوباً كِراماً حَشْوُهُنَّ لَكَ النُّصْحُ
وكم طَردُوا من تحتِ غيلٍ وغابَةٍ / إِلَيْكَ أُسوداً مَا يُمَلُّ لَهَا ذَبْحُ
وسِرْبِ مهاً أَخلى الهياجُ خدودَها / فأَسفر عن أَحداقِها الضَّالُ والطَّلْحُ
لَوَاهٍ عن الأَكفاءِ عِزَّاً وإِن تَقُلْ / لَهَا بالقنا الخَطِّيِّ خِطْبٌ تَقُلْ نِكْحُ
تركْنَ عميدَ الشِّرْكِ مَا بَيْنَ جفنِهِ / وبَيْنَ غِرارِ النَّوْمِ عهدٌ ولا صُلْحُ
يلوذ بِشُمِّ الراسياتِ وسَحْرُهُ / من الطَّوْدِ شِعْبٌ للمُخاتِلِ أَوْ سَفْحُ
وَمَا كَرَّ إِلّا نادِباً لمعاهِدٍ / لَكَ الفَوَحُ الباقِي بِهَا وَلَهُ التَّرْحُ
ويا رُبَّ عِلْقٍ لَمْ يَسُسْهُ مُوَفَّقٌ / فَوَفَّرَهُ جودٌ وبَدَّدَهْ شُحُّ
تركْتَ لعينَيْهِ مقاصِرَ عِزِّهِ / وأَحْسَنُ مَا حَلَّيْتَ أَوْجُهَها القُبْحُ
وأَوطأْتَ أَيدي الخيلِ بَيْضَةَ مُلْكِهِ / فأَقْلَعْنَ لا قَيْضٌ هُناكَ ولا مُحُّ
وإِنْ حَمَتِ الآجالُ بَعْضَ حُماتِهِ / فإِنَّكَ فِي أَعجازِ ليلِهمُ صُبْحُ
وأَنْتَ رَكزْتَ الملك فِي الأَرضِ مثلَما / يُثَبِّتُ فِيهَا ذُو الجلالِ وَمَا يمحُو
لقد كَدَحُوا نَكْثاً لعهدِكَ منهمُ / فَخُيِّبَ ذَاكَ السَّعيُ وانقلبَ الكَدْحُ
وأَمْسَوا وأَضْحَوا مُوجِفِينَ ببغيِهِمْ / إِلَى نِقَمٍ أَمسَوْا لَهُنَّ وَلَمْ يُضْحُوا
موارِدُ لا مرعى السيوفِ بِعُقْرِها / جديبٌ ولا شُرْبُ الرِّماحِ بِهَا نَشْحُ
سريتَ لَهُمْ بالخَيْلِ فِي ظِلِّ غَيْهَبٍ / من الليلِ مَا يُطْوى عَلَيْكَ لَهُ كَشْحُ
تقابَلَ فِيهِ البدرُ والبدرُ والقنا / وزُهْرُ نجومِ الليلِ والجُنْحُ والجُنْحُ
وسبطانِ من أَملاكِ يعرُبَ أَقْدَما / بأَجنادِها كالنجمِ يَقْدُمُهُ النَّطْحُ
سِراجانِ للإِسلامِ مَا طَلَعَا مَعاً / عَلَى الخطبِ إِلّا بَشَّرَ اليُمْنُ والنُّجْحُ
فهذا حسامٌ فِي يدِ الملك قاضِبٌ / رَسُوبٌ وهذا فِي يمينِ الهُدى رُمْحُ
هو الحاجِبُ المُحْتَلُّ من رُتَبِ العُلا / بِحيثُ تناهى الفخرُ والحمدُ والمدحُ
وأَنْفَسُ نفسٍ فِي الوَرى غيرَ أَنَّهُ / إِذَا لَقِيَ الأَعداءَ فَهْوَ بِهَا سَمْحُ
وصِنْوُ عُلاهُ ناصِرُ الدَّولَةِ الَّذِي / يفوزُ لَهُ فِي كُلِّ مكرُمَةٍ قِدْحُ
فتِلكَ الرُّبى من بَنْبِلُونَةَ والحِمى / منَ الرَّاحِ مُسْوَدٌّ بأَرْجائِهِ الصُّبْحُ
وبيعَةُ شَنْتَ اقْروجُ أَوْرَيْتَ فَوْقَها / سَنا لَهَبٍ فِيهِ لَعَمْيائِها شَرْحُ
وَكَانَ لَهَا الفِصْحُ الأَجَلُّ فأَصْبَحَتْ / لنارِكَ فِصْحاً مَا لَهَا بَعْدَهُ فِصْحُ
فلِلَّهِ عَيْنا من رأَى بِكَ صَرْحَها / ومِنْ جاحِمِ النِّيرانِ فِي سَمْكِهِ صَرْحُ
رفعتَ من الصُّلْبَانِ فِي عَرَصاتِها / وقُوداً لَهُ فِي وَجْهِ رُومِيَّةٍ لَفْحُ
وفَجَّرْتَ فِيهَا من دِماءِ حُماتِها / بُحُوراً لَهَا فِي تاجِ مُلكِهِمُ نَضْحُ
وأَشرعْتَ فِي أَرجائِها كُلَّ ثاقِبٍ / لَهُ فِي شَغافِ القلبِ من قَيْصَرٍ جُرْحُ
طوالِعَ من آفاقِ جيشٍ كَأَنَّهُ / بِخَرْقِ المَلا كِسْفٌ من الليلِ أَوْ جُنْحُ
يضِلُّ مدى الأَبصارِ فِي جَنَبَاتِهِ / ويَحْسرُ عن غاياتِهِ الرِّيحُ والضِّحُّ
فجوزيتَ عن سعيِ البِلادِ بأَنْعُمٍ / ذخائِرُها فَوْزٌ وعاجِلُها فَتْحُ
ووُفِّيتَ أَجْرَ الصابِرينَ مُضاعَفاً / من الدينِ والدُّنيا لَكَ المَنُّ والمَنْحُ
ومُلِّيتَ شهراً للصيامِ نَسَكْتَهُ / بأَشْفاعِ غزو دأْبُها الضربُ والكَفْحُ
ولا زَالَ عِزُّ النصرِ والفتحِ عامِداً / لآيةِ مَا يَنْوِي وآيَةِ مَا يَنْحُو
سِرْ سارَ صُنْعُ اللهِ حَيْثُ تسيرُ
سِرْ سارَ صُنْعُ اللهِ حَيْثُ تسيرُ / قُدُماً وساعَدَ عَزْمَكَ المقدورُ
ووَصَلْتَ موصولاً بِبُغْيَتِكَ المُنى / ومُيَسَّراً لمُرادِكَ التَّيْسِيرُ
وأَعادَ عاداتٍ جَرَتْ لَكَ بالمُنى / ربٌّ عَلَى أَضعافِهِنَّ قديرُ
فالسعدُ بالنصرِ العزيزِ مُخَبِّرٌ / واليُمْنُ بالفتحِ المُبينِ بَشِيرُ
حَكَمَتْ لَكَ الأَقدارُ أَنَّكَ باهِرٌ / مُلْكَ الملوكِ وأَنَّهُ مَبْهُورُ
وقضى لَكَ الرحمنُ أَنَّكَ قاهِرٌ / حِزْبَ الضَّلالِ وأَنَّهُ مَقْهُورُ
جُعِلَتْ فداءَكَ أَنْفُسٌ أَحْيَيْتَها / وبها جميعاً لا بِكَ المَحْذُورُ
فانْهَضْ بحزبِ اللهِ يَقْدُمُ جَمْعَهُ / حِفْظُ الإِلهِ وسعيُكَ المشكورُ
في جحفَلٍ جَمِّ العديدِ كَأَنَّهُ / فَلَكٌ عَلَى الأَرْضِ الفضاءِ يَدُورُ
عُمَّتْ بِهِ الأَقطارُ إِلّا مَوضِعاً / فِيهِ عَدُوُّكَ للسيوفِ أَسيرُ
لَجِبٍ يُغِصُّ الأَرضَ وَهْيَ عريضَةٌ / ويَرُدُّ غَرْبَ الطَّرْفِ وَهْوَ حسيرُ
من كُلِّ مقدامٍ يكادُ فؤادُهُ / طَرَباً إِلَى نَغَمِ السيوفِ يطيرُ
مُتَسَرْبِلٍ صَدَأَ الحديدِ كَأَنَّهُ / قَمَرٌ تَعَرَّضَ دونَهُ ساهُورُ
ومُهَنَّدٍ يُزْجِي المنونَ كَأَنَّهُ / عبْدٌ بطاعَةِ حَدِّهِ مَأْمُورُ
لُجٌّ بشيرُ النصرِ فِيهِ سابِحٌ / بَرْقٌ سحابُ الموتِ منهُ قَطِيرُ
ومُثَقَّفٍ صَدْقِ الكُعُوبِ كَأَنَّهُ / قَلَمٌ تمكَّنَ من شَباهُ النُّورُ
وأَقَبَّ مصقولِ الأَديمِ كَأَنَّهُ / بَحْرٌ بِرَيْعانِ الجِراءِ يَمُورُ
مَرِحٍ يَكُرُّ القلبُ حَيْثُ يقودُهُ / ويسيرُ طرفُ العينِ حَيْثُ يسيرُ
هَزِجٍ يكادُ يَبينُ فِي نَغَماتِهِ / ويلاكَ يَا غَرْسِيَّةُ المغرورُ
أَيْنَ النَّجاءُ وَقَدْ أَظَلَّكَ مُغْضَباً / ليثُ العرينِ الحاجِبُ المَنْصورُ
وأَتاكَ فِي لبسِ الحديدِ مُضاعَفاً / سيفُ الهُدى ولواؤُهُ المنشورُ
سَهْمٌ إذَا شَجَر القواضِبُ صائِبٌ / سيفٌ إذَا اعْتَنَقَ الكماةُ مُبِيرُ
غيثٌ إذَا مَا الغيثُ أَخْلَفَ هاطِلٌ / بَدْرٌ إذَا دَجَتِ الخطوبُ مُنيرُ
سامٍ إِلَى شِيَمِ الملوكِ مُنازِعٌ / هادٍ عَلَى خُلُقِ الهُدى مَفْطُورُ
مُتَفَرِّدٌ بمناقِبٍ مُتَقاصِرٌ / عن كُنْهِها المنظومُ والمنثورُ
عبدُ المليكِ فتى المكارِمِ والَّذِي / حَظُّ الرَّجاءِ بِسَيْبِهِ مَوْفُورُ
فَهنَاكَ سَلُّكَ صارِمَيْنِ كِلاهُمَا / للمُلكِ والدينِ الحنيفِ نَصيرُ
وذخيرةٌ فِي النائِباتِ ومَعْقِلٌ / من صرفِ أَحداثِ الزمانِ مُجيرُ
حازا سَناءَ مناظِرٍ ومَخابِرٍ / مُلِئَتْ بِهِنَّ نواظِرٌ وصُدُورُ
أَلا هَكَذَا فَلْيَسْمُ للمجدِ مَنْ سَما
أَلا هَكَذَا فَلْيَسْمُ للمجدِ مَنْ سَما / ويَحْمِ ذِمارَ الملكِ والدينِ مَنْ حَمى
وإِلّا فللمنصورِ غاياتُ مَا شَآ / إِلَيْهِ بَني الدنيا وأَغراضُ مَنْ رَمى
وحَقٌّ لِمَنْ لاقى فأَقدمَ سَيْفُهُ / عَلَى غَمَراتِ الموتِ أَن يَتَقَدَّمَا
ومن حَقَرَتْ مستعظَمَ الهولِ نَفْسُهُ / إِذَا الخيلُ كرَّتْ أَن يكونَ المعظَّما
ومن مَلَّ أُنْسَ المالِ حَتَّى تحَكَّمَتْ / عَلَى مَا حَوَتْ كفَّاهُ أَن يَتَحَكَّما
ومَنْ حَمَتِ العِلْقَ النَّفيسَ سيوفُهُ / من الضيمِ أن تختارَ مُرتَبَعَ الحَما
ومن تَيَّمَتْهُ أَوْجُهُ المجدِ أَن يُرى / وقلبُ العلا صَبّاً إِلَيْهِ مُتَيَّما
ولله يَا منصورُ آراؤُكَ الَّتِي / بنيتَ بِهَا نحوَ الكواكِبِ سُلَّما
وهذا عظيمُ الشِّرْكِ قَدْ جاءَ خاضِعاً / وأَلقى بكفَّيْهِ إِلَيْكَ مُحَكِّما
سليلُ ملوكِ الكفرِ فِي ذِرْوَةِ السَّنا / ووارِثُ ملكِ الرُّومِ أَقْدَمَ أَقْدَما
توسَّطَ أَنسابَ القياصِرِ فانتمى / من الصِّيدِ والأَملاكِ أَقرَبَ مُنْتَمى
ولما تقاضى غَرْبُ سيفِكَ نَفْسَهُ / وحاطَتْ لَهُ الأَقدارُ مُحْتَقَنَ الدِّمَا
وَلَمْ يستطِعْ نحوَ الحياةِ تأَخُّراً / بِفَوْتٍ ولا نحوَ النَّجاةِ تَقَدُّما
تدارَكُهُ المقدارُ فِي قبضةِ الردى / وخاطَبَهُ حنَّاً عَلَيْهِ فأَفْهَمَا
وبشَّرَهُ التَّأْمِيلُ منكَ بعَطْفَةٍ / تلقَّى بِهَا رَوْحَ الحياةِ تَنَسُّما
فأَشْرَعَ أرْماحَ التَّذَلُّلِ ظاعِناً / وأَصْلَتَ أَسيافَ الخضوعِ مُصَمِّما
وقابَلَهُ النصرُ الَّذِي لَكَ صَفوُهُ / مع السَّعدِ حَتَّى احتازَهُ لَكَ مَغْنَما
وقادَ لحبلِ الرِّقِّ نحوكَ نَفْسَهُ / فلاقاكَ مُمْتَنّاً ووافاكَ مُنْعِما
وحَفَّتْ بِهِ للحاجِبِ القائِدِ الَّذِي / أَبى الدهرُ إِلّا مَا أَمَرَّ وأَحْكَما
حمايَةُ آباءٍ ومنعةُ قادرٍ / يتَيهُ عَلَى صرفِ الزمانِ مُحَرَّمَا
فَراحَ ذليلاً ثُمَّ أَضحى مُبَجَّلاً / وأَمسى مُهاناً ثُمَّ أَصبحَ مُكْرَما
وأَصبحَ من حظِّ السلامةِ وافِراً / بأَن راحَ من عزِّ الإِمارَةِ مُعْدِما
ولاقاكَ فاسْتَخْذى لديكَ تذلُّلاً / ليحتازَ من أدنى رضاكَ تَرَحُّما
لئن خَفَرَتْهُ منكَ ذمَّةُ قادرٍ / لقد فارقَ الكُفْرَ الخَذُولَ مُذَمَّما
لئن سُمْتَهُ البأْساءَ فِي عُقْرِ دارِهِ / لقد عُضْتَهُ فِي دارِ ملكِكَ أَنْعُما
لَئِنْ خاضَ فِي اسْتِقبالِكَ الجودَ والنَّدى / لَقَدْ خاضَ فِي آثارِكَ النَّقع والدِّما
ومَرَّ يُبَكِّي من معاهِدِ مُلكِهِ / معالِمَ عَفَّتْها السيوفُ وأَرْسُما
تُراعُ بِهَا الأَجبالُ من رَنَّةِ الصَّدى / ويُذْعَرُ فِيهَا الطيرُ أَن يَتَرَنَّما
بسطْتَ لَهُ أَمْناً وَقَدْ بَسَطَ القنا / ثَرَى أَرضِه من هَلَّهَا بكَ أَعظُما
سقيتَ بِهِ الإِسلامَ أَرْياً وطالما / سقاهُمْ بكأْسِ الموتِ صاباً وعلقما
وها هُوَ ذَا فِي راحَتَيْكَ مُذَلَّلاً / رهيناً لما أَمْضَيْتَ فِيهِ مُحْكَّما
رمَى نفسَهُ قَسْراً إِلَى المَلِكِ الَّذِي / رأَى الدهرَ مملوكاً لَهُ فَتَعَلَّما
ولولا سيوف النصرِ حينَ انْتَضَيْتَها / لقد جلَّ هَذَا الصُّنعُ أن يُتَوَهَّما
فجاءَ وقَيْدُ الرَّوْعِ يَقصُرُ خطوَهُ / ويَمْتَدُّ فِي حبلِ الخضوعِ تَقَدُّما
يخاطِبُ عن رعْبٍ وإِن كَانَ مفصحاً / ويُفْصِحُ عن ذعرٍ وإِن كَانَ أَعجما
إِذا راعَهُ هولُ الجنودِ فأَحْجَما / تدارَكَهُ ذِكرى رِضاكَ فأَقدما
وَمَا كرَّ رجْعَ الطرفِ إِلّا وضَيغَمٌ / يُساوِرُ فِي رُعْبِ الأَسِنَّةِ ضيغما
وأَرْقَمُ يسطُو بالهواءِ اضْطِرابُهُ / يناهِسُ فِي ليلٍ من النقعِ أَرقما
وعِقبانُ أَعلامٍ تَمُرُّ يخالُها / عَلَى نفسِهِ فِي مَعْرَكِ الحربِ حُوَّما
فلله يومٌ جلَّ قدرُ عديدِهِ / وعُدَّتِهِ عن مِثْلَما وكأَنَّما
جنودٌ كَأَنَّ الأَرضَ من لَمَعانِها / بروقٌ تلالا أَوْ حَريقٌ تَضَرَّما
سحابٌ من البيضِ الخوافِقِ قَدْ عَلا / وبحرٌ من السَّرْدِ المضاعَفِ قَدْ طَمى
بكلِّ كَمِيٍّ عامِرِيٍّ كَأَنَّما / تَسَرْبَلَ من شمس الضِّحى وتَعَمَّمَا
يُحَيِّي الأَميرَ بالحياةِ مُبَشِّراً / وإِن كَانَ قَدْ فاجاهُ بالموتِ مُعْلِما
وَقَدْ طالَما لاقاهُ قِرْناً مُساوِراً / فَوَشْكَانَ مَا لاقاهُ حِزْباً مُسَلِّما
كَأَنَّ النجومَ الزُّهْرَ حَفَّتْ بوجْهِهِ / فأَدَّتْهُ محروساً إِلَى قَمَرِ السَّما
فقابَلَ وجهاً بالجمالِ مُتَوَّجاً / وقبَّلَ كَفّاً بالسماحِ مُخَتَّما
فَهُنِّيت يَا منصورُ سَعْداً مُجَدَّداً / وإِقبالَ صُنعٍ بالبقاءِ مُتَمَّما
ومُلِّيتَ من أَسباطِ مَجْدِكَ حاجِباً / يباشِرُ منه المجدُ والفخرُ مَقْدِما
رَمَيْتَ بِهِ بحرَ الضلالَةِ فانْتهى / وجَشَّمْتَهُ عِبْءَ العُلا فَتَجَشَّما
شِيمَا سَنا البارِقِ المنهلِّ فَالْتَمِحا
شِيمَا سَنا البارِقِ المنهلِّ فَالْتَمِحا / أَيَّ السُّرى أَمَّ أَمْ أَيَّ البلادِ نَحا
واسْتَخْبِرَا نَفَحاتِ الرِّيحِ هل سَبَكَتْ / دُرّاً من التِّبْرِ أَوْ شابَتْ دُجىً بِضُحى
أَمِ استهامَتْ هوادِي اللَّيْلِ فاقْتَبَسَتْ / أَمْ هل تَضَلَّلَ حادِي المزنِ فَاقْتَدَحَا
سارٍ كَأَنَّ اضطرامَ الشَّوْقِ أَقلقَهُ / فليسَ يَرْقَأُ منه مدمَعٌ سَفَحا
ومستهِلُّ حياً أَحْيا الوَرى غَدِقاً / بَلْ طائرٌ بِتَباشِيرِ المُنى سَنَحا
سناً تأَلَّقَ فِي دارٍ يُبَشِّرُنا / دُنُوُّهُ بِتَلَقِّي شاحِطٍ نَزَحا
هي السَّوَانِحُ للمنصورِ قَدْ نَطَقَتْ / بقُرْبِهِ وخفاءُ الفأْلِ قَدْ بَرِحا
لعلَّ قادِمَ بُشْرَاهُ يُخَبِّرُنا / عن هاجِسٍ بأَمانِي النَّفْسِ قَدْ نَجَحَا
برقٌ تهلَّلَ فِي المزنِ الهَتُونِ كَأَنْ / من وجهِهِ ضاءَ أَوْ عَنْ كَفِّهِ سَمَحا
والرِّيحُ تسحَبُ ذيلَ القطرِ فِي أَرَجٍ / وَحْفٍ كَأَنَّ بِرَيَّا ذِكْرِهِ نَفَحا
إِنَّ المَلا بجنودِ الأَرضِ قَدْ بَجَحَتْ / والجَوُّ من رَهَجِ الفرسانِ قَدْ طَفَحا
بكُلِّ مُعْتَنِقِ الأَقرانِ فِي كُرَبٍ / لَوْ زُلْزِلَتْ قُنَنَ الأَطوادِ مَا بَرِحا
شَرى من اللهِ نَفْساً حُزْتَ طاعَتها / فأَحرزَ الدينَ والدنيا بِما رَبِحا
كَأَنَّهُ فِي مجالِ الخيلِ لَيْثُ شرىً / وعندَ مُزْدَحَمِ الفرسانِ قُطْبُ رَحى
يكَادُ يشتَفُّ نفسَ القِرْنِ من طَرَبٍ / إِذَا المهنَّدُ غَنَّاهُ بما اقْتَرَحا
وسابِحِ الشَّأْوِ مَا أَقْحَمْتَ هادِيَهُ / بحرَ المهالِكِ إِلّا غاضَ أَوْ سَبَحا
طِرْفٍ تقودُ عِنانَ الطَّرْفِ غُرَّتُهُ / إِذَا تعالى مُجِدّاً أَوْ وَنى مَرِحا
وأَزْرَقٍ يتلظَّى فوقَ عامِلهِ / شهابُ قَذْفٍ إِلَى العَيُّوقِ قَدْ طَمَحَا
ومُرْهَفٍ يَتَثَنَّى شارِباً ثَمِلاً / من طولِ مَا اغْتَبَقَ الأَرواحَ واصْطَبَحا
هاتِيكَ أَجنحَةُ الراياتِ خافِقَةً / إِلَى المُبارَكِ من جَوِّ العُلا جُنُحا
وقلَّبَ الملكُ فِي الآفاقِ مُنْتَظِراً / طَرْفاً إِلَى الغُرَّةِ العلياءِ مُلْتمحا
والأَرضُ قَدْ لبسَتْ أَثوابَ زَهْرَتِها / وقُلِّدَ الروضُ من أَزهارِهِ وُشُحا
والأَيْكُ يهفُو بأَنفاسِ الصَّبا سَحَراً / قَدْ هَبَّ مُسْتَنْطِقاً أَوْتارَهُ الفُصُحا
يا مَنْ إِلَيْهِ استطارَ الشوقُ أَنْفُسَنا / نَأْياً وآبَ فطارَتْ نَحْوَهُ فَرَحا
مُلِّيتَ حاجِبَكَ الأَعْلى ودُمْتَ لَهُ / وقُمْتَ بالشُّكْرِ فِيهِ للَّذِي مَنَحا
نجمٌ أَنافَتْ عَلَى الدُّنيا رِياسَتُهُ / ومَعْلَمٌ للهُدى والدينِ قَدْ وَضَحا
سَلَلْتَهُ لِحِمى الإِسلامِ مُنْتَقِماً / مِمَّنْ عَتا فِي سبيلِ اللهِ أَوْ جَمَحا
مُتَوَّجاً بسناءِ المُلْكِ مُشْتَمِلاً / بالحزمِ مُلتحِفاً بالبأْسِ مُتَّشِحا
مُسْتَنْصِرَ اللهِ فِي الأَعداءِ مُنْتَصِراً / لَهُ ومُستفتحاً باللهِ مُفْتَتِحا
ملاذُنا من صروفِ الدهرِ إِن طَرَقَتْ / دُهْماً ومفزَعُنا فِي الخطبِ إِن فَدَحا
الشِّعْرُ أَجْدَرُ أَن يلقاهُ مُعْتَرِفاً / بالعجزِ عَمَّا يُناوِي منه مُمْتدِحا
والصُّحْفُ تَنْفَذُ والأَقلامُ عاجِزَةٌ / عن خَطِّ مَا اجْتَثَّ من أَعدائِهِ وَمَحا
فَعِشْ ودُمْ وابْقَ واملِكْ واقتَبِلْ نِعَماً / واحلُلْ منيعاً من المكروهِ مُنْتَزِحا
وقَرَّ عيناً بِسِبْطَيْ حِمْيَرٍ حِقَباً / مُستوفِياً فيهما آمالَكَ الفُسُحا
جاءَتْكَ خاضِعَةً أَعناقُها الأُمَمُ
جاءَتْكَ خاضِعَةً أَعناقُها الأُمَمُ / مُسْتَسلِمِينَ لِمَا تُمْضِي وتَحْتَكِمُ
واسْتَرْهَنَتْكَ ملوكُ الأَرضِ أَنْفُسَها / مَا استنفَدَ البَأْسُ أَوْ مَا اسْتَدْرَكَ الكَرَمُ
فَلْيَهْنِ سَيْفَكَ أَنَّ الكُفْرَ مُنْقَصِمٌ / بهبَّتَيْهِ وأَنَّ الدينَ مُنتظِمُ
فهل تَرى لِلْعِدى فِي الأَرضِ باقيَةً / إِلّا حُشاشَةَ من يَبْكِي ويَلْتَدِمُ
هذِي قَوَاصِي ملوكِ الشِّرْكِ مُذْعِنَةٌ / تُنْبَا وتُعْلَمُ أَنَّ الشِّرْكَ يُصطَلَمُ
وراسياتُ جِبالِ الكفْرِ يُخْبِرُنا / هُوِيُّها أَنَّ ذَاكَ الطودَ مُنْهَدِمُ
فَلٌّ لسَيْفِكَ فِي أَقصى بلادِهِمُ / بكَ استعاذُوا ومن كَرَّاتِكَ انْهَزَمُوا
فَشَلَّهُمْ طارِدُ الذُّعْرِ المُطِيفُ بِهِمْ / حَتَّى أَجارَهُمُ فِي ظِلِّكَ الحَرَمُ
مُعْتَسِفِينَ سُهوبَ الأَرضِ قَدْ جَهِلُوا / من كلِّ آنِسَةِ الأَقطارِ مَا عَلمُوا
معاهِدٌ قُدْتَ فِيهَا الخيلَ فانْقَلَبَتْ / مثلَ الرُّبوعِ مَحا آثارَها القِدَمُ
عَفَتْ معالِمها من بعْدِهِمْ سُحُبٌ / صوبُ الصَّوارِمِ مِنها والقَنا دِيَمُ
لا يسأَلُونَ لَهَا رَسْماً بقاطِنِهِ / إِلّا أَجابَتْهُمُ الأَشلاءُ والرِّمَمُ
ولا تَخُبُّ مطاياهُمْ عَلَى بَلَدٍ / إِلّا استُنيرَتْ بأَدنى وَخْدِها اللِّمَمُ
غادَرْتَها مُوحِشاتٍ بعدَ آنِسِها / والأَرضُ خاوِيَةٌ منهم بما ظَلَمُوا
لئِنْ تناهى بِهِمْ أُفْقٌ فَشَطَّ بِهِمْ / لَشَدَّ مَا حَمَلَتْهُمْ نحوَكَ الهِمَمُ
حَتَّى رَمَوا بعصا التَّسيارِ فامْتَسكوا / حبلاً من الملِكِ المنصورِ واعتصموا
أَلقَوْا إِلَيْكَ بأَيدِي الذُّلِّ فاعتقدوا / عهداً من الأَمنِ مَحفوظاً لَهُ الذِّمَمُ
وجاهدُوا عفوَهُ عن أَنْفُسٍ عَلِمَتْ / أَنَّ الحياةَ لَهَا من بعضِ مَا غَنِمُوا
يمشونَ فِي ظُلَلِ الرَّاياتِ تُذْكِرُهُمْ / أَيامَ تغشاهُمُ العِقْبانُ والرَّخَمُ
من كُلِّ أَغلبَ محذورٍ بوادِرُهُ / يساوِرُ الرِّيحَ أَحياناً ويَلْتَهِمُ
وكلِّ فتخاءَ ماضٍ حَدُّ مِنْسَرِها / كَأَنَّهُ نحوَ أَكبادِ العِدى قَرِمُ
وأَرقَمٍ يتلَوَّى نحو أَرْؤُسِهِمْ / حَتَّى يكادُ لَهَا فِي الجو يَلْتَقِمُ
والأُسْدُ تزْأَرُ والراياتُ خافِقَةٌ / كَأَنَّها مُثْبَتاتٌ فِي قُلُوبِهِمُ
والخيلُ منظومَةٌ بالخيلِ لا كتبٌ / منها لغايَةِ ذِي سَعْيٍ ولا أَمَمُ
والأَرضُ من رهبةِ الأَبطالِ مائِدَةٌ / والجوُّ من رَهَجِ الفرسانِ مُزْدَحِمُ
والسُّمْرُ فِي هَبَواتِ النقعِ ثاقبةٌ / والبِيضُ فِي قُرُبِ الأَغْمادِ تضطرِمُ
كَأَنَّما ملأَتْ رَحْبَ الفضاءِ لَهُمْ / غُلْبُ الضَّراغِمِ والغاباتُ والأَجَمُ
وأَولياءُ الهُدى والدينِ قَدْ سَتَرُوا / من أَوْجُهٍ بِسَناها الخطبُ يَبْتَسِمُ
تَعَمَّمُوا بإِياةِ الشمسِ واشتملوا / رقراقَ نَهْيِ سرابِ البيدِ والْتَثمُوا
كَأَنَّما تَتلالا فِي رُؤُوسِهِمُ / وَقَدْ توافَوْا أَيادٍ منكَ أَوْ شِيَمُ
وشيعَةُ الكفرِ فِي مَثْنَى حبائِلِهِمْ / تُصَدِّقُ العيشَ أَحياناً وتَتَّهِمُ
حَتَّى تراءاكَ من أَقصى السِّماطِ وَقَدْ / شِيمَ الحِمامُ وسَيْفُ العفوِ مُحتكِمُ
مُمثَّلٌ فِي هوادِيهِمْ وأَرْؤُسِهِمْ / مَا عُوِّدَتْ منهُمُ المصقولَةُ الخُذُمُ
لما انتضَيْتَ سناها فِي مفارِقِهِمْ / خرَّتْ سُجُوداً لَكَ الأَعناقُ والقِمَمُ
وأَوْجُهٌ عفَّروها التُّرْبَ خاضِعَةً / كَأَنَّ كلَّ جبينٍ منهُمُ قَدَمُ
فإِنْ يَفِضْ بحرُكَ المُحْيِي لَهُمْ فلقد / جازُوا الصُّفوفَ وموجُ الذُّعْرِ يَلْتَطِمُ
أَوْ عايَنُوا البدرَ فِي أَعلى منازِلِهِ / فقد أَحاطَتْ بِهِمْ من دونِهِ ظُلَمُ
فإِنْ عفوتَ ففي الرَّحمنِ مؤتَلَفٌ / وإِنْ سَطَوْتَ ففي الرحمنِ مُنْتَقَمُ
واسْلَمْ ولا بَرِحَتْ فيهمْ لَنَا نِقَمٌ / تَتْرى بِهِمْ ولكَ الآلاءُ والنِّعَمُ
إِذَا شِئْتِ كَانَ النَّجْمُ عندَكِ شاهِدِي
إِذَا شِئْتِ كَانَ النَّجْمُ عندَكِ شاهِدِي / بلَوْعَةِ مُشتاقٍ ومُقْلَةِ ساهِدِ
غريبٌ كساهُ البينُ أَثوابَ مُدْنَفٍ / وحَفَّتْ بِهِ الأَشجانُ حفَّ الولائِدِ
بَعيدِ الضُّحى من بَعْدِ إِلْفٍ مُفارِقٍ / طويلِ الدُّجى من طولِ بَثٍّ مُعاوِدِ
كَأَنَّ ظلامَ الليلِ سَدَّ طَرِيقَهُ / تعلُّقُ أَجفانِي بِرَعْيِ الفراقِدِ
وَقَدْ لَبِسَتْ آفاقُهُ من دُجُونِهِ / حِدادَ نواعٍ للصباحِ فَوَاقِدُ
سَلِيني عن الليلِ التَّمامِ قطعْتُهُ / بزفرَةِ مُشتاقٍ وأَنفاسِ واجِدِ
طَوَاكِ على طِيبِ الكرى فطَوَيْتُهُ / بشكوى سَلي عنهُنَّ صُمَّ الجَلامِدِ
يطاولُ ليلُ التِّمِّ بَثِّيَ مُسْعِداً / عَلَى ذِكْرِ إِلْفٍ بانَ غيرِ مُساعِدِ
ويوحِشُني ملْءُ السماءِ كواكِباً / إِلَى كوكبٍ فِي مَغْرِبِ البَيْنِ واحِدِ
أَلَمْ أَدْرِ أَنَّ الصُّبحَ شِبْهُكَ قَبْلَها / فأَعرِفَ منه الآنَ خُلْفَ المَوَاعِدِ
ستَرْعى وفاءَ العهدِ لي إن نَقَضْتَهُ / لواعِجُ بَثٍّ فِي هواكِ مُعاهِدِي
ويُوشِكُ أَن تُجْلى وُجوهُ مَطَالبِي / بأَزْهَرَ وضَّاحٍ وأَرْوَعَ ماجِدِ
مليكٍ لشملِ الملكِ والعِزِّ جامِعٍ / وعن حُرَمِ الأَحسابِ والمجدِ ذائِدِ
أَغَرَّ سَما للدِّينِ فاعْتَصَمَ الهُدى / بِهِ وهَدى المعروفَ سُبْلَ المحامِدِ
حَياً طبَّقَ الآفاقَ شَرْقاً ومَغْرِباً / فما تُقْتَفى فِي المَحْلِ آثارُ رَائِدِ
بسيفٍ لأَقدارِ الحُتُوفِ مساوِرٍ / وسَيْبٍ لِتَهْتَانِ الغيومِ مُجاوِدِ
سليلُ عُلاً تَنْمِيهِ أَنسابُ حِمْيَرٍ / إِلَى كُلِّ بانٍ للمفاخِرِ شائِدِ
همامٌ لَهُ من فَخْرِ يَعْرُبَ فِي العُلا / ذُرى كلِّ سَامِي السَّبْكِ راسِي القواعِدِ
محاتِدُ عِزٍّ واعتلاءٍ كَأَنَّما / سنا الشمسِ من إِشراقِ تِلْكَ المحاتِدِ
فتىً أَذْعَنَ الدهرُ الأَبيُّ لِحُكْمِهِ / فأَضحى إِلَيْهِ مُلْقِياً بالمَقالِدِ
هُوَ البَدْرُ إِشراقاً ونوراً وسيفُهُ / مَدى الدهرِ منه فِي مَحَلِّ عُطَارِدِ
تدانَتْ من الآمالِ أَنواءُ كَفِّهِ / وبَرَّزَ سَبْقاً فِي المدى المُتباعِدِ
فَحَجَّبَ منهُ الملكَ أَكرمُ حاجِبٍ / وقادَ جنودَ النصرِ أَكرمُ قائِدِ
كتائِبُ توحيدُ الإِلَهِ شِعارُها / وَمَا يومُ خِزْيِ الكفر فِيهَا بِواحِدِ
إِذَا يَمَّمَتْ منه حِمىً فكأَنَّما / أَرَبَّتْ عَلَيْهِ مُصْعِقاتُ الرَّواعِدِ
لئِنْ حَلَّ دارَ الملكِ من بَعْدُ قافِلاً / لقد شَدَّ أَقصاها برأْيِ مُجاهِدِ
فشاهَدَ عنه النصرُ إِنْ لَمْ يُشَاهِدِ / وجالَدَ عنهُ الصَّبْرُ إِن لَمْ يُجالِدِ
رعى اللهُ للمَنْصُورِ نُصْرَةَ دِينِهِ / فَجَازَاهُ خيرَ ابْنٍ تلا خَيْرَ والِدِ
وأيّد هَذَا المُلْكَ والدِّينَ مِنْهُما / بأَيمَنِ يُمْنى ساعَدَتْ خَيْرَ سَاعِدِ
فيا جامِعَ الإِسلامِ شَمْلاً وتارِكاً / دِيارَ الأَعادِي مُوحِشاتِ المعاهِدِ
ومقتحِمَ الأَهْوالِ فِي حَوْمَةِ الوغى / كَمَا بادرَ الظمآنُ عذبَ المَوَارِدِ
لِيَهْنِكَ أَنَّ العيدَ وافاكَ قادِماً / بأوشَكِ بادٍ للسرورِ وعائِدِ
تلقَّاكَ بالبُشْرَى وحيَّاكَ بالمنى / وساعَدَ للبُشْرى لأَعْدَلِ شاهِدِ
فلا زَالَتِ الأَيَّامُ أَعيادَ فضلِكُمْ / لكُلِّ مُوالٍ خالِصِ الشكرِ حامِدِ
ولا زِلْتُمُ مأْوَى غريبٍ وآمِلٍ / ومَفْزَعَ ملهوفٍ وفُرْصَةَ قاصِدِ
إِن تفخَرِ الدنيا فأَنتَ فَخَارُها
إِن تفخَرِ الدنيا فأَنتَ فَخَارُها / أَوْ تَخْتَرِ العليا فأَنتَ خِيارُها
المجدُ ممنوعٌ بسيفِكَ عِزُّهُ / والأَرضُ معمورٌ بِمُلْكِكَ دارُها
زُهِيَتْ بذكرِكَ أَرضُها وسماؤها / وجرى بسعدِكَ ليلُها ونهارُها
هُدِيَتْ بِهَدْيِكَ فِي الظَّلامِ نجومُها / وسرَتْ بنورِكَ فِي الدجى أَقمارُها
يا عامِرِيّينَ اعْمُرُوا رُتَبَ العُلا / فَلَكُمْ سَنيُّ سنائِها وفخارُها
وتمكَّنُوا من دَولَةِ العِزِّ الَّتِي / أَنتُمْ زَكِيُّ أَرُومِها ونجارُها
لا تَعْدَمَنَّ عُلاكُمُ الرُّتَبَ الَّتِي / أَضحَتْ مُعَظَّمَةً بكُمْ أَقدارُها
بكُمُ اكْتَسَتْ حُلَلَ السَّنا وبِسَعْيِكُمْ / ضاءَتْ معالمها وحِيطَ ذِمارُها
رَضِيَتْ تَعَبُّدَكُمْ لَهَا أَملاكُها / وتفاخَرَتْ بولائِكُمْ أَحرارُها
من دوحَةِ الكَرَمِ المُنَعَّمَةِ الَّتِي / أَخَذَتْ بآفاقِ العُلا أَشجارُها
مُدَّتْ لأَمْنِ المسلمينَ ظِلالُها / ودَنَتْ لأَرزاقِ العبادِ ثِمارُها
فِي ذِرْوَةِ الشَّرَفِ الَّتِي شادَتْ لكُمْ / شُرُفاتِها قحطانُها ونِزارُها
أَعْطَتْكُمُ رَهْنَ السباقِ جيادُها / وخَلا لفائِتِ شأْوِكُمْ مِضْمارُها
سَبَقَ القضاءُ بأَنكم أملاكُها / دونَ الأَنامِ وأَنكم أَنصارُها
للهِ منكَ إِذَا الشِّفارُ تقاصَرَتْ / هِمَمٌ تَمُرُّ بِمَرِّها أَقدارُها
يا قائِدَ الخيلِ العِتاقِ كَأَنَّما / عَزَماتُهُ أَرماحُها وشِفارُها
ليثٌ يُخاطِرُ فِي المَكَرِّ بنفسِهِ / هِمَمٌ عظيمٌ فِي العلا أَخطارُها
أَوطَأْتَ أَرضَ المشركينَ كتائِباً / فِيهَا وَشيكُ فَنائها ودَمَارُها
وتركتَ أَرضَ لِيُونَ وَهْيَ كَأَنَّها / لَمْ تَغْنَ بالأَمسِ القريبِ دِيارُها
مرفوعةً لَكَ فِي العُلا أَعلامُها / لما غَدَتْ بك عافِياً آثارُها
شِيَعٌ حواها حَدُّ سيفِكَ عنوةً / أَضحتْ وعُقْبى الإِنتقامِ قُصارُها
وفلولُ من فات الفِرارَ بنفسِهِ / جاءَتْ يُعاجِلُها إِلَيْكَ فِرارُها
من بعدِ مَا عاذَتْ بحفظِ حياتِها / ببروجِ مَنْعٍ للنجومِ جِوارُها
واستعصمَتْ بمعاقِلٍ قَدْ أَصبَحَتْ / لِلْحَيْنِ وهي قيودُها وإِسارُها
غُبِقُوا بخمرِ الحربِ صِرْفاً فاغتَدتْ / تِلْكَ الحفائِظَ والحتوفَ خُمارُها
وكأَنَّما بَصُرَتْ لظىً بمكانِهِمْ / مُتَمَنِّعِينَ فعاجَلَتْهُمْ نارُها
نارٌ تطايَرُ بالغُواةِ كَأَنَّها / حِينَ ارتمَتْ بِهِمُ هناكَ شَرارُها
وتَبَرَّؤوا من كُلِّ مُخْطَفَةِ الحشا / محفوظَةٍ لحليلها أَطْهارُها
شَجِيتَ بمصرَعِ بعلِها ثُمَّ انْثَنَتْ / مطلوبَةً بجفونِها أَوْتارُها
من كُلِّ مُغْرَمَةٍ بِخِلٍّ تَمْتَرِي / السَّيْفُ أَمضى فِيهِ أم تذكارُها
لَبِسَتْ ثيابَ الأَمنِ حينَ تَمَنَّعَتْ / آفاقُها وتباعَدَتْ أَقطارُها
وتسربَلَتْ حُلَلَ الثُّلُوجِ جِبالُها / واسْتَفْرَغَتْ مَدَّ الحَيا أَنهارُها
والخيلُ والأَبطالُ تجهد خَلْفَها / أَلّا يَشِطَّ عَلَى الخليلِ مَزارُها
حَتَّى عَبَرْنَ خليجَ دُويْرُ كَأَنَّها / سُفُنٌ ترامى بالحتوفِ بِحارُها
بقواضِبٍ قُضِبَتْ بِهِنَّ حياتُها / وصوارِمٍ صُرِمَتْ بِهَا أَعمارُها
وكتائِبٍ لَهِجَتْ بَطَيِّبِ ذِكْرِكُمْ / فلذيذُهُ عندَ الهياجِ شِعارُها
وكأَنَّهُنَّ وَقَدْ دَجَتْ ظُلَمُ الوَغى / فِي الرَّوعِ أَفلاكٌ عَلَيْكَ مَدَارُها
وَصَلَتْ بِيُمْنِكَ صَوْمَها بجهادِها / وندى يَدَيْكَ بأَوْبِها إِفطارُها
حَتَّى قَدِمْتَ بِمَفْخَرِ الفَتْحِ الَّذِي / أَحْيا المُنى بقدومِهِ اسْتِبْشَارُها
وطَلَعْتَ للمُتَأَمِّلِينَ بِغُرَّةٍ / كالشمسِ يَحْسِرُ دونَها أَبصارُها
فنفوسُ أَهلِ الخافِقَيْنِ فِداؤُها / واللهُ من صرفِ الحوادِثِ جارُها
إِلَيْكَ منكَ فرارُ الخائِفِ الوَجِلِ
إِلَيْكَ منكَ فرارُ الخائِفِ الوَجِلِ / وَفِي يَديكَ أَمانُ الفارِسِ البَطَلِ
تقابَلَتْ نحوَكَ الآفاقُ واجْتَمَعَتْ / عَلَى يمينِكَ شَتَّى الطُّرْقِ والسُّبُلِ
ويَمَّمَتْكَ ملوكُ الأَرضِ مُعْمِلَةً / إِلَيْكَ نَصَّ نجاءِ الخيلِ والإِبلِ
فالبَرُّ والبحرُ مِنْ آتِيكَ فِي شُغُلٍ / والشَّرْقُ والغربُ من راجِيكَ فِي جَذَلِ
قَدْ ساعَدَتْكَ نجومُ السَّعْدِ طالِعةً / فاسْعَدُ وأُعْطِيتَ غاياتِ المُنى فَسَلِ
وأَسْلَمَتْ لكَ أَملاكُ البلادِ مَعاً / أَعِنَّةَ المُلْكِ والأَيامِ والدُّوَلِ
وفازَ قِدْحُكَ إِذ قارَعْتَ أَرْؤُسَها / بطاعَةِ الدهرِ والأَديانِ والمِلَلِ
وَقَدْ تَيَمَّمَ شَنْجٌ منكَ عائِدَةً / تُجِيرُهُ من سيوفِ الكَرْبِ والوَهَلِ
وقادَ نحوَكَ والتَّوْفِيقُ يَقْدُمُهُ / جيشاً من الذُّلِّ مِلْءَ السهل والجبلِ
مستعْطِفاً لحياةٍ جَلَّ مَطْلَبُها / عن مُبْلِغِ الكُتْبِ أَوْ مُسْتَعْطِفِ الرُّسُلِ
مستخذياً لسيوفِ النصرِ حين أَبَتْ / من دينِ طاعَتَهِ قولاً بلا عَمَلِ
خلَّى الكتائِبَ قَسْراً والظُّبى وغَدا / عن الأَحِبَّةِ والأَشياعِ فِي شُغُلِ
مُذِلَّ صفحَةِ عانٍ جَلَّ مطلَبُهُ / داعٍ إِلَى صَفْحِكَ المأْمولِ مُبْتَهِلِ
في شِيعَةٍ مَلأَتْ ذُلّاً قُلُوبَهُمُ / نُهُوجُ سُبْلٍ إِلَيْها لِلْقَنَا ذُلُلِ
مُحَكِّمِينَ يسوقونَ النفوسَ إِلَى / إِنفاذِ حُكْمِكَ سَوْقَ السَّبْيِ والنَّفَلِ
مُسْتَبْشِرِينَ بِما أَحْيَيْتَ من أَمَلٍ / مُستَسْلِمِينَ لما أَمضَيْتَ من أَجَلِ
خاضُوا إِلَيْكَ بحارَ الموتِ زاخِرَةً / يمورُ فيهنَّ موجُ النَّقْعِ كالظُّلَلِ
وأَضْحَتِ الأَرضُ فِي رَحْبِ المَلا لُجَجَاً / سالَتْ عَلَيْهِمْ بِبِيضِ الهندِ والأَسَلِ
والأُسْدُ بارِقُةُ الأَلحاظِ فِي أَجَمٍ / من القنا بِحَبِيكِ البَيْضِ مُشْتَعِلِ
رَقَّتْ غلائِلُهُمْ سَرْداً كَأَنَّهُمُ / تَسَرْبَلُوا لُبْسَ رقراقٍ من الغُلَلِ
والصَّافِناتُ تَهادَى فِي أَعِنَّتِها / كالغِيدِ يرفُلْنَ بَيْنَ الحَلْيِ والحُلَلِ
وخافِقاتٌ كأَمثالِ الحَشا خَفَقَتْ / رَوْعاتِها خَطَرَاتُ الذعرِ والوَجَلِ
تزَيَّنَتْ بسُكونِ الجأْشِ ثابِتَةً / واسْتَشْعَرَتْ هَفَواتِ الطائِشِ الوَجِلِ
حَتَّى انْتَهى يَدَكَ العُلْيا وَقَدْ قُسِمَتْ / أَحشاؤُهُ بَيْنَ أَيْدِي الرَّيْثِ والعَجَلِ
إِذَا وَنَتْ بِخطاهُ هَيْبَةٌ حَكَمَتْ / عَلَيْهِ ثارَ بِهِ مُسْتَعْذَبُ الأَمَلِ
فوافَقَ البحرَ والآفاقُ تَكْنُفُهُ / من الرياحِ ووافى الشَّمْسَ فِي الحَمَلِ
وقابَلَ المجدَ والإِعظَامَ فِي مَلِكٍ / بالسعدِ مُسْتَقْبَلٍ للسعدِ مُقْتَبِلِ
مُتَوَّجٍ ببهاءِ الملكِ مُعْتَصِبٍ / ومُحْتَبٍ فِي رداءِ العزِّ مُشْتَمِلِ
بالجودِ مُغْتَبِقٍ بالحمدِ مُصْطَبِحٍ / فِي السَّبقِ منقطعٍ بالحِلْمِ مُتَّصِلِ
للهِ يومٌ من الأَيامِ فُزْتَ بِهِ / فَرْداً من المِثْلِ فِيهَا سائِرَ المَثَلِ
من بعدِ مَا وَعَظَتْهُ الحادِثاتُ بِمَنْ / أَرْدَتْ سيُوفُكَ من أَشياعِهِ الأُوَلِ
وكم تأَسَّفَ مِنْهُمْ فِي معاهِدَ قَدْ / آلَتْ معاهِدَ للأَحزانِ والهَبَلِ
وأَخضَلَ الدمعُ من أَجفانِ مُقْلَتِهِ / مجالَهُ فِي نجيعٍ منهُمُ خَضِلِ
فَلْتَهْنِكَ الرُّتَبُ العُلْيا الَّتِي قَصُرَتْ / عنهُنَّ سامِيَةُ البِرْجِيسِ أَوْ زُحَلِ
فاسْلَمْ ولا زَالَ عِزُّ الملكِ مُتَّصِلاً / من يَعْرُبٍ وبنيهِ حَيْثُ لَمْ يَزَلِ
في خَفْضِ عَيشٍ ومُلْكٍ غيرِ مُنْفَصِمٍ / وظلِّ عزٍّ وأَمنٍ غيرِ مُنْتَقِلِ
كُفِّي شُئُونَكِ ساعَةً فَتَأَمَّلِي
كُفِّي شُئُونَكِ ساعَةً فَتَأَمَّلِي / فِي لَيْلِها بُشْرَى الصَّباحِ المُقْبِلِ
وتَنَجّزِي وَعْدَ المشارِقِ وانظُرِي / واستَخْبِري زُهْرَ الكواكِبِ واسْأَلِي
فلَعَلَّ غاياتِ الدُّجى أَن تَنْتَهِي / وعَسى غياباتُ الأَسى أَن تَنْجَلِي
لا تَخْدَعِي بدموعِ عَيْنِكِ فِي الورى / قَلْباً يعِزُّ عَلَيْهِ أَن تَتَذَلَّلِي
وتَجَمَّلِي لِشَجا النَّوى لا تُمْكِني / أَيدي الصَّبابَةِ من عِنانِ تَجَمُّلِي
لا تَخْذلي بالعَجْزِ عَزْمِي بَعْدَمَا / شافَهْتُ أَعجازَ النُّجُومِ الأُفَّلِ
فَلَيُسْعِدَنَّ الحزمُ إِن لَمْ تُسْعِدِي / ولَيَفْعَلَنَّ الجِدُّ إِنْ لَمْ تَفعلِي
ولأَعْسِفَنَّ الليلَ غَيْرَ مُشَيَّعٍ / ولأَرْكَبَنَّ الهولَ غَيْرَ مُذَلَّلِ
ولأَسْطُوَنَّ عَلَى الزمانِ بِعَزْمَتِي / ولأَنْحِيَنَّ عَلَى الخطوبِ بكَلْكَلِي
ولأَرمِيَنَّ مقاتلَ النُّوَبِ الَّتِي / وَلِعَتْ مع المُتَخَلِّفِينَ بِمَقْتَلِي
فإِذا رأَيْتِ النجمَ يُبْدِي أُفْقُهُ / منه بقيَّةَ جَمْرِ نارِ المُصْطَلِي
وتَخلَّفَ العَيُّوقُ فَهْوَ كَأَنَّهُ / سارٍ تَضَلَّلَ فِي فضاءٍ مَجْهَلِ
وتعرَّضَ الدَّبَرَانِ بَيْنَ كواكِبٍ / مِزَقٍ كَسِرْبِ قَطاً ذُعِرْنَ بأَجْدَلِ
وكواكِبَ الجوزاءِ تَهْوِي جُنَّحاً / مِثْلَ الخوامِسِ قَدْ عَدَلْنَ لِمَنْهَلِ
وكأنما الشِّعْرَى سِراجُ تَوَقُّدٍ / وَقْفٌ عَلَى طُرُقِ النجومِ الضُّلَلِ
وكأَنَّ مُلتَزِمَ الفراقِدِ قُطْبَها / رَكْبٌ عَلَى عِرْفانِ دائِرِ مَنْزِلِ
وتحوَّلَتْ أُمُّ النجومِ كَأَنَّها / زَهَرٌ تراكَمَ فَوْقَ مَجْرى جَدْوَلِ
ورأَيتِ جُنْحَ الليلِ ناطَ رِواقَهُ / من كُلِّ أُفْقٍ بالسِّماكِ الأَعْزَلِ
فَهُناكَ وافَتْكِ السعودُ طوالِعاً / تَقْضِي لِصِدْقِ تَيَمُّنٍ وتفاؤُلِ
فَهِيَ المُنى فتيقَّنِي وَهُوَ السُّرو / رُ فأَبْشِرِي وهُوَ الصباحُ فأَمِّلِي
وتَجَرَّعِي غُصَصَ التنائِي واجْمَعِي / بَيْنَ المَطِيِّ ولَيْلهِنَّ الأَليَلِ
واستوطِني وَحْشَ الفلاةِ وَوَطِّنِي / نفساً لِبَرْحِ تَوَدُّعٍ وتَرَحُّلِ
فلأَعْقِدَنَّ عَلَيْكِ أَكرَمَ ذِمَّةٍ / ولأَبْنِيَنَّ عَلَيْكِ أَشْيَدَ مَعْقِلِ
بعزائمٍ لا تنثنِي وبصائرٍ / لا تنتهي ووسائلٍ لا تَأْتَلِي
حَتَّى رأَيْتُ العِيسَ وَهْيَ لواغِبٌ / يَشْرَعْنَ فِي نهرِ الصَّباحِ الأَوَّلِ
والفجرَ يرفعُ جفنَ طرفٍ أَدْعَجٍ / والليلَ يُغْضِي جفْنَ طَرفٍ أَكحَلِ
فكأنما فِي الجَوِّ فارِسُ أَبْلَقٍ / يشتدُّ فِي آثارِ فارِسِ أَشْعَلِ
ولَدَيَّ لِلمَنصورِ شكرُ صنائِعٍ / تنأَى الرِّكابُ بِعِبْئِها المُتَحَمَّلِ
نَشرٌ ينمُّ من الحقائِبِ عَرْفُهُ / أَرَجاً ويُشْرِقُ من خلالِ الأَرْحُلِ
يُهْدِي ثناءَ المُمْحِلاتِ إِلَى الحَيا / وثَنا الرياضِ إِلَى الغمامِ المُسْبِلِ
بكرائِمٍ لم تُمْتَهَنْ وعقائِلٍ / لَمْ تُمْتَثَلْ ومَصُونَةٍ لَمْ تُبْذَلِ
حَمَلَتْ بِهَا أُمُّ العلومِ وأُرْضِعَتْ / من دَرِّ أَخلافِ الربيعِ الحُفَّلِ
وكفيلَةٍ بالحمدِ تُهْدِيهِ إِلَى / مَلِكٍ بغاياتِ المنى مُتَكَفِّلِ
حَتَّى تُؤَدِّي الحمدَ عندَ مُسَوَّفٍ / وتَفِي بعهدِ الشكرِ عند مُؤَجِّلِ
وتنيخَ رَكْبَ النَّازِلِ المُتَوَسِّلِ / فِي ظِلِّ عفوِ المُنْعِمِ المُتَفَضِّلِ
وتَحُطَّ رحلَ المُذْنِبِ المُتنَصِّلِ / فِي ظِلِّ عُقْرِ العائِدِ المُتَطَوِّلِ
فَلأُسْلِمَنَّ إِلَيْهِ هِمَّةَ نازِعٍ / وحبالَ منقطعٍ وكفَّ مُؤَمِّلِ
مَلِكٌ توسَّطَ من ذؤابَةِ يَعْرُبٍ / فِي الجَوْهَرِ المُتَخَيَّرِ المُتَنَخَّلِ
بَسَقَتْ بِهِ أَعراقُ مُلْكٍ أَشْرَقَتْ / بعلاهُ فِي شرفِ المحلِّ المعتلي
عن كُلِّ معدومِ القرِينِ مُكَرَّمٍ / ومعظَّمٍ فِي المالكينَ مُبجَّلِ
وغمامُ عُرْفٍ فِي الزمانِ المُمْحِلِ / وسراجُ نورٍ فِي الكريهَةِ مُشْعَلِ
يختالُ تاجُ الملكِ فوقَ جبينهِ / لما تَبوَّأَ منه أكرَمَ منزِلي
فكأَنَّ صفحةَ وجهِهِ شمسُ الضُحَى / وُصِلَتْ ببدرٍ بالنجومِ مُكَلَّلِ
العائِدُونَ بكُلِّ فَضلٍ مُعْجِزٍ / والدَّافِعُونَ لكل خطبٍ مُعْضِلِ
وَرِثُوا السيادَةَ كابِراً عن كابِرٍ / واستوجَبُوها آخِراً عن أَوَّلِ
وتَبَوَّأُوا دارَ النبوةِ والهُدى / صُنْعاً وتفضيلاً من المَلِكِ العَلي
فَتَخَيَّرَ الرحمنُ طِيبَ ثَراهُمُ / داراً وقبراً للنَّبيِّ المُرْسَلِ
وتَفَرَّدُوا بالمَكْرُماتِ وأَحرَزُوا / جزلَ الثناءِ من الكتابِ المُنْزَلِ
هم أَنجَبُوكَ وقلَّدَوكَ سيوفَهُمْ / للنصرِ تُبْلِي فِي الإِلهِ وتَبْتَلِي
فَضَرَبْتَ أَشياعَ الضلالِ بعَزْمَةٍ / عَجِلَتْ إِلَيْهِمْ بالحِمامِ المُعْجَلِ
فأَعَدْتَ أَرضَهُمُ وَلَيْسَ لِمَعْقِلٍ / قَصْدٌ وَلَيْسَ لِمُفْلِتٍ من مَعقِلِ
بعزائِمٍ ومخائلٍ أَعْيَتْ عَلَى / بأْس الشجاعِ وحِيلَةِ المُتَحَيِّلِ
فتركْتَ حزْبَ الشِّرْكِ بَيْنَ مُصَرَّعٍ / ومُعَفَّرٍ ومُجَدَّلٍ ومُرَمَّلِ
وثَنَيْتَ حزبَ الدينِ بَيْنَ مُملَّكٍ / ومظفَّرٍ ومُغَنَّمٍ ومُنَفَّلِ
فاسْعَدْ بعيدٍ عادَ وَهْوَ مُبَشِّرٌ / لَكَ بالنعيمِ وبالبقاءِ الأَطْوَلِ
وبمشهدٍ للمُلْكِ أَعيا دُونَهُ / فِكْرُ اللبيبِ ومُقْلَةُ المتأَمِّلِ
أَمَّتْكَ أَبصارُ الخلائِقِ واصِلِي / نُورٍ بتعجيلِ السرورِ الأَعْجَلِ
وتَيَمَّمُوكَ من المُصَلَّى فانثَنَوْا / ساعِينَ بَيْنَ مُكَبِّرٍ ومُهَلِّلِ
مُتَزاحِمينَ عَلَى يمينٍ أَصْبَحَتْ / مبسوطَةً لمُؤَمِّلٍ ومُقَبِّلِ
وتواضَعَتْ صِيدُ الملوكِ مهابَةً / يَضَعُونَ أَوْجُهَهُمْ مكانَ الأَرْجُلِ
ورأَوْا هِلالَ الملكِ فَوْقَ سَريرِهِ / بسنا المكارِمِ والهدى المُتَهَلِّلِ
النصرُ حِزْبُكَ فِي الضَّلالَةِ فاحْتَكِمْ
النصرُ حِزْبُكَ فِي الضَّلالَةِ فاحْتَكِمْ / واغضَبْ لدينَ اللهِ مِنْها وَانْتَقِمْ
قَدْ وافَقَ التوفيقُ سَعْيَكَ مُقْدِماً / فِيهَا وَقَدْ عَزَمَ القضاءُ لما عَزَمْ
فموارِدُ النصرِ العزيزِ لَهَا مَدىً / وعوائِدُ الفَتْحِ المُبِينِ لَهَا أَمَمْ
فَلَرُبَّ موقفِ ظافِرٍ لَكَ فِي الوَغى / والخيلُ تَعْبِسُ والبوارِقُ تَبْتَسِمْ
والشمسُ فِي كبدِ السماءِ كَأَنَّها / والنَّقْعُ يغشاها كَمِيٌّ مُلْتَئِمْ
وكأَنَّما كِسْفُ العَجاجِ إِذَا التقتْ / أُسْدُ الكُماةِ سحائبٌ مَطَرَتْ بِدَمْ
ثُمَّ اقْتَحَمْتَ الحربَ فِي ضَنْكِ الوَغى / والموتُ فِي عَلَقِ الجَناجِنِ يَقْتَحِمْ
حَتَّى انتهَيْتَ من العِدى أَمَدَ المُنى / ومن العلا أَسْنى الرغائِبِ والقِسَمْ
يا ابْنَ الأُلى لم تَعْصِ طاعَةَ أَمْرِهِمْ / عادٌ عَلَى أُولى الزمانِ ولا إِرَمْ
رَفَعُوا رِواقَ الملكِ فِي أَرْماحِهِمْ / حَتَّى استكانَ الدهرُ والدنيا لَهُمْ
ولَوَ اَنَّهُمْ شَامُوا السيوفَ لأَحْرَزُوا / مُلكَ الخلائِقِ بالخلائِقِ والشِّيَمْ
ثُمَّ انْتضَوْا دونَ الهدى أَسيافَهُمْ / قَسْراً فَعزَّ الدينُ والدنيا بِهِمْ
لا نَظْمُ أَشعارِي ولا نثري ولا / صُحُفِي ولا جَهْدُ اللسانِ ولا القَلَمْ
مِمَّا يقومُ بنشْرِ أَيسَرِ مَا طَوى / صدرِي من الإِخلاصِ فيكَ وَمَا كَتَمْ
وصلاتُكَ اتَّصَلَتْ مع الأَيَّامِ لي / حَتَّى عَدِمْتُ بِهِنَّ آثارَ العَدَمْ
ورَفَعْنَ ذِكْرِيَ فِي عبيدِكَ فاعْتلى / ونَظَمْنَ شمليَ فِي جِوارِكَ فانتظَمْ
وتبوَّأَتْ بِيَ من جنابِكَ مَوْطِناً / وَقْفاً عَلَى كَرَمِ الوسائِلِ والذِّمَمْ
فحطَطْتُ رحلي منكَ فِي عِزِّ الحِمى / ومنعتُ أَهلي منكَ فِي أَهلِ الحَرَمْ
وغدَتْ تَهادى بي إِلَيْكَ بصيرةٌ / دانَتْ بما شرع الوفاءُ وَمَا حكمْ
حُدِيَتْ مطايانا بأُهْبَةِ شاكِرٍ / تُزْهى بأَنْعُمِكَ الَّتِي لا تُكْتَتَمْ
ومَنِ الَّذِي يعتادُ من شمسِ الضحى / نوراً ويهدأُ فِي غياباتِ الظُّلَمْ
وبِما يَكِيدُ العجزُ عنكَ عزيمةً / أَلِفَتْ جنابَ العزِّ منك فَلَمْ تَرِمْ
وبما أقيمُ وَقَدْ حَشَدْتُ محامدي / لأقلِّ جُزْءٍ من نداكَ فلم تَقُمْ
وأَضِنُّ عنكَ ببذلِ نفسٍ طالما / سُقِيَتْ بجُودِ يَدَيْكَ أَنداءَ الكرمْ
ويَرُوعُني لفحُ الهجيرِ إِذَا الْتَقى / وَهَجاً وأَنْسى منكَ مُنَهَلَّ الدِّيَمْ
أَمُثَبِّطِي عنكَ الزمانُ إِذَنْ فَلا / نَهَضَتْ إِلَى الظِّلِّ المبارَكِ لي قَدَمْ
أَأُسَرُّ دونَكَ بالحياةِ وَكَمْ يَدٍ / لَكَ بَشَّرَتْنِي بالحياةِ وكمْ وكمْ
أَقريرةٌ عيني بعَيْشٍ لا أَرى / فِيهِ سيوفَكَ فِي عُداتِكَ تحتكِمْ
أَمُكَلَّلٌ وجهِي ووَجْهُكَ بارِزٌ / لِشَبا الأَسِنَّةِ والهواجِرُ تضطرِمْ
إِنِّي إِذَنْ لَكَفُورُ أَنْعُمِكَ الَّتِي / صَرَمَتْ حبالَ الذلِّ مِنِّي فانصرمْ
لا والذي قادتْ إِلَيْكَ هِباتُهُ / مُلْكَ الملوكِ وصَفْوَ طاعاتِ الأُمَمْ
لا أَقتدِي بالخالِفينَ ولا أُرى / أَسعى لِنَيْلِ رِضاكَ فِي أَدْنى الهِمَمْ
حَتَّى تَبَيَّنَ كَيْفَ أَثمارُ النَّدى / عندي وتَبْلُوَ كَيْفَ شكري لِلنِّعَمْ
ويُريكَ صدقُ موارِدِي ومَصَادِرِي / إِبْطالَ مَا اختلَقَ الحسودُ وَمَا زَعَمْ
ولعلَّ من يقضِي الأُمورَ يُقيدُنِي / بِرِضاكَ من صَرْفِ الزمانِ فأَحْتَكِمْ
عادَتْ عَلَيْكَ عوائِدُ الأَعوامِ
عادَتْ عَلَيْكَ عوائِدُ الأَعوامِ / فِي العِزِّ والإِجلالِ والإِعظامِ
وعَمَرْتَ هَذَا الملكَ منتهياً بِهِ / أَمَدَ الدهورِ وغايةَ الأَيَّامِ
في صحّةٍ مصحوبةٍ بتمامِ / وسلامَةٍ موصولةٍ بدوامِ
وقهرْتَ أَشياعَ الضلالِ مُؤَيَّداً / بنوافِذِ الأَقْدارِ والأَحكامِ
وبلغتَ حَيْثُ نَوَتْ لقصدِكَ هِمَّةٌ / موصولَةُ الإِنْجادِ والإِتهامِ
متذلِّلٌ لَكَ عزُّ كلِّ مُمَنَّعٍ / متسهِّلٌ لَكَ صعبُ كلِّ مَرَامِ
حَتَّى تَبَوَّأَ بالمشارِقِ طاعَةً / مأْمولَةً من مُعْرِقٍ وشآمِي
وتَرُدَّ نائِي الملكِ فِي أَوْطانِهِ / من عهدِ كلِّ مُتوَّجٍ فمُقامِ
وتُنِيخَ رَحْلَ العِزِّ غيرَ مُدَافَعٍ / بمعاهِدِ الأَخوالِ والأَعمامِ
وتحلَّ بالحَرَمَيْنِ منك كتائِبٌ / مأْمونَةُ الإِحلالِ والإِحرامِ
فَبِكَ استعاذَ الملكُ من سَطْوِ العِدى / وغَدَا بسيفِكَ باهِرَ الأَعْلامِ
وبنورِ وجهِكَ أَشْرَقَتْ سُبُلُ الهُدى / وانجابَ عنها غَيْهَبُ الإِظلامِ
وبجودِكَ اتَّصَلَتْ أَمانِيُّ الورى / بالنُّجْحِ وانْفَصَمَتْ عُرى الإِعدامِ
فليَشْكُرَنَّ الدينُ أَنْ أَوْليتَهُ / عطفَ الشقيقِ وخُلَّةَ الأَرحامِ
فصدعْتَ عنه الجوْرَ صَدْعَةَ ثائِرٍ / ونظمتَ فِيهِ العَدْلَ أَيَّ نظامِ
فاسعَدْ بأَضعافِ الجزاءِ وخُذْ بِهِ / أَوْفى الحظوظِ وأَوفَرَ الأَقسامِ
وليهنِكَ الفوزُ الَّذِي أَحرزْتَهُ / نُسْكاً بأَزْكى قُرْبَةٍ وصِيامِ
وليهنِكَ الفِطْرُ الَّذِي استقبلتَهُ / لَهِجاً بخيرِ تحيةٍ وسلامِ
مستبشِراً بالحاجِبِ النَّدْبِ الَّذِي / فِي بُرْئِهِ بُرْءٌ منَ الأَسقامِ
بَدْرُ المعالي شَفَّهُ بعضُ الَّذِي / مَا زالَ يلْحَقُ كُلَّ بَدْرِ ظَلامِ
وشَكَاةُ ضِرْغامٍ جديرٌ كَرُّها / من جسمِ ضرغامٍ إِلَى ضرغامِ
حَمِيَتْ جوانِحُ صَدْرِهِ شوقاً إِلَى / لَمْعِ الأَسِنَّةِ فِي الهجيرِ الحامِي
وشَكا اعتلالاً حينَ هامَ تَذَكُّراً / نحو الطِّعانِ ونحوَ ضرب الهامِ
وأَنا الزعيمُ بأَنَّ عاجِلَ بُرْئِهِ / فِي قَرْعِ طبلٍ أَوْ صَلِيلِ لِجامِ
أَوْ لُبسِ دِرْعٍ أَوْ تَهَادِي سابِحٍ / أَوْ مَدِّ رُمْحٍ أَوْ بريقِ حُسامِ
خَوَّاضُ أَهوالِ الحروبِ مساورٌ / غُلْبَ الليوثِ مُضَعْضِعُ الآجامِ
مستقبَلٌ بالنُّجحِ ممنوعُ الحِمَى / ماضِي الطِّعانِ مُؤَيَّدُ الإِقدامِ
أَمَّ العُداةَ فصالَ صَوْلَ حِمامِ / وسَقَى العُفاةَ فصابَ صَوْبَ غمامِ
ولَرُبَّ مُبْهَمَةِ الفروجِ تَمَزَّقَتْ / غَمَّاؤُها عن وجْهِهِ البَسَّامِ
حازَتْ لَهُ الهِمَمُ السَّنِيَّةُ مَنْزِلاً / فِي الفخْرِ أَعْجَزَ خاطِرَ الأَوهامِ
وتهلَّلَتْ منهُ المكارِمُ والنَّدَى / والبأْسُ عن مَلِكٍ أَغرَّ هُمامِ
أَعطَى السِّيادَةَ حَقَّها حَتَّى اغْتَدَتْ / منهُ الحِجابَةُ فِي المَحَلِّ السَّامِي
وحَوَى عن المنصُورِ غُرَّ شمائِلٍ / قادَتْ لَهُ الدُّنْيا بِغَيْرِ زِمامِ
يا ربَّنا فاحْفَظْ عَلَيْنا مِنهُما / ذُخْرَ الرجاءِ وعُدَّةَ الإِسلامِ
يا مُوسِعَ الرَّاجِينَ إِفضالاً ويا / مَأْوَى الغريبِ وكافِلَ الأَيتامِ
أَعْجِزْ بجهدي أَنْ يَفي بالعهدِ من / مِنَنٍ عَلَيَّ لراحتَيْكَ جِسامِ
فَلأَفْخَرَنَّ عَلَى الزمانِ وأَهلِهِ / بِصِلاتِ جودٍ من نداكَ كِرامِ
أَصْبَحْنَ لي دونَ اللِّئامِ وِقَايَةً / وإِلَى علاكَ وَسيلَتِي وذِمامِي
والعدلُ فِي حكمِ المكارِمِ والعُلا / أَن يُشفَعَ الإِنعامُ بالإِنعامِ
فلأَشكُرَنَّكَ أَوْ تَجِيءَ مَنِيَّتِي / ولأَرْجُوَنَّكَ أَوْ يُحَمَّ حِمامي
ولأَصْرِمَنَّ علائِقَ الأَمَلِ الَّذِي / يقتادُني لِسِواكَ أَيَّ صِرامِ
يَا غِياثَ العِبادِ إِنْ بَخِلَ المُزْ
يَا غِياثَ العِبادِ إِنْ بَخِلَ المُزْ / نُ سقاهُمْ وَبْلاً وَمَا اسْتَمْطَرُوهُ
والذي أَمَّنَ العِبادَ بِبِيضٍ / مُرْهَفاتٍ لِقاؤُهُنَّ كَرِيهُ
شَهِدَ الناسُ أَمْسِ مَا لَمْ يَرَوْهُ / فِي الَّذِي أَدْرَكُوا ولا شَهِدوهُ
قَتلَ المشركونَ مِنَّا شهيداً / فَتَمَنَّوْا بأَنَّهُمْ أَنْشَرُوهُ
سُفِكَتْ بالدَّمِ الكريمِ دِماءٌ / وكذا يُوبِقُ الحَليمَ السَّفِيهُ
قَتلوهُ مُصَفَّداً فَوَدَوْهُ / لَوْ عَلا ظَهْرَ طِرْفِهِ لَمْ يَدُوهُ
لَقِيَ الموتَ فِي الرَّصِيفِ رِجالٌ / كُلُّهُمْ فِي بَنِي أَبيهِ وَجِيهُ
غادَرَتْهُمْ صوارِمُ الهندِ والزُّرْ / قُ حَصِيداً يَا بُؤْسَ يَوْمٍ لَقُوهُ
ورأَيْنا الوزيرَ كاللَّيْثِ أَنَّى / غيرَ هَذَا والعامِريُّ أَبوهُ
أَيْقَنُوا بالحِمامِ لما رَأَوْهُ / مُقْبِلاً نحوَهُمْ وسِيئَتْ وُجُوهُ
ورأَيناهُ كالحسامِ مضاءً / فَشَهِدْنا أَنَّ الحُسامَ أَخُوهُ
زَرَقَ العِلْجَ زَرْقَةً تركَتْهُ / حَرِضاً قَدْ أَظلَّهُ المكروهُ
ماتَ ذُعْراً منه وكم لَقِيَ الأَب / طَالَ فِي هَبْوَةٍ فما ذَعَرُوهُ
ولكَمْ أَيِّماً لَهُ وقَتِيلاً / صَمَّ عن أَنْ يُجِيبَ مَنْ يَدْعُوهُ
وأَسيراً مُصَفَّداً فِي وَثَاقٍ / وغِياثاً لطارِقٍ جَفَّ فُوهُ
ذَاكَ حَتَّى إذَا اللقاءُ دَعاهُ / عَايَنَ الناسُ منهُ مَا اسْتَعْظَمُوهُ
أَسَداً ساقِطاً لِزَرْقَةِ شِبْلٍ / لَوْ دَرَوْا حَيْثُ أَوْغَلَتْ عَذَرُوهُ
وَقَفُوا يُذْعَرُونَ منهُ فَلَمَّا / عايَنُوا الفضلَ مائِلاً أَمَّلُوهُ
وكذا العامِريُّ مَا دامَ طِفْلاً / ولَعَمْرِي لَنِعْمَ مَا شَبَّهُوهُ
غُصُنٌ مَا يزالُ من دَوْحَةِ المَجْ / دِ فروعٌ كثيرةٌ تَغْذُوهُ
فإِذا جازَ تِسْعَةً وثَلاثاً / جَلَّ عن أَنْ يَحُدَّهُ تَشْبِيهُ
يا ثِمالَ العُفاةِ يَا مَلِكَ الدُّنْ / يا ومن فازَ بالغِنى آمِلُوهُ
قَدْ حَبانِي دَهْرِي بإِدراكِ دَهْرٍ / مَا بِهِ ناجِهٌ ولا مَنْجُوهُ
لو حَبانِي بذاكَ عَصْرُ شبابِي / لَرآنِي عَلَى العبادِ أتِيهُ
ورجائِي مَا قَدْ عَلِمْتَ وشُكْرِي / وثنائِي فِي الناسِ مَا عَلِمُوهُ
غير أَنَّ الزمانَ ثَقَّل ظهري / فَهْوَ ثِقْلٌ عليَّ صعبٌ كريهُ
ولَعَمْرِي مَا لي سِوى المَلِكِ المَنْ / صُورِ فِي الأَرضِ سَيِّدٌ أرجوهُ
طاعَتْ لَكَ الأَحرارُ باستعبادِها
طاعَتْ لَكَ الأَحرارُ باستعبادِها / وأَباحَتِ الأَملاكُ صَعْبَ قِيادِها
فلأَخْمَصَيْكَ اليومَ حُرُّ وُجُوهِها / ولوَطْءِ خيلِكَ أَمْسِ حُرُّ بِلادِها
ما زِلْتَ تخطْبُ بالظُّبى أَرواحَها / حَتَّى أَتَتْكَ بِهِنَّ فِي أَجسادِها
وتُحَمِّلُ الخَطِّيَّ أَرْؤُسَها فقد / جاءَتْكَ تحملُها عَلَى أَكْتادِها
من بعدِ مَا قَدْ رُعْتَها بعزائِمٍ / هُدَّتْ لَهُنَّ الشُّمُّ من أَطوادِها
وخَلَتْ متونُ الخيلِ من أَبطالِها / ومرابِضُ الآجامِ من آسادِها
ومشاهِدُ البِيعاتِ من عُمَّارِها / ومعالِقُ الصُّلْبانِ من عُبَّادِها
حَتَّى تلافَتْ منكَ باستسلامِهِ / مَا كَانَ أَعْجَزَها بِحَرِّ جِلادِها
ورَمى ابْنُ شَنْج إِلَيْكَ نَفْس مُحَكِّمٍ / نَهَجَ الخضوعُ لَهَا سبِيلَ رَشادِها
مُسْتَعْطِفاً لحُشاشَةٍ من مُلْكِهِ / وثُمالَةٍ قَدْ آذَنَتْ بنفادِها
فاسْتَنْقَذَتْهُ منكَ عودَةُ مُنْعِمٍ / قامت لمهجَتِهِ مقامَ مَعادِها
وثَنى نواجِذَهُ وفِلْذَةَ كِبْدِهِ / شَفَقاً وناظِرَ عَيْنِهِ وسوادِها
فسما يخُوضُ إِلَيْكَ بَحْرَ كتائِبٍ / ضاقَتْ جنودُ الأَرضِ عن أَجسادِها
في سابِغاتِ دُرُوعِها ومُثَقَّفا / تِ رِماحِها ومُسَوَّماتِ جِيادِها
نِيطَتْ نجومُ السَّعْدِ مِنْ أَعلامِها / وغَدَتْ جنودُ النَّصرِ من أَمْدادِها
غازٍ لعَطْفِ العامِرِيِّ مجاهِدٌ / فِي طاعَةِ المنصورِ حَقَّ جِهادِها
مستنجِدٌ منه مَذَلَّةَ خاضِعٍ / غَنِمَ الحياةَ أَبُوهُ باستِنْجادِها
فَحَمَتْهُ طاعتُكَ الَّتِي لَوْ خانَها / طارَتْ إِلَيْهِ البِيضُ من أَغمادِها
حَتَّى أَناخَ بعَقْوَةِ المَلِكِ الَّتِي / قَدْ حَلَّقَ العَيُّوقُ دُونَ وِهادِها
ومليكِ قَحْطانَ الَّذِي وَكَلَتْ بِهِ / إِحياءَ مَفْخَرِها ورَفْعَ عِمادِها
صَفْوِ الملوكِ الصِّيدِ من أَذْوائِها / وسُلالَةِ العُظَماءِ من أَمجادِها
وسَنِيِّها وعَلِيِّها وزَكيِّها / وحليمِها وكريمِها وجوادِها
فاسلَمْ لِعِزِّ الدينِ والدنيا الَّتِي / أَصْبَحْتَ أَنْفَسَ ذُخْرِها وعَتادِها
حَتَّى تُؤَدِّيَ شكرَ سَعْيِكَ أُمَّةٌ / وَطَّأْتَ فِي نُعْماكَ خَفْضَ مِهادِها
خُضْتَ المهالِكَ دونَ صَفْوِ حَياتِها / وَهَجَرْتَ غَمْضَكَ عن لذيذِ رُقادِها
بلَغَتْ سِجالُكَ مُنْتَهى رَغَباتِها / وتجاوَزَتْ نُعماكَ شَأْوَ مُرَادِها
واللهُ يشهدُ أَنَّ بَيْنَ جَوَانِحِي / نفْساً رجاؤُكَ فِي صَميمِ فؤادِها
لَوْ قارَعَتْ عنكَ الخلائِقِ كلَّها / غَلَبَتْ عَلَيْكَ بشكرِها ووِدادِها
تُناضِلُ عنكَ أًقدارُ السماءِ
تُناضِلُ عنكَ أًقدارُ السماءِ / وتبطِشُ عن يَدَيْكَ يدُ القضاءِ
وسعيٌ لا يَعُوجُ عَلَى حُلُولٍ / وشأْوٌ لا يفوتُ إِلَى انْتِهاءِ
فما قَصُرَتْ رِماحُكَ عن عَدُوٍّ / ولَوْ أَعْيا بِهِ أَمَدُ التَّنائِي
إِذا أَشْرَعْتَها فِي إِثْرِ غاوٍ / فَقدْ ضاقَتْ بِهِ سُبُلُ النَّجاءِ
ولو طارَتْ بِهِ أَلفا عُقابٍ / يَرُمْنَ بنفسِهِ خَرْقَ الهواءِ
وأَيْنَ يَفِرُّ عَنْ دركِ المنايا / وأَيْنَ يَشِذُّ من تحتِ السماءِ
فَيَهْنِ الدينَ والدنيا بشيرٌ / بِغَرْسِيَةِ الأَعادِي والعَدَاءِ
بصُنْعٍ أَعْجَزَ الآمالَ قِدْماً / وقَصَّرَ دُونَهُ أَمَدُ الرَّجاءِ
أَلذَّ عَلَى المسامِعِ من حياةٍ / وأَنْجَعَ فِي النفوسِ من الشِّفاءِ
فيا فَتْحاً لمُفْتَتِحٍ وبُشرى / لمنتظِرٍ ويا مَرْأَىً لِراءِ
أَسِيرٌ مَا يُعادَلُ فِي فكاكٍ / وعانٍ مَا يُساوَى فِي فِداءِ
هُوَ الدَّاءُ العَياءُ شَفَيْتَ منهُ / فما لِلدِّينِ من داءٍ عياءِ
لقد كادَتْ سعودُكَ منهُ نَجْماً / منيعَ الجَوِّ وَعْرَ الإِرْتِقاءِ
وأَعْظَمَ فِي الضَّلالَةِ من صليبٍ / وأَعْلَى فِي الكتائِبِ من لِواءِ
حَمى شِيَعَ الضَّلالِ فأَهَّلَتْهُ / لِمِلْكِ الرِّقِّ منها والولاءِ
زعيمٌ بالكتائِبِ والمَذَاكِي / ثِمالٌ للرَّعايا والرِّعاءِ
مُباري سَيْفِهِ قَدَماً وبأْساً / ومشفوعُ التجارِبِ بالدَّهاءِ
وهَلْ للحزمِ والإِقدامِ يوماً / إِذَا عَنَّتْ سُعُودُكَ من غَناءِ
تعاطى فِي جنودِ اللهِ كَرَّاً / وَقَدْ نَبَذَتْ إِلَيْهِ عَلَى سَوَاءِ
وَمَا للنَّصْرِ عنها من خِلافٍ / وَمَا للفَتْحِ منها مِنْ خَفاءِ
فساوَرَ نحوَها غَوْلَ المنايا / وجُرِّعَ دُونَها مُرَّ اللقاءِ
وأَجْلَتْ عنه مُنْجَدِلاً صريعاً / مَصُونَ الشِّأْوِ مَحْمِيَّ الذَّماءِ
وأَسلَمَهُ إِلَى الإِسلامِ جيشٌ / أَغَصَّ بِجَمْعِهِ رَحْبَ الفَضاءِ
لئِنْ خَذَلَتْهُ أَطرافُ العوالي / لقد آساهُ إِعوالُ البُكاءِ
بكُلِّ مُرَجِّع للنَّوْحِ يُشْجِي / بَوَاكِيَهُ بتَثْوِيبِ النِّداءِ
نَعاءِ إِلَى ملوكِ الرُّومِ طُرَّاً / ذَوي التِّيجانِ غَرْسِيَةً نَعاءِ
وهَلْ للرومِ والإِفْرَنْجِ منهُ / وَقَدْ أودى سِوى سُوءِ العزاءِ
فملكُ الكُفْرِ لَيْسَ بِذِي وَلِيٍّ / وثأْرُ الشِّرْكِ لَيْسَ بذي بَوَاءِ
لقد أَرْضَتْ سيوفُكَ فِيهِ مولىً / كريم العَهْدِ مَحمود البَلاءِ
فما أَغْنَتْ بظهرِ الغَيْبِ إِلّا / وَقَدْ أَغنى بِهَا كرَمُ الوَفاءِ
ولا أَسَرَتْ لَكَ الأَملاكَ إِلّا / وَقَدْ أَلْبَسْتَها سِيما السَّناءِ
ولا خَطَفَتْ لَكَ الأَرواحَ إِلّا / وَقَدْ أَرْوَيْتَهُنَّ من الدِّماءِ
وَقَدْ أَبلَيْتَ فِيهِ اللهَ شُكْراً / تواصِلُهُ بإِخلاصِ الدُّعاءِ
وسِعْتَ عبادَهُ صَفْحاً وفَضْلاً / عليماً أَنَّهُ رَبُّ الجزاءِ
فوالى بالمزيدِ من الأَماني / وضاعَفَ بالجزيلِ من العطاءِ
وأَتْبَعَ فَلَّ غَرْسِيَةٍ عجالاً / يسوقُهُمُ الرَّدى سَوْقَ الحُدَاءِ
فأَسْأَلُ من بَرَاهُمْ للمنايا / بسيفِكَ أَن يَخُصَّكَ بالبقاءِ
قريرَ العَيْنِ مشفوعَ الأَمانِي / سعيدَ الجَدِّ محبورَ الثَّوَاءِ
لِمُلْكٍ لا يُراعُ بِرَيْبِ دَهْرٍ / وسَعْدٍ لا يحورُ إِلَى انقضاءِ
عَزْمٌ حَدَاهُ السَّعْدُ والإِقبالُ
عَزْمٌ حَدَاهُ السَّعْدُ والإِقبالُ / وعُلاً تَضَعْضَعُ دونَها الآجالُ
وعوائِدٌ للهِ مَا زالتْ لكُمْ / بالنَّصْرِ عائِدَةً وَلَيْسَ تَزَالُ
وكتائِبٌ لليُمْنِ يومَ رَحِيلِها / بالفتحِ فِي جَنَباتِها اسْتِهْلالُ
وعبيدُ مملكَةٍ وشِيعَةُ دَوْلَةٍ / قَدْ أَيْقَنُوا أَنَّ الحياةَ قِتالُ
صُبُرٌ إِذَا انْتَضَوا السيوفَ تَبيَّنَتْ / أَعداؤُهُمْ أَنْ الليوثَ رِجالُ
مستأْنِسِينَ إِلَى الهواجِرِ مَا لَهُم / إِلّا متون المشرفِيِّ ظِلالُ
لهجُوا بيَا منصورُ فَهْوَ شِعارُهُمْ / نَغَمٌ تعوَّدَ صِدْقَهُنَّ الفالُ
وصوارِمٌ جَلَتِ الظَّلامَ وَمَا لَهَا / بِسِوى الجماجِمِ والنحورِ صِقالُ
مِمَّا انْتَمى حَيْثُ انْتَمَيْتَ وأَوْرَثَتْ / آباؤُكَ الأَذواءُ والأَقيالُ
من كُلِّ مشحوذِ الغِرارِ كَأَنَّهُ / للشمسِ فِي ظُلَمِ العَجاجِ خَيالُ
وقَناً إِذَا اقْتَضَتِ العُدَاة نفوسَها / لَمْ يعتَلِلْ بأَدائِهِنَّ مِطالُ
سُلُبٍ إِذَا أَشْرَعْتَهُنَّ تقاصَرَتْ / أَعمارُ مَطْلَبِهِنَّ وَهْيَ طِوالُ
بَهَرَتْ مناقِبُكَ الضُّحى وتقاصَرَتْ / عن كُنْهِها الأَشباهُ والأَمثالُ
نفسِي فداؤكَ والنفوسُ هَفَتْ بِهَا / نارُ الوَغى وتصادَمَ الأَجبالُ
والبِيضُ تلمَعُ والأَسِنَّةُ تَلْتَظِي / والخَيلُ فِي ضنكِ الوغى تختالُ
ومجالُ وجهِكَ فِي مواقِفَ للرَّدى / مَا للخواطِرِ بَيْنَهُنَّ مَجالُ
ونفيسَةٍ أَقْحَمْتَ نفسَكَ دُونَها / إِنَّ النفائِسَ بالنفوسِ تُنَالُ
اليوم أَنْكَصَ إِبليسٌ عَلَى عَقِبِهْ
اليوم أَنْكَصَ إِبليسٌ عَلَى عَقِبِهْ / مُبَرَّءاً سَبَبُ الغاوينَ من سَبَبِهْ
واسْتَيْقَنَتْ شِيَعُ الكفَّارِ حَيْثُ نَأَتْ / فِي الشَّرْقِ والغربِ أَنَّ الشِّركَ من كَذِبِهْ
بِشنْتِياقَةَ لما أَن دَلَفْتَ لَهُ / بالبِيضِ كالبدرِ يَسْرِي فِي سَنا شُهُبِهْ
وحَلْبَةُ الدينِ والإِسلامِ عاطِفَةٌ / عَلَيْكَ كالفَلَكِ الجاري عَلَى قُطُبِهْ
حَتَّى فَصَمْتَ عُرى دينِ الضلالَةِ من / راسِ القواعِدِ ممنوعِ الحِمى أَشِبِهْ
لَمْ يَذْعَرِ الدهرُ فيه نَفْسَ سَائِمَةٍ / ولا أَصاخَتْ لَهُ أُذْنٌ إِلَى نُوَبِهْ
مما اصْطَفَتْ عَبَدُ الطَّاغُوتِ واعتقدَتْ / وشَيَّدَ الكُفْرُ فِي الآلافِ من حِقَبِهْ
عمودُ شِركِهِمُ السَّامِي ذوائِبُهُ / والرُّومُ والحُبْشُ والأَفْرنْجُ من طُنُبِهْ
تَحجُّهُ فِرَقُ الكُفَّارِ سائِلَةً / كالجَوِّ أَظْلَمَ فِيهِ مُلتَقى شُحُبِهْ
مُسْتَوْدَعٌ فِي شِعابِ الأَرضِ حَيْثُ نَأَى / شُمُّ الجِبالِ ولُجُّ البحرِ من حُجُبِهْ
من كُلِّ أَغبَرَ من عَضِّ السِّفارِ بِهِ / وساهِمِ الوجه من طُولِ السُّرَى شَجِبِهْ
وكلِّ مُهْدٍ إِلَى أَركانِ بِيعَتِهِ / مَا عزَّ من نفسِهِ فِيهَا ومن نَشَبِهْ
قَدْ طالما أَحْفَتِ الأَملاكُ أَرْجُلَها / فِيهِ وَخَرَّتْ عَلَى الأَذْقانِ من رَهبِهْ
أَمَمْتَهُ بجنودِ الحقِّ فانْقَلَبَتْ / بغُرَّةِ الفتحِ من تغييرِ مُنْقَلَبِهْ
وسُمْتَهُ جاحِماً للنارِ مَا بَقِيَتْ / نفسٌ من الكفرِ إِلّا وَهْيَ من حَطَبِهْ
يا حُسْنَ مرأَى الهُدى من قُبْحِ مَنْظَرِهِ / وبَرْدَ أَكبادِ حزبِ الله من لَهَبِهْ
وعاذ بِرْمُندُ منهُ بالفرارِ وكَمْ / من قبلِها عاذَ بالأَنصابَ من صُلُبِهْ
مستوطِناً مَرْكِبَ الإِحجامِ عنكَ وَهَلْ / يعدُو بِهِ وِجْهَةَ المحتومِ من عَطَبِهْ
مُسْتَخْفِياً بظلامِ الليلِ منكَ فَإِنْ / وافاهُ صُبْحٌ توارى فِي دُجى كُرَبِهْ
قَدْ حَقَّتِ اليومَ منه قَلْبِ مُلْتَهِبٍ /
لا يزجُرُ الطَّيْرَ فِي سهلٍ ولا جَبَلٍ / إِلّا بوارِحَ تُعْمِي عَيْنَ مُقْتَرِبِهْ
وأَيْنَ منه سبيلُ الفوزِ منكَ وَقَدْ / سَلَلْتَ سيفَ الهُدى والنَّصْرِ فِي طَلَبِهْ
و إِيلياءُ الَّتِي كانَتْ أَلِيَّة ذِي / جَهْدٍ من الشِّرْكِ خاشِي الإِثْمِ مُرْتَقِبِهْ
رفَعْتَ منها سَنا نارٍ أَضاءَ لَهُمْ / مَا كَانَ أَوْدَعَها الشيطانُ من رِيَبِهْ
يشُبُّها منكَ عزمٌ لَوْ وَنَى ضَرَمٌ / منها لأَضْرَمَها فِي اللهِ منْ غَضَبِهْ
فالله جازِيكَ يَا منصورُ دَعَوْتَهُ / بسَعْيِ ماضٍ لنصرِ الدين مُحْتَسِبِهْ
وعن كتائِبَ للإِسلامِ قُدْتَ بِهَا / إِلَى رِضا اللهِ حَتَّى كُنَّ من كُتُبِهْ
ومؤمِنٍ مُنْصِبٍ للهِ مُهْجَتَهُ / بَلَّغْتَهُ أَمَدَ المغبوطِ مِن نَصَبِهْ
وعن حُسامِ هُدىً لَمْ تَجْلُ صفحَتَهُ / إِلّا أَسَلْتَ دِماءَ الشِّرْكِ فِي شُطَبِهْ
وليفتَخِرْ منك يَا مَنْصُورُ يَوْمُ عُلاً / تركتَ غابِرَةَ الأَيامِ تَفَخَرُ بِهْ
طَلَعَتْ نجومُ السعدِ من آفاقها
طَلَعَتْ نجومُ السعدِ من آفاقها / فالأَرضُ تشرِقُ من سنا إِشراقِها
للحاجِبِ الأَعْلى المُصَرِّف هِمَّةً / موصولةً بشآمِها وعِراقِها
بهلالِ أَقمارِ الهُدى من يَعْرُبٍ / فَمُنى مَساعِي شأْوِها بِلَحَاقِها
الطالِعاتُ عَلَى الهُدى بِتَمامِها / والطالعات عَلَى العِدى بِمَحَاقِها
والمُسْتَهِلُّ عَلَى العُفَاةِ بِراحَةٍ / وَسِعَ الهُدى والمُلْكَ ظِلُّ رِواقِها
فالدينُ يونعُ من نَدى إِغْدَاقِها / والكفرُ يَرْجُفُ من ردَى إِصْعاقِها
خَلَفاً من المنصورِ فِي عَزَماتِهِ / والخيلُ جاريَةٌ عَلَى أَعْراقِها
زُهِيَتْ نحورُ الغانِياتِ بِهِ وَقَدْ / سامَ الوغى بوَدَاعِها وفِراقِها
مُتَرَشِّفُ الهبواتِ قبلَ شِفاهِها / ومُعَانِقُ الأَبطالِ قبلَ عِناقِها
قَلِقَتْ إِلَيْهِ البيضُ فِي أَغْمادِها / وثَنَتْ إِلَيْهِ الخيلُ من أَعناقِها
مُتَفَجِّرٌ لِعُفَاتِهِ عن شِيمَةٍ / زادَتْ بِهَا الأَيامُ فِي أَرزاقِها
متكَشِّفٌ عن سطوةٍ مذخورَةٍ / للحربِ إِنْ كَشَفَتْ لَهُ عن ساقِها
تَفْدِيهِ مِنَّا أَنْفُسٌ وَجَدَتْ بِهِ / ريحانة الأمال فِي إِنْشاقِها
ونَوَاظِرٌ حَفَّتْ بِهِ تَوَّاقَةٌ / لَوْ أَنَّها حَمَلَتْهُ فِي أَحْداقِها
فِي رَوْضَةِ المُلكِ الَّتِي يَجْرِي بِهَا / ماءُ النَّعِيمِ يروقُ فِي أَورَاقِها
وازدادَت الأَشياءُ حُسناً كُلُّها / حَتَّى حمامُ الأَيْكِ فِي أَطْواقِها
يا عامراً من أَعْمَرُوا سُبُلَ الهُدى / لا دَرَّ دَرُّ الخيلِ بَعْدَ عِتاقِها