المجموع : 478
غُضِّي جُفونَكِ يا عُيُونَ النَرْجِسِ
غُضِّي جُفونَكِ يا عُيُونَ النَرْجِسِ / إنَّ المَلاحةَ للعُيُونِ النُعَّسِ
لا تَنظُري وَجْهَ الحبيبِ فطالما / فَتَنَ العُيونَ مُنكِّساً للأرْؤُسِ
إنْ كان هذا الوَردُ يحكي خَدَّهُ / فلِمَ استظَلَّ بكُمِّهِ في المَجلِسِ
وإذا ادَّعَتْ سُمرُ الرِّماحِ قَوامَهُ / صَدَقَتْ ولكن أينَ لِينُ المَلمَسِ
رِشأٌ تجلَّى في رفيعٍ أطلسٍ / كالبدرِ يَطلُعُ في الرَقيعِ الأطلَسِ
حَسَدَتْ مَراشِفَهُ السُلافةُ واستَحى / من حُسنِ بَهْجتِهِ طِرازُ السُندُسِ
نَسَجَ العِذارُ على صفائحِ خَدِّهِ / زَرَداً يَقيهِ نواظرَ المُتَفرِّسِ
وذَكا اللهيبُ بهِ فقال لثَغْرهِ / لا يَطمَعِ الظامي ببَرْدِ الأكؤُسِ
يا مَن أرَتني وَجنتاهُ صَحيفةً / كانت عليَّ صحيفةَ المُتَلمِّسِ
أنكرتُ صَدّاً من حبيبٍ مُوحِشٍ / فأصَبتُ رَدّاً من حبيبٍ مُؤْنِسِ
عاد الحبيبُ إلى الدِّيارِ عَشِيةً / تَرَكَ الحِجارةَ كالجواري الكُنَّسِ
ألقى عليها فضلَ بَهْجتِهِ كما / تَغشَى الجليسَ بفَضْلِ ذَيل البُرْنُسِ
فَرْعٌ كريمٌ يُستطابُ وإنما / طِيبُ الفُروعِ بحَسْبِ طيبِ المَغْرَسِ
يزهو القريضُ بهِ ويحلو نظمُهُ / فيروحُ بين مُشطَّرٍ ومُخمَّسِ
شُغِفَت بهِ العِلَلُ التي قد شاهدَت / شَغَفَ القُلوبِ بهِ وحُبَّ الأنفُسِ
لو كانَ يَستْشفِي العليلُ بنفسِهِ / أغناهُ لُطفُ صِفاتِهِ عن رُوفُسِ
هذا ابنُ مُوسَى الخالِدِ الذِّكر الذي / في كلِّ سِفرٍ ذكرُهُ لم يُطَمسِ
أثرٌ تَيَمَّنا بهِ من بعدِهِ / كالبعضِ من آثارِ بيتِ المَقدِسِ
يا أيُّها الرجُلُ السليمُ فُؤَادُهُ / أنتَ السليمُ فلم تَزلْ في مَحْرَسِ
لا زلتَ مُعجزةَ لكلِّ كريهةٍ / مثلَ الكلام على لِسانِ الأخرَسِ
كَثيبٌ فوقَهُ غُصنٌ رطيبُ
كَثيبٌ فوقَهُ غُصنٌ رطيبُ / وبُرجٌ فيهِ بدرٌ لا يغيبُ
يَرُدُّ ضياؤُهُ الأبصارَ عنهُ / فليسَ يخافُ من عينٍ تُصِيبُ
على أركانِهِ نصرٌ عَزِيزٌ / وفي أبوابهِ فتحٌ قَريبُ
ومن وَجْهِ الإلهِ لهُ كفيلٌ / ومن عين السُّعودِ لهُ رقِيبُ
تُنَاظِرُهُ الثُّرَيا وَهْيَ تجري / دُجىً فتكادُ من حَسَدٍ تذوبُ
وتلقاهُ الصَّبا سَحرَاً فتَمْضِي / ومنهُ فَكاهةٌ فيها وطِيبُ
إذا ضاقت جوانبُهُ بوَفْدٍ / تَوَسَّعَ صدرُ صاحبِهِ الرَّحيبُ
تُرافِقُها الصَبابةُ من حِماهُ / ولكن لا تُرافِقُها القُلوبُ
سليمُ القلب ممدوحُ السَجايا / لهُ من إِسمِهِ السَّامي نصيبُ
تجَمَّعَتِ المحاسنُ فيهِ جمعاً / صحيحاً وانتَفتْ عنهُ العُيوبُ
وفيُّ العهد ذو قولٍ كفِعْلٍ / فلا مَذِقُ اللسانِ ولا كَذُوبُ
إذا حَلمَتْ لهُ عينٌ بوعدٍ / وفاهُ قبلَ أنْ يأتي الغُروبُ
صَفا لك يا ابنَ مُوسَى إرْثُ مُوسَى / فإنَّك بعدهُ الخَلَفُ النجيبُ
لَدَيكَ المَنُّ والسَّلوَى جميعاً / وهذا الطُورُ عندَك واللهيبُ
قِفْ فوقَ رابيةٍ تُجاهَ المسِجِدِ
قِفْ فوقَ رابيةٍ تُجاهَ المسِجِدِ / وقُلِ السَّلامُ على ضَريحِ مُحَمَّدِ
واتْلُ الفَواتِحَ فوقَ تُربتهِ التي / حُفَّت بأملاكٍ تَرُوحُ وتَغتَدي
هذا صَفِيُّ اللهِ خيرُ عِبادِهِ / وأبَرُّ كُلِّ مُوَحِّدٍ مُتَعبِدِ
ما زالَ يسعَى كُلَّ يومٍ باحثاً / في يومِهِ عَمَّا يُحاسَبُ في غَدِ
عَلَمٌ من الأقطابِ أصبَحَ مُفرداً / في العالمينَ بفَضلِهِ المُتَعدِّدِ
قد صَحَّ وَضعُ الحُوتِ في لَقَبٍ لهُ / إذ خاضَ في بحر العُلومِ المُزبِدِ
صافي السريرةِ مُخلِصٌ لله في / عَمَلٍ سليمُ القلبِ عَذْبُ المَوْرِدِ
مُتوَاضعٌ فوقَ الكَرامةِ كُلَّما / قامتْ عُلاهُ يقولُ للنفس اقعْدي
لم تُغْوِهِ الدُّنيا فكانَ نَصيبُهُ / نَصَبَ العِبادةِ لا نِصابَ العَسْجَدِ
حَزِنَ القريبُ عليهِ مُلتاعاً كما / حَزِنَ البعيدُ على الحديث المُسنَدِ
لم تبقَ عينٌ في البِلادِ عليهِ لم / تَدمَعْ ولا شَفَةٌ لهُ لم تَحْمَدِ
بيروتُ نُوُحي في الأصائِلِ والضُّحَى / حُزناً عليهِ ولا أقولُ تَجَلَّدي
قد غابَ عنكِ وفيكِ بدرٌ مُشرِقٌ / بدرُ التَمامِ إزاءَهُ كالفَرقَدِ
بدرٌ يدورُ على العُيون فتنجلي / أبصارُها وعلى القُلوب فتَهتَدي
ما عِيبَ قَطُّ بريبةٍ إذ لم يزَلْ / طُولَ الحَياةِ لنفسِهِ بالمَرْصَدِ
يُشكَى إليه ليسَ منهُ فإنَّهُ / عن كل سُوءٍ كانَ مكفوفَ اليدِ
يا أيُّها المَيْتُ الذي يبقى لهُ / في أرضنا ذِكرٌ ليومِ المَوْعدِ
قد مُتَّ في الدُنيا كأنَّكَ لم تَمُتْ / والبعضُ ماتَ كأنَّهُ لم يُولَدِ
أرِثي ويا ليتَ شِعري مَنْ سَيَرْثيني
أرِثي ويا ليتَ شِعري مَنْ سَيَرْثيني / قد حانَ ذلكَ أم يَبقَى إلى حِينِ
كُلٌّ أسِيرُ المَنايا لا فِدَاءَ لهُ / فيُحسَبُ الحَيُّ مَيتاً غيرَ مدفونِ
قُلْ للذي تاهَ في دُنياهُ مُفتخراً / ضاع افتخارك بين الماء والطينِ
إذا تفقَّدتَ في الأجداث معتبِراً / هناك تنظرُ تيجانَ السلاطينِ
وَيلاهُ من هذِهِ الدُّنيا على خَطَرٍ / فتلكَ أضعفُ مِن زهرِ البساتينِ
نُمسي ونصبحُ في الدُّنيا على خطرٍ / فليسَ يومٌ ولا ليلٌ بمأمونِ
قد مَلَّ قلبي حَياةً لا جَمالَ لها / إلاّ مَشُوباً بتَشويهٍ وتَهْجينِ
قَلبٌ أرَى في دِيارِ الشَّامِ مَنزِلَهُ / وصَبرَهُ في دِيارِ الهِندِ والصِّينِ
في كلِّ يومٍ بَلاءٌ غيرُ مُحتَسَبٍ / ولَوعةٌ بفِراقٍ غيرِ مظنونِ
لم يَترُكِ الدَّهرُ عيناً مِنْ أحبَّتِنا / لكِنَّهُ تَرَك الآثارَ تُشجيني
لَهْفي على ذلكَ البدرِ الذي كَسَفَتْ / جَمَالهُ الأرضُ ولو يَبقَى كعُرْجونِ
من بعِدهِ أظلَمَتْ أبصارُنا فرَأتْ / نهارَ أيلُولَ فيها ليلَ كانونِ
وَيلاهُ كم في صُروفِ الدهرِ من عَجَبٍ / وأنتَ في البحثِ عنها غيرُ مأذونِ
يُعطي ويمَنَعُ لا حَمْدَ الكريمِ ولا / عُذْرَ البَخيلِ ولا حِفظَ القوانينِ
كم سادَ في الدِّينِ والدُّنيا بحوزتَهُ / من ليس يَصلَحُ للدنيا ولا الدِّينِ
ومات من تشتهي الدُّنيا سلامتَهُ / وعاشَ مَن موتُهُ أشْهَى الرَياحينِ
هذا قَضاءُ الذي في عَرشِ قُدْرَتِهِ / يُصرِّفُ الأمرَ بينَ الكافِ والنونِ
فاصبِرْ وَإنْ شِئتَ فاجزَعْ إنْ قَدَرْتَ على / دفعِ البَلاءِ وتَعدِيلِ الموازينِ
لِمَنِ الهوادِجُ في عَراءِ الهَوْجَلِ
لِمَنِ الهوادِجُ في عَراءِ الهَوْجَلِ / تحتَ القِبابِ تَشُقُّ ذَيلَ القَسطَلِ
يَتَتَّبعُ الآثارَ قلبي خَلفَها / فلَوِ انثَنيْنَ وَطِئنَهُ بالأرجُلِ
أبراجُ أقمارٍ تَغيبُ نَهارَها / فيها وتَطلعُ في الظَّلامِ المُقبلِ
حَمّلننَي ما لو تَحَمَّلَ بَعضَهُ / حُمْرُ النِّياقِ لمَا نَهَضْنَ بمَحمَلِ
لي ذاتُ خِدرٍ بَينَهُنَّ أنا لَها / وأوَدُّ لو رَضِيَتْ فقالتْ أنتَ لي
قامَتْ تَصُولُ منَ الرِّماحِ بأبيضٍ / ومِنَ السُّيوفِ بأسوَدٍ لم يُصقَلِ
ولَقد أقُولُ لِمَنْ أقامَ بمَرْصَدٍ / ما كانَ ضَرَّكَ لو أقَمْتَ بمَعْزِلِ
أقصِرْ عَناكَ وحيثُ حَلَّتْ نِعمةُ الرْ / رُوحِ الأمينِ على مُحمَّدَ فانزِلِ
زُرْ ذلكُ الرَبْعَ الخصيبَ وقِفْ بهِ / يوماً وُقوفَ الآملِ المُتأمِّلِ
يومٌ يَحقُّ لهُ التَذَكُّرُ بعدَ ما / طالَ المَدَى لا يومُ دارةِ جُلجُلِ
هذا ابنُ رِسلانَ التَنُوخِيُّ الذي / هُوَ في السَرَاةِ منَ الطِرازِ الأوَّلِ
هذا الذي تُروَى مآثِرُهُ كما / يُروى الحديثُ عن النبيِّ المُرسَلِ
مَولىً يَظَلُّ السَّعدُ يَخدُمُ بابَهُ / ويَسيرُ حولَ رِكابهِ في الجَحفَلِ
غَلَبَ الطَّوالِعَ نَجمُهُ فتضاءلت / كالشَّمسِ تُزري بالسِّماكِ الأعزَلِ
فإذا مَشَى تَمشي المواكبُ خَلفَهُ / وإذا استَقَرَّ يَحُلُّ صَدرَ المَحفِلِ
وإذا تَكلَّمَ يُنصِتونَ كأنَّهُ / يدعو بآياتِ الكتابِ المُنزَلِ
مُتوَقِّدُ الأفكارِ لو بَرَزَت لنا / أغنَتْ عنِ المِصباحِ بالصُّبحِ الجَلي
يَرمِي صُروفَ الحادثاتِ بأسهُمٍ / منْ لحظِهِ فيُصِيبُ عينَ المَقتَلِ
ما زالَ يفعَلُ ما يَقولُ وإنني / في المدحِ لَستُ أقولُ ما لم يَفعَلِ
ما زلتُ كالرَّواي الأمينِ ورُبَّما / غَلَبَ الهُيامُ فكنُتُ كالمتُغَزِّلِ
بمُحمَّدٍ وأبي مُحمَّدَ أشرَقَتْ / دارُ الإمارةِ كالثُرَيَّا تَنْجَلي
فَرعٌ نشا من خيرِ أصلٍ طاهرٍ / والشهدُ لا يأتي بماءِ الحَنظَلِ
قابلتُهُ فإذا غُلامٌ أمرَدٌ / وخَبَرتُهُ فإذا بشيخٍ أكمَلِ
يَروي حديثَ الأوَّلينَ كأنَّهُ / من عهدِ طَسْمٍ شاهدٌ لم يَغفُلِ
أبصَرتُ مِن ألطافِهِ ما لم يَسعْ / لفظُ الرُواةِ فكانَ ما لم يُنقَلِ
ورأيتُ سِرَّ أبيهِ فيهِ مُصوَّراً / كالشَّخصِ يبدو مِن ورَاءِ سَجنجَلِ
إن لم تُصِبْ قدَمِي الحُلولَ بدارِهِ / فالقلبُ فيها نازلٌ لم يَرحلِ
هيَ أفضَلُ الأوطانِ عندي رُتبةً / ولذاكَ قد خَصَّصتُها بالأفضَلِ
دارٌ بها نَيلُ الفوائدِ والمُنَى / ولها العَوائِدُ في الجميلِ الأجمَلِ
لا غَيَّرَ الرحمنُ عادَتَهُ على / من لم يُغَيِّرْ عادةً لُمؤمِّلِ
أعَرَفتَ رَسمَ الدارِ أم لم تَعرِفِ
أعَرَفتَ رَسمَ الدارِ أم لم تَعرِفِ / بينَ العَقيقِ وبينَ دارَةِ رَفْرَفِ
دارٌ عَهِدناها مَراتعَ للظِّبا / فغَدَتْ مَسارحَ للضواري الخُطَّفِ
خَطَّتْ صَفائِحَها الرِّياحُ فنَقَّطت / أيدي السَحائبِ غُفْلَ تلكَ الأحرُفِ
فترَى الرُسومَ تَلوحُ حولَ خُطوطِها / مِثلَ الجَداولِ حولَ خَطِّ المُصحَفِ
ولقد وَقَفتُ على المَنازلِ وَقفةً / نَصَبَتْ لِعَيني هَوَلَ يومِ المَوقِفِ
نادَيتُها كالمُستجيرِ وإنَّما / ماذا يفُيدُ نِداءُ قاعٍ صَفصَفِ
يا أيُّها الرَّكبُ الذينَ تَحَمَّلوا / هل كانَ يُثقِلُكم فُؤادُ المُدنَفِ
تَبِعَ الرِّكابَ فما استَطاعَ لحاقَها / وبَغَى الرُّجوعَ فلم يجِدْ منْ مَصْرِفِ
خَلَتِ الدِّيارُ فلا كَرامةَ عِندَها / تُرجَى ولا ابنُ كَرَامةٍ للمُعتَفي
هَيهاتِ إنَّ ابنَ الكَرامةِ حَلَّ في / دارِ الخِلافةِ بالمَقامِ الأشرَفِ
سُبحانَ ذي العَرشِ المَجيدِ فقد بَدَتْ / في شَخصِ إبراهيمَ صورةُ يُوسُفِ
أَصلَى بنارِ فِراقِهِ قلبي ولا / بَرْدٌ هُناكَ ولا سَلامَ فتَنطفِي
ذاك الكريمُ ابنُ الكِرامِ ومَنْ لهُ الذْ / ذِكرُ الشَهيرُ ومنْ لهُ اللُطفُ الخَفِي
وَرِثَ الكَرامةَ عن أبيهِ وجَدِّهِ / لكنَّهُ بتَليدِها لا يكتفِي
شهدَتْ له الأتراكُ بالفضلِ الذي / شهدَتْ به الأعرابُ دون تكلُّفِ
قد نالَ ما هُوَ أهلُ ما هُوَ فَوقَهُ / فانظُرْ لأيِّهِما الهَناءُ وأنصِفِ
سِمَةٌ تليقُ بهِ فنِعمَ المُصطَفى / منَّ الكريمُ بها فنِعمَ المُصطَفِي
يا راحلاً لو تَستطِيعُ دِيارُهُ / رَحَلَتْ إليهِ بحيثُ لم تَتَوقَّفِ
إن كُنتَ أنتَ صَرَفْتَ وَجهَكَ نائياً / عَنّا فذِكرُكَ عِندَنا لم يُصرفِ
منّي إليك رِسالةٌ في طَيِّها / شَوقُ الشَّجِي وتَحيَّةُ الخِلِّ الوَفِي
أشحَنتُها كالفلكِ في فُلكٍ على / بحرٍ إلى بحرٍ لذيذِ المَرشَفِ
عَلِمَتْ بأنَّ القلبَ نحوَكَ قد مَضَى / فسعَتْ على آثارِهِ كالمُقتَفِي
يا راحلينَ إلى الدِّيارِ الباقيَهْ
يا راحلينَ إلى الدِّيارِ الباقيَهْ / لا تَعمُروا دارَ الخَرابِ الفانيَهْ
تِلكَ الدِيارُ هي المُقامُ وإنَّما / هذي الدِّيارُ مَراحلٌ في الباديَهْ
ويحْي مَتَى تُصْحُونَ من سُكرٍ بلا / خمرٍ ومن نومٍ بعينٍ ساهيَهْ
إن كانَ غَرَّكُمُ الغُرورُ بأمرِكم / فتذَكَّروا أمرَ القُرونِ الخاليَهْ
يا سائراً والموتُ مِلءُ طَرِيقِهِ / احذَرْ فأنتَ على شَفيرِ الهاويَهْ
واعلَمْ بأنَّكَ ليس تخطو خَطْوةً / مأنونةً مِن أنْ تَكُونَ القاضيَهْ
يلهو الجَهُولُ عنِ المَنيَّةِ زاعماً / أنَّ المنيَّةَ عنهُ أمسَتْ لاهيَهْ
النَّاسُ أمثالُ الفرائسِ حَولَها / رُسُلُ المنيَّةِ كالذِّئابِ الضاريَهْ
يَتَجَنَّبُ المَرْءُ البَلاءَ وطالما / فاتَتْهُ داهيةٌ فصادَفَ داهيَهْ
وإذا تَعافى مُدنَفٌ من عِلَّةٍ / فعَليهِ أُخرى ليسَ منها عافيَهْ
أشكُو مُصابَكَ يا شَكوراً لم تَكُنْ / يوماً لهُ في الدَّهرِ نفسٌ شاكيَهْ
يا طائعاً أمرَ الإلهِ وزاجراً / عن تَرْكِ طاعتِهِ النُّفوسَ العاصيَهْ
يا صاحبَ القلبِ السَّليمِ كأنَّهُ / قد صِيغَ من عَذْبِ المياهِ الصافيَهْ
والصادِقَ الكَلِمِ التي لسَدادِها / كانت تَقودُ إلى الهُدَى بالناصيَهْ
والنَّاصِحَ البَرَّ الوَدُودَ المُستَوِي / قولاً وفِعلاً خُفْيةً وعَلانَيهْ
واللازمَ التهذيبِ في أعمالهِ / مثلَ التزامِ الشِّعرِ حرفَ القافيَهْ
لَمَّا دَعاكَ اللهُ من فِردَوْسِهِ / لَبيَّتَ مُمتثِلاً بنفسٍ راضيَهْ
ما كانَ ذاك العَزمُ إلاّ لَيلةً / حتى نَزَلتَ بِدارِهِ في الثانيَهْ
سَكَبَ الإلهُ عليكَ رَحمتَهُ كما / كانت مَراحِمُ قلبكَ المُتَواليَهْ
لم تبكِ عينٌ منكَ قَطُّ بسَوءَةٍ / وعليكَ صارت كلُّ عينٍ باكيَهْ
جَبَلٌ رفيعٌ هَزَّهُ ريحُ القَضا / والرِّيحُ يَعصِفُ بالجِبالِ العاليَهْ
ريحٌ توهَّمَ فيهِ لوناً أصفَرا / مَن ظنَّ فيهِ لَهيبَ نارٍ حاميَهْ
هُوَ زُبدةُ الأمراضِ في جُمهورِها / مثلَ الخُلاصةِ من بيوتٍ الكافيَهْ
فلَو اتَّخذْتَ إليهِ في أفعالِهِ / نَسَباً لكانَ البحرَ وَهْيَ الساقيَهْ
تَبّاً لها من ضَربةٍ فَتَّاكةٍ / كُثُرَتْ لوَقْعتها الشِّجاجُ الداميَهْ
فَتَكَتْ بهِ ولعلَّها اعتذَرَتْ لنا / إذ لم تَكُنْ وَقَعَتْ برأسِ الزاويَهْ
أنتَ المُرادُ ولا أُسمِّي غُنيةً / منِّي عَنِ اسمِكَ بالصِّفاتِ الغانيَهْ
وإذا سَلِمتَ فأنتَ شَمسٌ قد كَفَتْ / عن ضَوءِ كلِّ الأنجُمِ المُتَواريَهْ
عُنوانُ كلِّ مديحٍ راسخِ القَدَمِ
عُنوانُ كلِّ مديحٍ راسخِ القَدَمِ / تَرْكُ التَغَزُّلِ والتمويهِ في الكَلِمِ
فإن مَدَحتَ الأمينَ المُستغَاثَ بهِ / فالهَجْ بلَيثِ الشَّرَى لا ظَبْيِ ذي سَلَمِ
قلْ للأمِير جَزاكَ اللهُ مكَرُمةً / فأكرَمُ النَّاسِ عِندَ اللهِ ذو الكَرَمِ
والنَّاسُ ضَربانِ ذو سَيفٍ وذو قَلَمٍ / وأنتَ تجمَعُ بينَ السَّيفِ والقَلَمِ
أُثني عليكَ بلَفظٍ لستُ أحسَبُهُ / مَدحاً لكم بل حديثاً عنكَ في الأُمَمِ
وأحسَنُ المَدحِ ما صَحَّ الحديثُ بهِ / وصَدَّقتْهُ شُهودُ الفِعلِ والشِّيَمِ
وأفضَلُ الحاكِمينَ القائمِينَ فتىً / ذو حِكمةٍ فيَزِينُ الحُكْمَ بالحِكَمِ
قدِ اعترَكتَ صُروفَ الدَّهرِ مُخترطاً / سيفَ العَزائمِ والآراءِ والهَمَمِ
فكُنتَ مَعقِدَ تاجٍ فَوقَ هَامَتِها / بَعدَ الجهادِ وكانتْ موطِئَ القَدَمِ
مَدَدتَ راحةَ قَنَّاصٍ يُعاضِدُها / حَظُّ سَعيدٌ يَصيدُ الصَقْرَ بالرَخَمِ
فما هَمَمْتَ بأمرٍ غيرَ مُقتدرٍ / ولا بَدَأتَ بأمرٍ غيرَ مخُتَتِمِ
يا أثبتَ النَّاسِ في قولٍ وفي عَمَلٍ / على التَمادِي وأوفَى الناسِ بالذِمَمِ
بَيني وبينَكَ عهدٌ في عَشائِرِنا / يَجري على سُنَّةِ المَخدُومِ والخَدَمِ
أنا على عادةِ الأجنادِ من قِدَمِ / فكُنْ على عادةِ الساداتِ من قِدَمِ
إلى المَغاربِ تَسعَى الشَّمسُ والقَمَرُ
إلى المَغاربِ تَسعَى الشَّمسُ والقَمَرُ / فذاكَ فَخرٌ بهِ تَزهُو وتَفتَخِرُ
أرضٌ مُبارَكةُ الأقطارِ صالحةٌ / إذا أتَى الرِّيحُ منها أقبَلَ المَطَرُ
سل أرضَ مصرَ إذا ما جئتَ ساحتَها / من أينَ فيضُ مياهِ النِّيلِ يُنتَظرُ
إن كان في مِصرَ نَهرٌ شابَهُ كَدَرٌ / فضمِنَ تُونُسَ بَحرٌ ما بهِ كَدَرُ
هُوَ الوزيرُ الذي أضحَى يُشَدُّ بهِ / أزْرُ الكرامِ ويُرجَى عِندَهُ الوَطَرُ
تَهْوي على ذَيلِهِ الأفواهُ لاثِمةً / كأنَّهُ رُكنُ بيتِ اللهِ والحَجَرُ
مُحمَّدُ الأحمَدُ المحمودُ نائلُهُ / وسَعْيُهُ حيثُ يَرضَى اللهُ والبَشَرُ
الباسِمُ الثغَرِ والأبطالُ عابِسةٌ / والثابتُ القلبِ والأكبادُ تَنفطِرُ
إذا انتَضَى يوم حربٍ صارماً ذَكراً / فلَيسَ أفتَكَ منهُ الصَّارِمُ الذَكَرُ
أعَزُّ شيءٍ عليهِ مَتْنُ سابحةٍ / تَجرِي وأهوَنُ شيءٍ عندَهُ البِدَرُ
مُؤَيَّدٌ بِيَمينِ اللهِ مُقتدرٌ / يَرعَى العِبادَ بعينٍ نَومُها السَّهَرُ
لو لَمْ يكن صدرُهُ بحراً لما بَرزتْ / لمشهدِ النَّاسِ من ألفاظِهِ الدُّرَرُ
كَرامةٌ في بِلادِ الغربِ مُشرِقةٌ / ونِعمةٌ للرَّعايا ساقَها القَدَرُ
تُهدَى إليهِ القوافي وَهْيَ سافرةٌ / مِن مَشرِقِ الأرْضِ يجلوَ وَجهْهَا السَفَرُ
يا ناسِخَ الظُّلمِ مِن أقطارِ دَولتِهِ / كظُلمةِ الليل يمحو جِنْحَها السَحَرُ
قد قُمتَ بالبِرِّ والعدلِ القويمِ بها / كأنَّما أنتَ عبدُ اللهِ أو عُمَرُ
لَكَ التهانِي بما أوتيتَ من ظَفَرٍ / بل للرَعايا التي أولَى بِها الظَفَرُ
أنَلْتُهمْ زَهرةَ الدُنْيا فكانَ لهُمْ / عَرْفُ النَّسيمِ وفي الأُخرَى لَكَ الثَمَرُ
آسُ العِذارِ على خَدَّيهِ قد كَتَبا
آسُ العِذارِ على خَدَّيهِ قد كَتَبا / حَديثَ فتنَتِهِ الكُبرَى فما كَذَبا
ما زالَ يخضَرُّ ذاك الآسُ مُزدهياً / وكيفَ يَخضَرُّ نبتٌ جاوَرَ اللهَبا
فَتىً منَ العَرَبِ العَرْباء مَنطِقُهُ / لكنِ شَمائِلهُ لا تَعرِفُ العَرَبا
غَضُّ الصِّبا لَيِّنُ الأعطافِ مُعتَدلٌ / لهُ فَكاهةُ رَيحانٍ ولُطفُ صَبَا
ما زالَ وَجدي بهِ يَنقادُ عن سَبَبٍ / حَتَّى رأيتُ لزُهدي في الهَوَى سَبَبا
لَهَوْتُ عن غَزَلٍ فيهِ بعارضةٍ / من النَّسيبِ بخَوْدٍ تَفتِنُ الأُدَبا
رِسالةٌ من ضواحي مِصرَ قد وَرَدَتْ / كأنَّها فَلَكٌ قد ضُمِّنَ الشُّهُبا
بديعةُ النَّظمِ خُطَّتْ بالمِدادِ ولو / أصابَ كاتِبُها أجرَى لها الذَهَبا
للهِ من كاتبٍ أقلامُهُ نَظَمَتْ / عِقْدَ اللآلي بلا سِمطٍ فواعَجبَا
يَفْتَنُّ في فِتنةِ الألبابِ مُبتدعاً / إذا قَضَى أو رَوَى أو خَطَّ أو خَطَبا
مُهذّبٌ تَرفَعُ الأوهامُ حِكمَتَهُ / حَزْماً إذا قامَ للتَّدريسِ مُنتصِبا
يَقضى لهُ حينَ يُفتي في مَجالِسِهِ / بالسَّبْقِ مِمَّن رأى في كَفِّهِ القَصَبا
عبدٌ أُضيفَ إلى الهادي فَنالَ هُدىً / منَ المُضافِ إليهِ كانَ مُكتَسَبا
أقوَى الوَرَى سَنداً أعلى الذُرَى عُمُداً / أنَدى الكِرامِ يداً خيرُ الأنامِ أبا
طَلْقُ اليَراعةِ طَلْقُ الوَجهِ طَلْقُ يَدٍ / طَلْقُ اللِسانِ إذا السَّيفُ الصَقيلُ نبا
كالبحرِ مُندَفِقاً والصُبحِ مُنبَثقاً / والسَهمِ مُنطلقاً والغيثِ مُنسكبا
سَهْلُ الخلائِقِ لا يَهْتاجُهُ غَضَبٌ / حتى تَوهَّمتُهُ لا يَعرِفُ الغَضبَا
يُغضِي عن الجَهلِ من حِلمٍ ومَكرُمةٍ / عَيناً لها لَحَظاتُ تَخرُقُ الحُجُبا
أرادَ للنفسِ وَضعاً من وَداعتِهِ / يوماً فطارَتْ بها فوقَ العُلَى رُتَبا
لا يَبرَحُ المَرْءُ حيثُ اللهُ يَجعَلُهُ / ومَنْ رأى النَّجْمَ تحتَ الماءِ قد رَسَبا
مَتَى تَزُرْ شَيخَنا المُفتِي الكبيرَ تَرَى / أبا حَنيفةَ في مِحرابهِ انتَصَبا
تَرَى التلامِيذَ تَستملي فوائِدَهُ / كأنَّهُ البحرُ يَسقِي ماؤُهُ السُحُبا
كَنْزُ العُلومِ الذي يَغنَى الفقيرُ بهِ / منَ العطَايا ويَبقَى فوقُ ما ذَهَبا
بحرٌ على أرضِ مِصرٍ مَدَّ لُجّتَهُ / فنالَتِ الشَّامَ حتى جاوَزَتْ حَلَبا
أهدَى إلينا بُيوتاً كُلَّما ضَرَبتْ / طَيَّ الحَشا وَتداً مَدّت لهُ سَبَبا
بتنا نتوقُ إلى مصر لرؤيته / ونرصد الرِّيح تأتي لنا بِنَبَا
يمثِّلُ الوهمُ هاتيكَ الديارَ لنا / حتى كأنَّا وَرَدْنا نيلَها العَذِبا
عَزَّ اللقاءُ فرَدَّدْنا رَسائِلَنا / كمن تَيَمَّمَ حيثُ الماءُ قد نَضبَا
من ليسَ يقدِرُ في وَصلِ الأحبَّةِ أنْ / يَستَخِدمَ الخيلَ فَلْيَستخْدِمِ الكُتبُا
أقولُ اليومَ صارَ الشَّرْقُ شَرْقا
أقولُ اليومَ صارَ الشَّرْقُ شَرْقا / فشمسُ الحَقِّ حَلَّتْ منهُ أُفْقا
وإنَّ اللهَ يَصنَعُ كلَّ عَدلٍ / فَيُعطي كُلَّ عبدٍ ما استَحَقَّا
تَهلّلَ ذلكَ التَّاجُ ابتِهاجاً / فكانَ مُسَبِّحاً لو حازَ نُطْقا
وأوشكَتِ العَصا تخضَرُّ خِصباً / فتُعطينا منَ الثَّمرَاتِ رِزْقا
لَقد خَلَفَ الزَّمانُ اليومَ عَمَّنْ / مَضَى عَنَّا وأيُّ النَّاس يَبْقى
كواكبُ لا يَغيبُ البعضُ حتى / نَرَى في مُرتَقاهُ البعضَ يَرْقَى
تَقلَّدَ بالرِّعايةِ خيرُ راعٍ / رَعاياهُ بماءِ البِرِّ تُسقَى
يَسُدُّ على ضَوارِي القَفْرِ باباً / ويَفتَحُ للمَراعي الخُضْرِ طُرْقا
نَراهُ أبرَّ أهلِ اللهِ قلباً / وأحسَنَ خَلْقِهِ خَلْقاً وخُلْقا
إذا كَلَّلتَ مَفْرِقَهُ بِتاجٍ / رأيتَ جبينَه أجْلى وأنقى
تردّى بالسَّواد فقلتُ بدرٌ / ودام كمالُهُ فوجدتُ فَرْقا
وخِلْنا صدرَهُ بحراً فلما / رأينا الدُّرَّ تمَّ الشِّبْهُ طِبقا
بيمُناهُ العزيزةِ صَوْلجانٌ / يُحطّمُ هامةَ الطاغوتِ سَحْقا
لهُ طَرَفٌ بأقصَى الشام يبدو / وأخَرُ في أقاصي مِصرَ يُلقَى
أرَى الإسكَنْدريَّةَ كلَّ يومٍ / تُهنّئُ بعدَ حَسْرَتِها دِمَشقْا
تَطَهَّرَ قلبُها من كُلِّ حُزنٍ / وقد فاضَ السُرورُ عليهِ دَفْقا
أتى الكُرْسِيَّ رافِعُهُ افتِخاراً / ومالكُ أمرِهِ فَتْقاً ورَتْقا
يُعيدُ سَلامةً ويَكُفُّ حرباً / ويَهدِمُ باطِلاً ويُقيمُ حَقّا
ويُضحِكُ أُنسُهُ مَنْ كَانَ يبكي / ويُسعِدُ لُطُفُهُ مَن كانَ يَشْقَى
فيُشرِقُ منهُ بالتاريخِ صُبحٌ / يقولُ اليومَ صارَ الشَرْقُ شَرْقا
أسألتَ بانَ الجِزْعِ وَهْوَ يُصَفِّقُ
أسألتَ بانَ الجِزْعِ وَهْوَ يُصَفِّقُ / كيفَ الثَنيَّةُ بَعدَنا والأبرَقُ
وهَلِ الأجارعُ أُمطِرتْ بعدَ النَوَى / يوماً وهل تِلكَ الخَمائلُ تُورِقُ
يا جِيرةَ الحَيِّ الذينَ تَحَمَّلوا / ما كُنتُ أحسَبُ أنَّنا نَتَفرَّقُ
أستغِفِرُ اللهَ العظيمَ بأنَّنِي / فارَقتُكم وبَقيتُ حَياً يُرزَقُ
ولَقد بكَيتُ على الدِّيارِ فساءَني / دَمعٌ لهُ سَعَةٌ وطَرْفٌ ضَيِّقُ
والدَّمعُ مِن بعضِ المِياهِ قليلُهُ / يُروي ولكنَّ الكثيرَ يُغرِّقُ
هل مُبْلغٌ عَنّي التَحيَّةَ ظَبيةً / عن مِسكِ نَكْهتِها اللَطائِمُ تُفتَق
تَلقَى مَعاطِفَها الغُصونَ فتنثَني / خَجَلاً وتَلقْاها النُجومُ فتخفِقُ
بَدَوِيةٌ من آلِ مُرَّةَ قد حَلا / نهبُ القُلوبِ لَها بطَرْفٍ يَسرِقُ
مِن خالِ وَجْنَتِها بَلاءٌ أسوَدٌ / من وَشْمِ بُلجَتها عَدُوٌّ أزرَقُ
يا دُرَّةَ الغَوَّاص طَيَّ خِبائِها / ويَحْي مَتى هذا الخِباءُ يُمزَّقُ
لو تُطبَعُ الأحداقُ فيهِ رأيتَهُ / كالدِّرعِ من حَدَقٍ إليهِ تُحدِّقُ
إنْ لم تُصِبْ قَدَمٌ إليكَ تَطَرُّقاً / خوفَ الرقيبِ فللقُلوبِ تَطَرُّقُ
قد كانَ لي قلبٌ فطارَ بهِ الهَوَى / فأنا بِلا قلبٍ أهيِمُ وأعشَقُ
وَجْدٌ تَوَقَّدَ في خِلالَ أضالعٍ / قد كانَ يُحرِقها فصارَتْ تُحرِقُ
قد أيْمَنَ الصَبرُ الذي أعدَدتُهُ / للنَّائِباتِ ورَكْبُ شَوقي مُعْرِقُ
شَوقٌ يهيجُ إلى الذي ينسَى بهِ / شَوقَ الجمالِ الهائمُ المُستغرِقُ
العالمُ الصَّدرُ الكبيرُ الشاعرُ ال / فَطِنُ الشَّهيرُ الكاتبُ المُتأنِّقُ
عَلَمٌ يَمُدُّ على العِراقِ رِواقَهُ / وبهِ العواصِمُ تَستَظِلُّ وجِلَّقُ
أبقَى لهُ الباقي الذي هُوَ عبدُهُ / شِيَماً من الفاروقِ لا تَتَفرَّقُ
منها الوَداعةُ والزَهادةُ والتُّقَى / والعَدلُ والحِلمُ الذي لا يَقلقُ
بدرٌ بأُفْقِ الشَرقِ لاحَ وضوءُهُ / في الخافِقِيْنِ مُغرِّبٌ ومُشرِّقُ
ما زالَ في شَرَفِ الكمالِ فلم يكُنْ / نَقصٌ ولا خَسْفٌ بهِ يتَعلَّقُ
هُوَ ذلكَ الرَّجُلُ الذي آثارُهُ / لا تُقتَفى وغُبارُهُ لا يُلحَقُ
ولهُ الفُتُوحُ إذا تَمرَّدَ مارِدٌ / في كُلِّ مُعضلةٍ وعَزَّ الأبلَقُ
تأتي نَفائِسُهُ إليَّ سَوابقاً / وهُوَ الذي في كلِّ فضلٍ يَسبُقُ
ولَعلَّها كالصُّبحِ يسبُقُ شَمسَهُ / والشمسُ تدنو بعدَ ذاكَ فتُشرِقُ
سُرَّتْ برُؤيةِ خَطّهِ العينُ التي / أبداً لرُؤيةِ وَجهِهِ تَتَشوَّقُ
أثَرُ الأحبَّةِ يُستلَذُّ بهِ كما / يَلتَذُّ وَسنانٌ بطَيْفٍ يَطرُقُ
غَمَرتْ فَوائِدُهُ البعيدَ بنَيْلِها / مثلَ القرِيبِ ونِيلُها يَتَدَفَّقُ
كالبحرِ يُهدِي من جَواهرِهِ إلى / مَن لا يَراهُ كمَنْ بهِ يتَعمَّقُ
يا أيُّها القَمَرُ الذي من دُونِهِ / طَبَقُ المفَاوِزِ لا السَّحابُ المُطْبِقُ
إن كُنتَ قد أبعَدتَ عَنَّا نازِحاً / فالبُعدُ أشجَى للقُلوبِ وأشْوَقُ
أُثني عليكَ كأنَّني مُتَفضِلٌ / ولَكَ التَفضُّلُ عندَ مَن يَتَحقَّقُ
لو لم يكُنْ لكَ ما نَطَقْتُ بِمَدْحِهِ / فتُرَى بماذا كانَ شِعري يَنطِق
سَل ابنْةَ القَومِ هل تَدري بما صَنَعتْ
سَل ابنْةَ القَومِ هل تَدري بما صَنَعتْ / ألحاظُها بفُؤادٍ فيهِ قد رَتَعَتْ
مَليحةٌ قَطَعَتْ من مُهجتي طَرَفاً / ولَيْتَها حاسَبَتْني بالذي قَطَعَتْ
صُبحٌ إذا سَفَرَتْ غُصنٌ إذا خَطَرَتْ / ظَبْيٌ إذا نَفَرَتْ مِسكٌ إذا سَطَعَتْ
أجفانُها خَلَعَتْ سُقْماً علَيَّ ولا / لَوْمٌ عليها فمِن أثوابِها خَلَعتْ
لَئنْ تَكُنْ عن سَوادِ العينِ غائبةً / فإنَّها في سَوادِ القلبِ قد طَلَعَتْ
وإن أتى من شِهابِ الدِّينِ مُقتَبَساً / كِتابُ أنُسٍ وقد غابَتْ فلا رَجَعتْ
حَيَّا الحَيا أرْضَ زَوْراءِ العِراقِ ضُحىً / فتِلكَ أرضٌ لأهلِ الفضلِ قد جَمَعَتْ
لَئنْ مَضَت دَولةُ المُلكِ القديم بها / فدَولةُ العِلمِ منها قَطُّ ما انقَطَعتْ
فيها الرِّجالُ المَشاهِيرُ الذينَ بهِمْ / مَنارةُ العِلمِ فوقَ النَّجمِ قد رُفعتْ
من كُلِّ أبلَجَ واري الزَّنْدِ في يَدهِ / أقلامُ صِدقٍ بأمرِ اللهِ قد صَدَعَتْ
كلُّ البِلادِ وإن جَلَّتْ مَحاسِنُها / عِقْدٌ فَريدَتُهُ بغدادُ قد وُضِعَتْ
تَسَعى إليها القوافي السَّائراتُ كما / تَسعَى إلى الكَعْبةِ الحُجَّاجُ حينَ سَعَتْ
أرضٌ تَتُوقُ إلى مَرأى مَحاسِنها / عيني لكَثْرةِ ما أُذْني بها سَمِعَتْ
حَسِبتُها فَلَكاً إذْ قِيلَ إنَّ بِها / ذاكَ الشِّهابَ الذي أنوارُهُ لَمَعَتْ
ماذا أقرِّظُ من ذاكَ المقَامِ على / تَقريظِهِ لمقاماتي التي طُبعَتْ
ليسَ الشَهادةُ من ضُعفي بنافعةٍ / لكن شَهادَتهُ تلكَ التي نَفَعَتْ
أتَتْني بلا وَعدٍ وقد نَضَتِ الحُجْبا
أتَتْني بلا وَعدٍ وقد نَضَتِ الحُجْبا / فهاتيكَ أحلَى زَورةٍ تَنعَشُ الصَّبا
بَذَلتُ لها عَيني وقَلبي كَرامةً / فصارَتْ لها عيناً وصارَتْ لهُ قَلْبا
مضمَّخةٌ بالمِسكِ مَعسولةُ اللَمَى / مُنعّمةُ الخَديَّنِ تُصبي ولا تُصبَى
أقولُ لها عِندَ الزِّيارةِ مَرْحباً / ويا حَبَّذا لو صادَفَتْ منزِلاً رَحْبا
حَبانا بها عَذاراءَ مُتْرَفةَ الصِّبَى / فتىً نالَ حِلمَ الشَيخِ من قبلِ أنْ شَبَّا
أتَتْنا بمدحٍ لم تَكُنْ صَدَقَتْ بهِ / وتَغضَبُ إنْ قُلنا لقد نَطَقَتْ كِذْبا
لَقد سَبَقَ القَومَ الطِراديُّ أسَعدٌ / إلى قَصَبِ السَبْقِ الذي حازَهُ غَصْبا
تَلَقَّفَ فَنَّ الشِّعرِ من قبلِ دَرسِهِ / وخاضَ المعاني قبلَ أنْ يَقرأ الكُتْبا
يُطارِحُني الشِّعرَ الذي فَرَّ من يدي / وقد سَلَّ شَيْبي فوقَ مَفْرِقِهِ عَضْبا
إذا شابَ رأسُ المَرْءِ فالشَّيبُ لاحقٌ / بِهِمَّتِهِ حَتَّى يُوسِّدَها التُرْبا
رَعَى اللهُ أيَّامَ الصَباءِ فإنَّها / منَ العَيشِ غُصنٌ كانَ مُعتَدِلاً رَطْبا
وما كلُّ ذي رُوحٍ بحَيٍّ حقيقةً / فَمنْ عاشَ في نَحْبٍ كَمنْ قد قَضَى نَحْبا
سَقَى ابنَ أبي الخَيرِ السَّحابُ فإنَّهُ / هُوَ الخيرُ نَستَسقِي بطَلْعتِهِ السُّحْبا
إذا ما تأمَّلْنا جمالَ صِفاتِهِ / نَرَى عَجَباً فيهِ وليسَ نَرَى عُجْبا
لَقد كَثُرَتْ في النَّاسِ حُسَّادُ فضلِهِ / ولكنْ لَعَمري ما حَسِبنا لَهُمْ ذَنْبا
على مِثلِ ما قد نالَهُ يُحسَدُ الفَتَى / وماذا يَضُرُّ الحاسدُونَ فلا عَتْبا
إذا أوجَبَ اللهُ الكريمُ لعبدِهِ / عَطاءً فمَنْ ذا يَستطيعُ لهُ سَلْبا
كثيرُ العمرِ في الدُّنيا قليلُ
كثيرُ العمرِ في الدُّنيا قليلُ / فماذا يَنفَعُ العُمرُ الطويلُ
وأحوالُ الفتى في الدَّهرِ شَتَّى / ولكنْ أيُّ حالٍ لا تَحولُ
لقد هانَ الغِنَى والفَقْرُ عِندي / لعلمي أنَّ كُلَّهما يزولُ
إذا ظَفِرتْ يدي بكَفاف عَيْشٍ / فماذا بعدَهُ تلكَ الفَضولُ
أسَرُّ العيشِ في الدُنيا حياةٌ / رَضِيتَ بمالهُ فيها حصولُ
وأتعَبُ حالةٍ هِممٌ طِوالٌ / وليسَ وراءَها باعٌ طويلُ
وأطيبُ كلِّ كأسٍ كلُّ كأسٍ / إليها طبعُ شارِبِها يميلُ
وأحسَنُ ما يُسرُّ بهِ خليلٌ / سُطورٌ قد حباهُ بها الخليلُ
حَبا الحَسَنَ الحُسيَنُ فقُلتُ هذا / جميلٌ قد أتاكَ بهِ الجميلُ
كَريمٌ من كريمٍ من كِرامٍ / لهم في المجدِ فَرْضٌ لا يَعُولُ
يُقابِلنا بوَجهِ فَتىً ولكنْ / تُقصِّرُ عن مَدارِكِهِ الكُهولُ
وما صِغَرُ الجُسومِ يَضُرُّ شيئاً / إذا كَبُرتْ بجانِبهِ العُقولُ
تَهلَّلَ بالمكارمِ أرْيَحِيٌّ / كَمَنْ لَعِبَتْ بعطْفَيهِ الشَّمولُ
لهُ اللُطفُ الذي قد رقَّ حتَّى / يكادُ على معَاطفِهِ يَسيلُ
تَوَسَّعَ في العُلومِ فقُلتُ رِيفٌ / وأوسعَ في الكلامِ فقُلتُ نِيلُ
إليهِ كلَّما شئنا سبيلٌ / وليسَ إلى مَعارِجهِ سبيلُ
لهُ في كل شَنشنةٍ حَسودٌ / وليسَ لهُ بشنشنةٍ عَذولُ
رأينا دُرَّةً في نظمِ عِقدٍ / وسوفَ إلى فريدتِهِ تؤولُ
نَرَى فيه الأدلَّةَ كلَّ يومٍ / وحَسْبُ الحُكمِ أنْ يَرِدَ الدَّليلُ
مَضَى زَمَنُ الصِّبَى فَدَعِ التَّصابي
مَضَى زَمَنُ الصِّبَى فَدَعِ التَّصابي / ولا تَبْغِ الشَّرابَ منَ السَّرابِ
ودَعْني من أماني النَّفْسِ إنّي / رَضِيتُ من الغَنيمةِ بالإيابِ
ظَلَفتُ عَنِ ارتِكابِ العارِ نفسي / وعِفْتُ دَلالَ سَلْمَى والرَّبابِ
إذا هَجَرَ الحبيبُ لغيرِ ذَنْبٍ / فذاكَ الذَّنْبُ أولَى بالعِقابِ
إذا زُرتُ الصَّديقَ ولم يزُرني / فذلكَ كالخِطابِ بلا جَوابِ
إذا كَثُرتَ خبائثُ جارِ سَوْءٍ / ففُرقتُهُ أجَلُّ منَ العِتابِ
على الدُّنيا السَّلامُ فإنَّ قلبي / عن الأهواءِ مشغولُ الشِّعابِ
لَقد ألقَى الأميرُ عَلَيَّ ظِلاًّ / فقلبي عن سِواهُ في حِجابِ
أنا عَبدٌ لدَولتِهِ ولكن / أعيبُ عليهِ تحريرَ الرِّقابِ
أُردِّدُ مَدحَهُ مِثلَ المُصَلِّي / يَمُرُّ مُردِّداً أُمَّ الكتِابِ
وإنِّي غَرْسُ نِعمتِهِ قديماً / نَشَأتُ بها كأغصانِ الرَّوابي
سَقاني ماؤُها كأساً طَهُوراً / فما أسَفي على مَطَر السَّحابِ
كريمٌ لا يَضِيعُ لَدَيهِ حَقٌّ / فقد سُمِّي أميناً بالصَّوابِ
وليسَ يُخِلُ في الدُّنيا بشيءٍ / لغَيرِ المالِ من حِفظِ الصِحابِ
يَعيشُ بظِلِّهِ مَن عاشَ منَّا / ويَقِضي تحتَهُ مَيْتُ التُّرابِ
ويُدرِكُنا نَداهُ حيثُ كُنَّا / على حالِ ابتعادٍ واقتِرابِ
وتُكسِبُنا مَكارِمُهُ ارِتفاعا / كصفِرٍ زادَ في رَقمِ الحِسابِ
فدامَ نداهُ يَقرَعُ كلَّ بابٍ / ويأتيهِ الثنا من كلِّ بابِ
لَمَّا رأيتُكَ تَرعَى ذِمَّةَ العَرَبِ
لَمَّا رأيتُكَ تَرعَى ذِمَّةَ العَرَبِ / عَلمتُ أنَّكَ منها خالصَ النَسَبِ
وكيفَ تُنكَرُ في الأعرابِ نِسبتُهُ / فتىً لهُ عُمَرُ الفاروقُ خيرُ أبِ
يا حافظَ العهدِ في سرٍّ وفي علَنٍ / وحافظَ الوُدِّ عن بُعدٍ وعن كَثَبِ
أرَى رَسائلَكَ البَيضاءَ لو عُصِرَت / منها المَوَدَّةُ سالتْ بالنَّدَى الرَّطِبِ
بَيني وبينَكَ عَهدٌ لا يُغيِّرُهُ / بُعدُ الدِّيارِ وهَولُ الحَرْبِ والحَرَبِ
إن لم يَكُنْ بَينَنا في قَومِنا نَسَبٌ / قِدْماً فقد جَمَعَنا نِسبةُ الأدَبِ
ما لي وللدَّارِ إنْ شَطَّت فَمغرِسُنا / طَيُّ التَرَائبِ لا مَطويَّةُ التُرَبِ
إذا ظَفِرتُ بقَلبٍ غيرِ مُبتعِدٍ / فما أبالي برَيعٍ غيرِ مُقتَربِ
لا أوحشَ اللهُ مِمَّن ظَلَّ يُؤْنسُني / طُولَ المدَى بورُودِ الرُسْلِ والكُتُبِ
لو كُنتُ أدري لهُ شَخصاً أُمثّلُهُ / لكانَ في الوَهْمِ عن عَينيَّ لم يَغِبِ
يا عاقلاً عَقلَتْ قَلبي مَوَدَّتُهُ / لا أطلَقَ اللهُ هذا الأسرَ في الحِقَبِ
مَلَكْتَني ببديعِ اللُطفِ منكَ فإنْ / بَغَى سِواكَ اقِتناصي كنتُ كالسَّلَبِ
يا حَبَّذا أرضُ مِصرٍ والذينَ بها / وحَبّذا نَهلةٌ من نيلها العَذِبِ
وحبَّذا نَسَماتٌ طابَ عُنصُرُها / وإن يكُنْ عُنصُرُ الأيَّام لم يَطِبِ
صَبراً على نَكَدِ الدُّنيا التي طُبِعَت / على مُعاقَبَةِ الأحداثِ والنُوَبِ
والصَبرُ أنفَعُ ما داوَى الجريحُ بهِ / جُرحَ الفُؤَادِ وأهدَى الطُرْقِ للأرَبِ
ما ليسَ تَقطَعُهُ الأسيافُ يَقَطعُهُ / مَرُّ الزمانِ كقَطعِ النارِ للحَطبِ
قد عاهَدَ الدهرُ أهليهِ فما غَدَرا
قد عاهَدَ الدهرُ أهليهِ فما غَدَرا / أنْ لا يُديمَ لَهُم صَفْواً ولا كَدَرا
دَهرٌ يُقلِّبُ أحوالَ العِبادِ ومَن / رأى تَقلُّبَهُ في نفسِهِ عَذَرا
شمسٌ تغيبُ ويَبدُو بَعدَها قمَرٌ / وتارةً لا نَرى شَمساً ولا قَمَرا
والناسُ بين نزيلٍ إثْرَ مُرتحلٍ / وراحلٍ يَقتفي الباقي لهُ أثَرا
يا ذاهباً حيثُ لا نَدري لهُ خَبَرا / تَفِدي لنا ذاهباً نَدرِي لهُ خَبَرا
قد أوحشَ الشَرقَ لَمَّا غابَ عنهُ كما / ألقَى على الغَربِ أُنساً حيثُما حَضَرا
هو الحبيبُ المُحِبُّ الصادقُ الثِّقَةُ ال / وافي الذي بين أهلِ الحُبِّ قد نَدَرا
فُؤَادُهُ الماءُ لِيناً غيرَ أنَّ بهِ / عهداً كنَقشٍ قدِ استَوْدَعْتَهُ حَجَرا
يَزيدُ مَرُّ الليالي في مَوَدَّتِهِ / كالغُصنِ يوماً فيوماً طالَ وانتَشَرا
وإن غَفَلتُ لضُعفي هَبَّ مُنتبِهاً / وإن نَسيتُ مواثيقَ الهَوَى ذَكرا
جاءت رِسالتُهُ الغرَّاءُ يَحمِلها / فُلكُ الدُخانِ كغيمٍ يَحِملُ المَطَرا
أرْوَت ظَمَا القلبِ لكنّي غرِقتُ بها / في بحرِ مِنتَّهِ الطامي الذي زَخرا
هيَ الكتابُ الذي سَمَّيتُهُ صَدَفاً / فيها الكَلامُ الذي سَمَّيتُهُ دُرَرا
قامت تُمثِّلُ لي أُنسَ اللقاءِ بهِ / من حيثُ كانت تَسُرُّ السَّمْعَ والبَصَرا
يا أيُّها الرَّاحِلُ الميمونُ طائِرُهُ / أَرَى وِدَادَكَ لا يَستَعمِلُ السَّفَرا
لكَ المُطَوَّلُ من شَوقِ المُحِبِّ وإِنْ / كانَ الكِتابُ الذي يُهدِيهِ مُختَصَرا
هل للَّذي في حَشاهُ حُزنُ يعقوبِ
هل للَّذي في حَشاهُ حُزنُ يعقوبِ / من حُسنِ يُوسُفَ يُرجَى صبرُ أَيُّوبِ
وكيفَ صَبرٌ بلا قَلب يقومُ بهِ / فقلبُ كلِّ مُحِبٍّ عِندَ محبوبِ
مضى الزَّمانُ على أهلِ الهَوى عَبَثاً / فلم يَكُفُّوا ولا فازوا بمطلوبِ
تَطيبُ أَنفُسُهُمْ تحتَ الظَّلامِ على / وَعدِ الخَيالِ وتَنسَى وَعدَ عُرقوبِ
كلُّ المِلاحِ فِدَى خَودٍ ظَفَرتُ بها / تخلو عُذُوبتُها من كُلِّ تَعذيبِ
يَزينُها الحِبرُ فوقَ الطِرْسِ لا حِبَرٌ / تحت الحِلَى وَطِرازٌ في الجَلابِيبِ
مَحجوبةٌ تحتَ أَستارٍ تَغيبُ بها / ونُورُها كالدَّراري غيرُ محجوبِ
عَلِمتُ أَنَّ عَرُوساً ضِمنَ هَودَجِها / لَمَّا تَنَسَّمتُ منه نَفحةَ الطِيبِ
هَديَّةٌ جادَ مُهديها عَليَّ كما / تُهدى عِطاشُ الرُّبى قَطْرَ الشَّآبِيبِ
جاءت على غَيرِ ميعادٍ لزَورَتِها / وأعذَبُ الوَفْدِ وَفدٌ غيرُ محسوبِ
كريمةٌ من كريمٍ عَزَّ جانِبُهُ / يا حبَّذا كاتِبٌ منهُ كمكتوبِ
أَثنى عَلَيَّ بما لا أستطيعُ لهُ / شكُراً فأُلقي إليهِ عُذرَ مغلوبِ
حَيَّا الصَّبا أَرضَ مصرَ والَّذينَ بها / وجادَها كلُّ هَتَّانِ الأَساكيبِ
في أَرضِها غابةُ العِلمِ التي سَمَحَتْ / لِغيرِها بالشَّظايا والأَنابيبِ
على الخليلِ سَلامُ اللهِ تَقرَأُهُ / ملائِكُ العَرْشِ من أعلى المَحاريبِ
ومَن لَنا بسَلامٍ نَلتَقيهِ بهِ / وبَردِ شوقٍ كتِلكَ النَّارِ مشبُوبِ
هو الأَديبُ الذي رَقَّتْ شَمائِلُهُ / وصانَهُ اللهُ من لومٍ وتَثْريبِ
مُنَزَّهٌ عن فُضولِ القولِ مَنطِقُهُ / في النَّظمِ والنَّثرِ مقبولُ الأساليبِ
وأَحسَنُ الشِّعرِ ما رَاقَتْ مَوارِدُهُ / مستَوفياً حَقَّ تهذيبٍ وتأْديبِ
ومن أَقامَ على ألفاظِهِ حَرَساً / مِثلَ السكَائِمِ للجُرْدِ السَّراحِيبِ
ومن إذا عَرَضَتْ في الناسِ تَجرِبَةٌ / أَغنَتهُ عن شَقِّ نَفسٍ في التَجارِيبِ
إليكَ يا ابن سِراجِ الدين قد وَفَدَتْ / تَبغي الضياءَ فَتاةٌ للأَعاريبِ
خَطَّارةٌ في سخيفِ البُرْدِ عاطلةٌ / مَدَّت إليكَ بَناناً غيرَ مخضوبِ
رَفَعتَ قَدري بمَدحٍ قد خَفَضْتُ لهُ / رأْسي فناظَرَهُ سَمْعي بمنصوبِ
عليَّ شُكرُكَ مفروضٌ أَقومُ بهِ / يا مَن عليهِ مَديحي غيرُ مندوبِ
على رَسمِ هاتيكَ الدِّيارِ البَلاقِعِ
على رَسمِ هاتيكَ الدِّيارِ البَلاقِعِ / بَقايا سَلامٍ من بَقايا الأَضالعِ
بَلِينَ وأبلانا الزَّمانُ فكُلُّنا / رهينُ البِلى حَتَّى شُؤُونُ المَدامعِ
نَزَلنا لرَبَّاتِ البَراقعِ مَعهَداً / وأَجفانُنا من دَمعِها في بَراقعِ
تَنُوحُ حَمامُ الأَيكِ عِندَ بُكائنا / ونَبكي على نَوحِ الحَمام السَواجعِ
نَهارٌ تَغشَّاهُ ظَلامٌ تَشُقُّهُ / لنا زَفَراتٌ كالبُرُوقِ اللَوامعِ
ولم يكشِفِ الظَلماءَ من وَحشةٍ سِوى / شِهابٍ من الإسكَندَريَّةِ طالعِ
كِتابٌ دَعَوناهُ شَهاباً لأَنَّهُ / تَجلَّى بِنُورٍ لابنِ نَوَّارَ ساطعِ
أتاني على بُعدٍ فأَدَّى وَدائِعاً / إليَّ وكانَ الشَّوقُ إِحدى الوَدائعِ
أَجَلُّ رِجالِ الحُبِّ في مَذهبِ الهَوَى / مُحِبٌّ على بُعدِ الدِّيارِ الشَّواسعِ
وخيرُ كريمٍ مَن يُكَافي صَنيعةً / وأَكرَمُ منهُ مَن بَدَا بالصَّنائعِ
تَحَمَّلتُ من مَحمُودَ أَكبَرَ مِنَّةٍ / عَجَزْتُ بها عن حَمدِهِ المُتَتابعِ
تَصَفَّحَ مطبوعاً فأَثنَى بطَبعِهِ / جَميلاً فأَنشا صَبْوةً للمَطابعِ
حَبَاني على بُعدِ المَدَى بِرسالةٍ / تَناوَلتُها بالقلبِ لا بالأَصابعِ
مَنَعتُ انصِرافَ العينِ عنها تَصَبُّباً / كما حالَ دُونَ الصَرفِ بعضُ الموانعِ
أَتَتْ تَنجَلي بينَ اثنَتَينِ ولَيسَ لي / سِوى مَهْدِ قلبٍ من صِغارِ المَضاجعِ
ضعيفٌ يُباري قُوَّةً من جَماعةٍ / فَوهْنٌ على وَهَنٍ إلى الوَهْنِ راجعِ
تَفضَّلَ بالمدحِ الذي هُوَ أَهلُهُ / جَميلُ ثَناءٍ للمَدائحِ جامعِ
فكانَ لهُ فَضلانِ فَضلٌ على الثَّنا / وفَضلٌ على خُلقِ الرِّضَى المُتَواضعِ
ألا يا بَعِيدَ الدَّارِ قَلبُكَ قد دَنا / إلينا بملءِ العينِ مِلءِ المَسامِعِ
إذا لم يكنْ بينَ القُلوبِ تَقَرُّبٌ / فإنَّ اقتِرابَ الدَّارِ ليسَ بنافعِ