القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مصطفى صادق الرافعي الكل
المجموع : 347
هجروكَ بعدَ صبابةٍ وغرامِ
هجروكَ بعدَ صبابةٍ وغرامِ / وأراكَ لا تنسى هوى الآرامِ
أتبعتهمْ نفساً عليكَ عزيزةً / وطويتَ جنبيها على الآلامِ
كم تحتَ جنحِ الليلِ مثلكَ مدنفاً / أنسى الليالي عروةَ بن حزامِ
يجري مع الأوهامِ حتى أنهُ / لتكادُ تحسبهُ من الأوهامِ
يا قلبُ كم لكَ في الهوى من صبوةٍ / ضربتْ بكَ الأمثالَ في الأقوامِ
عدوا عليَّ مآثماً لم أجنِها / والحبُّ يا قلبي من الآثامِ
فدعِ الهوى يجري كما شاءَ الهوى / إن الحسانَ كثيرةُ اللوامِ
كم بتُّ أحلمُ بالمنامِ وما أرى / تجدي عليَّ لذاذةُ الأحلامِ
فادرأ همومَ العيشِ بالكأسِ التي / تحكي عجائزها عن الأقوامِ
صهباءُ إن مستْ فؤادي مرةً / غسلتْ بجنبي كلَّ جرحٍ دامي
سموا أباها الكرمَ حينَ تبذلتْ / في فتيةٍ شمِّ الأنوفِ كرامُ
وتراوحوا كاساتها فكأنما / عادتْ بها الأرواحُ للأجسامِ
يا رحمةَ العشاقِ من أحبابهمْ / ناموا وباتوا الليلَ غيرَ نيامِ
حتى إذا انطفأتْ مصابيحُ الدجى / وأضاءَ فودُ الليلِ ظلامِ
خبأوا الهوى بينَ القلوبِ وأصبحوا / وتوارتِ الأزهارُ في الأكمامِ
خلِّ القلوبَ لما بها
خلِّ القلوبَ لما بها / تصبو إلى أحبابها
من أرضهم خُلقتْ فنا / زعتها الهوى لترابها
كم قطعتْ ذاتَ الحجا / بِ قلوبنا بحجابها
هيفاءُ إن خطرتْ فغص / نُ البانِ في أثوابها
وإذا أمطتَ نقابها / فالشمسُ تحتَ نقابها
والسحرُ في تلكَ العيو / نِ يلوحُ من أهدابها
والوردُ في وجناتها / يندى بماءِ شبابها
جمعتْ فنونَ التيهِ والإ / دلالِ في إعجابها
فغذا رأتْ سربَ المهى / تاهتْ على أترابها
وإذا رأتْ أهلَ الهوى / عزتْ على طلابها
وإذا رنتْ غدتِ القلو / بُ تفرُّ من أصحابها
سكرى القوامِ كأنما / ثَمِلَتْ بِخمرِ رِضابها
عاتبتها يومَ النوى / وحملتُ إثمَ عتابها
فمشتْ وأوقفني الهوى / أبكيهِ بعدَ ذهابها
سعوا بيننا حتى لقد كنتُ راضياً
سعوا بيننا حتى لقد كنتُ راضياً / فأصبحتُ من قولي احبكَ تغضبُ
ولم أجنِ ذنباً غيرَ أني ذو هوىً / وأنكَ لي دونَ الأنامِ محببُ
وقالوا ستنسى إن تباعدَ بيننا / فيا ليتَ داري من دياركَ تقربُ
ويا ويلنا إن بتُّ أستعطفُ الهوى / وبتَّ على حكمِ الهوى تتجنَّبُ
فلا تمكنِ الواشينَ من ذاتِ بيننا / فليسَ لهم غيرَ التفرقِ مطلبُ
وإنكَ لو ابصرتَ ما بينَ أضلعي / لأبصرتَ قلبي في لظىً يتقلبُ
يا طلعةَ البدرِ التمامِ
يا طلعةَ البدرِ التمامِ / وقامةَ الغصنِ الرطيبِ
ما شئتَ أني في الهوى / لا بالملولِ ولا الغضوبِ
ليتَ الذي بكَ حينَ تنأ / ى معرضاً مثل الذي بي
كم بتُّ بعدكَ ليلةً / أدعو بها للمستجيبِ
وشكوتُ هجركَ للصبا / شكوى الغريبِ إلى الغريبِ
أمستْ ليالي ذا الجفا / مثلَ الهمومِ على القلوبِ
سوداءُ في لونِ الشبا / بِ وهمُّ أيام المشيبِ
قلتُ صلني فإني لكَ باق
قلتُ صلني فإني لكَ باق / ولو أن الكثيرَ ليسَ بباق
قال من كانَ في الجمالِ وحيداً / لا يبالي بكثرةِ العشاق
يا كحيلَ العيونِ غُضَّ قليلاً
يا كحيلَ العيونِ غُضَّ قليلاً / أوشكَ العاشقونَ أن يعبدوكا
كل ما فيكَ بينهمْ مكرماتٌ / ومن المكرماتِ أن وحَّدوكا
فارقبِ اللهَ في النفوسِ إذا النا / سُ غداً عن نفوسهمْ سألوكا
ما حسبتُ القلوبَ تسفكُ حتى / صارَ قلبي في لحظهِ مسفوكا
اراكَ نسيتَ يا ظبي الصريم
اراكَ نسيتَ يا ظبي الصريم / ليالي ذلكَ الأنسِ القديمِ
ولجَّ بكَ الجفاءُ فما تبالي / بما ألقى من الوجدِ الأليمِ
وطالَ عليَّ همُّ الهجرِ حتى / لقدء سئمتْ ملازمتي همومي
وكنتُ أرى لهذا الدهرِ حلماً / ولكن ضاقَ بي صدرُ الحليمِ
وعهدي بالهوى ملكاً رحيماً / فأينَ تعطفُ الملكِ الرحيمِ
ليالي والصبا غصنٌ رطيبٌ / يكادُ يمجُّ من ماءِ النعيمِ
فكم من ليلةٍ بتنا نشاوى / كما شاءتْ لنا بنتُ الكرومِ
وقد أوحتْ إليَّ بكلِّ معنىً / أخفَّ عليكَ من مرِّ النسيمِ
فمن غزلٍ كأنَّ السحرَ فيهِ / ومن عتبٍ كعافيةِ السقيمِ
ولا غيٌّ سوى غيِّ التَّصابي / ولا عبثٌ سوى عبثِ النديمِ
وبتنا والكؤوسُ مصففاتٌ / تباهي الجيدَ بالعقدِ النظيمِ
إذا رُحنا لها تحنو علينا / حنوَّ المرضعاتِ على الفطيمِ
وتخدعنا مدامتُها فتُغضي / كما يُغضي الحميمُ عن الحميمِ
جلوناها وعينُ الفجرِ توحي / لواحظَها إلى الليلِ البهيمِ
وكانَ الروضُ مطلولَ الحواشي / وذاكَ النهرُ مصقولَ الأديمِ
تعرضَ للنجومِ على جفاها / فزارتهُ خيالاتُ النجومِ
ويومٍ قد قطعناهُ حديثاً / ألذُّ من الأماني للعديمِ
على إفكِ العواذلِ واللواحي / وظنة كلّ أفاكٍ أثيمِ
يلاحظني وألحظهُ كلانا / كما نَظَرَ اليتيمُ إلى اليتيمِ
وما أنسى مواعدهُ وقولي / عسى يومٌ أهنأُ بالعقيمِ
ولا أنسى بكائي يومَ غنى / إذا غضبتْ عليكَ بنو تميمِ
فيا ريحانَ كلِّ فتىً شجيِّ / حبيبٍ أو خليلٍ أو كليمِ
ويا ملكَ القلوبِ وقد أراهُ / علا منها على العرشِ العظيمِ
لقد عذبتني بالهجرِ ظلماً / فهل لي من يعينُ على الظلومِ
وما أبقيتَ يومَ صددتَ روحي / فما تبقى من الجسدِ الرميمِ
أحاطَ بكَ الوشاةُ وكنتَ تدري / غوايةَ كلِّ شيطانٍ رجيمِ
فما لكَ حلتَ عن عهدِ التصابي / وما عهدُ التصابي بالذميمِ
تباركَ من أعدَّ لكلِّ صبٍّ / عذولاً من لئيمٍ أو كريمِ
مرضُ العيونِ الحورِ طِبُهْ
مرضُ العيونِ الحورِ طِبُهْ / وسلاامُ ذب الأجفانِ حربهْ
وبهِ رشا أحوى أغنُّ / كما يشاءُ يراهُ ربُهْ
لم يحكهِ الغيدُ الحيا / نَ وهل تحاكي البدرَ شبهُهْ
يجزي محبةَ من يهي / مُ بهِ الصدودَ وذاكَ دأبهْ
يا قلبُ لم يعذركَ في / هذا الضنى والذنبُ ذنبهْ
من للجفونِ بأن تنا / مَ وما يطيعُ الجفنُ هدبهْ
أترى جنيتَ على حبي / بكَ أم كذا قد صارَ قلبهْ
رشأٌ تلاعبَ بالنهى / لا يستفيقُ الدهرَ لعبهْ
ما زالَ يهوى الناسَ حت / ى ما يُعَدُ اليومَ صحبُهْ
والحبُّ أحسنَ ما يكو / نُ إذا انفردتَ بمن تحبُهْ
فاصبر على خطبِ الزما / نِ فهينهُ يمضي وصعبُهْ
باللهِ يا بدرَ السما هل درى
باللهِ يا بدرَ السما هل درى / أخوكَ أني في غمارِ المنونْ
يقتلني الشوقُ وهذا النَّوى / وذلكَ السحرُ وتلكَ العيون
أحْسِبُني كسرى لتيهي بهِ / لو لم أكن أبطنتُ ما يعبدونْ
وما أرى الدنيا سوى دولتي / ومن فنونِ الحبِّ هذا الجنونْ
يا بدرُ بلغهُ سلامي وقفْ / واشرحَ لهُ ما أحدثَ العاذلونْ
سبحانَ من صورهُ فتنةً / يعذبُ الناسَ ولا يغضبونْ
أيُّ ذنبٍ جنيتُ حتى تجنى
أيُّ ذنبٍ جنيتُ حتى تجنى / إنني كدتُ بعدهُ أن أجِنَّا
كلُّ يومٍ أظلُّ أسالُ عنهُ / من أراهُ وليسَ يسألُ عنا
ألفَ البخلَ لا يردُّ سلامي / وتناسى أيامَ كانَ وكنَّا
وأرى كُتْبهُ دوائي على البعدِ / من الشوقِ والجفاءِ فَضَنَّا
لا أرى طيفهُ ولا الدارَ تدنو / فأرهُ ولا الصبابةُ تفنى
أيها الدائمُ التجني علينا / زادكَ اللهُ في تجنيكَ حسنا
ربما مرَّ للمحبِّ زمانٌ / نالَ فيهِ المحبُّ ما قدْ تمنى
قد رأى الناسُ فيهِ قيساً وقِساً / وأرتهمُ عيناكَ ليلى ولبنى
ورميتُ الدُّجى بساهرةِ الليلِ / تفيضُ الدموعَ وجداً وحزنا
فتحتْ جفنها فطارَ كراها / وبكتْهُ فليسَ تغمضُ جفنا
إن تعشْ يرجعِ المنامُ إليها / أو تمتْ بعدها ففي الحبِّ متنا
كم تجنيتَ يا مليحَ النفورِ
كم تجنيتَ يا مليحَ النفورِ / وأطلتَ الجفا على المهجورِ
لا ترُعْهُ فقدْ كفى ما يقاسي / من أنينٍ ولوعةٍ وزفيرِ
يجدُ العمرَ في هواكَ قصيراً / وزمانُ الصدودِ غيرُ قصيرِ
من ليالٍ تمرُّ مرَّ سنينٍ / وشهورٍ تمرُّ مرَّ دهورِ
قائماً في دُجَاهُ يرتقبُ الفجرَ وير / مي الدُّجى بدمعٍ غزيرِ
وتكادُ النجومُ تهوي إذا ما / بثَّ شكواهُ للعليمِ القديرِ
يتلاعبنَ في المجرَّةِ كالحو / رِ تراقصنَ في مياه غديرِ
خانَهُ قلبُهُ فباتَ جَزُوعا / وفؤادُ المحبِّ غير صبورِ
ولقد كانَ في هواكَ عزيزاً / يتأبى على الظباءِ الحورِ
ملكَ الحبَّ والصبابةَ والشو / قَ وربّ الإيوانِ ربّ السريرِ
فوقَ كسرى وفوقَ قبصرَ في المل / كِ وفوقَ الرشيدِ والمنصورِ
فإذا شاءَ أنزلَ البدرَ قسراً / وإذا شاءَ كانَ عندَ البدورِ
تتهاداهُ بالعيونِ ظباءٌ / ناقماتٌ على الغزالِ الغريرِ
أسكنتهُ الضميرَ حتى رأتهُ / يتهادى من كبرهِ في الضميرِ
وتباكينَ حينَ سار غراماً / فمشى فوقَ لؤلؤٍ منثورِ
فتحفظ بمهجتي يا مليكاً / شبَّ فيها مواهُ نارُ السعيرِ
إن خطبَ الصدود منكَ وإن طا / لَ على عاشقكَ غيرُ عسيرِ
غصنٌ إذا مالَ قمتُ من شغفٍ
غصنٌ إذا مالَ قمتُ من شغفٍ / أمجِّدُ اللهَ كيفَ سوَّاهُ
قالوا سبا مهجتي فقلتُ لهم / ما في يدِ العبدِ ملكُ مولاهُ
كفى صدوداً فما أبقى تجافينا
كفى صدوداً فما أبقى تجافينا / منا ولا الدمعُ أبقى من مآقينا
تطيرُ نفسي من ذكراكَ خافقةً / على ليالٍ توافينا وتسبينا
إذ الزمانُ طليقُ الوجهِ مبتسمٌ / خضرَ الجوانبِ تسقيها أمانينا
كانتْ بها نسماتُ العتبِ راقصةٌ / تهزُّ من حبِّنا فيها رياحينا
لا يمددُ الدهرُ بعدَ اليومِ لي يدَهُ / فما سوى الهمِّ أمسى بينَ أيدينا
وأدمعٍ في زمامِ الحبِّ جارية / ما كنَّ لم يرضَها الحبُ يجرينا
صيرتَ هذي الدراري من عواذِلِنا / ومطلعُ الشمسِ فيها من أعادينا
مرَّ الزمانُ الذي كانتْ فجائِعهُ / تُخطى وهذا زمانٌ ليسَ يخطينا
وفرقَ الدهرُ شملاً كانَ يجمعُنا / فما لذا الدهرِ مُغرىً بالمحبينا
من مبلغُ الفجرَ إذ قامتْ نواديهُ / أنَّا بجنحِ الدجى ينعاهُ ناعينا
كانتْ ليالي الهوى تفترُّ ضاحكةً / عنهُ فبِتْنَ عليَّ اليومَ يبكينا
وكانَ فيهِ جمالٌ من نضارتِنا / وفي محياهُ صفوٌ من تصافينا
أيامَ لم ندرِ أن البدرَ حاسدُنا / على الهوى وضياءُ الفجرِ واشينا
تدورُ في كأسنا صرفٌ مشعشعةٌ / من وردةِ الخدِّ حينا واللُّمى حينا
والنجمُ في نشوةٍ مما ينادمنا / والحليُ في طربٍ مما يُغنينا
يا حاجةَ النفسِ لا تصغي لذي حسدٍ / فما لقينا من الأيامِ يكفينا
كأنها لم تصنَّا في جوانحها / ولم تكنْ بسوادِ القلبِ تُفدينا
ولم نبتْ ليلةً كالروضِ حاليةٍ / نجني بها من صنوفِ اللهوِ ماشينا
والبينُ ظمآنٌ لم تحسبْ عواذلنا / إن الدموعَ سترويهِ وتظمينا
فيا ليالٍ ذكرناها وأكبُدنا / مقطعاتٌ عليها في حوانينا
قد سالَ بعدكِ ما كنا نُكَفْكِفُهُ / وجاذبتنا النوى من كانَ يُسلينا
لا في الأسى راحةٌ مما نغالبهُ / من البعادِ ولا يغني تأسينا
إذا نسيمُ الصبا رقتْ جوانبهُ / على متونِ الروابي راحَ يصبينا
تهيجُ رياهُ من ذكرى الديارِ هوىً / وربما ذكروا بالمسكِ دارينا
ما فيهِ إلا تحايا العاشقينَ إلى / الغيدِ الأوانسِ والعتبى أفانينا
وكم ينم بأنفاسٍ تحملَها / فيها الحياةُ ولكن ليسَ يحيينا
سلي الظلامَ إذا شابتْ ذوائبهُ / من هولِ ما بتُّ ألقى من تنائينا
ألاحتِ الشمسُ تغرِي العاذلينَ بنا / كليلةُ الطرفِ أم راحتْ تحيينا
لقد عدتنا عوادينا وكيفَ بنا / إذا عدتنا عن اللقيا عوادينا
نبيتُ والهجرُ في الآفاقِ ينشرنا / كأننا لم نبتْ والوصلُ يطوينا
قالتْ رأيتكَ مجنوناً فقلتُ لها / لولا هواكِ لما كنا مجانينا
يا طلعةَ الشمسِ غابتْ بعدما طلعتْ / وظبيةُ القاعِ لم ترجعْ لوادينا
هل شاغلتكِ عواد ما تشاغلنا / وباتَ يلهيكَ أنسٌ ليسَ يلهينا
إن كان سهلاً على اللهِ تفرقنا / فليسَ صعباً عليهِ أن يلاقينا
باللهِ يا سحرَ العيونِ ما ترى
باللهِ يا سحرَ العيونِ ما ترى / قلبي غدا من عينها مسحورا
ذاتُ محيًّا هو فينا جنةٌ / قد خلقت فيها العيونُ حورا
صيرني مذ حجبوها كالذي / أُخرِجَ من جنتهِ مدحورا
أأخشاهُ جفناً ما تُسَلُّ قواضِبُهُ
أأخشاهُ جفناً ما تُسَلُّ قواضِبُهُ / وحدُّ حسامي ما تُفَلُّ مضاربهْ
فأين يدي هاتيكَ والسيفُ في يدي / وما لفؤادي أنكرتهُ جوانبهْ
وما لي كأنَ الكهرباءُ تمسني / إذا لاحَ ذاكَ البدرُ أو نم حاجبهْ
أروني فؤادي كيفَ صدعهُ الأسى / وكيفَ تولاهُ الهوى ومصائبهْ
إذا كانَ قلبي لا يصاحبُ همتي / فما هو لي قلبٌ ولا أنا صاحبهْ
ركبتُ لحيني في الترامِ عشيةً / أرى الفلكَ الدوارَ لاحتْ كواكبهْ
وأحسبهُ قلباً يجاذبهُ الهوى / فينقادُ لا يدري بما هو جاذبهْ
فلاحتْ لعيني من زواياهُ غادةٌ / هي البدرُ لكنْ أطلعتْهُ مغاربهْ
تبسمُ أحياناً وتعبسُ تارةً / كما يخدعُ الواهي القوى من يحاربهْ
وقد كتبتُ فوقَ المحاجرِ آيةً / يطالعُ فيها الحبُ من لا تخاطبهْ
فلما رآها القلبُ آمنَ واغتدى / يكاتبها في أضلعي وتكاتبهْ
فما أنا إلا والهوى يستفزني / إلى حيثُ سلطان الهوى عزَّ جانبهْ
فقمتُ قيامَ الليثِ فارقَ غيلهُ / وقد حُطِّمتْ أنياهُ ومخالبهْ
وسلمتُ تسليمَ البشاشةِ والهوى / تدبُّ على أطرافِ قلبي عقاربهْ
فأغضتْ حياءً ثمَّ عادتْ فسلمتْ / ومن بعدِ كدرِ الماءِ تصفو مشاربهُ
فللّهِ ما أحلى حديثاً سمعتهُ / كأني يتيمٌ لاطفتهُ أقاربهْ
هو الخمرُ لولا طعمها وخمارُها / هو السحرُ لولا ذمَّهُ ومعائبُهُ
فقلتُ عرفتُ الحبَّ واللهِ أنهُ / مطالبُ قلبٍ لا تُحَدُّ مطالبهْ
فقالتْ بلى إن شئتَ زدتُكَ أنهُ / نوائبُ دهرٍ لا تُعَدُّ نوائبهْ
فكاشفتها مابي غراماً مبرحاً / يغالبني فيهِ النُّهى وأغالبهْ
وقلتُ ارى ذا القلبِ جُنَّ جنونهُ / وإلا فماذا في ضلوعي يواثبهْ
فهزتْ قواماً كالرديني مشرعاً / وحينَ أحسُّ الشعرَ ماجتْ كتائبهْ
وأعجَبَها ما قلتهُ فتَضَاحكَتْ / كأني طفلٌ في يديها تلاعبهْ
وقد كانَ صدري أطفأ اليأسَ نورهُ / فأصبحَ مثلَ الليلِ طارتْ غياهِبهْ
وقالتْ أخافُ الناسَ فالناسُ في الهوى / لئيمٌ نداري أو عذولٌ نراقبهْ
وعادتْ تروعُ القلبَ لم تدرِ أنني / شديدُ مناطِ القلبِ صلبٌ ترائبهْ
ولما رأتني هائماً غيرَ هائبٍ / سواها وقدماً ضيعَ الصيدُ هائبُهْ
تولتْ وقالتْ تلكَ عاقبةُ الهوى / وبعدَ صدورِ الأمرِ تأتي عواقبهْ
فغادرتْ قلبي في الترامواي وحدهُ / ينادي ولكنْ من عساهُ يجاوبهْ
وعشتُ بلا قلبٍ وعفتُ هوى الدُّمى / ولا يردعِ الإنسانَ إلا تجاربهْ
أبتْ عيناكَ إلا أن تصوبا
أبتْ عيناكَ إلا أن تصوبا / وهذا القلبُ إلا أن يذوبا
فما لكَ تحذرُ الرقباءَ حتى / هجرتَ النومَ تحسبهُ رقيبا
وقامَ عليكَ ليلُكَ فيس حدادٍ / يشقُّ على مصائبكَ الجيوبا
وربَّ حمامةٍ هبتْ فناحتْ / تنازعني الصبابةَ والنحيبا
أساعدها وتسعدني نواحاً / كلانا يا حمامةُ قد أصيبا
دعي همَّ الحياةِ لذي فؤادٍ / فما تركَ الغرامُ لنا قلوبا
ولا تنسي أخاكِ وما يعاني / إذا ماكانَ في الدنيا غريبا
فإنَّ المرءَ ينسى إن تناءى / وتذكرهُ صحابتهُ قريبا
رعاكِ اللهُ هل مثلي محبٌّ / وقد أمسى محمدُ لي حبيبا
شفيعي يومَ لا يجدي شفيعٌ / وطبي يومَ لا أجدُ الطبيبا
وغوثي حينَ يخذلني نصيري / وغيثي إن غدا ربعي جديبا
وآمنَ في حماهُ ريبَ دهري / وحادثهُ وإن أمسى غَضوبا
وأذكرهُ فيفرجُ كلُّ خطبٍ / ولو كانتْ رواسيها خُطُوبا
رسولَ اللهِ جئتكَ مستغيثاً / وجودكَ ضامنٌ أن لا أخيبا
متى تخضرُ أيامي وتزهو / ويصبحُ عودَ آمالي رطيبا
فقد ضاقتْ بي الدنيا وهبتْ / فجائعها على قلبي هبوبا
ومالي غيرُ حبكَ من نصيرٍ / فعلَّ من العنايةِ لي نصيبا
غيرُ قلبي أراهُ يسطيعُ صبرا
غيرُ قلبي أراهُ يسطيعُ صبرا / وسوى علتي من الحبِّ تبرى
أنا لم يبقَ بينَ جنبيَّ إلا / كبدٌ من لوعةِ الشوقِ حرَّا
فدعوا اللومَ إنما هو لؤمٌ / وقديماً ولدتْ والعينُ عبرى
ما عليكم من الغرامِ إذا ما / كانَ حلوَ المذاقِ أو كانَ مرَّا
إن تكنْ تصغرُ المصئبُ فالنف / سُ ترى فيكم المصائبُ كُبرى
كرجالِ الوباءِ في طلعةِ الطا / عونِ أيامَ زلزلَ الويلُ مصرا
سفهاءُ كمثلِ ما افتضحَ العر / ضُ لئامٌ كالعسرِ لم يبقِ يسرا
والذي أثقلَ الرواسي أني / لأرى ظلكم على الأرضِ صخرا
لا يغرَّنَّ من يلومني الصم / تُ فإني رأيتُ في الصمتِ أجرا
أإذا نالَ من كريمٍ سفيهٌ / أتقيموا لهُ السفاهةَ عذرا
ليتَ هذا الزمانَ يرجعُ يوماً / من زمانِ الصبا ويأخذ عمرا
يومَ كانَ الفؤادُ كالروضةِ الغنا / ءِ تجني يد الهوى منهُ زهرا
والليالي كالطيرِ ناحتْ فخلنا / ها تغني وهنَّ يبكينَ قسرا
والأماني على الهوى حائماتٌ / مثلَ سربِ القطا إذا جئنَ نهرا
وإذا همَّ أن تنولني يمنى يدي / هِ همتْ بسلبي يسرى
أنا يا دهرُ لم أسئْ لكَ يوماً / فلماذا أساءني الهمُّ دهرا
قد رآني مما تحمَّلَ صدري / لو أتاني السرورُ لم يلقَ صدرا
ولعمري لم أمشِ في الأرضِ إلا / قامَ بي أن تحتَ رجليَّ قبرا
يا نجومَ السماءِ ما لكِ تزهي / نَ كلانا قد باتَ يعشقُ بدرا
إن تعيني على همومِ الليالي / فاحملي شطرها وأحملُ شطرا
أجدُ الهمَّ كلما نقصتهُ / ساعةً بالرجاءِ زادتهُ أخرى
وبنا حسرةٌ تزجُّ لها الأر / ضُ فهل أنتِ في سمائكِ حَسْرى
ما على من هويتِ لو حملَ البر / قَ سلاماً واستودعَ الريحَ سرا
هو أدرى بما أحاولُ منهُ / وأنا بالذي يحاولُ أدرى
ألفَ الصدَّ والتجافي غدراً / وأذى الصب والتجني كبرا
من يحييهِ والنسيمُ إذا هبَّ جفا / ني والصبحُ أطولُ هجرا
وصحابي إذا افتقرتُ إليهم / زادنب الأغنياءُ عني فقرا
خلقَ اللهُ ذا الجمالَ متاعاً / غيرَ أنَ الجميلَ بالتيهِ مَغْرى
وأرى الصدَّ لذةً وشقاءً / ومن النفعِ ما إذا زادَ ضرَّا
فاحذري يا نجومُ بدركِ إني / أجدُ الحسنَ صارَ في الناسِ سرا
رأيتُ في الناسِ كلَّ شيءٍ
رأيتُ في الناسِ كلَّ شيءٍ / تحارُ في كنهِهِ العقولُ
ويصطفي المرءُ ألفَ خلٍّ / ولا يفي منهمُ خليلُ
فلا تحاولْ لهمْ رضاءً / إن رضاء الناسِ مستحيلُ
نُوبٌ تَغدُوعلى نُوبٌ
نُوبٌ تَغدُوعلى نُوبٌ / تقطعُ الأيامَ في طَلَبي
ليتَ شعري وهيَ معجلةٌ / أي ذنبٍ لي سوى أدبي
أقبلي يا نائباتُ فما / هذهِ الدنيا سوى تعبِ
واثبتي للعمرِ آونةً / فليالي العمرِ في هربِ
عجبي والناسُ إن فطنوا / وجدوا دهري أبا العجبِ
كم ليالٍ قد لعبتُ بها / وغدتْ من بعدُ تلعبُ بي
كعهودِ الغيدِ إن صدقتْ / فقُصاراها إلى الكذبِ
والذي يمضي على لعبٍ / سوفَ يلقى حسرةَ اللعبِ
يا زمانَ الهجرِ كيفَ لنا / بزمانِ الرُّسْلِ و الكُتُبِ
وليالٍ كالصبا سلفتْ / إن يؤبْ عهدُ الصبا تؤبِ
كم قطعناها على كَلَفٍ / في رضا حلوٍ وفي غَضَبِ
آةٍ ليتَ العينَ ما نظرتْ / ودموعُ العينِ لم تصبِ
إن ذا الحبَّ غادرني / ليسَ في العيشِ من أربِ
كلما افلتُّ من كربٍ / ساقني قلبي إلى كربِ
هجرتني الملاحُ من غيرِ ذنبٍ
هجرتني الملاحُ من غيرِ ذنبٍ / وأعانتْ عليَّ دهري الملاحُ
قاتلاتُ النفوسِ حرَّمها اللهُ / وهل من أجلهنَّ تباحُ
وتمادينَ في عذابي حتى / ما لليلي من بعدِ ليلى صباحُ
يا فؤادي اصطبرْ فإن هي إلا / غدوةٍ بعدها يكونُ الرواحُ
كم أناسٍ يصدُّ عنهم أناسٌ / جمعَ الموتَ بينهم فاستراحوا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025