المجموع : 367
جَلا مُحَيّاكَ عَن أَبصارِنا الرَّمَدا
جَلا مُحَيّاكَ عَن أَبصارِنا الرَّمَدا / وقرّبَ اللَّه مِن مَرآكَ ما بَعُدَا
وجاءَ يَحمِلُ مِنكَ الطِّرْفُ أربعَةً / البدرَ والطودَ والدّأماءَ والأَسَدا
تَكادُ تَبذُلُ عَينُ المَرءِ أسْوَدَها / في نظرَةٍ منك تنفي الهمَّ والكَمَدا
كُلٌّ مسرٌّ بِوَجهٍ في أَسِرَّتِهِ / نورٌ إذا ما رماهَ أكبرٌ سَجَدا
ظُباكَ بالردّ عن دين الهُدى انفرَدَتْ / وأنتَ ما زلتَ بالإنعامِ مُنْفَرِدا
ليثٌ تَخالُ سُيوفاً في بَراثنِهِ / وتحسبُ الزّغْفَ منه الشَّعْرَ واللبدا
كَأَنَّ أجفانَهُ في الحَربِ قَد وَرَدَت / مَعَ الدِّماءِ منَ الهِندِيِّ ما وَرَدا
لِشِدَّةِ البَأسِ في يُمناهُ ضَربَتُهُ / إِن أُسكِرَ السَيفُ مِنها بِالنَجيعِ شَدا
وَلِلرُّدَينِيِّ يَوْمَ الطّعنِ عالِيَةٌ / تَلوكُ بَينَ حَشا الضِّرغامَةِ الكَبِدا
فالدِّينُ معتَمدٌ مِنهُ على مَلكٍ / يُمسي ويُضحي على الرّحمنِ مُعتَمِدا
كَأنّ شُهبَ رجومٍ في أَسِنَّتِهِ / يُرْدي بِها مِن طُغاةِ الكفرِ مَن وَرَدا
وَكُلَّما عَقَدَ الرّاياتِ مُعتَزِماً / حَلّتْ أَياديهِ مِن آرائِهِ عُقَدا
شَهمٌ صَبورٌ إذا ما القرمُ زاحَمهُ / مُزاحماً في كِفاحٍ ظَنّهُ أُحُدا
وقُرَّحٍ بكُماةِ الرّوعِ مُقْدِمَةٍ / كَأنَّهُنَّ سَعَالٍ تحمِلُ الأُسُدا
إذا تَبِينُ سماءٌ عن عجاجَتِها / كَانَت لَهُم سمهَرِيَّاتُ القَنا عَمَدا
مِن كُلِّ ذِمْرٍ منَ الفولاذِ غاصَ به / يُجَمّدُ القَرُّ مِنهُ فَوقَهُ زَبَدا
يَسطُو بِعَضبٍ إِذا ما هَزّ مَضْرِبَهُ / يومَ الضّرابِ لعيني ساهِدٍ رَقَدا
لا يشربُ الرّوحَ من جُثمانِ ذي زَردٍ / حَتَّى يَرى الحدّ مِنهُ يَأكلُ الزّرَدا
أسَلْتَ سَيْلَ نجيعٍ من عِداكَ بهم / في الأرضِ منهُم فَغادَرت الثرى عَمِدا
يا مَنْ عليه مَدُار المَكرُماتِ ومَنْ / بِعَدْلِهِ كُلُّ مُضطَرٍّ له سُنِدا
طارَتْ إِلَيكَ بَنُو الآمالِ وَانتَشَقَتْ / مِن ذِكرِكَ الندَّ واستَشفَينَ مِنكَ يَدا
فَما انحرَفْتَ بِراجٍ عن بُلوغِ مُنىً / ولا تركتَ لصادٍ بالعطاءِ صدا
لا نأيَ لي بِتَنائي السّيرِ عن بَلَدي / فقد رضيتُ بحمصٍ بَعْدَهُ بلَدا
بُدِّلتُ مِن مَعشَرِ الأَدْنَين مَعشَرها / لا فَرَّقَ اللَّهُ فيما بَينَنا أَبَدا
وكَم حَوى التُّرْبُ دوني من ذَوي رَحِمي / وما مَقَلْتُ لِبُعدي منهمُ أحدا
ولم يُسِرْنيَ من مثواكَ مَوْتُ أبي / وَقَد يُقَلقِلُ مَوْتُ الوالِدِ الوَلَدا
وما سَدَدتَ سَبيلي عن لِقائِهِمُ / لَكِنْ جَعَلتَ صِفادي عنهُمُ الصّفَدا
وحسنَ برٍّ إذا فاضَتْ حلاوَتهُ / على فؤاديَ من حَرِّ الأَسى بَرَدا
الآن أفْرَخَ رَوْعُ كلّ مُهَيَّدِ
الآن أفْرَخَ رَوْعُ كلّ مُهَيَّدِ / وأُعِزّ دينُ مُحَمَّدٍ بِمُحَمَّدِ
إنْ كانَ نَصْرُ اللَّه فَتّحَ بابَهُ / فأبوكَ بادرَ قَرْعَهُ بِمُهنَّدِ
واقتادَ حِزْبَ اللَّه نَحوَ عَدُوِّهِ / فالحرْبُ تَجْدَعُ مَعْطِسَ المُتَمرِّدِ
في جَحفَلٍ يَعلُو عَلَيهِ قَتَامُهُ / كَبُخارِ أخْضَرَ بالعَواصِفِ مُزْبِدِ
صُدِمَتْ جفونُ الفُنشِ منه بِمفعَمٍ / بالأُسْدِ في غَيْلِ القَنا المُتأوِّدِ
وَكَأنَّما احتَطَبَ العلوجَ وساقَهَمْ / بِحَريقِ ضَربٍ بِالصَّوارمِ مُوقَدِ
صَدَعَتْ كتائبَهُ الظُّبا حتَّى إذا / هَمّتْ بهِ أعطى قَذَالَ مُعَرِّدِ
في لَيلَةٍ لَبِسَتْ لِتَستُرَ شَخْصَهُ / عنّا فلم تَلْحَظْهُ عَينُ الفَرقَدِ
أَمسى يُكَذِّبُ مائِناً في ظُلمَةٍ / خَفَرَتْهُ فهيَ لديه بَيضاءُ اليَدِ
وَلَّى يُحاكي البرقَ لَمعُ مُجَرَّدٍ / والرَّعدَ في حَذَرٍ تحَمْحُمُ أجرَدِ
يعدو الجوادُ به على فُرسانِهِ / صَرْعَى كأنّهُمُ نشاوى مُرْقِدِ
مِنْ كُلِّ ذي سَكَرينِ مِن خَمرٍ ومِن / حَدٍّ لِذي فَتكٍ عَلَيهِ مُعَربِدِ
تُبْنَى الصّوامِعُ مِن رُؤوسِهِمُ بما / كَانَت على هَدمِ الصَّوامِعِ تَغتَدي
وَالحَربُ من بيضِ الذُّكورِ كَأنَّما / باضَتْ بِهِنَّ رقائِدٌ في الفَدفَدِ
بَكى فَقْدَكَ العِزُّ المُؤيَّدُ والمَجدُ
بَكى فَقْدَكَ العِزُّ المُؤيَّدُ والمَجدُ / ونَاحَتْ عَلَيكَ الحَرْفُ والضُّمَّرُ الجُردُ
وَقَد نَدَبَتكَ البيضُ والسمرُ في الوَغى / وعدّدَكَ التأييدُ والحَسَبُ العِدُّ
وما فَقدت إلّا عَظيماً وفَقدُهُ / به بين أحشاءِ العلى يُوجَدُ الوَجدُ
وكنتَ أمينَ المَلْكِ حقّاً وسيفَهُ / ومن حَسَناتِ البرِّ كانَ لَكَ الغِمدُ
وأَنتَ ابن حَمدونَ الَّذي كانَ حَمدُهُ / يُعَبّرُ عَن نادِيه في عَرفِهِ الندُّ
هُمامٌ إِلَيهِ كانَ تَقريبُ غُربَتي / بِبُزْلٍ خفيفٍ بين أخفافِها الوَخْدُ
بِأرْضٍ فلاةٍ تُنْكِرُ الأُسْدُ وَحْشَها / وَيَرتَدُ في اللَّحظِ العيونُ بها الرُّمدُ
وناجِيةٍ تَنجو بِهَمِّ هُمومِهِم / تَولَّى بها عن جِسمِها اللَّحمُ وَالجِلدُ
قَتَلتُ الأَماني من عَلِيٍّ ولم أزَلْ / مُفَدّى لَدَيه حَيثُ يَعذُبُ ليَ الوِردُ
بَكَيتُ علَيهِ والدُّموعُ سَواكِبٌ / تَخَدّدَ من طولِ البُكاءِ بها الخدُّ
وذاكَ قليلٌ قَدْرُهُ في مُعَظَّمٍ / له حَسَبٌ ما إن يُعَدَّ له عَدُّ
فَلَو صَحَّ في الدُّنيا الخُلودُ لِماجِدٍ / لأُبْقِيَ فيها ثمَّ صَحَّ له الخُلدُ
ومُختَلِف الطَّعمَينِ من طَبعِ عادِلٍ / فطعمٌ له سَمٌّ وطَعْمٌ له شَهْدُ
وَقَد كانَ في عَليائِهِ مُتَرفِّعاً / يَلينُ بِهِ الدَّهرُ الَّذي كانَ يَشتَدُّ
وكانَ أبِيّاً ذا أيادٍ غمامُها / ندى ماجدٍ في قبره قُبِرَ المَجدُ
وحَلَّ الرَّدى من كَفِّهِ عَقْدَ رايَةٍ / وَمِن كَفِّ مَيمونٍ لها جُدّدَ العَقدُ
وَما هُوَ إلّا حازِمٌ ذو كِفايَةٍ / يُناقِضُ هَزْلَ الرَّوْعِ من بَأسِهِ الجِدُّ
تقدّمَ من صِنْهاجةٍ كلَّ مُقْدِمٍ / فريستُهُ من قِرْنِهِ أَسَدٌ وردُ
بأيديهمُ نَوْرُ البَنَفسَجِ في ظُبىً / ينوّرُ من نارٍ لها حَطَبَ الهندُ
وَقَد لَبِسوا من نَسجِ داود أعيُناً / مُداخَلَةً خُوصاً هي الحَلَقُ السرْدُ
يَسُدُّونَ خلّاتِ الحروبِ إذا طَمَتْ / بِشَوكِ الرّدى حتَّى كأنَّهُمُ السَّدُّ
ويقتادهم منهُ شهامَةُ قائدٍ / به جُمْلَة الجيشِ العَرَمرَمِ تَعْتَدُّ
جوادٌ عميمُ الجود بيتُ عطائِهِ / لِقاصِدِهِ بالنَيلِ طَيَّبَهُ القَصدُ
له هِمَّةٌ في أُفقِها فَرقَدِيَّةٌ / كَواكبُها زُهْرٌ أحاطَ بِهِ السَّعدُ
وَأَثبَتَ لِلعَلياءِ مِنهُم قَواعِداً / لأعدائِهِ منها قواعدُ تَنْهَدُّ
أَرى يُمْنَ مَيمونٍ تَعاظَمَ في العُلا / بنيلِ مَعَالٍ لا يُحَدّ لها حَدُّ
وهِمَّةُ يَحيَى شَرَّفَتهُ بِخُلَّةٍ / بها يُسْعَفُ المَولى ويَبتَهِجُ العَبدُ
كَأَنَّ نُضَاراً ذائِباً عَمَّ جِسمَها / وإنْ رامَ حُسناً في العُيونِ له حَمدُ
وما مُطْرَفٌ إلّا أبيٌّ بِحُرْمَةٍ / عُبابٌ خِضَمٌّ حُلَّ عن حَسرِهِ المَدُّ
إذا أَعملَ الآراءَ عَنَّ لهُ الهدى / سَدادٌ هوَ الفَتحُ الَّذي ما لَهُ سَدُّ
يَروحُ وَيَغدو في المنى وَحَسودُهُ / بعيدُ رَشادٍ لا يَروحُ ولا يَغدو
ومِن حَيثُ ما ساورتَهُ خِفتَ بأسَهُ / وَلِلنّارِ مِن حَيثُ انثَنَيتَ لها وَقدُ
وإن جادَ كانَ الجودُ منه مهنأً / كغَيثٍ هَمَى ما فيه برقٌ ولا رعدُ
ولِلَّه في الإِجلالِ ذِكرُ مُحَمَّدٍ / بِكُلِّ لسانٍ في الثناءِ له حَمدُ
هُمُ السّادَةُ الأمجادُ والقادَةُ الأُلى / تُعَدُّ المَعالي منهُمُ كُلَّما عُدّوا
وَيَأمُرُهمْ بالصَّبرِ والحزمِ خاذِلٌ / لَهُم صبرٌ ووجدانُهُ فَقدُ
وَأَيَّ اصطِبارٍ فيه للنّفسِ رَحمَةٌ / عَنِ القائِدِ الأَعلى الَّذي ضَمَّهُ اللَّحدُ
بأبي مُنَطَّقَةُ القَوامِ مَشَتْ
بأبي مُنَطَّقَةُ القَوامِ مَشَتْ / كَالغُصنِ بَينَ القَحفِ والقَمَرِ
لَمياءُ تَنطِقُ عَن مُؤشَّرَةٍ / خُتِمَ العَقيقُ بها على الدُّرَرِ
كَيفَ السُّلوُّ وسِحرُ مُقْلَتِها / قَيْدُ الحياة وَمِقْوَدُ النَظَرِ
كم تعجبُ الناسُ من صَيْدٍ ولا شَرَكٍ
كم تعجبُ الناسُ من صَيْدٍ ولا شَرَكٍ / يَصيدُ رئمٌ به قَلبي سِوى نَظَري
وَكَم يَقولونَ مَجنونٌ وما عَلِموا / أَنَّ الجُنونَ الَّذي بي من هَوى بِشرِ
لا عذّبَ اللَّهُ من أَجلي مُعَذِّبَةً / تُشَرّدُ النومَ عَن عَينَيَّ بِالسَّهَرِ
يبيتُ في ثَغْرها بردُ الشبابِ كَما / باتَ النَّدى مِن أَقاحي الروضِ في زَهَرِ
يا لَيتَني والأَماني رُبَّما بُلِغَتْ / نَقَعتُ حَرَّ غَليلي مِنهُ في الخَصَرِ
وَسامِيَةِ الأَلحاظِ لِلصَّيدِ قُرِّبَتْ
وَسامِيَةِ الأَلحاظِ لِلصَّيدِ قُرِّبَتْ / وقد نامَ عنّا الليلُ وانتَبَهَ الفَجرُ
بَكَرنا على أَكتَادِها نَدَّري بِها / طَرائِدَ مَعموراً بِها البَلَدُ القَفرُ
تُسائِلُ عَنها السُّحبَ والتُّربَ جُرأةً / جَوارحُ فَوقَ الراحِ أَعيُنها خُزْرُ
فَوارسُ أُفْدٌ أَقبَلَتْ في جَواشِنٍ / مِنَ الرقمِ لَم تخلق لها البيضُ وَالسُّمرُ
وَغُضْفٌ تَرى آذانَهُنَّ لواحِظاً / بِهنَّ صُرورٌ وهيَ من هبوةٍ غُبْرُ
ومَروٍ عَلا عِندَ النَتاجِ حَديدَةً / نَتَائِجُها مِنهُ إِذا وُضِعت شُقرُ
هَفا بَينَنا مِنها جَناحُ بُوَيْزَةٍ / كَقادِمَةِ العصفورِ طارَ بِها الذُّعرُ
أَقامَ عَلَيها موقِدٌ كِيرَ سَحْرهِ / لِيَصلى لَها حَرّاً وَقَد ثَلجَ الصَّدرُ
رَدَدنا بِها روحاً عَلى شَلوِ أوْرَقٍ / يُبَلبِلُه ريحٌ وَيَضرِبُه قَطرُ
أَقامَت أَثافيهِ مِنَ الدَّهرِ بُرهَةً / عواريَ لم تركبْ رواحِلَها قِدرُ
وَلَمَّا تَلَظَّى جَمرُها وتَجَدَّلَتْ / وَقُصَّتْ بِأَيدِينا ذَوائِبُها الحمرُ
شَوقي إِلَيكَ مُجَدَّدٌ
شَوقي إِلَيكَ مُجَدَّدٌ / يُبْلي جَديدَ تَصَبُّري
وجَوانِحي يَجنَحنَ مِنْ / حُرَقِ الهوى المُتَسَعِّرِ
نَقَلَتْ مِنَ الدُّرَرِ الدُّموعَ / إِلى العَقيقِ الأَحمَرِ
وَلَبِستُ فيهِ مِنَ الضَّنى / عَرَضاً يُلازمُ جَوهَري
كَحَلَ الهوَى والسِّحرُ مِن / ك جفونَ رئمٍ أحورِ
فَجَوارِحي مَجروحَةٌ / مِنها بِسَيفٍ مُضمَرِ
كَم ذا يُغَيِّرُني هوا / ك بِخَلقك المُتَغَيِّرِ
نَقَضَتْ حلاوةَ موردي / مِنهُ مَرارَةُ مَصدري
وَمَنعتَني مِن لَثمِ فيك / جَنَى الرُّضابِ المُسكِرِ
أَبِجَنَّةِ الفِردَوسِ أُحْرَمُ / شُرْبَ ماءِ الكَوثَرِ
وناهدةٍ تَرَّبَتْ كفُّها
وناهدةٍ تَرَّبَتْ كفُّها / ترائِبَها بِسَحيقِ العَبيرِ
تصونُ على القطفِ رُمّانَةً / مِنَ النهدِ في غُصْنِ بانٍ نَضيرِ
لَها وَجنَةٌ صُقِلَتْ بِالنَّعيم / وناظرةٌ كُحِلَتْ بِالفتورِ
وَتبسمُ عَن أَقحُوانٍ تُريكَ / على نَوْرِهِ الشمسُ إشراقَ نورِ
كَأَنَّ غَدائِرها المُرسَلاتِ / أسَاوِدَ سابِحةٌ في غَديرِ
فَبِتُّ أُلاطفُ أخلاقَها / كما رُمْتُ تأنيسَ ظبيٍّ نَفورِ
وما قهوةٌ صُفّقَتْ للصَّبوح / بِمِسكٍ ذَكِيٍّ وشَهْدٍ مَشورِ
بِأَطيَبَ مِن فَمِها ريقَةً / إذا بَرَدَ الدُّرُّ فَوقَ النحورِ
للَّه دَرُّ عصابَةٍ نَزَلوا
للَّه دَرُّ عصابَةٍ نَزَلوا / بَينَ الرّياضِ مَجالساً خُضْرا
شَرِبوا بِكَاساتٍ مُعَتَّقَةً / شَرِبَت عُقولُهُمُ بِها سَكرا
وكأنّما الأقمارُ تلثمُ من / أيدي السقاةِ كواكباً زُهْرا
وكأنّما صُوَرُ القِنانِ وقد / مُلِئت إلى لَهواتِها خَمرا
بيضُ الحسان وَقَفْنَ في عُرُسٍ / لمَّا لَبِسْنَ غَلائِلاً حُمرا
قَضَتْ في الصِّبا النَّفسُ أوطارَهَا
قَضَتْ في الصِّبا النَّفسُ أوطارَهَا / وأَبلَغَها الشَّيبُ إِنذَارَها
نَعَمْ وأُجِيلَتْ قِدَاحُ الهوَى / عَلَيها فَقَسَّمْنَ أَعْشارَها
وما غَرَسَ الدَّهرُ في تُربَةٍ / غِراساً ولم يَجْنِ أثمارَهَا
فأفنيتُ في الحربِ آلاتَها / وأَعدَدتُ لِلسِّلم أَوزَارَها
كميتاً لها مَرَحٌ بِالفَتى / إِذا حَثَّ بِاللَّهوِ أَدوارَها
تَناوَلَها الكوبُ مِن دَنِّها / فَتَحسَبُهُ كانَ مِضمارَها
وساقِيةٍ زَرَّرتْ كفُّها / على عُنُقِ الظبيِ أَزرَارَها
تُديرُ بِياقُوتَةٍ دُرَّةً / فَتَغمِسُ في مائِها نَارَها
وَفِتيانِ صِدقٍ كَزُهْرِ النُّجوم / كِرامُ النَّحائزِ أَحرارَها
يُديرونَ راحاً تَفيضُ الكُؤوسُ / على ظُلَمِ اللَّيلِ أنوارها
كَأَنَّ لَها مِن نَسيجِ الحَبَاب / شباكاً تُعَقّلُ أطيارها
وَرَاهِبةٍ أَغلَقَت دَيْرَها / فَكُنّا مَعَ اللَّيل زُوّارها
هَدانا إِلَيها شَذا قَهوَةٍ / تُذيعُ لأَنفِكَ أَسرارَها
فَما فازَ بِالمِسكِ إلّا فتىً / تَيَمّمَ دارِينَ أو دارَها
كَأنَّ نَوافِجَهُ عِندَها / دنانٌ مُضَمَّنًةٌ قارَها
طَرَحتُ بِميزانِها دِرهَمي / فَأَجْرَتْ مِنَ الدّنِّ دينارَها
خَطَبنا بَناتٍ لَها أَربَعاً / لِيَفتَرِعَ اللَّهوُ أَبكارها
مِنَ اللَّائي أَعصارُ زُهْرِ النُّجوم / تكادُ تُطاوِلُ أعمارَها
تُريكَ عَرائِسُها أَيدِياً / طِوالًا تُصافِحُ أخْصَارها
تَفَرَّسَ في شَمِّهِ طيبَها / مُجيدُ الفِراسَةِ فَاختَارَها
فتىً دارَسَ الخمرَ حتَّى دَرى / عَصيرَ الخُمورِ وأَعصارَها
يَعُدّ لما شئتَ من قهوةٍ / سِنيها ويَعرِفُ خَمّارها
وَعُدنا إِلى هالَةٍ أَطْلَعَتْ / عَلَى قُضُبِ البانِ أقمارَها
يَرى مَلِكُ اللَّهوِ فيها الهُّمومَ / تثورُ فيقتلُ ثوّارَهَا
وقد سكّنَتْ حركاتِ الأسى / قيانٌ تُحَرّكُ أوتارها
فَهَذي تُعانِقُ لِي عُودها / وَتِلكَ تُقَبِّلُ مِزمَارَها
وَرَاقِصَةٍ لَقَطَتْ رِجْلُها / حسابَ يدٍ نَقَرَتْ طارَها
وَقَضبٍ مِنَ الشَّمعِ مُصْفَرّةٍ / تُريكَ مِنَ النَّارِ نُوَّارَها
كأنّ لها عمداً صُفّفَتْ / وَقَد وَزَنَ العَدلُ أَقطارَها
تُقِلُّ الدَّياجي عَلَى هامِها / وَتَهتِكُ بِالنُّورِ أَستَارَها
كَأنَّا نُسلِّطُ آجالَها / عَلَيها فتَمحَقُ أَعمارَها
ذَكرتُ صِقِلِّيَّةً والأسى / يُهَيِّجُ لِلنَّفسِ تِذكَارَها
وَمَنزِلَةً للتَّصابي خَلَتْ / وَكَانَ بَنُو الظَّرفِ عُمَّارَها
فَإِن كُنتُ أُخرِجتُ مِن جَنَّةٍ / فَإِنِّي أُحَدِّثُ أَخبَارَها
وَلَولا مُلوحَةُ ماءِ البُكا / حَسِبْتُ دُموعِيَ أَنهَارَها
ضَحِكتُ ابنَ عِشرينَ مِن صَبوَةٍ / بَكيتُ ابنَ ستِّينَ أَوزارها
فَلا تَعظُمَنَّ لَدَيكَ الذُّنوب / فَما زالَ رَبُّكَ غَفَّارها
وَصَفراءُ كَالشَّمسِ تَبدو لَنا
وَصَفراءُ كَالشَّمسِ تَبدو لَنا / مِنَ الكأسِ في هالَةٍ مُستَديرَه
يُلاعِبُها الماءُ في مَزْجِهَا / فَيُضحِكَها عن نُجُومٍ مُنيرَه
إِذا جارَ هَمُّ الفَتى وَاعتَدى / رَأَيتَ بِها نَفْسَهُ مُستَجيرَه
فَتُرْوي صَداهُ وَتُدني مُنَاه / وتُرْدي أساه وَتُحْيي سُرورَه
زُجاجٌ وخَمرٌ وماءٌ كَما / تَقولُ هَيُولى وَنَفْسٌ وصُورَه
أَطِرْ عَنكَ نَوْمَكَ وانظُرْ إِلى / نَهارٍ أَفاضَ على اللَّيل نُورَه
كَأَنَّ دُجَى اللَّيلِ لمَّا استَرق / نَمومٌ مِنَ الصُّبحِ يُفْشي سَريرَه
شَرِبْنَا على وَجْهِ بَدرِ السّماءِ / وَنُسْقى على وجه شَمْسِ الظَهيرَه
بفوّاحةِ النَّوْر مُكّاؤها / يُرَجّعُ في كلّ غُصْنٍ صَفيرَه
مَرَت فَوقَها حَلَبَ المُعْصِرات / رِياحٌ لِكُلِّ سَحابٍ مُثيرَه
كَأَنَّ الفَرَزدَقَ في طَيرها / يُجيبُ عَلى كُلِّ شِعرٍ جَريرَه
قَصَرْنا بها طولَ ليلِ التّمامِ / بِعَيشٍ هَنيءٍ عَدِمْنَا نَظيرَه
كَأنَّ الكؤُوسَ بِأَيدي السَّقاةِ / خُيولٌ عَلى الهَمِّ مِنَّا مُغيرَه
وَطِيبُ النَّعيمِ لَهُ ساعَةٌ / تُعَدُّ وإِن هِيَ طالتْ قَصيرَه
غَشِيَتْ حِجْرَهَا دُموعيَ حُمْراً
غَشِيَتْ حِجْرَهَا دُموعيَ حُمْراً / وَهْيَ مِنْ لوعةِ الهوى تَتَحَدّرْ
فَانزَوَتْ بِالشَّهيقِ خَوفاً وَظَنَّتْ / حَبَّ رُمَّانِ صَدرِها قد تَنَثَّر
قُلتُ عِندَ اختِبارِها بِيَدَيها / ثَمَراً صانَهُنَّ جَيْبٌ مُزَرَّر
لَم يَكُنْ ما ظَنَنتِ حَقّاً ولَكِن / صبغةَ الوَجْدِ صِبْغُ دمْعيَ أَحمَر
وَنَيْلُوفَرٍ أوْرَاقُهُ مُسْتَديرَةٌ
وَنَيْلُوفَرٍ أوْرَاقُهُ مُسْتَديرَةٌ / تَفَتّحَ فيما بينهنّ لَهُ زَهْرُ
كَما اعتَرَضَتْ خُضرُ التِّرَاسِ وَبَينَها / عَوامِلُ أَرماحٍ أَسِنَّتُها حُمرُ
هُوَ ابْنُ بِلادي كَاغتِرابي اغتِرابُهُ / كِلانا عَنِ الأَوْطانِ أَزْعَجَهُ الدَّهرُ
وَمُطَّرِدِ الأَجزاءِ يَصقُلُ مَتْنَهُ
وَمُطَّرِدِ الأَجزاءِ يَصقُلُ مَتْنَهُ / صَبا أَعْلَنَتْ لِلعَينِ ما في ضَميرهِ
جَريحٌ بِأَطرافِ الحَصى كُلَّما جَرى / عَلَيها شَكا أَوجاعَهُ بِخَريرِهِ
كَأَنَّ حُبَاباً ريعَ تَحتَ حَبَابِهِ / فَأَقبَلَ يُلْقي نَفسَهُ في غَديرِهِ
شَرِبنا على حافاتِهِ دَوْرَ سَكرَةٍ / وأقْتَلُ سُكْراً منه لَحْظُ مديرِهِ
كأَنَّ الدُّجى خَطُّ المَجَرَّةِ بَينَنا / وَقَد كُلّلَتْ حافاتُهُ بِبُدورِهِ
وَقَد لاحَ نَجمُ الصُّبحِ حَتَّى كَأَنَّهُ / مَطرِقُ جَيشٍ مُؤذِنٌ بِأَميرِهِ
كَلِفتُ بِكاساتِ الصّبوحِ مُبَكِّراً / وَكَم بَرَكاتٍ لِلفَتى في بُكورِهِ
هُوَ العيشُ فاغنمْ من زمانك صَفْوَهُ / وَصِدْ قَنَصَ اللَّذَّاتِ قبل مُثيرِهِ
وَزَرقاءَ في لَونِ السَّماءِ تَنَبَّهَتْ
وَزَرقاءَ في لَونِ السَّماءِ تَنَبَّهَتْ / لِتَحبِيكِها ريحٌ تَهُبُّ مَعَ الفَجرِ
يَشُقّ حَشَاها جَدولٌ مُتَكَفّلٌ / بسَقيِ رياضٍ أُلْبِسَتْ حُلَلَ الزَّهرِ
كَما طَعَنَ المِقدامُ في الحَربِ دَارِعاً / بِعَضْبٍ فَشَقَّ الخَصرَ مِنهُ إِلى الخصرِ
يُريكَ رُؤوساً منهُ في جِسمِ حَيَّةٍ / سَعَتْ من حياةٍ في حَدائِقِهِ الخضرِ
فَلا رَوضَةٌ إِلّا استَعارَت لِشُكرِهِ / لسانَ صَباً تَسْري مُطَيَّبَةَ النَّشرِ
وَلَيلَةٍ حالِكَةِ الإِزارِ
وَلَيلَةٍ حالِكَةِ الإِزارِ /
مَدّتْ جناحاً كسوادِ القارِ /
يَحْجُبُ عَنّا غُرّةَ النّهارِ /
عَقَرْتُ فيها الهَمَّ بِالعقارِ /
بِجِسمِ ماءٍ فيهِ رُوحُ نارِ /
في مَجلِسٍ ضَمَّ بَني الفَخارِ /
كَهالَةٍ تَضحَكُ عَن أَقمارِ /
تَزَاحَمَتْ بِأَنْجُمٍ دَراري /
مِن كُلِّ ذِمْرٍ في حِمَى الذِّمارِ /
مُهينُ مَالٍ وَمُعِزُّ جارِ /
يُسْقَوْنَ من ساطِعَةِ الأَنوارِ /
كَثيرَةِ الأَسماءِ وَالأَعمارِ /
أَعبَقَ مِن نَفحَةِ مِسْكٍ دَاري /
أَرَقَّ في حُسْنٍ وَفي احمِرارِ /
مِن ماءِ خَدٍّ راقَ في عجارِ /
تَكادُ ذاتُ القرطِ وَالسِوارِ /
وَالنَّغمُ الرَّطبُ على الأَوتارِ /
إِذ أَسمَعَتنا نَغَمَ الهَزارِ /
يَجري معَ الأَرواحِ في المجاري /
حَتّى إذا ما غَنَّتِ القَمَاري /
مُناغِماتٍ حِزَقَ الأَطيارِ /
صَوافِراً وَالصُّبحُ في الأَسفارِ /
قُمنا لِنَنفي عَرَضَ الخُمارِ /
عَن جَوهَرِ الأَنفُسِ في الصَّحاري /
بِكُلِّ طِرْفٍ سَلْهَبٍ مُطَارِ /
مُوَجَّهِ الإقبالِ والإدبارِ /
إِن بادَرَ السَّبقَ مَعَ المَجاري /
طَارَتْ بِهِ قَوادِمُ النجارِ /
يَتبَعُهُ كُلُّ صَيودٍ ضارِ /
ظامي الضُّلوعِ ضامِرُ الأَخْصارِ /
كَأنَّهُ في عُقدَةِ الزُّنَّارِ /
بِأَعيُنٍ لَم تُغْضِ من عُوّارِ /
كَالجَّمرِ بَينَ الهُدْبِ والأَشفارِ /
تَكادُ تَرمي الصَّيدَ بِالشرارِ /
كَأنَّما يُكَشِّرُ عَن جِمَارِ /
يُعَقِّفُ الأَذنابَ لِلصُّوارِ /
كَأَنَّها عَقاربُ القِفارِ /
وَحاكِمٌ في الوَحشِ بِالتَّبارِ /
أسْرَعُ من برْقٍ ومن إعْصَارِ /
ولَحظَةِ الصَّبِّ على حذارِ /
أَصفَرُ مِن لَونٍ جَنَى بَهارِ /
كَأَنَّما صِيغَ مِنَ النّضَارِ /
آسَدتُه وَالظَبيِ في نِفارِ /
ما بَينَ جَثجَاثٍ إِلى عَرارِ /
فَمَرَّ في غَيمٍ منَ الغُّبارِ /
يُشْكِلُ منه أحْرُفَ الآثارِ /
كَأَنَّما يَطلُبُهُ بِثارِ /
ماذا يُريدُ الظَّبيُ بِالفِرارِ /
مِنِ ابنِ ريحٍ في قَميصِ نارِ /
وَهوَ مَعَ الإِجهادِ وَالإِضرارِ /
يَحذِفُهُ بِيَرْمَعٍ صغارِ /
حَذْفَ المُوَلِّي بِاليَدِ اليَسارِ /
فَلَو تَرانا في انتِزاحِ الدَّارِ /
في رَوضَةٍ كالغادةِ المِعطارِ /
نَأكُلُ مِن صَيدِ أَبي العَقّارِ /
وَنَشرَبُ الصَّهباءَ بِالكبارِ /
ما كُنتُ إِلّا خالِعَ العِذَارِ /
وَرُبَّ صُبْحٍ رَقَبْنَاهُ وقد طَلَعَتْ
وَرُبَّ صُبْحٍ رَقَبْنَاهُ وقد طَلَعَتْ / بَقِيّةُ البَدْر في أُولى بَشَائِرِهِ
كَأَنَّما أدهمُ الظلماءِ حينَ نَجا / مِن أشهَبِ الصُّبحِ ألْقَى نَعْلَ حافِرِهِ
نَظَرتُ إلِى حُسْنِ الرِّياضِ وغَيمُها
نَظَرتُ إلِى حُسْنِ الرِّياضِ وغَيمُها / جَرَى دَمْعُهُ مِنهُنَّ في أَعيُنِ الزَّهْرِ
فَلَمْ تَرَ عَيني بَينها كَشَقائِقٍ / تُبَلبِلُها الأَرواحُ في القَضَبِ الخَضرِ
كَما مَشَطَتْ غِيدُ القِيانِ شُعورَها / وَقامَتْ لِرَقصٍ في غَلائِلِها الحُمْرِ
وساقيَةٍ تَسْقي النّدَامَى بمدّها
وساقيَةٍ تَسْقي النّدَامَى بمدّها / كُؤوساً مِنَ الصَّهباءِ طاغِيَةَ السُّكرِ
يُعَوَّمُ فيها كُلُّ جامٍ كَأَنَّما / تَضَمّنَ رُوحُ الشَّمسِ في جَسَدِ البَدرِ
إِذا قَصَدتْ مِنَّا نَديماً زجاجةٌ / تَناوَلَها رِفقاً بِأَنمُلِهِ العَشرِ
فَيَشرَبُ مِنها سَكرَةً عِنَبِيَّةً / تُنَّوِمُ عَيْنَ الصَّحوِ مِنهُ وما يَدري
وَيُرْسِلُهَا في مائِها فيُعِيدُهَا / إِلى رَاحَتي ساقٍ على حُكمِهِ تَجري
جَعَلنا عَلى شُرْبِ العُقَار سَمَاعَنَا / لُحوناً تُغَنّيها الطُّيورُ بِلا شعرِ
وساقيَنَا ماءً ينيلُ بلا يدٍ / وَمَشروبَنَا ناراً تُضيءُ بِلا جَمرِ
سَقانا مَسَرّاتٍ فَكَانَ جَزاؤهُ / عَلَيها لَدَينا أنْ سَقَيناهُ لِلبَحرِ
كَأَنَّا على شَطِّ الخَليجِ مَدائِنٌ / تُسافِرُ فيما بَينَنا سُفُنُ الخَمرِ
وما العَيشُ إلّا في تَطَرُّفِ لَذَّةٍ / وَخَلْعِ عِذَارٍ فيه مُسْتَحْسَنُ العذر
في كُنْهِ قَدْرِكُ للعقولِ تَحَيّرُ
في كُنْهِ قَدْرِكُ للعقولِ تَحَيّرُ / فَلِذاكَ عنه النَيّرَاتُ تُقَصّرُ
والوَاصِفونَ عُلاكَ مِنّا قَرِّبوا / ما تَرجَموا لِلنَّاسِ عَنهُ وعَبَّروا
أَلقَيتَ عَزمَكَ بَينَ عَيْنَيْ ضَيْغَمٍ / وأباتَ طَيْفُكَ كُلَّ شَيءٍ يُذْعَرُ
وَرَحلتَ في جَوْنِ القَتامِ عَرمرَمٍ / وَكَأنَّهُ لَيلٌ بِوَجهِكَ مُقمِرُ
وَلَئِن قَدِمْتَ وفي اعتِقادِكَ عَوْدَةٌ / فَالبَحرُ من عظمٍ يَمُدُّ ويَجزُرُ
والفتحُ من فَضْلِ الإله ويومُهُ / مُتَقدّمٌ بِالنَّصرِ أو مُتأخِّرُ
لَولا اقتِرابُ الوَقتِ عَن قدَرٍ لَما / فُتِحَتْ على حالٍ لأَحمَد خَيبَرُ
وفَوارِسٍ يَحْمَرُّ مِنْ ضربِ الطِّلا / بِأَكُفِّهم وَرَقُ الحَديدِ الأَخضَرُ
لا غُشَّ جُبْنٍ فيهمُ فَكأنَّهم / سُبكوا بِنِيرانِ الحُروبِ وسُجِّروا
وَمِنَ الرِّجالِ مُرَوَّعٌ ومُشَجَّع / ومنَ السُّيوفِ مُؤنّثٌ ومُذَكَّرُ
ألِفَتْ قلوبُهُمُ الخضوعَ لِرَبِّهِم / والبَأسُ في أَسيافِهِم مُتَكَبِّرُ
يَرْمُونَ أغراضَ الحتوفِ بأنفسٍ / وَوُجوهُها لِعُيونِهِم تَتَنَمَّرُ
وَتَغورُ في هامِ العُلوجِ جَداوِلٌ / لِلضَّربِ مِن أَغمادِهِم تَتفَجَّرُ
مِن كُلِّ وَحشِيِّ الطِّباعِ كَأَنَّهُ / بَينَ القَنا الخَطِّيِّ لَيثٌ مُخْدَرُ
مُتَقَدِّمٌ مِن صَبرِهِ ولِثامُهُ / يَومَ القراعِ أضاتُهُ والمِغفَرُ
صًحِبَت جُيوشُهُمُ جيوشاً يا لها / مِن أبْحُرٍ زَخَرَتْ عَلَيها أَبحُرُ
ويلٌ لِحصنِ لَبَيطَ من يومٍ على / جَنَبَاتهِ يجري النجيعُ الأحمرُ
والرَّوعُ تَثْقُلُ بالرَّدى ساعاتُهُ / وَتَخِفُّ بِالأَبطالِ فيهِ الضُّمَّرُ
يُثْنَى النَّهارُ بِهِ على أَعْقابِهِ / حَتَّى كَأنَّ الشَّمسَ فيه تُكَوَّرُ
والنّقْعُ فيه دُجُنّةٌ لا تَنجلي / والصُّبحُ مِنهُ مَلاءةٌ لا تُنشَرُ
وَلَقَد شَدَدتَ على خِناقِ علوجِهِم / وَأَدارَ رأيَكَ فيهِمُ مُستَبصِرُ
واستَعصَموا بِذُرى أَشَمَّ كَأَنَّهُم / عُصْمٌ أُتيحَ لَها هِزَبرٌ قَسْوَرُ
قَلّوا لَدَيْكَ غنيمةً فكأنّما / أَبقتهُمُ الأَيّامُ فيه لِيَكثُروا
وَلَقَلَّمَا يبقى رمادُهُمُ إذا / طارَتْ بِهِ في الجَوِّ ريحٌ صَرْصَرُ
قامَ الدَّليلُ وما الدَّليلُ بِكاذِبٍ / أَنَّ النَّصارى يُخْذَلونَ وتُنْصَرُ
سكّنْتَ في الآفاقِ من حَرَكاتِهِم / والنَّبضُ من خَوَرِ الطَّبيعَةِ يَفْتُرُ
هلّا أطاقَ الكفرُ جَرَّ قَناتِهِ / لَمَّا تَرَكتَ كُعُوبَها تَتَكَسّرُ
يَومَ العُروبَةِ والعِرَابُ لواعِبٌ / تَكبو على هامِ العُلوجِ وَتَعثُرُ
والفَنشُ يَحصِبُ ناظريه وقلبَهُ / بقوارعِ الأحزانِ يوْمٌ مُعْوِرُ
رَكبَ الغِوايةَ واستبَدَّ برأيِهِ / جهلاً ليَعبُرَ خضرماً لا يُعبَرُ
خُذ في عَزائِمِكَ الَّتي تركَتهُمُ / خَبَراً مَعَ الأيّامِ لا يَتَغَيَّرُ
بِالخيلِ تَحتَ اللَّيلِ يُسْرَجُ حَولَها / في كُلِّ ذابِلَةٍ سِنانٌ أَزهَرُ
وَتَلوكُ من فَقْدِ القَضيمِ شَكائِماً / تُنْهَى بها أفْواهُهُنَّ وَتُؤمَرُ
عَرَكَتْ أَديم الأَرضِ تَحتَ حَوافرٍ / صَخْرُ البلادِ بِوَطئِهِنَّ مُسَخَّرُ
حَتَّى تُغَنّيهِمْ ظُبَاكَ مِنَ الرَّدى / نَغَماً وتسقيهم كؤوساً تُسْكِرُ
جاهَدتَ في الرَّحمَنِ حَقَّ جِهادِهِ / وجَرَى المُلوكُ كما جَرَيتَ فقصَّروا
فَيَبيتُ ناجودٌ وعودٌ حَولَهم / ويَبيتُ حَولَكَ شزَّبٌ وَسَنَوّرُ
وتَفوحُ غالِيَةٌ بِهِم وَذَريرَةٌ / وَهُما دمٌ في بُردَتَيكَ وَعِثْيَرُ
أَعطَتكَ رَيحانَ الثَّناءِ حَديقَةٌ / ظَمِئَتْ وَلَكِن قَلَّما تَستَمطِرُ
وَأَنا العَليمُ بِأَنَّ طَوْلَكَ شاملٌ / وَذُراكَ رَحراحٌ وَجُودُكَ كَوْثَرُ