القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : جَميل صِدقي الزَّهاوي الكل
المجموع : 955
لَقَد كانَ في بَغداد للشؤم يأَمرُ
لَقَد كانَ في بَغداد للشؤم يأَمرُ / عَلى فرقة من فيلق الترك جعفرُ
وَكانَ له زوج وكان ركونُه / إليها كَثيراً فهي تنهى وَتأمر
تسمى زليخاً وَهيَ شمطاءُ فظةٌ / من الناس طراً بالقَساوة تذكر
وكانَ له منها فتاة جَميلةٌ / قَد اِشتَهَرَت واسم الجَميلةِ دلبر
وَجارية في بيته شركسيةٌ / تسمى سُليمى وَهيَ عَذراءُ معصر
مهفهفة رود كأن قوامها / قضيب من الليمون غضٌّ منوَّر
لها نظر كالسيف ماض غرارُهُ / وَوجه كمثل الزهر أَو هو أَزهر
تكاد بفرع طال منه غدائرٌ / ثلاثٌ إذا ما أَسبلتهنَّ تعثر
تَفوق عَلى بنت الأمير بحسنها / وأخلاقها فيما يقال وَيخبر
وَقَد جاءَ أن البنت دلبر نابها / عياء من الجدريّ بالمَوت ينذر
فأنشب فيها الداء أَظفار فتكه / وأعجز من قد كان في الطب يمهر
فَماتَت به في ميعة من شبابها / وَسيقت إلى حيث الأكابر تقبر
إلى حيث لا يرجى مآب لراحل / إليه وَهَل من مورد الموت مصدر
وإن الَّذي قاسَت زليخا من الأسى / عَلى دلبرٍ فوق الَّذي يُتصور
بكتها سليمى بالدموع غَزيرة / وَباتَ عليها قلبُها يتفطر
وَلكن بكاها المستمر لحزنها / عَلى دلبرٍ ما كانَ يُجدي وَيثمر
فإن زليخا كلما بصرت بها / أحست بنار في الجوانح تسعر
فتسخط إذ لا شيء يوجب سخطها / وَتشتمها في وجهها وَتحقِّر
وَترفسها من غير ذنب برجلها / وَتوجع ضرباً بالعصا وَهيَ تصبر
لَقَد أَشفق الخدامُ في القصر كلهم / عليها ولكن من عَلى المنع يجسر
أَبت أن تراها كل يوم جميلة / وَدلبر تبلى في التراب وَتدثر
تَموت بريعان الشَبيبة بنتُها / وَتَحيا سليمى في محاسن تكثر
تَقول أَلا لَيتَ المَنايا تجنبت / فَتاتيَ واحتلت بمن تتخير
وَلَيتَ المَنايا ما تخرَّمْنَ دلبراً / وَغلْنَ سليمى فهي بالموت أَجدَر
وَهَل ذنب هَذا الدهر إذ غال دلبراً / وأَبقى سليمى في الحَياة يُكفَّر
حَياة سليمى بعد ميتة دلبرٍ / من الدهر ذنبٌ فادح لَيسَ يغفر
فدى دلبراً بل ساعةً من حَياتها / كمثل سليمى أَلفُ بنتٍ وأكثر
وَظَنيَ أَنَّ الموت قد كانَ قاصِداً / سليمى فَقالَت إنني أنا دلبر
وَتلك سليمى وَهي تومي لدلبرٍ / فخذها ورح يا موت إنك تقهر
سليمى خدعت الموت حتى دللته / عَلى دلبرٍ إن الَّذي جئت منكر
سأجزيك شراً بِالَّذي قد عملته / من الشر إني يا سليمي لأقدر
أشوه وَجهاً طالَما بجماله / فتنت عيوناً نحو وجهك تنظر
فيصبح منك الوجه قد زالَ حسنه / جَميعاً وَمنه الناس أجمع تسخر
وَصاحَت بخدامٍ لديها فجندلوا / سليمى كشاةٍ بالقساوة تجزر
فقصت زليخا فرعها من أصوله / وَكانَ يَزور الأرض ساعة ينشر
وَنتفت الأهداب منها وحلَّقت / حواجبَ زجاً راق منهن منظر
سمعت عويلاً في دجى اللَيل راعني / وَعلَّ به روعَ الملائكِ أَكبر
فَساءلتُ ما هَذا العويل فقيل لي / فؤادٌ بإيقاع الأذى يتكسَّر
وَقَد كانَت الدار الَّتي نزلوا بها / عَلى دجلة حيث المياه تحدَّر
سليمى اِرتقَت في سطحها بعد هجعة / من الناس في الأطراف وَاللَيل مقمر
تفكِّر في اللَيل الَّذي ازدان جوه / بما فيه من نجمٍ يغيب وَيظهر
وإشراق وجه الماء بالبدر لامعاً / عليه من الأنوار ثوبٌ محبَّر
كأَنَّ الصبا ما أَولع النفس بالصبا / عَلى الماء آلافاً من الماس تنثر
رأَت كل شيء في الطَبيعة غيرها / جميلاً به تجلى العيون وَتبهر
وَلكنها دون الخَليقة كلها / من الوجه يُمحَى حسنُها وَيُغيَّر
أَأَهرب من وجه الرَزايا إِلى الفلا / إلى الغاب إن الغاب لا شك أستر
وَلكنني لا أَهتَدي لسَبيله / فهَل من دَليل لي لدى اللَه يؤجر
وَهب أن لي ذاكَ الدَليل وأنني / هربت فهَل يألو عَن البحث جعفر
إذا ظفرت بي عنده يد سيدي / فإن زليخا من عذابيَ تكثر
وأحسن منه اللوذ بالموت إنه / عَلى غيره عند الضَرورة يؤثر
فإن المَنايا لا يرجعنني إلى / زليخا وإن كانَت بذلك تأمر
أموت أَجل إني أَموت فَفي الردى / نَجاتي الَّتي ما زلت فيها أفكِّر
ألا أَيُّها البدر المنور إنني / سأبلى وَبَعدي هَكَذا أَنتَ تسفر
لأنت سَعيدٌ أيُّها البدر فالتمِعْ / كَما شئتَ لا زالَت بك الأَرض تزهر
فَما لزليخا أَيُّها البدر سلطة / عليك وَلا إن رقت يا بدر توتر
وَداعا فإني أَيُّها البدر لا ترع / إلى الموت من هَذا المَكان سأطفر
وَبعدئذٍ جازى الإلهُ بعدله / بيوتاً بإيقاع الجرائر تعمر
رمت نفسها في دجلة فاِختفت بها / كأن لم تكن شيئاً على الأرض يذكر
تفكرت في أَمر الحَياة فَما الَّذي / تعلمت منه أيها المتفكِّر
تَرى زهرة قد أعجب العين لونها / وفاح لها في الروض عَرفٌ معطر
تهب عليها الريح من بعد ساعة / فتسقط من أَوراقها وَتُبعثر
وَتبصر عصفوراً تزين ريشه / يغرد في عالي الغصون وَيصفر
فَيَلقاه صقر ذو مخالب أَجدَلٌ / فيخطفه من قبل ما هو يشعر
وَمِمّا يسلِّي النفس منيَ علمُها / بأن بقاء الشيء لا يتيسر
فيردى الَّذي قد كانَ للغير مردياً / وَيقهر من قد كانَ لِلناس يقهر
وَلَم تكن الأشياء تفنى وإنما / إلى صورة من صورة تتغير
شتاءٌ وَريحٌ في دجى اللَيل زعزعُ
شتاءٌ وَريحٌ في دجى اللَيل زعزعُ / يَكاد بها سقفُ المنازل يقلعُ
وَرعدٌ يصمُّ الأذْنَ صوتُ دويِّهِ / وَبرقُ سحابٍ بالتتابعِ يلمع
لَقَد حاربت بعض الطَبيعة بعضها / فَذال بها الأدنى وَصال المرفع
سماءٌ بداجي اللَيل قد ثار غيظُها / وأرضٌ بما فيها تئنُّ وَتجزع
لَقَد سمعت في ليلة مثل هذه / إلى الباب سُعدى أنه كان يقرع
فَقالَت وَمنها الخوف بادٍ لزوجها / نَديمُ وُقِيتَ الحادثاتِ أتسمع
فَقامَ وَسُعدى خلفه تسرعُ الخطى / إلى الباب يَسعى في الظلام وَيهرع
وَساءل من هَذا الَّذي جاءَ طارِقاً / بحالك ليلٍ كل ما فيه مفزع
أجيب أَن افتح يا نَديمُ فإننا / بأمر من الوالي أتيناك نسرع
وَسر معنا واحضر إليه معجّلاً / خطاك فَما في الوقت فضل يضيع
فَقالَ عَسى أن تمهلونيَ لَيلَتي / إلى صبحها فالليل داج مروع
فَقالوا له لا ريث في الأمر وَالَّذي / تعذرت يا هَذا به لَيسَ ينفع
فَقالَ لسعدى إنني بعد ساعة / إِلَيك فَلا تَخشي عليّ سأَرجع
وَسار عَلى ومض من البرق لامع / يصاحبهم وَالقَلب بالهم موجع
وَفكر طول الدرب في السبب الَّذي / دعاه إِلى الوالي وَلا شيء يقنع
تَرى هَل شَكاني من شرير أَو اِفتَرى / عدوٌّ بضري فارحٌ متمتع
عَلى كل حال فانتزاعي بليلة / تهول كهذي غير ما أتوقع
وأُدخِلَ في دار بها شُرَطٌ لها / رَئيسٌ علي كرسيِّه متربع
فباغته ذاكَ الرَئيس بقوله / لأَنْتَ إِلى فزّان تُنفى وَتُدفع
جزاءَ كلامٍ في الحكومة طاعنٍ / تَفوهُ به بين الأنامِ فيسمع
فجاوبه وَالقَلب للخوف واجفٌ / وَقالَ بصوتٍ راجفٍ يتقطّع
وَربِّك ما هَذا صحيحاً وإنه / لممّا اِفتَراه المرجفون وأبدعوا
وَلَو شئتَ أحضرت الشهود فربما / إذا أبصروا ما بي من الضر أَقلَعوا
ترفق فإني ذو عيال إذا خلا / مَكانيَ ماتوا في المَجاعَة أجمع
فَلي في مقر الدار زوج وأمها / وَطفل صَغير لَم يزل بعد يرضع
ترى أنني يا سيدي لست جازعاً / لِنَفسي وَلا للنفس تاللَه أضرع
فَقالَ له لا تكثرن فإنما / إرادة مَولانا بنفيك تقطع
فَأُركِبَ بعد السجن في الصبح بغلةً / تُساقُ حثيثاً وَهْوَ يَبكي وَيجزع
مَضت ساعةٌ من بعد أخرى مخوفةٌ / وَلكن نديمٌ لَيسَ لِلدار يرجع
فَزادَ الَّذي في قلب سُعدى من الأسى / عَلَيه وأمسى فكرها يتوزع
تَقول بإشفاق وَفي كل ساعة / إلى الباب من شباكها تتطلع
تأَخر يا أُماه بعد ذهابه / نديمٌ وإن الصبح قد كادَ يطلع
وَما طلب الوالي نَديماً وَما له / لعمرك في شأن الحكومة أُصبُع
وإن الَّذي ما زالَ في الكسب شغله / فَلَيسَ لأبواب السياسة يقرع
أَخاف عليه غدر أَعدائه به / ولست بما تسلين يا أم أقنع
وإن فؤادي أوه يا أم فاِعلمي / يكاد عليه بالأسى يتصدع
فَما ذاقَ طعم النوم للصبح عينها / ومن كانَ ينأى إلفه كيف يهجع
فَلما أَضاء الصبح جاء مخبراً / صديق من الجيران وَالعين تدمع
فأخبر سعدى أن قد استيق زوجها / لفزّان منفياً فَما فيه مطمع
فَصاحَت لِنَفسي الويل مِمّا أَصابَني / لَقَد كانَ واحرّاه ما كنت أَفزع
نأوا بنديمي البر عني فلَيتَني / فداء له مِمّا أصابوا وأَوقعوا
فَفي كل عضو لي أَذىً لفراقه / كأن عَلى جِسمي أراقم تلسع
وَلي بين أَحناء الضلوع لفقده / فؤاد بفورات الهموم مروَّع
تضم بتحنانٍ إلى الصدر طفلها / وَتَبكي كَما يَبكي الحزين المفجَّع
وَتسجع من حزن على فقد إلفها / نديمٍ كَما أنَّ الحَمامة تسجع
تصيح وَتدعو يا نديمُ وَقلبُها / يكاد لآلامٍ به يتقطع
أرى كل فتق سوف يرقع وَهيُهُ / وَلَيسَ عَلى الأيام وهيُكَ يرقع
فقدنا بك الأفراحَ وَالجاهَ وَالغنى / جَميعاً فأنف العيش بعدك أَجدع
قد استَسهَلوا نَفي امرئٍ وليسألوا / فؤادي عَن الهم الَّذي أَتجرَّع
فمن ذا وقد أَقصوك عنّا يعولنا / ومن ذا به عنا الطوارئ ندفع
لَقَد كنتَ لي زوجاً وخلاً محامياً / يرد صروف الدهر عني وَيُمنع
سألزم بيتي غير بارزة إلى / فضاءٍ فَلي في الدار مبكىً وَمجزع
تصاحبني في الدار أمي فإن أَبَت / يصاحبني فيها الأنين المرجع
عَلى أنَّني أَهوى الفضاء فإنه / إِذا ضاقَ صَدري بالهموم موسِّع
وأهوى كذاك الشمس فيه لأنها / عليك إذا ما جئت فزانَ تطلع
اذا هَبَّ أرواح النَسيم فإن لي / فؤاداً إلى مرآك يَصبو وَينزع
وَما سكني في الدار بعدك إنها / بِعَيني إذا لم تسكن الدار بلقع
وَلَو كنتُ آهٍ حاضِراً عند سيره / لكنت له بالدمع مني أشيِّع
يعز علينا أَن يَسير لغربة / نَديمٌ وَلا نَمشي إليه نودع
وَهَل نافعي تشييعه في رحيله / إذا كنت فيما بعد ذلك أرجع
وَلكنني أقتص آثار خطوه / وأَمشي وَراء الظاعنين وأتبع
أضم إلى صدري صَغيريَ واجِداً / وأسعى إلى فزان ركضاً وأهرع
نَعيش جميعاً فيه طول حَياتنا / وإن نابنا فقر هنالك مدقع
وَبَعدَ قَليل مرَّ من نفي زوجها / ألمت بها حمَّى تهد وَتصرع
فجنت بها واختل منها شعورها / زماناً إلى ان جاءَها الموت يسرع
إن الرَّبيع لسيد الأزمانِ
إن الرَّبيع لسيد الأزمانِ / فيه تتم لذاذة الإنسانِ
كَم فيه من زهر يروقك لونه / كَم فيه من روح ومن ريحان
الروض يَزهو نوره في فصله / بِبَدائع الأشكال والألوان
زهر به ثغر الروابي باسم / والجو منه معطر الأردان
في مثل ذلك من زمان مبهج / تَمشي ثلاث كواعب أخدان
لَيلى وَترباها سعادُ وَزينبٌ / يمرحن فوق مناكب الكثبان
مثل الدمى بل فائقات للدمى / في منطق عذب وحسن بيان
من أرفع الأبيات منزلة وقد / جمَّعن كُل محاسن النسوان
فرجحن في الحي النساء صباحة / وَالحي يعبدهن كالأوثان
أَحببن شرح الصدر من أوصابه / فبرزن للصحراء باستئذان
متلاعبات فوق أذيال الربى / وَشعابها كتلاعب الغزلان
ينظمن في سمط الحَرير أزاهراً / فينطنها بالرأس كالتيجان
وَيَضَعنَ منها في الرقاب قَلائداً / تزري بعقد الدرِّ وَالمرجان
لَيلى تغرد أو سعاد وَزينب / تترنمان بأَطيَب الألحان
في روضة غناء يبسم زهرها / عَن أبيضٍ يققٍ وأحمرَ قاني
يَمشين في مرح عَلى أعشابها / مشى القطا الكدري للغدران
من نسوة لعب الصبا بقدودها / لعب الصبا بمعاطف الأغصان
غادرن في المَشي الخيام بعيدة / ما إِن تَرى أَشباحَها العَينان
وَلهون بالأزهار إعجاباً بها / وَجهلن ما أَخفت يد الحدثان
حَتّى التقين عَلى الأباطح بغتة / بمدججين ثلاثةٍ فرسان
فرأوا نساءً كالمها من غير ما / حامٍ بأَبعَد موضع وَمَكان
فأثارهم طمعٌ هناك فهاجَموا / مثل الذئاب تعيث في الحملان
فَعلا الصراخ وَزادهن مخافة / أن لَيسَ ثمَّة من نصير داني
راع المقام فؤادَ لَيلى فاِختفت / في ظهر زينب وَهي في رجفان
تَرنو العيون الى السماء كأَنَّها / تَرجو هبوطَ مفرِّج رباني
وَتذكرت سعد العَشير خَطيبها / نجل الرَئيس عَلى بني حردان
وإذا بنقع ثائر من جنبهم / يَدنو كَزوبعة بغير تواني
وَرأوا هنالك فارساً فإذا به / فرد أَتى يَعدو بلا أعوان
وَعلمن حين نظرن لون جواده / أن ذاكَ سعدٌ فارس الدهمان
فهدأْنَ عند وصوله في وقته / وَشكرن بعد الخوف للرحمن
لما أتاه أن لَيلى قد نحت / مع جارتيها البرَّ للسلوان
رجَّى اللقاء فسار يطلب ظاهراً / بركوبه متصيدَ الغزلان
وَرأى فوارس من بعيد قصدها / غصب النساء فشدَّ في العدوان
قالَت أغث يا سعد إنا نَحتَمي / بك من أولاء الطغمة الخوان
فازورّ من غضب وأوقف طرفه / في القرب يَزفر زفرة الغيران
طلبوا إليه أن يسير لوجهه / وَيكف مدخله بهذا الشان
فأبى وأبدى النصح أَن يتجبنوا / فِعلاً يَسوء صداه في البلدان
واستحقروه إِذ رأوه أمرداً / غرّاً وعدّوه من الصبيان
وَرَماه منهم فارس برصاصة / أشوت فكر يجول في الميدان
وَهوى إليه طاعناً في ظهره / بسنان رمح لان كالثعبان
وارتد يفتقد النساء فأطلقا / ناراً عليه وَلَيسَ كالنيران
فخلا لها لكن أَصابَت رمية / لَيلى قضَت منها لبضع ثواني
صرخت لمصرعها سعادُ وَزينبٌ / جزعاً يذيب القَلب بالأحزان
فهناك شد عليهما بعزيمة / سعد كليث خادر غضبان
فاستأنفا رمياً وكان يداهما / من خوف ما شهداه ترتجفان
فدنا ففرّا فاِستحث جواده / وَهوى هويَّ جوارح العقبان
حتّى إذا لحق الجواد تَضَرَّعَا / متوسلينِ إليه في استئمان
فأبى وَجاشَ بغيظه متذكراً / لَيلى وَمصرعها عَلى التربان
وَسطا وجدَّل واحداً بقناته / وأَطار بالصمصام رأس الثاني
نظر العروس وسيفه متصببٌ / علقاً فظل يجيش في غليانِ
لَم يَدرِ لما راءَها مصروعة / تَبدو بأَحسن منظر مزدان
أَهُناكَ جسم فارقته روحه / للموت أَم روح بلا جثمان
الخد موضوع بجانب زهرة / وَالشعر منبسط عَلى الريحان
يَحلو لِعَين المرء مدُّ يمينها / وَتَروق منها فترة الأجفان
أشجاه منظرها فأسبل عبرة / وَمشى يردد زفرة الوَلهان
حملوا عَلى ظهر المطهم جسمها / وَنحوا منازلَهم بذي سعدان
لما دنوا من حيهم وفشا الَّذي / قَد كانَ قامَت ضجة النسوان
فأقمن من أسف عليها مأتماً / فَتَّتْنَ فيه مرارة الإنسان
ولطمن وجهاً صين من مسِّ الأذى / وَشققنَ جيبَ الواجد الثكلان
وَنشرنَ شعراً للرزية صاغراً / وَخمشنَ خداً ذل للحدثان
والأم بين نوائح وَنوادب / شمطاء تزفر من أحر جنان
تحثو التراب عَلى جوانب رأسها / وَتَصيح من قلب لها حران
فَتَقول وَيلي بل وويل عشيرتي / للرزء يا لَيلى وَللخسران
لَهفي عليك فَقَد تجرعت الردى / ومن الشَبيبة أنت في ريعان
لِلَّه أَنتِ وَما ملكت من النهى / وَجمعت من حسن ومن إحسان
عجلت في الترحال يا لَيلى وَما / قبلت أمك آه من حرماني
ووددتُ أني في مَكانك للردى / غرض وأنك عنه كنت مكاني
وَحرمت عيني أن تراك بملئها / فتركتها وقفاً عَلى الهملان
أطوي الضلوع عَلى فؤاد خافق / وأعض من أسف عليك بناني
أَنتِ العَروس دنا زَمانُ زفافها / لِلَّه ذلك مِن زَفاف داني
أَسَفي عليك يَطول من مقتولة / برصاص أَهل البغي وَالعدوان
أَدرجن بعد الغسل ناعم جسمها / فيما أَطابوه من الأكفان
وَسعى العَشيرة كلهم في حملها / للقبر آخر منزل الإنسان
ما بين باك شارق بدموعه / وَممزق لثيابه وَلهان
دفَنوا العَروس بحفرة وَتَقهقَروا / متأسفين مقرَّحي الأجفان
وَتَبينوا أَحد الرؤوس فأَيقَنوا / أن ذاك رأس معدد الديران
قَد جاءَ متخذاً وَظيفته من ال / والي وَكيل جلالة السلطان
ما زالَ مذ ورد القضاء معدداً / مَع حارسين ملازم الدوران
فَجَرى القَضاء بأن يموت بخبثه / موتاً يخازيه مَدى الأزمان
لمّا هَوى في الهَوى وَطاحا
لمّا هَوى في الهَوى وَطاحا / وَقص منه النوى جناحا
وَخافَ من أَرضه البراحا / بكى عَلى نفسه وَناحا
صبٌّ براه الهوى مصابُ / بكى عَلى غصنه الشبابُ
حَياته كلها اضطرابُ / لَو أنه ماتَ لاستراحا
قد ظنه أَولاً يَسيرا / ثم رآه صعباً عَسيرا
جد لعمري الهَوى أخيرا / وكانَ في بدئه مزاحا
أنهكه السلُّ وَالسهادُ / فودَّ لَو أنه جمادُ
حل بأحشائه فسادُ / عصى فَلا يقبل الصلاحا
لِدائِه في حشاه نحتُ / غدا بأعضاده يفتُّ
له إذا ساءلوه صمتُ / يطارح الألسن الفصاحا
نهاره لا يَكون لَيلا / إلا دعا كالثكول ويلا
لَم يبد لا لِلنَسيم ميلا / ولا إلى برده ارتياحا
آه من الحب ثم آهِ / فإنه مصدر الدواهي
لَو غمسوا الصب في المَلاهي / ما وجدت نفسه اِنشراحا
أَحبابه حمّلوه ذَنبا / لأجله ما حبوه قربا
وَذَنبه كونه محبّا / قد كتم الحب ثم باحا
رأى جمالاً سبى فَقاسى / دون وصول إليه ياسا
بنظرة كانَت اِختلاسا / أحبها كاعباً رداحا
ما زالَ صباً بها أسيراً / يحمل من حبها ثبيرا
سعى إلى قربها كثيراً / لكنه لم يجد نجاحا
تخالفا عند ما تقوَّى / هوى به يرفض السلوّا
فإنه يبتغي دُنوّا / وإنها تبتغي انتزاحا
قَد برّح الحب أَي برحِ / به وأدماه بعد قرحِ
هَذا جَزاء امرئٍ ملحِّ / غدا عَلى غيِّه وراحا
إن الصبابات أعلنتْهُ / وَعذَّبته وأَوهنتْهُ
والأعين النجل أَثخنته / بسيف أَلحاظها جراحا
يا أمَّهُ ويكِ يا أباهُ / قوما إليه وودِّعاه
فإنه لا تفارقاه / يموت في اللَيل أَو صباحا
ما الحبُّ من لبِّ ذي تروِّ / أبعد من قلب ذي عُتوِّ
وليس في الحب من سمو / ما لم يكن خالصاً صُراحا
يَقول وَالعَين ذات سكبِ / هَل أَنا وَحدي رَهين كربِ
أم هذه حال كل صبِّ / قد هَوِيَ الغيد وَالملاحا
غرامها فيَّ قد تمكن / حتى براني كذا وأوهن
إنيَ تاللَه خائف أن / يجتاحني حبها اجتياحا
وَيلاه جار الهَوى عليّا / واِنتزع البين من يديّا
من لَو عَلى البعد منه حيّا / أزال ما فيّ أَو أَراحا
قد آن سيري إلى اللحودِ / حيث بها يَمَّحي وجودي
إنِّيَ يا أعيني فَجودي / لا أَبتَغي رفقة شحاحا
يا ريح مرِّي عَلى خيامِ / فشا بمن حلها غرامي
وبلغي أَهلها سَلامي / تعطُّفاً منك أَو سماحا
من كانَ منها له جوارُ / طابَ له اللَيل وَالنَهارُ
لَها بشط الفرات دارُ / لا سمح اللَه أن تباحا
حالت عهود الحمى حُؤولا / وما تظنيت أن تحولا
فما تُلول الحمى تلولا / ولا يطاح الحمى بِطاحا
يا أم لم فارق الطَبيبُ / دمعك يا أم لي يريبُ
هَل أَنا لا تَكتمي قَريبُ / من أَجَلٍ كانَ لي متاحا
يا ملك الموت لا تعدني / إليك عني إليك عني
حتى يجيء الجواب إني / أَرسلت صبحاً لها الرياحا
نَفسي يا موت فاِمتحنها / عَزيزة أَنتَ لا تهنها
فقبل عود الرَسول عنها / لا أَبتَغي من هنا براحا
كل الَّذين عَن المواطن غابوا
كل الَّذين عَن المواطن غابوا / يا أم إلا أحمداً قد آبوا
يا أم قد جاءَ البَريد ولَم يجئ / من أَحمَدٍ يا أم بعد كتاب
أَخبرته يا أم في كتبي له / أني مرضت فَلَم يوافِ جواب
يا أم إن بقاءَ أحمد غائباً / للصبر مني والعزاء غياب
يا أم في قلبي اضطراب ماله / يا أم عن قلبي الشقيِّ ذهاب
يا أم مثلي وَالزَمان أمضّني / يا أم لَيسَ عَلى البكاء يعاب
ما كانَ ظني أن أَحمد مزمع / عني رَحيلاً لَيسَ منه مآب
يا أم إني اليوم صرت بأَحمدٍ / بعد الوثوق بعهده أرتاب
قالَت لَها الأم الشَفيقة خولة / ما كل ظنّ يا سعاد صواب
أَسعاد أَنت مريضة وأَخاف أن / تزداد فيك من الأسى الأوصاب
لا تَتْهميه بالسلو فَربما / عاقته في أَسفاره أَسباب
قَد يوقف الإنسان عَن منويِّه / ما لَيسَ قبلاً يَحتَويه حساب
لي من تأخر كتبه عنا نعم / عجب إذا فكرت فيه عجاب
لكن ذلك قَد يَكون لباعث / ظني بكشف غطائه كذاب
وَلننتظر يومين بعد فربما / تأتي لنا بحديثه الأصحاب
إنَّ الحَقيقَة عند ذلك تَنجَلي / فَيَزول عنا هَذا الاستغراب
زارَت سعاداً في المَساء صَديقةٌ / للدمع فوق خدودها تسكاب
قالَت لَها ما لي أَراك كَئيبةً / أَرَبابُ ماذا تَعلَمين رباب
لِم أَنت ساكتةٌ بربك أَخبري / هَل عض أَحمدَ للحَوادِث ناب
لا تَكتمي عني مغبة أَحمَدٍ / أَلَهُ بسوءٍ يا رباب أَصابوا
ماذا سمعت تحدثي فَقَد اِلتَوت / مني لأجل بكائك الأعصاب
قالَت عزاءَك يا سعاد تجلدي / فَلَقَد تقوَّض للرجاء قباب
إن اللصوص أَتوا بليلٍ أَحمداً / واِغتاله طمع لهم غلاب
قَد جاءَ في هَذا لِزَوجي قاسم / من صاحبٍ هَذا الصباح كتاب
أَخذت سعاداً رجفة عَصبية / من هول ما سمعت وَضاع صواب
فكأنما نبأُ الفَجيعَة جذوةٌ / وَكأَنَّما إِخبارها إِلهاب
من بعد ما اِحترقت بها اِنقضَّتْ كما / ينقضُّ من كبد السماء شهاب
وَتقلَّبت فوق التراب كأنها / حملٌ تعجَّل ذبحَهُ القصّاب
سقطت وَقَد خطف الرزية لونها / فكأنها فوق التراب تراب
رفعت إليها الأم واطئَ رأسها / وغدت تسائلها وليس تجاب
ثم اِرعوَت من بعد ساعة غيبةٍ / تَبكي كأن عيونها ميزاب
وَتَقول يا أم استبد بحكمه / فيَّ القضاء فَلي عليه عتاب
يا موت إنك أَنت حلو فاِقترب / إنَّ الحَياة من المرارة صاب
يا موت غيري إن يَهبَك فإنني / أنا لا أهابك والحياة أهاب
أمنيتي قد صرت من أمنيتي / أمنيتي أنَّ الحَياة عذاب
يا أم قد أَتَت الحتوف تزورني / أَهلاً وَسهلاً أَيُّها الأحباب
يا أم منها استوهبي لي مهلة / يا أم حتى ترجع الغياب
يا أم إن هناك أحمد يَبتَغي / عوداً إِليَّ ودونه الأبواب
ما تلك أَبوابٌ فَقَد حققتها / بل إنها بين الطَريق هضاب
وكأَنَّما في كل قمة هضبة / يا أم من تلك الهضاب غراب
غربان بينٍ في الروابي وُقَّعٍ / منها يدوّي في الفلا التنعاب
وأَرى الطَريق أمام أَحمد واضحاً / لكن عليه يا سلام ذئاب
يا رب عونك فالذئاب تلوح لي / مثل اللصوص وَفي الأكف حراب
يا أحمد اثبت في مكانك باسلاً / لا يوهننّك منهم الإرهاب
كن حيث أنت وَلا تخف ستجيء من / قبل الحكومة ذادةٌ أنجاب
تأتي لخفرك بعد عشر دقائق / منهم كهولٌ لا تني وَشباب
درء الحكومة عَن رعيتها الأذى / متحتِّم وَلَها الحماية داب
وَسيقبضون عَلى اللصوص وَتَنتَحي / بهمُ السجون وإن ذاك عقاب
وَتَعود مخفوراً إِليَّ مشيعاً / فيُقرُّ هذي العين منك إِياب
يا أم قَد هَجموا عليه بجمعهم / في مرة وَالهاجمون صعاب
يا أم وهو مدافع عَن نفسه / يا أم ما إن أحمدٌ هيّاب
شرعت حراب الهاجمين تنوشه / لِلَّه أحشاءٌ هناك تصاب
قَد خرَّ من أَلم الجراح لجنبه / وَتلطخت بدمائه الأثواب
قَتَلوا حليلي أمسكوهم إنهم / فروا إلى تلك الشعاب وَغابوا
قَتَلوه وَيلي ثم وَيلي غيلة / والقاتِلون أسافلٌ أَذناب
أين الحكومة أين أين رجالها / ناموا وَنوم أولي الحراسة عاب
أخذت تسليها هنالك خولةٌ / وَسحاب همّ سعادَ لا ينجاب
حتىّ قَضَت حزناً وذلك بعدما / عبثت بناعم جسمها الأوصاب
فتبوأت جدثاً به نامَت سقى / جدثاً به نامَت سعاد سحاب
كانَت كعاباً في غضير شبابها / لو أخَّر الموتَ الزؤامَ شباب
أَموتُ بَعيداً عَن دياري وَعَن أَهلي
أَموتُ بَعيداً عَن دياري وَعَن أَهلي / فَمَن يا ترى يَبكي حواليَّ من أَجلي
أَموت غَريباً في رَبيع شَبيبَتي / وَلا صاحبٌ عندي يمرّض أَو يسلي
سَيَقتادُني حتفي إلى الرمس صاغِراً / وَيقطع عَن دنياي سيف الردى حبلي
غداة غدٍ يا لهف نَفسي عَلى غد / يتم عَلى الأيدي إلى حفرة نَقلي
فيحمل نَعشي بعد غسل جنازَتي / إلى القبر ناس لا يهمهمُ حملي
إلى حيث لا شمس النهار مطلة / وَلا اللَيل نظّارٌ بأعينه النجل
إلى جدث داجي القرارة ضيقٍ / يجاور أَجداثاً بُنينَ عَلى تل
غَريب يريد الموت بتلَ حَياته / فَللَّه ما يلقي الغَريب من البتل
سلام عَلى الدنيا سلام عَلى المنى / سلام عَلى المأوى سلام عَلى الأهل
سلام عَلى وادي السلام وَمائه / سلام عَلى الحي المخيم في الرمل
سلام عَلى الشمس المضيئة في الضحى / سَلام عَلى ريح الصبا عقب الوبل
أَلا لَيتَ شعري هَل دجيلٌ كعهده / وَهل سمرات الرمل وارفة الظل
وَهَل حيُّنا منه بذي الأثل نازلٌ / كَما كانَ أَم هَل غادر الحيُّ ذا الأثل
وَهَل عرصات الحي بعدُ عذيةٌ / وَهَل جنبات الحي باسقةُ النخل
لعمرك لا ظل الطريفاء قالصٌ / نهاراً وَلا ماء الطريفاء بالضحل
بلاد سكناها وَنحن من الحمى / بحيث النَسيم الطلق يعبث بالطل
بحيث الرضى معشوشبٌ في رَبيعه / بروضٍ كَما شاءَت مُنى النفس مخضَّل
بلاد بها حَزْنٌ وَسهلٌ تقابلا / فَيا لَك من حزنٍ وَيا لك من سهل
هنالك أَهلي الأقربون فَما بهم / بمجتمعٍ يا نفس بعد الردى شملي
أَموت نعم إني أَموت ومن يَعش / فَلا بد من يوم يموت به مثلي
فَما لي أَراني جازِعاً من منيتي / كأَن لَم يمت في غربةٍ أَحد قَبلي
جزعت لأني للمقابِر راحلٌ / وأَكثر سكان المقابر من شكلي
يدبّ البلى في الجسم منيَ سارياً / مَع الترب من بعضي لبعضي إلى كلِّي
إذا كانَ أَصلي من تراب فإنني / سأَرجع فيه بعد مَوتي إلى أَصلي
لَقَد قالَ ناسٌ شاهدونيَ أنَّني / مصابٌ بداء السل وَيلي منَ السل
وَقالوا التمس فيه طَبيباً مداوياً / فعلك تُشفَى منه قلت لهم علِّي
تجرعتُ كأساً للتغرب مرةً / إلى اليوم في بَطني مرارتها تغلي
ومن بات مسلولاً بمنزل غربة / فإن لَياليه تُمِرُّ وَلا تُحلي
أَتاني كتاب من أبي يستعيدني / فَيا أَبتا إني عن العود في شغل
وَيا أبتا أَخبر حناناً أميمتي / بأنيَ زلِّت بي إلى هوَّةٍ رجلي
وَيا أبتا أنبئ جناناً حليلَتي / بأنيَ مودٍ فلتحافظ عَلى طِفلي
بُنَيَّ رضى عش في سَلامٍ فإنما / حَياتك بعدي يا رضى منتهى سؤلي
فلما قضى نحباً وَطارَ نعيُّهُ / إلى أبويه ضيَّعا الرشدَ من ذهل
فَباتَ أبوه مصلح الدين جازعاً / عَلى نجله البرّ الوَحيد أبي الفضل
وَصكت حنانٌ أمُّه الوجه للأسى / وَعضت بأَطراف البنان من الثكل
عَلى رأسها تحثو التراب بكفها / وَتذرف عَيناها مدامع كالوبل
وَتَمشي بأقدام ضعفن عَن الخطى / إلى زوجها مشيَ المقيَّدِ في الوحل
تَقول له أَنتَ المغرّب لابننا / فأرجعه لي يا بعل واجمع به شَملي
بُنيَّ ليؤذيني عَلى رزئك الأسى / بُنَيَّ وَيغلي في فؤاديَ كالمهل
وَلَو كانَ خطبي فيك سهلاً حملته / بُنيّ ولكن لَيسَ خطبيَ بالسهل
مشيتَ حثيثاً في شبابك للردى / فَيا أَيُّها الماشي حثيثاً عَلى مهل
برغم حنان أَهلك الدهر نجلها / وأَبكى حناناً من حنان عَلى النجل
وأما جنان فَهي عند سماعها / حَديث وَفاة البعل ناحَت عَلى البعل
وَشب الأسى في قَلبها متسرِّعاً / إليه شبوب النار في الحطب الجزل
ذَوى وردُ خديها وبدل لونه / سواد بعينيها يَنوب عَن الكحل
وَخرت عَلى وجه التراب يرجها / غياب وَقالَت وَهي كالشَمس في الأفل
يَقول أناس لي أبو الفضل ميت / لَقَد كذبوا ما مات قط أبو الفضل
لَقَد كذبوا هَذا أبو الفضل قادم / إليَّ سليم الجسم يَمشي عَلى الرجل
لَقَد كذبوا هذا أبو الفضل شخصه / أَتانيَ هش الوجه يَهتز كالنصل
جَميلاً يحييني تبسُّمُه كَما / يحيي التراب البرق في البلد المحل
وفيت بوعد في الرجوع إلي يا / أَبا الفضل لكن بعد طولٍ من المطل
لأنت هوى نَفسي وأَنتَ سرورها / وأَنتَ رَبيع النفس في سنة الأزل
وَدامَت كَذا في حلمها نصف ساعة / فَلما أفاقت منه كانَت بِلا عقل
وَعاشَت لأسبوعين خائرة القوى / تبيت بلا نوم وَتُمسي بلا أَكل
يجيء إليها مصلح الدين سائلاً / فتستر عنه الوجه بالشعر الجثل
وَتوسعه شتماً وبعد دقائق / تقبِّلُ في خضْعٍ يديه وَفي ذلِّ
وَتضحك في الجلَّى وَتَبكي مصابها / بدمع كأمثال اللآلئ منهلِّ
إلى أَن أَتاها الموت يَحبو فَصادَفَت / نجاة به من أَزمة السقم وَالخبل
لَقَد كانَ بعد البعل غلاً حَياتها / فأطلقها كفُّ المَنايا من الغلّ
فَريقان بينهما قَد صفا ال
فَريقان بينهما قَد صفا ال / وفاق زماناً كَما أَعلَمُ
فَماذا الَّذي جرّ بينهما / منازعة نارها تضرم
وَشَمَّرَت الحرب عَن ساقها / وَراحَت لأرواحهم تلهم
وَثار الكميُّ عَلى قرنه / وأزبد للغيظ منه الفم
وَذلك يسقط من رمية / وَهَذا يجندله المخذم
وَصوت المدافع بين الصفو / ف كالرعد في قصفه يهزم
تثير دخاناً من الجانبي / نِ وجه السماء به أقتم
تسابقُ للناس في المأزق ال / قَنابل والأجل المبرم
وَتَقتَحم الحرب أَبطالها / فتسأم وَالموت لا يسأم
بهم أم قشعم احدَوْدقت / فَلا الأمّ كانَت ولا قشعم
فَيا لَكِ من حومةٍ لِلوَغى / يسيل عَلى جانبيها الدم
لَقَد حدْت عنها إِلى جانب / فإن الحياد هُوَ الأسلم
دَعاني لنصرته منهما / فَريق هو الطرف الأظلم
فقلت لهم إن هَذا الخصا / م لي إن ولجت به مؤلم
دعونيَ يا قَوم في عزلتي / فَما أَنا منكم وَلا منهم
وَجيش كمثل اللَيل قد طالَ زحفه
وَجيش كمثل اللَيل قد طالَ زحفه / إذا زالَ جنح منه أعقبه جنحُ
سَيَلقون منا أُمة عَربية / تحارب حتىّ يثخنَ القتلُ وَالجرحُ
يجودون بالأرواح في حومة الوَغى / وأما بأوطان لهم فبهم شح
نقاتل حتى يبصر الموت صبرنا / وَنثبت حتى يأتي النصر وَالفتح
أَقول لِقَومي أَين أَحفاد يعرب
أَقول لِقَومي أَين أَحفاد يعرب / وَأَينَ بَنو فهر وأبناء عدنانِ
وأين الألى يوم الدفاع عهدتهم / عَلى صهوات الخَيل أشباه عقبان
خذوا ثار من قَد طاحَ من شهدائكم / فإن صعيد الأرض من دمهم قاني
لَقَد طلعت شمس النهار مضيئة / عَلى أَوجه تَحكي صحائف أَحزان
قرأت بها ما سطر اليأس والأسى / قراءة من يَتلو الحروف بإمعان
فقلت لقرن الشمس بوركت إنني / رأَيتك للمكروب أحسن سلوان
فدى لك يا جيش المحاماة مهجَتي / فَقَد جئت تَرعى اليوم ديني وأوطاني
إنِ الخصمُ لم يذعن الى ما تقيمه / من القسط كانَ السيف أَصدق برهان
تَراها بكت لما رأَتني باكياً / أكفكف عَن عيني الدموع بأرداني
دجلة لا تخرج من حوزنا
دجلة لا تخرج من حوزنا / وَنَحن أَحياء عَلى الأرض
إلا إذا متنا وعم الردى / فدجلة حينئذ تَمضي
لَقَد نهضنا اليوم حفظاً لها / من الأعادي أيما نهض
كتائب تزحف في طولها / وَالبعض مرصوص إلى بعض
شعري لكم قد جاء مستنهضاً
شعري لكم قد جاء مستنهضاً / من غير تَعقيد وإغلاقِ
إن كانَ لا ينهض شعري بكم / مزقت من غيظي أوراقي
لأنت جَدير بالظهور عَلى العدى
لأنت جَدير بالظهور عَلى العدى / وَأَنتَ بتأييد الخلافة أَجدَرُ
جهادك يفشي البرقُ أخبار نصره / وَفوزك في كل الجَرائد ينشر
وَفعلك في الأفواه يتلى وَفي الوَرى / يشيع وَفي التاريخ بعدك يذكر
يود العلى والحق أَنَّك كلما / تقابل أعداء السلامة تظهر
إليك عيون المسلمين بأسرهم / عَلى بعدهم في الشرق وَالغرب تنظر
لَقَد صَحَّ أن الضعف ذل لأهله / وأن عَلى الأرض القويّ مسيطر
وأن اقتحام الهول أقصر مسلك / إلى المَجد إلا أنه متوعر
هيَ الحَرب تعلي أُمةً فتزيدها / نشاطاً وَتُشقي أمة وَتؤخر
وَلا حكم إلا للأسنة وَالظُبى / وَللنار فهي اليوم تنهى وتأمر
وَشتان بين الجند قد هبَّ زاحفاً / وَجند تولى وَهو بالخزي يعثر
وَما هذه في الدهر أَول مَرَّة / رأى الحق فيها الظالِمون فأنكروا
بغوا مرة من بعد أخرى فَنالهم / أذى البَغي وَالتاريخ أَمر مكرر
لَقَد جاسَ جيش الحق أرض عدوه / كَما غاصَ في صَدرٍ طوى الحقدَ خنجر
لَهفي وَلهف بني عدنان قاطبةً
لَهفي وَلهف بني عدنان قاطبةً / عَلى الشَفيق عَلى إخوانه العرب
يساق وَهوَ محاط بالحراب كَما / تحاط من جانبيها العين بالهدب
عجبت من حرد السفاك حين رأى / أَذياله خضلات بالدم السرب
ما لوث الدم عمداً ذيل سافكه / حتىَ يقال جريء غير ذي أَدَب
وَغى نشبت تلو الحَمامة واِنتهَت
وَغى نشبت تلو الحَمامة واِنتهَت / بهلكة شبان كرام المضاجعِ
تهول بدباباتها فوق برها / وَترهب في دأمائها بالدوارع
وَتقذف طياراتها نار غيظها / فتفتك بالأجناد أَو بالطَلائع
فَما ناظر إلا بَريق صواعق / وَلا سامع إلا هَزيم مدافع
تملكها جيش يؤلف وحدة / عَلى ما لَهُ من كثرة في المَنازِع
بأيدٍ لآذان العتو صوالمٍ / وأخرى لآناف الغرور جوادع
وَلَقَد تَزول الحرب عَن أرضٍ بها
وَلَقَد تَزول الحرب عَن أرضٍ بها / شبت وَتَبقى فوقها الأشلاءُ
تَبغي المدافع هدم أَية قرية / فَلَها عَلى شط الفرات رغاء
جَرَت الدموع عَلى دماء قَد جَرَت / وَجرت عَلى تلك الدموع دماء
وَرأَيت في الصبح الشيوخ جميعهم / يدعون لَو نفع الشيوخَ دعاء
لَقَد تشتت من خوف ومن ندم
لَقَد تشتت من خوف ومن ندم / جيش حوالي ديالي كان محتشدا
ما كنت أَرجو عَلى علمي بنزعتها / أن يَبدو الشر من أبنائها فبدا
أحزم بناس رأوا في أَرضهم فتناً / فَلَم يَكونوا لمن قاموا بها عضدا
فتنٌ عمَّت البلاد فَما أغ
فتنٌ عمَّت البلاد فَما أغ / نى عَن المرء أَهله وَالعَشيرُ
وإذا ثارَت الجَماعَة يوماً / فَهيَ قَد لا تَدري لماذا تَثور
هي الوغى فَلِنَنْظُرْ من يَموت بها
هي الوغى فَلِنَنْظُرْ من يَموت بها / وَمن هنالك من نيرانها ناجي
البَر من وثبان للصفوف به / كالبحر يضرب أَمواجاً بأمواج
ما كنت أَعلم أَن يجيء زَمانُ
ما كنت أَعلم أَن يجيء زَمانُ / يرقى إلى السروات فيه هوانُ
ثقل المَريض وَلا أَقول ببرئه / حتىّ يَزول هنالك البحران
الحرب أَول ما تثور عجاجة / وَالنار أَول ما تشب دخان
ثارَت عَلى شرق الفرات وَغربه / حربٌ كَما شاءَ الدفاع عوان
الناس طراً في العراق تقاربوا / من بعد ما اِبتعدت بهم أضغان
كانوا خصوماً ثم حاقَت فتنةٌ / وإذا الخصوم كأَنهم إخوان
ما فازَ بالظفر امرؤٌ
ما فازَ بالظفر امرؤٌ / في الحرب إلا بالثبات
أطر الشجاعة في الرجا / ل فتلك من خير الصفات
إن المَصير إذا استكا / نت أمة لإلى الشتات
تُبنى صروح الغالبي / نَ عَلى الجماجم وَالرفات

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025