المجموع : 315
عَزَفَت نَفسِيَ عَن هَذا الوَرى
عَزَفَت نَفسِيَ عَن هَذا الوَرى / بَعدَما حَلَّت نُضارٌ في الثَرى
فَبِسَمعِي صَمَمٌ إِن حُدِّثُوا / وَبِعَيني نَبوَةٌ أَن تَنظُرا
كَيفَ لِي عَقلٌ بِأَن أَصحَبَهُم / لا أَرى وَجهَ نُضار النَّيِرا
لا وَلا أَسمَعُ مِن أَلفاظِها / كُلما قَد أَبرَزَتها دُرَرا
لَو نُظِمنَ كُنَّ زُهرَ أَنجُمٍ / أَو نُثِرنَ كُنَّ زَهراً أَنوَرا
إِن تَكُن عَن مُقلَتي قَد حُجِبَت / فَبِقَلبي شَخصُها قَد صُوِّرا
قَد لَزِمتُ تُربَةً حَلَّت بِها / عَبِقَت طيباً وَمِسكاً أَذفَرا
حَلَّ فيها العلمُ وَالفَضلُ الَّذي / كانَ عَنها في الوُجوهِ اِشتَهَرا
لَم تَكُن أُنثى تُوازي فَضلَها / هَل يُوازي الصَخرُ يَوماً جَوهَرا
تَلَتِ القُرآنَ غَضّا مُعرَبا / لَيسَ تَصحيفٌ وَلا لَحنٌ عَرا
وَوَشَت بِالحِبرِ في مُهرَقِها / وَشيَ خَطٍّ قَد تَجَلّى أَسطُرا
بِحَديثِ المُصطَفى وَالفقهِ وَالن / نَحوِ وَالشعرِ الَّذي قَد حُبِّرا
إِنَّ ذا العيدَ فيهِ غابَت نُضارُ
إِنَّ ذا العيدَ فيهِ غابَت نُضارُ / وَأَخوها فَما لِقَلبي قَرارُ
أَدمُعي تَرتَمي عَلى الخَدِّ سَكباً / وَفُؤادي مُضطَرِمٌ فيهِ نارُ
صَحِبا مِن ودادِها وَسطَ قَلبي / كُلَّ وَقتٍ لَهُ إِلَيها اِدِّكارُ
وَأَخاً خَيِّراً عَفيفاً حَييّاً / قَد زَكا فَرعُهُ وَطابَ النِجارُ
أَوحَشَت مِنهُمُ الدِيارُ وَسارُوا / بِهِمُ تَأَنَسُ الرُبا وَالقِفارُ
حمِلَت مِنهُم الجمالُ جمالاً / ساطِعاً مِنهُ لِلوَرى أَنوارُ
أَشرَقَت بِالنَهارِ مِنهُم شُموسٌ / وَتَجَلَّت في لَيلِهم أَقمارُ
عَبِقَت مِن شَذاهُمُ الأَرض لَمّا / وَطِئُوها فَتُربُها مِعطارُ
قاصِدينَ الحِجازَ لِلحَجِ راحُوا / لَهُمُ الذِكرُ وَالقُرآنُ شِعارُ
بَلَغُوا كَعبةَ الإِلَهِ وَحَجُّوا / فَبِها حُطَّت عَنهُم الأَوزارُ
ثُمَ زارُوا لِلمُصطَفى خَيرَ قَبرٍ / فيهِ خَيرُ الخَلائِقِ المُختارُ
حَنَّ قَلبي لِصالِحٍ وَلَعَمري / إِنَّ تَرحالهُ لَفِيهِ اِعتِبارُ
حَجَّ طِفلاً مَع أُمِّهِ وَأَبيهِ / نالَ ما لَم تَنَلهُ قَطُّ الصغارُ
هُم أُناسٌ حَجُّوا وَزارُوا وفازُوا / ساعدتهُم في ذَلِكَ الأَقدارُ
وَأَنا الشَيخ أَخَّرتني ذُنوبي / فَعَسى أَن يُسامِحَ الغَفّارُ
خَلَّفوني وَحدي غَريباً فَريداً / كُلَّ حينٍ يَشُوقُني التَّذكارُ
أَتُراني أَحيا أُشاهِدُ حَيّانَ / وَتَبدُو لِناظِرَيَّ نُضارُ
زَهرتا مُهجَتي وَنُورا فُؤادِي / وَأَنيساي إِن عَراني اِفتِكارُ
فارَقاني شَهراً وَشَهراً وَشَهراً / ما لِقَلبي عِلى الفِراقِ اِصطِبارُ
يا نَسيمَ الصَبا أَلا احمِل سَلامي / للأَحبّاءِ حَيثُ شَطَّ المزارُ
قُلتُ لِلنَفسِ وَهيَ ذاتُ اِضطّراب / اِستَكِني فَقَد تَقَضّى السِفارُ
قَد أَتانا مُبَشِر بِالتَداني / وَغَداً تَجمَعُ الحَبيبَ الدِيارُ
غَدَت أَعيُنٌ لِلناسِ رُمداً مُصابَةً
غَدَت أَعيُنٌ لِلناسِ رُمداً مُصابَةً / بِعَينيكَ إِنَّ السِحرَ مِنها يُؤثِّرُ
وَكَم أَثَّرَت عَيناكَ في أَعيُنِ الوَرى / إِلى أَن غَدَت في نَفسِها تَتَأَثَّرُ
كَذا الصارِمُ الصَّمصامُ إِن دامَ قاطِعاً / يَصِر فيهِ مِنهُ عِندَ ذاكَ تَأثُّرُ
أَرى كُلَّ عُضوٍ في الفَتى نافِعاً لَهُ
أَرى كُلَّ عُضوٍ في الفَتى نافِعاً لَهُ / سِوى واحد فيهِ جَلوب لَهُ الضرّا
فَأَقبِح بِهِ عُضواً يولِّدُ أَفرُخاً / وَيُكسِبُهُ ذُلاً وَيُعقِبُهُ فَقرا
وَلَو أَنَّهُ يُكفاهُ عاشَ مُمَتَّعاً / بِدُنياهُ مَرجُوّاً لَهُ الفَوزُ في الأخرى
قُل لِقاضي القُضاة شَيخِ البَرايا
قُل لِقاضي القُضاة شَيخِ البَرايا / يا إِماماً حَوى الفَرائدَ طُرّا
كُنتُ قَد سُمتُ في القَلائد بَيعا / فَأَتى الهَيثَمي لِذَلِكَ نُكرا
إِنَّ بَيني وَبَينها نسبة العر / بِ لِذاكَ اِهتَزَزتُ للعُربِ ذِكرا
إِن تَكُن نُسخَةٌ سِواها لَدَيكُم / فَلتَجُد وَاغتَنِم ثَناءً وَشُكرا
كَم مَديحٍ في جدِّكُم لعَليٍّ / وَحَبيبٍ قَد طَبَّقَ الأَرض نَشرا
مَن يَك القاسِمُ الهُمام أَباهُ / طابَ بَينَ الأَنامِ فَرعاً وَنَجرا
أَسحرٌ لِتلكَ العَينِ في القَلبِ أَم وَخز
أَسحرٌ لِتلكَ العَينِ في القَلبِ أَم وَخز / وَلينٌ لِذاكَ الجسمِ في اللَمسِ أَم خَزُّ
وَأملود ذاكَ القَدّ أَم أَسمَرٌّ غَدا / لَهُ أَبَداً في قَلبِ عاشِقِهِ وَهزُ
فَتاة كَساها الحُسنُ أَفخرَ مَلبَسٍ / فَصارَ عَلَيهِ مِن مَحاسِنِها طرزُ
وَأَهدى إِلَيها الغُصنُ لينَ قوامِهِ / فَماسَ كَأَنَّ الغُصنَ خامرَهُ العِزُّ
يَضوعُ أَديمُ الأَرضِ مِن نَشر طيبِها / وَيخضَرُّ في آثارِها تُربُهُ الجرزُ
وَتَختالُ في بُردِ الشَبابِ إِذا مَشَت / فيُنهِضُها قَدٌّ وَيقعِدُها عَجزُ
أَصابَت فُؤادَ الصَبِّ مِنها بِنَظرَةٍ / فَلا رُقيةٌ تُجدي المُصابَ وَلا حِرزُ
أَقامَ زَماناً وَهوَ أَخرَسُ باهِتٌ / فَإِن رامَ تَكليماً يَكونُ لَهُ رَمزُ
وَلَو أَنَها تَسخو بِأَدنى وِصالِها / لأَقنَعَهُ المسكينُ مِن لَحظِها غَمزُ
أَهزَّكَ وَالكَريمُ لَهُ اهتِزازُ
أَهزَّكَ وَالكَريمُ لَهُ اهتِزازُ / وَمثلُكَ مَن يُجيزُ وَلا يُجازُ
أَعِزَّ الدينِ لا تُهمِل مُحِبّاً / لَهُ بِكُمُ اِعتِلاءٌ وَاعتِزازُ
وَأَصلُكَ في المَكارِمِ أَيُّ أَصلٍ / جَميعُ المَكرُمات لَهُ تُجازُ
وَإِنَّكَ فَرعُهُ الزاكي أُصولاً / إِذا أَصلٌ ذكا كَرُمَ النِحازُ
كَسَوتَ المُتَقينَ ثِيابَ عِزٍّ / لَها مِن رَقمِ جودِكُمُ طِرازُ
وَأَثَّرتَ الأَثيرَ بِكُلِّ خَيرٍ / فَصارَ لَهُ لعلياكَ انحيازُ
حَديثُ الجودِ عَن جَدواكَ تروى / حَقيقَتُهُ وَغَيرُكُمُ مَجازُ
فَما مِن رايَةٍ لِلمَجدِ إِلا / لَها بِفَناءِ مَنزِلكَ اِرتِكازُ
وَما مِن فُرصَةٍ في الخَيرِ إِلا / لَها مِن جودِ جُودِكُمُ انتِهازُ
فَأَبقاه الإِلهُ قَريرَ عَينٍ / عَليكَ لَهُ اِحتراسٌ وَاحتِرازُ
أَهاجَكَ ربعٌ حائِلُ الرَسمِ دارسُه
أَهاجَكَ ربعٌ حائِلُ الرَسمِ دارسُه / كَوَحيِ كِتابٍ أَضعفَ الخَطَّ دارِسُه
غَدا موحِشاً بَعدَ الأَنيسِ وَلَم يَكُن / لِيوحش إِلا وَهوَ قَد بانَ آنسُه
تَبدَّل مِن لَمياءَ ريماً وَقَلَّما / يُجانِسُها ظَبيُ الفَلا أَو تُجانِسُه
وَهَب أَنَّهُ يُحكى بجيدٍ وَمُقلَةٍ / فَأينَ لَهُ لَدنُ الأَراكِ وَمايِسُه
غنينا زَماناً آمِنينَ بِغِبطَةٍ / فَفَرَّقَنا صَرفٌ مِن الدَهرِ بائِسُه
زَمان يُلَبّي القَلبُ داعِيَ صَبوَةٍ / وَيَسبي حِجاهُ ناغِش الطَّرفِ ناعِسُه
مِن الترك لَم يُربَع بِنَجدٍ وَإِنَّما / رَبا في عَرينِ اللَيثِ وَاللَيثُ حارِسُه
فَلا وَصلَ إِلا مِن تَلَفُّتِ نَظرَةٍ / تجاهِرُهُ حيناً وَحيناً تُخالِسُه
غَرَستُ بِلَحظي الوردَ في وَجَناتِهِ / وَلَكنَّهُ لا يَجتَني مِنهُ غارِسُه
جَميلٌ كَأَنَّ الحسنَ خُيِّرَ فَاغتَدى / خصيصاً بِهِ إِذ لا نَظيرَ يُنافِسُه
فَلِلشَمسِ ما تُبديه غُرَّةُ وَجهِهِ / وَللكثبِ ما تُخفيهِ مِنهُ ملابِسُه
جَرى فَجرى الضرغامُ في أَجَماتِهِ / غَدا وَهوَ جَهمُ الوَجهِ أَربد عابِسُه
بَراهُ الطَوى حَتّى كَأَنَّ زَئيرَهُ / بُغامٌ وَشَبحاً مِنهُ واراهُ رامِسُه
فَمرَّ بِهِ خيطٌ مِن الوَحشِ آنَسَت / سَنا مُقلَةٍ تَدنُو وَصَوتاً يُهامِسُه
فَفَرَّت هَوادِيها وَأفردَ قَرهَبٌ / مُذلَّق مَدرىً مُهلِكٌ مَن يُراعِسُه
أَقاما زَماناً وَهوَ قَد ضَبَئَت بِهِ / بَراثنُ فيهِ فَهوَ لا شَكَّ فارِسُه
بِأَفتكَ مِنهُ حينَ يَرنُو بِمُقلَةٍ / تُريكَ الرِضى وَالمَوتُ فيهِ مُلابِسُه
وَدَويَّةٍ تَيهاءَ غُفلٍ سَلَكتُها / وَجنحُ ظَلامِ اللَيلِ تَسطو حَنادِسُه
قَصِيّةُ أَرجاءٍ قَريبَةُ متلَفٍ / يَظَلُّ بِها الخَرِّيتُ يَحتارُ هاجِسُه
وَقَد سَلَكت فيها السَعالى مُلاوَةً / فَخافَت بِها إِذ لَم تَجِد مَن تُلابِسُه
إِذا عَزَفت لَيلاً أَجابَ لَها الصَدى / يَطِنُّ بِهِ طامٍ مِن القُفِّ طامِسُه
وَمنهلُ قَلتٍ وَسطَ قُنَّةِ شامِخٍ / تُلَطِّفُهُ في كُلِّ حين رَوامِسُه
وَتُنقِصُهُ يُوحٌ بِحَرِّ سُمومِها / فَيُربيه مُنهَلُّ الغَمامِ وَباجِسُه
تَظَلُّ سِراعُ الفَتخ يسقطنَ دونَهُ / فَلَيسَ لَها وردٌ وَقَد عَزَّ لامِسُه
وَرَدَّت وَقَد مَجَّت ذُكاءُ لُعابها / بِنحرِ فَتىً حرُّ الهَجيرِ يُوانِسُه
بِقَلبٍ تَكادُ النارُ مِن نَفَيانِهِ / تُشَبُّ وَيُوري شُعلَةً مِنهُ قابِسُه
وَبحرٍ كَثيفِ الجانِبَينِ عَرَمرَمٍ / تضيءُ لَنا مثلُ الشُموسِ فَوانِسُه
وَقَد مَلأَ الأَرضَ الفَضاءَ كَأَنَّما / تُمَدُّ بِأَملاكِ السَماءِ فَوارِسُه
إِذا ماجَ بِالأَرضِ ابذَعَرّت وُحوشُه / وَضاقَت بِهِ أَنجادُهُ وَأَواعِسُه
مَطوتُ بِهِ في السَيرِ في طَلَبِ العِدا / عدا الدين حَتّى عادَ للدينِ شامِسُه
عَلى رَبذٍ سامي التَليلِ كَأَنَّهُ / يُعارضُهُ مِن أَشهبِ البَرقِ ناخِسُه
عَبوثٍ بِأَشلاءِ اللجامِ كَأَنَّما / بِهِ أَولَقٌ حَتّى لَقَد ضَجَّ سايِسُه
وَغَيث وَليّ في قَرارةِ وَهدةٍ / أَقامَ بِهِ رَطبُ النَباتِ وَيابِسُه
بعيدٌ عَن الروّادِ لَيسَ بِمَعلَمٍ / مَخُوفٍ بِهِ الآسادُ تَسطو عَنابِسُه
مَلاعِبُ ضِرغامٍ مَزاحِفُ ضَرزَمٍ / قَتولٌ بِنَفثِ السُمِّ من هُوَ دايِسُه
إِذا انسابَ في يَبسٍ يَمُرُّ كَأَنه / حَريقٌ تَلظّى أَو خَريقٌ نُلامِسُه
فَما يَأتِ مِن وَحشٍ لوردٍ فَإِنَّهُ / يُناهِشُهُ هَذا وَذاكَ يُناهِسُه
فَكائن بِهِ مِن آهبٍ قَد تَمَزَّقَت / وَشِلوِ لجام ماتَ مَن هُوَ ناهِسُه
هَبَطتُ وَفي كَفّي رَسُوبٌ كَأَنَّهُ / سَنا البَرقِ وَهناً لاحَ وَاللَيلُ دامِسُه
وَراحَ أَبُوها ابنُ الغَمامِ وَأمُها / اِبنَةُ الكَرمِ عَرشاً طابَ مِنهُ مَغارِسُه
صَفَت فَأَرَتنا ذاتَها مِن إِنائِها / وَلاحَت لَنا لَونينِ قانٍ وَوارِسُه
جَلوبٌ لأَنواعِ السُرورِ تهونُ في / صِيانَتِها نَفسُ الفَتى وَنَفائِسُه
وَتُكسِبُ عَقلَ المَرءِ بَأساً وَنائِلاً / فَتُخشى عَواليهِ وَتُغشى مَجالِسُه
تَمَزَّزتُها صِرفا فَعاثَت بِنهيتي / تُريني مُليكاً كِسرَوِيّاً أفاعِسُه
وَرَوض يَفاع نادَمَتهُ لطائِف / مِن المُزنِ تَندى وَهوَ وَطفٌ نَواعِسُه
فَتُشرِقُ فيهِ الشَمسُ تُلقي شُعاعَها / عَلَيهِ فَيَبدو وَهوَ تُجلى عَرائِسُه
أَقَمتُ بِهِ يَوماً أُغازِلُ جُؤذَراً / مِن التُركِ أَخطا من بِشَمسٍ يُقايِسُه
وَيَوماً أُعاطِي قَهوَةً ذَهَبيَةً / أَخا ثِقَةٍ خِلاً قَليلاً وَساوِسُه
وَيَوماً أُغادي للسماعِ لِغادَةٍ / لَطيفة جسِّ العودِ يُطرِبُ نامِسُه
وَيَوماً أجيلُ العَينَ في زَهَراتِهِ / أُشاهِدُ مَخلوقاً غَريباً مَقايِسُه
فَمِن أَحمرٍ في أَخضَرٍ مَعَ أَصفَرٍ / وَأَبيضَ مَع مسودِّ لَونٍ يُجانِسُه
وَيَوماً لهوناهُ بغَرثانَ أَدرَعٍ / لَهُ أنيبٌ عُصلٌ وَلَحظٌ يُشاوِسُه
يسُوف ترابَ الوَحشِ أَينَ مَقَرُّهُ / فَيُغنيهِ عَن لَمحِ العُيونِ مَعاطِسُه
فَكَم إجَّلٍ أَردى وَكَم قَرهَبٍ فَرى / فَلا خُزَزٌ ناجٍ وَلا هِقل يائِسُه
إِذا نَحنُ أَشليناهُ أطلقتُ تابِعاً / لَهُ أَسفَعَ الخَدينِ ذُلقا نَواهِسُه
فَحلَّقَ صُعداً ثُم أَبصَرَ بِالصُوى / ثعالةَ يردى وَهوَ بَهرٌ مَنافِسُه
فَسامَتهُ وَانقَضَّ يلطُمُ وَجهَهُ / جَناحاهُ وَالغرثانُ وافى يُمارِسُه
وَلم يَبرَحا حَتّى أَفاتاهُ نَفسَهُ / فَمِن دَمِهِ يَروى لغوبٌ وَلاحِسُه
فَيا حَبَّذا يَومٌ وَثانٍ وَثالِثٌ / وَرابعُ يَومٍ طابَ وَاليَوم خامِسُه
لَقَضَّيتُ أَيّامي بِأُنسٍ وَلَذَّةٍ / فَخامِسُها يَتلوهُ في الأُنسِ سادِسُه
وَدَيرٍ بِمَوماةٍ قَصِيٍّ عَن الوَرى / يَدُلُّ عَلَيهِ التائِهينَ نَواقِسُه
حَوى مِن بَناتِ الرومِ أَقمارَ غَزلةٍ / وَولدانَهُم حَتّى لَغَصَّت كَنائِسُه
تَناظَرَ فيهِ الحُسنُ أَينَ مَقَرُّهُ / أداماتُهُ يَختارُها أَم شمامِسُه
طَرَقتُ وَسيدُ الخرقِ يَغسِلُ ساغِباً / وَقَد راءَ قِرناً لا تُرامُ مَخالِسُه
فَأَقعى قَليلاً ثُم يطفِرُ طامِعا / فَأَعجَلَه سَهمٌ عَن القَصدِ حابِسُه
وَأَوجَرتُهُ خَطِّيَّةً ثُمَ مَخذماً / فَقَد قُطِعَت أَوصالُهُ وَكرادِسُه
وَكُنتُ بِمَرأى مِن ذَوي الدَّيرِ فَاِغتَدى / عَلى راحَتي مَسحاً وَلَثماً قَساوِسُه
أَرَحتُهُمُ مِن غاشِمٍ كانَ دَأبُهُ / إِذايَتَهُم وَالظُلمُ يَردى مَلابِسُه
وَأَشمط بَهّاتٍ غَريبٍ مُمَزَّقٍ / رَميةِ أَفّاقٍ كَثير دَهارِسُه
فَفي السِيمِيا وَالكيميا مَع طَلاسِمٍ / وَزُرقٍ وَأَوفاقٍ وَرَملٍ خَلابِسُه
وَرميٍ وَتَنجيمٍ وَضَربٍ لِمَندَلٍ / وَإِحضارِ عفريت وَجِنٍّ يُهامِسُه
وَتَغويرِ ماءٍ وَاحتِفارِ مَطالِبٍ / وَضَربِ حَصىً وَالسُمُّ جُدِّعَ عاطِسُه
وَرُؤيا مَناماتٍ وَسَمعٍ لِهاتفٍ / وَدَعوى كَراماتٍ وَخُضرٍ بَواجِسُه
يُداهِي عُقول الناسِ إِذ دَسَّ نَحوَها / مُحالاتِهِ وَالشَيخُ جَمٌّ دَسائِسُه
رَآني أَخا صَمتٍ وَسَمتٍ فَظَنَّني / تُؤثِّر في المُوهِماتُ هَوادِسُه
وَلَم يَعرف المسكينُ أَنّي أَنا الَّذي / قَرَأتُ حُروفاً لَم تُجزِها قَراطِسُه
وَدَرَّستُ فَنَّ العِلمِ حَتّى لَقَد غَدَت / مَحافِلُهُ بي تَزدَهي وَمَدارِسُه
وَصَنَّفتُ فيهِ عِدَّةً مِن صَحائِفٍ / تَضيَّقُ عَنها إِذ تُعَدُّ فَهارِسُه
وَكَم بَيتِ شعرٍ قَد وَضَعتُ عِمادَهُ / عَلى بَحرِ علمٍ فيهِ بَحري دايِسُه
وَمِن فِقَرٍ قَد غُصتُ في البَحرِ مُخرِجاً / لآلئَها ذهني لَها هُوَ غاطِسُه
إِذا قَرَعَت سَمعَ الحَسودِ فَإِنَّهُ / يُرى وَهوَ غَيظا باهِتَ الطَرفِ ناكِسُه
وَمَيدانِ علمٍ قَد حَضَرتُ وَلَم يَكُن / لِغَيري إِحضارٌ بِهِ أَنا فارِسُه
إِذا قُلتُ أَصغى أَهلُهُ وَتَفهَّموا / غَوامضَ قَد أَعيت عَلى مَن يُجالِسُه
لَنَوَّةَ بِي علمي وَزِدتُ جَلالَةً / وَغَيريَ فيهِ خاملُ الذكرِ باخِسُه
وَطبَّقَ ذكري الأَرض حَتّى كَأَنَّما / أَنا مَثَلٌ سارٍ تخبُّ عَرامِسُه
كَأَنِّيَ شَمسٌ قَد أَضاءَ بِنُورِها / جَميعُ الدُنى مَعمورُهُ وَدوارِسُه
لِيَشنا حَياتي مَن أَرادَ فَإِنَّني / شَجاحَلقِهِ حَتّى يُوارِيهِ رامِسُه
ضنيت فَلَما جاءَني مَن أُحِبُّهُ
ضنيت فَلَما جاءَني مَن أُحِبُّهُ / أَزالَ الضَنى عَني وَسُرَّت بِهِ النَفسُ
فَنادَمتُ مِنهُ البَدرَ يَبهَرُ نورُهُ / فَيا مَن رَأى بَدراً يُنادِمُهُ الأنسُ
تَمَتَّعتُ مِن أُنسٍ بِهِ اِثنينِ لَم نُرَع / فَلَما أَتانا ثالِثٌ ذهبَ الأنسُ
أشيرُ لَهُ بِاللَثمِ إِن كانَ غافِلاً / وَيَأنَفُ صَوناً أَن يَرى بَينَنا لَمسُ
أَدارَ عَلَيَّ الكَأسَ مَلأى صَبابَةً / فَها أَنا نَشوانٌ ولَم تَفرغ الكَأسُ
أَبا النَصرِ لا يَنفَكُّ حُبُّكَ ساكِناً / صَميمَ فُؤادِي أَو يَضمنِيَ الرمسُ
أَلا عَلِّلَن قَلباً بِأَيسرِ كَلمَةٍ / فَقَد شَفَّها وَجدٌ وَقَد غالَها اليَأسُ
يَومنا يُشبِهُ أَمسِ
يَومنا يُشبِهُ أَمسِ / مِثلَما نُصبِحُ نُمسي
إِنّ هَذي لحياةٌ / ما تُساوي عُشرَ فِلسِ
يُؤملُ المَرءُ آمالاً وَيَقطَعُها
يُؤملُ المَرءُ آمالاً وَيَقطَعُها / أَمرٌ يُفّرق بَينَ النَفسِ وَالنَفسِ
فَكُن مَعَ القَدَرِ المَحتوم وَارضَ بِهِ / تَريح نَفسَك مِن فكرٍ وَمِن هَوَسٍ
وَفي ابن سَهلٍ وَأَمثالٍ لَهُ عِبَرٌ / يَغنى بِها العَقلُ عَن حِرصٍ وَعَن حَرَسِ
كانَ اِقتَنى كتباً في العِلمِ نادِرَةً / كَيما يَخُصّ بِها ناساً بِأَندَلُسِ
فَعاقَهُ قَدرٌ عَما يُؤمّلُهُ / وَحَلَّ رَمساً بعيدَ الأَهلِ وَالأنسِ
أَنيسُهُ فيهِ قُرآنٌ يَردّدُه / وَحجةٌ وَاعتمارٌ مِنهُ في الخَلَسِ
وَما رَأَينا لَهُ في الناسِ مُشبهَه / أَتقى وَأَبعَد مِن ذامٍ وَمِن دَنَسٍ
وَكَم لَهُ صدقاتٍ بِالحِجازِ وَفي / مِصرٍ وَفي الشامِ تُسديها لملتَمسِ
سَرى وَفي طيبة إِذ أَهلُها غَرِقوا / أَعطى وَأجزلَ في النعمى لِمُبتَئِسِ
صَوّامُ هاجرةٍ قوّامُ داجِيَةٍ / تَلاءُ آيٍ مِن القُرآنِ في الغَلَسِ
يا رَوضَةً لابنِ سَهلٍ حَلَّها رجل / ما أَن رَأَينا لَهُ شِبهاً مِن الأنسِ
وَيُزهى الفَتى بِالمال وَالجاهِ في الدُّنى
وَيُزهى الفَتى بِالمال وَالجاهِ في الدُّنى / وَلذةِ مَطعومٍ وَناعمِ مَلبوسِ
وَغايتُهُ ضعفٌ وَشَيبٌ وَميتةٌ / وَقَبرٌ وَبَعثٌ للنَعيمِ أَو البُوسِ
يا فرقة أَبدلتني بِالسُرور أَسى
يا فرقة أَبدلتني بِالسُرور أَسى / وَأَسهَرت ناظِراً قَد طالَما نَعَسا
أَنّى يَكونُ اِجتِماعٌ بَينَ مُفترِقٍ / جسمٌ بِمِصرَ وَروحٌ حَلَّ أَندلُسا
تَذكَرتُ تَقبيلاً لأَنمُل راحَةٍ
تَذكَرتُ تَقبيلاً لأَنمُل راحَةٍ / بِراحَتِها جُرحُ النَوائبِ قَد يُوسى
فَأَرسَلتُ طُرسِي نائِباً عَن فَمي لَها / فَيا حُسنَهُ طُرساً بِها صارَ مَلموسا
أَناملُ لَم تُخلَق لِغَيرِ مَكارِمٍ / فَكَم جَلَبت نُعمى وَكَم أَذهَبت بُوسا
مَتى تَسمحُ الأَيامُ بِالرِحلةِ الَّتي / تُرينيَ رَبعاً بِالمَكارمِ مَأنوسا
وَتَشهدُ قُطباً لِلسيادَةِ دائراً / بِهِ فلكُ العَلياءِ بالسَعدِ مَحروسا
كَريمٌ إِذا ما طَوَّحت غُربةُ النَوى / إِلَيهِ بِعافٍ صارَ في الجودِ مَغموسا
إِذا اِسوَدَّت الأَيدي لِبُخلٍ يُشينُها / فَكم مِن يَدٍ بَيضاءَ جادَ بِها مُوسى
يَومُنا يُشبهُ أَمسِ
يَومُنا يُشبهُ أَمسِ / مثلما نُصبِحُ نمسي
إِنَّ هَذي لحياةٌ / ما تُساوي عُشرَ فلسِ
فَمَتى يُنقلُ شَخصٌ / آمِناً لِدارِ قُدسِ
لِجنانٍ غالياتٍ / عَريت مِن كُلِّ بُؤسِ
ما تَلَذُّ العَينُ فيها / وَاشتَهتهُ كُلُّ نَفسِ
مَعَ وِلدان وَحورٍ / قاصِراتِ الطرفِ نفسِ
لَم يَكن لَهُنَّ طَمثٌ / لا بِجِنٍّ لا وَإِنسِ
عُرُبٌ أَبكارُ حُسنٍ / أنس لَيسَت بِشَمسِ
نُورُهنَّ الدَهرَ باقٍ / لا كَبَدرٍ لا وَشَمسِ
هنَّ مِن إِيجادِ ربّي / أنشِئت مِن غَير جِنسِ
هُنَّ الظِباءُ الكَوانس
هُنَّ الظِباءُ الكَوانس / أَثّرنَ في القَلبِ هاجِس
قَد أَضرَمَت في حَشاهُ / ناراً حَكَت نارَ فارس
وَجَرَّدت مِن جُفونٍ / سَيفاً يَقُدُّ القَوانِس
وَطاعَنَت بِرِماحٍ / مِثلِ الغُصونِ المَوائِس
وَناضَلَت بِسهامٍ / مِن العُيونِ النَواعِس
قامَت عَلى الساقِ حَربٌ / كَأَنَّها حَربُ داحِس
لَكَنّ فيها سِلاحاً / تخاف مِنها الفَوارِس
سَيفٌ وَرُمحٌ وَسَهمٌ / من ذا لَهُنَّ يُمارِس
بَينَا أَنا ذو اِحتِرازٍ / مِن عَضَّةِ الحَربِ حارِس
إِذا فُؤادي صَريعٌ / ما بَينَ مَيتٍ وَهامِس
رُمِي بِسَهمٍ مُصيبٍ / مِن ناغِشِ الطَرفِ ناعِس
مُكَمَّلِ الخَلقِ حُسناً / فَكُلُّ عُضوٍ مُجانِس
إِذا تَبدّى فَبَدرٌ / يَجلو سَناهُ الحَنادِس
وَإِن تَثَنّى فَغُصنٌ / مِن ناعمِ البانِ مائِس
كَأَنَّما وَجنَتاهُ / الوَردُ مِن غَيرِ غارِس
يَحميهِ صِلُّ عِذارٍ / مِن رائدِ القَطفِ لامِس
كَأَنَّما الثَغرُ مِنهُ / الدرُّ مِن غَيرِ غاطِس
يَجري بِهِ ريقُ شَهدٍ / مِن غَيرِ نَحلٍ يُلامِس
كَأَنَّ رَيّاهُ مِسكٌ / يفعَمُ أَنفَ المجالِس
منعّمٌ ذو رَقيبٍ / صَعبُ المقادَةِ عابِس
محجَّبٌ لَيسَ يَبدُو / مِن وَصلِهِ الصَّبُ آيِس
أَمِن بَعدِ أَن حَلَّت نُضَيرة في الرَمسِ
أَمِن بَعدِ أَن حَلَّت نُضَيرة في الرَمسِ / تَطيبُ حَياتي أَو تَلَذُّ بِها نَفسِي
فَتاةٌ عَراها نَحوَ سِتَةِ أَشهرٍ / سُقامٌ غَريبٌ جاءَ مُختَلِف الجِنسِ
فحبنٌ وَحُمّى ثُمَ سُلٌّ وَسَعلَة / وَسَكبٌ فَمَن يَقوى عَلى عِللٍ خَمسِ
وَكانَت رَأَت رُؤيا مِراراً وَأَنَّها / تَروح مِن الدُنيا إِلى حَضرَةِ القُدسِ
فَقرَّ حَشاها وَاِطمَأَنَّت لما رَأَت / جِنانا وَكانَت مِن حَياةٍ عَلى يَأسِ
فَما ضجِرَت يَوماً وَلا اِشتَكَت الضَنى / وَلا ذَكَرَت ماذا تُقاسِي مِن اليأسِ
قَضَت نَحبَها في يَوم الاثنينِ بَعدَما / تبدّى لَنا قرنُ الغَزالَةِ كَالوَرسِ
فَصَلّى عَلَيها الناسُ يثنونَ وَاِنثَنَوا / بِها لضريحٍ مُظلمٍ موحشِ الطَمسِ
يُونِّسها في رَمسِها العمل الَّذي / تَقدَّمَها أَعظِم بِهِ ثُمَّ من أُنسِ
وَراحَت إلى رَبٍّ كَريمٍ نَظيفَةً / مبرأةً مِن كُلِّ ذام وَمِن رِجسِ
وَما وَلَد النسوانُ أُنثى شَبيهها / وَأَنّى يُقاسُ الأَنجمُ الزهرُ بِالشَمسِ
وَكانَت نضارُ نِعمَت الخَودُ لَم تَزَل / على طاعَةِ الرَحمنِ تُضحي كَما تُمسي
نَجيةُ قُرآن تُردِّدُ آيَهُ / مُقسمةً بَينَ التَدَبُّرِ وَالدَرسِ
وَحامِلَةُ الآثارِ عَن سَيِّدِ الوَرى / مُحمدٍ المَبعوثِ للجِنِّ وَالإِنسِ
رَوَتها بِمصر وَالحِجازِ وَجاوَرَت / بِمَكةَ تَسخو بِالدَنانيرِ لا الفلسِ
وَزارَت رَسولَ اللَهِ أَفضَلَ مَن مَشى / بِطيبَةَ وَاِحتَلَّت بِأَربُعِها الدرسِ
مصلِّيَة حيناً عَلَيهِ وَتارَة / مُسلمةً في الجَهرِ مِنها وَفي الهَمسِ
وَحازَت جَمالاً بارِعاً وَفَصاحة / فَأَوضَحُ مِن شَمس وَأَفصَحُ مِن قسِّ
وَقَد عنيت بِالنَحو عُظمَ زَمانِها /
وَتَكتُب خَطاً نادِراً ذا بَراعَةٍ / يُريك اِزدِهاءَ الرَوضِ في أَبهَجِ اللَبسِ
فَما الرَوضُ مَطلولاً تفتَّحَ زَهرُهُ / فراقَ لذي عَينٍ وَشاقَ لذي حِسِّ
بِأَبهَجَ مِما قَد وَشَتهُ أَنامِلٌ / لَها بِسَوادِ النَفسِ في أَبيَضِ الطُرسِ
فَلَو أَبصَرتهُ لابنِ مُقلَةَ مقلَةٌ / لأَغضَت حَياءً وَهوَ قَد عَضَّ في الخَمسِ
وَنَجلُ هِلالٍ لا يُساوي قُلامَةً / لظُفر نُضار
سَقى رَوضَةً حَلَّت نضار بتربها / مِن المُزنِ وَبلٌ دائمُ السحِّ وَالبَجسِ
وَلا زالَ تَسقيهِ سَحائبُ رَحمَةٍ / تواليهِ في آتٍ وَحالٍ يَلي أَمسِ
قَد سَباني مِن بَني التُركِ رَشا
قَد سَباني مِن بَني التُركِ رَشا / جَوهَريُّ الثَغرِ مِسكيُّ النَفَس
قَد حَكى غُصناً وَبَدراً وَنَقاً / في اِرتجاجٍ وَانبِلاجٍ وَميَس
ضيّقُ العَينينِ تركيُّهُما / واسعُ الوَجنَةِ خَزِّيُّ المَجَس
ناظِري للوَردِ مِنهُ غارِسٌ / ما لَهُ لا يَجتَني مِما غَرَس
أَصبَحت عَقربُ صدغيهِ مَعاً / لجنيِّ الوَردِ في الخَدِّ حَرَس
وَغَدا ثُعبانُ دُبُّوقَتِهِ / جائِلاً في عِطفِهِ مَهما اِرتَجَس
لَستُ أَخشى سَيفَهُ أَو رُمحَهُ / إِنَّما أرهبُ لحظاً قَد نَعَس
اِختَلَسنا بَعدَ هَجرِ وَصله / إِنَّ أَهنا الوَصلِ ما كانَ خَلَس
لَستُ أَنساهُ وَقَد اطلَعَ من / راحِهِ شَمساً أَضاءَت في الغَلَس
وَرَمى العمَّةَ وَالتاح لَنا / فَرقُ شعرٍ دَقَّ مبدٍ ما التبَس
لَمس الكَأسَ لِكي يَشرَبَها / فَاعترتهُ هَزَّةٌ مِما لَمَس
ثُمَ أَدنى جَوهَراً مِن جَوهَرٍ / وَتَحسّى الكَأسَ في فَردِ نَفَس
وَغَدا يَمسَحُ بِالمنديلِ ما / أَبقتِ الخمرةُ في ذاكَ اللَعَس
عَجَباً مِنها وَمِنهُ قهقهَت / إِذ حَساها وَهوَ مِنها قَد عَبَس
شَرفَ الحَريرُ بِأَن غَدا لَك مَلبَسا
شَرفَ الحَريرُ بِأَن غَدا لَك مَلبَسا / لِم لا وَجسمُك مِنهُ أَلينُ مَلمَسا
يا شادِناً ما اِزدادَ مِنّي وَحشَةً / إِلا وَزادَ القَلبُ فيهِ تَأنُّسا
طَلسَت عُقولُ الناسِ لَمّا أَن غَدا / يَمشي الهُوَينى في قِباءٍ أَطلَسا
مُتَنَسِّمٌ عَن نَفحَةٍ مِسكيَّةٍ / مُتَبَسِّمٌ عَن أَشنَبٍ في أَلعَسا
هُوَ ثالثُ القَمَرينِ وَهوَ أَتمُّها / نوراً وَأَبعدُها مَدى أَن يُلمَسا
إِنَّ التَفاوُتَ في العُلُوِّ لَموضِحٌ / مَن كانَ أَعلَى في المَنازلِ مَجلِسا
فَالبَدرُ في أُولى السَما وَالشَمسُ في ال / وُسطى وَمن أَهواهُ حَلَّ الأَطلَسا
أَلا بِأَبي خِلٌّ حَمِدتُ إِخاءهُ
أَلا بِأَبي خِلٌّ حَمِدتُ إِخاءهُ / رَقيقُ الحَواشي جامعُ الشَملِ وَالأنسِ
قَطَعنا بِهِ لَيلاً كَأَنَّ حَديثَهُ / أَزاهيرُ رَوضٍ صينَ عَن بَذلَةِ اللَمسِ
وَبِتنا يُعاطينا الحَديثَ كَأَنَّهُ / جَنى النَحلِ مَمزُوجاً لَنا بابنةِ الكَأسِ
حَبيبٌ إِلى كُلِّ الأَنامِ كَأَنَّهُ / تَقسَّمَ بَين القَلبِ وَالروحِ وَالنَفسِ
هُوَ النَجمُ جَلّى ظُلمَةَ اللَيلِ نورُهُ / فَأَوضَحُ مِن شَمسٍ وَأَفصَحُ مِن قسِّ
وَلَكنَّهُ إِذ لاحَت الشَمسُ غائِبٌ / وَلا غَروَ إِنَّ النجمَ يَخفَى مَعَ الشَمسِ