المجموع : 152
لقد آن أن يعلم الجاهلُ
لقد آن أن يعلم الجاهلُ / ويصحوَ من نومه الغافلُ
هوىً زال من بعد ستين حولاً / كذلك كل هوىً زائل
فخلّ فؤادي جمالاً كذوباً / لقد غرّك الزخرف الباطل
فما أنت مني إذا مدّ حبلاً / وصادك من بعد ذا الحابل
عيون المها لا تصيب القلوب / ولعقل من دونها حائل
فقل للحاظ وربّاتها / لقد أخطأ النبل والنّابل
إذا ما رجعتُ إلى شيمتي / فأهون بما يعذل العاذل
مواليّ جاروا على عبدهم / ولا بأس جائرهم عادل
فكم قايسوه بمن قايسوا / وكم ثاقلوهُ بمن ثاقلوا
ولما رأوا فضله راجحاً / بكوا أسفاً أنه فاضلُ
لي الله ما لي أجامل قوماً / أجادوا الصنيعة لو جاملوا
إذا أنا واصلتهم قاطعوا / وإن أنا قاطعتهم واصلوا
يعلو بها الحسن ما يعلو وأتضع
يعلو بها الحسن ما يعلو وأتضع / قد ذل اهل الهوى يا رب ما صنعوا
اسعى لأرضيها والسعي يغضبها / فشرعة الهجر في الحالين لي شرع
حب سأتضي له بالدمع واجبه / هيهات لو كنت عيناً فيه أدمع
يا نازعين ووجدي غير منتزع / بالله عودوا فقد جار الألى نزعوا
لا تستذلوا عزيزاً من بني يكن / آباؤه أخضعوا الدنيا وما خضعوا
لم ينقطع في الهوى عني البكاء لكم / ليس البكاء عن الولهان ينقطع
أظل أنشد للأفلاك مظلمتي / والدهر يرثى لها والله يستمع
إني اخترعت المعاني في محاسنكم / كذاك أهل الهوى من قبلي اخترعوا
فلا سكت على عجز كمن سكتوا / ولا سجعت بمطروق كمن سجعوا
وهذه من بقايا الفكر واحدة / أظل أتبعها نوحي فيتبع
ما زلت أتبع قلبي في رضائكم / حتى استحال وقد أودى به الطمع
كذاك يصدع قلباً يأيه أسفاً / إن القلوب بطول اليأس تنصدع
لو أن قلبينا استقاما في الهوى
لو أن قلبينا استقاما في الهوى / مابت شاكية ولا أنا شاكيا
ماذا دهاك وما دهاني في النوى / حسبي وحسبك في الفراق دواهيا
ما كنت أحسب أن سنصبح هكذا / بعد التصافي نستزيد تجافيا
إن كان لا يكفيك ما كابدته / فلقد كفاني بعضه وكفانيا
عودي أعداد في الشبيبة فضلة / لا تحسبي عهد الشبيبة باقيا
لا تشتكي من شاعر هفواته / فلكم شكايات تصير مراثيا
واستحفظي بدموعه فدموعه / من روحه أن تفن يصبح فانيا
تتناوح الشعراء في عهد الصبا / مثل البلابل في الربيع شواديا
طال ليلي وأظلما
طال ليلي وأظلما / قتل الليل أرقما
بات جفني مؤرقاً / غربه يمطر الدما
فارق الارض لحظه / وأعتلى يطلب السما
كلما اجتاز أنجماً / راح يرتاد أنجما
رب سر مكتم / لم نجده مكتما
حفظ السر كله / فإذا شئت ترجما
رحم الله مهجة / لم تجد منه أرحما
ابدأ تذكر الحمى / آه من ذكرها الحمى
أيها الناس مالكم / تبغضون الميتما
اتركوه يجد له / جنة أو جهنما
ليالي أبلى من همومي وجددي
ليالي أبلى من همومي وجددي / لك الأمر لا تقوى على رده يدي
فما أرتجي والأربعون تصرمت / ولا عيش إلا ينتهي حيث يبتدي
سكت سكوتاً لا يريك امتداده / فلا خاطري باق ولا الشعر مسعدي
ولا فيّ من روح الشباب بقية / ولست بمشتاق ولست بموجد
حزنت على الماضي ضلالاً ومن يعش / كما عشت لم يحزن ولم يتجلد
ومالي منه خاطر غير أنني / عدلت فلم أفتك ولم أتعبد
سقى الله دارات القرافة ديمة / ترق على قوم هنالك هجد
تعود كل بؤسها ونعيمها / وعشنا على بؤس ولم نتعود
أحن إلى تلك المراقد في الثرى / ولو أستطيع اليوم لاخترت مرقدي
فأنزلت جسمي منزلاً لا يمله / يكون بعيداً عن أعاد وحسد
وما يتمنى الحر في ظل عيشة / تمر لأحرار وتحلو لأعبد
لقد اتعبتني والمتاعب جمة / ميسرة يومي بين أمسي والغد
ألماً يئن أن يستريح مجاهد / ألماً يئن أن يبلغ المنهل الصدى
تزهدت في وصل المعالي جميعها / ومن يطلبها كأطلابي يزهد
وبت تساوت في فؤادي مناهج / تؤدي لخفض أو تؤدي لسؤدد
وأني في بيت صغير مهدم / كأني في قصر كبير مشيد
عفا الله عن قوم أتاني غدرهم / فرب مسيء لم يسء عن تعمد
وكم من نفوس يستطيل ضلالها / ولكم متى ما تبصر النور تهتد
نزعت من الآمال باليأس عائداً / فإن تدنني منها اللبانات أبعد
فلا ترتعي مني بقلب معذب / ولا تنجلي مني لطرف مسهد
فيا ريح إن يعصف بي الشجو سكني / ويا غيث إن يضرمني الوجد أخمد
ويا ساكنات الطير في دولة الدجى / أرى أن دعاك الصبح أن لا تغردي
لدي شكايات وأنت شجية / فإن تستطيبها لشجوك أنشدي
ولا تحسبي التقليد يذهب حسنها / فكم حسنات قد أتت من مقلد
تركت الغنى لا عاجزاً عن طلابه / وأنزلت نفسي من منازل محتدي
وهذي بحمد الله مني براءة / فيا أفق سجلها ويا أنجم أشهدي
انظر إليها إنها تنظرُ
انظر إليها إنها تنظرُ / تسحر بالطرف ولا تسحر
نرجسة كالعين في شكلها / لو لم يشنها الحدق الأصفر
جاحظة جحظتها فتنة / تشقى بها الحوراء والأحورُ
أهدابها مثل جناح الفرا / ش أصله من طرفهِ أصغر
تزمز طيباً لك أنفاسها / فلا تزال دهرها تزفرُ
تصبر في الفرقة عن أرضها / أما عن الماء فلا تصبر
قامت على مهفهف أخضر / وحبذا المهفهف الأخضر
تُرقصهُ الشمأل إذ تجتزي / يسكره النهير إذ يعبر
أجوف كالأنبوب في خلقهِ / يكاد من ليانه يُهصر
قد نظموا الأشعار في وصفها / وحسنها من وصفهم أشعر
هجرت الثرى وطلبت السماء
هجرت الثرى وطلبت السماء / ولا غرو دأب العلي العلاء
فإن يرثك الناس في حزنهم / فإني لمصر اطيل الرثاء
بكتك وكم من ذكي بكت / لقد عودت مصر طول البكاء
وكانت تخاف عليك الفناء / فليست تخاف عليك الفناء
وإنك حي بطيب الثناء / كما كنت حيّاّ بطيب الثناء
على أن في مهج الفاضلين / عليك لواعج تأبى الشفاء
هم فقدوا معك زين الشباب / وهم عدموا معك صدق الإخاء
وفوا لك بالود بعد النوى / كذاك حزاء الوفي الوفاء
فما للمعارف عنك سلو / ولا للمعارف فيك عزاء
رحتك زماناً لأعبائها / فزلت وقد زال ذاك لرجاء
تظل تناديك في حزنها / وهيهات لست تجيب النداء
يعاد ولكن لغير تدان / فراق ولكن بعيد اللقاء
تجاوزت ملكاً قليل البقاء / ويممت ملكاً كثير البقاء
فمتعك الله فيه بخير / قصارى محبيك هذا الدعاء
بين فروق وبين مصر
بين فروق وبين مصر / نهجان في البحر والسماء
فمن يشأ في العباب يجر / ومن يُرد يسمُ في الجواء
الناس ملوا من المطايا / فجاء في بعدها البخارُ
وملّه أكثر البرايا / ثم اعتلوا في السما فطاروا
السحب نابت عن الأرائك / لمعشر قد رقوا إليها
وضجت الطير والملائك / في إثرهم حسرة عليها
نظرات كأنها تتحرى
نظرات كأنها تتحرى / منفذاً للفؤاد بين الضلوع
نافذات إليه مثل رصاص ال / حرب لاقى مستحدثات الدروع
قد تأبت على مواضع فيه / ثم قرت في مستقر الخشوع
فهو دام ولا يمج نجيعاً / وكسير وما به من صدوع
كلما نزعها عاد كفي / بقليل من بعضه منزوع
أنت يا أيها الكتاب أميني
أنت يا أيها الكتاب أميني / غير أني أخاف حتى الأمينا
صنت سري في الحب عنك وعني / فاسترحنا وبات سري مصونا
كلما ضاقت القلوب بسر / فجرت منه في العيون عيونا
وصدور الأوراق أهون كشفاً / لمريد أن يستبين شؤونا
ليس في دولة المحاسن قلب / عالم بي إلا يظن الظنونا
ومحال في سنة الدهر أن يم / نع أمراً قد كان من أن يكونا
رب سر أودعته في قلوب / كزجاج الأقداح منها استبينا
قد طويت الكتاب عن أعين الخل / ق وأبقيت لي أنا المضمونا
وما شغل الغواني مثل دمعي
وما شغل الغواني مثل دمعي / فيا شغلي بدمعي والغواني
فواحدة تقول لقد بكى لي / وواحدة تقول لقد بكاني
وواحدة إذا سمعت أنيني / تقول لمن حضرن لقد عناني
أفاهمة الأنين فدتك روحي / لقد أغنيت عن شرح لساني
إياك أن تلج الظنو / ن إلى فؤادك في وفائي
فيبيت يعرض عن أني / ني في البعاد وعن ندائي
ويزيد دائي في الفؤا / د فلا يزيل الوصل دائي
يل ليت حظي في غرا / مك مثل حظي في بكائي
بالله يا مصباح بيت الدجى
بالله يا مصباح بيت الدجى / ويا أنيس المعشر الساهدين
حدث بوجدي كل أهل الهوى / وأقرأ تحياتي على العاشقين
ذكرى الصبا لله ذكرى الصبا
ذكرى الصبا لله ذكرى الصبا / في كل نفس نارها موقده
تمكث من تحت رماد المدى / وفوقها تحترق الأفئده
أستطابت بعدي وقد خلت دهراً
أستطابت بعدي وقد خلت دهراً / أنها لا تطيق عني بعادا
واستنابت عن الخليل خليلاً / واستعاضت من الوداد ودادا
ليت شعري ذاك الفؤاد مقيم / أم أضاعت في البعد ذاك الفؤادا
أم كذا دأبها تحب وتسلو / أم لكره العباد تؤذي العبادا
وقفت بالدار أبكي رسمها العافي
وقفت بالدار أبكي رسمها العافي / ما كل ذي شجن مثلي بوقاف
سفى عليها الصبا المختال تربتها / لاكنت يا ذا الصبا لاكنت من ساف
قد ابعدتني عن الألاف أزمنة / عدت علينا فوا شوقي لألافي
ماذا أحمل قلبي من بعادهم / تأتي المصائب آلافاً بآلاف
ليست لواعج أشواقي بخافية / كلا ولا لاعج في العشق بالخافي
ما ضر من اسعفته في مطالبه / لحاظه لو سعى يوماً لإسعافي
لو كنت أدعو على الجافي خشيت على / قلب هنالك ادرى أنه الجافي
أليس يكفيه ما لاقيت من حزن / بلى وربك مالاقيته كاف
أهوى رضاه وأهوى أن يعذبني / سان في حبه ظلمي وانصافي
أشكو إليك صبابتي لترق لي
أشكو إليك صبابتي لترق لي / ولها ولكن ليس قلبك يفهم
أنزلت روحي من غرامك جنة / وإذا بها للعاشقين جهنم
إن تكن قد خلقت للتيه أهلاً
إن تكن قد خلقت للتيه أهلاً / فأنا قد خلقت للصبر أهلا
امتثلت الهوى فلا أتشكى / فيه ظلماً ولا أحاول عدلا
كن كما شئت خائناً أو وفياً / وإذا خنت كان ذلك فضلاً
أنت أولى بالعز في الحب مني / وأنا فيه بالتضرع أولى
كذب العاشق الذي ليس يفنى / قلبه لوعة ولا هو يبلى
ليس في هذه الخلائق شيء / منك أجلى في ناظري وأحلى
لك عندي عقدان دمعي وشعري / فتخير والدمع لا ريب أغلى
كدت أدعو الجمال ظلك في الار / ض ولكن لا يطبع النور ظلا
أيها النائم المطيل المناما
أيها النائم المطيل المناما / قد أتينا نهدي إليك السلاما
إستمع ما نقول بعدك عنا / علم الصامتين منا الكلاما
ما صبرنا على فراقك عاماً / كيف نرجو أن نصبر الأعواما
وداوم الأسى يزيل التأسي / وتمادي السقام ينمي السقاما
والقلوب التي تكون كراماً / في التداني في البعد تبقى كراما
والحبيب العظيم إن غاب أبقى / لأحبائه شجوناً عظاما
أوحشتنا شمائل معك غابت / هام فيها معاشروك هياما
يا صريع الزمان بعدك أضحت / حسنات الزمان فيك أثاما
فهو أبكى على وفائك مصراً / وهو أبكى على وفاك الشاما
وطناك اللذان عشت كريماً / فبهذا كهلاً وذاك غلاما
من يداوي لبنان عنك بصبر / من يعزي عن فقدك الأهراما
ما علمنا بين الورى لك خصماً / فأمنا عليك ألا الحماما
سل من غمده عليك حساماً / فتلقيت بالثبات الحساما
وتجلدت شيمة الحر لم تج / زع ولم تلف في اللقاء كهاما
أجهشوا بالدموع حولك من حز / ن فكفكفتها لهم بساما
هكذا عشب بينهم مقداماً / هكذا مت بينهم مقداما
خادعتنا الأيام حتى انخدعنا / قاتل الله هذه الاياما
قد أنارت لنا محياك حيناً / ثم أسفت على سناه الرغاما
كالهلال الذي بدا في سماه / ثم ساقت له الرياح الغماما
يا ضجيعاً في لحده منذ عام / نحن نبكي على ثراك قياما
إن تكن تحته بقايا عظام / منك إنا نجل تلك العظاما
لم نعز الأحياء عنك ولكن / قد حسدنا على لقاك الرماما
ما تغربت إذ ترحلت عنا / لتلاقي بعد الأنام أناما
أستطابوا ظل السكون فقروا / في مقام أسلاهم ذا المقاما
فتدانت من النفوس نفوس / حين بزت وراءها الأجساما
جاوزت موطن الفناء فحلت / موطناً لا تشك فيه الدواما
ذهبت شرة المطامع منهم / فاستقاموا في أمرهم واستقاما
فهم بعد خوف جور الليالي / إرتضوا من قضائها الأحكاما
كان سر الحياة عنهم خفياً / فاماطت عنه المنون اللثاما
كيف يأسى على القصور أناس / استعاضوا عنها هناك الرجاما
لك شكور في القلوب عهود / لست أخشى يوماً عليها انصراما
ما حميناك من عوادي المنايا / قد عجزنا لكن سنحيي الذماما
بالله ربك جودي
بالله ربك جودي / ولا تكوني بخيله
فليس عندك عذر / وليس عندي حيله
وباب كثير العيون يرى
وباب كثير العيون يرى / عجائب ما يصنع العاشقان
أقام لسد سبيل الهوى / كأن بمصراعه ديدبان