القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي الجارم الكل
المجموع : 138
ضلّ شعري وندّ عني بياني
ضلّ شعري وندّ عني بياني / ما على الشاعرين لو أرشداني
ضاع في ظلمةِ المشيبِ أنيناً / وبكى في الصبا بياضَ الأماني
مِزْهَرٌ أنَّ في قِفارِ فلاةِ / وابنُ غصنٍ شدا بلا أغصان
بين قومٍ ما رَنَّ في سمعِهم أح / لَى نشيداً من أصفرٍ رنّان
صدَفتهم عن خالدِ الفنِّ أضغا / ثٌ وزَهْوٌ من كاذبِ العيش فاني
هاتِ سمعاً أُسْمِعْكَ رائعَ أَنغا / مي وإلاَّ فاذهبْ ودعني وشاني
أنا في أمةٍ بها جدولُ الضر / بِ طغَى سيلُه على الأذهَانِ
إن رأَوْا صفحةً بها بيتُ شعرٍ / تركوه يبكي على كلِّ باني
صِحْتُ فيهم فعاد صوتي مع الري / حِ وعادت حزينةً ألحاني
في كسادِ القريضِ أخفيتُ دُرِّي / وخَزنتُ الغريبَ من مَرْجاني
وتمنّيتُ كلَّ شيءٍ على الل / هِ سوى أن أعيشَ من أوزاني
كلُّ شِبْرٍ بمصر خِصْبٌ على الهرَّا / جِ جدبُ الثرى على الفنّان
سكت العندليبُ في وحشةِ الدَّوْ / حِ وغنَّتْ نواعقُ الغِرْبان
فسمعنا من النشوز أفاني / نَ يروِّعْنَ صادحَ الأفنان
أسمَعونا برغمنا فصبرنا / ثم ثُرْنا غيْظاً على الآذَانِ
جلبوا للقريضِ ثوباً من الغَر / بِ ولم يجلِبوا سوى الأكفان
ثم قالوا مجدِّدون فأهلاً / بصناديدِ أخرياتِ الزمان
لا تثوروا على تُراثِ امرىء القيْ / سِ وصونوا ديباجةَ الذُبياني
واتركوا هذه المعاولَ باللّ / هِ فإني أخشى على البنيان
واحفظوا اللفظَ والأساليبَ والذو / قَ وهاتوا ما شئتُمُ من معاني
ما لسانُ القريضِ من عربيٍ / كلسانِ القريضِ من طُمْطُماني
إنّما الشعرُ قطعةٌ منكَ ليست / من دماءِ اللاتين واليونان
كلُّ فنٍّ له مكانٌ وأهلٌ / إن غَدا العلمُ ما له من مَكانِ
إن رأيتم أُخُوّةَ العودِ للجز / بنِد فابكوا سُلالةَ العيدان
لا يهُزُّ النخيلَ إلاّ حَنانُ الن / ايِ في صمتِ ليلةٍ من حنان
وِجْهَةُ الشرقِ غيرُها وجهةُ الغ / ربِ فأَنَّى وكيف يلتقيان
أين عهدُ الشباب واللّهوِ يا شع / رُ وأين الهَوى وأين المغاني
ذبُل الوردُ وانقضى مَوْسِمُ الريح / انِ واحسرتا على الريحان
وانطوَى مجلسُ الصحابِ بمن في / ه وما فيه من أمانٍ لِدان
كان أشهى للنفسِ من حَسْوَة الكأ / سِ وأحلَى من صادحاتِ الأغاني
لم تَدُرْ كأسُه على واغلٍ فَدْ / مٍ ولا واكلٍ عن المجدِ وانِي
يُنْثَرُ الشعرُ فيه كالزهرِ ريّا / نَ بلحنٍ من الصبا ريّان
كان فيه شوقي وكان أبو الحف / ظِ وحفنى وجملةُ الإخوان
وإمامُ العبدِ الذي كان رمزاً / لتآخي المصريِّ والسوداني
كان شوقي يُصْغِي وما كان يُصْغِي / هو في عالَمٍ من الفنِّ ثاني
كلّما مدّ رأسَه يرقُبُ الوح / يَ رأيتَ العينينِ تختلجان
ثم يُغْضي مُهمهِماً مثلما جرّ / بتَ بالْجَسِّ شادياتِ المثاني
ينظِمُ الشعرَ وهو يلقى الأحادي / ثَ فيأتي بآبداتِ البيان
رُوحُه في السماءِ وهو على الأر / ضِ كلا العَالمَيْنِ مختلفانِ
هو شوقي جسماً يُرَى ويُناجي / وهو في الشعرِ طائفٌ نوراني
شركسيٌّ أعيا على العُرْبِ مَأْتا / هُ فَحسّانُ ليس بالْحسّان
وله في المديح ما لم يُداني / ه ابنُ عَبْدانَ في بني حَمْدان
حكمةٌ مَشْرِقيّةٌ في خيالٍ / فارسيّ في منطقٍ عدناني
ينثُرُ الدرَّ عبقريّاً عجيباً / ليس من مَسْقَطِ ولا من عُمان
أنا بالدرِّ أخبرُ الناسِ لكن / ذلك النوعُ ندّ عن إمكاني
فاسألا كلَّ جوهرِيّ فإن قا / ل لديهِ مِثْلٌ له فاسألاني
يا خليلي لا تَهيجا لي الذك / رَى فقد نالني الذي قد كفَاني
ناولاني باللّه ديوانَ شوقي / لأراه كعهده ويراني
ثم سيرا على الأصابع في صمْ / تٍ وفي حضرةِ الأميرِ دعاني
مَرّةً أَلتقِي به أملدَ الع / ودِ نضيرَ الصبا طليق العِنان
بين راحٍ وروضةٍ وغدير / وحِسانٍ مضَى زمانُ الْحِسان
ووجوهُ الآمالِ أزهَى من الزهْ / رِ وغصنُ الشبابِ في رَيْعان
غَزَلٌ أذهل الغواني عن الحس / نِ ومن أين مثلُه للغواني
حين يشدو يُصغِي له الطيرُ حيرا / نَ مغيظاً مسائلاً مَن حكاني
ذاك صوتٌ به خُصِصْتُ من الل / هِ فمن أين جاء للإنسانِ
يصِفُ الجسر والجزيرةُ تهت / زُّ حَواليْهِ هِزَّةَ النشوان
في ثيابٍ من الطبيعة وشّا / ها كما شاء مُبدِعُ الألوان
ويَرى حبّه للدولةِ عثما / نَ شعاراً لصادقِ الإيمان
ذاك شعرُ الشبابِ والدارُ دارٌ / وأيادي العباسِ بيضٌ دواني
ثم ألقاه وهو في الأسرِ يشكو / فيُثير الكمينَ من أشجاني
ويناجِي شعره نائح الطَلْ / حِ فيُبكيه مثلَما أبكاني
زُحِمتْ مصرُ بالبُغاثِ من الطي / رِ وعِيقَ الشادي عن الطيران
أسروه ليحبسوا صوتَه العا / لي فنادَى بصوته الخافِقَانِ
احبسوا السيلَ إن قدرتم وسُدّوا / إن أردتم منافذَ البركان
ودعوا الشعرَ فهو طيرٌ من الفِرْ / دوسِ يأبَى مَسيسَه بالبنان
ثم طار الهَزَارُ للعُش غِرِّي / داً وعاد الغريبُ للأوطان
عاد زِريابُ بعد أن زاد أوتا / راً لأوتارِ عوده المِرْنان
فتغنّى بمصرُ في موكبِ الشر / قِ وعزِّ التاجيْنِ والصوْلجان
وشدا بالشموسِ من عبدِ شمسٍ / والغطاريفِ من بني مَرْوان
ألهب العزم في بني مصرَ ناراً / أيُّ خيرٍ في هذه النيران
ودعا بالشبابِ فابتدروا السبْ / قَ وآمَالُ مصرَ في الشبّانِ
والرواياتُ أعجزتْ كلّ شيطا / نٍ وأعيت في وصفِها شيطاني
حكمةُ الشَّيْبِ في مِراس التجاري / بِ وفكرٌ أمضى شَباً من سِنان
جَنتِ السِّنُّ ما جنت غير عقلٍ / زاد بالسِّنِّ صَوْلةً ولسان
كلما هدّتِ الليالي قُواه / بلغ الشعرُ قِمّة العُنفوان
شعرُ شوقي وديعةُ الزمنِ البا / قي وشوقي وديعةُ الرحمن
قد شُغِلْنا عن حافظٍ بأمير الشع / ر ويلي لو كان يدري لحاني
كان يجري على أعنّة شوقي / ويُعاني من رَكْضه ما يُعاني
لا الجوادانِ في النجار سواءٌ / حين تبلوهما ولا الفارسَانِ
يُلْهبُ الشعرَ حافظٌ أرعنَ السو / طِ وشوقي في آخرِ الميدان
ليت شعرَ القريضِ أيُّ سِباق / بين شعريْهما وأيُّ رِهان
حافظٌ زيَّن القريضَ بفنٍّ / بُحْتُرِيّ عذبٍ رشيق المباني
لفظُه في يديه يختار منه / صَحْفةُ الدرِّ في يَدَيْ دِهْقَان
ولكم قد أعاد بيتاً مراراً / باحثاً عن فريدةٍ من جُمان
يتقَرّى في الشعر مَيل الجم / اهيرِ ليحظَى بصيحةِ استحسان
جال في حَوْمةِ السياسة وثَّا / باً فأذكَى حماسةَ الفِتيان
ورمَى الاحتلالَ حرّاً جريئاً / وتحدَّى العميدَ ثَبْتَ الْجَنانِ
في زمانٍ قد ذلَّ كلُّ إباءٍ / فيه وانقاد كلُّ صعبِ الْحِران
وظّفوه فأسكتوه فألقَى / شعْرَهُ في مَهامِه النِّسيان
ويحَ هذا الكِرْوانِ هل راقه الحب / سُ وأغراه عسجدُ القضبان
هَشّموا نابَي ابن بُرْدٍ وحالوا / بين كاس الطلا وبين ابنِ هاني
كان شوقي وحافظٌ إن دجَى الخط / بُ شعاعيْنِ في الدُّجَى يلمعان
فهما في أواخرِ الليلِ فجرا / نِ وفي أُولَياتِه شَفَقان
أيها الشاعرانِ قد صَوّح الدوْ / حُ وولّت بشاشةُ البستان
وخلا الربْعُ لا قراعُ كئوسِ / ضاحكات ولا رنين قِيَانِ
وتولَّى القُطّانُ لم يبق إلاَّ / حسراتٌ لفُرقةِ القُطّان
ومضَى الرَّكْب بالرفاقِ وخلاَّ / نِي وحيداً أبكي على خُلاّني
أيها الشاعران في جنّةِ الْخُلْ / دِ هَناءً بالْخُلْدِ والرِّضوان
مهِّدا لي إلى جِواركما مَثْ / وىً إذا آن للرحيلِ أواني
أهبْتُ بالشعر أن يعودا
أهبْتُ بالشعر أن يعودا / إلى الصبا ناعماً رغيدَا
يذكرُ ما مرّ من عهودٍ / للّه ما أنضرَ العهودا
في كل يومٍ أرى فَنَاءً / وهو يرى حولَه خلودا
طار حثيثاً بكل أُفْقٍ / لمّا مشت خُطْوتي وئيدا
وصَوّحتْ دوحتي ومالت / ولم يزل صادحاً غريدا
يأخذُ ما أبقت الليالي / ويبتغي فوقه مزيدا
تجاربِي الباكياتُ عادت / تجري بأوتاره نشيدَا
في حكمةِ الشيبِ لي عَزاءٌ / وكم وعيدٍ حَوى وعودا
كادت أياديه وهي بيضٌ / تُنسي حُلِيَّ الشبابِ سودا
علوتُ طودَ الزمان حتَّى / رأيتُ من فوقه الوجودا
وبان ما لم يَبِنْ لغيري / وكان عن عينِه بعيدا
كان شبابي رفيقَ عمري / فعشتُ من بعده وحيدا
غاب فلمّا مضى وولَّى / جعلتُ شعري له بريدا
أبعثُ بالشوق كلَّ يومٍ / ويبعثُ الهجر والصدودا
وكم محوت السطورَ لثماً / أحْسَبُها للصبا خدودَا
يصور الحبَّ في إطارٍ / فأبصِرُ الغِيدَ فيه غيدا
ويرسُمُ الماضيَ المولِّي / كعهده باسماً سعيدا
ألمحُ شخصي به كأنّي / ألمحُ شخصاً به جديدا
أين ورودي وأين كأسي / ماذا دَهى الكأس والورودا
لم يَبق منِّي سوى لسانٍ / يُجيد ما شاء أن يجيدا
وفكرةٍ صُوِّرت نُضاراً / وحكمةٍ نُظِّمت عقودا
فيا شبابَ البلاد صونوا / شَرْخَ الصبا قبل أن يبيدا
يعود في الكون كلُّ شيءٍ / وذاهب العمر لن يعودَا
إن اشتكى النيلُ مسَّ ضيمٍ / فحرِّموا حولَه الورودا
تجارةُ الرّق قد تولّت / فما لنا نلمَحُ القيودا
قد ذهب العمرُ في جدالٍ / كنَّا لنيرانه وقودا
لا يدركُ السؤْلَ غير عزمٍ / مثابرٍ يقرَع الحديدا
فأيقظوا مصرَ من جديدٍ / فإنها ملَّتِ الرقودا
لا ترسُموا للطموح حدّاً / فالمجدُ لا يعرف الحدودا
العلمُ أمضَى من المواضي / فجرِّدوا نحوه الجهودا
مصرُ تريدُ السماء وثباً / وأولُ النُّجْحِ أن تريدا
طَلَعْتَ فأَبْصَارُ الرَّعِيَّةِ خُشَّعُ
طَلَعْتَ فأَبْصَارُ الرَّعِيَّةِ خُشَّعُ / وأَشْرَقتَ مِثْل النَّجْمِ في الأُفْقِ يَلْمَعُ
وأَقْبَلتَ تَبْني الْمَجْدَ في كلِّ مَوْضِعٍ / فَلم يَخْلُ من آثارِ مَجْدِكَ مَوْضِع
خَوالِدُ آثارٍ تَمَنَّى مِثالَهَا / عَلَى الدَّهْرِ رَمْسيسُ العَظيمُ وخَفْرَع
بَنَوْهَا لِمَا بَعْدَ الْحَيَاةِ وأَبْدَعُوا / وإِنك تَبْنِي للحَيَاةِ وتُبْدِع
مَعاهِدُ عِلْمٍ تَنْشُرُ النُّورَ والهُدَى / وتَطْوِي ظَلاَمَ الْجَهْلِ مِنْ حَيْثُ تَسْطَع
وآثارُ فَضْلٍ في البِلاَدِ رَفَعْتَها / كما كَان إِسْمَاعيلُ للْبَيْت يَرْفَع
إِذا تُمِّمَتْ من فَيْضِ جَدْواك نِعْمَةٌ / فأَنْتَ بأُخْرَى سَاهِرُ الطَّرْفِ مُولَع
جَرَيْتَ عَلَى آثارِ آبائِكَ الأُلَى / مَضَوْا ثُمَّ أَبْقَوْا ذِكْرَهَم يَتَضَوَّع
هُمُ غَرَسُوا دَوْحَ الحَضَارةِ وارفاً / تُظَللُنا مِنْهُ غُصُونٌ وأَفْرُع
أفي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ نَدَاكَ صَنيِعةٌ / تُعِيدُ إِلَى مِصْرَ الشَّبَابَ وتَرْجع
أَفِي كُلِّ يَوْمٍ للمَلِيك عَزِيمةٌ / تَخِرّ لَهَا شُمُّ الجِبَالِ وتَخْشَع
مَلَكْتَ زِمَامَ النِّيلِ يا شِبْهَ فَيْضِهِ / فَلْم يَبْقَ في مِصْرٍ بيُمْنِك بَلْقَع
وعَلَّمتَه مِنْ جُودِ كَفَّيْكَ خَلَّةً / فما سَالَ إِلاّ وَهْوَ بالتِّبْرِ مُتْرَع
عَلَوْتَ مَطَاهُ وَهْوَ للأَرْض مَشْرَعٌ / وأَنْتَ لآمالِ الرَّعِيَّةِ مَشْرَع
فسَالَ يَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهاً بمالكٍ / لَهُ المَجْدُ تَاجٌ بالْجَلالِ مُرَصَّع
وأَشْرقَ إِقْلِيمُ الصَّعِيدِ بطَلْعةٍ / تَخِرُّ لهَا الأَعْنَاقُ طَوْعاً وتَخْضَع
بَدَتْ مِثْلَ مِصْبَاحِ السَّماءِ تَعَاونَتْ / عَلَى تِمِّهِ في الأُفْقِ عَشْرٌ وأَرْبَع
لدَى مَوْكِبٍ ما سَارَ فيه ابنُ مُنْذِرٍ / ولا نَالَه في سالِفِ الدَّهْر تُبَّع
يُحِيطُ به نُورُ الإِلهِ ونَصْرُهُ / وتَحْرُسُهُ عَيْنُ الإِلهِ وتَمْنَع
سَمِعْتُ بِه حتى إذا ما رأَيْتُهُ / رأَيْتُ بِعَيني فَوْقَ ما كُنْتُ أَسْمَع
وللشَّعْبِ قَلْبٌ حَوْلَ رَكْبِكَ خافِقٌ / ورَأْيٌ عَلَى الإِخْلاَصِ والود مُجْمِع
يزَاحِمُ كيْ يَحْظَى بنَظْرةِ عاجِلٍ / فَيَبْهَرُهُ من نُورِ شَمْسِك مَطْلَع
هُتَافٌ مِنَ الْحُبِّ الصَّميمِ انْبِعاثُهُ / تُرَدِّدُهُ أَصْدَاؤهُ وتُرَجِّعُ
مَلَكْتَهُمُ مُلْكَ الْكَرِيمِ فأَخْلَصُوا / وقُدْتَهُمُ نَحْوَ المَعَالِي فأَسْرَعُوا
فَخاراً سُيُوطٌ فِيكِ خَيْرُ مُمَلَّكٍ / تَحُجُّ لَهُ آمالُ مِصر وتُهْرَع
بَدَا مِثْلَ ما يَبْدُو الرَّبيعُ بَشَاشَةً / ووَافَى كَمَا وَافَى الرَّجاءُ المُمَنَّع
فماؤُكِ سَلْسَالٌ وطَيْرُك صادِحٌ / وغُصْنُك ريّان ووَادِيك مُمْرع
فُؤاد ابْقَ لِلْقُطْر الْخَصِيبِ تَحُوطُهُ / وتَدْفَعُهُ نَحْوَ الْحَيَاةِ فيُدْفَع
وعاشَ بِك الفَارُوقُ في ظِلِّ نِعْمةٍ / يَلُمّ شَتَاتَ المَكْرُمَات ويَجْمَع
ذِكْرَياتٌ رَدَّدَ الدَّهْرُ صدَاها
ذِكْرَياتٌ رَدَّدَ الدَّهْرُ صدَاها / وعُهُودٌ يَحْسُدُ المِسْكُ شَذَاهَا
وَصَلَ العُرْبُ الغَطارِيفُ إِلَى / غايةٍ لا تَبْلغُ الطَّيْرُ ذُرَاها
وَجرَوْا صَوْبَ العُلاَ في طَلَقٍ / زَاحَمَ الأَنْجُمَ واجْتَازَ مَدَاها
تَقِفُ الأوْهَأمُ حَسْرَى دُونَه / لاهثاتٍ قَصَّرَ الأيْن خُطَاها
مَرَّ بالشَّمْسِ فَلمْ تَشْعُر بِهِ / إذْ جَرَى إلاّ ظنُوناً واشْتِباها
أُمَّةُ الصَّحْراءِ أَقْوَى جَلَداً / مِنْ مَهَارِيها وأَهْدَى مِن قَطَاها
صَخْرُها أَوْحَى إليها عَزْمَةً / من بَني رَضْوَى وثَهْلاَن بَنَاهَا
وسُكُونُ البِيدِ في رَهْبَتِها / جَرّدَ الرُّوحَ وبالنُّورِ كَسَاها
رُبَّ صَدْرٍ نَافَسَ الْحِلْمُ به / كُلَّ صَحْراءَ بَعِيدٍ مُنْتهاها
وخِلاَلٍ أَنْبَتَ الْجَدْبُ بِهَا / عِزَّةَ اليَأْسِ فما لانَتْ قَناها
أَبَتِ الضَّيْمَ فمَا مَدَّتْ يَداً / لذَوي النُّعْمَى وَلمْ تَغْفِر جِباهَا
تحْفَظُ العِرْضَ مَصُوناً ناصِعاً / وإلى الطُّرَّاق مَبْذولٌ قِراها
أمَمٌ إِنْ يَهْلِكَ المَالُ فإِن / لُمِستْ أَعْراضُها حَلَّت حُبَاها
رَدَّدَتْ أَشْعَارَها شَمْسُ الضُّحَا / وسِرَاجُ اللَّيْلِ لَمَّا أَنْ تَلاَها
آيَةٌ مِنْ نَفْحَةِ اللّهِ فَلَوْ / كانَ للنِّسْيَانِ كف ما مَحَاها
رَوْضَةٌ قد لَقَّبُوها كَلِماً / تُخْجِلُ الْحُسْنَ إِذا الْحُسْنُ رَآها
كَمْ حَكِيمٍ أوتِيَ الْحُكْم فَتىً / وفَتَاةٍ مَلأَ التِّبْيَانُ فَاها
تُرْسِلُ الأَمْثَالَ تَسْرِي شُرَّداً / لا تُبَالي أَيْنَما كانَ سُرَاها
قِفْ عَلَى الأَطْلال واذْكُرْ أمَّةً / خَلّدَ الأَطْلالَ مأْثُورُ بُكَاها
بَعَث اللّهُ بهَا نُورَ الْهُدَى / من قُرَيشٍ فاصْطَفَاه واصْطَفَاها
أَشْرَق الصُّبْحُ عَلَى الدُّنْيَا به / بَعْد أن طَالَ عَلَى الدُّنْيَا دُجَاها
وجَرَى في الأرْض يَنْبُوع هُدىً / بعد أَنْ حَرَّقَها حَرُّ صَدَاها
قَلَّد الفُصْحَى حُلىً قُدْسِيّةً / فَزَهَاها من حُلاَها ما زَهَاها
وبَياناً هاشِميّاً لو رَمَى / قُلَلَ الأجيَال لانْهَدَّت قُوَاها
أسْهُمٌ مِنْ كَلِمٍ مَسْنونةٌ / جاهَدَتْ في اللّهِ واللّهُ بَرَاها
كُلَّمَا صَاحَ بها في طَيْبةٍ / مُسْتَثِيراً رَدَّدتها لاَبَتَاها
يَزْعُمُ الشِّعْرُ سَفاهاً أنَّه / لو عَفَتْ عَنهُ القَوافِي لَحكَاها
نَزَل القُرْآنُ بالضَّادِ فَلَوْ / لَمْ يَكُنْ فِيهَا سِواهُ لكَفَاها
حَسْبُها أَنْ صَوَّرَتْ من آيِهِ / مُعْجزاتٍ عَظُمَت أنْ تَتَنَاهى
وَبنُو مَرْوَانَ للّهِ هُمُ / عُدَّةُ الفُصْحَى وحُرَّاسُ حِماها
رُبَّ مَأْثورٍ لَهُمْ ودَّ لَهُ / صَدَفُ اللُّؤْلُءِ لَوْ كَانَ شِفَاها
خُطَبٌ هُزَّ لها مِنْبَرهم / يَقْذِف الهَوْلَ دِرَاكاً مَنْ رَماها
وقَوافٍ سَلْ أبا حَزْرَتِها / وسَلِ الأَخْطَلَ كَيْفَ ابتَدعَأها
طُفْ ببغداد وسَلْ آثارَها / أيُّ سِرٍ كَتَمَتْهُ شَفَتاها
كُلُّ رَسْمٍ قد وعَى نادِرَةً / لو جَرى النُطْقُ عليه لحَكَاها
مَشَت الدنْيا إِليْها تَتَّقِي / سُخْطَ بغدادَ وتَسْتَجْدِي رِضاها
وأبو المأمون في مَمْلكةٍ / يتحدَّى المُزْنَ أَنْ تَعْدو قُراها
بَلَغَتْ بنتُ قُرَيْشٍ ذِرْوَةً / بِبَني العَبَّاسِ صَعْباً مُرْتقَاها
بَيْنَ شِعْرٍ كأزاهيرِ الرُّبا / عَكَفَ الغَيْثُ عليها فَسَقاها
هُوَ دَلٌّ رَدَّدَتْهُ قَيْنَةٌ / وَهْوَ وَجْدٌ فاضَ مِنْ نَفْسِ فَتاها
وعُلُومٍ تُرْجِمَتْ وَاسْتُنْبِطَتْ / وَفُصُولٍ بَهَرَ الدُّنْيا حِجاها
آبداتُ القولِ ولَّتْ بَعْدَهُم / طَيَّبَ اللّهُ ثَراهُمْ وثَراها
يا بَنِي العَبَّاسِ في مَصْرَعِكُمْ / عِظَةُ الكَوْنِ وَعاها مَنْ وَعاها
أُطْفِىءَ النُورُ ودالَتْ دَوْلَةٌ / وَطَوَى الدهْرُ المُنَى حِينَ طَواها
شَدَّ هُولاَكُو عَلَى أَرْبَاضِها / شَدّةَ الذُؤْبَانِ أَبْصَرْنَ شِياها
وجَرَى مِنْ حَوْلِهِ عِقْبانُهُ / كُلَّما أَطْعَمَها هاج ضَراها
لَهْفَ نَفْسِي بِنْتُ عَدْنانَ هَوَتْ / وأسُودُ الغِيلِ قَدْ دِيسَ شَراها
سائِلُوا دِجْلَةَ عَمَّا رَاعَها / أَوْ دَعُوها فَكَفاها ما دَهاها
قَذَفَ الكُتْبَ بهَا طَاغِيَةٌ / هَلْ دَرَى ما كَنَزَتْه دَفَّتاها
فَتَأَمَّلْ إِذْ جَرَى آذِيُّها / أَتَرَى فيهِ عُقُولاً أَمْ مِياها
ذَهَبَ العَسْفُ بآثارِ النُّهَى / كَيْفَ تَحْيَا أُمَّةٌ ضاعَتْ نهاها
طَارَتِ الفُصْحَى لِمِصْرٍ تَبْتَغِي / ناعِمَ العَيْشِ خَصِيباً في ذَراها
بَقِيَتْ فيها تُلاقِي شَظَفاً / في أَحَايِينَ وفي حينٍ رَفاها
ثُمَّ هَبَّتْ حَوْلَها عاصِفَةٌ / خَلَطَ الذُّعْرُ ضُحاها بِمَساها
وإِذَا نَجْمٌ بَدا مُؤْتَلِقٌ / شَخَصَتْ نحوَ سَنَاهُ مُقْلتَاها
وإِذا مُنْقِذُ مِصْرٍ ماثِلٌ / وإذا مِصْرٌ وقَدْ شُدَّتْ عُراها
وإذا العِلْمُ يُدَوِّي صَوْتُهُ / وإِذا الضَّادُ أضاءَتْ صَفْحَتاها
ظَفِرَتْ بالعَبْقَرِي المُرْتَجَى / فاسْتَجَابَتْ للعُلا لمَّا دَعاها
دَوْلةُ العِلْمِ بِهِ رُدَّتْ إلى / عَرْشِ مِصْرٍ بَعْدَ أَنْ طَال نَواها
مَنْ كَإِسْماعِيلَ في آلائِهِ / يَنْفَدُ القوْلُ ولا يَفْنَى جَداها
زُهِيَتْ مِصْرُ جمَالاً وَسَناً / بِأَبِي الأشْبالِ واهْتَزَّتْ رُباها
تخْجَلُ السُّحْبُ إذا ما وازَنَتْ / مَرَّةً بَيْنَ نَداهُ وَنَداها
غَرَسَ العِلْمَ بِمِصْرٍ دَوْحَةً / كُلَّمَا أَخْضَلَها طَابَ جَنَاها
سَمَتِ الآدابُ والدُّنْيا بِهِ / وَبَدَتْ تَخْطِرُ في أَزْهَى حُلاها
يا ابْنَ إسْمَاعِيلَ يا ذُخْرَ النُّهَى / جَدَّدَتْ مِصْرُ بِكُمْ عَهْدَ صِباها
كُلُّ أَشْتَاتِ النَّدَى إنْ فُرِّقَتْ / فَإِلَى بابِ فُؤادٍ مُلْتَقاها
هِمَّةٌ شادَتْ بِمِصْرٍ دَوْلَةً / صانَها الإِنْصَافُ والعِلْمُ وَقاها
مَسَحَتْ مِصْرُ بهِ عَيْنَ الكَرَى / بَعْدَ أَنْ طالَ عَلَى مِصْرٍ كَراها
وَثَبَتْ وَثْبَتَها دَائِبَةً / كلَّما أَجْهَدَها السَّعْيُ زَجاها
أًيْنَما أبْصَرتَ تَلْقَى نَهْضَةً / تَمْلأُ العيْنَ وإِقْبَالاً وَجَاها
وَقُصُوراً لاَمِعاتٍ كَالضُّحَا / رَدَّدَ العِرْفانَ في مِصْرَ صَداها
يا نَصِيرَ العِلْمِ فِي مَمْلَكَةٍ / بَلَغَتْ بِالْعِلْمِ غاياتِ مُناها
كُلَّ يَوْمٍ لَكَ حَفْلٌ لِلعُلا / وَأَيادٍ تَبْهَرُ الدُّنْيا لُهاها
وَجَدَتْ بِنْتُ قُرَيْشٍ مَوْئِلاً / في ذَرَا المُلْكِ وحِصْناً مِنْ عِداها
لُغَةُ القُرْءَانِ تُزْهَى شَرَفاً / أنَّ حامي الدِّينِ وَالْمُلْكِ حَماها
حِكْمَةُ المَأْمُونِ عَادَتْ دارُها / بِابْنِ إِسْماعيلَ مِنْ بَعْدِ بِلاَها
مَجْمَعُ الفُصْحَى تَجَلَّى مُشْرِقاً / في سَماءِ الْمَجْدِ مُجْتَازاً سُهاها
هُو في مِصْرَ مَنارٌ كُلَّما / أَرْسَلَ الأضواءَ في مِصْرَ هَداها
رَأَتِ البَصْرَةُ فِيهِ حَفْلَها / وَرَأَتْ بَغْدَادُ فِيه مُنْتَدَاها
مَنْ رَسُولِي لأَعارِيبِ اللِّوَى / أَيْنَ أَعْرَابُ اللِّوَى أَيْنَ لِوَاها
أَنَّ مِصْراً بَعَثَتْ آدابَها / وأبا الفاروق قَدْ أَحْيا لُغاها
وَبنَى اليومَ عُكاظاً ثانياً / تَاهَ إِعْجَاباً بِه الدَّهْرُ وبَاهَى
هَلْ حَبا الآدَابَ تاجٌ مِثْلَما / صاحِبُ التَّاج بِمِصْرٍ قَدْ حَباها
أَنْهَضَ التَّأْلِيفَ مِنْ كَبْوتِهِ / فَسَقَى الأَحْلاَمَ رُشْداً وَغَذاها
كَمْ كِتَابٍ دَوَّنَتْ أَخْبارُهُ / مِنَناً كان فؤادٌ مُبْتَداها
رَحَلَ الأَعْلامُ في الغَرْبِ إِلَى / سُدَّةٍ يَسْطَعُ بِالْعِلْمِ سَنَاها
فَرَأَوْا مَمْلَكَةً وَثَّابَةً / ومَلِيكاً بِهُدَى اللّهِ رَعاها
دُمْ فُؤَادَ الْقُطْرِ تَحْيا أُمَّةٌ / لَمْ يَكُنْ إِلاَّكَ يَوْماً مُرْتَجاها
وَسَما الفَارُوقُ نَجْماً ساطِعاً / لِبَنِي مِصْرَ وَعُنْوانَ عُلاها
جَلَلٌ هَزَّ كلَّ رُكْنٍ وهَدَّا
جَلَلٌ هَزَّ كلَّ رُكْنٍ وهَدَّا / ومصابٌ رَمَى القُلوبَ فأَرْدَى
كلُّ صَدْرٍ به أَنينٌ وَوَجْدٌ / مُرْسِلٌ خَلْفَه أنِيناً ووَجْدا
عَبَراتٌ من ساكبٍ ليس تَرْقَا / ووَجيبٌ مِنْ خَافِقٍ لَيْس يَهْدَا
ونشيجٌ أقضَّ من مَضْجَعِ اللّيْلِ / وماجتْ له الكواكِبُ سُهْدا
فزِعَتْ مصرُ فزْعةً طَارَ فيها / كلُّ عقْلٍ عن الرَّشَادِ ونَدّا
هَرَعَتْ ساعةَ الوَداعِ تُفِيضُ الدَّمْعَ / بَحْراً وتُرسِلُ الشَّوقَ وقْدَا
أمّةٌ هالَها المُصَابُ فهامَتْ / تستَحِثُّ الْخُطَا شُيوخاً ومُرْدا
خَرَجَتْ مِن خِبائِها كُلُّ خَوْدٍ / لم تُقنِّعْ رأساً ولم تُخْفِ خَدَّا
أعْجَلَتْها مُصيبَةُ الوَطنِ المفْجُوعِ / أنْ تَخْتَبِي وأنْ تَتَردَّى
زُمَرٌ تَلْتَقِي على الْحُزْنِ والْيَأْ / سِ وحَشْدٌ بَاكٍ يُزَاحِمُ حَشْدا
وبِحَارٌ من الأنَاسِيِّ ماجَتْ / مُزْبداتٍ يَجِشْنَ جَزْراً ومَدَّا
وجِبَالٌ تَسِيرُ في يَوْم حَشْرٍ / كلُّ فِنْدٍ تَراهُ يَتْبَعُ فِنْدا
فوْق سَطْحِ البُيوتِ كالنَّحْلِ فانْظُرْ / ثُمّ إِيَّاكَ أنْ تُحَاوِلَ عَدَّا
كلُّ بَيْتٍ قدْ عَافَ أحْجارَهُ الصُّمَّ / وأَضْحَى دَماً ولَحْماً وجِلْدا
والمَيادِينُ كُلُّها أُمَمٌ تُزْ / جَى كما تُكْدَسُ السّحائبُ رُبْدَا
فإِذا شئتَ أن تَرَى الأرضَ أرْضاً / كنْتَ ممن يُحاولُ الأمْرَ إِدّا
نَفَسٌ واحدٌ جميعاً وقلبٌ / لفؤاد يَئِزُّ شَوْقاً وصَهْدا
ودُعاءٌ يَمُرُّ بالصَّدْرِ بَرْقاً / فإِذا انْسَابَ منه أصْبَحَ رَعْدا
وخُشوعٌ من الْجَلالِ تَراءَى / وجَلالٌ من الخشوعِ تَبَدَّى
حَمَلوه وإِنما حَمَلُوا آ / مَالَ شَعْبٍ بزَهْرِها الغَضِّ تَنْدَى
حَمَلوا حامِيَ الحَقيقةِ والدِّينِ / كما تَحْمِلُ المَلائكُ عَهْدا
حَمَلوا كَوْكباً أشَعَّ على مِصْرَ / سَناً مُبْصِراً وهَدْياً وسَعْدا
ما عَلى الدّهْرِ مَرَّةً لَوْ تَوانَى / أو عَلَى الدَّهْرِ ساعة لو تَهَدَّا
لَفَحَتْ رِيحُهُ أزاهيرَ آما / لٍ ملأْنَ الوُجودَ مِسْكاً ونَدّا
وَعَدَتْ كَفُّه عَلَى دَوْحةٍ كا / نتْ تَمُدُّ الظِّلالَ في مِصْرَ مَدّا
وَجَدَتْ مِصْرُ في ذَراها سَلاماً / وطوَتْ في ظِلالِها العَيْشَ رَغْدا
قدْ نَعَينا فَرداً به كان عَصْراً / وفَقَدْنا عَصْراً به كان فَرْدا
دَوْلةٌ فاقت الكواكِبَ نُوراً / وأنَافَتْ عَلَى الكواكبِ بُعْدا
علَّمَتْ كلَّ مَالِكٍ كيف تُرْعَى / أُممٌ حاطَها المُلوكُ تُهْدَى
رفع الشَّرقُ رأسَه بِفُؤَادٍ / ونَضَا عَنْه يأسَهُ فاسْتَجَدَّا
ومَضَى يَسْبِقُ الْخَواطِرَ وثْباً / وجَرَى يُجْهِدُ الأمَانِيَّ وَخْدا
وأتَتْ كلُّ أُمّة ترتجِي مِصْرَ / وِدَاداً وتَنْهَلُ العلم وِرْدا
كَعْبةٌ حَجّتْ الوُفُودُ إِليها / تَسْتَحِثُّ الرِّكَابَ وَفْداً فَوَفْدا
حَفَزَتْها لعَرْشِ مِصْرَ أمانٍ / بِنَشِيدِ الوَلاَءِ والْحُبِّ تُحْدَى
فَرأتْ حَزْمَ جاهِدٍ لَنْ يُبارَى / ورأتْ جُهْدَ حازمٍ لن يُحَدّا
أبصَرُوا المُلْكَ في جَلالةِ مَعْنا / هُ يُباهي السَّمَاءَ عِزّاً ومَجْدا
أبْصَرُوا دَوْلة ومُلْكاً كَبِيراً / ومِرَاساً يُعْيي الزَّمانَ وجُهْدا
هِمّةٌ تَفْرَعُ النُّجومَ وعَزْمٌ / سلَبَ السَّيْفَ حدَّه والفِرنْدَا
ومَضَاءٌ في الحَادِثاتِ برأْيٍ / فَضَح الصُّبْحَ نُورُه وتَحدَّى
يَستمدُّ الإِلهامَ من عالِمِ الغَيْبِ / وأجْدِرْ بمثله أنْ يُمَدّا
دَفَعَ الشعْبَ للسبيل فكانت / من سَنا هَدْيه أماناً ورُشْدا
مُلْهِباً عَزْمَه إِذا اجتازَ غَوْراً / مُسْتَحِثّاً إِذا تسلَّقَ نَجْدا
كلّما خَارَ أجزأتْ بسمةٌ مِنْه / فَمدَّ الخُطَا حَثِيثاً وجَدّا
ومَضى كالقَضَاءِ يَهْوِي لِمَرْمَا / هُ جَريئاً مُجَمَّعَ القَلْبِ جَلْدَا
يَبْهَرُ الصَّخرَ أنْ يَرَى منه صَلْداً / آدميَّ الرُّواءِن يَقْرَعُ صَلْدا
لا يُبالي إذا سَعَى للمعَالي / خَبَط الشوْكَ أم تَوطَّأَ وَرْدَا
وفُؤَادٌ أمامَه خَيْرُ هادٍ / قادَ لِلْغَايةِ البَعيدَةِ جُنْدا
كانَ لِلْمُقْدِمين رُوحاً وقلْباً / ولِرَكْب السَّارِينَ كَفَّاً وزَنْدا
لو دَعَأهُم إِلى النُّجوم لَسَاروا / خَلْفَه يُزْمِعُون للنَّجْمِ قَصْدا
وإِذا اليأسُ مَسَّهُم كان عَطْفاً / وسَلاماً عَلَى القُلُوبِ وبَرْدا
نَظْرةٌ مِنْه تَبْعَثُ الأمَلَ الوَا / ني وتُحْيِي منه الذي كان أوْدَى
كان رِدْءاً لِمصْرَ إِنْ جَارَ دهْرٌ / وصِمَاماً لأمْنِها إِنْ تَعَدَّى
ساسَ بالحِكْمةِ البِلاَدَ فكانَتْ / من عَوَادِي الزَّمانِ دِرْعاً وسَدّا
فَهْو إِنْ شَاءَ صيّر الغِمْدَ سيْفاً / وإِذا شاء صَيَّر السَّيْفَ غِمْدَا
قد أعدّتْه رَحْمةُ اللّهِ لِلْحُكْمِ / كَرِيماً مُبَارَكاً فاسْتَعَدّا
ورَعَى اللّهَ في الرّعِيّةِ والملكِ / فوفَّى حقَّ الإِلهِ وأَدَّى
أينَما سِرْت مَشْرِقاً تَلْقَ شُكْراً / أو توجَّهْتَ مَغْرِباً تَلْقَ حَمْدا
وإِذا اللّهُ رَامَ إِصْلاحَ شَعْبٍ / سَلَكَ القَائدُ الطَّريقَ الأسدَّا
إِنّما النَّاسُ بالملوكِ وأَغْلَى / الْمُلْكِ شَأْواً ما كانَ حُبّاً وَوُدّا
رَد بالْحَزْم كلَّ خَطْبٍ سِوَى المَوْ / تِ ولِلْمَوْتِ صَوْلَةٌ لَنْ تُرَدّا
والفَتَى في الْحَياةِ رهْنُ عَوَادٍ / لا يَرَى دُونَ مُلْتَقَاهُن بُدّا
حَكَمَ الموتُ في الأنَامِ فَسَوَّى / لم يَدَعْ سَيِّداً ولم يُبْقِ عَبْدا
بَيْنما يَسْحَقُ النِّمالَ تَراهُ / باسِطاً كفَّه لِيَقْنِصَ أُسْدا
يا مَليكي والْحُزْنُ يَطْحَنُ نَفْسي / كلّما قُلْتُ خَفَّ قال سَأَبْدا
أيْنَ عزُّ المُلْكِ الّذي كانَ للآ / مالِ في سَوْحهِ مَرَاحٌ ومَغْدَى
أين تلكَ الهِبَاتُ للعِلْمِ تُزْجَى / كلُّ رِفْدٍ فيها يُزَاحِمُ رِفْدا
أينَ أينَ القُصّادُ في ساحةِ القَصرِ / وأين الصِّلاتُ تُعْطَى وتُسْدَى
أين ذاكَ الْجَبِينُ ينضَحُ نُوراً / أين ذاكَ الْحَدِيثُ يَقْطُر شَهْدا
قد فَقَدْناهُ والمُصَابُ جَلِيلٌ / وجَمِيلُ العَزَاءِ بالْحُرِّ أجْدَى
نحنُ للّهِ راجِعُون وكل / بالغٌ في مَجَالةِ العُمْرِ حَدّا
غَير أنّ الفَتَى يُغَالِبهُ الدَّمْعُ / فلا يستطيعُ للدَّمْعِ صَدَّا
كلُّ مَهْدٍ يَصيرُ مِنْ بَعْد حينٍ / قَصُرَ العُمْرُ أو تَطَاولَ لَحْدَا
قَدْ مَلأْتُ الوُجودَ شَدْواً بِمَدْحِيكَ / وهَل غيْرُ مِزهَرِي بكَ أشْدَى
خَالداتٌ مِنَ الجلاَئلِ أوْلَتْ / شِعْرِيَ المُزْدَهي بوصْفِك خُلْدا
كَتبَ اللّهُ أنْ يَعُودَ رثاءً / وبُكَاءً يُدْمِي العيونَ وكَمْدا
قد نظَمْتَ العُلاَ قِلادَةَ دُرٍّ / فَنظمْتُ الدّموعَ أَرْثيكَ عِقْدا
أمَلُ الشَّعْبِ في خَليفَتِك الْفَا / رُوقِ أحْيَا آمالَه وأجَدّا
قرأ الشَّعْبُ في مَلاَمِحِه الغُرِّ / سُطورَ المُنَى وأبْصَر جَدّا
ورأَى فيه نَبْعةَ المجدِ والنُّبْلِ / أَباً مُفْردَ الجلالِ وجَدّا
لم يجِدْ للعُلاَ سواه مَثِيلاً / ولبَدْرِ السماءِ إِلاَّهُ نِدّا
رحمةُ اللّهِ للمليكِ المُسَجَّى / ورَعَتْ عينُه المليكَ المُفَدَّى
الْمَجْدُ فَوْقَ مُتُونِ الضُّمَّرِ الْقُودِ
الْمَجْدُ فَوْقَ مُتُونِ الضُّمَّرِ الْقُودِ / تَطْوِي الْفَلاَ بَيْنَ إِيجَافٍ وتَوْخِيدِ
إِذَا رَمَتْ عُرْضَ صَهْيُودٍ مناسِمُها / رَمَتْ إِلَيْهَا اللَّيَالي كُلَّ مَقْصُودِ
أَوْ مَزَّقَتْ طَيْلَسَانَ اللَّيْلِ مِنْ خَبَبٍ / كَسَتْ خَيَالَ الأمَاني ثَوْبَ مَوْجُودِ
تُدْني مِنَ الْمَجْدِ إِنْ شَطَّ الْمَزَارُ بِهَا / فَحَبَّذَا هُوَ تَقْرِيبٌ بِتَبْعِيدِ
الْمَجْدُ بالسيْفِ إِنْ عَزَّتْ وَسَائِلُهُ / لاَ يُغْمِدُ الْحَقَّ سَيْفٌ غَيْرُ مَغْمُودِ
فَكَمْ شَقَقْتُ فُؤَادَ الْبِيد مُنْصَلِتاً / مَنْ يَطْلُب المَجْدَ لاَ يَبْخَلْ بِمَجْهُودِ
تَرْمِي التنُوفَةُ بِي أُخْرَى بِجانِبِهَا / وَأَقْطَعُ الْبِيدَ بَعْدَ الْجَهْدِ لِلْبيدِ
كَأَنَّني الْكَأْسُ بَيْنَ الشرْبِ مُتْرَعَةً / يُدِيرُهَا الْقَوْمُ مِنْ بِنْتِ الْعَنَاقِيدِ
في كُلِّ يَهْمَاءَ لم يَعْبُرْ مَناكِبَها / طَيْفٌ مِنَ الجنِّ إلاَّ خَافَ أَنْ يُودِي
لا يُرْسِلُ الطرْفُ في مَيْدانِها قَدَماً / إِلاَّ بِزَجْرٍ وَإِيعادٍ وتَهْدِيدِ
إِذا بَدَا الْفَجْرُ ظَنَّتْهُ ضَرَاغِمُهَا / سَيْفاً فَكَرَّتْ إِلَيْه كَرَّ صِنْدِيدِ
وَأَقْبَلتْ لِغَديرِ الْمَاءِ وَاثِبَةً / تَظُنُّهُ لأْمَةً مِنْ نَسْجِ دَاوُدِ
فَكْنْتُ بَيْنَ مَرُوعِ الْقَلْبِ مُرْتَجِفٍ / كَأَنَّني صَارِمٌ في كَفِّ رِعْدِيدِ
أَطْوَى الدُّجَى فَإِذَا ما الْيَأْسُ أَدْرَكَني / وَفَلَّ عَزْمِي بِسَيْفٍ مِنْهُ محدُودِ
ذَكَرْتُ عَزْماً مِنَ الأُسْتَاذِ فاتَّجَهَتْ / عَزيمتي بَيْنَ إقْدَام وَتسْدِيدِ
وَسِرْتُ مِثْلَ قَضَاءِ اللّهِ لَيْسَ لَهُ / نَقْضٌ ولاَ سَهْمُهُ يَوْماً بِمَرْدُودِ
مَوْلاَيَ عَلَّمْتَني كَيْفَ الثَّبَاتُ إِذَا / لَمْ يتْرُكِ الرُّعْبُ قَلْباً غَيْرَ مَزْءُودِ
عَلَوْتَ فَازْدَدْتَ بَيْنَ النَّاسِ مَعْرِفَةً / وَالنَّجْمُ يَعْلو فَيبْدُو شِبْهَ مَفْقُودِ
وَأَصْبح الدينُ تَيَّاهاً بِنَاصِرِهِ / وَالضادُ تزْهَى بِتَجْمِيلٍ وَتَجْدِيدِ
دَعِ الْحَسُودَ أَمَا يَكْفِيكَ أَنَّ لَهُ / نَفْساً تَفُورُ وَحَظّاً غَيْرَ مَجْدُودِ
يا فارِسَ الشعْرِ لا تَجْزَعْ لِنَازِلةٍ / إِذَا دَعَوْتَ إِلَيْهَا فَارِسَ الْجُودِ
فَنَظْرَةٌ مِنْهُ لَوْ مَسَّتْ ظَلامَ دُجىً / ما زُمِّلَ اللَّيْلُ في أَثْوابِه السُّودِ
جَفَأ الرَّوْضَ مُغْبَرَّ الأَسارِيرِ مَاطِرُهْ
جَفَأ الرَّوْضَ مُغْبَرَّ الأَسارِيرِ مَاطِرُهْ / وغَادَرَه قَفْرَ الخَمائِلِ طَائِرُهْ
ذَوَى نَبْتُه بَعْد البَشَاشةِ وارْتَمَتْ / مُصَوِّحةً أَثْمارُه وأزَاهِرُه
تَلَفَّتُّ أَيْنَ الرَّوْضُ أينَ مكانَهُ / وأَيْنَ مَجاليه وأَيْن بَوَاكِره
وأَيْنَ الّذي لَمْ يَطْرُق الأُذْنَ مِثْلُه / إذا صَدَحَتْ فوق الغُصُون مَزاهِرُهْ
حَمائِمُ أَلْهاها النَّعِيمُ عَنِ البُكَا / وأَذْهَلَها عن عابسِ العَيْشِ نَاضِرُه
إِذا أَرْسَلَتْ أَلْحانَها في خَمِيلةٍ / تَوثَّبَ زَهْرُ الرَّوْضِ واهْتَزّ عاطِرُه
لها صَوْتُ دَاودٍ وحُسْنُ رَنِينه / إِذا ما عَلَتْ مَتْنَ النَّسِيم مَزَامِرُهْ
إِذَا بَدَأَتْ أَشْجَاكَ أَوَّلُ صَوْتِها / وإنْ سَكَتَتْ أَعْيَا بَيَانَك آخِرُه
وإنْ هَتَفَتْ في الدَّوْحِ مَالَ كَأنَّما / يُسَايِرُها في لَحْنِها وتُسَايِرُه
تَحَدَّتْ فُنُونَ المَوْصِليِّ وطوَّحَتْ / بأَنْفَسِ ما ضُمَّتْ عَلَيْه بنَاصرُهْ
أُولئِك أَوْتَارُ الإِلَهِ وصُنْعُهُ / إذا عَزَفَتْ فَلْيُسْكِتِ الْعُودَ وَاتِرُه
ألَمَّتْ بأَسْرَار النُّفُوس فَتَرْجَمتْ / كَمَا فَسَّرَ الْحُلْمَ المحَجَّب عَابِرُه
يُصِيخُ إِلَيْها أَسْوَدُ اللَّيْلِ باسِماً / فتفْترُّ عَنْ زُهْرِ النُّجُومِ مَشَافِره
يَوَدُّ لَوَ أنّ الغِيدَ ضَمَّتْ شُعورَها / إِلى شَعْرِهِ الدَّاجِي فطَالتْ غَدَائِرُه
ويَرْجُو لَوَ انّ الفَجْر عُوِّقَ خَطْوُه / وطاشَ به نَائي الطَّرِيقِ وجَائِرُهْ
وزَلَّتْ بشُطْآنِ المَجَرَّةِ رِجْلُهُ / فَطَوَّحَه في غَمْرَةِ اليَمِّ زَاخِرُه
سَل الرَّوْضَ إن أصْغَتْ إليْكَ رَسُومُه / مَتَى رُوِّعَتْ أَطْلاَؤُه وجَآذِرُه
وأَيْن الغَديرُ العَذْبُ طَابَ وُرُودُه / لِذِي الغُلَّةِ الصَّادِي وطَابتْ مَصَادِرُه
إِذا فَاضَ بَيْنَ الزَّهْر تَحْسَبُ أنَّه / يَمَانيُّ بُرْدٍ أَذْهَلَ التَّجْرَ ناشِرُه
تَأَزَّر مِنْ أَثْوابِه الرَّوْضُ واكْتَسَى / فَرقَّت حَواشِيه وطَالت مَآزِرُه
تَدُورُ به جَمَّ البَلابِل مُطْرِقاً / ولَمْ تَدْرِ أَنَّ الدَّهْرَ دَارَتْ دَوَائِرُهُ
وتُصْغي فلا يَجْتازُ سَمْعَكَ نَغْمَةٌ / سِوَى أَنَّةٍ يُلْهِي بها الْحُزْنَ قاهِرُه
وتَدْعُو فلا تَلْقَى مُجيباً سِوى النَّوَى / تُطَارِح مَطْوِيَّ الأسَى وتُحَاوِرُه
وَقَفْتُ به والقَلْبُ يَحْبِسُ وَجْدَه / فيَطْغَى ودَمْعُ العَيْنِ يَنْهَلُّ بَادِرُه
وما وَقْفَتي بَيْن الرِّياضِ وقَدْ عَفَتْ / سِوَى حَاجَةٍ يَقْضي بها الْحَقَّ ناذِرُه
أرَى ما أَرَى إلاَّ غُباراً أَثَارَه / خَمِيسُ اللَّيالي حِينما ثَارَ ثَائِرُه
مضَى الطّائِرُ الصَّدَّاحُ فالأُفْقُ مُوحِشٌ / حَزينُ النَّواحي عابسُ الوَجْه باسِرُه
وَأَوْدَى الزَّهاوِي فانْتَهى مَلْعَبُ النُّهَى / وأُطْفِئَتِ الأَنْوارُ وانْفَضّ سَامِرُهْ
أَقامَ عَلَى رَغْمِ النُّبُوغِ بحُفْرةٍ / وسارَتْ عَلَى رَغْمِ المَنُونِ سَوائِرُه
وغَادَر عَرْشَ اللَّوْذَعيّةِ رَبُّه / وخَلَّى نَدِيَّ العَبْقَريّةِ شاعِرُه
دَعُوا ذِكْرَ إِعْجَازِ البَيَان وسِرِّه / فقَدْ غَابَ عَنْهُ طِيلةَ الدَّهْرِ ساحِرُه
له خاطِرٌ لَوْ سَابَقَ البَرْقَ في الدُّجَى / لَجَلَّى عَلىَ بَرْقِ السّمواتِ خَاطِرُه
تملَّكَ حُرَّ الشِّعرِ سِنُّ يَرَاعِهِ / فيَا عَجَبا أَنْ حَرَّرَ الشِّعْرَ آسِرُهْ
تَمنَّى العَذَارَى لو تَقَلَّدْنَ دُرَّهُ / ورَفَّتْ عَلَى أَجْيَادِهِنَّ جَواهِرُه
ويُزْهي العُيونَ الدُّعْجَ أَنّ سَوادَها / شَبِيهٌ بما ضُمَّت عليه مَحابِرُهْ
وما جاشَت الصَّهْبَاءُ إلاّ لأنّها / وقَدْ صَفَّقُوا مَشْمُولَها لا تُناظِرُه
تَمُرُّ به مَرّاً فَيَسْبِيكَ بَعْضُهُ / وتَقْرَؤُه أُخْرَى فَيَسبِيكَ سَائِره
تَرَى فيه هذا الكَوْنَ صُورَةَ حاذِقٍ / أَحَاطَتْ بأسْرَارِ الحيَاةِ بَصَائِرهْ
وتَلْمحُ فيه الرَّأْيَ في بُعْدِ غَوْرهِ / كما غَاصَ تَحتَ المَاءِ للدُّرِّ ذَاخرِه
وتَلْقَى به الآذِيَّ في ثَوَرَانِه / إِذا عَقْلُهُ الْجَبَّارُ مارَتْ مَوائِرُه
له قَلَمٌ لو لاَمَس الطِّرْسَ مَرَّةً / تَدَانَى له صَعْبُ القَرِيض ونَافِرُه
لَقَدْ كانَ مِنْظَارَ النُّفُوسِ فَلَمْ يَجُلْ / بِنَفْس هَوىً إلاّ وطَرْفُكَ ناظِرُهْ
يلُوحُ بَعِيدُ الرَّأْيِ خَلْفَ زُجاجهِ / وحاضِرُ تاريخ الْحَيَاةِ وغَابِرُه
برَاه إِلَهُ الْخَلْقِ عَزْماً وَجُرْأَةً / تَهابُ الرَّواسي حَدَّه وتحَاذِره
وصَوَّرَه عَضْباً تَفِرُّ لِهَوْلِهِ / ذِئابُ الدَّنَايا شُرَّداً وَهْو شَاهِرهْ
كأنَّ عَصَا مُوسَى أُعِيدَتْ بكَفِّه / يُصَاوِلُ مَنْ يَرْمي بها ويُغَاوِره
يَقُولُ جَريئاً مَا يُريد ورُبّما / يَقُول الفَتَى ما لم تُرِدْه سَرَائِرُه
وكَمْ مِنْ فَتىً يَقْضي بنفْسَيْن عَيْشَهُ / مَظَاهِرُه نَفْسٌ ونَفْسٌ مخَابِرُه
تَراهُ مع النُّسَّاكِ في خَلَواتِهم / وفي الْحانِ قد نَمَّتْ عَلَيْه سَتائِرُه
لِسَانٌ كما طَالَ الْجَريرُ مُسَبِّحٌ / رِيَاءً ومِنْ خَلْف اللِّسانِ جَرَائِره
إِذا لَمْ يَكُن في الْحَرْب قَلْبك بَاتِراً / فماذَا يُفِيدُ المَرْءَ في الْحَرْبِ باتِرُهْ
حَناناً له كَيْفَ استقَرَّتْ به النَّوَى / وكَيْفَ ثَوَى بَعْدَ التَّلَهُّف حائِرُه
وهَلْ بَعْدَ لَيْلٍ في الْحَيَاةِ مُرَرِّقٍ / كَثِيرِ التَّظَنِّي أَبْصَرَ الصُّبْحَ ساهِرُه
شَقَقْتُ إِليكَ الطرْقَ والقَلْبُ خافِقٌ / تُراوِحُهُ آلامُه وتُباكِرُه
تَذَكَّر أُلاَّفاً أَلَمُّوا فَودَّعُوا / كطَيْفِ خَيالٍ أَرَّقَ الصَّبَّ زَائِرُه
ونَحْنُ حَياةٌ والْحَياةُ إلى مَدىً / ولَوْلاَ المُنَى لَمْ يَبْذُرِ الْحَبَّ باذِرُه
وإنَّ المُهودَ الزَّهْرَ لَوْ عَلِم الفَتَى / وَفَكَّرَ في غَاياتِهنْ مَقَابِرُهْ
سَمَوْتُ إِلى بَغْداد والشَّوْقُ نَحْوَها / يُسَاوِرُني حِيناً وحِيناً أُسَاوِره
كِلاَنَا نَأَى عن أَهْلِهِ وعَشِيرِهِ / ليَلْقَاه فيها أَهْلُه وعَشَائِره
حَبِيبٌ إلى نَفْسِي العِراقُ وأَهْلُه / وسالِفُه الزَّاهي المَجِيدُ وحَاضِرُه
دِيارٌ بها الإِسْلامُ أَرْسَل ضَوْءَه / فَسار مَسِير الشَّمْس في الأُفْقِ سَائِره
ومَدَّتْ بها الآدَابُ ظِلاً على الوَرَى / تَسَاوَتْ به آصالُهُ وهَواجِرُه
تَجَلَّى بها عَهْدُ الرَّشِيد وعِزُّهُ / وزَاهِرُ مُلْكِ الفَاتحِين وبَاهِرُهْ
إِذا شِئْتَ مَجْدَ العُرْبِ في عُنْفَوانِهِ / فَهذِي مَغَانيه وهَذِي مَناثِرُهْ
أطَلَّتْ عَلىَ الدُّنْيَا فأَبْصرَتِ الهُدَى / كما لَمَعتْ في جُنْحِ لَيْلٍ زَوَاهِرُه
تفاخِرُ بالغَازِي الّذِي سَارَ ذِكْرُه / ودَوَّتْ بآفاقِ البِلادِ مَفَاخِرُه
هُو الملكُ أَمْضَى من شَبَا السَّفِ عَزْمُهُ / وأَغْزَرُ من مَاءِ السَّحائِبِ هَامِرُه
نَماه بُناةُ المَجْدِ من آلِ هاشمٍ / فجلَّتْ مَرَامِيهِ وطابَتْ عَناصِرُه
أَعَاد إلى عَهْدِ البَيَانِ شَبابَه / فهَبَّ فَتِيّاً يَنْفُضُ التُرْبَ دَائِرُه
يُرِيكَ بهِ المنْصُورَ مَأْثُورُ حَزْمِه / وتُذْكِرك المَهْدِيَّ فِيه مآثِرُهْ
ذَكَْنَا اسْمَه طُولَ الطَّرِيق فَذُلِّلتْ / مَصَاعِبُ مَتْنَيْه وضَاءَتْ دَيَاجِرُهْ
جَمِيلُ نِدَاءٌ مِنْ أَخٍ يَقْدُرُ النُّهَى / وإِنْ لَمْ يُمَتَّع باجْتِلائِك نَاظِرُه
عَرَفْتُكَ في آثارِك الغُرِّ مِثْلَما / تُنَبِّىءُ عَنْ وَجْهِ الصَّبَاحِ بَشَائِره
عَرَفْتُ جَميلاً في جَميلِ بَيَانِه / يُشاطِرُني وجْدَانَه وأُشَاطِره
تُجاوِرُني في دَوْحة النِّيلِ رُوحُه / ورُوحي بِدَوْحِ الرافِدَيْن تُجَاوره
إذا اجتمعَ القَلْبانِ فَالْكَوْنُ كُلُّهُ / مَانٌ وإِنْ شَقَّتْ وطالَتْ مَعَايره
لنَا نَسَبٌ في المَجْد يَجْمَع بَيْنَنا / تَعَالَتْ أَوَاسِيه وشُدَّتْ أَوَاصِرُهْ
أَلَسْنَا حُمَاةَ القَوْلِ في كُلِّ مَحْفِلٍ / تَتِيهُ بِنَا في كُلِّ أَرْضٍ مَنَابِرُهْ
صَبَبْتُ عَلَيكَ الدَّمْعَ سَحّاً ومَدْمَعي / عَزيزٌ ولَكنْ أَجْوَدُ الدُّرِّ نَادِرُه
وأَرْسَلْت فِيك الشِّعْرَ لَوْعَةَ مُوجَعٍ / تَئِنُّ قَوَافيه وتَبْكي صَدَائِبه
عَلَيْكَ سَلاَمُ اللّه نُوراً ورَحْمةً / وغَادَتْك من سَيْبِ الإِله مَوَاطِره
يا ساريَ الشِّعْرِ يَطْوِي الْجَوَّ في آنِ
يا ساريَ الشِّعْرِ يَطْوِي الْجَوَّ في آنِ / وَيَمْلأُ الأُفْقَ تَغْريداً بأَلْحاني
يَخْتالُ في بُرْدَةِ الفُصْحَى وتُسْعِدُهُ / بَدَائِعُ الْحُسْنِ من آياتِ عَدْنان
سِرْ أَيُّها الشِّعرُ واركَبْ كلَّ ناجيَةٍ / من الرِّياحِ فقد أُلْقَتْ بأَرْسَان
سِرْ بالرِّياضِ وخُذ مِنْها نَضارَتها / ونَاغ ما شِئْتَ مِنْ وَرْدٍ ورَيْحان
الكَوْنُ أُذْنٌ لِمَا تُلْقِيه وَاعِيةٌ / فامْلأْ مَدَاهُ بصَوْتٍ مِنْكَ رَنَّان
وَبَلِّغِ الأَرْضَ أنَّا في حِمَى مَلِكٍ / صَوْبُ الْحَيَا ونَدَى كَفَّيْهِ سِيّان
وَإِنْ تَزُرْ كَعْبَةَ الآمالِ مُشْرِقَةً / مِنْ عابِدينَ فطُفء مِنها بأَرْكان
وقِفْ وأَطْرِقْ خُشُوعاً أنتَ في قُدُسٍ / ضافي المَهَابةِ عالي الشَّأْوِ وَالشَّانِ
قَصْرٌ بَناهُ بُناةُ المَجْدِ مِن هِمَمٍ / فَلَمْ يُطاوِلْ عُلاهُ أَيُّ بُنْيان
فأَيْنَ كِسْرَى وَما أَعْلَى مَشَارِفَهُ / في بُهْرَة المُلْكِ مِنْ صَرْحٍ وإِيوان
أَساسُهُ عَزَماتٌ جَلَّ خالِقُهَا / لا ما يَرَى الناسُ من صَخْرٍ وصَوّان
يُطِلّ مِنْهُ عَلَى آمالنا مَلِكٌ / يُزْهَى به الشعْبُ في سِرّ وإعْلان
في وَجْهِهِ قَسَمات قَدْ دَلَلْنَ عَلَى / ما ضَمَّهُ القَلْبُ مِنْ نُبْلٍ وإِيمان
يابْنَ الأُلَى بَعَثُوا مِصْراً لِنَهْضتِها / وَأيقَظوا من بَنيها كُلَّ وَسْنان
وأرْسَلُوها إِلَى العَلْياءِ فانْطَلَقتْ / تَعْدُو إِلَى الْمَجْدِ في جدٍّ وإمْعانِ
كأنَّها تَبتغِي في الشَّمْسِ حاجَتَها / أو أنّها أوْدِعَتْ سِرّاً لكَيْوان
آثارُهُمْ في ضِفافِ النِّيلِ ماثِلةٌ / أبْقَى عَلى الدَّهْرِ مِنْ رَضْوَى وثَهلان
كأنَّها وهْيَ في الوَادِي قد انْتَثَرتْ / عِقْدٌ تَنَاثَرَ عَنْ دُرٍّ وَعِقْيان
جاءُوا بما عَزَّ في الآذانِ مَسْمَعُهُ / عَنِ المُلوكِ ولم تُبْصِرْهُ عَينان
في باحَةِ السِّلْمِ كانُوا رَحْمةً وهدىً / وفي الكَريهةِ كانوا أُسْدَ خَفّان
قد حاوَلُوا الصَّعْبَ حَتَّى ذَلَّ شامِسُهُ / ومالَ بالرَّأْسِ عَنْ يُسْرٍ وإمْكان
غَفْراً فُؤَادُ أَبا الفارُوقِ إِن عَجَزَتْ / عَنْ عَدِّ آلائِكَ الغَرَّاءِ أوْزاني
حَاولْتُ تَصْوِيرَها جُهْدِي فما اتَّسَعَتْ / لِبَعْضِ ذلكَ أَلْواحي وأَلْواني
والبحرُ تُبْصِرُ جُزْءَا حَوْلَ ساحِلِهِ / ولَيْسَ في دَرْكِهِ طَوْقٌ لإِنسان
في كُلِّ يَوْمٍ لكُمْ في مِصْر عارِفَةٌ / في طَيِّها مِنْ نَدَاكُمْ أَلْفُ بُرْهان
نَشَرْتَ فيها رُبُوعَ العِلْمِ زاهِرةً / جَلاَلَةُ المُلْكِ في عِلْمٍ وعِرْفان
غرَسْتَهُ دَوْحَةً غَنَّاءَ وَارِفَةً / قَريبَةَ المُتَمَنَّى ذَاتَ أَفْنان
وساسَنا منكَ رأْيٌ زانَهُ خُلُقٌ / قد صاغَهُ اللّهُ من رِفْقٍ وإِحْسان
الدِّين زاهٍ وَوَجْهُ المُلْكِ مُؤْتَلِقٌ / كالرَّوْضِ جادَ ثَراهُ صَوْرُ هَتَّانِ
رَدَدتَ لِلُّغَةِ الفُصْحى بَشَاشَتَها / مِن بَعْدِ أَنْ هَجَرتها مُنْذُ أَزْمان
قد ذَكَّرَتْها أيادِيكَ التي عَظُمَتْ / مَنَازِلَ العِزِّ في دَاراتِ قَحْطان
أَوْلَيْتَها مَجْمَعاً طابَتْ مَشارِعُهُ / وَبَلَّ منهُ صَداهُ كلُّ صَدْيان
أعادَ في مِصْرَ عَهْداً للرَّشيدِ مضَى / أيامَ أشْرَقَتِ الدُّنْيا بِبَغْدان
سَعَتْ لِساحَتِكَ الدُّنْيا ويَمَّمَها / جَهابِذُ القَوْمِ مِنْ قاصٍ ومِنْ داني
هَذِي الإِذاعَةُ يا مولايَ قد نَطَقَتْ / بما بَذَلْتَ بإِفْصَاحٍ وتِبْيان
مِنْ قَبْلها سارَ سَيْرَ الشمسِ ذكْرُكمُ / يَطْوِي الْجِواءَ بأقْطارٍ وبُلْدانِ
أنشَأْتَها جَنةً غَنَّتْ بلاَبِلُها / وغَرّدَتْ بين أوراقٍ وأَغْصانِ
فيها الثَّقافاتُ ألوانٌ مُنَوَّعَةٌ / تُزْجَى إِلى الشَّعبِ من آنٍ إلى آن
قد أصْبَحَتْ مَنْهلاً يَسْعَى لِطالِبِه / فاعجبْ إِلى مَنْهلٍ يَسْعَى لِظَمْآن
عِشْ لِلْبِلادِ أبا الفَارُوق نُورَ هُدىً / وأَعْلِ رايَتَها في كُلِّ مَيْدان
وعاشَ فاروقُ للدنْيا يُجَمِّلُها / ويَزْدَهِي بمُحَيَّاهُ الْجديدان
لما دَعوْهُ أَمِيراً للصعِيدِ سَمَا / بِهِ الصَّعيد وأضْحَى جِدَّ جَذْلان
لا زالَ زِينَةَ عَهْدٍ طابَ مَوْرِدُهُ / مُجَمَّلٍ بِجَلاَلِ المُلْكِ مُزْدَان
بَهَرَ الوُجُودَ بلؤلؤيِّ ضِيَائهِ
بَهَرَ الوُجُودَ بلؤلؤيِّ ضِيَائهِ / نَجْمٌ تألَّقَ في بَدِيع سَمائِه
لَبِسَ المَسَاءُ به غِلاَلةَ مُسْفِرٍ / حَتَّى كَأَنَّ الصُّبْحَ مِنْ أَسْمائه
وتَطَامَنَتْ زُهْرُ الكَواكِبِ هَيْبة / لِلْمُشْرِقِ الوَضَّاحِ في عَلْيائه
هَيْهاتَ أَيْنَ ضِياؤُها مِنْ ضَوْئِه / وسنَاؤُها مِنْ بُعْدِ أوْجِ سَنَائه
عَجَباً يَزيد ظُهورهُ بِعُلُوِّهِ / والنَّجْمُ يُعْرَفُ إِنْ عَلاَ بخَفائه
ما جَالَ في الآفاقِ أصْدقُ جَوْهراً / مِنْه وأَصْفَى مِنْ نَقي صَفائِه
يَلْقَاكَ نُورُ الْحَقِّ في لَمحَاتِه / ويَفِيضُ مَاءُ البِشْر مِنْ لأْلاَئِه
أَيْن النُّجُومُ جَلاَلُها ورُوَاؤُها / مِنْ عَبْقَرِيِّ جَلالِه ورُوَائه
نَجْمٌ أطَلَّ عَلَى الوُجُودِ فكَبَّرَتْ / زُمَرُ الوُجُودِ وهَلَّلتْ لِلِقَائه
وَرَنَتْ لَه الآمَالُ ظَمْأَى حُوَّماً / مَعْقُودةً أَبْصارُها برَجَائه
والنِّيلُ سَارَ يَجُرّ مِنْ أَذْيالِهِ / تِيهاً ويَمْرَحُ في مَدَى خُيَلاَئه
يَخْتَالُ ما بَيْن الرِّياضِ وكُلُّها / مِنْ نَسْجِ كَفَّيْه ومِنْ إِيحَائه
ويُفَتِّحُ الأَزْهارَ في أَكْمامِها / ويُنَبِّه القُمْرِيَّ مِنْ إِغْفَائه
يُصْغِي إِلَيْه يَهُزّ أَعْطَافَ الدُّجَى / ويُجَدِّدُ الآمَالَ سِحْرُ غِنَائِه
إِسْحَاقُ لم يُوهَبْ عُذوبةَ صَوْتِه / وعِنَانُ لم تُمْنَح جَمَالَ أَدَائه
أَيْن الصِّنَاعَةُ والفُنُونُ وما حَوَتْ / في جَنْب صُنْع اللّهِ في أَحْيَائه
النِّيلُ بالفَارُوقِ أَعْذبُ مَوْرِداً / ماءُ الْحَياةِ ثُمَالَةٌ مِنْ مَائه
علّمتَه صِدْقَ الوَفَاءِ فأَصْبَحتْ / تَتَحدَّث الدُّنْيا بصِدْق وَفَائه
ومَنَحْتَه خُلُقَ العَطَاءِ فَغَرَّدتْ / صَدَّاحَةُ الوَادِي بفَضْلِ عَطَائه
لمّا عَلَوتَ مَطَاهُ صَفَّقَ مَوجه / بِشْراً وأَسْكَتَ وَجْدَه برُغَائه
يَبْدو السَّفِينُ به كما تَبْدو المُنَى / لليَائِس الْحَيْران في ظَلْمائِه
أو كَالْحَيَاة تَدِبُّ في جِسْمِ امْرِىءٍ / أَفْنتْ شِكَايتُه فُنونَ إِسَائه
أَوْ كَالصَّبَاحِ لمُدْلِجٍ خَبَطَ الدُّجَى / فَطَوَاهُ وادِي التِّيه في أَحْشَائه
أَوْ كَالغَمَام رأَتْه أَزْهَارُ الرُّبَا / مِنْ بَعْدِ ما أَحْتَرقَتْ لطُولِ جَفَائه
أَوْ كابْتِسَامِ السَّعْدِ بَعْدَ قُطُوبِه / أَوْ كانْقِيَادِ الدَّهْرِ بَعْدَ إِبَائه
يَجْرِي السَّفِينُ وفَوْقَه الملِكُ الَّذِي / صَفِرتْ يدُ الأَيَّامِ مِنْ نُظَرائه
الدِّينُ والأَخلاقُ مِلءُ جَنانِه / وجَلالَةُ الأَمْلاكِ مِلءُ رِدَائه
يَهْتَزُّ في بُرْدِ الشَّبَابِ كَأنَّهُ / سَيْفٌ يُدِلّ بِمَائِه وَمَضَائِه
والنِّيلُ يَجْتازُ المُروجَ مُبشِّراً / فتُرددُ الأطْيَارُ مِنْ أَصْدائه
وخَمَائِلُ الوَادِي تَمُدُّ غُصُونَها / وتَوَدُّ لَوْ فَازَتْ بلَمْحِ ضِيائِه
قَالُوا لَهَا جَاءَ الغَمَامُ فأَقْبَلتْ / تَسْتَقْبِل الآمالَ في أَنْدَائه
والزَّهْرُ يَختَرِقُ الكِمَامَ لنَظْرةٍ / فَيرُدُّه للكِمِّ فَرْطُ حَيَائه
قَدْ كَانَ يُزْهَى في الرِّياضِ بحُسْنِه / فرَأَى بَهاءً فَوْقَ حُسْنِ بهَائه
ورَأَى نُصَاراً مِنْ شَبَابٍ يَنْحَني / أَزْهَى الغُصُون نَضَارةً بإِزَائه
سَعِدَ الصَّعِيدُ وأَهْلُه بزِيَارَةٍ / بَلَّتْ غَلِيلَ الشَّوْقِ في أَرْجَائه
سَالَتْ إِلَيْكَ به المَدَائنُ والقُرَى / والبَدْرُ يُغْرِي العَيْنَ باسْتِجْلاَئِهِ
سَدُّوا الشِّعَابَ وأَقْبَلَتْ أَرْسالُهم / كالزَّاخِرِ الهَدَّارِ في ضَوْضَائه
ما بَينَ حامِلِ قَلْبه بيَمِينِه / ومُثَوِّب هَزَّ الرُّبَا بدُعَائه
فانظُر إِلى الوَادي الفَسِيح فَهَلْ تَرَى / إِلاَّ قُلوباً في فَسِيح فَضائه
كُلٌّ دَعَاهُ الشَّوْقُ فانْتَهَبَ الْخُطَا / في نَظْرَةٍ تَشْفِيه مِنْ بُرَحَائه
وَطَلَعْتَ كالأَمِل الوَسِيمِ يَحُفُّه / نُورُ المَهابة في جَلالِ جَلائه
كالبَدْرِ في إِشْرَاقِه والرَّوْضِ في / إِزْهارِه والغَيْثِ في إِسْدَائه
في مَوْكِبٍ بهَرَ الزَّمَانَ فحُيِّرتْ / عَيْنَاهُ بينَ جَمَالِهِ وَسَرَائه
عَجَزَ المُؤَرِّخُ أَنْ يَرَى أًشْبَاهَه / فِيما طَوَاه الدَّهْرُ مِنْ أَنْبائِهِ
ما نالَه المَنْصُور في بَغْدادِه / يَوْماً ولا الأَمْلاكُ من خُلَفَائه
والنِّيلُ لم يَشْهدْ جَلاَلةَ حَفْلِه / في عَهْدِ خَفْرعهِ ولا مِينَائه
أَرَأَيْت آثارَ المُلوكِ وما بَنَوا / مِمَّا يَضِيقُ الْجنُّ عَنْ إِنْشَائه
وُلِدُوا وشَمْسُ الأُفْقِ في رَيعَانِها / والدَّهْرُ يَرْفُل في ثِيابِ صِبَائه
دَرَسُوا كِتَابَ الكَوْنِ أَوَّلَ طَبْعةٍ / ووَعَوْه مِنْ أَلفِ الوُجُود لِيَائه
وأَتْوا مِنَ الإِعْجَازِ ما تَرَكَ النُّهَى / حَيْرَى فَلمْ تَمْلِكْ سِوَى إِطْرَائه
ذَهَبُوا ولَمْ تَذْهَبْ صَحَائِفُ مَجْدِهِمْ / وطَواهُمُ المِقْدَارُ في أَطْوَائِهِ
المَجْدُ في الدُّنْيا سِجِلٌّ خَالِدٌ / تَتَعاقَبُ الأَجْيالُ مِنْ قُرَّائه
فارُوقُ أنْتَ مَناطُ آمَالِ الْحِمَى / وَسُلالَةُ الأَمْجَادِ مِنْ نُصرَائه
أَعْلَى أَبُوكَ بِنَاءَ مِصْرَ فزَاحَمتْ / زُهْرَ الكَواكِبِ رَاسِياتُ بِنَائه
وَأَرَى فُؤَاداً فِيكَ في قَسَماتِه / وَمَضَائِه وذَكَائِه وسَخَائِه
تَبْدُو أَيَادِي الغَيْثِ في زَهْرِ الرُّبَا / وَيَعِيشُ سِرُّ المَرْءِ في أَبْنَائه
أَشْرِقْ عَلَى الْوَادِي فَأَنْتَ حَياتُه / وعِمَادُ نَهْضَتِه ومَجْدُ لِوَائه
أَحْيَيْتَ دِينَ اللّهِ في محرَابه / شُكْراً عَلَى ما تَمَّ مِنْ نَعْمائه
وَوَقَفْتَ بَيْنَ يَدَيْه وِقْفَةَ خاشعٍ / يَرْجُو مَثُوبَتَه وحُسْنَ جَزَائِهِ
الدِّينُ طِبُّ النَّفْسِ مِنْ آلامِها / وهِدَايَةُ الْحَيْرَانِ في بَيْدَائه
ما أَجْمَلَ التَّوْفيقَ في شَرْخِ الصبَا / والعُمْرُ فَيَّاضُ السنَى بفَتائه
للّه مَوْلِدُكَ السَّعِيدُ ويَوْمُه / وتَسَابُقُ الآمَالِ في أَجْوَائه
يَومٌ به بَسَطَ السُّرُورُ شُعَاعَه / وأَعَار ثَوْبَ صَباحِه لِمَسَائه
يَوْمٌ أَغَرُّ كَأَنَّ صَفْوَ سَمَائِه / صَفْوُ النَّعِيمِ بِظِلِّه ورَخَائه
يَوْمٌ سَرَتْ فيه البَشَائِر حُوَّماً / تُفْضِي إِلى الدُّنْيَا بسِرُّ عَلاَئه
مَوْلاَي عَهْدُكَ في البِلادِ مُؤَزَّرٌ / باليُمْنِ فَاهْنَأْ في مَدِيدِ هَنَائه
قطفتْ به مِصْرٌ جَنَى اسْتِقْلاَلِهَا / وأظَلَّها المُمْتَدُّ مِنْ أفْيائِهِ
وأَطَاحَتْ القَيْدَ العَنيفَ وطَالَما / عاذَتْ بِرَبِّ النَّاس مِنْ إِيذَائه
والشُّكْرُ في السَّرَّاءِ يَعْظُمُ كُلَّما / ذَكَرَ الفَتَى ما مَرَّ مِنْ ضَرَّائه
مَولاَي عِشْ للمُلْكِ نَجْمَ سُعُودِه / وارْفَعْ لِواءَ المَجْدِ في أَنْحَائه
أنْتَ الذي تَحْيا المُنَى بحَياتِه / وتَسُودُ مِصْرُ وتَعْتَلي ببَقَائه
لنا شيْخٌ تولّى أطْيَباه
لنا شيْخٌ تولّى أطْيَباه / يهيمُ بحُبِّ ربّات القدودِ
يغازِلُ إذْ يغازِلُ من قيامٍ / وإن صلَّى يُصَِّي من قُعودِ
ماء العيونِ على الشهيدِ ذرافِ
ماء العيونِ على الشهيدِ ذرافِ / لو أنّ فيضاً من معينك كافي
إنْ لم يَفِ الدمعُ الهتونُ بسيبهِ / فلمن يَفي بعدَ الخليل الوافي
شيئان مَا عيبَ البكاءُ عليهما / فقدُ الشباب وفرقَةُ الأُلافِ
أغْرَقْتُ همي بالدموعِ فخانني / وطفَا فويلي من غريقٍ طَافي
وإذا بكَى القلبُ الحزين فما له / راقٍ ولا لبكائِه من شافي
والدمعُ تهمي في الشدائدِ سحبُه / ومن الدموع مماطل وموافي
حَارتْ به كفي تحاولُ مسحهُ / فكأنَّها تُغْريه بالإيكافِ
وأجلُّ ما يلقى الشريفُ ثوابَه / إنْ غسّلَتْه مدامعُ الأشرافِ
طيرُ المنيةِ صحْتَ أشأم صيحةٍ / وهززتَ شرَّ قوادِم وخوافِي
وعلقت بالأملِ العزيز محصّناً / بظوامِىء الأرماحِ والأسيافِ
والجندُ والأعوانُ ترعى موكِباً / ما حازه سابُورُ ذو الأكتَافِ
يفدون بالمهجاتِ مهجة قائدٍ / في كلِّ منعرجٍ وكلِّ مطَافِ
رانَ الذهولُ فكل عقل حائر / وجرى القضاءُ فكل طرف غافي
والموتُ أعمى في يديه سهامه / يرمي البريةَ من وراء سجَافِ
والموتُ قد يخفى حَماهُ بنسمةٍ / هفّافةٍ أو في رحيقِ سُلافِ
يغشَى الفتى ولو اطمأنّ لموئلٍ / في الجو أو في غمرةِ الرجّافِ
ويحَ الكنانةِ بعد نزعِ شِغافِها / أتعيشُ في الدنيا بِغير شِغافِ
قد عاشَ يحمل رُوحَه في كفِّهِ / ما قَالَ في هولِ النضال كفافِ
يلقَى الكارثَ باسماً متألقاً / والدهرُ يعصِفُ والخطوبُ سَوافي
والموت يكشرُ عن نُيوبِ مَشانقٍ / غُبرِ الوُجوهِ دميمةِ الأطرافِ
بينَ الرياح الهُوجِ يزأر مثلَها / ويثورُ في غَضَبٍ وفي إعْنافِ
يَرنو إلى استقلال مصر كما رنَتْ / عين المحب لطارقِ الأطياف
ما ارتاعَ مِن حبسٍ ولا أسرٍ ولا / زَجْرٍ ولا قتلٍ ولا إرجَافِ
وإذا دهتهُ الحادثاتُ بفادحٍ / لم تلق إلاّ هَزّةَ استخفافِ
هابتْهُ أسبابُ المنيةِ جَهَرةً / فَرمتهُ خائنةً بِموت زُؤافِ
مَوتُ الكرامِ البيضِ فوقَ جيادِهم / لا فَوقَ نُمرقَةٍ وتحتَ طِرافِ
فلكم تَمنَّى ابنُ الوليد مَنِيةً / بينَ الصواهِل والقَنا الرعّافِ
ذهبَ الجريءُ الندبُ ذخرُ بلاده / غَوْثُ الصريخِ ونُجعةُ المعتافِ
خُلقٌ كأمواهِ السحابِ مُطَهَّرٌ / وسَريرة كلآلِىء الأصدافِ
وتَبسمٌ للمعضِلاتِ كأنّه / إشراقُ وجهِ الروضةِ المئنافِ
ونقَاءُ سُكَّان السماء يحوطه / رَبُّ السماءِ بعزّةٍ وعَفافِ
ونزاهة سِيقَتْ لها الدنيا فما / ظفِرتْ بغير تنكُّرٍ وعِيافِ
عُمَرٌ حوى الدنيا ولم يملك سِوَى / شاءٍ كأعوادِ القِسيِّ عِجَافِ
والمرءُ إن يَخشى الدنيةَ في الغِنَى / يقنَعْ بِعيشٍ في الحياة كَفافِ
قد كانَ في غيرِ التحرُّج مَنفذٌ / سَهلٌ إلى الآلافِ والآلافِ
مَهما يَقُلْ من خالفوه فإنّه / في نُبلهِ فردٌ بِغير خِلافِ
وعَزيمةٌ لا الصعبُ في قاموسِها / صَعبٌ ولا خافِي الطريقِ بخافِي
فإذا أرادَ فكل شيءٍ آلةٌ / وإذَا رمَى فالويلُ للأهدافِ
يزدادُ في ظُلَمِ النوازلِ بِشْرهُ / كمْ كُدرةٍ تحتَ النميرِ الصافي
يُخْشى ويُرهبُ كالمنيةِ مُرهفاً / عَدْلٌ لدَى الإرهابِ والإرهافِ
فإذا طلبتَ الحقَّ منه وجدتَهُ / سهل الرحابِ مُوَطّأ الأكنافِ
ذِكرى كحاليةِ الرياضِ شميمُها / راحُ النفوسِ وراحةُ المستافِ
إنّ الفَتى ما فِيه من أخلاقهِ / فإذا ذَهبْنَ فكُلُّ شيءٍ مافي
ما زانَه الشرفُ المنيفُ بِغيرِها / ولو انتَمى لسراةِ عبدِ منافِ
عِشنا على الأسلافِ طولَ حياتِنا / حتى سئمنا عِشرةَ الأسلافِ
العبقريُّ حياتُه من صُنعِه / لا صنِع أسماءٍ ولا أوْصَافِ
يَكفيهِ مِنْ شَرفِ المجادة أنّه / درسَ العصور وقُدوةَ الأخلافِ
عابوا السكوتَ عليهِ وهو فضيلةٌ / لغَطُ الحديثِ مَطيّةُ الإسفافِ
صَمْتُ الهمام النجدِ أو إطراقُه / خُطَبٌ مُجلْجِلَةٌ بِغير هُتافِ
قولُ الفتَى من قلبهِ أو عقلهِ / فإذا سَمَحْت فلا تَبعْ بِجُزافِ
حَسبُ الذي ألقَى اللجامَ لِسانُه / ما جاء مِن زَجْرٍ بسورةِ قافِ
خاضَ السياسةَ ملءُ جُعبتِه هَوى / مصرَ ومَحوُ الظلمِ والإجحافِ
ما كانَ في الجُلَّى بحابِسِ سَرجِه / عَن هَوْلِها يَوْماً ولا وَقَّافِ
يَمضي ويتبعُه الشبابُ كما جرتْ / جُرْدُ المذاكي في غُبَار خَصافِ
نادَى مُلِحّاً بِالجلاءِ مناجِزاً / ماذا وراءَ الوعدِ والإخلافِ
ودعَا بوادي النيلِ غيرَ مقَسَّمٍ / سُودان مصرَ كشاطىءِ المُصطافِ
يا يومَ أمريكا وكم بكَ موقف / أعيا النُّهىَ وبراعةَ الوصّافِ
هِيَ صيحةٌ لم يَرْمِها مِنْ قَبلهِ / بَطلٌ بوجه السادةِ الأحلافِ
صَوتٌ إذا هزّ الأثيرَ جهيرُه / فلَكم بمصرٍ هَزّ مِن أعطافِ
في كُلِّ أذنٍ مِنهُ شَنْفٌ زانَها / ما أجملَ الآذانَ بالأشنافِ
أصغى له جمعُ الدهاةِ وأطرقوا / شَتّان بين السمع والإنصافِ
سَمِعوا بياناً عبقريّاً ما بِه / في الحقِّ مِن شططٍ ولا إسرافِ
وجدالَ وثّابِ البديهةِ ثابتٍ / في يوم ملحمةٍ ويومِ ثِقافِ
وصراحةً بهرت عيونَ رجالِهم / لمّا بدتْ نُوراً بِلا أسدافِ
قالوا الرثاء فقلتُ دَمعُ محاجِري / بحر وأنّات الحزين قوافي
شِعر مِنَ الذهب النُّضار حُروفه / ولكم بسوقِ الشعر من زَيّافِ
محمودُ قد لقي المجاهدُ ربَّهُ / في جنَّةِ النفحَاتِ والألطافِ
نَمْ هَادِئاً إنَّ الغِراسَ وريفةٌ / تُزهى بأكرم تُربةٍ وقِطافِ
وانزِلْ إلى مَثوى الصديق تَجد بهِ / ما شِئتَ مِنْ حُبٍّ ومن إشرافِ
قَبرُ الشهيد سَماحةٌ فيَّاحةٌ / ومَديدُ ظِلِّ حدائقٍ أَلفافِ
ما مَات مَن كتبَ الخلودُ رثاءَه / ووشَى له حُللَ الثناءِ الضَّافي
حُيِّيتَ مِن مُزنِ العُيون بوابلٍ / ومِنَ الحنانِ بِناعم رَفّافِ
اِنظِمِ الدُلَّ تَوْءَماً وَفَرِيدَا
اِنظِمِ الدُلَّ تَوْءَماً وَفَرِيدَا / وَامْلأِ الأَرْضَ والسَماءَ نَشِيدَا
وإِذَا مَرَّ بِالنُّجُومِ خَيَالٌ / فَتَخَيَّرْ مِنَ النُّجُومِ عُقُودَا
آنَ يا شِعْرُ أَنْ تُغَنِّي فأَرْسِلْ / مِنْ قَوافِيكَ ما يَهُزُّ الْوُجُودَا
أَسْكِتِ الصَادِحاتِ يَهتفْنَ في الدَّو / حِ وَكُنْ في عِشاشِهَا تَغْرِيدَا
حَفِظَتْ رنَّة وَقَدْ رَدَّدَتْهَا / فَابْعَثِ اللَّحْنَ جَارِمِيّاً جَدِيدَا
وَاصْعَدِ الْجَوَّ للسَّمَوَاتِ وَانْقُلْ / لُغَةَ الْخُلْدِ إِنْ مَلَكْتَ صُعُودا
نَغَمَاتٌ مِنَ الْمَلائِكِ تَسْرِي / في الْفَرَادِيسِ مَا عَرَفْنَ حُدُودا
صَفَّقَ الْكَوْثَرُ الطهُورُ لِمُسْرَا / هَا وَجَرَّ الذُيُولَ يَمْشي وَئِيدا
وَسَعَتْ صَوْبَ هَمْسِهَا كُلُّ حَوْرَا / ءَ تُدَانِي رَأْساً وَتَعْطِفُ جِيدَا
وَالتَهَاليِلُ تَمْلأُ الْمَلأ الأعْلَى / وَتَعْنُو لِقُدْسِهِ تَمْجِيدَا
فَرَحٌ في السَماءِ وَالأرْضِ بِالْفَا / رُوقِ فَازَتْ بِهِ عِيدَا
غَنِّ يَا شِعْرُ بِالأَمَانِي حِسَاناً / ضَاحِكَاتٍ وَبِالزَّمَانِ وَدِيدَا
أَجِدِ الْقَوْلَ مَا اسْتَطَعْتَ وَإِلاَّ / فَمَتَى يَا تُرَى تَكُونُ مُجِيدَا
عَجَزَ النايُ فَابْتَكِرْ مِنْ قَوَافِيكَ / وَرَنَّاتِهِنَّ نَاياً وَعُودا
وَتَخَيَّرْ مِنَ الْخَمائِلِ أَنْدَا / هَا وَرَدِّدْ خِلالَها تَرْدِيدَا
هاتِهَا مَوْصِليَّة تَمْلِكُ السمْعَ / وَطَرِّبْ بِهَا وَغَنِّ الرشِيدا
وَابْعَثِ الرَّوضَ مِنْ كَرَاهُ وَقَبِّلْ / وَجَنَاتٍ مِنْ زَهْرِهِ وَخُدُودا
وَتَرَنَّمْ تُجِبْ صَدَاكَ الْقَمارِي / وَتَمِلْ نَحْوَكَ الْغُصُونُ قُدُودا
أَرْسِلِ الصوْتَ رَنَّةً تَمْلأُ الدنْيَا / وَتَبْقَى عَلَى الزمَانِ خُلُودا
لا تُبالِ الْقُيُودَ مِنْ فاعِلاَتُنْ / أَنْتَ أَحْرَى بِأَنْ تُذِلَّ الْقُيُودَا
سِرْ خفِيفاً معَ النَسائِمِ وَابْعَثْ / نَفَساً يَمْلأُ الْفَضَاءَ مَدِيدا
يُنْصِتُ اللَّيْلُ حِينَ تُنْشِدُ يا شِعْرُ / وَتَنْفِي عَنْ مُقْلَتيْهِ الرُّقُودا
ضُمَّهُ بَيْنَ سَاعِدَيْكَ وَغَرِّدْ / مِثْلَمَا هَزَّتِ الْفَتَاةُ الْوَلِيدا
لا تَدَعْ في لَهَاةِ فَنِّكَ صَوْتاً / إِنْ رَنَا مُصْغِياً يُريِدُ الْمَزِيدا
قَدْ نَقَدْنَا لَكَ الْقَوَافي صحَاحاً / مِثْلَمَا يَنْقُدُ الشَحِيحُ النقُودَا
وَجَمَعْنَا حُرَّ الْكَلاَم الّذِي عَزَّ / فَأَضْحَتْ لَهُ الْمَعَأنِي عَبِيدا
وَحَشَدْنَا الأَلْلَاظَ أَنْقَى مِنَ الْمَاءِ / وَأشْهَى مَسَاغَةً وَوُرُودا
وَبَعَثْنَا الْخَيَالَ سِحْراً مِنَ السحْرِ / وَنَهْجاً مِنَ الْبَيَانِ سَدِيدا
طارَ في الْجَوِّ مَا يَمَلُّ زَفِيفاً / وَطَوَى الأرض مَا يَمَلُّ وَحِيدا
رِقَّةٌ لَوْ جَرَتْ بِسَمْعِ الْغَوَاني / أَوَّلَ الدهْرِ مَا عَرَفْنَ الصُدودَا
قَدْ رَآهُ مُثَقَّفُ الْحِسِّ وَحْياً / وَرَآهُ مَنْ لاَ يُحِسُّ قَصِيدَا
سَارَ يَحْثُو التُرَابَ في وَجْهِ بَشَّا / رٍ وَيَطْوِي ابْنَ هَانىءٍ وَالْوَلِيدا
كلمَا قَامَ مُنْشِدُ الْقَوْمِ يَتْلُو / هُ تَمَنَّى مُتَابِعٌ أَنْ يُعِيدا
إِنَّ يَوْمَ الْفَارُوقِ يَوْمٌ عَلَى الدهْرِ / فَرِيدٌ فَهَاتِ قَوْلاً فَرِيدا
وَتَخَيَّرْ مِنْ سِحْرِ مَنْفِيسَ سِرّاً / كَتَمَتْهُ الْكُهَّانُ عَهْداً عَهِيدَا
وَصُغِ الشمْسَ في الأَصَائِلِ تَاجاً / وَانْسُجِ الرَّوْضَ في الرَّبِيع بُرُودَا
إِنَّ فَارُوقَ في الْمُلُوكِ وَحيدٌ / فَلْتكُنْ أَنْتَ في الْبَيَانِ وَحِيدا
بَحَثَ الْمَجْدُ في الْعُصُورِ فَلَمْ / يَلْقَ لَهُ بَيْنَ دَفَّتَيْها نَدِيدَا
مَلِكٌ فَضْلُهُ تَرَاهُ قَرِيباً / وَمَدَى رَأْيِهِ تَرَاهُ بَعِيدَا
خَدَمَتْهُ الأَقْدَارُ حَتَّى تَمَنَّتْ / لَوْ مَشَتْ حَوْلَ سُدَّتَيْهِ جُنُودَا
وَتَمنَّى اخْضِرَارُ كُلِّ نَبَاتٍ / لَوْ غَدَا في سَمَاءِ مِصْرَ بُنُودا
هِمَّةٌ تَمْتَطِي السماءَ وَعَزْمٌ / يَرْهَبُ الدهْرُ سَيْفَهُ مَغْمُودا
وَثَبَاتٌ يُدْمي جَبِينَ اللَّيَالي / وَيَفُتُّ الصخرَ الأَصَمَّ الصَّلُودا
مَكْرُمَاتٌ سَارَتْ بِكُلِّ مَسارٍ / مَثَلاً يَسْبِقُ الريَاحَ شَرُودا
يا لِوَاءَ الْبِلادِ أَيُّ لِوَاءٍ / لا يُفَدِّي لِوَاءَكَ الْمَعْقُودَا
صانَهُ اللّهُ في يَدَيْكَ فَخُذْهُ / وَتَقَدَّمْ بِهِ قَويّاً جَلِيدا
وَجَد النَّصْرُ في ذَرَاهُ مَقِيلاً / فَأَبَى أَنْ يضرِيمَ أَوْ أَنْ يَحيِدا
وَرَأتْ مِصْرُ فِيه عِزّاً مَنِيعاً / ومَثَاباً رَحْباً وَرُكْناً شَدِيدا
أَنْتَ مِنْ مَعْشَرٍ بَنَوْا فارِعَ الْمَجْدِ / فَأَمْسَى بِمِصْرَ صَرْحاً مَشِيدا
عَرَفَ السَّيْفُ أَنَّهُمْ جُنْدُهُ / الْبُسْلُ إِذَا صَافَحَ الْحَدِيدُ الْحَدِيدا
أَسْعَدُوا شَعْبَهُمْ فَكَانُوا سَحَاباً / وَحَمْوا عَرْشَهُمْ فَكَانُوا أُسُودا
وَمَضَوْا لِلْعُلاَ سِرَاعاً وَخَلَّوْا / أَنْجُمَ اللَّيْلِ جَاثِمَاتٍ هُجُودا
مَلَكُوا مِقْوَدَ الَّليالي صِعَاباً / وَلَوَوْا هَامَةَ الزَّمَانِ عَنِيدا
يَوْمَ فارُوقَ دُمْ عَلَى صَفْحَةِ الدَّهْرِ / حَفِيلاً بِالْبُشْرَيَاتِ مَجِيدا
لَبسَتْ فِيكَ مِصْرُ أَزْهَى حُلاَهَا / ورَأَتْ فِيكَ يَوْمَهَا الْمَشْهُودا
عَبْدُهَا الدَّهْرُ وَاللَّيَالِي إِمَاءٌ / وَالأَمَاني تُرِيدُهَا أَنْ تُرِيدا
في ظِلالِ المَْلِيكِ عَزَّتْ وَطَالَتْ / واسْتَعَادَتْ فِرْدَوْسَها الْمَفْقُودا
وَغَدتْ حَلْقَةً مِنَ الْمَجْدِ حَتَّى / قَدْ ظَنَنَّا الطَّرِيفَ مِنْهُ تَلِيدَا
أَقْبَلَتْ نَحْوَ سُدَّةِ الْمَلِكِ الْعَا / لي وُفوداً تَتْلُو إِلَيْهِ وفُودا
مَلَئُوا سَاحَةَ الإِمَامَةِ حَتَّى / خَافَتِ الأَرْضُ مِنْهُمُ أَنْ تَمِيدا
وَاسْتَحَثُّوا الْخُطَا فَكَانُوا بروقاً / وعلاَ صَوْتُهمْ فكانوا رُعُودا
وَالسُرورُ السرورُ يَلْعَبُ بِالشَعْبِ / كَمَا هَزَّتِ النَّسَائِمُ عُودا
ضَحكَاتٌ تَهْفُو إلى ضَحكَاتٍ / وَوعُودٌ بِالصفْو تلْقَى وُعُودَا
كُلُّهُمْ يَجْأَرُونَ بِالْعِزِّ لِلْفَا / رُوقِ وَالعْيْشِ نَاضِراً وَرَغِيدا
كَبَّرُوا حِينَما رَأَوْكَ مُطِلاً / وَأَبَحُّوا أَصْوَاتَهُمْ تَحْمِيدا
أَبْصَرُوا طَلْعةً إِذَا مَا تَبَدَّتْ / خَرَّتِ الشمْسُ والنُجُومُ سُجُودا
ورَأوْا سَيِّداً يُضِيءُ شَباباً / باسِماً كَالمُنَى وَيَهْتَزُّ جُودا
قَدْ غَرَسْتَ الْوَلاَءَ في كُلِّ قَلْبٍ / فَتَفَيَّأْ في ظِلِّهِ مَمْدُودَا
إِنَّ عَرْشاً أَسَاسُهُ مُهَجُ الشَّعْبِ / خَليقٌ بِأنْ يَكُونَ وَطِيدا
فانْظُرِ الشعْبَ لاَ تَرَى غَيْرَ قَلْبٍ / نابِضٍ يَحْفَظُ الْوَلاَءَ الأَكِيدا
ما رَأَتْ مِصْرُ مُنْذُ أَيَّامِ عَمْرٍو / مِثْلَ أَيَّامِكَ الْحِسَانِ عُهُودا
قَدْ نَثَرْنَا لَكَ الْوُرُودَ قُلُوباً / وَنَثَرْنا لَكَ الْقُلُوبَ وُرُودا
وَحَفِظْنَا لَكَ الْوِدَادَ نَضِيراً / وَأَذَعْنَا لَكَ الثَّنَاءَ نَضِيدا
مَوْكِبٌ يَبْهَرُ الشُّمُوسَ وَمَجْدٌ / حَمْلَقَ الدهْرُ مُذْ رَآهُ سُمُودا
لَمْ يُشاهِدْ سِواهُ بَعْدَ ابْنِ دَا / وُدَ سَناً مُشْرِقاً وَمُلْكاً عَتِيدا
وَمَلِيكاً يَرْعَى الإِلَهَ وَيَخْشَا / هُ وَيُعْلي الإِيمَانَ والتَوْحِيدا
أَكْمَلَ الدينَ بِالزَّوَاجِ فَأَسْدَى / مَثَلاً لَوْ دَرَى الشَبَابُ رَشِيدا
فَرَحٌ شَامِلٌ بِهِ بَلَغَتْ مِصْرُ / مُنَاهَا وحَظَّهَا الْمَنْشُودَا
كلُّ بَيْتٍ بِهِ غِناءٌ وَشَدْوٌ / عَلَّمَ الطيْرَ إِنْ شَدَتْ أَنْ تُجيدا
تَتَمَنَّى الأَغْصَانُ لَوْ رَقَصَتْ فِيهِ / مَكَانَ الْحِسَانِ هِيفاً وَغِيدا
وَتَوَدُّ النُّجُومُ لَوْ كُنَّ فِيه / بَدَلاً مِنْ سَنَا الشُموعِ وَقُودا
يَا لَيَالي الْفَارُوقِ كُوني لِموْلاَ / كِ رِفاءً وَلِلْبِلادِ سُعُودا
لَمَعَتْ في عُلاَكِ دُرَّةُ خِدْرٍ / كَرُمَتْ نَشْأَةً وَطَابَتْ جُدُودَا
بَلَغَتْ قِمَّةَ الْجَلاَلِ فَأَمْسَى / كُلُّ مَجْدٍ لمَجْدِهَا مَرْدُودا
مِنْ مِهَادِ النُّبْلِ السَّنيِّ أَضَاءتْ / فَعَلتْ كَوْكَباً وعَزَّت مُهُودا
وَزَهَتْ في مَقَاصِرِ الْمُلْكِ زَهْرَا / ءَ فَزَانَتْ مَقَامَهُ الْمَحْمُودا
يَا مَلِيكَ الْبِلاَدِ فَاهْنَأْ بِمَا نِلْتَ / سَعِيداً جَمَّ الثَّنَاءِ حَمِيدا
قَدْ أَشَدْنَا بِفَضْلِكَ الْوَافِرِ الْجَمِّ / إِذَا اسْطَاعَ شَاعِرٌ أَنْ يُشِيدَا
أَجْهَدَ الشعْرَ أَنْ يَرَى عَزَماتٍ / يَعْجِزُ الْوَصْفُ دُونَها وَجُهُودا
ومَعَانِيكَ لا تُحَدُّ فَمَاذَا / يَعْمَلُ الشعْرُ قاصِراً مَحْدُودا
وإِذَا مَا الْبَيَانُ عَقَّ لَبِيداً / في الْمَقَامِ الْمَهِيبِ فَاعْذِرْ لَبِيدا
عِشْ وَحِيدَ الْجَلالِ وَالْمَجْدِ وَاسْعَدْ / أَمَلُ الْمَجْدِ أَنْ تَعِيشَ سَعِيدا
وَابْقَ لِلدِّينِ مَوْئِلاً وعِمَاداً / وَابْقَ لِلشَّرْقِ سَيِّداً وَعَمِيدا
اِمْلأِ الأُفْقَ مِنْ سَناً وَسَناءِ
اِمْلأِ الأُفْقَ مِنْ سَناً وَسَناءِ / وَتَرفَّقْ بِهَامَةِ الْجَوْزَاءِ
وَاسْمُ نَحْوَ السَّماءِ كَالْمَثَل الأَعْلَى / تَجَلَّى مُحَلِّقاً في السماءِ
تَجْتَلِيكَ النُّفوسُ طَالِعَ سَعْدٍ / وَتَرَاكَ الْعُيُونُ لَمْحَ رَجَاءِ
رَافِعٌ رَأْسَهُ يَشُقُّ بِهِ السُّحْبَ / فَتَمْضِي في رَهْبَةٍ وَحَيَاءِ
شَمَمٌ عَافَ أنْ يَعِيشَ عَلَى الأَرْ / ضِ فَفَازَتْ بِهِ طِبَاقُ الْجِواءِ
منْ سِوَى ذِي الْمَضَاءِ وَالْهِمَّةِ الشَّماءِ / أَوْلَى بِالْقِمَّةِ الشمَّاءِ
نَاظِرٌ يَعْبُرُ الْوُجودَ بِلَحْظَيْهِ / فَيَجْتَازُ مُسْتَسِرَّ الْخَفَاءِ
تَتَجلَى لهُ الحَيَاةُ سُطُوراً / مِنْ ضِيَاءٍ لاَ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ
وَيَرَى مِنْ وَرَائِهَا كُلَّ سِرٍ / جَلَّ مَكْنُونُهُ عَنِ الإفْشَاءِ
وَاقِفٌ كَالْخَطِيبِ فَانْتَبَهَ الشَّرْ / قُ وَمَدَّ الأَعْنَاقَ لِلإِصْغَاءِ
رُبَّ صَمْتٍ مِنَ الَبَيَانِ رَهِيبٍ / حُرِمَتْهُ مَقَاوِلُ الْبُلَغَاءِ
وإِذَا جَلَّتِ الْمَعَانِي تَسَامَتْ / عَنْ قُيُودِ الأَفْعَالِ والأَسْمَاءِ
يَتَأَبَّى السَّيْلُ الَّذِي يَصْدَعُ الأَجْبَالَ / أَنْ يَحْتَوِيهِ جَوْفُ إِنَاءِ
وَإِذَا لَمْ تَع الْمَعَأنِي فَنَقِّبْ / تَجِدِ الْعَيْبَ كلَّهُ في الْوِعاءِ
بَيْنَ مَعْنىً قَزْمٍ يَجُرُّ رِدَائَيْهِ / وَمَعْنىً ضَخْمٍ قَصِيرِ الرِّدَاءِ
رُبَّ فِكْرٍ في النَّفْسِ وَهْوَ مُضيءٌ / أَخْمَدَتْهُ فَهَاهَةُ الْفَأْفَاءِ
كَانَ في مَوْتِهِ مِنَ الْخُلْدِ مَعْنىً / فَوْقَ مَعْنَى الْحَيَاةِ والأَحْيَاءِ
عِشْتَ حُرّاً فَكَانَ خَيْرَ قَرِينٍ / لَكَ بَعْدَ الْحَيَاةِ طَلْقُ الْهَوَاءِ
تَزْدَهِي الطَّيْرُ بِالزَّعِيمِ وَتَهْفُو / بِجَنَاحَيْنِ مِنْ هَوىً وَوَفَاءِ
كُلَّمَا غَنَّتِ الْبلاَدُ بِسَعْدٍ / رَدَّدَتْ في السمَاءِ لَحْنَ الْغِنَاءِ
وَهْوَ عَالٍ كَذِكْرِهِ مَلأَ الأَرْ / ضَ وَأَلْوَى بِعاصِفَاتِ الْفَنَاءِ
إِنَّ مَنْ لَمْ يُبَالِ بِالمَوْتِ حَيّاً / فَازَ مِنْ بَعْد مَوْتِهِ بِالْبَقَاءِ
في صَفَاءٍ مِنَ الطَّبِيعَةِ كَالْحَقِّ / إِذَا لَمْ يَشِنْهُ ثَوْبُ الرِّيَاءِ
تَقْبِسُ الشَّمْسُ نُورَهَا في الصُّبْحِ / وَزُهْرُ النُّجُومِ عِنْدَ الْمَسَاءِ
في حَفِيفٍ مِنَ النَّسِيمِ رَفِيقٍ / وجَمِيمٍ عَذْبٍ مِنَ الأَنْدَاءِ
لاَ يُبَالِي الأَنْوَاءَ مِنْ بَعْدِما عَا / شَ حَيَاةً كَثِيرَةَ الأَنْوَاءِ
تَحْتَهُ النِّيلُ في الْخَمَائِلُ يَمْشِي / خَافِضاً طَرْفَهُ عَلَى اسْتِحْيَاءِ
سَارَ يُزْهَى بِشَاطِئَيْهِ طَلِيقاً / نَحْنُ أَدْرَى بِنِعْمَةِ الطُّلَقَاءِ
يَزْأَرُ الْمَوْجُ فِيهِ غضبانَ أَنْ ضَا / قَ بِمَا يَسْتَحِقُّ مِنْ إِطْرَاءِ
هُوَ مَجْرىً مِنَ الْبَشَائِرِ وَالآ / مَالِ مُثِّلْنَ في غَرِينٍ وَمَاءِ
هُوَ حِيناً حَوْلَ الرُّبَا مِنْ نُضَارٍ / وَهْوَ حِيناً مِنْ فضَّةٍ بَيْضَاءِ
قَبَّلَتْهُ الأَزْهَارُ وَهْوَ أَبُوهَا / كَمْ حَنَانٍ في قُبْلَةِ الأَبْنَاءِ
قِفْ كَما شِئْتَ وَقْفَةَ اللَّيْثِ يَا / سَعْدُ قَلِيلَ الأَنْدَادِ وَالنُّظَرَاءِ
مِصْرُ غِيلُ الشَّرْقِ الَّذِي عَلَّمَ الأُسْدَ / صِيَانَ الْحِمَى وَفَتْكَ الضِّرَاءِ
نَابُهَا الْحُجَّةُ الضَّرُوسُ وَأظْفَا / رُ يَدَيْهَا عَزِيمَةُ الْبُسَلاَءِ
زَأَرَتْ مِصْرُ فَاسْتَطَارَ لَهَا الشَّرْ / قُ وَلَبَّى مُثَوِّباً لِلْنِّدَاءِ
وَأمَاطَ الْحِجَابَ عَنْ نَاظِرَيْهِ / وَمَضَى يَسْتَخِفُّ بِالأَرْزَاءِ
قِفْ مُشِيراً إِلى الْفَضَاءِ فَذِكْرَا / كَ مَدَى الدَّهْرِ مِلءُ هَذا الْفَضَاءِ
حَفِظَتْهَا الأَبْنَاءُ أُنْشُودَةً الْمَهْدِ / وَكانَتْ عَقِيدَةَ الآبَاءِ
قِفْ وَشَاهِدْ مَصْرَ الطَّلِيقَةَ تَجْرِي / شَوْطَهَا في تَوَثُّبٍ وَمَضَاءِ
ذَهَبَ الْقَيْدُ في الرِّيَاحِ وَوَلَّى / وَبَدَا وَجْهُهَا وَضِيءَ الرُّوَاءِ
لَيْسَ يَدْرِي حَلاَوَةَ النُّجْحِ إِلاَّ / كَادِحٌ ذَاقَ فِيهِ مُرَّ الْعَنَاءِ
وَنَعِيمُ السَّرَّاءِ يَجْهَلُ مَعْنَا / هُ فَتىً لَمْ يُمَسَّ بِالضَّرَّاءِ
مَرْحَباً بِالشَّدَائِدِ الدُّهْمِ يَتْلُو / هَا صَبَاحٌ مِنْ نِعْمَةٍ وَرَخَاءِ
عَلَّمَتْنَا أَلاَّ نَبِيتَ عَلَى ضَيْمٍ / وأَلاَّ نَبْكي بُكَاءَ الإِمَاءِ
وَأَرَتْنَا أَنَّ النهَايَةَ لِلصَّبْرِ / إِذَا حَاطَهُ كَرِيمُ الإِبَاءِ
كِبْرِيَاءُ الشُّعُوبِ سِرُّ عُلاَهَا / لَمْ تَسُدْ أُمَّةٌ بِلاَ كِبْرِياءِ
إِنَّ تِمْثَالَكَ الَّذِي هُوَ رَمْزٌ / لِلأَمانِي وَالْهِمَّةِ الْقَعْسَاءِ
بَارِزٌ في الضَّمِيرِ مِنْ كلِّ نَفْسٍ / بَاعِثٌ نُورَهُ إِلَى كُلِّ رَائِي
قَدْ أَجَادَ الْمَثَّالُ مَا تَصْنَعُ الْكَفُّ / وَمَا يَسْتَطِيعُ وَحْيُ الذَّكاءِ
غَيْرَ أَنَّ النَّفْسَ الْكَبِيرَةَ خَلْقٌ / فَوْقَ طَوْقِ التَّصْوِيرِ وَالإِيحَاءِ
مَنْ تُرَى يَسْتَطِيعُ تَصْوِيرَ فِكْرٍ / لَكَ أَمْضى مِنْ رَجْعَةِ الأَصْدَاءِ
مَنْ تُرَى يَسْتَطِيعُ تَصْوِيرَ فِكْرٍ / لَكَ أَمْضى مِنْ رَجْعَةِ الأَصْدَاءِ
مَنْ تُرَى يَسْتَطِيعُ تَصْوِيرَ رَأْيٍ / أَلْمَعِيَ كالْكَوْكَبِ الْوَضَّاءِ
أَيْنَ مَنْ يَرْسُمُ الشَّهَامَةَ وَالْحَقَّ / وَضِيءَ السَّنَا بعيدَ السَّنَاءِ
أَيْنَ مَنْ يَرْسُمُ الإِبَاءَ عَزِيزاً / وَجَلالَ الْهُدَى وَنُبْلَ السَّرَاءِ
صَوِّرُوا شَخْصَهُ وخَلُّوا الْمَعَاني / وَدَعُوهَا لِرِيشَةِ الشُّعَرَاءِ
نحْنُ أَحْرَى بِالرَّسْمِ مِنْ أَلْفِ مَثَّا / لٍ وَأَدْرَى بِشِيمَةِ النُّبَغَاءِ
يَصْعَدُ الشعْرُ حَيْثُ لاَ تَصِلُ الشمْسُ / وَيَبْقَى عَلَى مَدَى الآناءِ
هُوَ خَطُّ الْجَمَالِ في صَفْحةِ الْكَوْ / نِ فَهَلْ لِلْجَمَالِ مِنْ قُرَّاءِ
شَرَفاً سَعْدُ قَدْ لَقِيتَ مِنَ الْفَا / رُوقِ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ مِنْ حَفَاءِ
مَلِكٌ يَقْدُرُ الرِّجَالَ وَتَعْلُو / في حِماهُ مَرَاتِبُ الْعُظَمَاءِ
كُلَّمَا أَثْنتِ الْمَعَالي عَلَيْهِ / كَانَ فَوْقَ الْعُلا وَفَوْقَ الثَّنَاءِ
حُبُّهُ جَمَّعَ الْقُلُوبَ كَمَا / تَجْمَعُ بَلُّورَةٌ شَتِيتَ الضِّيَاءِ
حِكْمَةٌ زَانَها الشَّبَابُ فَأضحَتْ / قَبَساً لِلْهُدَاةِ وَالْحُكَمَاءِ
وَجَلاَلٌ لِمثْلِهِ يَخْشَعُ الطَّرْ / فُ وَتَعْنُو الْقُلُوبُ بِالإِيمَاءِ
قَدْ فَدَيْنَا لِوَاءَهُ في يَدَيْه / وَفَدَيْنَاهُ حَامِلاً لِلِّوَاءِ
هَتَفَ الْمَجْدُ بِاسْمِهِ وَاسْتَضَاءَتْ / بِسنَاهُ زَعَامَةُ الزُّعَمَاءِ
قَدْ مَلأْتُ الْوُجُودَ شِعْراً بِمَدْحِيهِ / وَمَا زِلْتُ بَيْنَ بَاءٍ وَتَاءِ
يَنْتَهي جُهْدُ كُلِّ مَدْحٍ وَوَصْفٍ / وَمَدَى فَضْلِهِ بِغَيْرِ انتِهَاءِ
ذُؤابةُ مجدٍ ما أجلَّ وما أسْمَى
ذُؤابةُ مجدٍ ما أجلَّ وما أسْمَى / ووثْبَةُ شَأْوٍ كاد يستبقُ النجمَا
وماذا يقولُ الشعْرُ والوهْمُ جُهْدُه / وقَدْرُ عَليٍّ يبَهرُ الشعْرَ والوَهْما
وأنّى يمدُّ ابنُ القوافي جَناحَهُ / إلى رقمةٍ شمَّاءَ أعجزتِ العُصْما
يضيقُ البيانُ العبقريُّ مَهابةً / إذا لمح الآثارَ والحسَبَ الضخْما
يَهُمُّ فيعروه القُصورُ فينثني / وقد كان يقتادُ النجومَ إذا هَمّا
ومَنْ رامَ تصويرَ الملائِكِ جاهداً / فكيف له أنْ يُحكِمَ النقشَ والرسمْا
رُوَيْدَكَ قلْ يا شعرُ ما تستطيعُهُ / وغرِّدْ بما لا تستطيعُ له كَتْمَا
إذا اليَمُّ أعيا أن تُلِمَّ بِحَدِّهِ / فيكفيك عند الشَّطِّ أن تصفَ اليَمَّا
ويكفيك أنْ تدعو أبا الطبِّ باسمِهِ / فإنَّ العُلا صارتْ له لَقَباً واسما
فقلْ وانثُرِ الأزهارَ فوق مناقبٍ / تماثلُها حُسناً وتشبهُها شَمّا
وخُذْ من فَم الدنيا الثناءَ فطالما / أشادتْ به نثراً وغنّتْ به نظما
وحدِّث به الآفاقَ إنْ شئتَ إنَّها / وقد عَرَفَتْهُ لن تزيدَ به عِلمْا
دعوني أوفِّي بالقريضِ ديُونَه / فقد عاد غُرْماً ما توهمتُه غُنْما
سَمَوْتُ إليه والظلامُ يلُفُّني / فيملؤُني رُعْباً وأمْلؤُه هَمَّا
أسيرُ وفي قلبي من الحزنِ لوعةٌ / تكادُ تُذيبُ الصُّمِّ لو مسَّتِ الصُّمَّا
تركتُ ببيتي جُنَّةً آدميّةً / كأنَّ هلالَ الشكِّ كان لها جسما
شكتْ سُقْمَها حتى بكاها وِسادُها / وكاد عليها يشتكي السُّهْدَ والسُّقُما
يمزِّقها الموتُ العنيفُ صِراعُهُ / بأظفاره حُمْراً وأنيابِه سُحما
ففي البطن قَرْحٌ لا يكُفُّ لهيبُه / وفي الرأس نارٌ لا تبوخُ من الْحُمَّى
إذا قلبَتْها العائداتُ حَسِبْنها / خَيالاً فلا عَظْماً يَرَيْنَ ولا لحما
وقد وقف الطبُّ الحديثُ حِيالَها / عَيِيّاً يكادُ العجزُ يقتُله غمّا
وغادرها جَمْعُ الأساةِ كأنّهم / طيورٌ رمَى الرامي بدَوْحَتِها سَهْما
فلم يبقَ إلاَّ اليأسُ واليأسُ قاتلٌ / وأقتلُ منه نِيَّةٌ لم تجِدْ عَزْمَا
فقلتُ عليٌّ ليس للأمرِ غيرُه / إذا ما أدار الدهرُ صفحتَه جَهْما
أبو الحسنِ الْجَرّاحُ فخرُ بلادِهِ / وأكرمُ مَنْ يُرْجَى وأشرفُ من يُسْمَى
فَزُرْ داره يلقاكَ قبل ندائِه / فَثَمَّ الذي ترجوه من أملٍ ثَمّا
فما سرتُ نحو البابِ حتى رأيتُه / تقدَّمَ بسَّامَ الأساريرِ مهتمّا
وقد فهِمَتني عينُه وفهمْتُه / وكان بحمدِ اللّهِ أسرَعَنا فهما
وجاء وجِبْريلُ الأمينُ أمامَهُ / يَمُدُّ جَناحاً من حَنانٍ ومن رُحْمَى
وجسَّ مكانَ الداءِ أَوَّلَ نَظرةٍ / كأنَّ له عِلْماً بموضِعه قِدْما
فما هو إلاّ مِبْضَعٌ في يمينِه / أطاح بناب الموتِ واستأصل السُّمَا
وردّ إلى أهلي حياةً عزيزةً / وبدّلهم من بُؤسِ أيامِهم نُعْمى
متى ذكروه في خُشوعٍ تذكَّروا / مآثِرَهُ الْجُلَّى ونائَله الْجَمّا
إذا ما امرؤ أهدَى الحياةَ لميِّتٍ / فذلك قد أهدَى الوجودَ وما ضَمَّا
له مِبْضَعٌ تجري الحياةُ بحدِّه / يُصيب حُشاشاتِ المنونِ إذا أدْمى
أحَنُّ على المجروحِ من أمِّ واحدٍ / وأرفقُ من طفلٍ إذا داعب الأمّا
تعلَّمَ منه البرقُ سرعَةَ خَطْفِهِ / إذا ما جَرى يستأصلُ اللحمَ والعظما
تكادُ وقد شاهدتَ وَمْضَ مَضائِهِ / تظنُّ الذي شاهدتَ من عَجَبٍ حُلْما
كأنّ به نوراً من اللّه ساطعاً / يُضيءُ له نَهْجَ الطَّريقِ إذا أَمَّا
أصابع أَجْدَى خِبْرَةً من أشعةٍ / وأصدقُ إنْ مرّتْ على جسدٍ حُكْما
فكم من حياةٍ في أنامِلها التي / تكادُ شفاهُ الطب تلثِمُها لَثْما
وكم من يَدٍ أسْدَتْ إذا شئتَ وصفَها / ضلِلْتَ بها كيْفاً وأخطأتها كَمّا
زها الشرقُ إعجاباً به وبمثلِه / وقد عاش دهراً قبلَه يشتكي العُقْما
إذا قَسَم اللّهُ الكريمُ لأمّةٍ / بنابغةٍ فَرْدٍ فقد أجزل القَسْما
هنيئاً لك العمرُ السعيدُ فإنّه / عُصارةُ دهرٍ ضمَّتِ العزمَ والحزما
بلغتَ به عُلْيا السنينَ وكلُّها / مَدارجُ مجدٍ تفرَعُ القِمَمَ الشُّما
كأنّك منه فوقَ ذِرْوةِ شامخٍ / ترَى من أمورِ الدهرِ أبعدَها مَرْمَى
زمانٌ مضَى في الْجِدِّ ما مَسّ شُبْهةً / ولا وصلتْ كفُّ الزمانِ به ذَمّا
بنيتَ به عزّاً لمصرَ فأينما / تلفَّتَّ تلقَى صَرْحَهُ سامقاً فَخْما
بذلتَ لها من صحّةٍ ورَفاهةٍ / فأولئك حُبّاً ما أبرَّ وما أسْمَى
وألهمتَها معنى الثناء ولفظَهُ / كريماً فخذْه اليومَ من فَمِها نَغْما
إذا كان للرحمنِ في الناسِ آيةٌ / فإنّك بينَ الناسِ آيتُهُ العُظْمى
تلاْلؤُ رأْيٍ يسلُبُ الشمسَ ضوءَها / وكاملُ خُلْقٍ علَّم القمرَ التِّمّا
فإن كرّمتْكَ اليومَ مصرُ فإنّما / تُكَرِّمُ من أبنائِها رجلاً شَهْما
فقل للذي يبغي لَحَاقَك جاهداً / رُوَيْدَكَ حتَّى يدخلَ الْجمَل السَّمَا
إذا ما رأى الناسُ المكارمَ حِلْيةً / فأنت تراها في العُلا واجباً حَتْما
فعش واملأ الدنيا حياةً وذُكْرَةً / فمثلُك يُعلى ذِكْره العُرْب والعُجْما
وَلَيْلَةٍ حَالِكَةِ الْجِلْبابِ
وَلَيْلَةٍ حَالِكَةِ الْجِلْبابِ / أغْطَشَ مِنْ خَافِيَةِ الْغُرَابِ
كَأَنَّهَا صَحِيفَةُ الْمُغْتَابِ / أَوْ حَظُّ مَحْدُودٍ مِنَ الْكُتَّابِ
أَوْ غَمَراتُ الزاخِرِ الْخِضَمِّ /
وَقَفْتُ فِيها وِقْفَةَ الْمُلْتَاحِ / أُسائِلُ النجْمَ عَنِ الصباحِ
فَقَالَ سَلْ عَنْهُ عَتِيقَ الرَّاحِ / أَوْ وَجَنَاتِ الْخُرَّدِ الْمِلاَحِ
فَلَيْسَ لِي بِشَأْنِهِ مِنْ عِلْمِ /
إنِّي رَأَيْتُ الْعُرُبَ الْحِسَانَا / يَصْبَغْنَ مِنْهُ الْخَدَّ وَالْبَنَانَا
ورَاهِباً أَظُنُّهُ فُلانَا / أَحْضَرَ بِالأَمْسِ هُنَا دِنَانَأ
وَرَاحَ وَهْيَ مُفْعَمَاتٌ تَهْمِي /
يا سارِقاتِ الصبْحِ طَالَ لَيْلي / فَدَيْتُكُنَّ بَعْضَ هَذَا الدَّلِّ
هلْ جازَ في ديِنِ الغَرامِ ذُلِّي / مَنْ لي بِأَنْ أَلْقَى الصَبَاحَ مَنْ لِي
بِاللَّمْحِ أَوْ بِاللَّمْسِ أَوْ بِاللَّثْمِ /
فِيكُنَّ ذاتُ حَسَبٍ ودِين / مُشْرِقَةُ الطَّلْعَةِ وَالْجَبِينِ
كَأنَّها إحْدَى الظِّباءِ الْعِينِ / مَنْ عاذِرِي فِيهَا وَمَنْ مُعِيني
عِيلَ بِهَا صَبْرِي وَطَاشَ حِلْمِي /
عَلِقْتُهَا صامِتَةَ الْحَجْلَيْنِ / أنْصَعَ مِنْ سَبِيكَةِ اللُّجَيْنِ
حَوْراءَ مِلءَ الْقَلْبِ مِلءَ الْعَيْنِ / كَأنَّها اللِّقاءُ بَعْدَ الْبَيْنِ
أوْ عَوْدَةُ الشفاءِ بَعْدَ السُّقْمِ /
حَدِيثُهَا سُلافَةُ النَّديِمِ / وخُلْقهَا تواضُعُ الْيَتِيمِ
فَدَيْتُهَا مِنْ مَلَكٍ كَرِيمِ / تَعْرِفُ فِيهَا نَضْرَةَ النَّعِيمِ
أنْقَى وأصْفَى مِنْ نِطافِ الغَيْمِ /
أَبْرَزْنَها يَوْماً فَقُلْتَ وَاهَا / قُتِلْتُ إِنْ شَبَّبْتُ في سِواهَا
كَأَنَّهَا والْحُسْنُ قَدْ جَلاَّهَا / لُؤْلُؤَةً تَبْهَرُ مَنْ رَآهَا
أَلْقَى به الْغَوّاصُ قُرْبَ الْيَمِّ /
لَيْلاَيَ يا مضيئة اللَّيْلاَتِ / يا مَلَكَ الرحْمَةِ والنَّجاةِ
عَرَفْتُ مِنْكِ كَرَم الصِّفاتِ / وَقيمَةَ الْحَيَاةِ في الْحَيَاةِ
إِنْ كانَ لي نُعْمٌ فَأَنْتِ نُعْمي /
عِيدَ الْجُلُوسِ صَدَقْتَ وَعْدَكَ
عِيدَ الْجُلُوسِ صَدَقْتَ وَعْدَكَ / بِالْمُنَى وَصَدَقْتُ وَعْدِي
عَلَّمْتُ طَيْرَ الْوَادِيَيْنِ / فَغَرَّدَتْ بِحَنينِ وَجْدي
وَنَظَمْتُ فِيكَ فَرَائِداً / كَانَتْ لِجِيدِكَ خَيْرَ عِقْدِ
الشعْرُ يُبْدِي فِيكَ زِينَتَهُ / وَوَجْهُ الرَّوْض يُبْدِي
نَثَرَ الربِيعُ بِكَ الْوُروُ / دَ نَضِيرَةً وَنَثرْتُ وَرْدِي
وَوََى الْبُرُودَ مِنَ الأَزَا / هِرِ وَانْتَقَى لَكَ خَيْرَ بُرْدِ
فِيهِ الريَاضُ تَبَرَّحَتْ / وَثَنَيْنَ مِنْ جِيدٍ وَقَدِّ
كَمْ مِنْ عُيُونٍ غَصَّةٍ / فِيهَا وَمِنْ ثَغْرٍ وَخَدِّ
وَجَرَى النَّسِيمُ مُضَمَّخَ الْ / أَرْدَانِ مِنْ مِسْكٍ وَنَدِّ
عِيدَ الْجُلُوسِ وَكَمْ حَوَتْ / ذِكْرَاكَ مِنْ عِزٍّ وَمَجْدِ
أَصْبَحْتَ وَحْدَكَ في الزمَا / نِ وَصِرْتُ في الشعَرَاءِ وَحْدِي
عِنْدِي لَكَ الدُّرَرُ الْحسَا / نُ وَأَيْنَ إِنْ لَمْ تُلْفَ عِنْدِي
اَلشعْرُ للأَمْلاَكِ خَيْرُ / ذَخِيرَةٍ وَأَعَزُّ بَنْدِ
صاغَتْ سَوَائِرُهُ لَهُمْ / تَاجَيْنِ مِنْ مَجْدٍ وَخُلْدِ
وَلَرُبَّ قَافِيَةٍ بهَا / مَا شِئْتَ مِنْ خَيْلٍ وَجُنْدِ
تَسْرِي فَلاَ صَعْبٌ بِصَعْبٍ / لا وَلاَ بُعْدٌ بِبُعْدِ
تَثِبُ الْجِبَالَ وَمَالَهَا / بَيْنَ الْكَوَاكِبِ مِنْ مصَدِّ
اَلشعْرُ زَنْدٌ للقَويِّ / وَعُدَّةٌ لِلْمُسْتَعِدِّ
كَمْ زَانَ مِنْ مُلْكٍ كَمَا ازْ / دَانَ الْمُهَنَّدِ بِالْفِرِنْدِ
عِيدَ الْجُلُوسِ وَأَنْتَ في الْ / أَعْيَادِ فَرْدٌ أَيُّ فَرْدِ
أَلْفَى بكَ الأَمَلُ الْبَعِيدُ / لِمِصْرَ أَكْرَمَ مُسْتَمَدِّ
وَتَواتَرَتْ نِعَمُ الإِلَهِ / تَجِلُّ عَنْ حَصْرٍ وَعَدِّ
فَارُوقُ يَا أُسَّ الرجا / ءِ وَمُلْتَقَى الركْنِ الأشَدِّ
جُمِّلْتَ بِالقَوْلِ السدِيدِ / وَسَاطِعِ الرأْيِ الأَسَدِّ
وَهَبَتْ لَكَ الدنْيا مَفَا / تِحَ مَجْدِهَا مِنْ غَيْرِ رَدِّ
وَضَمَمْتَ بُرْدَ شَبَابِكَ الزَا / هِي عَلَى جِدٍ وَجَدِّ
خُلُقٌ كأَزْرَارِ النسِيمِ / تَفَتَّحَتْ عَنْ نَفْحِ رَنْدِ
وَعَزِيمَةٌ لَوْ لاَطَمَتْ / أُحُداً مَضَتْ أَيَّامُ أُحْدِ
طَهُرتْ مِنَ الصَّلَفِ الذّمِيمِ / وَعُنْفُوَانِ الْمُسْتَبِدِّ
تَجْرِي على سَنَنِ الْمُهَيْمِنِ / بَيْنَ إِيمانٍ وَرُشْدِ
مَنْ سَارَ في نُورِ الإِلهِ / سَعَى إِلَيْهِ كُلُّ قَصْدِ
وَمَضَى فَعَادَ الوَهْدُ مُسْتَوياً / وَطَأْطَأ كُلُّ نَجْدِ
الْمَجْدُ وَهْوَ مُنَى الْحَيَا / ةِ أعِدَّ لِلْبَطَلِ الْمُجِدِّ
حَسْنَاءُ دُونَ حِجَابِهَا / رَصَدَانِ مِنْ هَجْرٍ وَصَدِّ
تقِفُ الْعُيُونُ حِيَالَهَا / حَيْرَى عَلَى شَغَفٍ وَسُهْدِ
مَهْرُ الْبُطُولَةِ مَا أَجَلَّ / فَمَنْ يُوَفِّي أَوْ يُؤَدِّي
لاَ تَبْكِ إنْ عَزَّ السبيلُ / فَإِنَّ نَوْحَكَ غَيْرُ مُجْدِي
وَاعْمَلْ بِجُهْدِكَ ما اسْتَطَعْتَ / فَلَنْ تَفُوزَ بِغَيْرِ جُهْدِ
فَالسَّيْفُ غِمْدٌ ما أَقَا / مَ وَلَمْ يُفَارِقْ جَوْفَ غِمْدِ
فَارُوقُ فَرْدٌ في الْجَلاَ / لِ يَجِلُّ عَنْ وَصْفٍ وَحَدِّ
الْعَبْقَريَّةُ أَنْ تُحَلِّقَ / للنُّجُومِ بِغَيْرِ نِدِّ
وَتَنالَ قَسْراً مِنْ فَمِ الدنْيَا / حَلاَوَةَ كُلِّ حَمْدِ
مَنْ كَالْمَلِيكِ إِذَا انْتَمَى / بَهَرَ الْعُلاَ بِأَبٍ وَجَدِّ
كَانَا لِمِصْرَ وَأَهْلِهَا / عَضُداً يَصُولُ بِخَيْرِ زَنْدِ
رَكِبَا الْعَزَاتِمَ لِلْعَظَا / ئِم بَيْنَ إِيجافٍ وَشَدِّ
مَلَكَا خِطامَ الْحَادِثا / تِ وَمِقْوَدَ الدهْرِ الأَلَدِّ
وَتَحَدَّيَا قَصَبَ السبَا / قِ فَأَذْعَنَتْ عِنْدَ التَّحَدِّي
شَرَفٌ إِذَا اخْتَارَ الْمُقا / مَ أَقامَ في عُلْيَا مَعَدِّ
فَلَكَمْ تَنَقَّلَ في الْعُلاَ / مِنْ مَهْدِ مَكْرُمَةٍ لِمَهْدِ
مِنْ كُلِّ أَرْوَعَ صادِقِ الرّ / مَيَاتِ كَالْوَتَرِ الْعُرُدِّ
جَعْدٍ أَبِيٍ يَنْتَمِي / لِمُوَثَّقِ الْعَزَماتِ جَعْدِ
جَلْدٍ وَهَلْ خَضَعَ الزما / نُ لِغَيْرِ صُلْبِ الْعُودِ جَلدِ
إِنِّي نَزَلْتُ بِجِيرَةٍ / بُسْلٍ عَلَى النَّجَدَاتِ حَشْدِ
أُنْسِيتُ أَهْلِي بَيْنَهُمْ / وَسَلَوْتُ إِخْوَانِي وَوُلْدِي
الضَيْفُ فِي سَاحَاتِهِمْ / يَجْتَازُ مِنْ رِفْدٍ لِرِفْدِ
عَقَدُوا خَناصِرَهُمْ عَلَى / صِدقِ الْوَفاءِ أَشَدَّ عَقْدِ
وَمَضَتْ أَوَاصِرُنَا تُمَد / إِلَى الْعُرُوبةِ خَيْرَ مَدِّ
فَارُوقُ عِشْ نَجْماً يُضِيءُ / بِيُمْنِ إِقْبالٍ وَسَعْدِ
قَدْ كَانَ عَهْدُكَ في عُهُو / دِ المالِكِينَ أَجَلَّ عَهْدِ
بَلَغَتْ بِهِ مِصْرُ الْمَدَى / وَتَخَلَّصَتْ مِنْ كُلِّ قِدِّ
خُذْهَا عُجَالَةَ شَاعِرٍ / تُغْنِي عَنِ الْقَوْلِ الْمُعَدِّ
سَلَكَتْ سَبِيلاً لَيِّناً / سَهْلاً وَجافَتْ كُلَّ صَلْد
وَالروْضُ إِنْ صَدَحَتْ بَلاَ / بِلُهُ صَدَحْنَ بِغَيْرِ كَدِّ
فَاهْنَأ بِعِيدِكَ في نَعِيمٍ / مُشْرِقِ الْبَسَماتِ رَغْدِ
تَفْدِيكَ مِصْرُ وَنِيلُها / عاشَ الْمُفَدَّى وَالْمُفَدِّي
أَتَدْرِي العُلاَ مَنْ شَيَّعتْ حينَ شَيَّعوا
أَتَدْرِي العُلاَ مَنْ شَيَّعتْ حينَ شَيَّعوا / ومَنْ ودَّعتْ يومَ الرَّحِيلِ وَوَدَّعُوا
بَكَيْنا فَلَمْ يَشْفِ البُكَا حُرْقَةَ النَّوَى / وَلكِن إذا ضَاق الفَتَى كَيْف يَصْنَعُ
تَهِيجُ بنا الذِّكْرَى فَيغْلِبُنا الأَسَى / وتدرِكنا رُحْمَى الإِلهِ فنَخْضَع
هو المَوْتُ سَهْمٌ في يَدِ اللّه قَوْسُهُ / فَلا الحزْمُ يَثْنِيه ولا الكَفُّ تَدْفَع
نَرُوحُ إِلى حاجَاتِا وَهْوَ راصِدٌ / وننثرُ من آمالِنا وهو يَجْمَعُ
بِنَفْسي أميناً في ثِيابِ شَبابِه / يَطِير به الأمْسُ الذي لَيْسَ يَرْجعُ
أقام كمَا تبْقَى الأَزَاهِيرُ لَمْحةً / وزَالَ كما زَال الْخَيالُ المَودِّع
فَقَدْناهُ فِقدانَ الكَمِيِّ سلاحَه / وما بين قِيدِ الرمحِ والرمحِ إِصْبع
فقدناه حتى قد فقدنا وجودَنا / فهل بَقِيَتْ إلاّ جُفونٌ وأدمع
فقدناه فِقْدانَ الأليفِ أليفَه / يصيحُ به في كل روضٍ ويسجَع
يسائلُ عنه الأفقَ والطيرُ حُوَّمٌ / ويستخبرُ الأمواهَ والطيرُ شُرَّعُ
يَدِفُّ فيحوي الأرضَ منه تأملٌ / ويعلو فيعلو النجمَ منه تطلُّع
يظنُّ حفيفَ الدوحِ خَفْقَ جَناحِه / إذا همستْ منه غصونٌ وأفْرعُ
ويحسَبُ تَحنانَ الغديرِ هَديلَه / فيحبِسُ من زَفْراتِهِ ثم يَسْمع
لقد ملَّتِ الغاباتُ مما يجوسُها / وملَّ صِماخُ الليلِ ممّا يُرَجِّع
له أنَّةُ المجروحِ أعيا طبيبَه / وضجَّ لما يشكو وسادٌ ومَضْجَع
كأنَّ جَناحَيْهِ شِراعُ سفينةٍ / دهتها من الأرواحِ نَكْباءُ زَعْزَع
تضاحِكُهُ الآمالُ حِيناً فيرتجي / ويَجْبَهُهُ اليأسُ العبوسُ فيخشَع
لدَى كلِّ عُشٍّ صاحباه وعُشُّه / خليُّ من الأُلاَّفِ فَقْرٌ مُصَدَّع
عَزاءً عزاءً أيها الطيرُ إِنما / لكل امرىءٍ في ساحةِ العمرِ مَصْرَعُ
فأَين من الطيرِ الهديلُ وَوُلْدُهُ / وأين من الأملاكِ كِسْرَى وتُبَّعُ
طواهم خِضَمُّ لا يُنادَى وليدُه / يطوِّحُهم آذِيُّهُ المتدفِّع
رمتني الليالي قبلَ نَعْيكَ رَمْيَةً / عرَفتُ بها كيف القلوبُ تَقَطَّع
نِصالٌ حِدادٌ قد ألِمْتُ لحَمْلِها / وأعْلَمُ أني هالكٌ حين تُنْزَع
فلما رماني سهمُك اليومَ وانطوتْ / عليه جُنوبٌ خافقاتٌ وأضْلع
أَمِنْتُ على قلبي السهامَ فلم يَعُدْ / به بعد خطبِ الأمسِ واليومِ مَوْضِع
أأنسَى أميناً والشبابُ يَحُفُنَّا / جديداً وروضُ الوُدِّ بالوُدِّ مُمرِعُ
بأرضٍ إذا غَصَّ النَّهارُ بِغَيْمِها / فوجهُ أمينٍ أينما لاح يَسطَع
نَسِيتُ به أهلي ويا رُبُّ صاحبٍ / أبرُّ من ابن الأم قلباً وأنفع
يغالبني شوقٌ إلى الفنِّ رائعٌ /
ويجذِبُه مَيْلٌ إِلى العِلم أرْوَع /
نروحُ ونغدو لاهِيَيْنِ ولم نكن / نخاف رزايا الدهرِ أو نتوقَّع
ونضحَكُ للدنيا اللعوبِ وزُورِها / ونمرَحُ في زَهْوِ الشباب ونرتَع
وكنا نرَى الأيامَ أحلامَ نائمٍ / فأيقظنا منها الأليمُ المُرَوِّع
وكانت غِناءً كلُّها ثم أصبحت / وليس بها إلاَّ الرثاءُ المفَجِّع
أتذكرُ إذ نمشي إلى الدرسِ بُكْرَةً / بِنُوتِنْجِهامٍ تستحِثُّ فأُسرع
وقد حجب الشمسَ الضبابُ كأنَّما / تلا الليلَ ليلٌ عاكرُ اللونِ أسْفَعُ
بلادٌ كأنَّ الشمسَ ماتت بأُفْقِها / فظلّتْ عليها أعينُ السُّحْبِ تَدمَع
كأنَّ المصابيحَ الخوافقَ حَوْلَنا / سيوفُ وَغىً في ظلمةِ النَّقْعِ تلمَع
كأنَّ بياضَ الثلجِ يُنْثَرُ فوقَنا / صحيفتُك البيضاءُ بل هي أنصع
تُناقِلني حُلْوَ الحديث كأنَّه / وقد رقَّ معناه الرحيقُ المُشَعْشَع
خِلالٌ كريماتٌ أرق من الصبا / وأنضرُ من وَشْيِ الرياضِ وأضْوع
وَلِعْتُ بها عُمْري وأكْبَرْتُ ربها / وإني بأخلاقِ الكرامِ لمُولَع
وقد كنتَ عفَّ النفسِ واللفظِ والنُّهى / فلا الرأْيُ مأفونٌ ولا القولُ مُقْذِع
تكُدُّ كما كدَّ النِمالُن وترتوي / زُلالاً من العلم الصحيح وتَكْرَعُ
فتىً طَلب الدُّنيا كَرِيماً فنَالَها / ولَيْس له فيها سِوَى المجْدِ مَطْمَعُ
وسَعْيث كَبِيرِ النَّفْسِ مُكْبِرٌ / وسَعْيُ صَغيرِ النَّفْسِ مُخضِع
وأعْظَمُ أَخْلاقِ الفَتَى هِمَّةُ الفَتَى / وعَزْمٌ حَدِيدُ النَّصل لا يَتَزَعْزَع
إذَا وَفَّقَ اللّهُ امْرأً في طِلاَبِه / دَنَا الصَّعْبُ وانْقَاد العَسِير المُمَنَّع
قَنِعْنا بما دُونَ القَليلِ ولَمْ تَكُنْ / بِغَيْرِ جَلِيلاتَ المَطَالب تَقْنَع
وعُدْتَ وفي يُمْنَاكَ أَسْمَى شَهادةٍ / وأَشْرَفُ عُنْوانٍ لمِصْرَ وأَرْفَع
رَسمتَ لشُبَّانِ البِلاَدِ طَرِيقَهمْ / فأَبْدَعْتَ فيما قَدْ رَسَمْت وأَبْدَعُوا
ومَنْ طَلَب المَجْدَ المَنِيعَ فَما له / سِوَى سِيرَةِ الأَبْطَالِ في النَّاس مَهْيَعُ
وقد كُنْتَ في كُلِّ المَناصِبِ سَيِّداً / تَزِينُك في الدُّنْيا خَلاَئِقُ أَرْبَع
فَحْزمٌ كما ترْضى العُلاَ وتواضُعٌ / وعَزْمٌ كما تَرْضَى العُلا وترَفُّعُ
لَكَ البسْمَةُ الزَّهْرَاءُ تَلْمَعُ كالضُّحَى / وتُدْفىء مِنْ قَلْبِ الجَبَانِ فيَشْجُع
حَرِيصٌ على وُدِّ الصَّدِيق كأَنَّما / مَودَتُه العَهْدُ الذي لا يُضَيَّع
إِذا قَرأَ الأَوْرَاقَ للرَّأْيِ فاتَّئِدْ / فقَدْ قَرَأ الأَوْرَاقَ للرَّأْيِ أَلْمع
وإن صَدَعَتْ بالحُكْم يوماً شِفَاهُهُ / فلَيْس بغَيْرِ الْحَقِّ والعَدْلِ تَصْدَع
عَجِبْتُ لصَدْرٍ ضَاقَ بالدَّاءِ حِلْمُه / وأَرْجَاؤُه مِنْ شَاسِع البِيد أَوْسَعُ
مَرِضْت فقُلنْا مَشْرِفيُّ بِغمْده / تَوارَى ونَجْمٌ عَنْ قَلِيلٍ سيَطْلُع
ولَمْ نَدْرِ أَنَّ المَوْتَ باسِطُ كَفِّه / إلى الغُصْنِ في رَيْعَانِه وهو مُونِع
وأَنّ النَّوَى الْحَمْقَاءَ شَدَّتْ رِحَالَها / وأَنّ أَمِينَ الرَّكْبِ للبَيْن مُزْمِعُ
وأَنَّ المَعَالِي والمَكَارِمَ والحِجَا / سيَضْمنَها قَفْرٌ من الأَرْضِ بَلْقَع
وأَنَّ قَضَاء اللّهِ حُمَّ فمَا لَنَا / مَحِيصٌ ولا مِمَّا قَضَى اللّهُ مَفْزَع
إِذا بَرَعَ الطِّبُّ الحَدِيثُ فَقُلْ لَهُ / يَدُ المَوْتِ أَمْضَى مِنْ يَدَيْك وأَبْرَع
وإنّ الفَتَى ماضٍ وماضٍ طَبيبُه / وعائدُه مِنْ بَعْدِه والمُشَيِّع
أَمِينُ وظِلُّ المَوْتِ يَفْصِلُ بيْننَا / سَبَقْتَ وإِنِّي عَنْ قَلِيلٍ سأَتْبع
ونَرْجع للْحُسْنَى كَمَا كَانَ عَهْدُنا / فَلاَ نَشْتَكِي هَمّاً ولا نَتَوجَّع
وما مَاتَ مَنْ أَبْقى ثَنَاءً مُخلَّداً / وذِكْراً يُسَامِي النَّيِّراتِ وَيفْرَع
إِذا ذَهَب المِسْكُ الذَّكِيّ فإِنّه / يَزُول وَيبْقَى نَشْرُه المُتَضَوِّع
الْيَوْمُ يومُكِ مِصْرُ
الْيَوْمُ يومُكِ مِصْرُ / للّه حَمْدٌ وَشُكْرُ
فَلَنْ يَرُوعَكِ رِقٌّ / وَلَنْ يَمَسَّك أَسرُ
وَكُلُّ ما فيكِ صَفْوٌ / وَكُلُّ مَنْ فِيكِ حُرّ
سَعْدٌ يَحُوطُ بَنِيه / وَهْوَ الأَعَزّ الأَبَرّ
دَعَتْهُ مِصْرُ فَلَبَّى / وَالْوَجْهُ يَعْلُوهُ بِشْر
في سَاعَةٍ لَيْسَ فِيهَا / مِنَ الفِرَارِ مَفَرّ
الْمَوْتُ يَحْصُدُ حَصْداً / وَالسِّجْنُ لِلْحُرِّ قَبْر
والأَرْضُ تَهْتَزُّ رُعْباً / فَمَا لَهَا مُسْتَقَرُّ
يَسْرِي مَعَ اللَّيْلِ هَمٌّ / وَيَخْنُقُ الشَّمْسَ ذُعْرُ
تَحَدُّثُ النَّاسِ هَمْسٌ / كَأنَّمَا هُوَ فِكْرُ
وَمِصْرُ تَرْقُُ سَطْراً / لِلْمَوْتِ يَتْلُوهُ سَطْر
إِذَا نِدَاءٌ جَهِيرٌ / يَهُزُّ مِصْرَ وَزَأْر
زَأرُ الْهِزَبْرِ الْمُفَدَّى / سَعْدٍ وَنِعْمَ الْهِزَبْر
دَعَوْتَ قَوْمَكَ حَتَّى / أَسْمَعْتَ مَنْ فِيهِ وَقْرُ
وَقُمْتَ فِيهِمْ خَطيباً / لَهُ عَلَى الْقَوْلِ أَمْرُ
مُفَضَّلاَتٌ قِصَارٌ / لَهَا رنينٌ وَنَبْر
وَحِكْمَةٌ في بَيَانٍ / إنَّ الْبَيَانَ لَسِحْر
قَلْبٌ أبِيُّ شَمُوسٌ / عَلَى الْخُطُوبِ وَصَدْر
وَعَزْمَةٌ مِنْ حَدِيدٍ / لَهَا عُرَامٌ وَأَزْر
أَبَتْ عَلَى الدَّهْرِ ليناً / سِيّانِ عُسْرٌ وَيُسْر
بَانِي الجِبَالِ بَنَاهَا / مَنِيعَةً لا تَخِرّ
فلم يَكُنْ غيرَ سعدٍ / لمصرَ رِدْءٌ وذُخْرُ
فلم يكُنْ غيرَ سَعْدٍ / للناسِ وِرْدٌ وذِكْر
جاءوا إِليكَ سِراعاً / لهم أزيزٌ وهَدْرُ
الشيخُ يتلوه قَسٌّ / والقَسُّ يتلوه حبْرُ
ودينُهم حُبُّ مِصْرٍ / وغيرُ ذلكَ كُفْر
في كلِّ قلبٍ يقينٌ / وحسنُ عَزْمٍ وصَبْر
وليس في الكفِّ بِيضٌ / وليس في الكفِّ سُمْر
فَقُدْتَهُمْ نحوَ فَخْرٍ / لمِصرَ يتلوه فَخْرُ
رُوحٌ من اللّهِ جاءت / من السماء ونَصْر
ونَهْضَةٌ كان فيها / للّهِ قَبْلَكَ سِرُّ
سِرْ بالسفينَةِ هَوْناً / فليس ثَمَّةَ صَخْر
البحرُ صافٍ أمينٌ / وأنتَ بالسفْرِ بَرُّ
تَعيِشُ مِصْرُ وتبقَى / فَقُرَّةُ العَيْنِ مِصْرُ
يا نَاديَ العلَمين صرتَ لفتيةٍ
يا نَاديَ العلَمين صرتَ لفتيةٍ / كانت مواقفُهم بمصرَ مشرِّفهْ
قد توَّج النطق الكريم جهادَهم / وسما بمن يبني العقولَ وأنصفه
زادوك ميماً فازدهيتَ بحسنها / تيهاً ولم تكُ غيرَ ميم المعرفه
أَسَمِعْت شَدْوَ الطائر الغِرِّيدِ
أَسَمِعْت شَدْوَ الطائر الغِرِّيدِ / هَزِجاً يُنَاغي فَجْرَ يَوْمَ العِيدِ
وَبَدَا عَمُودُ الصُّبح أَبْيَضَ ناصِعاً / كالسَّلْسَلِ الضَّحْضَاحِ فَوْق جَلِيدِ
أو كاليدِ البَيْضَاءِ تَنْضَح بالنَّدَى / والغيث أو جِيدِ العَذَارَى الغِيدِ
أَو كاقْتِبَالِ الْحُسنِ بعد تَحَجُّبٍ / أو كابتسام الدَّلِّ بعد صُدُودِ
وإِذا لَمحْتَ الشَّرْقَ خِلْتَ عَرَائِساً / مَاسَتْ بثوبٍ كالشَّباب جَدِيدِ
يَرْفُلْنَ في ضَافِي الضِّيَاءِ نَوَاعِماً / في سِحْرِ أنغامٍ وَلينِ قُدُودِ
وَدَمُ الشّباب له روائعُ نَشْوَةٍ / ما نَالَها يوماً دَمُ العُنْقُودِ
ما بين طَرْفٍ بالخديعة ناعِسٍ / ثَمِلٍن وآخَرَ في الهوى عِرْبِيدِ
وَدَّعْتُ أيام الشباب حَوَافِلاً / من بعدها عَصَفَ المشِيبُ بعُودِي
فإِذا خَطَرْنَ فَهُنَّ رُؤْيَا نَائِمٍ / وإِذا هَمسْنَ فَهُنَّ رَجْعُ نَشِيدِ
أَرْنُو إِلى عَهْدٍ لَهُنَّ كأَنمَا / أَرْنُو لِنَجْمٍ في السَّمَاءِ بَعِيدِ
وأَرَى الحياة بلا شَبَابٍ مِثْلَمَا / لَمَعَ السَّرابُ بِمُقْفِرَاتِ البِيدِ
إنَّ الشَّبَابَ رَحِيقُ أَزْهَارِ الرُّبا / وَحَفِيفُ غُصْنِ الْبَانَةِ الأُمْلُودِ
ومَطِيَّةُ الآمال في رَيْعَانِهَا / وسِرَاجُ لَيْلِ السَّاهِدِ المَجْهُودِ
وبَشَاشَةُ الدُّنيا إذا ما أقْبَلَتْ / ونجاةُ وَعْدٍ مِنْ أَكُفِّ وَعِيدِ
هو في كتاب العمرِ أَوَّلُ صَفْحَةٍ / بُدِئتْ بِبِسْمِ اللّهِ وَالتَّحْمِيدِ
وربيعُ أيَّام الحياةِ تَبَسَّمَتْ / رَوْضَاتهُ عن ضَاحِكاتِ وُرُودِ
أَهْدَى لها الوَسْمِيُّ نَسْجَ غَلاَئِلٍ / وَأتَى الوَلِيُّ لها بوَشْيِ بُرُودِ
وسَرَى النَّسِيم بهَا يُغَازِلُ أَعْيُناً / من نَرْجِسٍ ويَشَمُّ وَرْدَ خُدُودِ
إِنَّ الشباب ومَا أُحَيْلَى عَهْدَه / كالواحَةِ الْخَضْرَاءِ في الصَّيْهُودِ
تَلْقَى بها ماءً وظِلاً حَوْلَهُ / جَدْبُ الْجَفَافِ وقَسْوَةُ الْجُلْمُودِ
إِنّي طَرَحْتُ مِنَ الشباب رِدَاءَهُ / وثَنَيْتُ عَنْ لَهْوِ الصَّبَابَةِ جِيدِي
وَاخْتَرْتُ من صُحُفِ الأَوائِلِ صَاحِبي / وجَعَلْتُ مأثُورَ البَيَانِ عَقِيدِي
ومَرَرْتُ بالتاريخِ أَملأُ نَاظِرِي / منه وأُحْيِي بالفناءِ وُجُودِي
كَمْ عَالمٍ قابَلْتُ في صَفَحَاتِه / ولَكَمْ ظَفْرتُ بفاتِحٍ صِنْدِيدِ
وإِذا التمسْتَ مِن الدُّهورِ رِسَالةً / فصَحَائِفُ التَّاريخِ خَيْرُ بَرِيدِ
أَحْنُوا إلى قَلَمي كأنّ صَرِيرَه / في مِسْمَعي المكْدُودِ رَنَّةُ عُودِ
وأَعيشُ في دُنْيَا الْخيالِ لأنَّني / أَحْظَى بها بالفائت المفْقُودِ
كَمْ لَيْلَةٍ سامَرْتُ شِعْرِيَ لاَهِياً / وَالنَّجمُ يَلْحَظُنَا بعين حَسُودِ
حِيناً يُراوغُنِي فأَنْظُرُ ضَارِعاً / فَيَلِينُ بعد تَنَكُّرٍ وجُحُودِ
ولقد أُغَرِّدُ بالقرِيض فَيَنْثَنِي / فأَنَالُ قَادِمَتَيْهِ بالتَّغْرِيدِ
طَهَّرْته ةمن كلِّ مَا تأبى النُّهَى / ويَعَافُهُ سَمْعُ الحِسَانِ الْخُودِ
وَبَعَثْتُ فِيهِ تَجَارِباً مَذْخُورَةً / هِيَ كلُّ أَمْوَالي وكلُّ رَصِيدِي
وَجعلْتُ تَشْبِيبِي بمِصْرَ ومَجْدِهَا / وشمَائِلَ الفَارُوقِ بَيْتَ قَصِيدِي
مَلِكٌ زَهَا الإِسلامُ تَحْتَ لِوَائِه / وَأَوَى لِرُكْنٍ من حِمَاهُ شَدِيدِ
إِنْ فَاتَ عَهْدُ الراشدينَ فَقَدْ رَأَى / في دَوْلَةِ الفَارُوق خَيْرَ رَشِيدِ
قَرَنَتْ مَنَابِرُه جَلاَئِلَ سَعْيِهِ / وَجِهَادِهِ بِشَهَأدَةِ التَّوْحِيدِ
وصَغَتْ مَسَاجِدُه لتَرْدِيدِ اسْمِهِ / فكأنما يَحْلُو عَلَى التَّرْدِيدِ
مَنْ يَجْعَلِ الإِيمَانَ صَخْرَةَ مُلْكِهِ / رَفَعَ البِنَاءَ عَلَى أَشَمَّ وَطِيدِ
كَمْ وقفةٍ لك في المَحَارِبِ جَمَّلَتْ / عِزَّ المُلوك بِخَشْيَةِ الْمعبُودِ
سَجَدَتْ لك الأيَّامُ حِينَ تَلَفَّتَتْ / فرأتك بينَ تَشَهُّدٍ وسُجُودِ
وتَطَلَّعَ الإِسْلاَمُ في أَمْصَارِهِ / يَهْفُو لِظلِّ لِوَائِكَ المَعْقُودِ
سَعِدَ الصِّيَامُ وشَهْرُهُ بمُجَاهِدٍ / عَبِقَ الوُجُودُ بِذِكْرِهِ المَحْمُودِ
فَنَهارُه للصَّالحاتِ ولَيْلُهُ / لِلْبَاقياتِ وللنَّدَى والْجُودِ
حَيَّيْتَ في المِذْيَاعِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ / مِنْهُ بقَولٍ مُحْكَمِ التَّسْدِيدِ
جَمَعَ السِّيَاسَةَ كُلَّها في أَحْرُفٍ / كالعِقْدِ أَلَّفَ بَيْنَ كُلِّ فَرِيدِ
وكَقَطْرَةِ العِطْرِ الّتي كَمْ جَمَّعَتْ / من نَوْرِ أَغْوَارٍ وَزَهْرِ نُجُودِ
قَوْلٌ بِهِ الْحِكَمُ الغَوَالي نُسِّقَتْ / ما بينَ منْثُورٍ وبَينَ نَضِيدِ
أصْغَى إليه الشَّرْقُ يَسْمَعُ دَعوَةً / قُدْسِيَّةً للبَعْثِ والتَّجْدِيدِ
وَزَهَتْ بهِ العَزَمَاتُ بَعْدَ ذُبُولِهَا / وَصَحَتْ به الآمالُ بَعْدَ رُقُودِ
للّهِ صَوْتكَ في الأَثِيرِ فَإِنّه / أَخَذَ الهُدَى والْحُسْنَ عَنْ دَاوُدِ
لَبَّيْكَ يا مَلِكَ القلوب فَمُرْ نَكُنْ / لَكَ طاعَةً واللّهُ خَيْرُ شَهِيدِ
إِنَّا بدَرْسِ الدِّينِ أَبْصَرْنَا الهدَى / نُوراً يُشِعُّ بِجَمْعِهِ المحشُودِ
وَبدَا المْلِيكُ بهِ يُمَجِّدُ رَبَّهُ / للّهِ مِنْ نُسْكٍ وَمِنْ تَمْجِيدِ
أَبْصَرْتُه والشَّعْبُ حَوْلَ بِسَاطِهِ / كَالطَّيْرِ رَفَّ لِوَرْدِهِ المَوْرُودِ
مَا أَسْمَحَ الإِسْلامَ يَجْمَعُ رَحْبُهُ / في اللّهِ بَيْنَ مُسَوَّد ومَسُودِ
حَرَسَتْهُ أَفْئِدَةٌ تُفْدِّي عَرْشَهُ / وَالْحُبُّ أَقْوَى عُدَّةٍ وعَدِيدِ
إِنَّ الْجُنُودَ بِه تَلُوذُ وَتَحْتَمِي / وَلَكَمْ عُرُوش تحْتَمِي بِجُنُودِ
يُصْغِي ويُنْصِتُ للكِتَابِ وَآيِهِ / في سَمْتِ مَوْفُورِ الجَلاَلِ حَمِيد
يا قُدْوَةَ الجِيل الْجَديِدِ وَذخْرَهُ / عِشْ لِلْمُنَى فَرْداً بِغَيرِ نَديدِ
حَارَ القَرِيضُ وكيفَ أَبْلُغُ غَايةً / هي فَوْقَ طَوقِ يِرَاعَتي وجُهُودِي
أَعْدَدْتُ أَلْوَانِي لأَرْسُمَ صُورَةً / أَيْنَ السُّهَا من سَاعِدِي المكْدُودِ
حِلْمٌ كما تُغْضِي الأُسُودُ تَكَرُّماً / وَعَزائِمٌ فِيهَا نِجَارُ أُسُودِ
وَفِرَاسَةٌ سَبَقَتْ حَوادِثَ دَهْرِهَا / حَتَّى كَأنَّ الغَيْبَ كالمَشْهُودِ
وإِرَادَةٌ تَفْرِي الصِّعَابَ شَبَاتُهَا / وَتَهُدُّ عَزْمَ الصَّخْرَةِ الصَّيْخُودِ
وَذكَاءُ قَلْبٍ لَوْ رَمَى حَلَكَ الدُّجَى / لَمضَى يُهَرْوِلُ في المُسُوحِ السُّودِ
مَوْلاَي إِنَّ الشِّعْرَ يَشْهَدُ أَنَّهُ / بَلَغَ المَدَى في ظِلِّكَ المَمْدُودِ
أَلْفَى خِلاَلاً لقَّنَتْهُ بَيَانَهُ / فَأَعَادَهَا كَالصَّادِحِ الغِرِّيدِ
فَلكَمْ بَعَثْتُ مَعَ الأَثِيرِ وَحِيدَةً / في فَنِّهَا تَشْدُو بِمُلْكِ وَحِيدِ
فَاهْنَأْ بِمِيلاَدِ الأَمِيرَةِ إِنَّهَا / عُنْوَانُ مَجْدٍ طَارِفٍ وَتَلِيدِ
وانْعَمْ بِعِيدِ الفِطْرِ واسْعَدْ بالمُنَى / في طالِعٍ ضَافي النَّعيمِ سَعِيدِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025