القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي محمود طه الكل
المجموع : 155
يا حبيبي أقبلَ اللَّيلُ وناداني الغَرامْ
يا حبيبي أقبلَ اللَّيلُ وناداني الغَرامْ /
أيُّ سرٍّ لمحبٍّ لم يُصَوِّرهُ الظلامْ /
كلُّ نجم مهجةٌ تهفو وعينٌ لا تنامْ /
وشعاعُ البدر معشوقٌ به جُنَّ الغمامْ /
يا حبيبي كلُّ عيشٍ ما خلا الحبَّ حرامْ /
وحرَامٌ يا حبيبي /
يا حبيبي غنَّت الفرحةُ في كلّ مكانِ /
فهُنا البُلبلُ يشدُو وهناكَ العاشقانِ /
غيرَ أنِّي أشتكي الوحشةَ في ظلّ التداني /
إنما روحُك في الكونِ وروحي توْأمانِ /
لا تدَعني أقطَع الأيامَ وحدي وأُعاني /
فحرَامٌ يا حبيبي /
يا حبيبي سئِمَ اللَّيل سكوتي واكتئابي /
أنا أهواكَ ولكن أنتَ لا تعلمُ ما بي /
لحظةً بين ذراعيكَ فقد طالَ عذابي /
لحظةً أمزجُ أنفاسَك بالقلبِ المذابِ /
وأُغنّي ويُغني لكَ حُبِّي وشبابي /
وسلامٌ يا حبيبي /
باللّهِ من أنباكْ
باللّهِ من أنباكْ / باللونِ والطعمِ
وما جَنَتْ كفّاكْ / يا غارسَ الكرْمِ
آدمُ أم حوّاءْ / أغراك بالغرسِ
يا شاربَ الصَّهباء / عَلاًّ بلا كأسِ
لو شَرِبا منها / ما نسِيا العهدَا
أو حُدِّثا عنها / ما هجرا الخُلدَا
صهباءُ ما كانتْ / من غرس إبليسِ
بل كرمةٌ زانتْ / خلقَ الفراديس
تسمو بها الأرواحْ / عَن عالم الإِثمِ
شفّافةُ الأقداحْ / في رقّةِ الحُلمِ
الكأسَ والقيثارْ / يا ربَّةَ الحسنِ
يا ربَّة الأشعارْ / غنِّي بها غنِّي
غنِّي بها روحاً / عُلوِيةَ الومْضِ
لو أدركتْ نُوحاً / عشنا بلا أرضِ
عشنا كأحلامٍ / في خاطر الأكوانْ
في عالمٍ سامٍ / لا يعرف الأحزانْ
هاتي اسْقِني هاتي / من دنِّها المختومْ
أنسَى بها الآتي / من عمريَ المحتومْ
طَلَعُوا جبابرةً عليكِ وثاروا
طَلَعُوا جبابرةً عليكِ وثاروا / وَوَقفْتِ أنتِ ورُوحكِ الجبَّارُ
عصفوا ببابكِ فاستُبيحَ فلم يكنْ / إلَّا جَهَنَّم هاجَها الإعصارُ
حربٌ إذا ذُكِرَتْ وقائعُ يومِها / شابَ الحديدُ لِهولِها والنارُ
لو قِيلَ أبطالُ العصورِ فمنهُمو / لحُماتِكِ الإعظامُ والإِكبارُ
أو عاَد هُوميرٌ وسحْرُ غنائهِ / ورأى مَلاحمَهم وكيفَ تُثارُ
وهمُو حُماةُ مدينةٍ محْصورَةٍ / دُكَّتْ على حُرَّاسِها الأسوارُ
نسِيَ الذي غنّاهُ في طُرْوادةٍ / وشدَا بهم وترنَّمَ القيثارُ
كم من أخيلٍ فيهمو لكنَّهُ / رُدَّ المُغيرُ بهِ وفُكَّ حِصارُ
لم تجْرِ مَلحَمةٌ بوصفِ كفاحِه / لكن جرت بدمائهِ الأنهارُ
نادَتْهُ من خَلفِ الشواطئِ أُمَّةٌ / هو عن حِماها الذائدُ المِغوارُ
إن يَسألوا عنه ففارسُ حَلْبة / لم يَخْلُ من وثْباتِه مضمارُ
أو يقرأوا تاريخَهُ فصحيفةٌ / إمضاؤُه فيها عُلىً وفخارُ
أو يبحثوا عن قبْرِهِ فمكانهُ / فيما يُظِلُّ العُشْبُ والأزهارُ
فيما يُغطِّي الثلْجُ تحت رُكامهِ / فيما تُعرِّي الريحُ والأمطارُ
هو مهجةٌ فنيَتْ بأرضِ مِعَادِها / ليتمَّ غرسٌ أو يَطيبَ ثِمارُ
هو موجةٌ ذابت ببحر وجودها / كيما يثورَ برحُها التيارُ
في شاطئٍ وقف العدوُّ إزاءَهُ / يبغي العبورَ ودونه أشبارُ
ما زال يدفعُ عنه كلَّ كتيبةٍ / حتى تلاشى الجحْفلُ الجرَّارُ
وهوى وفي شفتيْهِ بسمةُ ظافرٍ / أوْدى وتمَّ على يديهِ الثارُ
يُزهى به تحت الحديد وبأسِهِ / رأس يكلِّلُ مفرقيهِ الغارُ
يا ربَّةَ الأبطالِ لا هانَ الحِمى / وسلمْتِ أنتِ وقومُكِ الأحرارُ
أأقولُ أبناءُ الوغى أم جِنةٌ / وأقولُ آلهَةٌ أمِ الأقدارُ
يستنقِذونكِ من براثنِ كاسِرٍ / ماجتْ بهِ الآجامُ والأغوارُ
مُتربِّصِ السطوات تختبىءُ الرُّبى / وتفِرُّ من طُرُقاتِهِ الأشجارُ
قهَرَ الطبيعةَ صيفَها وشتاءَها / حتى أتاهُ شِتاؤكِ القهَّارُ
مجْد المدائن والقرى إن الذي / أبدعتِه فيه العقولُ تحَارُ
عجباً أأنتِ مدينةٌ مسحورةٌ / أم عالمٌ حاطَتْ به الأسرارُ
طُرُقٌ مُحيرةٌ يَضِلُّ ويَهتدي / فيها الكُماةُ وليسَ ثَمَّ قرارُ
عَزَّتْ على قَدَمِ العدوِّ كأنما / من زِئبقٍ صيغت بها الأحجارُ
ومنازلٌ مشبوبةٌ وكأنها / للجنِّ في وادي اللظى أوكارُ
وترى زَبانيَةَ الجحيمِ ببابها / ضاقت بهم غُرَفٌ وناءَ جدارُ
يتصارعون بأذرعٍ مخضوبةٍ / والسقفُ فوق رؤوسهم يَنهارُ
يتنازعون بها الطِّباقَ خَرائبا / دَمِيَتْ على أنقاضها الأظفارُ
ما زِلْتِ صامِدة لهم حتَّى إذا / سَهَتِ العقولُ وزاغتِ الأبصارُ
وتقَبَّضَ المستَقتِلونَ وعربدَتْ / أيدي الرُّماةِ وعرَّدَ البتَّارُ
وتقوَّض الحِصنُ المنيعُ ولم يكن / إلَّا جِدارٌ يحتويهِ دَمارُ
وقسَا عليكِ المرجِفون وحدَّثوا / أنْ ليس تمضي ليلةٌ ونهارُ
أطبقتِ كالنَّسرِ المحلِّقِ ما لهمْ / منه ولا من مِخلبيهِ فِرارُ
وتفرَّستكِ قلوبهم فترنَّحوا / رُعْباً وأنتِ الخمرُ والخمّارُ
وخَبَتْ مَدافِعُهم وذاب حديدهم / والثَّلجُ يَعجبُ واللَّظى الموَّارُ
يا فِتيَةَ الفُولجا تحيَّة شاعرٍ / رقَّتْ له في شدوِهِ الأشعارُ
ملاَّحُ وادي النِّيلِ إلا أنهُ / أغرَته بالتِّيهِ السَّحيقِ بحارُ
أبداً يطوِّفُ حائراً بشراعهِ / يَرمي به أُفقٌ وتقذِفُ دارُ
إني رَفعْتُ بكم مِثالاً رائعاً / يُوما إليهِ في العُلى ويُشارُ
لشبابِ مِصرَ وهم بُناةُ حياتِها / وحُماتُها إنْ حاقتِ الأخطارُ
وبمثلِ ما قدَّمتمو وبذَلْتُمُو / تغلو الدِّيارُ وترخُصُ الأعمارُ
هذي مَدينتُكم وذاك صِراعُها / رمزٌ لكلِّ بُطولةٍ وشعارُ
جِئتمْ بكلِّ عجيبةٍ لم تحتفِلْ / يوماً بمثلِ حديثها الأمصارُ
تتحدَّثُ الدُّنيا بها وبصُنعكمْ / وتُحدِّثُ الأجيالُ والأدهارُ
أحقيقةٌ في الكونِ أم أُسطورةٌ / هذا الصِّراعُ الخالدُ الجبَّارُ
مِن هذه الرُّوحِ وهذا الجبينْ
مِن هذه الرُّوحِ وهذا الجبينْ / يضيءُ في مصرَ منارُ السنينْ
أشِعَّةٌ من بَسماتِ المُنى / ومن رجاءٍ كالصَّباح المبينْ
ومن قُوىً مشبوبة كاللظى / عارمة لا تنثني لا تلينْ
خَطَّتْ بناءَ الملك ثم ارتقتْ / تبني له المجدَ الرفيعَ المكينْ
أوَّلُ بانٍ أنتَ بعد الذي / شيَّدهُ فرعونُ في الأوَّلينْ
قدَّ من الصخر تماثيلهُ / حِجارةً خرساءَ ليستْ تُبينْ
وأنتَ أطلعتَ منارَ الحجا / وشُعلةَ العلم وفجرَ الفنونْ
بناءُ دنيا وحياةٍ معاً / عزَّ بهِ الشعبُ الغبين المهينْ
بعثْتَه خلقاً جديداً إلى / منزلة عَزَّت على الطامحينْ
قالوا الحضارات فقلتُ انظروا / أين كهذا الشعب في المحسنينْ
من قُطنه يلبس هذا الورى / ومن يديه مغزل الناسجينْ
والمدفعُ الصخَّابُ من صنعهِ / والحُمَمُ الحمْرُ كُرَاتُ المنونْ
قد ماجتِ الأرضُ براياته / وخوَّضَتْ ملءَ البحار السفينْ
وجيشُه منقُذُ إفريقيا / وحارسُ الشرق القويُّ الأمينْ
بهؤلاءِ السُّمْرِ جُبْتَ الثرى / ودِنتَ في سلطانك العالمينْ
ومِن بَنيكَ الصِّيدِ أبطالهُ / ومَن كإبراهيمَ في الفاتحينْ
تاجُ البطولات على رأسهِ / مؤتلقٌ والغارُ فوق الجبينْ
مَنْ زخْرَفَ الوادي وأجرَى به / جداولَ التبر كماءٍ معينْ
وأخضعَ النهرَ لسلطانه / وهو إلهٌ ساد في الأقدمينْ
ومَنْ بَنَى تلك السدودَ التي / تختزنُ السُّحبَ ولا يمتلينْ
غوائثُ الأرضِ إذا أقلعتْ / حواملُ الغيث الدفوقِ الهتونْ
مَنْ أتى الصحراءَ في دَوِّها / بهذه الأسوارِ شُمِّ الحصونْ
عبقريَّ الدهرِ إنَّ الذي / صَنَعْتَهُ معجزةُ الصانعينْ
مهندسٌ أنتَ سَمَا فنُّهُ / وعالِمٌ أُوتيَ عِلم السنينْ
أدركتَ ما للفنِّ من قوَّةٍ / فدِنْتَ بالقوّةِ فيما تدينْ
أبياتُ شعرٍ أنا بنَّاؤها / آجُرُّها اللفظ السريُّ السمينْ
رسمتُها بعضَ خطوطٍ كما / يُرْسَمُ أُفْقُ الكونِ للناظرينْ
يبدأُ فيها الفكر لا ينتهي / وتسبح الأعينُ لا يلتقينْ
لسيِّدِ النيل وفاروقهِ / رفعتُها في موكبِ الخالدينْ
مولايَ من جدِّكَ أنشودةٌ / مِزْهَرُها التاريخُ عذبُ الرنينْ
ألهَمها والدَك المجتبى / وأنتَ من أبنائه الملهَمينْ
وأنتَ من روحيهما آيةٌ / كآيةِ اللّه إلى المرسلينْ
وصورةٌ مشرقةٌ سمحةٌ / إطارُها الحبُّ ونورُ اليقينْ
يا شرقُ مِلءُ خاطري سِحرٌ وملءُ ناظري
يا شرقُ مِلءُ خاطري سِحرٌ وملءُ ناظري /
أوَحْيُ ليلك القديمِ أم رُؤى الزواهرِ /
يا شرقُ أيُّ ليلةٍ رائعةِ الدياجرِ /
نجومُها خلفَ الغمامِ أعينُ المقادرِ /
ترنو على جوانبِ السماءِ للمُهاجرِ /
تمدُّ من شعاعها مِثْلَ جَناح طائرِ /
رُعيا المحبِّ للحبيب حُفَّ بالمخاطرِ /
تقول ههنا السُّرى ومن هنا فحاذرِ /
يا شرقُ أيُّ ليلةٍ بَعَثْتَها من غابرِ /
حقيقةٌ تلوح لي أم ذاك حُلمُ شاعرِ /
أرى على صحيفة الزمان حدَّ باترِ /
تكمنُ في فِرِنْدِهِ جريمةٌ لغادرِ /
ومن بريقهِ تُطلُّ ألفُ عينِ فاجرِ /
مُلقىً وراءَ صخرةٍ كانت ملاذَ عابرِ /
أوَى إليها مُفرداً غيرَ أخٍ مناصرِ /
والبادياتُ حوله رَوْعٌ وهمسُ حائرِ /
كأنما أنسامهنَّ تمتماتُ ساحرِ /
هو انتقالةُ الحياة وثبةُ الأداهرِ /
شدا الرعاةُ باسمه في الأعصرِ الغوابرِ /
وأودعوه فَرْحَةُ صوَادحَ المزاهرِ /
زَفُّوا به إلى الحياة أجمل البشائرِ /
لحنٌ وفيه قسوةُ العواصفِ الثوائرِ /
وفيه ثورةٌ على العقائد الدوائرِ /
يقتحم الذُّرى المنيعةَ اقتحامَ ساخرِ /
يهزأُ بالجيوش في ألويةِ القياصرِ /
يهدمُ كل فاسدٍ يهزمُ كل جائرِ /
ومن عجيبِ أمره يبني بناءَ قادرِ /
يا شرقُ سحرُك القديمُ مالِكٌ مشاعري /
هذي الطوالعُ الحسانُ في الحُلى النواضرِ /
المطلقاتُ بالنشيد أرخمَ الحناجرِ /
كأنهنَّ جَوقةُ الهواتف الطوائرِ /
حيَّينَ مَوْلِدَ الربيع والسَّنى المباكرِ /
عرائسُ الخيالِ هُنَّ أو بناتُ خاطري /
ينثرن من أكفهنَّ أنضرَ الأزاهرِ /
على طريقِ مُلْهَمٍ مُخَلَّدِ المآثرِ /
يا شرقُ أيُّ روعةٍ جَلَوْتَها لناظري /
حقيقةٌ تلوحُ لي أم ذاك حُلْمُ شاعرِ /
إسمعي أيَّتُها الروحُ أفي الكون غِناءُ
إسمعي أيَّتُها الروحُ أفي الكون غِناءُ /
وانظري هل في نواحي الأرض بالليل ضياءُ /
لا تُرَاعي أنْ يكنْ قصَّرَ عنكِ البُشراءُ /
فالنواقيس التي حيَّتكِ أشجاها القضاءُ /
الشَّجَى رَجْعُ صداها والأسى والبُرحاءُ /
والتراتيلُ من البيعَة نوحٌ وبكاءُ /
ردَّدتهنَّ الثكالى واليتامى الشهداءُ /
والمصابيحُ التي كان بها يُزهى المساءُ /
خنقتْها قبضةُ الشرِّ فما فيها ذَماءُ /
صبغوها بسوادٍ فهيَ والليلُ سواءُ /
مأتمٌ للنور قام الويلُ فيه والشقاءُ /
تحت ليلٍ ما له بدءٌ ولا منهُ انتهاءُ /
أيها المبعوث لا ضنَّتْ برُجعاكَ السماءُ /
أُنظرِ الأرضَ فهل في الأرض حُبٌّ وإخاءُ /
نسِيَ القومُ وصاياكَ وضلُّوا وأساءوا /
وكما باعوكَ يا منقذُ بِيعَ الأبرياءُ /
ليلةَ الميلاد والدنيا دموعٌ ودماءُ /
في ربوعٍ كانَ فيها لكِ بالسلم ازدهاءُ /
باسمه يشدو المغنُّون ويشدو الشُّعراءُ /
أين ولَّتْ هذه الفرحةُ أم أين الصَّفاءُ /
لم تصافحكِ من الأطفال أحلامٌ وِضاءُ /
رقدوا غيرَ عيونٍ رِيعَ منهنَّ الفضاءُ /
ترقب الآباءَ هلْ عادوا وهل حان اللقاءُ /
بين أيدي أُمهاتٍ بِتنَ والليل جفاءُ /
في طوايا النفس يبكين وقد عزَّ الرجاءُ /
ويحهم أين تُراهم هؤلاء الأشقياءُ /
هم وراء الليل أجسادٌ وأرواحٌ هباءُ /
ووجوهٌ رسَمَ الرعبُ عليها ما يشاءُ /
خندقوا في مأزقِ الموتِ وما منهُ نجاءُ /
بين موجٍ من سعيرٍ يتوقَّاه الفناءُ /
وجبالٍ من رُكام الثلج يُرسيها الشتاءُ /
وحديدٍ طائرٍ يحذر مسراه الهواءُ /
وعجيبٌ فيمَ للموت يُساق التعساءُ /
في سبيل الخبز والخبز اكتسابٌ ورضاءُ /
في سبيل الحقِّ والحقُّ لدى القوم طلاءُ /
في سبيل المجد والمجدُ من البغي براءُ /
أو في المجزرة الكبرى تنالُ المجدَ شاءُ /
كذب الباغي وللسيف بكفَّيه مَضاءُ /
وخداعٌ كلُّ ما قال وزورٌ وافتراءُ /
أيها الشرق الذي خصَّته بالرُّوح السماءُ /
هذه الروح التي شيدَ بكفَّيها البناءُ /
والتي من نورها العالم يُجْلى ويُضاءُ /
يا أبا الحكمة لا هانَ عليك الحكماءُ /
نادِ أوربا فقد ينفعها منك النداءُ /
حانتِ الساعةُ يا أختاهُ أم حقَّ الجزاءُ /
دِنتِ بالقوَّة حتى صَرَعَتكِ الكبرياءُ /
أرقصي في النَّار أنتِ اليوم للنار غذاءُ /
واشربي في حانة الشيطان ما فاض الإناءُ /
حانةٌ للموتِ فيها من دَمِ القتلى انتشاءُ /
نادِمي مَن شئتِ فيها فالمنايا الندماءُ /
وارفعي الكأس وغنّي وعلى الدنيا العفاءُ /
يا قوياً لم يَهُنْ يوماً عليه الضعفاءُ /
وضعيفاً واسمه يفزعُ منه الأقوياءُ /
وأنا المسلمُ لا يجحَدُ عندي الأنبياءُ /
أنتَ في القرآن حُبٌّ وجمالٌ ونقاءُ /
عَجبٌ فِديتُك المُثلى وفي القول عزاءُ /
ألهذا العالَمِ الشرِّير قد ضاع الفداءُ /
غنِّ بالهجرة عاماً بعد عام
غنِّ بالهجرة عاماً بعد عام / وادْعُ للحقِّ وبشِّر بالسلامِ
وترسَّلْ يا قصيدي نَغَماً / وتنقَّلْ بين مَوْجٍ وغمامِ
صوتُكَ الحقُّ فلا يأخُذْكَ ما / في نواحي الأرض من بغيٍ وذامِ
كنْ بشيرَ الحبّ والنور إلى / مُهَجٍ كلْمى وأكبادٍ دوامي
هجرتْ أوطانها واغتربتْ / في مثاليٍّ من المبدأ سامِ
أنِفَتْ عيشَ الرقيق المجتبى / وأبَتْ ذُلَّ الضَّمير المستضامِ
يا دُعاةَ الحقِّ هذه محنةٌ / تُشْعِلُ الرّوحَ بمشبوب الضرامِ
هذه حربُ حياةٍ أو حِمام / وصراعُ الخيرِ والشَّرِّ العُقامِ
خاضها الإسلامُ فرداً وهَدى / بيراعٍ وتحدَّى بحسامِ
هجرةٌ كانتْ إلى اللّه وفي / خطْوها مولِدُ أحْداثٍ جِسامِ
أخطأ الشيطانُ مسراها فيا / ضَلَّةَ الشيطانِ في تلك الموامي
آبَ بالخيبةِ من غايتهِ / وهو فوق الأرض ملعونُ المقامِ
صفحاتٌ من صراعٍ خالدٍ / ضُمِّنَتْ كلَّ فخارٍ ووسامِ
لم تُتَحْ يوماً لجبَّارٍ طَغَى / أو لباغٍ فاتكِ السيف عُرامِ
بل لدَاعٍ أعزلٍ في قومهِ / مستباحِ الدَّمِ مهدورِ الذِّمامِ
زلزلَ العالَم من أقطاره / بقُوى الرُّوح على القوم الطغامِ
وبنى أوَّلَ دنيا حُرَّة / بَرِئتْ من كل ظلمٍ وأثامِ
تَسَعُ الناسَ على ألوانهم / لم تفرِّقْ بين آريٍّ وسامي
حاطمَ الأصنامِ هل منكَ يدٌ / تذَرُ الظلمَ صديعاً من حُطامِ
لم تُطِقْها حجَراً أو خشباً / ويُطاق اليوم أصنامُ الأنامِ
وعجيبٌ صُنْعُهم في زمنٍ / أبصر الأعمى به والمتعامي
آدميُّون قَزَامى انتحلوا / منطقَ الآلهةِ الشُّمِّ العظامِ
وتراهم مثلَما تسمعهم / صُوَرَ الوهم وأحلامَ النيامِ
بشَّروا الناس بدنيا ويحهم / أيُّ دنيا من دَمارٍ وحِمامِ
تسلُب الناسَ حِجاهم وتَرى / أُمَم الأرض قطيعاً من سوامِ
قِيلَ للحق وما أعجَبَه / في ادِّعاءٍ لفَّقوهُ واتهامِ
قِيلَ للخُبز فَهل أطعمهمْ / حاتمُ الحرب سوى الموت الزؤامِ
أنتِ يا أيَّتُها الشَّمسُ اطلعي / من وراء الليل والغيم الرُّكامِ
سدِّدي بالنار قوساً واصرعي / مارِدَ الشرِّ بمشبوب السِّهامِ
ضلَّتِ الأرضُ بليلٍ داهِم / يحذر النَّجْمُ دُجاهُ المترامي
دَمِيَتْ أعيُننا في جنحه / واشتَكتْ حتى خفافيشُ الظلامِ
يا قُلوباً ضمَّها الشّرقُ على / موْردٍ للحقِّ والحبِّ التُّؤامِ
وشعوباً جَمَعتْها أمَّةٌ / بينَ مصرٍ وعراقٍ وشآمِ
وبطوناً من بَقايا طارقٍ / في البقاعِ الجردِ والخضرِ النوامي
ما شدا شعري بها إلَّا هَفَتْ / بالقِبابِ البيضِ أو حُمْرِ الخيامِ
كلُّ روح بهُدىً من حُبّها / كلُّ قلبٍ بشعاعٍ من غرامِ
تذكُرُ القُرْبى وتسْتدني بها / مَشرق الآمال في مطلع عامِ
وتُرجّى عودةَ المجد الذي / أعجزَ الباني وأعيا المتسامي
من بيوتٍ هاشميّاتِ البنى / وعُروشٍ أمويَّات الدعامِ
ونتاجٍ من نُهىً جبَّارةٍ / وتراثٍ من حَضاراتٍ ضخامِ
قُلْ لها يا عامُ لا هُنتِ ولا / كنتِ إلَّا مهدَ أحرارٍ كرامِ
ذاك مجدٌ لم يَنلْهُ أهلهُ / بالتمني والتغني والكلامِ
بل بآلامٍ وصبرٍ وضنىً / ودموع ودمٍ حُرٍّ سجامِ
قُلْ لها إنَّ الرَّحى دائرةٌ / والليالي بينَ كرٍ وصدامِ
فاستعدِّي لغدٍ إنَّ غداً / نُهْزَةُ السبَّاق في هذا الزحامِ
واجمعي أمركِ لليَوْمِ الذي / يَحْمِل البشرى لعُشَّاق السلامِ
يا وحيَ شعري أينَ أنتْ
يا وحيَ شعري أينَ أنتْ / في أيِّ زاويةٍ ركَنْتْ
هل رُحْتَ في إغماءةٍ / أم بالمخدِّر قد حُقِنْتْ
أم نِمْتَ أم نام الزما / نُ أم اعتُقِلتَ أم انسجنْتْ
أم خِفْتَ من قلم الرَّقي / بِ فما أشرتَ وما أبنْتْ
أم هل سُقِيتَ كزوزةً / أم هل حَسَوْتَ البرمننْتْ
أم قد شربتَ زجاجةً / من صنع بار الكونتننتْ
أم في خزانة صالحٍ / تركوك سهواً فاختُزنْتْ
أم في البنوكِ لأزمةٍ / حَلَّتْ بأهلك قد رُهنْتْ
أم ذاك جندولُ الحَبي / بِ إلى لياليهِ حَنَنْتْ
وإلى عروس البحر هِمْ / تَ وفي شواطئها كمنْتْ
أم زُغْتَ يوم الانتخا / بِ ولستَ عضوَ البرلمنْتْ
لم تَدْرِ ما نالَ الرَّئي / سُ أزاد صوتاً أم كرَنْتْ
أنكرتَ ضَجَّةَ معشرٍ / لم ينصفوك وقد غُبِنْتْ
أم طِرْتَ في جوِّ الحَلِي / فَةِ مُنجداً أبطالِ كنْتْ
يا وحيُ كم من غارةٍ / شعواءَ فيها قد شَننْتْ
أم ثُرْتَ للحقِّ الطَّرِي / دِ وبالبطولة قد فُتِنْتْ
فسللتَ سيفَ مُدافعٍ / عن كالماس أو كُرِنْتْ
يا وحيَ شعري ما سكو / تك في الخطوب ألا حزنْتْ
أفَقدتَ رُشدك أم شعو / رَكَ بالحياةِ إذنْ جُنِنْتْ
عشرون يوماً جاوز التْ / تَقديرُ فيها ما ظَننْتْ
يا وحيَ شعري مُذْ نَأَيْ / تَ وهَى بياني أو وهنْتْ
بعد القصائد كالقلا / ع مشيَّداتٍ بالسمنْتْ
من كلِّ بيتٍ مشرِق / يُزرى بقصر اللابرنْتْ
أمسيتُ بعدك كل قا / فيةٍ نطقتُ بها لحنْتْ
يا وحي شعري هل أُسِرْ / تَ وأنت تهجم أم طُعِنْتْ
أم غُصْتَ في لجج البحا / رِ وفي مجاهلها دُفِنْتْ
أبكي عليكَ بكاءَ لا / مَرتين قبراً في سُرَنْتْ
يا وحيَ شعري أين أنتْ / في أيِّ زاويةٍ رَكْنتْ
من لياليَّ التي لم يهدأ الشوق عليها
من لياليَّ التي لم يهدأ الشوق عليها /
من أمانيَّ التي كانتْ رُؤىً في ناظريها /
من أغانيَّ التي استلهمتُها من شفتيها /
من دموع مازجَتْ أدمعَها بين يديها /
كلُّ ما قد رقَّ من شعري وما راق لديها /
وهو ما ضمَّ كتابٌ هو منها وإليها /
تُسائلني وهل أحببتَ مثلي
تُسائلني وهل أحببتَ مثلي / وكم معشوقةٍ لكَ أو خليلهْ
فقلتُ لها وقد هَمَّت بكأسي / إلى شَفَتيَّ راحتها النحيلهْ
نسيتُ وما أرَى أحببتُ يوماً / كحبِّك لا ولم أعرفْ مثيلهْ
فقالت لي جوابُكَ لم يَدَعْ لي / إلى إظهار ما تُخفيه حِيلَهْ
وفي عينيكَ أسرارٌ حيارى / تُكذِّبُ ما تحاول أن تقولَهْ
فقلتُ أجلْ عرفتُ هوى الغواني / لكلٍّ غايةٌ ولها وسيلهْ
خبرتُ غرامهنَّ قِلىً ووصلاً / كثيرَ الوعد لم يُدركْ قليلَهْ
قلوبٌ قاسياتٌ قنّعتها / وجوهٌ شاعرياتٌ نبيلَهْ
إذا طالعنني أُنسيتُ جُرحي / وأنَّ الحبَّ لم يرحم قتيلَهْ
وجاذَبَني إلى اللذات قلبٌ / شقيٌّ ضلَّ في الدنيا سبيلَهْ
وعُدتُ كما ترينَ صريعَ كأسٍ / أنا الظمآنُ لم يُطفىءْ غليلَهْ
فقالت كيف تضعُفُ قلتُ ويحي / وكيف أطاع شمشونٌ دليلهْ
فقالت ما حياتُكَ قلتُ حُلْمٌ / من الأشواق أوثرُ أن أُطيلَهْ
حياتي قِصَّةٌ بدأتْ بكأسٍ / لها غنَّيتُ وامرأةٍ جميلهْ
إهدئي يا نوازع الشَّوقِ في قلْ
إهدئي يا نوازع الشَّوقِ في قلْ / بي فلن تملِكي لماضٍ رجُوعا
آهِ هيهات أن يعود ولو أفْ / نيتُ عمري تحرُّقاً وولوعا
آهِ هيهات أن يعود ولو ذَوْ / وَبتُ قلبي صبابةً ودموعا
فاهدئي الآن يا لثورتكِ الهَوْ / جاءِ جبَّارةً تدكُ الضلوعا
رحمةً يا نوازعَ الشوقِ لو نا / دَيتُ ماضيَّ ما وجدتُ سميعا
أسدَلَ القلبُ دونه ألفَ سِترٍ / عبراتٍ ومثلهنَّ نجيعا
رحمةً يا نوازعَ الشوقِ لو حا / وَلتُ بعثَ الهوى فلن أستطيعا
كيف يحيا زهرٌ ذوى في إناءٍ / باتَ في قبضة الحياة صديعا
رحمةً يا نوازعَ الشوقِ بالقَلْ / بِ فما يستطيع بَعْدُ نزوعا
إنْ تكوني أحبَبْتِه فدعيهِ / ناعماً بالكرى رضياً قنوعا
نسِيَ الأمس أو سلا فتعالي / نَجْثُ صمتاً من حوله وخشوعا
أو فكوني في حُلمهِ الزَّهرَ والأنْ / غامَ والخمرَ والعروس الشَّمُوعا
أيُّها الزائرُ المعاودُ ما ألْ / قاكَ أحسنتَ بالمزار صنيعا
ما أرى في سماتِ وجهك إلَّا / شبَحاً رائعاً وحُلماً وَجيعا
يتوقّاهُ ناظراي كأنِّي / فيه ألقى آلامَ عمري جميعا
طالَ ليلي فما طويتُ هزيعاً / منه إلا نشرتَ منه هزيعا
أيُّها الشوق خَلِّ عنكَ ودعني / لا خادعاً ولا مخدوعا
أين هذا الجمالُ أرعاهُ كالبرْ / قِ خلوباً وأجتليهِ لموعا
أينَ هذا الخيالُ أُسقاهُ كأساً / بيدٍ منه فجَّرتْ ينبوعا
أين لا أين ما غنائيَ بالذكْ / رى وقد أصبَحَ الوهوبُ منوعا
عُدتَ يا شوقُ لي وعادت ليالي / كَ ولكن وجدتَ قلباً صريعا
عُدْتَ من بعد لوعةٍ أحرقتْهُ / وجفتْهُ على الرَّماد ضجيعا
وليالٍ من الفراغ عواتٍ / هَرأتهُ ثلوجهنَّ صقيعا
عُدْتَ يا شوقُ فيم عُدتَ ربيعُ الْ / عُمر ولَّى فهل تُعيدُ الربيعا
ليالي الصيف في كبرِي
ليالي الصيف في كبرِي / أم الفتنةُ في البحرِ
وجنِّيَّاتُ بحرِ الرُّو / مِ أم دُنيا من السِّحرِ
على شطٍّ من الأحْلا / مِ والأنغامِ والزَّهرِ
تنَفَّسَ جَوُّهُ عطراً / يُفضِّضهُ سَنَا البَدْرِ
أريجُ البرتقالِ بهِ / ونفحُ العنَبِ النَّضرِ
أم الآلهة العشّاقُ / بين الموجِ والصخرِ
أهلُّوا تحت أشرعةٍ / تُقِلُّ عَرائسَ الشِّعرِ
نَشاوى الحسن والنُّورِ / وبعضُ النُّورِ كالخمرِ
تنَهَّدَ حينَ أبصَرَهُمْ / مُحِبٌّ مُوغَرُ الصَّدرِ
أقامَ الدَّهرَ موتوراً / من الحرْمانِ والهجْرِ
بأنفاسٍ تُضيءُ الأُفْ / قَ بركانيّةِ الجمرِ
قصدناهُ على الليلِ / وجُزْناهُ مع الفجرِ
فلمْ تغمضْ له عينٌ / تُصيبُ النَّجمَ بالذُّعرِ
وباتَ الموجُ في فرٍّ / حواليهِ وفي كرِّ
فقالوا قدْ دَنا المَو / عِدُ أو آذن بالثأرِ
فعُدنا مثلَمَا جِئنَا / من العِبر إلى العِبْرِ
ويَمَّمنا بجوفِ الصَّخرِ / دهليزاً مِنَ التِّبرِ
سَرَى زورقُنا في مائهِ / الغافي سُرى السِّرِّ
ترَامَى حولنَا الأضوا / ءُ أطواقاً من الدُّرِّ
فمن زُرقٍ إلى صُفرٍ / إلى خُضرٍ إلى حُمرِ
كأن الشَّمسَ حينَ رأتْ / صِبَاها أوَّلَ الدَّهرِ
زهَاهَا العُريُ فاستحيتْ / عُيونَ الناسِ في البرِّ
فجاءَتهُ محجَّبةً / على تيَّارِهِ تسرِي
ونضَّتْ مِن غلائِلها / وألقتها على الصَّخرِ
وخانَت عَيْنَها سِنَةٌ / فنامت وهي لا تدري
زَهَرَاتُكِ الحُمْرُ التي أسْلمْتِها
زَهَرَاتُكِ الحُمْرُ التي أسْلمْتِها / بيديْ مودِّعةٍ يمينَ مُودِّعِ
لما وصلتُ إلى المصيف حملتُها / كالطفلِ نامَ على ذراعِ المرضعِ
أمشي بها فوق الرِّمالِ كأنني / أمشي بطيفٍ في الظَّلامِ مُقنَّعِ
مَضْمومةَ الورَقاتِ طيَّ غِلالَةٍ / وُسمَتْ بطابَعِ ذوقكِ المترفِّعِ
محْجوبةً كأميرةٍ شرقيةٍ / في هَوْدَجٍ أستارُهُ لم تُرفَعِ
حتى إذا أويتُها بَعْدَ السُّرى / وخلعْتُ عنها لِبسةَ المتمنِّعِ
هَشَّتْ لآنيتي وأشرَق لونُها / وتردّدتْ أنفاسُها في مَضْجعي
ومضتْ تُخالِسُني حَييَّ لحاظها / لا تشتكي سَهْراً وفَرْطَ تطلُّعِ
هي أنتِ أحلامٌ تغازلُ ناظري / وتصبُّ حُلوَ حَديثها في مِسمعي
هي أنتِ أطيافٌ تعانقُ مُهجتي / وتفِرُّ حين تُحسُّ حُرْقةَ أضلعي
أمستْ تُعابثُني وملءُ شفاهها / من مُغرياتكِ بسمةٌ لِتَولُّعي
ومكرتِ مكرَكِ يا حبيبةُ وانقضى / ليلي وأنتِ لديَّ ساهرةٌ معي
أرسلتِها عيناً عَلَيَّ رقيبةً / تأتيكِ بالخبرِ العجيبِ الممتِعِ
تُحصي حَراكيَ إن مشيتُ لشرفتي / وتَعدُّ خطوي إن رجعتُ لموضعي
شهِدَتْ بأني مُذ تركتُكِ حائرٌ / متفرِّدٌ بصبَابتي في مخْدعي
يا للعذوبةِ يا حبيبيَ حين أهبطُ للنَّهَرْ
يا للعذوبةِ يا حبيبيَ حين أهبطُ للنَّهَرْ /
كيْ أستحمَّ وأنتَ تمعنُ في مفاتنيَ النظرْ /
لودِدْتُ لو أني أمامك قد جلوتُ محاسني /
بغِلالةٍ مُبتلَّةٍ كشفت جميعَ مفاتني /
أهوَى إلى الماءِ الهبوطَ وأشتهي أن أتبعَكْ /
وأشدُّ ما أهواهُ منهُ صعودُنا وأنا معَكْ /
بيديَّ من سمكاتِهِ حمراءُ رائقةُ الجمالْ /
فتعالَ لي أنظرْ إليكَ تعالَ وانظرْ لي تعالْ /
أقسمَتْ لا يَعْصِ جبَّارٌ هواها
أقسمَتْ لا يَعْصِ جبَّارٌ هواها / أبَدَ الدهرِ وإنْ كان إلها
لا ولا أفلَتَ منها فاتنٌ / قرَّبَتْهُ واحتوتهُ قبضتاها
قِيلَ عنها إنّها ساحرةٌ / تتحدَّى سطوةَ الجنِّ سُطاها
وعجوزٌ بالصِّبا موعودةٌ / وبعمرِ الدهر موعودٌ صباها
حَذِقَتْ عِلمَ الأوالي ووعتْ / قصصَ الحبِّ ومأثورَ لغاها
قِيلَ لا يُذهِبُ عنها كيدَها / غيرُ شيطانٍ ولا يمحو رُقاها
ورووا عنها أحاديثَ هوىً / آثمٍ يُغرِبُ فيها من رواها
وأساطيرَ ليالٍ صُبِغَتْ / بدماءٍ سفكتهنَّ يداها
يذكرُ الركبانُ عنها أنّها / سرقتْ من كل حسناءَ فتاها
وقتيلٌ بين عينيْ زوجه / كلُّ معشوقٍ دَعتهُ فعصاها
كلما التذّتْ وصالاً من فتىً / سحرَتهُ وهو في حِضنِ هواها
واحتوتهُ في أصيصٍ زهرةً / يسرِقُ الأنفاسَ من طيب شذاها
زهراتٌ مثَّلتْ عشّاقها / بعيونٍ غرِقاتٍ في كراها
فإذا ما الليلُ أرخى سِتره / أطلقَتْ أشباحَهم في منتداها
مُهَجا خفّاقة ملتاعةً / وعيوناً ظامئاتٍ وشفاها
تستعيد الأمسَ في لذاتها / ولياليها وأشواقِ رُؤاها
تتلوّى بينهم مشبوبةً / شهوةً يلتهمُ الليلَ لظاها
عبرَ الشيطانُ يوماً أُفقَها / فرأى ثمَّ فنوناً ما رآها
أيُّ وادٍ رائعٍ أحجارُهُ / تحذر الرّيحُ عليهنّ سُراها
أيُّ قصرٍ باذخٍ في قمّةٍ / تحسَبُ الأنجمَ من بعض ذُراها
ودروبٍ حولها ملتفّةٍ / كأفاعٍ سُمِّرتْ في منحناها
وبروجٍ لحمامٍ زاجلٍ / هو بالأقدارِ يهفو من كُواها
ظنَّها من عبقرٍ ناحيةً / أخطأتْ عيناهُ بالأمس صُواها
فهوى من حالقٍ يرتادُها / طُرقاتٍ زخرفَ الفنُّ حصاها
ورنا حيث رنا فاهتاجه / منظرُ الزَّهر الذي زان رباها
أُصص من ذَهَبٍ تحسبُها / بعثرتْ فيها الدراريُّ سناها
كلما مَسُّتْ يداه زهرةً / عطفَتهُ لقطافٍ شفتاها
فجنَى ما شاءَ حتى لم يَدَعْ / في أصيصٍ زهرةً إلَّا جناها
وانتشى من عطرها فانتثرتْ / مثل حبَّاتٍ من الماس يراها
عجباً ما لمستْ غيرَ الثرى / أيُّ نورٍ شاعَ فيها فزهاها
نظرةٌ أو خطرةٌ واختلجتْ / فعرتهُ هِزّةٌ مما عراها
واستحالت بين عينيه دُمىً / حيَّةً تستبقُ البابَ خطاها
فُكَّ عنها السحرُ فارتدتْ إلى / عالم الحسِّ وخفّتْ قدماها
ورنا الشيطانُ في آثارها / سابحاً في دهشةٍ طال مداها
يا لها كيف استقرت ثم فرّت / لحظة مرت ولكن ما وعاها
ودنا الليلُ ورنّتْ صدحةٌ / نبّهته حين لا يبغي انتباها
فإذا مائدةٌ حافلةٌ / بالأباريقِ ترامى طرفاها
ملؤها الخمرةُ نوراً وشذاً / نَسَمَتْ وائتلقتْ فخَّارتاها
وصحافٍ كتهاويلِ الرؤى / تجد الأنفسُ فيها مُشتهاها
وإذا مقصورةٌ من حوله / خالها تَنبضُ بالرُّوح دُماها
وقفت غانيةٌ في بابها / قد تعرَّت غيرَ فضلٍ من حُلاها
يا لها من فتنةٍ قد صُوّرَتْ / في قوام امرأةٍ راع صباها
طلعتْ في هالةٍ من خُضرةٍ / وعيونٍ يترقرقن مياها
ثم نادتْ يا أحبَّايَ انهضوا / واغنموا الليلةَ حتى منتهاها
وتلاشى الصوتُ لا رجعَ صدىً / لا ولا ثمَّ مُجيبٌ لنداها
فعرتها رِعدةٌ فالتفتتْ / فرأتْهُ فتلقّاها وِجاها
أبصرتْ وجهاً كوجه المسْخِ لم / يَتَقنَّعْ شاهَ هذا الوجهُ شاها
ورأت كفَّيهِ يَندى منهما / أرَجُ الزَّهر فأجَّتْ نظرتاها
عرفتْ ما اجترحتهُ يدُهُ / أو لا يعرفُ من داسَ حماها
يا لهذا المسخ دَوّتْ ومَشَتْ / صيحةٌ ينذر بالويل صداها
فانثنى الشيطانُ عنها صارخاً / أتراها تتحدَّى من تُراها
فبَدتْ في شفتيها آيةٌ / من مُبين السِّحر أو ما فمحاها
فَدَنَتْ ترمقهُ فاختلجتْ / عينهُ حين أشارتْ بعصاها
بُدِّلتْ تلك العصا جمجمةً / رِيعَ لمّا شرَعتها فاتقاها
هيَ من مَلْكةِ جِنٍّ من تُصِبْ / يخترمهُ بالمنايا محجراها
فتنحّى غاضباً مبتئساً / وتنحَّتْ والأسى يُلجِمُ فاها
وسجى بينهما الصمتُ الذي / يتغَشّى الأرضَ إن حان رداها
والتقتْ عيناهما فاستروحا / راحةً من قبلها ما عرفاها
عرفتْ من هو فاستخذتْ له / ورأى من هي فاستحيا قُواها
قال أختاهُ اغفري لي نظرةً / إشتهتْ كلَّ جمالٍ واشتهاها
واغفري لي شِرَّةً عارمةً / في دمي لو أتأبَّى ما أباها
يا لهذا الدم ما عنصرُهُ / كلُّ ما في النار من وَقْدِ لظاها
فأجابتْ زهراتي رُدَّها / إنْ تَقُلْ حقاً ولا تبغ أذاها
قال لا أذكر إلا حُلُماً / لحظةً ضلَّ بها عقلي وتاها
أهيَ جِسمٌ أهي روحٌ إن تكنْ / لا يَردُّ الروحَ إلا من براها
فأحسَّتْ هول ما يجهلهُ / فاستحت منه وأغضَى ناظراها
صاحَ غفرانُكِ لا تبتئسي / أطلبي ما شئتِ منِّي ما خلاها
أأنا من تتخَطّى قدَمي / مَسبحَ الشمس فيربدُّ ضحاها
أأنا من يطفئُ النجمَ فمي / وأردُّ الأرضَ غرقى في دُجاها
وتمسُّ القممَ الشمَّ يدي / فيُرى منحدِراً لي مُرتقاها
وأجيءُ الأرضَ من محورها / فإذا بي يتدانى قطباها
وأصدُّ الريحَ عن وجهتها / فتجوبُ الكونَ لا تدري اتّجاها
أأراني عاجزاً عن دركِ ما / تتمنَّى امرأةٌ عزّت مناها
آهِ ما أضعفَ سلطاني وما / كنتُ إلَّا بغروري أتباهى
قالت الآن سلاماً زائري / ورِضى نفسي إن رُمْتَ رضاها
أيها الشيطانُ ما أعظم ما / قُلْتَهُ ما قُلتَ لغواً أو سفاها
زهراتي تلك ما كانت سوى / شهواتٍ جسميَ الطاغي نماها
قهرتني واستذلّتني بها / غيرَةٌ ينهشُ قلبي عقرباها
وأنانيةُ أنثى لم تُطِقْ / فاتناً تملكهُ أنثى سواها
قد صَنَعْت الحقَّ قد عاقبتني / فارحمِ المرأةَ في ذُلِّ هواها
فدنا منها فألفتْ وجههُ / غير ما كانَ لقد ألفَتْ أخاها
قرّبتْ بينهما روحُ الأسى / فاجتبتهُ بعدَ حِقد واجتباها
واستهلّت دمعةٌ منْ عينها / دمعةٌ رفّتْ وشفّتْ قطرتاها
ضُمِّنتْ كلّ عذاب وضنىً / كلَّ ما في النفس من بثِّ أساها
ورآها فتندّتْ عينهُ / رحمةً فاحتال يُخفي من بُكاها
وبكى الشيطانُ يا لامرأةٍ / أبكتِ الشيطانَ لمَّا أنْ رآها
وحيدةٌ ويحي بلا راحةٍ
وحيدةٌ ويحي بلا راحةٍ / ما بَين موجٍ طاغياتٍ قُواه
تجري بيَ الفُلك كأرجوحةٍ / حَيرى بأقيانوس هذي الحياه
أبحثُ عنه وسُدىً ما أرى / أين حبيبي أين سارت خُطاه
لم يَهْدِني نجمٌ إليهِ ولم / يَبسِمْ ليَ الحظُّ فألقى سَناه
وليس لي من موجةٍ بَرَّةٍ / تحملني في إثرهِ كي أراه
من شاطئِ الراحة لم يَدنُ بي / إليه أُفقٌ لا يُرى منتهاه
هناك في الشاطئِ وافرحتا / أعزُّ إنسان صفا لي هواه
منتظراً لي شاخصاً باسماً / تُشِيرُ بالآمال لي راحتاه
لكنَّما هيهات كيف السُّرى / وأين من عصفِ الرياح النجاه
أصار حتماً أن يُرى زورقي / محطَّماً قد مال بي جانباه
وهل فضاءُ البحر أو غَوْره / مهما تناءَى وارتمتْ لجتاه
يكفي مداه أن تُوارى به / جميعُ آلامي أيكفي مداه
نمَتْ زهرةٌ في غصون الخريف / كحُلمٍ من الماءِ والخضرةِ
كزنبَقةٍ في زُهَى حُلَّةٍ / ربيعيةِ الوشْي محمرَّةِ
تبثُّ المراعيَ نوراً يشفُّ / ويجلو الطهارةَ في النظرةِ
كأني بها قدحاً مُترَعاً / به مُزِجَ السمُّ بالخمرةِ
لها وهَجُ الحبِّ في قُبلةٍ / على شَفةٍ شِبهِ مُفترَّةِ
ألا إنها هي بُقيا الهوى / وآخرُ ما فيه من نضرَةِ
ألا إنها هيَ صَهْبَاؤهُ / وآخرُ ما فيه من قطْرَةِ
تميتُ وتُحْيي فيا للحياةِ / والموتِ إلفَينِ في زهرةِ
إن أنا قاومتُ هياج العبابْ / مصطرعاً والأفقُ داجي السحابْ
ولم تدَع كفِّي إلى زورقي / زمامَهُ حُراً وخضتُ الصعابْ
فسوف يُلقيه خفيُّ القضا / مُحطّما فوق الصخور الصلابْ
وإنَّ أقوَى ساعدٍ عاجزٌ / أن يُمسكَ المجدافَ دون اضطرابْ
إنْ عاند الأمواجَ فهو الذي / يحفرُ في اليم حَفِيرَ التَّبابْ
وهو الذي يسعى إلى حتفهِ / في هوَّة مفغُورة في العبابْ
فليُلقِ بالمجداف من كفِّهِ / وليتركِ الموجَ طليقَ الرِّغابْ
وليَمْضِ بالزورق ما يشتهي / إلى القضاءِ الحتْم دون ارتيابْ
وليبتلعهُ الموجُ في جوفهِ / فلا مفرَّ اليوم مما أصابْ
طال كفاحي ويح نفسي فما / طولُ كفاحي غيرُ طولِ العذابْ
أطلَّ الخريفُ بأعقاب ليل
أطلَّ الخريفُ بأعقاب ليل / دجيِّ الظلام بكيِّ السُّحبْ
وآخرُ ما في الرُّبى زهرةٌ / عداها من الصيف وقدُ اللهبْ
غدَتْ وحدها في أديمٍ عفا / من النّور والورَقاتِ القُشُبْ
كحارسةِ الميْتِ ليسَت ترِيمُ / مكاناً به وقفَتْ تضطربْ
تُساقِطُ من حولها أدمعاً / غصونٌ تطالعها عن كثَبْ
جرى الغيثُ من ورقاتٍ بها / إلى أُخَرٍ شاحباتٍ صبَبْ
تحدَّرَ مختنِقاً فوقها / بلا نبأةٍ قطرُهُ المنسكبْ
فيا مَنْ لها زهرةُ الجورجين / مَنِ الزائرُ الحائرُ المقترِبْ
جَناحٌ لآخرِ ما في الفراش / من رحمةٍ بقِيَتْ أو حدبْ
مضى الصيفُ وانقطعت إثرَه / أغاريدُ كنَّ مَثارَ الطربْ
نأى طيرُها عانياً واختفى / غرامٌ أتى وغرامٌ ذهبْ
لا تتركي زورقَنا المُجْهَدا
لا تتركي زورقَنا المُجْهَدا / يجري به اليأسُ ويمضي العذابْ
لا تُسلمِي مجدافه للرَّدى / فالشاطئُ الموعودُ وشكَ اقترابْ
سيّان أرغى الموجُ أم أزْبَدا / لن نحنيَ الرأسَ أمام الصعابْ
هذي يدي مُدِّي إليها يَدا / نقتحم النوءَ ونطوِ العبابْ
نادَى بروحي منكِ روحٌ شرودْ / لبيْكِ يا رُبَّانتي الهاتفهْ
شرائعُ الناس بهذا الوجودْ / أعجزُ من أنْ تقهرَ العاطفهْ
ودِدْتُ لو حطَّمت هذي القيودْ / وجئتُ ألقاكِ على العاصفهْ
يُضيء وجهينا بريقُ الرعودْ / فننثني بالبسمةِ الخاطفهْ
وحدكِ أنتِ الآن إنَّا هنا / روحانِ شبَّا في ظلال الكفاحْ
شراعنا الخفَّاق لن يَسكُنا / لليأس مهما مزَّقتهُ الرياحْ
ونجمُنا ما زال طَلْقَ السَّنى / يُطالع الأفقَ ويلقَى البطاحْ
إذا الغواشي السُّودُ مرَّتْ بنا / ألقى لنا الضوءَ ومدَّ الجناحْ
حُبُّكِ رُبَّانُ الهدى والسلامْ / ما لان للأخطار أو أذعنَا
لا تنزِعِي من قبضتيهِ الزمامْ / ولا يَرُعْ قلبكِ هذا الضنَى
كم ثار نوء وتدجَّى ظلامْ / وهذه أنتِ وهذا أنا
إنَّا بلونا الهولَ باسم الغرامْ / جنباً لجنبٍ ورجونا المُنى
ثِقي بملَّاحكِ في المأزقِ / إنّي أنا ابنُ الموج والعاصفاتْ
الشعَراتُ البيضُ في مفرقي / تُنبِيكِ عن أياميَ الخالياتْ
آثارُ عمر مُرعدٍ مُبرقِ / تعصف فيه أروعُ الحادثاتْ
ما كدَّرَتْ من روحيَ المشرقِ / تلك الليالي القُلَّبُ المظلماتْ
حبيبتي من أيِّ قلبٍ حزينْ / وأيِّ روحٍ عبقريِّ الألمْ
وأيِّ وادٍ للأسى أو معينْ / فجَّرتِ لحناً من أرقِّ النغمْ
وصَفْتِ فيه زهرة الجورِجينْ / حارسةَ الميْتِ بوادي العَدمْ
وخِلتِها كالكأسِ ذات الرنينْ / برَّاقةً فيها الردى يبتسِمْ
بكيتِ بالدمع السخين الذريفْ / على غرامٍ خِلتِهِ قد مضى
وأبْصَرَتْ عيناكِ ظلَّ الخريف / يُجللُ الأرض ويغشَى الفضا
تخضبُ كفَّاه النضيرَ الوريف / ورْساً وتُدمِي الزنبقَ الأبيضا
وتُخرس الطير بليلٍ شفيف / يروعُ فيه القلبَ أن ينبِضا
هذا الخريف الجهمُ تمشي خُطاهْ / على الربيع الذَّابلِ المحتضَرْ
كآبةٌ تحجبُ أُفقَ الحياهْ / سحابةً تخنقُ ضوءَ القمرْ
أُختاهُ هذا الحبُّ غضٌّ صِباهْ / أيُّ عذابٍ صاغ هذي الصورْ
لم يَبرحِ الشاطئَ إنِّي أراه / كعهدِهِ في الموعد المنتظرْ
كان حديثُ القَدرِ المبهَم / مثارَ هذا الخاطر المفزعِ
برغم قلبي صحتُ لا تُقدمي / وكان ما كان فلم تسمعي
أشفقتُ أن تَشْقي وأن تألمي / معي فناشدتُكِ أنْ تَرجعي
لكنْ أبى الحبُّ فلم نأثم / وكان أن أبقى وتبقي معي
أكان حلماً أم قضاءً دعا / ماذا يُفيد العاشقين الحذرْ
شئنا فلم نقدرْ وعُدنا معا / يا أختَ روحي ذاك حكم القدرْ
لم ندَّخِرْ جهداً ولا أدمعا / ولا دماً ما نحن إلَّا بشرْ
ما أمجدَ الحبَّ وما أروعا / إذا تحدَّى العاشقان الخطرْ
الحبُّ ما زالَ وهذا سناهْ / يُلهبُ حتى الجذوةَ الخامدهْ
تذوِي الأزاهيرُ وتذوي الشفاه / وهو ربيعُ الأنفس الواجِدهْ
قلوبُنا منه تُصيبُ الحياه / وتستمدُّ النَّضرةَ الخالدهْ
إذا أضعناهُ فوارحمتاه / لنا وبؤسَى لليدِ الجاحدهْ
أأيتها النارُ هذا المساءُ
أأيتها النارُ هذا المساءُ / قسى بردُهُ فانهضي واستفيقي
أيا نارُ كفاي أثلجُ منه / فهلاَّ بعثتِ بدفءِ الحريقِ
أما فيكِ بعدُ حياةٌ تُشَبُّ / أم فيكِ من جَذْوةٍ تُلْهَبُ
أمقرورةٌ أم غفا وانطوى / على نفسه اللَّهبُ المتعبُ
أأجلسُ يا نارُ وحدي هُنا / أراعيكِ وهْناً وأستطلعُ
خُذي ملء شدقيكِ هذي الرسائلَ / إن كان فيهنَّ ما يُشبعُ
خذيها كليها ولا تُمهلي / فمنها الوقودُ ومنكِ الأجيجْ
ويا من لها كلماتٍ حَوَتْ / من الحبِّ كلَّ جميل بهيجْ
أتُبقين حقاً على ما بها / متى أنتِ أبقيتِ شيئاً متى
وماذا أرجِّي بهذا الدُّعاءِ / وكيف تُلبَّيْنَ واحسرتا
أجائعةٌ أنتِ يا للشراهة / ما عِفْتِ غير بلىً أو رَمادْ
تشهَّيتِ كلَّ طعامٍ وما / تذوَّقْتِ شيئاً كطَعْمِ المدادْ
ومَن لي بِزادكِ لم يَبق ما / يَلوكُ لِسانُكِ أو يعلُكُ
أأيتها النارُ ويْكِ اصبري / أجئْكِ بكل الذي أملكُ
بقربانيَ القُدُسيِّ الأخير / أزاهيرَ كنَّ رقاقاً لطافا
أزاهيرَ تُزهى بها باقةٌ / ذَوَتْ نضرةً وأصابتْ جفافا
ألا كم تألَّقنَ فوق الغصون / زواهرَ في روعةٍ واتقادْ
بكفيَّ هاتينِ جمَّعتهنَّ / من كلِّ روضٍ ومن كلِّ وادْ
فوارحمتا أيُّ عمرٍ قصيرٍ / لهنَّ وأيُّ شبابٍ ذوى
وأيُّ حياةٍ كحُلمٍ سرى / سُري البرق لألأ ثُمَّ انطوى
أحقاً فرغتِ إذن ما سُعارُكِ / لم يبْقَ يا نارُ ما يُنهَشُ
أهذي القُصاصةُ لا إنني / أضمُّ عليها يداً تُرعَشُ
أكانت سوى قطعةٍ غُضِّنَتْ / من الورق اليابس الأصفرِ
مهلهلةٍ غيرِ مقروءةٍ / حوت قِصَّة الحبِّ في أسطرِ
ضننتُ بها ضنَّ معتزَّةٍ / وتحت الوسادة أودعتُها
أقبِّلها مئتيْ مرةٍ / إذا جُنَّ شوقي فأطلعتُها
فيا للشَّراهةِ ماذا أرى / لِسانكَ في ثورةٍ واهتياجْ
يكاد إليَّ من المصطلى / بجمرك أن يتخطَّى السياجْ
خَسِئتِ فردِّيهِ ماذا يرومُ / ألم يَبْقَ يا نارُ ما يُطعمُ
أهذي القُصاصةُ يا للحريق / ويا للبلى شدَّ ما يُؤلمُ
حبيبةَ قلبي هي النارُ لا
حبيبةَ قلبي هي النارُ لا / تَشُبِّي لظاها ولا تستثيري
دَعِيها ولا توقِظي جمْرَها / فما النارُ أحنى من الزمهريرِ
فِدى راحتيكِ فؤادٌ يلذُّ / لهُ في هواكِ عذابُ السعيرِ
أنيليهما دِفءَ ثغري الحنون / وصونيهما رحمةً من زفيري
قسى البردُ كيف أيقسو عليكِ / وواعجباً كيفَ يَرضى المساءْ
وكم جِئْتِهِ بأرقِّ الغناءِ / وأشرقتِ فيه بوحيِ السماءْ
أأختاهُ أيُّ عذابٍ طغى / عليكِ وأيُّ ضنىً أو شقاءْ
ضَرَعتُ إليكِ فلا تُسْلِمي / ودائعنا للردى والعفاءْ
فما هُنَّ بعضَ مدادٍ جرى / ولا هُنَّ أختاهُ بعضَ الورقْ
ولكنهنَّ شُغافُ الفؤادِ / وذَوْبُ السوادِ ونورُ الحَدَقْ
وأحلامُ دنيا وأشواقُها / لروحين بعد الضَّنى والرَّهَقْ
أفاءَا إلى أيكةٍ ينظران / جمالَ المساءِ وسِحْرَ الشفقْ
أُحسُّ بقلبك لذْعَ الأسى / وفي وجنتيكِ لهيبَ الدموعْ
وأسمع صيحةَ مُسْتَقتلٍ / يُصارعُهُ اليأسُ بين الضُّلوعْ
وألمح في جانب المُصطلى / وجوهاً زواها الأسى والخشوعْ
مُحدِّقَةً فيه مَحْنيّةً / عليه ويا لَلّظى كم يروعْ
لهُنَّ لياليكِ أو ذكرياتيَ / جِئْنَ بأجنحةٍ من ضياءْ
تسمَّعن صوتكِ تحت الظلام / فجُبنَ الثرى وطوين الفضاءْ
تُمَسِّحُ كفَّيكِ راحاتهنَّ / على قُبَلٍ من شفاهٍ ظماءْ
ويسكبن في أذنيكِ الدعاءَ / وفي قلبكِ الغضِّ نورَ الرَّجاءْ
ألا يا عرائس وادي الخيال / بآلهةِ الرَّحمةِ المُنصِفَهْ
ألا ادفعنَ هذا الرَّدى المشرئبَّ / وأمسِكنَ هذي اليدَ المُضعفَهْ
وأنقذن هذا الغرامَ الشهيدَ / فقد كادتِ النارُ أن تَلقفَهْ
رسائلُ أنبلُ ما سطَّرتْ / يدُ الحبِّ أو ردَّدَتهُ شفهْ
وصُنَّ أزاهرَ ما نوَّرَتْ / بهنَّ الغصونُ لغير الشفاهْ
ولا نَسمتْ غيرَ روحِ الهوى / ولا غيرَ أنفاسهِ أو شَذاهْ
أزاهرُ هُنَّ رؤى ليلةٍ / هي العمرُ أو هي كلُّ الحياهْ
تمثَّلها الحبُّ في باقةٍ / إلهيةٍ جَمَعَتْها يداهْ
ألا يا عرائسَ وادي الخيال / ألا ابعثنَ روحَ الرِّضى والسلامْ
ألا احْكُمْنَ بيني وبينَ التي / تثورُ بعاشِقها المستهامْ
تُفارقهُ وتطيلُ الفراقَ / وتسألُهُ أينَ عَهْدُ الغرامْ
فإنْ قال ضَيَّعتِهِ أسرعتْ / إلى النار تُوقِظُ فيها الضرامْ
ألا يا عرائسُ هلاَّ استمعتِ / لأُختيَ ربَّةِ هذا القصيدْ
أغَرَّدَ روحٌ بهذا الصَّفاءِ / وردَّدَ قلبٌ كهذا النشيدْ
يقول أنا الحبُّ لا تُلْقِ بي / إلى النار إني قويٌ شديدْ
وما أنا بعضُ رَمادٍ لها / ولا أنا بعض حُطامٍ بديدْ
أنا الجوهرُ الفرْدُ لا ماسَتي / تذوبُ ولا نورُها يَنْفَدُ
مُنِحت الخلودَ وأعطيتُهُ / لمن يُلْهَمُ الشِّعرَ أو يُنشِدُ
تخرُّ العروشُ وتَهوي الشموسُ / ولي عرشيَ الخالدُ الأبدُ
هو القلبُ أعظم ما صوّرتْ / يدُ اللّهِ ما نازعتها يَدُ
ألا يا عرائسَ وادي الخيالِ / ألا قرِّبي يَدَها قرِّبي
حبيبةَ قلبي نسيتُ النوى / ودعوى البريئةِ والمذنبِ
وأنسيتُ حتى كأن لم يَكنْ / على الأمس ما كان أو مرَّ بي
حديثُ القُصاصةِ ردَّ الهوى / لقلبي فشُبِّيه أو ألهبي

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025