المجموع : 367
لمّا رأَيتُ الصُّبحَ قد تَبدّى
لمّا رأَيتُ الصُّبحَ قد تَبدّى /
كَأَنَّه في الشّرْقِ سَيلٌ مَدّا /
وحاجبُ الجَوْنَةِ قد تَصَدّى /
شُهباً فَأَطبَقنَ عُيوناً رُمدا /
أَركَبتُ نَفسي شَوذَقاً مُعَدّا /
يَهدّ أركانَ الطيورِ هَدّا /
بِمِخلبٍ تُبصرُهُ مُسوَدّا /
كَأَنَّه من خِنْجَرٍ قَدْ قُدّا /
حِرصاً عَلى الصّيْدِ بنا في الرمدا /
في لَعِبٍ مِنكَ يُريكَ الجِدّا /
وفتيَةٍ يَكتَسِبونَ المَجدا /
ويَركَبونَ السّابحاتِ الجُرْدا /
ويَلبَسونَ مِنْ حديدٍ سَرْدَا /
ويُشرعون الذّابلاتِ المُلْدا /
ويَصرعونَ في الحُروبِ الأُسدا /
ويَقنِصونَ حُمُراً ورُبْدَا /
صَادوا وصَادوا ما يَجوزُ العَدّا /
فَمَن فتىً يَقْدَحُ مِنهُ زَنْدا /
وحاطبٍ طَلحاً لَهُ وَرَنْدا /
وَمشتَوٍ يوسعُ ناراً وَقْدا /
وفاتحٍ عن لذّةٍ ما سَدّا /
عَن ذَاتِ عَرْفٍ أعرَفَتهُ النّدّا /
ياقوتَةً تَلبَسُ دُرّاً عِقْدا /
مَطِيَّةً منَ السّرورِ تُحْدى /
بِمَسمَعٍ شَدواً يُثيرُ الوَجدا /
وقَد أُعيرَ مِن فَتاةٍ نَهدَا /
ومن قضيبٍ في كثيبٍ قَدّا /
فِعلُ الهَوى من ظَرفه مُعَدّى /
والوَردُ في وَجنَتِهِ مُندّى /
يَصونُ مِنهُ في لَماهُ شَهْدا /
عَيشٌ قَطَعتُ العَيشَ فيه رَغدا /
مُواصِلاً مِنهُ شَباباً صَدّا /
كانَ مُعاراً ثوبُهُ فَرُدّا /
هلْ أنتِ فاديَةٌ فؤادَ عميدِ
هلْ أنتِ فاديَةٌ فؤادَ عميدِ / من لوعةٍ في الصّدْرِ ذاتِ وَقُودِ
أم أنتِ في الفَتَكاتِ لا تخشَينَ في / قَتلِ العبادِ عُقوبةَ المَعبودِ
إِن كَانَ لا تَنبُو سُيوفُكِ عن حَشا / صَبٍّ فَلَيسَ حِدادُها بِحَديدِ
قُلْ كَيفَ تَعطِفُ بِالوِصالِ لِعاشِقٍ / من لا تجودُ له بِعَطْفَةِ جيدِ
لَو بِتّ مُغتَبِقاً مُدامةَ ريقِها / لَخَشيتُ صارمَ جَفنِها العِربِيدِ
إِن شِئتَ أن تَطْوي على ظَمَأٍ فَرِدْ / ماءَ المَحاسِنِ فَوْقَ وَجْنَةِ رُودِ
غيداءُ يُسقِمُ بالملاحةِ دَلُّهَا / جِسمَ العَميدِ كَذاكَ دلّ الغيدِ
كَتَبَتْ لها وَصلاً إِشارةُ ناظِري / فَمَحاهُ ناظِرُ طَرفِها بِصُدودِ
وَلَقَد يَهيجُ لِيَ البُكاءَ صَبابَةً / شادٍ مُطوَّقُ آلةِ التّغريدِ
باتَت سَواري الطَلِّ تَضرِبُ ريشَهُ / بجواهرٍ لم تَدْرِ سِلْكَ فريدِ
غَنّى عَلى عُودٍ يَميسُ بِهِ كَما / غَنّى التَقابُلَ مَعْبَدٌ في العُودِ
واللَّيل قَوّضَ رافِعاً من شَبهِهِ / بيضَ القبابِ على نَجائبَ سُودِ
والصبحُ يلقط من جُمَانِ نجومِهِ / ما كانَ في الآفاقِ ذا تَبديدِ
زُهْرٌ خَبَتْ أنوارُهَا فَكَأَنَّها / سُرُجُ المَشاكي عُولِجَت بِخُمودِ
كَأَزاهِرِ النُوّارِ تَقطِفُها مَهاً / مِن كُلّ مُخضرِّ البقاع مَجُودِ
كَأَسِنَّةٍ طَعَنَتْ بها فُرسانُها / ثُمَّ امتَسكنَ عَنِ القَنا بِكبودِ
كَعُيونِ عُشّاقٍ أبَاحَ لها الكَرى / مَنْ كان عَذّبَهُنّ بالتَّسهِيدِ
والصبحُ يبرقُ كرّةً في كرّةٍ / مِثلَ استلالِ الصارِمِ المَغمودِ
وَتَفرَّقَت تِلكَ الغَياهِبُ عَن سَنا / فلقٍ يُفَلّقُ هامَها بِعَمُودِ
إِنِّي خَبرتُ الدَّهر خُبْرَ مُجَرّبٍ / وكلمْتُ غاربَهُ بِحَمْلِ قتودِ
فالحَظّ فيهِ طَوْعُ كَفّيْ مُظْلِمٍ / بِالجَهلِ مِن نورِ العُلومِ بَلِيدِ
والحَمدُ في الأَقوامِ غَيرُ مُسَلّمٍ / إلّا لأحمدَ ذي العُلى والجُودِ
مَن لا يَجودُ على العُفاةِ بطارِفٍ / حَتّى يَجودَ عليهمُ بِتَليدِ
خَرَقَ العوائدَ منه خِرْقٌ سَيْبُهُ / ثَرُّ الغَمائِمِ مورقُ الجُلمودِ
يأوي إلى شَرَفٍ تَقَادَمَ بيتُهُ / أَزمانَ عادٍ في العلى وثَمودِ
مُتَردِّدٌ في سامِياتِ مَراتِبٍ / والبَدرُ في الأَبراجِ ذو تَغريدِ
كَالشَّمسِ يَبْعُدُ في السماءِ مَحَلُّها / وشُعاعُها في الأَرضِ غَيرُ بَعيدِ
يَلقى وُجوهَ المُعتَفينَ بِغُرّةٍ / بَسّامَةٍ ويدٍ تَسُحّ بِجُودِ
ما زال يشردُ عِرْضُهُ عن ذمّةٍ / وعَطاؤُهُ بالمَطلِ غَيرُ شَريدِ
في رَبعِهِ رَوضٌ مَرُودٌ خِصْبُهُ / أبداً مُصَاقِبُ مَنْهَلٍ مَورودِ
وكَأَنَّما لِلّيْلِ فيه مدارِجٌ / عِندَ التِقاءِ وفودِهِ بِوفودِ
سَبقَ الكِرامَ وأَقبَلوا في إِثرِهِ / كَسِنانِ مُطّرِدِ الكُعُوبِ مَديدِ
مُتَصرّفُ الكَفّيْنِ في شُغُلِ العُلى / لَم يَخلُ من بَذلٍ وَمِن تَشييدِ
والمجدُ لا تُعْلي يَداك بناءَهُ / إلّا بِمالٍ بِالنَدى مَهدودِ
يا ابن السيادةِ والرّياسةِ والعُلَى / وعظيمِ آباءٍ عظيمِ جُدودِ
خُذْهَا كَمُنتَظَمِ الجُمانِ غَرائِباً / تُرْوَى قَصيدَتُها بِكُلِّ قَصيدِ
نِيطَتْ عَلَيكَ عُقودُهَا وَلَطالَما / نُظِمَتْ لأَجيادِ المُلوكِ عُقودي
ولَمّا تَلاقَينا وأثْبَتَ عِندَها
ولَمّا تَلاقَينا وأثْبَتَ عِندَها / نُحولي وَتَبريحي مِنَ الحُبِّ ما عِندي
خَلَعنا عَلى الأَجيادِ أَطواقَ أَذرُعٍ / كَأَنّ لَنا رُوحَينِ في جَسَدٍ فَرْدِ
كَأنّ عناقَ الوَصلِ لاحَمَ بينَنَا / بِريحٍ ونَارٍ من زَفيري وَمِن وَجدي
وَلَمّا أَتاني الصبحُ ذُبْتُ ولم تَذُبْ / فَيا لَكَ مِن شَوقٍ خُصِصْتُ به وَحدي
وَرَاقِصَةٍ بِالسحرِ في حَرَكاتِها
وَرَاقِصَةٍ بِالسحرِ في حَرَكاتِها / تُقيمُ بِهِ وَزْنَ الغِناءِ عَلى حَدّ
مُنَغّمَةٌ أَلفاظَهَا بِتَرنُّمٍ / كَسا مَعبِداً مِن عِزِّهِ ذِلَّةَ العَبدِ
تَدوسُ قُلوبَ السامِعينَ برخْصَةٍ / بها لَقَطَتْ ما لِلُّحون مِنَ العَدِّ
بِقدٍّ يموتُ الغُصْنُ من حَرَكاتِهِ / سكوناً وأين الغُصْنُ من بَرَهِ القدّ
وَتَحسَبُها عمَّا تُشيرُ بِأَنمُلٍ / إِلى ما يُلاقي كُلَّ عُضوٍ مِنَ الوَجدُ
بِنا لا بِها ما تَشتَكي مِن جَوَى الهَوى / وأَدمُعِ أَشواقٍ مُخَدِّدَةِ الخَدّ
ومُودع في المَطايا لَسْعَةً حمَّةٍ
ومُودع في المَطايا لَسْعَةً حمَّةٍ / فَيُزعِجُ الروحَ تعذيباً مِنَ الجَسَدِ
يُغْشي السوامَ مَناقِيراً فَتَحسَبُها / مَباضِعاً مُدمِياتٍ كلَّ مُفتَصدِ
يَحُكّ من دَمِها القاني يداً بِيَدٍ / حَكّ الظَريفِ بِحنّاءٍ بَنانَ يَدِ
تَنَهّدَ لمّا عَنّ سِرْبُ النواهِدِ
تَنَهّدَ لمّا عَنّ سِرْبُ النواهِدِ / على بُعْدِ عَهْدٍ بِالصّبا والمَعاهِدِ
وَعَطْفُ قُلوبٍ من دُمَاها بِمَنطِقٍ / كَفيلٌ بِتأنيسِ الظباءِ الشوارِدِ
ذَكَرتُ الصبا والحانِياتِ عَلى الصبا / وهُنّ لأجسادِ الصّبَا كَالمَجاسِدِ
فبرّحَ بي شوقٌ إليها مُعَاوِدٌ / وناهيك من تبريحِ شَوقٍ مُعاوِدِ
عَلى حِينِ لَم أَركَبْ عِتاقَ صَبابتي / ولا ذُعِرَتْ في سِرْبِهنّ طَرائِدي
مَتى تَصدرُ الأَحلامُ من غَيرِ فِتنَةٍ / ومن غَرَضِ الأَحدَاقِ بيضِ الخرائِدِ
لَقَد رَادَني رَوضاً مِنَ الحُسنِ نَاظِري / فَلي مَحْلُ جِسمٍ جَرّهُ خِصْبُ رائِدي
وأَصبَحتُ مِن مِسكِ الذَوائِبِ ذَائِباً / أما يَقْتُلُ الآسادَ سَمُّ الأساوِدِ
وإنِّي لَذو قَلبٍ أَبِيٍّ حَملتُهُ / لِيَحمِل عَنّي مُثقلاتِ الشدائِدِ
فَلا غَروَ إِن لانَت لِظَبيٍ عَريكَتي / أَنا صائِدُ الضرغامِ وَالظبيُ صَائِدي
أَيا هَذهِ استَبقي عَلى الجِسمِ إِنَّني / كَثيرٌ سَقامي حَيثُ قَلَّت عَوائِدي
مُسَاءٌ بِبَينٍ فَرَّقَتنا صُروفُهُ / عَبادِيدُ إلّا في عُلُوِّ المَقاصِدِ
ظَلمنا المَطايا ظُلمَ أَيّامنا لنا / لِكُلٍّ عَلى الساري بِهِ صَدرُ حاقِدِ
تكَلِّفُنا الهمَّاتُ نَيلَ مُرادِها / وَمَن للمَطايا بِاتصالِ الفَراقِدِ
مَقاوِدُها تُفني قُواها كَأَنّها / مَكاحِلُ يَفنى كُحلُها بِالمَراوِدِ
ولَيلَةٍ أَعطَينا الحَشاشاتِ فَضلةً / مِنَ النوْمِ صَرْعَى بَينَ غُبْرِ الفدافِدِ
وقَد وَردت ماءَ الصباحِ بِأَعيُنٍ / نَوائِمَ في رَأيِ العيونِ سَواهِدِ
فَقُلتُ لأَصحابي ارفَعوا مِن صُدورِها / فَقَد رَفَعَ الإِصباحُ رايَةَ عاقِدِ
إِذا نَظمت شَملَ المُنى بِمُحَمَّدٍ / نَثَرنا عَلى عَليَاهُ دُرّ المَحامِدِ
وأَضحَت لَديهِ مُعتَقاتٍ وَمُتِّعَت / بِخُضرِ المَراعي بَينَ زُرقِ المَوارِدِ
هِمامٌ يَهُزّ الملكُ عِطفَيهِ كُلَّما / عَلا الناسَ مِنهُ كَعبُ أَروَعَ ماجِدِ
وأَكبَرُ يَأوي مِن ذُؤابَةِ يَعرُبٍ / إِلى ذَروَةِ البَيتِ الرّفيعِ القَواعِدِ
تَلاقَى المُلوكُ الغُرُّ حَولَ سَريرِهِ / فَمِن راكعٍ مُغضي الجُفونِ وساجِدِ
يَكُفُّونَ أبصاراً لهمْ عن سُميدِعِ / تديمُ إِلَيهِ الشمس نَظرَةَ حاسِدِ
إِذا اقتادَ جَيشاً ساطِعَ النَقعِ أَنذرتْ / طَلائِعُهُ جَيشَ العَدُوِّ المُكابِدِ
ومَن يَكُ بِالنصرِ العَزيزِ مُؤيَّداً / مِنَ اللَّه لا يَنصبْ حبالَ المَكايِدِ
ومُنغَمِسٍ في صِبغَةِ اللَّيل يَمْتَطي
ومُنغَمِسٍ في صِبغَةِ اللَّيل يَمْتَطي / إِلى آجَلِ الآسادِ قَيْدَ الأَوابِدِ
يُختِّمُ يُمناهُ قَبيعَةُ صَارِمٍ / لما قَد طَغى مِن سُنْبُلِ الهامِ حاصِدِ
يَكِرُّ فَكَم جِسمٍ عَلى الأَرضِ ساقِطٍ / صَريعٍ وَكَم روحٍ إلى الجوِّ صاعِدِ
وأُسْدٍ تصيرُ الأُسْدُ كالبَهْمِ عِندَها / إذا ما الظُّبى خَطّتْ رُبوعَ القلائِدِ
أطَلْتَ وقد حانَ الجلادُ سكونَها / بِقَولِكَ للأَبطالِ هَل مِن مُجالِدِ
وَرَدتَ فَكَم حَظٍّ مِنَ الفَضلِ باهِرٍ / لَدَيكَ وَكَم خَفضٍ مِنَ العَيشِ بارِدِ
ثَناؤُكَ في الآفاقِ أَركَبَني المُنَى / وَغَرّبَني عَنْ مَوْطِني المُتَباعِدِ
وقد قِسْتُ أعوامي الَّتي سَلفَت فما / وَفَيْنَ بِيَومٍ مِن لِقائِكَ واحِدِ
أنْكَرَتْ سُقْمَ مُذابِ الجَسَدِ
أنْكَرَتْ سُقْمَ مُذابِ الجَسَدِ / وهوَ مِن جِنسِ عُيونِ الخُرُدِ
وَبَكَتْ فَالدَّمْعُ في وَجنَتِها / كَجُمانِ الطلِّ في الوردِ النَدي
ما الَّذي يُبْكي بِحُزنٍ ظَبيةً / فَتَكَتْ مُقلَتُها بِالأُسدِ
والظباءُ الحُورُ إِمّا قَتَلَتْ / لَحَظاتُ العَينِ مِنها لا تَدِي
غادَةٌ إِن نيطَ مِنها مَوعِدٌ / بِغَدٍ فَرَّ إِلى بَعدِ غَدِ
هَكَذا عِنديَ يَجري مَطْلُهَا / بِخِلافٍ عندها مُطَّردِ
وهيَ مِن عُجْبٍ وَمِن تيهٍ لَها / كبدٌ تُرحمُ منها كبدي
ذَاتُ عَينٍ بِالهَوى نَابِعَةٌ / ضَلّ في الحُبِّ بِها مَن يَهتَدي
وهيَ نَجلاءُ حَكاها سِعَةً / جُرحُها في كُلِّ قَلبٍ مكمَدِ
لا يَذوقُ المِيلُ فيها إِثمداً / ما لأَحدَاقِ المَها والإِثمِدِ
قَذَفَتْ حَبّةَ قَلبي في الهَوى / هَل رَأَيتَ الجَمرَ في المُفتَأَدِ
سِحرُها وحيٌ بِنَجوى ناظِرٍ / ذُو نُفاثٍ للنُّهى في عقَدِ
ما لآسٍ في مُحِبٍّ عَمَلٌ / غيرُ داءِ الروح داءُ الجَسَدِ
خَفيَ البُرءُ على أَلطافِهِ / وهوُ في بَعضِ ثَنايا العُوّدِ
إِنَّ في ظَلْمِ ظَلُومٍ لَجَنى / شُهُدٍ واهاً لذاكَ الشُّهدِ
ذاب لي بالراحِ منها بَرَدٌ / هل يكونُ الراحُ ذَوْبَ البَرَدِ
هاتِها صَفراءَ ما اختَرتُ لَها / أُفُقَ الشمسِ على أُفْقِ يَدي
خارجٌ في راحتي مُقْتَنِصٌ / كُلّ هَمٍّ كامِنٍ في خَلَدي
جَرّدَ المَزجُ عَلَيها صارِماً / فَاتَّقَتْهُ بِدُموعِ الزّبَدِ
عُتّقَتْ ما عتقت في خَزَفٍ / بِرِداءِ القارِ فيهِ تَرتَدي
حَيثُ أَبلى جِسمَها لا روحَها / مُرُّ أَيّامِ الزّمانِ الجُدُدِ
ما أَطاقَ الدَّهرُ أَنْ يَسلِبَها / أرَجَ المِسكِ ولَونَ العَسجَدِ
فاقْضِ أوطارَ اللذاذاتِ على / نَقْرِ أوتارِ الغَزالِ الغرِدِ
فَلُحونُ العودِ والكاسُ لَنا / والندى وَالبَأسُ لِلمُعتَمَدِ
مَلِكٌ إِن بَدَأَ الحمدُ بِهِ / خَتَمَ الفخرُ به ما يَبتَدي
مُعرِقٌ في المُلكِ مَوصولاً بِهِ / شَرَفُ المَجدِ ومَحضُ السُؤدُدِ
مَن غَدا في كُلِّ فَضلٍ أَوحَداً / ذَلِكَ الأَوحَدُ كلّ العَدَدِ
مَن حَمى الإِسلامَ مِن طاغِيةٍ / كانَ مِنهُ في المُقيمِ المُقعَدِ
وكَستْ أسيافُهُ عاريةً / ذُلّ أهْلِ السبتِ أهلَ الأَحَدِ
ذو يدٍ حَمراءَ مِن قَتلهِمُ / وهيَ عِندَ اللَّه بَيضاءُ اليَدِ
تَقتَدي الأَملاكُ في العَدلِ بِهِ / وهوَ فيهِ بِأَبيهِ يَقتَدي
كَيفَ لا يُمْلي عَلى الناسِ العُلى / مُسْتَمِدٌّ من عُلا المُعتَضِدِ
عارِضٌ يَنهلُّ بالوَبلِ إِذا / كان للعارضِ كفَّ الجَلمَدِ
وهَصورٌ يَفرِسُ القِرْنُ إِذا / جَرّدَ المُرهفَ فَوقَ الأَجرَدِ
قَوّمَتْ عَزمَتُهُ عن نِيَّةٍ / مِن مَنارِ الدينِ مَيْلَ العَمَدِ
لا تَلُمْهُ في عَطاياهُ الَّتي / إن تَرُمْ مِنهُنَّ نَقصاً تَزدَدِ
فَنداهُ البَحرُ والبَحرُ مَتى / تعصفِ الرّيحُ عليه يُزْبدِ
ومحالٌ نَقْلُكَ الطبعَ الَّذي / كَانَ مِنهُ في كَريمِ المَولِدِ
كم لُهامٍ جَرّ في أوّلِهِ / رُمحَهُ فَهوَ لَهُ كَالمِقوَدِ
وَلُيوثٍ صالَ فيهِم فانثَنَوْا / وضَواريهم له كالنّقَدِ
بِحُسام مُطفئٍ أرواحهُمْ / بِشواظِ البارِقِ المُتَّقِدِ
لِغِرَارَيْهِ على هاماتِهِم / مِن شِرارِ القَدحِ ما في الزنَدِ
كَم تَغَنّى بِالمَنايا في الطلا / ظَبتاهُ عَن أَغاني مَعبَدِ
وَسِنان مشرعٌ في صَعْدَةٍ / كَلِسانٍ في فَمِ الأَيمِ الصَدي
في سَماءِ النقعِ مِنهُ كَوكَبٌ / طالعٌ في يَزَنِيٍّ أَملَدِ
أَبَداً يَدعو إلى مأدبةٍ / حُوّمُ الوَحشِ عَلَيها تَغتَدي
يا بَني البَأسِ مَنِ الذِّمْرُ الَّذي / جاءَ في كاهلِ عَزْم أيّدِ
شَيَّبَ الحَربَ اقتِحاماً بَعدَما / رَبِيَتْ في حِجرِهِ كَالوَلَدِ
يَرعَفُ اللَهذَمُ في راحَتِهِ / كُلَّما شَمَّ قُلوبَ الأُسُدِ
سَمهَريٌّ أَحرَقَتْ شُعْلَتُهُ / كُلَّ رُوحٍ في غَديرِ الزّرَدِ
أَنتَ ذاكَ الأَسَدُ الوَرْدُ فَهَلْ / كانَ في رمحك سَمّ الأسْوَدِ
أعِناقُ البُهَمِ استَحسَنتَهُ / وهو بَرْدٌ أم عِتاقُ الجُرُدِ
دُمتَ في المُلكِ لِمَعنَى مادِحٍ / يَنظِمُ الفَخرَ وَجَدوى مُجتَدِ
وَبَناتٌ مِن فَصيح مُفْلِقٍ / يَشْهَدُ الفضْلُ له في المَشهَدِ
فَهوَ بِالإِحسانِ في أَلفاظِها / مُحسِنٌ صَيْدَ المَعاني الشّرَّدِ
في بُيوتٍ أَذِنَت فيها العُلى / لَكَ بِالتَقريظِ في كُلِّ نَدِ
قَد تَناهى في عَرُوضٍ فهيَ لا / يَعرِضُ الهَدْمُ لَها في المُسْنَدِ
فَإِذا أَثْنَتْ عَلَيكُم فَتَقَت / لكمُ مِسْكَ الثّناءِ الأَبدي
وَإِذا استَحْيَتْ مِنَ المَجدِ أتَى / مُعْرِباً عَنها لِسانُ المُنشِدِ
صَدّتْ وبدرُ التِّمّ مَكسوفٌ بِهِ
صَدّتْ وبدرُ التِّمّ مَكسوفٌ بِهِ / فَحَسِبتُ أَنَّ كُسوفَهُ مَنْ صَدِّها
والبدرُ قد ذهبَ الخسوفُ بنورِهِ / في ليلةٍ حَسَرَتْ أواخِرَ مَدِّها
فَكَأنَّهُ مرآةُ قَيْنٍ أُحْمِيَتْ / فَمَشى احمِرارُ النّارِ في مُسْوَدّها
قَدَحَ المَشيبُ بِمَفرِقَيهِ زِنادَا
قَدَحَ المَشيبُ بِمَفرِقَيهِ زِنادَا / لا يَستَطيعُ لِنارِهِ إِخمادَا
وَثَنَت مَليحَاتُ التَلَفُّتِ سَلْوَةً / عَن شَخصِه الألحاظَ والأَجيادَا
ولَرُبَّما فَرَشَتْ لزائر لحظِهِ / وردَ الخدودِ مَحَبّةً وَوِدادا
إن صادقَتْهُ زمانَ صادَقَهُ الصّبا / فهيَ الَّتي عادَتْهُ لمّا عَادى
أَتَرى بَياضَ الشَيبِ ماءً غاسلاً / في العارِضَينِ وَلِلشبابِ سَوادا
خانَتْ سعادُ وقد وَفَى لك لونُها / لو خانَ ما وَفّى مَلَكتَ سُعادا
أَكثَرتَ مِن ذِكرِ الفَتاءِ وقَلَّما / تُعْطي لذي الذّكَرِ الفتاةُ قيادا
ومُنقَطِعٍ بالسّبْقِ من كلّ حلبةٍ
ومُنقَطِعٍ بالسّبْقِ من كلّ حلبةٍ / فَتَحسَبُهُ يَجري إِلى الرَّهنِ مُفْرَدا
كأنّ له في أُذْنِهِ مُقْلَةً يَرَى / بِها اليومَ أَشخاصاً تَمُرّ بِهِ غدا
تُقَيَّدُ بالسبقِ الأوابدُ فَوْقَهُ / ولَو مَرَّ في آثارِهِنَّ مُقَيَّدا
تُفْشي يَداكَ سَرائرَ الأَغْمادِ
تُفْشي يَداكَ سَرائرَ الأَغْمادِ / لِقِطافِ هامٍ واختِلاءِ هَوادِ
إلّا على غزوٍ يُبيدُ بِهِ العِدى / للِّه من غزوٍ لَهُ وجهادِ
وعَزائِمٍ تَرمِيهُمُ بِضَراغِمٍ / تستأصلُ الآلافَ بالآحادِ
مِن كلّ ذِمْرٍ في الكَريهَةِ مُقْدِمٍ / صَالٍ لِحَرّ سَعيرها الوقّادِ
كسنادِ مَسمُرَةٍ وقَسوَرِ غَيضَةٍ / وعُقابِ مَرْقَبَةٍ وَحَيّةِ وادِ
وكَأَنَّهُم في السّابِغاتِ صَوارِمٌ / والسّابِغاتِ لَهُم مِنَ الأَغمادِ
أُسْدٌ عَلَيهِم من جُلودِ أَراقمٍ / قُمُصٌ أزِرّتُها عيونُ جرادِ
ما صَوْنُ دينِ مُحَمَّدٍ من ضَيمِهِ / إلّا بسيفكَ يومَ كلّ جِلادِ
وطُلوعِ راياتٍ وقَودِ جَحافلٍ / وقِراعِ أَبطالٍ وكَرِّ جِيادِ
وَلَدَيكَ هذا كُلَّه عن رائِحٍ / من نَصْرِ ربّكَ في الحروبِ وغادِ
إِنَّ اهتمامَكَ بالهدى عن همّةٍ / علويَّةِ الإِصدارِ والإِيرادِ
وإقامَةُ الأسطولِ تؤذنُ بَغْتَةً / بِقِيامةِ الأعداءِ والحُسّادِ
والحَربُ في حَربِيّةٍ نيرانُها / تَطأُ المياهَ بشدَّةِ الإِيعادِ
تَرْمي بنفطٍ كيفَ يُبْقي لَفْحُهُ / والشَمّ منهُ مُحَرّقُ الأَكبادِ
وكَأَنَّما فيها دخانُ صواعِقٍ / مُلِئَتْ مِنَ الإِبراقِ والإِرعادِ
لا تَسكُنُ الحَرَكاتُ عِندَكَ إنَّها / لخواتِمُ الأَعمالِ خيرُ مَبَادي
وأشدّ مَنْ قَهَرَ الأعادي مِحْرَبٌ / في سِلمِهِ للحَربِ ذو استِعدادِ
سَيُثيرُ مِنكَ العَزمُ بأساً مُهلكاً / والنارُ تَنبعُ عن قِداحِ زنادِ
وغِرارُ سيفكَ ساهرٌ لم تَكتَحِلْ / عَينُ الردى في جَفْنِهِ بِرُقادِ
وزمانُكَ العاصي لغيركَ طائعٌ / لَكَ طاعَةَ المُنقادِ لِلمُقتادِ
ونَرى يَمينَكَ والمُنى في لَثمِها / في كلّ أُفْقٍ بالجنودِ تُنادي
مَن كانَ عَن سَنن الشجاعَةِ والنّدى / بِئسَ المُضلُّ فَأَنتَ نعمَ الهَادي
هَل تَذكُرُ الأَعياجُ سَبْيَ بَناتِها / بظُبىً جُعِلْنَ قلائدَ الأجيادِ
مِن كُلّ بيضاءِ الترائبِ غادةٍ / تمشي كَغُصْنِ البانَةِ الميّادِ
مجذوبةٍ بذوائبٍ كأساودٍ / عَبَثَتْ بهنّ براثنُ الآسادِ
مِن كُلِّ ذي زَبَدٍ عَلَتهُ سُفْنُهُ / يَخْرُجْنَ من جَسَدٍ بِغَيرِ فُؤادِ
ثُعبانُ بَحْرٍ عَضُّهُ بِنَواجذٍ / خُلِعَتْ عَلَيهِ مِنَ الحديدِ حِدادِ
يُبدي غرابٌ منه سقطَ حمامةٍ / بِبَياضِهِ في البحرِ جَرْيُ سوادِ
وكَأَنَّما الريحُ الَّتي تَجْري بِهِ / روحٌ يُحرّكُ منه جِسمَ جَمادِ
يا أَيُّها المُمضي قُواهُ وحَزمَهُ / ومُحالفَ التَأويبِ والإِسآدِ
هذا ابنُ يحيَى ذو السماح جنابُهُ / مُسْتَهْدَفٌ بِعَزائِمِ القُصّادِ
فَرِّغْ مِنَ السّيْرِ الرَذِيّةَ عِندَهُ / تملأ يديكَ بطارفٍ وَتلادِ
مَلِكٌ مَفَاخِرُهُ تُعَدّ مفاخراً / لمآثرِ الآباءِ والأجدادِ
ومراتعُ الروّادِ بينَ رُبُوعِهِ / محفوفةٌ بمناهِلِ الوُرّادِ
ثبتتْ قواعدُ مُلْكِهِ فكأنّما / أرساهُ ربّ العرشِ بالأطوادِ
وطريدُهُ من حيثُ راحَ أوِ اغتَدى / في قبضةٍ منهُ بِغَيرِ طرادِ
والأرضُ في يُمناهُ حَلْقَةً خاتمٍ / والبحرُ في جدواهُ رَشْحُ ثِمادِ
لا تسألَنْ عمّا يصيبُ برأيِهِ / وطعانِهِ بمقوَّمٍ مَيّادِ
يضعُ الهِناءَ مواضعَ النُّقَبِ الَّذي / يضعُ السِّنانَ مواضعَ الأحقادِ
كالبدرِ يومَ الطّعْنِ يُطفئُ رُمحهُ / روحَ الكميِّ بِكَوكبٍ وقّادِ
تبني سلاهبُهُ سماءَ عجاجةٍ / من ذُبّلِ الأرماح ذاتَ عمادِ
وَيَرُدُّ سُمرَ الطعنِ عن أَرضِ العِدى / وكَأَنّها في صِبْغَةِ الفرصادِ
وسُقوطِ هاماتٍ بِضَربِ مَناصِلٍ / وصعودُ أرواحٍ بِطَعنِ صِعادِ
أمّا شِدَادُ المجرمين فعزُّهُ / أبقاهُمُ بالذلّ غيرَ شدادِ
والنّارُ تأخذُ في تَضَرُّمِها الغَضَا / جَزْلاً وتتركُهُ مَهيلَ رمادِ
يا من إليه بانتجاعِ مؤمِّلٍ / مُستَمطِرٌ مِنهُ سَماءَ أَيادي
أُلْقِيتُ من نَيْلِ المنى عن عاتقٍ / فكأنّني سيفٌ بِغَيرِ نِجادِ
ما لي بأرضكَ يومَ جودكَ مُعْرِبٌ / بِلِسانِهِ عن خِدمتِي وَوِدادي
إلّا قصائدُ بالمحامدِ صُغْتُها / غُرّاً تهزّ مَحافلَ الإِنشادِ
خَلَعَتْ معانيها على أَلفاظِها / ألحانَ أشعارٍ ونَقْرَ شَوَادِ
رَجَحَتْ بِقِسطاسِ البَديعِ وإنّها / لَخفيفَةُ الأرْواحِ والأجسادِ
تَبقى كَنَقشِ الصخرِ وهيَ شَواردٌ / مَثَلُ المقيمِ بها وحَدْوُ الحادي
أمِسْكَ الصَّبا أهدتْ إِليَّ صبا نجدِ
أمِسْكَ الصَّبا أهدتْ إِليَّ صبا نجدِ / وقد مُلِئَتْ أنْفاسُهُ ليَ بالوجدِ
رَماني بِحَرِّ الشوق بردُ نَسيمها / أحُدّثْتَ عن حَرٍّ مذيبٍ مِنَ البَردِ
وما طابَ عَرْفٌ من سُرَاها وإنّما / تَطَيّبُ في جنح الدّجى بِسُرَى هِندِ
حدا بالأَسى شَوقي رواحِلَ أَدمُعي / فَكَم خَدّدَ الخَدَّ الَّذي فَوقَهُ تَخْدي
وَلي ذِمَّةٌ مَرعيَّةٌ عِندَ عَبْرَةٍ / تُواصِلُ وُدّي في فراقِ ذَوي الودِّ
أُحِبُّ حَبيباً نَجْلَ أوْسٍ لِقَوْلِهِ / فيا دَمعُ أَنجِدني على ساكِني نَجدِ
نَوىً أسْلَمَتْ مِنّا خليّاً إلى شجىً / ووصلاً إلى هجرٍ وَقُرباً إِلى بُعدِ
وأُسْدٍ على مثل السّعَالي عوابسٍ / لها لَبَدٌ من صَنعَةِ الحَلَق السّرْدِ
كُفَاةٌ وغيدٌ أهدَتِ الرّيحُ مِنهُما / لنا سَهَكَ الماذِيِّ في أرَجِ الندِّ
سرَوا بالمَها وهناً ومن ورقِ الظُّبَا / كناسٌ عَلَيها حُفَّ بالقَصَبِ المُلْدِ
تُديرُ عُيوناً شِيبَ بالحُسنِ حُسْنُها / فَللَّهِ منها ما تُسِرُّ وما تبدي
وَتَحسَبُ مِنها في البَراقِعِ نَرجِساً / تَخطُّ الأَسى بِالطَلِّ في صَفحَةِ الخَدِّ
وكم غادةٍ لا يعرفُ الرئمُ مثلها / رمتني بِسَهْمَيْ مُقلَتَيها على عَمدِ
فريدةُ حسنٍ تُخجِلُ البدرَ بالسّنَا / ودِعصَ النقا بالرّدفِ والغُصنَ بالقدِّ
إِذا عَقَدَت عَقْدَ الخُيولِ وِشاحَها / على خَصرِها المَجدولِ أَوهَت منَ العَقدِ
مَهاةٌ تَكادُ العَينُ من لينِ جِسمها / تَرى الورقَ المُخضرَّ في الحَجَرِ الصّلدِ
يَضِلّ سُرَى المُشْطِ المُسَرّحِ فَرْعَها / إذا ما سَرى في ليلِ فاحمهِ الجَعدِ
وتَندَى بِمَفتوتٍ مِنَ المِسْكِ صائِكٍ / قَديرٍ إِلى عَصرِ الشبابِ على رَدِّ
فلا تكُ منها ظالماً لِصِفاتِهَا / على الثّغرِ بالإغريضِ والرّيقِ بالشهدِ
إذا باتَ قلبي بالصبابةِ عندها / ففي أيّ قلبٍ باتَ وجدي بما عندي
ولَيلٍ هَوَتْ فيه نجومٌ كأنّها / يَعاليلُ بحرٍ مُضْمَرِ الجزرِ في المدِّ
كَأَنّ الثُريّا فيه باقَةُ نَرجِسٍ / مِنَ الشرقِ يُهديها إِلى مَغْربٍ مُهْدِ
أردتُ به صَيْدَ الخيالِ ففاتَني / كما فرّ عن وَصْلِ المُتيَّمِ ذو صَدِّ
فكَيفَ يَصيدُ الطيفَ في الحُلمِ ساهِرٌ / أقلّ كرىً من حَسْوَة الطائِرِ الفَردِ
أخو عَزَماتٍ باتَ يعتسِفُ الفلا / بِعَيْرَانةٍ تَرْدي وخيفانةٍ تَخْدي
قفارٌ نجت منها الصَّبا إذ تعلَّقت / حُشاشَتُهَا مِنِّي بِحاشِيَة البردِ
وقَد شُقّ خَيطُ الفَجرِ في جُنحِ لَيلِنا / كَما شُقّ حَدُّ السيفِ في جانِبِ الغِمدِ
وأَهدَت لَنا الأَنوارُ في أَرض حمةٍ / من ابنِ عليٍّ غُرّةَ القَمرِ السّعْدِ
هُنالِكَ أَلقى المُجتَدونَ عصيَّهُمْ / بِحَيثُ استَراحوا من مُطاوعَةِ الكَدِّ
لَدى مَلِكٍ يُرْبي على الغَيثِ جُودُهُ / ويَغْرَقُ منه البحرُ في طَرَفِ الثمدِ
مُندّى الأَماني في مَراتِعِ رَبعِهِ / وَمستمطَرُ الجَدوى ومنتجعِ الوَفدِ
يُنير سَريرُ المُلكِ مِنهُ بِأَروعٍ / سَنا نورِهِ يَجلو قَذى الأعيُنِ الرمدِ
غَنِيٌّ بِلا فَقرٍ لِذِكرى قديمَةٍ / بِمَفخَرِه عن مَفخَرِ الأَبِ والجَدِّ
إِذا السبعَةُ الشّهْبُ العَلِيَّةُ مُثّلَتْ / بمنظومِ عِقْدٍ كان واسطةَ العقدِ
جَوادٌ بما قَد شِئتَ من بَذلِ نائِلٍ / ومن كَرَمٍ محضٍ ومن حَسَبٍ عِدِّ
يجود ارتجالاً بالمنى لا رويَّةً / فلا حُكْمَ تَسويفٍ عَلَيه ولا وَعدِ
تعوّدَ ظهر الحُجْرِ في الحِجْرِ مَركَباً / وَمَهّدَتِ العليا له الملكَ في المَهدِ
وقالَت لَقَدُّ السيفِ نَبعَةُ قَدِّهِ / سَتَعلمُ ما يَلقَاهُ حَدُّكَ من حَدّي
تَرى المَلْكَ يَستخذي لِشِدَّةِ بَأسِهِ / خضوعَ ابنِ آوى لِلغَضَنفَرَةِ الوَردِ
تَقومُ على ساقٍ بِه الحَربُ في العِدى / ومَجلِسُهُ في صَهوَةِ الفَرَسِ النّهْدِ
ويمتحُ نَفْسَ القِرْنِ عاملُ رُمْحِهِ / كما يَمتَحُ الماءُ الرشاءُ من الجُدِّ
إِذا شَرَع الخَطِّيَّ أَغْرَى سِنانَهُ / مِنَ الذِّمرِ مُعتاداً بِجارِحَةِ الحِقدِ
سَليلُ المُلوكِ الغُرِّ يُؤنِسُهُ النّدى / إذا ما عُلاهُ أَوحَشَتهُ مِنَ النِّدِّ
وما حِمْيرٌ إلّا الغطارفة الأُلى / أياديهمُ تُسْدَى وأيديكُمُ تسدي
يصولون صولَ الذائِدين عَنِ الهُدى / ويَعفونَ عَفوَ القائِدينَ ذَوي الرشدِ
وتَسلِبُ تيجانَ المُلوكِ أكفُّهُمْ / إذا طَوَّقوا أَيْمانَهُمْ قُضُبَ الهِندِ
وحربٍ كأنَّ البأسَ يَنْقُدُ جَمْعَهَا / لِيَعلَمَ فيهِم من يُزَيَّفُ بالنَقدِ
ويَقدَحُ قَرعَ البيضِ في البيضِ نارَها / كما ينتضي القدحُ الشرارَ مِنَ الزَندِ
ضحوكٌ عبوسٌ في مراحٍ مُنَقَّلٌ / عَنِ الهزلِ في قَطفِ الرُؤوس إِلى الجَدِّ
حَشوها على الأَعداءِ بالبيضِ والقَنا / وبالزّرَدِ المَوضونِ والضُمّر الجُرْدِ
أَقولُ لَكَ القَولَ الكَريمَ الَّذي بِهِ / جَرى قَلَم العَلياءِ في صُحُفِ الحَمدِ
وَإِن كُنتُ عن عَلياكَ فيهِ مُقَصِّراً / فَعُذرُ مُقِلٍّ جاءَ بَينَ يَدي جَهدي
لَكَ الفَخرُ في جَهرِ المَقالِ كَأَنَّما / يُرَدّدُ في الأسماع صَلْصَلَة الرعدِ
تَوَلَّى عَليٌّ عَهْدَ يحيى وبَعدَهُ / تَولَّيتَ عَهْدَ المَلكِ قُدّسَ من عَهدِ
وتَوّجَ يحيى قبلَ ذاكَ بِتاجِهِ / تميمٌ ومسعاهُ على سَنَنِ القَصدِ
وقَالَ مُعِزُّ الدينِ ذو الفَخرِ لابنِهِ / تميمٍ سريرُ الملك أنتَ له بَعدي
ولَو عَدّ ذو عِلمٍ جُدودَكَ لانتهى / إلى أوّلِ الدنيا بِهِ آخرُ العَدِّ
وأَنْتَ عَلى أَعمارِهِم سَوفَ تَعتَلي / لِعُمرٍ مُقيمٍ في السعادَةِ مُمتَدِّ
بِكَفِّكَ سَلَّ الدِّينُ للضربِ سَيفَهُ / وأَضحى عَلى أَعدائِهِ بِكَ يَستَعدي
سَددت بأقيالِ الأسود ثُغورَهُ / وحقّ بها فَتحَ الثغور منَ السدِّ
وجَيشٍ عَريضٍ بالشِّياحِ طَريقُهُ / يَموجُ كَسيلٍ فاضَ مُنخَرِقَ السدِّ
كَأنَّ المَنايا في الكَريهَةِ أَلفَيَت / على خلقها من خَلقِه صُوَرُ الجُندِ
وحربِيّةٍ في طالِعِ السعدِ أُنْشِيَتْ / فَنيرانُها لِلحربِ دائِمَةُ الوَقْدِ
جبالٌ طَفَتْ فَوقَ المِياهِ وغُيّضَتْ / بِسُمر القَنا والمَرهفاتِ على الأُسدِ
وَدُهْمٌ بفرسانِ الكفاحِ سوابِحٌ / تَجافيفُها في الروعِ مُنسَدِلُ اللبدِ
فَمِن كُلِّ ذي قَوسَينِ يُرسَلُ عَنهُما / سَهامَ المَنايا فَهيَ مُصْمِيَةٌ تُرْدي
وتَرمي بِنَفطٍ نارُهُ في دُخانِهِ / بِهِ المَوتُ مُحمَرٌّ يَؤوبُ بمُسوَدِّ
وتحسبُ فيه زفرةً من جَهَنَّمٍ / تَصَعّدُ عن فَتْلِ اللوالِبِ بالشدِّ
عرائِسُ أَغوالٍ تَهادى وإِنها / لَتُهْدي إذا صَالت مِنَ المَوتِ ما تهدي
قلوبُ عداةِ اللَّه منها خوافِقٌ / كما قلبت فيها الصَّبا عَذَبَ البندِ
أَبوكَ أَصابَ الرُشدَ فيها بِرَأيِهِ / وهَدَّ بِها رُكْنَ العِدَى أَيَّما هَدِّ
وأَصبَحتَ منه في سَجايا مُعَظَّمٍ / وحدُّ مَعاليكَ التعالي عَنِ الحدِّ
ولو كان يُسْتَجْدى الغمامُ بِزَعمِهِمْ / مِنَ البَحرِ أَضحى مِنكَ في المَجدِ يَسْتَجدي
فَلا زالَتِ الأَعيادُ تلفيك سَيِّداً / يهنَّى النّدى في صَونهِ رَمَثَ المَجدِ
أين منّي عَتْبُ أحبابٍ هجودْ
أين منّي عَتْبُ أحبابٍ هجودْ / قَتَلُوا نومي بإِحياءِ الصُّدودْ
وخِلِّي لم تَبِتْ أحْشاؤُهُ / آه من وصلٍ عَنِ القُربِ يَذود
وخَلِّي لمْ تَبِتْ أحْشاؤهُ / وهيَ بِالتبريحِ لِلنارِ وَقود
قَالَ كَم تَظما مِنَ الظَّلْمِ إلى / مَوْرِدٍ لم تَرْوَ منهُ بِوُرود
شِيبَ بِالمِسكِ وَبِالشهدِ معاً / وَالمَساويكُ على ذاكَ شُهود
أَو تُرجِّي نَيلَ صادٍ لِلَّمى / قلتُ لولا الماءُ ما أوْرَقَ عود
قَالَ إِنَّ البيضَ لا تَحظى بِها / أو تَرى بِيضَ ذؤاباتِكَ سُود
قُلتُ عِندي يومَ أَصطادُ المُنى / جَذَعٌ يُحْكِمُ تأنيسَ الشَّرُود
كم مُليمٍ قد نَضَا ثَوْبَ الصّبا / عنه رَدّتْهُ إلى الصّبْوَةِ رُوْد
بحديثٍ يُسْحَرُ السحر به / يَتمنَّاه مُعَاداً أن يَعود
تُنْزَلُ الطيرُ من الجوِّ به / وتُحَطّ العُصْمُ من شُمّ الرُّيُود
وَسَبَتْهُ قُضُبٌ في كُثُبٍ / مالتِ الأكفالُ منها بالقُدود
وثمارٌ نَطَقَتْ أوصافها / بإِشاراتٍ إِلى صُغرِ النُهود
عَدِّ بي عن كلّ هذا إنّني / لا أرى الدهر لإِحساني كَنُود
لي هوىً آوي إليه مرحاً / غَيرَ أَنِّي بِالنهى عَنهُ حَيود
إِنَّ هَمِّي هِمَّةٌ أَسمَرها / ولها قُمْتُ فما لي والقُعود
وفَلاةٍ أَبَداً ظامِئَةٍ / مُشْفِقٌ من قَطعِها العَوْدُ عَنود
حَمَل الماءَ ولا يَشْرَبُهُ / فهو للمُرْوَى به عينُ الحَسُود
جُبْتُهَا في مَتنِ ريحٍ تَنبَري / للسُّرَى بين سَيُوعٍ وَقتود
في ظلامٍ طَنّبَتْ أكنافُهُ / فوق أرجاءِ وهادٍ وَنُجود
وكَأَنَّ البدرَ فيهِ ملكٌ / والنجومُ الزُّهرُ حَولَيه وُفود
وكأنّ الشُّهبَ شُهْبٌ قَيّدَتْ / أَيدِياً منها على الجريِ قُيود
ولَقَد قُلتُ لحادي عيسِنا / وهيَ بِالبُخلِ عَنِ البُخلِ تَجود
أنَجَاءٌ تَخرِقُ الخَرْقَ به / كَابَدَتهُ مِنكِ أَم مَضغُ الكبود
فمتى يَفْلُقُ عن أبصارها / هامَةَ اللَّيل منَ الصبحِ عَمود
وأَرى ما اسوَدَّ من قارِ الدُّجى / ذابَ مِنهُ بِلَظى الشَّمسِ جُمُود
جالياً أقذاءَ عينٍ مَقَلَتْ / من محيّا حَسَنٍ بَدْرَ السعود
أروعٌ إن سَخُنَتْ عَيْنُ العلى / كَحَلَتْها مِنْ سَناهُ بِبُرود
في رُوَاقِ المُلْكِ منه مَلِكٌ / مُلْكُهُ من قبلِ عادٍ وثَمود
بَسَطَ الكفّ بجودٍ غَدَقٍ / قُبِضَتْ عَن بَذلِهِ كَفّ الصَّلُود
كَم سَبيلٍ نَحوَهُ مسلوكةٍ / فهي للقُصّاد كالأمِّ الوَلود
ذُو سَجايا في المَعالي خُلِقَتْ / لِلوَغى والسلمِ من بَأسٍ وَجُود
وأناةٍ أُرْسِيَتْ في خُلُقٍ / كَنَظيرِ الزَّهرِ في الرّوضِ المَجُود
وَمَصونُ العرضِ مَبذولُ الندى / مُعْرِقُ الآباء في مَحْضِ الجُدود
ثابِتٌ عِندَ المَعالي فَضلُهُ / هل يُطيقُ اللَّيلُ للصُّبح جُحود
مُقْدِمٌ يصطادُ أبطالَ الوغى / إنَّ شِبلَ اللَّيثِ للوَحشِ صَيُود
ذو ابتدارٍ في وقارٍ كامنٍ / لِلَظَى الزّنْدِ وقودٌ من خُمود
ألِفَتْ يمناهُ إسداءَ الغنى / والغنى تُسديه يُمنَى مَن يَسود
كم عُفَاةٍ في بلادٍ نَزَحَتْ / فَسَبَتْ مِنهُم أَياديهِ وُفُود
من ملوكٍ نَظَمَتْ مُدّاحُهُمْ / فِقَرَ المَدحِ لَهُم نَظْمَ العُقود
في بُيوتٍ بُنِيَتْ شِعْرِيّةٍ / لِثَناءِ المَرءِ فيهِنَّ خُلود
كُلُّ راسي الحلم حامٍ مُلْكَهُ / عادلِ السيرةِ وافٍ بالعُهود
أَسدٍ تَحسبُ في عامِلِه / أَسْوَداً يَنهَشُ أَعضاءَ الحُقود
نَشَؤوا في مَنعةٍ مِن عَزمِهم / لِلمَعالي في حُجورٍ وَبُنود
بيتُ مجدٍ جاوزت أرْبَعُهُ / أرْبُعَ الشُّهْبِ حُدوداً بِحُدود
يَقذِفُ الحربَ بِجَيشٍ لَجِبٍ / مُشْرَعِ الأَرماحِ مِقدامِ الجُنود
ذي موازيب حديدٍ فَهَقَتْ / بِصَبيبِ الدَّم من طَعنِ الكُبود
ونُسورٍ تَغتَدي أَحشاؤُها / مِن بَني الهَيجاءِ لِلقَتلى لُحود
زَاحِفٌ كَالبَحر مَدّاً بِالصبا / بِحَرورِ الموتِ في ظلِّ البُنود
نَقْعُهُ كالغيمِ ملتفّاً عَلى / صَعِقَاتٍ من بُروقٍ ورُعود
وَإِذا ما رَكَعتْ أَسيافُهُ / فَوقَ هاماتِ العِدى خَرَّتْ سُجود
لِلمَنايا عِندَهُ أَلْسِنَةٌ / قَلَّما تَعْمُرُ أفْواهَ الغُمود
كلّ عَضبٍ يحسبُ الناظرُ في / مَتْنِهِ للنار بالماءِ وقود
ونعوتُ البيض حُمْرٌ عِندَهُ / لِدَمٍ تُكْسَاهُ من قَتلِ الأُسود
وكَأَنَّ الأثْرَ فيها نَمَشٌ / كاد أن يَخْفَى بِتَوريدِ الخُدود
وكأنّ الفتكَ فيها أبداً / ذو حَياةٍ لِلعِدا مِنهُ هُمود
دُمْ لَنا يا ابن عَلِيّ مَلِكاً / في عُلاً ذاتِ سُعودٍ وصُعود
ودَنا مِنكَ بِتَقبيلِ الثرى / كلّ قَرمٍ سَيِّدٍ وهوَ مَسود
صادَتْكَ مهاةٌ لم تُصَدِ
صادَتْكَ مهاةٌ لم تُصَدِ / فلواحِظُها شَرَكُ الأُسُدِ
مَنْ تُوحي السحرَ بناظرةٍ / لا تُنْفَثُ منه في العُقَدِ
لمياءُ تَضَاحَكُ عن دُرَرٍ / وبروقِ حياً وحَصَى بَرَدِ
يَندى بِالمِسكِ لِراشِفِهِ / وسلافِ القَهوةِ والشهدِ
وَذَمَاءُ الليلِ على طَرْفٍ / كترحّلِ روحٍ عن جَسَدِ
ورضابُ الماءِ بفيكِ جَرَى / في جوهره عَرَضُ الصَّرَدِ
وكَأَنَّ كَليمَ اللَّه بَدا / منه في الأفْقِ بياضُ يَدِ
أَسَفي لِفِراقِ زَمانِ صبا / وركوبي قَيْدَ مَهَا الخُرُدِ
مِن كُلِّ مُطابَقَةٍ خُلُقي / بِوَفاءِ سُروريَ أَو كمدي
هيفاءُ يُعَجّزُهَا كَفَلٌ / فتقومُ وتقعدُ بالرُّفَدِ
لونُ الياقوتِ وقسوتُهُ / في الوجنةِ منها والكَبدِ
ولها في جيدِ مُرَوَّعَةٍ / حَلْيٌ صاغَتْهُ من الغَيَدِ
نَقَضَتْ وصلي بتتيُّعها / بالهجرِ ونَومي بِالسّهدِ
وأصابَ السودَ سهامُ البي / ضِ بِبَيْنِ البيض وبالنكَدِ
عَجَبي لإصابةِ مُرْسَلِهَا / منْ جَوْفِ ضلوعي في الخَلَدِ
يا نارَ نشاطي أين سنا / كِ وأين لظاكِ بمفتأدي
زَندي وَلَدتكَ وقَد عَقِمَتْ / عن حَملِ السِّقْطِ فَلَم تَلِدِ
أَحيَيتِ بِذِكري مَيْتَ صباً / أَبكيهِ مسايرةَ الأبَدِ
وطَلَبتِ الضدَّ لأوجِدَهُ / وجموحي في الصدِّ فَلَم أَجِدِ
ولوَ انَّ كَريماً تَفْقدُهُ / يُفْدى بالنفس إذنْ لَفُدي
أذهبتُ الحزن بمُذْهَبَةٍ / وبها ذَهّبْتُ لُجَيْنَ يدي
ولقد نادمْتُ ندامى الرّا / حِ بِمُطّرفي وبِمُتّلَدي
بمعتّقَةٍ قَدُمَتْ فأتَتْ / للشَّرْبِ بلذّاتٍ جُدُدِ
سُبِيَتْ بِسُيوفٍ من ذَهَبِ / مِن أَهلِ السبتِ أَوِ الأَحَدِ
وإذا ما عُدّ لها عُمُرٌ / مَلأتْ كَفَّيْكَ منَ العَدَدِ
يَطفو في الكاسِ لَها حَبَبٌ / كَصِغارِ مَساميرِ السّرَدِ
وإِذا ما غاصَ الماءُ بِها / في النّار تردّتْ بِالزبَدِ
ونَفَيتُ الهَمَّ بِبِنتِ الكَر / مِ وَنَقرِ العودِ فَلَم يَعدِ
ولَبِثتُ مُشَنَّفَةً أُذُني / بِتَرنُّم ذي النّغَم الغردِ
فالآن صددتُ كذي حَذَرٍ / عن وِرْدِ اللَّهوِ فلم أَرِدِ
وطردتُ منامَ الغيِّ عن ال / أجفان بإيقاظِ الرّشَدِ
ونَقَضتُ عُهودَ الشَّربِ فَلا / ودّ أُصفيه لأهلِ دَدِ
لا أَشرَبُ ما أَنا واصِفُهُ / فكأنّي بينهمُ قَعَدِي
وَنَقَلْتُ بعزمي من بَلَدٍ / قَدَمَ الإسْرَاءِ إِلى بَلَدِ
في بَطْنِ الفُلكِ مُصارَعَةً / زَمَني وعلى ظَهْرِ الأُجُدِ
ووجدتُ الدِّينَ له حسناً / سَنَداً فَلَجئتُ إلى السنَدِ
صَمَدَ اللاجونَ إلى مَلِكٍ / مَنصورٍ بالأحَدِ الصّمَدِ
كالشمسِ سناها مُقْتَرِبٌ / وذراها مِنكَ عَلى بُعُدِ
وَإِذا ما آنَسَ مِنهُ سَناً / مَنْ ضَلَّ بِجُنحِ اللَّيلِ هُدي
خُصَّتْ بِنَوالٍ شيمَتُهُ / عَجِلٍ وكلامٍ مُتّئِدِ
لا وَعْدَ له بالجود وَمَنْ / يبدأ بعطاءٍ لا يَعِدِ
وبِنِيّةِ شهمٍ مُنْتَصِرٍ / للَّه جميلِ المُعْتَقَدِ
فَيَصونُ العِرضَ بما بَذَلَتْ / لِلوَفدِ يَداهُ مِنَ الصّفدِ
وَيسدّ الثغرَ وسيرتُهُ / تَجري في المُلكِ على سَدَدِ
ويسلّ ظُبَاهُ بِكُلّ وغىً / ويسيلُ نداهُ بِكُلِّ يَدِ
وَتُريكَ اليَومَ بَصيرَتُهُ / ما يُخْفي عنك ضَميرُ غَدِ
ولهُ هممٌ تَبْني رُتَباً / خُصَّتْ بِعَلاءٍ مُنفَرِدِ
إِلهامَ الدينِ وَحامِيَهُ / قَوِّم بسُطاك ذَوي الأوَدِ
فُتّ السُّبَّاقَ بما كَحَلُوا / بغبارك عيناً في الأَمَدِ
والريحُ وراءَك عاثرةٌ / في الأيْنِ تُكَبّ وفي النُّجُدِ
نَصْرٌ أُيّدْتَ به ظَفَراً / والساعِدُ يُنْجَدُ بالعضُدِ
يا غيثَ المحلِ بلا كذبٍ / وشجاعَ الحربِ بلا فَنَدِ
لحظاتُ أناتِكَ جانِبُها / أرْسَى في غَيظِكِ من أُحُدِ
وَلِواؤُكَ تَقْدُمُ هَيْبَتُهُ / بعديدٍ يُلبِكُ في العَدَدِ
وَكَأنّ عدُوّكَ خافِقُهُ / بِجَناحِ فُؤادٍ مُرتَعِدِ
إن كنتُ قَصَرْتُ مُحَبَّرَةً / تَسهيمَ المُحكَمِ ذي الجُدَدِ
فَالعَذْبُ يَجِلّ بِقِلَّتِهِ / وعَلَيهِ عِمادُ المُعتَمدِ
وأُجاجُ الماءِ بِكَثرَتِهِ / لا رَيِّ بِهِ لِغَليلِ صَدِ
والشِّعر أَجَدتُ بِمَعرِفَتي / تَأنيسَ غَرائِبهِ الشُّرُدِ
لَو شِئتُ لَقُلتُ لِقافِيةٍ / في الوَزنِ تَخِبُّ إِلَيكَ خِدي
بِصَقيلِ اللَّفظِ مُنَقَّحِهِ / لا سَمعَ يَمرّ به بِصَدِ
لا زيفَ به فيريكَ قذىً / في عَيْنِ بَصيرةِ مُنتَقِدِ
لا يَسمَعُ فيهِ مُستَمِعٌ / زَفَراتُ أَسىً كَالمُفتَقِدِ
فصفيرُ البلبلِ مُطّرَحٌ / في الأيْكِ له صوتُ الصُّرَدِ
تَستَحسِنُ عَودَةَ مُنشِدِهِ / وتقولُ إذا ما زادَ زِدِ
فَبِغامُ الرِئمِ حلاوَتُهُ / وجزالتُه زَأرُ الأسدِ
وَبِذِلّةِ أهلِ السبت قَضَى / ويذلّ له أهْلُ الأحدِ
فَانصُرْ وافخَرْ وأدِرْ وأشِرْ / وَأَبِرْ وأَجِرْ وأَغِرْ وَسُدِ
إذا البَدرُ يُطْوَى في ربوعِ البِلى لَحْدا
إذا البَدرُ يُطْوَى في ربوعِ البِلى لَحْدا / أمِ الطّوْدَ حطّوا في ثرى القَبرِ إِذ هُدّا
كُسوفٌ وَهَدٌّ تَحسِبُ الدَّهرَ مِنهُما / لِعَينٍ وأُذنٍ ظلمةً مُلِئَتْ رعدا
تَوَلّى عَنِ الدُّنيا عَلِيُّ بنُ أَحمدٍ / وأبقى لها من ذكره الفَخرَ والحَمدا
حَمَلنا على التكذيبِ تصديقَ نَعْيِهِ / وَسُدّتْ له الأسماعُ وانصَرَفت صَدّا
وقال لمن أدّى المُصابَ مُعَنِّفٌ / فظيعٌ من الأنباءِ جئتَ به إدّا
إلى أنْ نعاهُ الدّهرُ ملءَ لسانِهِ / ومن ذا الَّذي يُخفي منَ الرزءِ ما أَبدى
هنالكَ خُضْنا في العويلِ ولم نَجِدْ / عَلى الكُرهِ مِن تَصديقِ ما قالَهُ بُدّا
وقَالَ الوَرى والأَرضُ مائِدَةٌ بِهِم / أَمِنْ سَيرِها في الحَشرِ قَد ذُكِرت وعدا
أَرى الشرَفَ الفِهرِيَّ يَبكي ابنَ بَيتِهِ / عليّاً أما يبكي فتىً راضَعَ المجدا
فَيا مَعشَراً حَثّوا بهِ نَحوَ قَبرِهِ / مَطِيَّةَ حَتْفٍ فوقَ أيديهِمُ تُحدى
حَمَلتُمْ عَلى الأَعوادِ مَنْ قَدْ حَمَلتُمُ / فَكُلّ جَلالٍ قَد وَجَدتُمْ له فَقْدا
لَقَد دَفَعَتْ أَيدِيكُمُ مِنهُ لِلبِلى / يَداً بِجَديدِ العُرْفِ كانَت لَكُم تَندى
تَجمّعَتِ الأحزانُ في عُقْرِ دارِهِ / وفرّقَتِ الأزمانُ عن بابِهِ الوَفدا
وسُدَّ عَنِ العافينَ مَهْيَعُهُمْ إلى / مَكارمَ كانت من أناملهِ تُسدى
فقلْ لبني الآمالِ أخفَقَ سَعيُكمْ / فَقَد حَسَرَ البَحرُ الَّذي لَكمُ مَدّا
وَكَم مِن ظِباءٍ بَعدَما غارَ عِزّهُ / حَوائِمَ في الآفاقِ تَلتَقِطُ الوردا
لِتَبكِ عَلِيّاً هِمَّةٌ كَرَمِيّةٌ / ثَنى قاصِدو الرُكبانِ عَن رَبعِها القصدا
وملتحفٌ بالأثْرِ أصبَحَ عارِياً / مِنَ الفَخرِ يَومَ الضّربِ إذ لبس الغِمدا
وأسمرُ خطيٌّ أمامَ كُعوبِهِ / سنانٌ ذليقٌ ينفذُ الحلقَ السّرْدا
وحصداءُ فولاذيّةُ النّسجِ لم تَزَلْ / من اللهذمِ الوقّادِ مطفئةً وقدا
وأجرَدُ يُبكي الجردَ يومَ صَهيلِهِ / غدا مُرْجَلاً عنه فلم يَسُدِ الجردا
وداعٍ دعا للمُعضِلاتِ ابنَ أحمَدٍ / فلَيَّنَ في كَفَّيهِ مِنهُنَّ ما اشتَدّا
وناهيكَ في الإعظامِ من ماجدٍ به / على الزمَنَِ العادي عَلى النَّاسِ يُستَعدى
حَياةٌ تَعُمُّ الأَولِياءَ هَنيئَةً / ومَوتٌ زُؤامٌ في مُقارَعَةِ الأَعدا
وقَسوَرةُ الحَربِ الَّذي يُرجعُ القَنا / رَواعِفَ تَكسو الأَرضَ من عَلَقٍ وَرْدا
وفيّ بِنُصح المَلكِ ما ذُمّ رأيُهُ / ولا حلّ ذو كيدٍ لإبرامهِ عَقْدا
وَمَا يَستَطيرُ الحِلمُ في حِلمِهِ ولا / يُجاوِزُ هَزلٌ في سَجِيَّتِهِ الجدَّا
إذا عَلَمٌ بالنار أُعْلِمَ رأسُهُ / رَأَيتَ عَلِيّاً مِنهُ في لَيلَةٍ أَهدى
ألا فُجِعَتْ أبناءُ فِهر بأروعٍ / إِذا انتَسَبوا عَدّوا له الحَسبَ العدا
فلا قابلٌ هجراً ولا مضمرٌ أذىً / ولا مخلفٌ وعداً ولا مانعٌ رفدا
إذا ما عدا معْ قُرَّحِ السَّبْقَ فاتها / وجاء بفضل الشَّدِّ ينتهب المعدى
وما قَصّرَ اللَّه المدى إذ جرى به / ولا مدّ فيه للسَّوابق فامتدا
ولكنْ حدودُ العِتْقِ تجري بسابقٍ / فلا طَلَقٌ إلّا أعَدّ له حدّا
نماهُ منَ الأشرافِ أهلُ مفاخرٍ / يُديرونَ في الأفواه ألسنةً لُدّا
إِذا وَقَف الأبطالُ عن غَمرَةِ الرَّدى / مشى بأسُهُم نحو الحتوفِ بهم أُسْدا
وتحسبهم قد سُرْبلوا من عِيابِهِمْ / سُيوفاً وَسَلّوا من سُيوفِهِمُ الهِندا
فَما عُدّ أَهلُ الرَأيِ والبَأسِ والنَدى / وَإِن كثُرُوا إِلّا وَوَفّى بِهِم عَدّا
إِذا جُمِعَتْ هَذِي السَّجايا لأوحدٍ / فما الحقّ إلّا أَن يَراه الوَرى فَردا
فَما ظَنُّكم في وَصفِنا بِمُملَّك / يَكونُ عليٌّ ذو المَعالي لَهُ عبدا
عَزيزٌ عَلَينا أَن بَكَتهُ كَرائِمٌ / تُذيبُ قُلوباً في مَدامِعِها وَجدا
يَنُحْنَ مَعَ الأَشجارِ نَوْحَ حَمائِمٍ / تَهُزُّ بِها الأَحزانُ أَغصانَها المُلْدا
وَكَم في مُديماتِ الأَسى من خَبيئَةٍ / مَعَ الصّونِ أَبقى الدَّمعُ في خَدِّها خَدَّا
فَلَو رُدَّ مِن كَفِّ المَنِيَّةِ هالِكٌ / بِنَوحِ بَناتٍ كانَ أوَّلَ مَنْ رُدّا
مَضى بِمَضاءِ السَّيفِ جُرِّبَ حَدّهُ / فأُلْفيَ في أَفعالِهِ جاوَزَ الحَدّا
وما ماتَ مُبْقي أحْمَدٍ وَمُحَمَّدٍ / فَإِنَّهُما سَدّا المَكانَ الَّذي سَدّا
بَنى لَهُما مَجدَينِ يَحْيَى بِعِزَّةٍ / وإن كانَ مجدٌ واحدٌ لهما هُدّا
بَدا منهما حزمٌ يسيرٌ تَمَامُهُ / وقَد يَثقُبُ النّارَ الَّذي يَقدَحُ الزندا
وَمِن لَحظَتِهِ عَينُ يَحيَى برفعةٍ / فَقَد رَكِبَ الأيّامَ واستَخدَمَ السّعْدا
فيا ساكِنَ القَبرِ الَّذي ضَمّ تُرْبُهُ / شَهيداً كَأَنّ المَوتَ كان له شَهدا
لئن فاحَ طيبٌ من ثراهُ لناشقٍ / ففخرُكَ فيه فتّقَ المسكَ والنّدّا
وَقَيتَ جلالَ الخطب ما جلّ خَطبُهُ / وقمتَ كريمَ النّفسِ من دونه سدّا
ورحتَ ببعضِ الرّوح فيك مودّعاً / بمؤنسة العوّادِ زُرْتَ بها اللّحدا
رَثَيتُكَ حُزناً بِالقَوافي الَّتي بها / مدَحتُكَ وُدّاً فاعتقدتَ ليَ الودّا
وما المدحُ إلّا كالثويّ لسامعٍ / ولَكِن بِذِكرِ المَوتِ عادَ له ضِدّا
ودُنياكَ كَالحِرباءِ ذاتُ تَلَوُّنٍ / ومُبْيَضّها في العينِ أصْبَحَ مسوَدّا
أَرَدنا لَكَ الدُّنيا القَليلَ بَقاؤُها / وربّكَ في الأخرى أرادَ لك الخلدا
فلا بَرِحَتْ من رحمةِ اللَّه دائباً / تزورُ ندى كفّيك في قبركَ الأندا
لا تُخْرِجِ الشيءَ عن شيءٍ يوافقهُ
لا تُخْرِجِ الشيءَ عن شيءٍ يوافقهُ / واقصدْ بأمركَ في التدبير مَقْصِدَهُ
فالدِّمْنُ فيه لنبتِ الأرض مَصْلَحَةٌ / ولو خلطتَ به الكافورَ أفْسَدَهُ
إِنِّي لأبْسُطُ للقَبولِ إذا سَرَتْ
إِنِّي لأبْسُطُ للقَبولِ إذا سَرَتْ / خَدّي وَأَلقاها بِتَقبيلِ اليَدِ
وَأَضُمُّ أَحنائي على أَنفاسِها / كَيمَا تُبَرّدَ حَرّ قلبٍ مُكْمَدِ
مَسَحَتْ كراقيةٍ عليّ بكفّها / ونقابُها ندٌّ من الزّهَرِ النّدي
وعَرَفتُ في الأَرواحِ مَسراها كَما / عَرَفَ المريضُ طبيبَهُ في العُوّدِ
ما لي أطيلُ عنِ الدّيارِ تَغرّباً / أَفبِالتَّغرُّبِ كانَ طالعُ مَولدي
أَبَداً أُبَدِّدُ بِالنَّوى عَزمي إِلى / أَمَلٍ بِأَطرافِ البِلادِ مُبَدَّدِ
كَم مِن فَلاةٍ جُبْتُها بِنَجيبَةٍ / عَن مِنسَمٍ دامٍ وخَطْمٍ مزبدِ
أَبقى الجَزيلُ لها جَميلَ ثَنائِهِ / في العيسِ مَوصولاً بِقَطعِ الفَدفَدِ
ضَرَبَتْ مَعَ الأَعناقِ أَعناقَ الفَلا / بِحُسامِ ماءٍ في حَشاها مُغمَدِ
وَلَرُبّما سَلَّتْ لنا من مائِها
وَلَرُبّما سَلَّتْ لنا من مائِها / سَيفاً وكانَ عَنِ النّواظِرِ مُغمَدا
طَبَعَتهُ لُجِيّاً فَذابَت صَفَحةٌ / مِنهُ وَلَو جَمَدت لَكانَ مُهَنَّدا
وجدتُ النّوى إذ فقدتُ الشّبابَ
وجدتُ النّوى إذ فقدتُ الشّبابَ / فيا ليتني لم أكُنْ فاقِدَهْ
فصرتُ أُحاوِلُ صيدَ الحسانِ / وأتْعَبُ فيهِ بلا فائِده
وحالُ أثافِيكَ مُخْتَلّةٌ / إذا ما عَدِمْتَ لها واحِدَه