القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ المُقَرَّب العُيُونِي الكل
المجموع : 99
أَبَت لَكَ العِزَّةُ القَعساءُ وَالكَرَمُ
أَبَت لَكَ العِزَّةُ القَعساءُ وَالكَرَمُ / أَن تَقبَلَ الضَيمَ أَو تَرضى بِما يَصِمُ
وَطالَبَتكَ العُلى إِنجازَ ما وَعَدَت / فِيكَ المَخائِلُ طِفلاً قَبلَ تَحتَلِمُ
وَأَقبَلَت نَحوَكَ الأَيّامُ مُذعِنَةً / طَوعاً لِأَمرِكَ وَاِنقادَت لَكَ الأُمَمُ
فَاِنهَض وَسِر وَاِفتَحِ الدنيا فَقَد ضَمِنَت / لَكَ المَهابَةُ ما تَهوى وَتَحتَكِمُ
فَالبِيضُ ماضِيَةٌ وَالسُمرُ قاضِيَةٌ / وَالخَيلُ خاضِبَةٌ أَطرافها زَلَمُ
خَيلٌ مَتى صَبَّحتَ حَيّاً بِيَومِ وَغىً / فَما لِمُستَعصِمٍ مِن بَأسِها عِصَمُ
قَد عُوِّدَت كُلَّ يَومٍ خَوضَ مَعرَكَةٍ / ضيوفُ أَبطالِها العِقبانُ وَالرَخَمُ
وَوَسَّمَتها العَوالي في مَناخِرِها / طَعناً كَما وَسَّمَت آنافَها الحَكَمُ
يَحمي فَوارِسَها يَومَ الوَغى مَلِكٌ / حامي الذِمارِ لَهُ في الغايَةِ القدَمُ
رَحبُ الذِراعِ إِذا ما هَمَّ أَنجَدَهُ / عَزمٌ بِهِ جَوهَرُ العَلياءِ مَنتَظِمُ
كَأَنَّهُ مِن تَمامِ الخَلقِ جاءَ بِهِ / عادٌ أَبُو السَلَفِ الماضِينَ أَو إِرَمُ
عَفُّ السَريرَةِ حَمّالُ الجَريرَةِ وَل / لاجُ الظَهيرَةِ وَالمَعزاءُ تَضطَرِمُ
أَرسى قَواعِدَ مُلكٍ كانَ أَسَّسَها / قِدماً أَبُوهُ وَبَحرُ المَوتِ يَلتَطِمُ
مِن قَبلِ أَن قِيلَ رَثَّ المَجدُ وَاِنفَصَمَت / عُرى المَعالي وَماتَ العَهدُ وَالذِّمَمُ
وَقالَ قَومٌ تَوَلّى المُلكَ مُنصَرِفاً / عَن آلِ فَضلٍ لَقَد ضَلّوا وَقَد وَهِمُوا
وما دَرَوا أَنَّ فَضلَ الجُودِ يُكذِبُهُم / عَمّا قَليلٍ بِما في زَعمِهِم زَعَمُوا
وَيَجلِبُ الخَيلَ كَالعِقبانِ يَقدُمُها / عَلَيهِمُ القُورُ وَالغِيطانُ وَالأَكَمُ
سَواهِماً لَم تَزَل تَدمى شَكائِمُها / مِمّا تَصَلصَلُ في أَشدَاقِها اللُجُمُ
يا آلَ فَضلٍ أَماتَ اللَهُ حاسِدَكُم / غَيظاً ثِبُوا في ذُرى العَلياءِ وَاِعتَزِمُوا
فَفيكُمُ البَيتُ مِن عَدنانَ تَعرِفُهُ / إِذا اِلتَقت لِلفخارِ العربُ والعَجَمُ
بَيتٌ سَما فَرعُهُ فَوقَ السَما وَرَسى / في التُربِ حَتّى اِنتَأَت عَن أَصلِهِ التُخُمُ
بَناهُ صادِقُ بَأسٍ في الوَغى وَنَدىً / غَمرٌ فَلَيسَ عَلى الأَيّامِ يَنهَدِمُ
عِمادُهُ الفَضلُ وَاِبناهُ وَمَركَزُهُ / مُحمَّدٌ خَيرُ مَن نِيطَت بِهِ الأُدُمُ
جَرّارُ كُلِّ كَثيفِ النَقعِ ذِي لَجَبٍ / كَأَنَّما السُمرُ في حافاتِهِ أَجَمُ
تَساقَطَ الطَيرُ رَزحى في جَوانِبِهِ / وَالوَحشُ تَخطِفُها الأَيدي فَلا تَرِمُ
خابَت ظُنون رِجالٍ بايَعُوا وَسَعوا / في قَتلِهِ وَهَفَت أَحلامُهُم وَعَمُوا
بِئسَ الأَمانِيُّ مَنَّتهُم نُفُوسُهُمُ / جَهلاً وَيا قُربَ ما فاجاهُمُ النَدَمُ
مُنُوا بِأَروع تَتلُوهُ خَضارِمَةٌ / أَماجِدٌ مارَسُوا الهَيجا وَما اِحتَلَمُوا
مُستَرعِفٍ بِلِواءِ النَصرِ يَحمِلُهُ / نَهدُ المَراكِلِ مَمسُودُ القَرى زَهِمُ
مِمّا حَباهُ أَميرُ المُؤمِنينَ بِهِ / لما أَتَتهُ بِهِ الوَخّادَةُ الرَسَمُ
مُستَعصِماً وَاثِقاً بِالنَصرِ مِنهُ وَهَل / يَخيبُ مَن بِالإِمامِ البَرِّ يَعتَصِمُ
أَجابَهُ حينَ ناداهُ وَقَرَّبَهُ / أَشَمُّ في راحَتَيهِ لِلنَدى دِيَمُ
أَغَرُّ أَبلَجُ مِن آلِ النَبِيِّ بِهِ / يُستَدفَعُ البُؤسُ وَالضَرّاءُ وَالنِّقَمُ
فَلَو يَشاءُ لَزَجّاها مُلَملَمَةً / لا مَعقلٌ عاصِمٌ مِنها وَلا أُطُمُ
تَحوي مِنَ التُركِ وَالأَعرابِ كُلَّ فَتىً / كَأَنَّهُ أَجدَلٌ مُستَلحِمٌ قَطِمُ
لَكِنَّهُ اِختارَ إِبقاءً وَعارِفَةً / وَهَكَذا تَفعَلُ الأَخلاقُ وَالشِيَمُ
فَنالَ ما كانَ يَرجُوهُ وَأَيَّدَهُ / بِالنَصرِ عَدلٌ قَضاهُ لَيسَ يُتَّهَمُ
فَاِسلم وَعِش لِلعُلا ما ناحَ ذُو شَجَنٍ / وَما تَعاقَبَتِ الأَنوارُ وَالظُلَمُ
وَليَهنك المُلكُ يا تاجَ المُلوكِ وَلا / زالَت تُباكِرُك السَرّاءُ وَالنِعَمُ
فَأَنتَ حِصنٌ لَنا عالٍ نَلُوذُ بِهِ / إِن عَضَّنا الدَهرُ أَو زَلَّت بِنا القَدَمُ
وَهَذِهِ دَولَةٌ لَولا الرَجاءُ لَها / لَما اِنجَلَت كُربَةٌ عَنّا وَلا غُمَمُ
عِشنا بآمالِها دَهراً وَبَلَّغَنا / إِدراكَها وَاحِدٌ فَردٌ لَهُ القِدَمُ
فَالحَمدُ وَالشُكرُ مِنّا وَاجِبانِ لَهُ / لا يَنفَدانِ جَميعاً ما جَرى القَلَمُ
قُمُ فَاِشدُدِ العِيسَ لِلتِرحالِ مُعتَزِماً
قُمُ فَاِشدُدِ العِيسَ لِلتِرحالِ مُعتَزِماً / وَاِرمِ الفِجاجَ بِها فَالخَطبُ قَد فَقِما
وَلا تَلَفَّت إِلى أَهلٍ وَلا وَطَنٍ / فَالحرُّ يَرحَلُ عَن دارِ الأَذى كَرَما
كَم رِحلَةٍ وَهَبَت عِزّاً تَدينُ لَهُ / شُوسُ الرِجالِ وَكَم قَد أَورَثَت نِعَما
وَكَم إِقامَةِ مَغرُورٍ لَهُ جَلَبَت / حَتفاً وَساقَت إِلى ساحاتِهِ النِقَما
وَاِسمَع وَلا تُلغِ ما أَنشَأتُ مِن حِكَمٍ / فَذُو الحِجا لَم يَزَل يَستَنبِطُ الحِكَما
لَم يَبكِ مَن رَمِدَت عَيناهُ أَو سُبِلَت / جفناهُ إِلّا لِخَوفٍ مِن حُدوثِ عَمى
إِنَّ المَنِيَّةَ فَاِعلَم عِندَ ذِي حَسَبٍ / وَلا الدَنِيَّةَ هانَ الأَمرُ أَو عَظُما
مَن سالَمَ الناسَ لَم تَسلَم مَقاتِلُهُ / مِنهُم وَمَن عاثَ فيهِم بِالأَذى سَلِما
لا يَقبَلُ الضَيمَ إلّا عاجِزٌ ضَرِعٌ / إِذا رَأى الشَرَّ تَغلي قِدرُهُ وَجَما
وَذُو النَباهَةِ لا يَرضى بِمَنقَصَةٍ / لَو لَم يَجِد غَيرَ أَطرافِ القَنا عِصَما
وَذُو الدَناءَةِ لَو مَزَّقتَ جِلدَتَهُ / بِشَفرَةِ الضَيمِ لَم يَحسِس لَها أَلَما
وَمَن رَأَى الضَيمَ عاراً لَم تَمُرَّ بِهِ / شَرارَةٌ مِنهُ إلّا خالَها أُطُما
وَكُلُّ مَجدٍ إِذا لَم يُبن مَحتِدُهُ / بِاليَأسِ نَقَّرَهُ الأَعداءُ فَاِنهَدَما
لا يَضبطُ الأَمرَ مَن في عُودِهِ خَوَرٌ / لَيسَ البُغاثُ يُساوي أَجدَلاً قَطِما
وَلِلبُيوتِ سِطاعاتٌ تَقُومُ بِها / لا خِروَعاً جُعِلَت يَوماً وَلا عَنَما
ما كُلُّ ساعٍ إِلى العَلياءِ يُدرِكُها / مَن حَكّمَ السَيفَ في أَعدائِهِ حَكَما
مَن أَرعَفَ السَيفَ مِن هامِ العِدى غَضَباً / لِلمَجدِ حُقَّ لَهُ أَن يُرعِفَ القَلَما
لا تَطلُبِ الرَأيَ إِلّا مِن أَخي ثِقَةٍ / لا يُصدِرُ القَومَ مَن لا يُورِدُ العَلَما
وَلا يُعَدُّ كَريماً مَن مَواهِبُهُ / تُمسي وَتُصبِحُ في أَعدائِهِ دِيما
وَالبُخلُ خَيرٌ مِنَ الإِحسانِ في نَفَرٍ / أَبَرُّهُم بِكَ مَن أَغرى وَمَن شَتَما
وَواضِعُ الجُودِ في أَعداءِ نِعمَتِهِ / كَمُودِعِ الذِئبِ في بَرِّيَّةٍ غَنَما
مَنِ اِستَخَفَّ بِأَربابِ العُلى سَفَهاً / وَسامَها الخَسفَ أَدمى كَفَّهُ نَدَما
أَلا فَسَل عَن كُلَيبٍ كَيفَ جَدَّلَهُ / جَسّاسُ هَل كانَ إِلّا أَن حَمى فَرَمى
وَلا يعزُّ الفَتى إِلّا بِأُسرَتِهِ / لَو كانَ في البَأسِ عَمراً وَالنَدى هَرِما
لا تَرضَ بِالهُونِ في خِلٍّ تُعاشِرُهُ / فَلَن تَرى غَيرَ جارِ الذُلِّ مُهتَضَما
وَأَخسَرُ الناسِ سَعياً رَبُّ مَملَكَةٍ / أَطاعَ في أَمرِهِ النِسوانَ وَالخَدَما
وَقائِلٍ قالَ لي إِذ راقَهُ أَدَبي / وَالمَرءُ قَد رُبَّما أَخطَا وَما عَلِما
وَذاكَ بَعدَ سُؤالٍ مِنهُ عَن خَبَري / وَالصِدقُ مِن شيمتي لَو أَورَثَ البَكَما
هَلّا اِمتَدَحتَ رِجالاً بِالعِراقِ لَهُم / مالٌ رُكامٌ وَجُودٌ يَطرُدُ العَدَما
فَجاشَتِ النَفسُ غَبناً بَعدَ أَن شَرِقَت / عَينايَ بِالدَمعِ حَتّى فاضَ وَاِنسَجَما
فَقُلتُ كَلّا وَهَل مِثلي يَليقُ بِهِ / مَدحُ الرِجالِ فَكَم جُرحٍ قَدِ اِلتَأَما
إِنّي عَلى حادِثاتِ الدَهرِ ذُو جَلَدٍ / تَجلُو الحَوادِثُ مِنّي صارِماً خَذِما
وَلَستُ أَوَّلَ ذِي مَجدٍ لَهُ ظَلَمَت / صُرُوفُ أَيّامِهِ العَوصاءُ فَاِنظَلَما
يَأبي لِيَ الشَرَفُ العاليُّ مَنصِبهُ / أَن أَورِدَ النَفسَ حِرصاً مَورِداً وَخِما
أَنا اِبنُ أَركانِ بَيتِ المَجدِ لا كَذِباً / وَالنازِلينَ ذُرى العَلياءِ وَالقِمَما
قَومي هُمُ القَومُ في بَأسٍ وَفي كَرَمٍ / إِنِ اِدَّعى غَيرُهُم ما فيهِمُ وَهِما
في الجاهِلِيَّةِ سُدنا كُلَّ ذي شَرَفٍ / بِالمَأثُراتِ وَسُدنا العُربَ وَالعَجَما
وَصارَ كُلُّ مَعَدّيٍّ لَنا تَبَعاً / يَرعى بِأَسيافِنا الوَسمِيَّ حِيثُ هَمى
حُطنا نِزاراً وَذُدنا عَن مَحارِمِها / وَلَم نَدَع لِمُناوي عزِّها حَرَما
حَتّى أَتى اللَهُ بِالإِسلامِ وَاِفتَتَحَت / كُلَّ البِلادِ وَأَضحَت لِلأَنامِ سَما
وَفَضلُ آخِرنا عَن فَضلِ أَوَّلِنا / يُغني ولَكِنَّ بَحراً هاجَ فاِلتَطَما
شِدنا مِن المَجدِ بَيتاً لا تُقاسُ بِهِ / ذاتُ العِمادِ وَلَكِن لَم نَكُن إِرَما
سَلِ القَرامِطَ مَن شَظّى جَماجِمَهُم / فَلقاً وَغادَرَهُم بَعدَ العُلا خَدَما
مِن بَعدِ أَن جَلَّ بِالبَحرَينِ شَأنُهُمُ / وَأَرجَفُوا الشامَ بِالغاراتِ وَالحَرَما
وَلَم تَزَل خَيلُهُم تَغشى سَنابِكُها / أَرضَ العِراقِ وَتَغشى تارَةً أَدَما
وَحَرَّقُوا عَبدَ قَيسٍ في مَنازِلها / وَصَيَّروا الغُرَّ مِن ساداتِها حُمَما
وَأَبطَلوا الصَلواتِ الخَمس وَاِنتَهَكُوا / شَهرَ الصِيامِ وَنَصُّوا مِنهُمُ صَنَما
وَما بَنَوا مَسجِداً لِلّهِ نَعرِفُهُ / بَل كُلُّ ما أَدرَكُوهُ قائِماً هُدِما
حَتّى حَمَينا عَلى الإِسلامِ وَاِنتَدَبَت / مِنّا فَوارِسُ تَجلُو الكربَ وَالظُلما
وَطالَبَتنا بَنُو الأَعمامِ عادَتَنا / فَلَم تَجِد بَكَماً فينا وَلا صَمَما
وَقَلَّدُوا الأَمرَ مِنّا ماجِداً نَجداً / يَشفي وَيَكفي إِذا ما حادِثٌ دَهَما
ماضي العَزيمَةِ مَيمُونٌ نَقيبَتُهُ / أَعلا نِزارٍ إِلى غاياتِها هِمَما
فَصارَ يَتبَعُهُ غُرٌّ غَطارِفَةٌ / لَو زاحَمَت سَدَّ ذي القَرنَينِ لاِنثَلَما
إِذا اِدَّعَوا يالَ إِبراهيمَ ظَلَّ لَهُم / يَومٌ يُشَيِّبُ مِن هامِ العِدى اللِّمَما
حَتّى أَناخَ بِبابِ الحِصنِ يَصحَبُهُ / عَزمٌ يَهُدُّ الجِبالَ الشُمَّ وَالأَكَما
فَشَنَّها غارَةً شَعواءَ ناشِئَةً / كَسى بِها العُمَّ مِن حيطانِها قَتَما
فأَقبَلَت وَرِجالُ الأَزدِ تَقدُمُها / كَالأُسدِ قَد جَعَلَت سُمرَ القَنا أَجَما
فَصادَفَت كُلَّ لَيثٍ لَو يُحِسُّ بِهِ / لَيثٌ بِعَثَّرَ أَو خَفّانَ ما زَحَما
فَكَم صَرِيعٍ هَوى عَفصاً بِشِكَّتِهِ / مِنهُم وَآخَرَ وَلّى الدُبرَ مُنهَزِما
وَنَثرَةٍ أَخفَرَ الهِندِيُّ ذِمَّتَها / إِنَّ السُيُوفَ المَواضي تَخفِرُ الذِمما
فَاِستَنجَدَت عامِراً مِن بَأسِها فَأَتَت / مُغِذَّةً لا تَرى في سَيرِها يَتَما
ذُكُورُ خَيلِهِمُ أَلفٌ مُصَتَّمَةٌ / وَرَجلُهُم يُفعِمُ الوَادِيَّ إِذ زَحَما
وَجَمعُنا في مِئينٍ أَربَعٍ حَضَرَت / عَدّاً وَلَكِنَّها أَعلا الوَرى قَدَما
وَلَم نَزَل نَرِدُ الهَيجاءَ يَقدُمُنا / ماضٍ على الهَولِ وَرّادٌ إِذا عَزَما
أَبُو عَلِيٍّ وَفَضلُ ذُو النَدى وَأَبُو / مُسَيَّبٍ وَهُما تَحتَ العَجاجِ هُما
وَمِسعَرُ الحَربِ مَسعُودٌ إِذا خَمَدَت / وَماجِدٌ وَاِبنُ فَضلٍ خَيرُها شِيما
هُمُ بَنُوهُ فَلا ميلٌ وَلا عُزُلٌ / وَلا تَرى فيهمُ وَهناً وَلا سَأَما
كُلٌّ يُعَدُّ بِأَلفٍ لا يَضيقُ بِها / ذَرعاً وَيُوسِعُها طَعناً إِذا أَضِما
وَمالِكٌ حينَ تَدعُوهُ وَأَيُّ فَتى / حَربٍ إِذا ما اِلتَقى الزَحفانِ فَاِصطَدَما
وَمِن بَني الشَيخِ عَبدِ اللَهِ كُلُّ فَتىً / يُخالُ في الرَوعِ فَحلَ الشَولِ مُغتَلِما
يُنمى لِفَضلٍ وَصبّارٍ وَإِخوَتِهِ / بَني عَلِيٍّ كِعامِ الخَطبِ إِذ هَجَما
وَلَم تَكُن وُلدُ غَسّانٍ إِذا حَمِيَت / لَوافِحُ الحَربِ أَنكاساً وَلا قُرُما
تِلكُم بَناتُ العُلا لا قَولُ مُنتَحِلٍ / كُنّا وَكانَ وَلا باعاً وَلا قَدَما
سَقَوا صُدُورَ القَنا عَلّا وَقد نَهِلَت / وَأَكرَهُوا المازِنَ الخَطِّيَّ فَاِنحَطَما
وَفَلَّلَ البِيضَ في الهاماتِ ضَربُهُمُ / مِن بَعدِ أَن أَنهَلُوها في المَكَرِّ دَما
بَزُّوا ثَمانينَ دِرعاً مِن سُراتِهِمُ / في حَملَةٍ تَرَكَت هاماتِهِم رِمَما
وَكَم لَنا مِثلُها لَم تُبقِ باقِيَةً / إِلّا الزَعانِفَ وَالأَطفالَ وَالحَرَما
فَسَلَّمَ الأَمرَ أَهلُ الأَمرِ وَاِنتَزَحُوا / عَن سَورَةِ المُلكِ لا زُهداً وَلا كَرَما
وَأَصبَحَت آلُ عَبدِ القَيسِ قَد ثَلَجَت / صُدُورُها فَتَرى المَوتُورَ مُبتَسِما
ثُمَّ اِنتَحَينا لِعَوفٍ بَعدَما وَرِمَت / أُنُوفُها فَفَشَشنا ذَلِكَ الوَرَما
دُسناهُمُ دَوسَةً مِرِّيَّةً جَمَعَت / أَشلاهُمُ وَضِباعَ الجَوِّ وَالرَخَما
لَم يَنجُ غَيرُ رَئيسِ القَومِ تَحمِلُهُ / خَيفانَةٌ كَظَليمٍ رِيعَ تَحتَ سَما
ثُمَّ اِنثَنَينا بِجُردِ الخَيلِ نَجنِبُها / نَقائِذاً وَأَفَأنا السَبيَ وَالنَعَما
وَسَل بِقارُونَ هَل فازَت كَتائِبُهُ / لَمّا أَتَتنا وَهَل كُنّا لَهُم غُنَما
وَالشَرسَكِيَّة إِذ جاءَت تُطالِبُنا / دَمَ النُفوسِ وَفينا تقسِمُ القِسَما
بَيتانِ عِندَهُما كانَت رَعِيَّتُنا / عَوناً عَلَينا ضَلالاً مِنهُمُ وَعَمى
فَفَرَّجَ اللَهُ وَالبِيضُ الحِدادُ لَنا / وَعِزَّةٌ لَم تَكُن يَوماً لِمَن غَشَما
وَأَصبَحَت حاسِدُونا في قَبائِلِنا / لَحماً أَقامَ لَهُ جَزّارُهُ وَضَما
لَكِن عَفَونا وَكانَ العَفوُ عادَتَنا / وَلَم نُؤاخِذ أَخا جُرمٍ بِما اِجتَرَما
وَلَم يُنَجِّ اِبنَ عَيّاشٍ بِمُهجَتِهِ / يَمٌّ إِذا ما يَراهُ الناظِرُ اِرتَسَما
أَتى مُغِيراً فَوافَى جَوَّ ناظِرَةٍ / فَعايَنَ المَوتَ مِنّا دُونَ ما زَعَما
فَراحَ يَطرُدُ طَردَ الوَحشِ لَيسَ يَرى / حَبلَ السَلامَةِ إِلّا السَوطَ وَالقَدَما
فَاِنصاعَ نَحوَ أَوالٍ يَبتَغي عِصَماً / إِذ لَم يَجِد في نَواحي الخَطِّ مَعتَصما
فَأَقحَمَ البَحرَ مِنّا خَلفَهُ مَلِكٌ / مازالَ مُذ كانَ لِلأَهوالِ مُقتَحما
فَحازَ مُلكَ أَوالٍ بَعدَ ما تَرَكَ ال / عَكرُوتَ بِالسَيفِ لِلبَوغاءِ مُلتَزِما
فَصارَ مُلكُ اِبنِ عَيّاشٍ وَمُلكُ أَبي ال / بَهلُولِ مَع مُلكِنا عِقداً لَنا نُظِما
مَن ذا يُقاسُ بِعَبدِ اللَهِ يَومَ وَغىً / في بَأسِهِ أَو يُباري جُودهُ كَرَما
مِنّا الَّذي جادَ بِالنَفسِ الخَطيرَةِ في / عِزِّ العَشيرَةِ حَتّى اِستَرحَلَ العَجَما
مِنّا الَّذي قامَ سُلطانُ العِراقِ لَهُ / جَلالَةً وَالمَدى وَالبُعدُ بَينَهُما
مِنّا الَّذي حازَ مِن ثاجٍ إِلى قَطَرٍ / وَصَيَّرَ الرَملَ مِن مالِ العَدُوِّ حِمى
مِنّا الَّذي حينَ عَدَّ الأَلفَ خازِنُهُ / لِضَيفِهِ قالَ ضاعِفها أَرى أَمَما
مِنّا الَّذي مِن نَداهُ ماتَ عامِلُهُ / غَمّاً وَأَصبَحَ في الأَمواتِ مُختَرَما
مِنّا الَّذي جادَ إِيثاراً بِما مَلَكَت / كَفّاهُ لا يَدَ يَجزِيها وَلا رَحِما
مِنّا الَّذي أَنهَبَ اِصطَبلاتِهِ كَرَماً / وَهيَ الجِيادُ اللَواتي فاتَتِ القِيَما
وَكانَ إِن سارَ فَالعِقيانُ تَتبَعُهُ / لِسائِلٍ رُدَّ أَو مُستَرفِدٍ حُرِما
مِنّا الَّذي فَضَّ أَموالَ الخَزائِنِ في / غَوثِ الرَعِيَّةِ لا قَرضاً وَلا سَلَما
وَأَهمَلَ الدَخلَ ذاكَ العامَ فَاِنتَعَشَت / بِهِ الرَعِيَّة حَتّى جازَتِ القُحَما
مِنّا الَّذي جَعَلَ الأَقطاعَ مِن كَرَمٍ / إِرثاً تَوَزَّعُهُ الوُرّاثُ مُقتَسَما
وَجادَ في بَعضِ يَومٍ وَهوَ مُرتَفِقٌ / بِأَربَعينَ جَواداً تَعلُكَ اللُجُما
وَمُطعِم الطَيرِ عامَ المَحلِ فَاِسمُ بِهِ / مِنّا إِذا صَرَّ خِلفُ الغَيثِ فَاِنصَرَما
مِنّا الَّذي أَنفَقَ الأَموالَ عَن عَرضٍ / حَتّى رَأَى شِعبَ شَملِ العِزِّ مُلتَئِما
مِلءَ المُسُوكِ قَناطيراً مُقَنطَرَةً / ما خافَ في جَمعِها حُوباً وَلا أَثَما
مِنّا المُسَوَّرُ تَعظيماً وَوالِدُهُ / كَذاكَ كانَ فَنَحنُ السادَةُ العُظَما
مِنّا الَّذي كُلَّ يَومٍ فَوقَ دارَتِهِ / داعٍ يُنادي إِلَيهِ الجائِعَ الضَرِما
مِنّا الَّذي لَم يَدَع ناراً بِساحَتِهِ / تذكى سِوى نارِهِ لِلضّيفِ إِن قَدِما
وَصاحِبُ البَيتِ مِنّا حِينَ تَنسِبُهُ / لَو لَم نَجِد غَيرَهُ سُدنا بِهِ الأمَما
مِنّا الَّذي عامَ حَربِ النائِليِّ حَلا / يَومَ السُبَيعِ وَيَومَ الخائِسِ الغُمَما
مِنّا الَّذي مَنَعَ الأَعداءَ هَيبَتهُ / حَربَ البِلادِ فَما شَدّوا لَهُ حُزُما
وَماتَ يَطلُبُ يَوماً يَستَلِذُّ بِهِ / يُطَبِّقُ الأَرضَ نَقعاً وَالحَضيضَ دَما
مِنّا الَّذي ضُرِبَت حُمرُ القِبابِ لَهُ / بِالمَشهَدَينِ وَأَعطى الأَمنَ وَاِنتَقَما
لَولا عِياذُ بَني الجَرّاحِ مِنهُ بِهِ / لَصاحَبَت دَهمَشاً أَو أُلحِقَت دَرِما
مِنّا الَّذي أصحَبَ المُجتازَ مِن حَلَبٍ / إِلى العِراقِ إِلى نَجدٍ إِلى أَدَما
مِنّا الَّذي كُلَّ عامٍ بِالعِراقِ لَهُ / رَسمٌ سَنِيٌّ إِلى أَن ضُمِّنَ الرُجَما
مِنّا الَّذي رَكَزَ الرُمحَينِ ضاحِيَةً / وَجَوّزَ العَرَبَ العَرباءَ بَينَهُما
حَتّى اِحتَوى ما اِصطَفاهُ مِن عَقائِلَها / غَصباً وَهانَ عَلَيهِ رَغمُ مَن رَغِما
وَيَومَ سُترَةَ منّا كانَ صاحِبُهُ / لاقَت بِهِ شامَةٌ وَالحاشِكُ الرَقِما
أَلفَينِ غادَرَ مِنهُم مَع ثَمانِ مئىٍ / صَرعى فَكَم مُرضَعٍ مِن بَعدها يَتُما
مِنّا أَبُو يُوسُفٍ وَالمُرتَجى حَسَنٌ / وَاِبنُ الإِمارَةِ وَالبَيتِ المُنيفِ هُما
وَيُوسُفٌ وَأَبُو شُكرٍ وَإِخوَتُهُ / حَليُ العُلا وَكِعامُ الدَهرِ إِن عَزَما
مِنّا الَّذي أَبطَلَ الماشُوشَ فَاِنقَطَعَت / آثارُهُ وَاِنمَحى في الناسِ وَاِنطَسَما
مِنّا الأَميرُ أَبو فَضلٍ مَتى اِختَصَمَت / بَنُو الوَغى كانَ في أَرواحِها الحَكَما
ما قابَلَ الأَلفَ إِلَّا وَاِنثَنَت هَرَباً / كَأَنَّها الوَحشُ لاقَت ضَيغَماً قَرِما
منّا الأَميرُ حَوارِيٌّ وَوالِدُهُ / فَاِذكُرهُما فَلَقد طابا وَقَد كَرُما
وَفي سُليمٍ لَنا عِزٌّ وَمُفتخَرٌ / وَمُفلِحٌ وَهُما لِلّهِ دَرُّهُما
وَفي أَمِيرٍ وَسُلطانٍ لَنا شَرَفٌ / نَسمو بِهِ وَاِبنُ بَدرِ اللَيثُ بَعدَهُما
مِنّا أَبو فاضِلٍ وَاللَوذَعيُّ أَبُو / مَذكُورٍ القرمُ فَلنَفخَر بِمثلِهِما
وَما حُسَينٌ وَبَدرٌ إِن ذَكَرتُهُما / إِلّا هُمامانِ فاقَ الناسَ مَجدُهُما
مِنّا الَّذي حَطَّ زُهداً عَن رَعِيَّتهِ / كُلَّ المُكُوسِ فَأَضحى الجَورُ مُنحَسِما
وَكَم لَنا مِن بَني البَيعِيِّ مِن بَطَلٍ / إِذا رَأى مِن عَدُوٍّ هامَةً صَدَما
مِنّا الثَلاثَةُ وَالفردُ الَّذينَ لَقُوا / كَتائِباً كَأبي السَيّالِ حِينَ طَما
تَدعُو عَجِيبَةَ أَحياناً وَآوِنَةً / أُمُّ العَجرَّشِ وَالحَجّافِ بَينَهُما
يَومَ الجُرَيعاءِ ما خامُوا وَما جَبُنوا / بَل كُلُّهُم يَصطَلي نِيرانَها قَدَما
مِنّا الرِجالُ الثَمانُونَ الَّذينَ هُمُ / يَومَ القَطيعَةِ أَوفى مَعشَرٍ ذِمَما
لاقُوا ثَلاثَةَ آلافٍ وَما جَبُنُوا / عَنهُم وَلا اِستَشعَرُوا خَوفاً وَلا بَرَما
فَطاعَنُوهُم إِلى أَن عافَ طَعنَهُمُ / مَن كانَ يَحسِبُهُم غُنماً إِذا قَدما
أَفعالُ آبائِهِم يَومَ الرُكَينِ وَمَن / يُشبِه أَبَاهُ فَلا وَاللَهِ ما ظَلَما
إِذ طَيَّرَ التَلَّ يَومَ القَصرِ كَرُّهُمُ / عَلى الأَعاجِمِ حَتّى بادَ بَينَهُما
نَحنُ الثِمالُ فَمَن يَكفُر بِنِعمَتِنا / كُنّا المُثَمَّلَ يُدني الحَتفَ وَالسَقَما
أَبياتُنا لِذَوي الآمالِ مُنتَجَعٌ / إِذا الزَمانُ يُرى كَالعِيرِ أَو عَرَما
وَما عَدَدتُ عَشيراً مِن مَناقِبِنا / وَمَن يَعُدُّ ثرَى يَبرِينَ مُرتَكِما
أَنِخ فَهَذِي قِبابُ العِزِّ وَالكَرَمِ
أَنِخ فَهَذِي قِبابُ العِزِّ وَالكَرَمِ / وَقِل فَكُلُّ العُلا في هَذِهِ الخِيَمِ
وَاِعفِ النَجائِبَ مِن نَصٍّ وَمِن عَنقٍ / فَقَد بَلَغتَ مُلُوكَ العُربِ وَالعَجَمِ
فَما وَراءَ بَني فَضلٍ فَتَطلُبَهُ / غِنىً لِراجٍ وَلا عِزٌّ لِمُهتَضَمِ
هُمُ المُلوكُ وَساداتُ المُلوكِ هُمُ / وَما رَبى المُلكُ إِلّا في بُيوتِهِمُ
وَقَد نَزَلتَ بِأسراهُم وَأَنبَلِهِم / عَلى سَراواتِهِم فِينا وَنُبلِهِمُ
فَاِنظُر بِعَينِكَ هَذا فَهوَ سَيِّدُهُم / طُرّاً وَسَيِّدُ عَدنانٍ وَغَيرِهِمُ
هَذا الهُمامُ عِمادُ الدِّينِ أَكرَمُ مَن / يُدعى وَيُرجى وَخَيرُ الناسِ كُلِّهِمُ
هَذا هُوَ المَلِكُ المَيمونُ طائِرُهُ / هَذا المُؤَمَّلُ هَذا كاشِفُ الغُمَمِ
هَذا هُوَ المُخجِلُ الأَنواءَ نائِلُهُ / فَما يُشائِمُهُ فَقرٌ إِلى الدِّيَمِ
هَذا هُوَ السالِبُ الجَبّارَ مُهجَتَهُ / غَصباً وَتارِكُهُ لَحماً عَلى وَضَمِ
هَذا الَّذي لَو رَأى قُسٌّ فَصاحَتَهُ / لَقالَ هَذا لَعَمري مَعدِنُ الحِكَمِ
هَذا الَّذي لَو رَآهُ في جَلالَتِهِ / كِسرى لَفَدّاهُ مِن مَوتٍ وَمِن أَلَمِ
هَذا الَّذي لَو زُهَيرُ الشِعرِ أَدرَكَهُ / يَوماً لَعَدّى إِلَيهِ القَولَ عَن هَرِمِ
فَحَيِّهِ بَعدَ تَقبيلِ الصَعيدِ وَقُل / أَهلاً وَسَهلاً بِمُحيي البَأسِ وَالكَرَمِ
أَهلاً بِسَيِّدِ أَهلِ الأَرضِ قاطِبَةً / وَخَيرِ أَملاكِ أَهلِ الحِلِّ وَالحَرَمِ
أَهلاً وَسَهلاً بِمَن في نُورِ غُرَّتِهِ / غِنىً عَنِ البَدرِ لِلسارِينَ في الظُلمِ
أَهلاً بِهِ وَبِهَذا اليَومِ إِنَّهُما / إِن فُوضِلا أَفضَلُ الأَيّامِ وَالأُمَمِ
وَكَبِّرِ اللَهَ وَاِشكُرهُ لِذاكَ وَقُل / اللَهُ أَكبَرُ وَاِسجُد غَيرَ مُحتَشَمِ
لِلّهِ دَرُّ عِمادِ الدِّينِ مِن مَلِكٍ / ما فِيهِ مِن كَرَمِ الأَخلاقِ وَالشِّيَمِ
سَكِينَةٌ لَو سَرَت في البَحرِ ما اِضطَرَبَت / بِرِيحِ عادٍ أَواذِيهِ وَلا إِرَمِ
وَهَيبَةٌ لَو سُلَيمانُ النَبيُّ أَتى / بِها الشَياطِينَ أَهلَ المَسِّ وَاللَمَمِ
لَأَوغَلُوا في البِناءِ المُقرَنينَ لَهُ / وَالغَوصِ أَو تُبعَثُ المَوتى مِنَ الرِّمَمِ
وَنَجدَةٌ لَو لِلَيثِ الغابِ أَيسَرُها / عَلا البِقاعَ وَلم يَستَذرِ بِالأُجُمِ
مَلِكٌ حَمى جَنَباتِ المُلكِ مُعتَزِماً / بِالسَيفِ لا بِيَراعٍ غُطَّ في جَمَمِ
وَشَكلَةُ السَيفِ أَمضى في العَدُوِّ وَإِن / فُلَّت مَضارِبُهُ مِن شَكلَةِ القَلَمِ
مِن بَأسِهِ تَذهَبُ الفُرسانُ شارِدَةً / شُرُودَ سِربِ القَطا مِن أَجدَلٍ قَطِمِ
كَم سَيِّدٍ في ظَلامِ النَقعِ غادَرَهُ / شِلواً بِأَبيضَ أَو زَرقاءَ كَالضَرَمِ
في وَقعَةٍ صاحَ فيها مَن نَجا هَرَباً / يا خِصبَ عامِكَ لا هُنِّيتَ مِن رَخَمِ
فَالخَيلُ تَعرِفُ في الهَيجاءِ صَولَتهُ / بِحَيثُ يَأخُذُ سامي النَقعِ بِالكَظَمِ
فَما أَحَسَّت بِهِ إِلّا اِنثَنَت هَزَماً / وَنَكهَةُ الذِئبِ لا تَخفى عَلى الغَنَمِ
كَم صَكَّ بِالسَيفِ وَالأَبطالُ جائِلَةٌ / مِن مُعلَمٍ في نَدِيِّ الحَيِّ كَالعَلَمِ
لَم يَشكُلِ الخَيلَ مُذ جالَت بِشَكلَتِهِ / إِلّا بِشَعرِ لِحى الأَبطالِ وَاللِّمَمِ
لَقَد زَهَت خُطَطُ البَحرَينِ وَاِفتَخَرَت / بِهِ عَلى مَأرِبٍ في الأَعصُرِ القِدَمِ
بعَدلِهِ وَالدَمِ المُهراقِ حَصَّنَها / وَلا يَقِرُّ دَمٌ إِلّا بِسَفكِ دَمِ
لِلّهِ حَدسُ أَبِيهِ إِذ تَأَمَّلَهُ / في المَهدِ لَمّا يُبن عَن لا وَلا نَعَمِ
قَد قالَ وَهوَ يُناغِيهِ لِأُسرَتِهِ / ثِقُوا بِأَبلَجَ عالي الذِكرِ وَالهِمَمِ
أَعطى اللَهى وَعَلَت في المَجدِ هِمَّتُهُ / قَبلَ اِختِطاطِ عِذارٍ وَاِثِّغارِ فَمِ
وَقادَها لِتَمامِ العَشرِ تَحسِبُها / آذِيَّ بَحرٍ زَفَتهُ الرِيحُ مُلتَطِمِ
فَداسَ كُلَّ بِلادٍ لِلعَدُوِّ بِها / دَوسَ اليَمانِيِّ ما يَخلى مِن الأَدَمِ
وَما أَلَمَّ إِلى أَن لَم يَدَع مَلِكاً / لَهُ بِها مِن حِمى حامٍ وَلا حَرَمِ
أَعطَتهُ مَملَكَةَ الأَحساءِ هِمَّتهُ / وَعَزمُ مُستَبصِرٍ بِالرَأيِ غَيرُ عَمِ
فَإِن يَقُولُوا اِختِياراً كانَ ذاكَ فَهَل / يُختارُ لِلضَربِ غَيرُ الصارِمِ الخَذِمِ
فَغَيرُ لايٍ وَزَجّاها مُلَملَمَةً / تَدافُعَ السَيلِ سَيلَ اليَأمَنِ العَرِمِ
فَما أَناخَت إِلى أَن غالَ عِثيَرُها / ما شيدَ بِالخَطِّ مِن حِصنٍ وَمِن أُطُمِ
وَما نَضا الدِّرعَ حَتّى حازَ حَوزَتَها / قَهراً وَآخى بِها الأًحساءَ مِن أَمَمِ
وَلَم يَمُدَّ إِلى هَرمُوزَ مِنهُ يَداً / وَحاركٌ لَم يَمُدُّوا كَفَّ مُعتَصِمِ
يا آلَ فَضلٍ أَماتَ اللَهُ حاسِدَكُم / بِغَيظِهِ وَكَفاكُم زَلَّةَ القَدَمِ
كَم يَمضُغُ الدَهرُ فِيما بَينَ أَظهُرِكُم / لَحمي وَيَشرَبُ شُربَ الهيمِ فَضلَ دَمي
أَفي المُروءَةِ أَن أَظمى وَحوضُكُمُ / لِلكَلبِ وَالذِئبِ وَالجِرذانِ وَالبُهَمِ
وَيُصطَفى مَن أَبُوهُ كانَ عَبدَ أَبي / دُوني وَيُقطَعُ فِيما بَينَكُم رَحِمي
حاشا اِبنَ مَسعُودٍ المَلكَ المُعَظَّمَ أَن / أُجفى وَيُقفى بَنُو الداياتِ وَالخَدَمِ
فَتىً نَماهُ إِلى العَلياءِ كُلُّ فَتىً / حامي الذِّمارِ وَفِيِّ العَهدِ وَالذِّمَمِ
مَن مِثلُ مَسعُودٍ القَرمِ الهُمامِ وَمَن / كَأَحمَدَ المُرتَجى في البَأسِ وَالكَرَمِ
وَمَن يُباري اِبنَ فَضلٍ في مَكارِمِهِ / أَبا سِنانٍ غِياثَ الناسِ في القُحَمِ
وَخَيرُ قَيسِ بنِ عَيلانٍ خُؤُولَتُهُ / فَمَن بَغى الفَخرَ فَليَفخَر بِمثلِهِمُ
قَومٌ أَبُوهُم سِنانٌ خَيرُ ما حَمَلَت / أُنثى وَمَن قادَها تَختالُ في اللُجُمِ
يابا عَلِيٍّ أَجِب مِن غَيرِ نَأنَأَةٍ / صَوتَ اِمرِئٍ في عُلاكُم غَير مُتَّهَمِ
إِلَيكَ شَدّاً مِنَ الأَحساءِ أَنهَضي / عَزمُ المُلوكِ وَحَظٌّ غَيرُ ذِي كَشَمِ
وَقَد تَحَقَّقتُ أَنَّ الرُشدَ يَصحَبُني / فَما أُحاذِرُ قَرعَ السِنِّ مِن نَدَمِ
كَم جُبتُ دُونكَ مِن تيهٍ يَتِيهُ بِها / قَلبُ الدَليلِ مِنَ الإِشفاقِ وَالسَأَمِ
وَمُزبِدٍ يَتَراءى المَوتُ راكِبَهُ / يَرمي بِمُقلَولبِ الأَمواجِ مُرتَطِمِ
قَد قُلتُ لِلنَفسِ فيهِ وَهيَ مُجهِشَةٌ / وَالمَوجُ مِن هازِمٍ فيهِ وَمُنهَزِمِ
قِرّي فَلَو شاءَ أَمراً فَهوَ بالِغُهُ / وَالمَوتُ آتٍ وَما تَلقَينَ كَالحُلُمِ
وَمَن تَكُن صُحبَةُ الأَملاكِ هِمَّتُهُ / مَضى على الهَولِ مَمضى البازِلِ السَدِمِ
وَغَيرُ مُستَنكَرٍ لَو زُرتُ حَضرَتَهُ / سَعياً عَلى الرَأسِ لا سَعياً عَلى القَدَمِ
وَقَد بَلَغتُ وَما في المالِ مِن ضَعَفٍ / وَقَد دَعَوتُ وَما في السَمعِ مِن صَمَمِ
وَها أَنا اليَومَ يا خَيرَ المُلوكِ أَنا / وَأَنتَ أَنتَ وَشَيءٌ قَطُّ لَم يَدُمِ
وَلَيسَ إِلّاكَ نَدعُوهُ وَنَندُبُهُ / لِما يُقابِلُنا مِن دَهرِنا الحُطَمِ
فَلا خَلَت مِنكَ آفاقُ البِلادِ وَلا / خَلَوتَ مِن نِعَمٍ تَأتي عَلى نِعَمِ
رُوَيداً بَعضَ نَوحِكَ يا حَمامُ
رُوَيداً بَعضَ نَوحِكَ يا حَمامُ / أَجِدَّكَ لا تُنِيمُ وَلا تَنامُ
أَكُلَّ الدَهرِ تَذكاراً وَنَوحاً / أَما فَنِيَ اِشتِياقكَ وَالغَرامُ
هَتَفتَ فَهِجتَ لي شَوقاً فَقُل لِي / حَمامٌ أَنتَ وَيحَكَ أَم حِمامُ
وَرِفقاً إِنَّ جارَكَ مِن غَرامٍ / وَمِن قَلَقٍ لَيُؤلِمُهُ الكَلامُ
أَتَذكُرُ هالِكاً مِن عَهدِ نُوحٍ / مَضى وَالدَهرُ حِينَئِذٍ غُلامُ
وَأَنسى خِلَّتِي وَالعَهدُ مِنّي / قَرِيبٌ لَم يَمُرَّ عَلَيهِ عامُ
شُفيتَ وَلا شَقيتَ بِفَقدِ إِلفٍ / فَنِعمَ العَهدُ عَهدُكَ وَالذِمامُ
وَلَكِنّي أَراكَ ضَنينَ عَينٍ / وَعَيني ماؤُها أَبَداً سَجامُ
رَعى اللَهُ الثُلَيمَ وَساكِنِيهِ / وَأَجرَاعاً تَكنَّفَها الثلامُ
وَجادَ مِنَ الجَديدِ إِلى المُصَلّى / إِلى الحِصنَينِ وَكّافٌ رُكامُ
فَمَسرَحُ لَذّتي وَمَراحُ لَهوِي / هُنالِكُمُ وَجِيرَتِيَ الكِرامُ
وَمَلعَبُ كُلِّ غانِيَةٍ كَعابٍ / مُخَدَّمَةٍ يَزينُ بِها الخِدامُ
يَراها القابِسُ العَجلانُ لَمحاً / فَيَبقى لا وَراءُ وَلا أَمامُ
وَتُرسِلُ مِن لَواحِظِها سِهاماً / فَتَمضي حَيثُ لا تَمضي السِهامُ
مَضى ذاكَ الزَمانُ فَلَيتَ أَنّي / صَدىً مِن قَبلِ مَمضاهُ وَهامُ
وَأَسلَمَني الشَقاءُ إِلى زَمانٍ / مَصائِبُهُ كَما اِنهَلَّ الغَمامُ
نَهارٌ لا أُسَرُّ بِهِ وَلَيلٌ / يَنامُ بِهِ السَليمُ وَلا أَنامُ
تَلاعَبُ بِيَ خَواطِرُ مِن هُمُومٍ / كَما لَعِبَت بِشارِبها المُدامُ
إِذا ما قُلتُ أَهجَعُ بَعضَ لَيلي / أَتَت ذِكَرٌ يُقَضُّ لَها المَنامُ
فَعَزماً صاحِبَي رَحلي وَإِلّا / فَشاعَكُما وَخِلَّكُما السَلامُ
فَكَم أُبلى بِصُحبَةِ كُلِّ نَذلٍ / خَسيسٍ ما لِصُحبَتِهِ دَوامُ
أَقُولُ لَهُ فَيَحسِبُ ذاكَ هَزلاً / وَبَعضُ القَولِ تَجهَلُهُ الطَغامُ
لعَمرُكَ ما لَؤُمت أَباً وَلَكِن / أُناسٌ سَوَّدُوكَ هُمُ اللِّئامُ
فَمَسُّ الأَرضِ أَو أَلقى عَلِيّاً / عَلى رَحلي وَراحِلَتي حَرامُ
فَيَومَ أَرى عَلِيّاً لا أُبالي / أَإِعوَجَّ اللِئامُ أَمِ اِستَقامُوا
أَغَرُّ الوَجهِ مَن يَصحَبهُ يصحَب / جَواداً لا يُليمُ وَلا يُلامُ
تُرَجِّيهِ العُفاةُ وَتَتَّقِيهِ / هِجانُ المالِ وَالجَيشُ اللُهامُ
تَفُلُّ السَيفَ عَزمَتُهُ وَيُحيي / نَداهُ ما نَبا عَنهُ الغَمامُ
نَفُورٌ عَن مُداناةِ الدَنايا / وَصَبٌّ بِالمَكارِمِ مُستَهامُ
تَرى عِندَ المَديحِ لَهُ اِهتِزازاً / كَما يَهتَزُّ لِلضَربِ الحُسامُ
يُقِرُّ بِفَضلِهِ قارٍ وَبادٍ / وَيَحسِدُ مِصرهُ يَمَنٌ وَشامُ
يَحُلُّ المَجدُ أَرضاً حَلَّ فيها / وَتُضرَبُ لِلعُلا فِيها الخِيامُ
إِذا ما الحِلمُ عُدَّ فَما ثَبيرٌ / وَما حَضَنٌ لَدَيهِ وَما شَمامُ
يُقَصِّرُ حاتِمٌ في الجُودِ عَنهُ / وَكَعبٌ وَالبَرامِكَةُ الكِرامُ
وَعَمرٌو في اللَقاءِ عَلَيهِ كَلٌّ / وَعَوفٌ في الوَفاءِ لَهُ غُلامُ
لُكَيزِيُّ المَناسِبِ عامِرِيٌّ / مَلِيكٌ لِلمُلُوكِ بِهِ اِعتِصامُ
سَليلُ عُلاً له مِن كُلِّ مَجدٍ / ذُرى العَلياءِ مِنهُ وَالسَنامُ
تَرى لِلخَيلِ في الهَيجاءِ عَنهُ / شُرُوداً مِثلَما شَرَدَ النَعامُ
لَئِن نَفَرَت كُماةُ الحَربِ عَنهُ / إِذاً فَلَها بِعَقوَتِهِ اِزدِحامُ
نَماهُ إِلى ذُرى العَليا غَريرٌ / وَإِبراهيمُ والِدُهُ الهُمامُ
وَإِن تَذكُر أَبا جَروانَ غُضَّت / لَهُ الأَبصارُ وَاِنقَطَعَ الكَلامُ
عَلِيٌّ أَنتَ هَذِي الشَمسُ نُوراً / إِذا طَلَعَت وَذا الناسُ الظَلامُ
وَأَنتَ أَجَلُّ حينَ يَنُوبُ خَطبٌ / وَأَعظَمُ أَن يُقاسَ بِكَ الأَنامُ
إِذا أَهلُ المَكارِمِ ضَيَّعُوها / فَأَنتَ لِكُلِّ مَكرُمَةٍ نِظامُ
عَداني أَن أَزُورَكَ حادِثاتٌ / إِذا ذُكِرَت تَذُوبُ لَها العِظامُ
وَأَسبابٌ جَرَينَ وَكَيدُ أَمرٍ / قُعُودي في النَدِىِّ لَهُ قِيامُ
وَما تَركي زِيارَتَكَ اِختِياراً / وَلَكِن طالَما مُنِعَ المَرامُ
فَداكَ مِنَ الرَدى جَهمُ المُحَيّا / سَحابُ سَمائِهِ أَبَداً جَهامُ
عَبُوسٌ إِذ يُقابِلُ وَجهَ حُرٍّ / وَبَينَ المُومِساتِ لَهُ اِبتِسامُ
جَوادٌ حينَ يُلعَنُ وَالِداهُ / وَتُقرَعُ أَنفُهُ وَكَذا اللِئامُ
يُعِزُّ مُهِينَهُ وَيُهينُ لُؤماً / مُكَرِّمهُ كَذا النُطَفُ الحَرامُ
يَخافُ الضَيفَ يَقرِضُ حاجِبَيهِ / وَلا سِيما إِذا حَضَرَ الطَعامُ
ليَهنِكَ ما مَنَحتُكَ مِن ثَناءٍ / بِهِ لا غَيرِهِ يَجِبُ القِيامُ
وَلَستُ بِمادِحٍ سَفسافَ قَومٍ / وَإِن قالُوا لَهُ مالٌ رُكامُ
أَبى لي ذاكَ أَنّي مِن قُرومٍ / صَهاميمٍ تُسِيمُ وَلا تُسامُ
هَديرُ البُزلِ عِندَهُمُ كَشيشٌ / وَزَأرُ الأُسدِ عِندَهُمُ بُغامُ
وَقَولُهُمُ لَدى الإِعطاءِ فَذٌّ / وَضَربُهُمُ لَدى الهَيجا تُؤامُ
وَنَفسٌ لا تُريعُ لِوردِ سُوءٍ / وَلَو بَلَغَ الفَناءَ بِها الحيامُ
وَإِنّي لَلغَنيُّ وَإِن نَبا بِي / زَمانُ السُوءِ وَاِختُلِجَ السَوامُ
وَأَنتَ أَديمُ سَعدِكَ مِن أُناسٍ / أَخيرُهُمُ لِغَيرِهِمُ إِمامُ
وَلَولا ذاكَ عَن قُربى وَوُدٍّ / لَكانَ عَنِ المَديحِ لِيَ اِحتِشامُ
فَطُل مَجداً وَزِد شَرَفاً وَفَخراً / عَلى شَرَفٍ وَفَخرٍ لا يُرامُ
وَعِش في نِعمَةٍ وَدَوامِ عِزٍّ / بِمَنعَةِ مَن يُضيمُ وَلا يُضامُ
أَلقَت إِلَيكَ مَقادَها الأَيّامُ
أَلقَت إِلَيكَ مَقادَها الأَيّامُ / وَأَمَدَّكَ الإِجلالُ وَالإِعظامُ
وَمَشى إِلَيكَ الدَهرُ مِشيَةَ خاضِعٍ / وَقَضى بِما تَختارُهُ العَلّامُ
وَبَقيتَ ما بَقِيَ الزَمانُ مُخَلَّداً / في حَيثُ تَقعُدُ وَالأَنامُ قِيامُ
وَحباكَ رَبُّكَ بِالكرامَةِ وَالرِضا / وَالبِرِّ ما نَسَخَ الضِياءَ ظَلامُ
فَلأَنتَ حينَ تُعَدُّ عَينُ زَمانِنا / وَبِصِدقِ قَولي يَشهَدُ الإِسلامُ
بِكَ يا مُحِبَّ الدِّينِ طالَت فَاِعتَلَت / شَرَفاً عَلى الخَطِّيَّةِ الأَقلامُ
أَحيَيتَ بِشراً وَالجُنَيدَ وَعامِراً / زُهداً وَكُلٌّ إِذ يُعَدُّ إِمامُ
وأَقَمتَ لِلقُرَشِيِّ في آرائِهِ / حُجَجاً يُقَصِّرُ دُونَها النُظّامُ
لَو رادَكَ الثَورِيُّ أَعلَنَ قائِلاً / أَنتَ الغَمامُ وَمَن سَواكَ جَهامُ
لِلّهِ دَرُّكَ أَيُّ مَوضِحِ مُشكِلٍ / أَضحى وَمِن شُبَهٍ عَلَيهِ خِتامُ
حَسَنُ الإِنابَةِ مُخلِصٌ أَعمالَهُ / لِلّهِ لا يَسري إِلَيهِ أَثامُ
إِن يَجحَدِ العُظماءُ فَضلَكَ فيهِمُ / فَبَنُوا السَبيلِ تُقِرُّ وَالأَيتامُ
لَكَ حينَ يَعتَكِرُ الظَلامُ صَنائِعٌ / تَغشى الأَرامِلَ وَالعُيونُ نِيامُ
قَسَماً لَوَ اِنّكَ في الغِنى في بَسطَةٍ / لَم يَدرِ أَهلُ الفَضلِ ما الإِعدامُ
لِلّهِ مِن خَفَقانِ قَلبي كُلَّما / قَعَدُوا لِتَجهيزِ الحُمولِ وَقامُوا
فَليَفرَحِ البَيتُ العَتيقُ وَزَمزَمٌ / بِقُدُومِهِ وَالحِلُّ وَالإِحرامُ
يا وَحشَتا وَالعِيسُ لَم يُرفَع لَها / رَحلٌ وَلا نُشِرَت لَها أَعلامُ
لا كانَ هَذا السَيرُ آخِرَ عَهدِنا / فَهِيَ اللَيالي رِحلَةٌ وَمَقامُ
وَكَلاكَ رَبُّكَ حَيثُ كُنتَ وَلا عَدا / أَرضاً تَحُلُّ بِها حَياً وَرِهامُ
وَرَعاكَ مَن لَو كُنتَ راعِيَ خَلقِهِ / لَم يُرعَ إِلّا لِلحَنيفِ ذِمامُ
أَنعِم عَلَينا بِالدُعاءِ إِذا اِلتَقى / بِحُجُونِ مَكَّةَ مَشرِقٌ وَشآمُ
وَعَلَيكَ مِنّا ما حَييتَ وَما بَدَت / شَمسُ النَهارِ تَحِيَّةٌ وَسَلامُ
قُم فَاِسقِنيها قَبلَ صَوتِ الحَمام
قُم فَاِسقِنيها قَبلَ صَوتِ الحَمام / كَرمِيَّةً تَجمَعُ شَملَ الكِرام
صَهباءَ مِمّا عَتَّقَت بابِلٌ / مِزاجُها الأَريُ وَماءُ الغَمام
مِمّا أُدِيرَ الكَأسُ مِنها عَلى / كِسرى وَنُمرُوذَ بنِ كُوشِ بنِ حام
لَوِ اِحتَساها اِبنُ الزُبَيرِ اِغتَدى / أَكرَمَ مِن كَعبٍ وَأَوسِ بنِ لام
تَذهَبُ بِاليَأسِ وَتُدني المُنى / وَتَنشُرُ اللَهوَ وَتَطوي الغَرام
أَو ذاقَها المَنزُوفُ ضَرطاً لَما / هابَ اِبنَ ذي الجَدَّينِ يَومَ الزِحام
وَحَرِّكِ الأَوتارَ وَاِذكُر لَنا / أَيّامنا الغُرَّ بَدارِ السَلام
وَتِلكُمُ الغُزلانُ بَينَ المَها / تَمشي إِلى الشَطِّ فِئاماً فِئام
مِن كُلِّ أَظمى فاتِرٍ طَرفُهُ / تُروى بِمَرآهُ القُلوبُ الحِيام
وَغَنّنا بِالوَترِ صَوتاً وَقُل / المَوتُ أَحلى مِن سُؤالِ اللِئام
أَرى المَعالي تَقتَضي عَزمَتي / تَعَسُّفَ البِيدِ وَخَوضَ الطَوام
بِكُلِّ مَطلِيِّ المِلاطَينِ لَم / يَجرَب وَلَم يَرعَ بِمَرعى السَوام
تَسُوقُهُ الرِيحُ وَتَحتَثُّهُ ال / جَلُّ وَفي الوَجعاءِ مِنهُ الزِمام
لا يَعرِفُ الإِعياءَ في سَيرِهِ / وَلا يُبالي أَمضى أَم أَقام
وَقَد تَساوى عِندَهُ في المَدى / يَومٌ وَأُسبوعٌ وَشَهرٌ وَعام
إِذا يَمَسُّ الأَرضَ في جَريِهِ / خِيفَ عَلى راكِبِهِ الاِصطِلام
أَو كُلِّ رَوعاءَ عَزِيزِيَّةٍ / تَزِفُّ بِالرَحلِ زَفيفَ النَعام
يَصحَبُها أَجرَد عَرض النَسا / قَصيرُ الأَرساغِ طَويلُ الحِزام
كَيما أُلاقِي مَلِكاً عِندَهُ / لِلماجِدِ الأَحسابِ مِثلي مُقام
مُطَهَّرَ الأَخلاقِ تَسمُو بِهِ / إِلى المَعالي هِمَمٌ لا تُرام
أَموالُهُ مِن ضَيمِهِ تَشتَكي / وَجارُهُ في نَجوَةٍ لا يُضام
مَن يَلقَ شَمسَ الدِّينِ يَلقَ اِمرَءاً / يَقعُدُ وَالأَعداءُ مِنهُ قِيام
نَبَّهَ طُلّابَ النَدى جُودُهُ / إِلَيهِ تَنويهاً وَكانُوا نِيام
لَولاهُ لَم يَعرِف بَنُو عَصرِنا / مِن مَلِكٍ شَيئاً سِوى الإِنتِقام
يُجانِبُ اللَهوَ وَيَهوى التُقى / وَيَحفَظُ العَهدَ وَيَرعى الذِمام
لَم يَنطِقِ العَوراءَ في مَجلِسٍ / يَوماً وَلا أَصغى لِزُورِ الكَلام
لا بَرقُهُ في حالَةٍ خُلَّبٌ / وَلا سَحابُ الجُودِ مِنهُ جَهام
أَرضى إِلَهَ العَرشِ في خَلقِهِ / مُذ وَلِيَ الأَمرَ وَأرضى الإِمام
عَفٌّ فَما باتَ أَخُو ثَروَةٍ / يَلصِقُ مِنهُ صَدرَهُ بِالرَغام
كَم رَدَّ مِن حالِ مَخيفٍ وَقَد / صارَ مِن الهَمِّ كَذاتِ الوِحام
إِذا رَأى ما نالَ إِخوانَهُ / مِنَ البَلايا صاحَ صمّي صَمام
فَظَلَّ مُنكَبّاً عَلى وَجهِهِ / وَذابَ غَمّاً وَتَمَنّى الحِمام
مُنذُ تَوَلّى لَم يَبِت مُسلِمٌ / مِنهُ عَلى نِعمَتِهِ ذا اِهتِمام
راشَ ذَوي الفَقرِ وَأَحياهُمُ / وَاِحتَرَمَ المُثرِينَ أَيَّ اِحتِرام
وَغَيرُهُ لَمّا تَوَلّاهُمُ / لَم يُبقِ تَحتَ الجِلدِ غَيرَ العِظام
بِالضَربِ وَالصَلبِ وَحَلقِ اللِحا / وَقَلعِ الأَظفارِ وَشَمّ الأُيام
لَم يَرثَ لِلشَيخِ حَياءً مِن الش / شَيبِ وَلَم يَرحَم شَبابَ الغُلام
وَكَم حَصانٍ أُبرِزَت جَهرَةً / تُساقُ لِلجَلدِ بِغَيرِ اِحتِشام
وَما أَتَت فاحِشَةً تَقتَضي / حَدّاً وَلا تُوجِبُ سَلبَ الخِدام
لا تَدعُ شَمسَ الدِينِ يا ذا الحِجا / مُخاطِباً إِلّا غياثَ الأَنام
فَإِنَّ ذا الإِسمَ بِهِ لائِقٌ / لا بِالمشائِيمِ الطَغامِ اللِئام
يا أَيُّها البَصرَةُ تِيهي بِهِ / فَإِنَّهُ المَلكُ الأَغَرُّ الهُمام
وَإِنَّهُ أَوحَدُ هَذا الوَرى / حِلماً وَعِلماً وَنَدىً وَاِعتِزام
بَثَّ بِها الأَمنَ وَرَدَّ المُنى / غَضّاً وَكانا آذَنا بِاِنصِرام
وَلَم يُصَعِّر خَدَّهُ مُعرِضاً / كِبراً وَلَم يَفضُض لِجُورٍ خِتام
يابا شُجاعٍ يا ثِمالَ الوَرى / يا طاهِراً مِن كُلِّ ذَمٍّ وذام
يا شِبهَ ذي القَرنَينِ مَن رَهطِهِ ال / غُرِّ بَني العِيصِ المُلوكِ الكِرام
كَأَنَّما البَصرَةُ مُذ جُزتَها / أَشلاءُ غِمدٍ سُلَّ مِنهُ الحُسام
بُدِّلَتِ الوَحشَة مِن أُنسِها / وَأُلبِسَت بَعدَ الضِياءِ الظَلام
وَكُلُّ أَرضٍ فَقَدَت شَمسَها / غَشّى الدُجى ساحاتِها وَالخِيام
وَالآنَ إِذ عُدتَ إِلَيها زَهَت / وَاِبتَسَمَت بِالبِشرِ أَيَّ اِبتِسام
فَلا خَلَت مِنكَ الرَعايا وَلا / زِلتَ لِمُرفَضِّ المَعالي نِظام
يا مالِكَ الخَيرِ عَلَيكَ السَلام
يا مالِكَ الخَيرِ عَلَيكَ السَلام / أَتاكَ شَيخٌ مِن أَضَلِّ الأَنام
فَأجِّجِ النارَ وَاِفتح لَهُ / أَبوابَها وَاِنعم لَهُ بِالقِيام
وَاِجعَلهُ بِالتابُوتِ مِن خَلفِهِ / إِبليسُ يَمشي حافِياً في فِئام
وَقُل لَهُ يَختارُ في جَوفِهِ / بَيتاً وَزَيِّنهُ بِغَبنٍ وَلام
وَزُفَّهُ تَرقُصُ مِن حَولِهِ / عَقارِبٌ كَالبُختِ أَو كَالنَعام
وَقُل لِأَهلِ النارِ حُفّوا بِهِ / فَهوَ لِمَن سَنَّ المَعاصي إِمام
حَتّى إِذا أَكمَلَ في قَعرِها / مِنَ المَدى يا مالِكاً أَلفَ عام
فَأمُر بِهِ يَخرُجُ لَو مُكرَهاً / مِنها إِلى الخُلدِ وَدارِ السَلام
أَلا قُل لِمَن أَرهَقَتهُ الذُنوبُ
أَلا قُل لِمَن أَرهَقَتهُ الذُنوبُ / وَخافَ مِن الدَهرِ خَطباً جَسيما
عَلَيكَ الهَدِيَّةَ إِنّي رَأيتُ / لَها عِندَنا اليَومَ شَأناً عَظِيما
تُجِيرُ لِذي الحُمقِ أَنّى أَرا / دَ حَمقاتِهِ وَتُعِزُّ اللَئيما
وَتبري السَخائِمَ حَتّى ترِي / كَ أَعدى عَدُوٍّ وَلِيّاً حَميما
وَأَيسَرُ شَيءٍ يَحُلُّ العُقودَ / وَيُصبِحُ مُهديهِ مُوسى الكَلِيما
فَبالشاةِ يَصفَعُ زَيدٌ أَخا / هُ في مِصرِنا وَيُفَرّي الأَديما
وَيُضحي الَّذي أَنفُهُ في التُخُومِ / يُطاوِلُ مَن يَتَمَطّى النُجُوما
فَكَم مِن بُطَيطِيخَةٍ بَرَّدَت / لَوافِحَ مِن قَبلُ كانَت سُمُوما
وَكَم حُلَّةٍ عَمَّرَت مَنزِلاً / وَأَبقَت مَنازِلَ قَومٍ رُسُوما
فَلا تَحقِرَنَّ قَليلَ الرُشا / فَريحُ الدَواءِ تُحيطُ الكُلوما
مَن ذا أَفتاكِ بِسَفكِ دَمي
مَن ذا أَفتاكِ بِسَفكِ دَمي / يا غُرَّةَ حَيِّ بَني جُشَمِ
فَتعالَي غَيرَ مُدافِعَةٍ / نَقصُص رُؤياكِ عَلى حَكَمِ
أَبِنَظرَةِ عَينٍ عَن خَطأٍ / عَرَضَت بِالعَمدِ يُراقُ دَمي
إِن كان جَنى طَرفي فَلَقَد / يَكفيهِ مَقالُكِ لا تَنَمِ
فَذَري الواشينَ فَقَد نَطَقُوا / زُوراً وَهُمُ شَرُّ الأُمَمِ
زَعَمُوا أَنّي بِسِوائِكُمُ / كَلِفٌ كَذَبُوا في زَعمِهِمِ
إِن كُنتُ أَجَلتُ بِغَيرِكُمُ / طَرفي أَبغي بَدَلاً فَعَمي
أَو كُنتُ نَطَقتُ بِثَلبِكُمُ / يَوماً في الناسِ فَفُضَّ فَمي
أَو كُنتُ نَصَبتُ لِغائِبِكُم / سَمعاً فَبَقيتُ أَخا صَمَمِ
أَو لاقَ لِقَلبي بَعدَكُمُ / خِلّاً فَخُلِقتُ أَخا سَقَمِ
أَو كُنتُ مَشَيتُ بِسَيِّئَةٍ / فَيكُم فَثَكِلتُ لَها قَدَمي
يا طِيبَ الوَصلِ وَدارُ الحَيِّ / بِحَيثُ الأَبطَحُ ذُو الحَرَمِ
وَالدَهرُ بِعَينَيهِ سَدَرٌ / عَن شَملِ الحَيِّ المُلتَئِمِ
نَغدُو وَنَروحُ وَمَذهَبُنا / شُربُ الصَهباءِ عَلى النَغَمِ
وَأَزُورُ الحِبَّ عَلانِيَةً / وَيَزُورُ جَنابي عَن أَمَمِ
كَم لَيلٍ بِتُّ أُفاكِهُهُ / فَحَشاً لِحَشاً وَفَماً لِفَمِ
وَأُعَلِّلُهُ وَيُعَلِّلُني / مِن ذِي أَشَرٍ عَذبٍ شَبِمِ
وَالمالُ يَمُدُّ رُواقَ السِت / رِ عَلى المُثرينَ مِنَ التُهَمِ
فَتَرى الرُقباءَ طَلائِعَنا / وَشُهُودَ العِفَّةِ وَالكَرَمِ
سُقياً لِلَيالي اللَهوِ لَقَد / كانَت وَتَوَلَّت كَالحُلمِ
يا خُضرَتَها يا نضرَتَها / ياحَسَرَتها إِذ لَم تَدُمِ
إِذ لَيسَ البِيضُ تُؤَنِّبُني / بِمَشيبٍ لاحَ وَلا عَدَمِ
ساوَت في الحُسنِ زَمانَ المَل / كِ عِمادِ الدِّينِ حَيا الأُمَمِ
مَسعُودِ الخَيلِ نَقِيِّ الذَي / لِ سَنِيِّ النَيلِ لَدى القُحَمِ
مَلِكٌ أَحيا بِمَواهِبِهِ / قَتلى الإِملاقِ مِنَ الرِّمَمِ
وَأَنارَ بِساطِعِ سُؤدَدِهِ / لِذَوي الأَملاكِ دُجى الظُلَمِ
وَأَقامَ بِحُسنِ سِياسَتِهِ / شُوسَ الأَملاكِ عَلى النِّقَمِ
وَأَذَمَّ لِمَن أَضحى بِحِبا / هُ عَلى الأَيّامِ فَلَم يَرِمِ
مَلكٌ تَختالُ قُرى البَحرَي / نِ بِهِ في الحُسنِ عَلى إِرَمِ
نَدِسٌ رَدِسٌ شَكِسٌ مَكِسٌ / شَرِسٌ مَرِسٌ وافي الذِمَمِ
لَهِجٌ بَهِجٌ بِفَواضِلِهِ / سَمحٌ طَمحٌ عَالي الهِمَمِ
يَسِرٌ عَسِرٌ فَرِحٌ تَرِحٌ / وَالخَيلُ تَعَثَّرُ بِاللِّمَمِ
سَل عَنهُ غَداةَ الصَخرِ وَقَد / جاءَت تَتَبارى في اللُجُمِ
شُعثاً تَحمِلنَ أُسُودَ شَرىً / في غابِ القَسطَلِ لا الأُجُمِ
يَتبَعنَ هُماماً صَولَتُهُ / تَسطُو بِالأَرعَنِ ذِي الشَمَمِ
غَمَرَ المَسلُوبَ بِها سَحَراً / سَيلٌ يَحكي سَيلَ العَرِمِ
رَجَفَت مِن وَقعِ سَنابِكِها / غِيطانُ البَرِّ مَعَ الأُكُمِ
لَولا حَملاتُ عِمادِ الدِّي / نِ عَلى الأَبطالِ بِلا سَأَمِ
لَغَدَت وَالنَصرُ مُقارِنُها / تَستاقُ الشاءَ مَعَ النَعَمِ
لَكِن ما زالَ يِجالِدُهُم / ضَرباً بِمُهنَّدِهِ الخَذِمِ
حَتّى رَجَعُوا وَوِطابُهُمُ / صَفِرٌ يَقفُونَ هَلا بِلَمِ
كانَت لَولاهُ بَنُو عَيلا / نَ كَلَحمٍ رُضَّ عَلى وَضَمِ
مَنَعَ الجُلّابَ وَما جَلَبُوا / فَلَهُ فيهِم أَسنى النِعَمِ
خُلِقَت لِلنَصلِ أَنامِلُهُ / وَالبَذلِ الشامِلِ وَالقَلَمِ
فَالنَصلُ لِأَهلِ عَداوَتِهِ / وَلِكُلِّ لَهاةٍ كَالأطُمِ
وَالبَذلُ لِأَهلِ مَوَدَّتِهِ / وَأَخٍ في اللَهِ وَذي رَحِمِ
وَيُشيرُ إِلى القَلَمِ المَيمُو / نِ بِما يُنشِيهِ مِنَ الحِكَمِ
فَإِلَيكَ أَبا المَنصُورِ عُقُو / دَ لآلي الدُرِّ المُنتَظِمِ
جاءَت بِكراً مِن نَظمِ فَتىً / في وُدِّكَ لَيسَ بِمُتَّهَمِ
يُثني بِلسانِ الصِدقِ علَي / كَ ثَناءَ الوامِقِ ذِي اللَزَمِ
وَيَمُتُّ بِأَرحامٍ وَشَجَت / مِن عِيصِكَ ذِي لَحمٍ وَدَمِ
فَبَقيتَ بَقاءَ الدَهرِ وَرُح / نَ لَكَ الأَيّامُ مِنَ الخَدَمِ
أَلا رَحَلَت نُعمٌ وَأَقفَرَ نعمانُ
أَلا رَحَلَت نُعمٌ وَأَقفَرَ نعمانُ / فَبُح بِاِسمِها إِن عَزَّ صَبرٌ وَسُلوانُ
شُرَيكِيَّةٌ مُرِّيَّةٌ حَلَّ أَهلُها / بِحَيثُ تَلاقى بَطنُ مرٍّ وَمرّانُ
وَعَهدي بِها إِذ ذاكَ وَالشَملُ جامِعٌ / وَصَفوُ التَداني لَم يُدارِكهُ هِجرانُ
وَنَحنُ جَميعاً صالِحُونَ وَحالُنا / تَسُوءُ العِدى وَالكُلُّ في اللَهوِ جَذلانُ
فَكَم يَومِ لَهوٍ قَد شَهِدتُ وَلَيلَةٍ / وَلَيسَ عَلَينا لِلعَواذِلِ سُلطانُ
نَروحُ وَنَغدُو لا نَرى الغَدرَ شِيمَةً / وَلا بَينَنا في الوَصلِ مَطلٌ وَلَيّانُ
وَمُبدِيَةٍ تِيهاً عَلَيَّ وَقَد رَأَت / بَياضاً بِرأسي قَد بَدا مِنهُ رَيعانُ
فَقُلتُ لَها لا يا اِبنَةَ القَومِ إِنَّني / أَعِزُّ إِذا ذَلَّت كُهُولٌ وَشُبّانُ
وَإِنّي لَمِن قَومٍ أُباةٍ أَعِزَّةٍ / مَصالِيت ما خامُوا قَديماً وَلا خانُوا
لِيَ النَسَبُ الوَضّاحُ قَد عَلِمَت بِهِ / مَعَدٌّ إِذا عُدَّ الفَخارُ وَعَدنانُ
إِذا اِفتَخَرَت بِالضَجعَمِيِّينَ قَومها / قُضاعَةُ وَاِنتاشَت عُرى العِزِّ قَحطانُ
وَجاءَت بِأَولادِ التَبابِعِ حِميَرٌ / وَمَدَّت بَضَبعَيها إِلى الفَخرِ كَهلانُ
وَقالُوا لَنا الأَنصارُ أَوسٌ وَخَزرَجٌ / وَحَسبُكَ مِن فَخرٍ لَهُ الذِكرُ وَالشانُ
وَجاءَت بَنُو كَعبٍ بِعَبدِ مَدانِها / وَطالَت بِزَيدِ الخَيلِ طَيٌّ وَنَبهانُ
وَعَدُّوا عَلى العِلّاتِ أَوساً وَحاتِماً / عَلى ثِقَةٍ أَن لا يُسامِيهِ إِنسانُ
وَقامَت تَرُومُ المَجدَ لَخمٌ بِمُنذِرٍ / وَعَمرٍو وَنُعمانٍ وَحَسبُكَ نُعمانُ
وَعَدَّت بَنُو ساسانَ كِسرى وَهُرمُزاً / وَسابُورَ وَالأَملاكَ أَعقَبَ ساسانُ
فَقَومي الأُلى أَجلُوا قُضاعَةَ عَنوَةً / وَدانَت لَهُم كَلبٌ وَنَهدٌ وَخَولانُ
وَهُم فَلَّقُوا هامَ التَبابِعِ إِذ طَغَت / يُقِرُّ بِهِ وادي خَزازى وَسُلّانُ
غَداةَ تَوَلَّت حِميرٌ في جُمُوعِها / وَذاقَ الرَدى في مُلتَقى الخَيلِ صُهبانُ
وَهُم ضَرَبُوا عَبدا المدانِ بِمَنعَةٍ / وَقَد شُرِعَت فِيهِم سُيوفٌ وَخِرصانُ
وَهُم نَصَرُوا بَعدَ النَبِيِّ وَصِيَّهُ / ولا يَستَوي نَصرٌ لَدَيهِ وَخِذلانُ
وَجاءَت بِزَيدِ الخَيلِ قَسراً خُيُولُهُم / أَسيراً لَها وَالجَوُّ بِالنَقعِ مَلآنُ
فَلَولا جِوارٌ مِن يَزيدِ بنِ مُسهِرٍ / لَراحَ وَضَيفاهُ عُقابٌ وَسِرحانُ
وَبَذّوا بِمَعنٍ جُودَ أَوسٍ وَحاتمٍ / وَلا يَستَوي بَحرٌ خِضَمٌّ وَخلجانُ
وَعاذَت بِهِم مِن دَهرِهِم آلُ مُنذِرٍ / فَصانَهُمُ حامي الحَقيقَةِ صَوّانُ
وَلَم يَحمِ كِسرى مِن حُدودِ سُيُوفِهِم / لُيُوثٌ لَها بِالجَوِّ زَأرٌ وَزُورانُ
وَهُم مَلَكُوا أَكنافَ نَجدٍ وَطَأطَأَت / لِعِزّتِهِم بِالشامِ عَمرٌو وَغَسّانُ
وَسارَت إِلى البَحرَينِ مِنهُم عِصابَةٌ / مَصاليتُ غاراتٍ مَغاويرُ غرّانُ
فَعَن هَجَرٍ ذادُوا القَرامِطَ عَنوَةً / وَقَد شَرِكَت فيها عَتيكٌ وَحُدّانُ
وَسارُوا إِلى أَرضِ القَطيفِ فَلَم يَكُن / لِيمنَعَها مِنهُم حُصُونٌ وَحِيطانُ
وَلَم تَمتَنِع مِنهُم أَوالُ بَمُزبِدٍ / مِنَ اليَمِّ تُزجيهِ شَمالٌ وَمَرخانُ
لَياليَ يَحمي الجابِرِيَّة مِنهُمُ / إِلى الرَملِ مِطعامُ العَشِيّاتِ مِطعانَ
وَإِن سَلِمَت نَفسُ الأَميرِ مُحَمَّدٍ / شَكَت مِن سَراياهُ عُمانٌ وَعَمّانُ
وَسارَت إِلى أَرضِ الشآمِ جُيُوشُهُ / وَلَم يَمتَنِع مِنها زَبيدٌ وَنَجرانُ
فَتىً لَم يَزَل يَسمُو إِلى كُلِّ غايَةٍ / إِذا راحَ حَظُّ القَومِ نَحسٌ وَنُقصانُ
لَقَد ضَلَّ قَومٌ مِن عُقَيلٍ وَما اِهتَدُوا / بَلى إِنَّهُم فِيما تَمَنَّوهُ عُميانُ
لَئِن طَلَبَت أَهلُ المَمالِكِ حَقَّها / وَسارَ بِهِم قَلبٌ إِلى المَجدِ حَرّانُ
فَلا عَجَبٌ أَن يَطلبَ الحَقَّ أَهلُهُ / فَلِلدَوحِ أَوراقٌ نَشَأنَ وَأَغصانُ
فَلَيسَ لِقَومٍ غَيرِهِم أَن يُعَرِّضُوا / نُفوسَهُمُ لِلّيثِ وَاللَّيثُ غَضبانُ
فَيُوشِكُ إِن جاشَت غَوارِبُ بَحرِهِ / يُغَرِّقُهُم مِنهُنَّ مَوجٌ وَطُوفانُ
فَيا آلَ كَعبٍ لا تَخُونُوا عُهُودَهُ / فَلَيسَ بِراقٍ ذِروَةَ المَجدِ خَوّانُ
فَكائِن لَهُ مِن نِعمَةٍ بَعدَ نِعمَةٍ / عَلَيكُم وَإِحسانٍ يُوالِيهِ إِحسانُ
تُقِرُّ بِهِ أَحياءُ قَيسٍ وَخِندِفٍ / وَبِئسَ جَزاءُ القَومِ غَدرٌ وَكُفرانُ
كَفاكُم مُقاساةَ الأَعادي فَأَصبَحَت / تُجَرُّ لَكُم في باحَةِ العِزِّ أَرسانُ
وَقادَ جِيادَ الخَيلِ قُبّاً عَوابِساً / عَلَيهِنَّ فِتيانٌ مَصاليت شُجعانُ
فَرَدَّ سَعيداً عَن هَواهُ وَقادَهُ / تَحُفُّ بِهِ خَيلٌ عِرابٌ وَرُكبانُ
وَأَقسَمَ أَن لا بُدَّ مِن دارِ عامِرٍ / وَلَو حالَ مِن دُوني ثَبيرٌ وَثَهلانُ
وَأَغنى ذَوي الحاجاتِ مِنكُم بِمالِهِ / فَأَضحى لِكُلٍّ مِن عطاياهُ دِيوانُ
وَكَم راجِلٍ أَمسى بِنُعماهُ فارِساً / وَكانَت صَفايا مالِهِ المَعزُ وَالضانُ
وَكَم مِن حَريبٍ راحَ نَهباً سَوامُهُ / فَراحَ عَلَيهِ لِلكآبَةِ عُنوانُ
فَأَما أَتاهُ شاكِياً مِن زَمانِهِ / غَدا مِن عطايا كَفِّهِ وَهوَ جَذلانُ
وَكَم مُذنِبٍ قَد خافَ مِنهُ عُقُوبَةً / تَلَقّاهُ مِنهُ حُسنُ صَفحٍ وَغُفرانُ
وَكَم مِن قَبيلٍ راحَ يَزحَفُ بَعضُهُ / لِبَعضٍ وَقَد شُبَّت بِوَادِيهِ نِيرانُ
تَلافاهُ مِنهُ حُسنُ رَأيٍ وَسَطوَةٍ / فَراحَ وَقد ماتَت حُقُودٌ وَأَضغانُ
وَأُقسِمُ أَن لَو كانَ في عَصرِ وائِلٍ / لَما اِقتَتَلَت عَمرُو بنُ غَنمٍ وَشَيبانُ
فَعِش وَاِبقَ يا تاجَ المُلوكِ مُؤَيَّداً / لَكَ النَصرُ جُندٌ وَالمقادِيرُ أَعوانُ
مُعاديكَ مَغنُومٌ وَراجيكَ غانِمٌ / وَمَجدُكَ مَحرُوسٌ وَرَبعُكَ فَينانُ
أَظُنُّكَ خِلتَ الشَوقَ وَالنَأيَ أَبكاني
أَظُنُّكَ خِلتَ الشَوقَ وَالنَأيَ أَبكاني / فَأقبَلتَ نَحوي يابِسَ الدَمعِ تَلحاني
فَقُم فَاِلتَمِس خِلّاً سِوايَ فَما أَرى / صَحابَةَ مَن لَم يتَّبِع شَأنُهُ شاني
كَأَنَّكَ ما شاهَدتَ ما قَد أَصابَني / بِهِ الدَهرُ مِن صُيّابِ قَومي وَإِخواني
رُزِئتُ مُلوكاً لَو بَكَيتُ لِفَقدِهِم / دَماً ما كَفاني عُمرُ نُوحٍ وَلُقمانِ
بِهِم كُنتُ أَرمي مَن رَماني وَأَتَّقي / بِهِم نائِباتِ الدَهرِ مِن حَيثُ تَلقاني
بِأَسيافِهِم ذاقُوا الرَدى وَتَجَرَّعُوا / حَسا المَوتِ لا أَسيافِ قَيسٍ وَغَيلانِ
وَلَيسَ عُقوقاً مِنهُمُ بَل تَعالِياً / إِلى خَيرِ غاياتٍ وَأَشرَفِ بُنيانِ
لَعَمري لَقَد سُرَّ العَدُوُّ وَأظهِرَت / دَفاناتُ أَحقادٍ سُتِرنَ وَأَضغانِ
وَمَدَّت عَضاريطُ الرِجالِ أَكُفَّها / لِتَلمَسَ عِزّاً بَعدَ ذُلٍّ وَإِذعانِ
وَأَطمَعَ فِينا فَقدُهُم كُلَّ مُسبَعٍ / وَشاوِيِّ أَغنامٍ وَعامِلِ فَدّانِ
فَيا بارِدَ الأَنفاسِ دَعني فَإِنَّهُ / قَليلٌ لَهُم مِن مَعشَرٍ فَيضُ أَجفانِ
فَلَو جاءَكَ الناعِي بِما جاءَني بِهِ / لَما عِشتَ إِلّا لابِساً ثَوبَ أَسفانِ
لَطابَ لَدَيكَ النَوحُ وَاستُسمِجَ العَزا / وَأَصبَحتَ في شَأنِ البُكا بَعضَ أَعواني
أَتَلحى عَلى فَيضِ الدُموعِ وَقَد ثَوى / أَخي وَشَقيقي وَاِبنُ عَمّي وَخُلصاني
أَمِن بَعدِ مَذكُورٍ أَصُونُ مُدامعاً / تَقِلُّ لَهُ لَو أَنَّها مِن دَمٍ قانِ
أَلا عَمِيَت عَينُ اِمرِئٍ لَم تَجُد لَهُ / بِدَمعٍ وَأَضحى رَبُّها رَبَّ عميانِ
وَأَيُّ اِبنِ عَمٍّ إِن دَعَوتُ لِنازِلٍ / أَجابَ بِعَزمٍ صادِقٍ غَيرِ خَوّانِ
أَقُولُ لِناعيهِ وَقَد كَظَّنِي البُكا / وَقَد أَضَّ مِن صَدري تَأَجُّجُ نِيرانِ
وَقَد أَشرَفَ الرَكبُ العِراقيُّ قَاصِداً / إِلى الخَطِّ أَعلا ذِي الشَقِيقَةِ فُرقانِ
أَحَقّاً ثَوى في اللَحدِ وَاِستَوطَنَ الثَرى / وَجاوَرَ فِيهِ كُلَّ ذِي نازِحٍ دانِ
فَقالَ نَعَم لَم آتِ حَتّى تَناوَحَت / عَلى يَومِهِ بِيضُ الخُدورِ بِأَلحانِ
وَحَتّى رَأَيتُ القَومَ حَولَ سَريرِهِ / حُفاةً يَنادونَ العَويلَ بِإِعلانِ
فَقُلتُ وَلَم أَملِك عَزائِي وَعَبرَتي / أُرَدِّدُها في صَحنِ خَدّي بِأَرداني
أَلا شَقِيَت قَومي لَقَد غالَها الرَدى / بِمقدامِ غاراتٍ وَفَلّالِ أَقرانِ
بِماذَا أُصِيبَت وَيلَها يَومَ سَدَّدَت / إِلَيهِ المَنايا سَهمَ صَفراءَ مِرنانِ
لَقَد كانَ غَيظاً لِلأَعادي وَباذِخاً / يَلُوذُ بِهِ جانٍ وَيَأمَلُهُ عانِ
فَمن بَعده مَن لِلرِماحِ يُعِلُّها / وَيُنهِلُها مِن كُلِّ أَشوَسَ مِطعانِ
وَمَن لِتَوالي المُرهَقِينَ إِذا غَدَت / تَعاطى وَأَبدى الشَرُّ صَفحَة عُريانِ
وَمَن لِجَلِيلِ الخَطبِ يَوماً إِذا أَتَت / هَوازِنُ تُردي بَينَ بَيضٍ وَأَبدانِ
وَمَن لِمضيمٍ مَضَّهُ الضَيمُ وَاِلتَوى / بِهِ ذُو ظُلاماتٍ تُعَدُّ وَعُدوانِ
وَمَن لِأَسيرٍ غارِمٍ قَلَّ مالُهُ / وَآبَ مِنَ المَولى الشَقيقِ بِحِرمانِ
فَيا آلَ إِبراهِيمَ بَكّوا لِيَومِهِ / دَماً وَأَقيمُوا سُوقَ نَوحٍ وَإِرنانِ
وَقُومُوا لِأَخذِ الثَأرِ جِدّاً وَلا تَنوا / قِيامَ أَبيٍّ لا حَرونٍ وَلا وانِ
فَعِندَكُمُ للطَّعنِ سُمرٌ عَواسِلٌ / وَلِلضَربِ بِيضٌ لا تَقِرُّ بِأَجفانِ
يُخَبِّرنَ عَن أَيّامِ مُرَّةً واِبنهِ / أَبيكُم وَعَن أَيّامِ ذُهلِ بنِ شَيبانِ
بِها ضَرَبَت آباؤُكُم وَجُدُودُكُم / جَماجِمَ أَهلِ البَغيِ مِن قَبلِ ساسانِ
فَلَو أَنَّ في الحَيِّ الشِبانِيّ ثارَهُ / لَكُنتُ أُمنّي النَفسَ عَنهُ بِسُلوانِ
وَإِن كانَ لا يُوفى بِهِ مِن دِمائِهِم / قَتيلٌ وَلَو أَوفى عَلى رَبِّ عَلهانِ
ولَكِنَّهُ أَمسى قَتيلاً لِمَعشَرٍ / إِذا قِيلَ مَن هُم قِيل هَيُّ بنُ بيّانِ
وَلَو جاءَهُ مُغتالُهُ مِن أَمامِهِ / لَراحَ أَكيلاً بَينَ نَسرٍ وَسِرحانِ
أَوِ اِنصاعَ عَدواً يَقتَفي إِثرَ غَيرِهِ / مَخافَةَ مَشبُوحِ الذِراعَينِ غَضبانِ
فَمَن مُبلِغٍ عَنّي أَباهُ رِسالَةً / مُغَلغَلَةً عَن مُوجَعِ القَلبِ حَرّانِ
أَيا عَمُّ لا تَجزَع فَكُلٌّ إِلى البِلى / يَصيرُ وَلا خُلدٌ لِإِنسٍ وَلا جانِ
فَلَو لَم يَمُت قَتلاً لَماتَ بِعِلَّةٍ / وَلَيسَ بِمنجٍ مِن رَدىً رَأسُ غُمدانِ
وَما قَتلُهُ مِمّا يُعابُ بِهِ الفَتى / إِذا عُدَّ يوماً بَينَ شِيبٍ وَشُبّانِ
فَقَد ماتَ بِسطامٌ بِطَعنَةِ عاصِمٍ / وَكانَ المُرَجّى في مَعَدّ بنِ عَدنانِ
وَحَمزَةُ عَمُّ المصطَفى ذاقَ حَتفَهُ / بِطَعنَةِ عَبدٍ مِن سُلالَةِ عبدانِ
كَذا اِبنُ حوارِيِّ الأَميرِ مُحَمَّدٍ / أَتاهُ الرَدى مِن كَفِّ راعٍ لِرِعيانِ
وَقَد كانَ يَلقى الأَلفَ فَرداً فَيَنثَني / كَطَيرٍ رَمَت فِيها السَماءُ بِحُسبانِ
وَما آفَةُ الشُجعانِ إِلّا اِحتِقارُها / رِجالاً وَكَم صِيدَت صُقُورٌ بِخربانِ
وَأَنتَ لَعَمرِي ما خُصِصتَ بِفَقدِهِ / وَإِنَّكَ فيهِ وَالبَعيدَ لَسِيّانِ
سَقى الجَدَثَ الثاوِي بِهِ كُلُّ رائِحٍ / مِنَ المُزنِ أَو غادٍ مُسِحٍّ بِتَهتانِ
وَحَيَّتهُ أَملاكُ السَماءِ بِجَنَّةٍ / وَظِلٍّ بَينَ رَوحٍ وَرَيحانِ
ما أَنصَفَ الطَلَلُ العافي بِماوانا
ما أَنصَفَ الطَلَلُ العافي بِماوانا / لَم نُشجِهِ يَومَ سَلَّمنا وَأَشجانا
عُجنا نُحَيّيهِ إِجلالاً وَتَكرِمَةً / مِنّا فَلَم نُبكِهِ شَوقاً وَأَبكانا
وَكُنتُ أَحسبُهُ وَالدَهرُ ذُو غِيَرٍ / لَو لَم نُحَيِّ مَغانِيهِ لَحَيّانا
فَلَستُ أَدري لِإِنكارٍ تَخَوَّنَهُ / أَم بِالعُقوقِ عَلى عَمدٍ تَوَخّانا
فَإِن يَكُن ذاكَ إِنكاراً فَلا عَجَبٌ / فَالشَيءُ يُنكِرُهُ ذُو اللُبِّ أَحيانا
رَأى عَلى شُعَبِ الأَكوارِ أَزفِلَةً / شِيباً وَيَعهَدُنا بِالأَمسِ شُبّانا
كُلٌّ مِنَ الضَعفِ قَد أَشفى عَلى هَرَمٍ / وَعِندَهُ أَنَّ حينَ الشَيبِ ما حانا
أَقُولُ وَالدَمعُ قَد بَلَّت بَوادِرُهُ / مِنّا خُدُوداً وَأَذقاناً وَأَردانا
وَقَد مُلِئتُ بِما عاينتُهُ عَجَبَاً / ما ضَرَّ سَهمَ الرَزايا لَو تَخَطَّانا
ما الذَنبُ لِلرَبعِ في هَذا فَنُلزِمُهُ / عَتباً وَلَكِنَّ هَذا الدَهرَ لا كانا
لَو لَم تَحُلَّ بِنادينا زَلازِلُهُ / لَكانَ ذَلِكُمُ الإِنكارُ عِرفانا
إِيهاً خَلِيلَيَّ مِن ذُهلِ بنِ ثَعلَبَةٍ / مَن لَم يُهِن نَفسَهُ في حَقِّها هانا
قُوما فَفي الأَرضِ عَن ذِي إِحنَةٍ سَعَةٌ / وَالحُرُّ يَختارُ أَخداناً وَأَوطانا
وَإِنَّني وَاجِدٌ في كُلِّ ناحِيَةٍ / بِالدارِ داراً وَبِالجيرانِ جِيرانا
كَم ذا المُقامُ عَلى ذُلٍّ وَمَنقَصَةٍ / وَكَم أُجَرَّعُ كَأسَ الضَيمِ مَلآنا
يَسُومني الخَسفَ أَقوامٌ أُبوّتهُم / عَبِيدُ آبايَ إِقراراً وَإِذعانا
أَرضى وَأَقنَعُ بِالحَظِّ الخَسيسِ وَلَو / أُنصِفتُ كُنتُ لَها بَدءاً وُثنيانا
وَيَعتَرِيني الأَذى مِن كُلِّ نازِلَةٍ / أَلقى أَوائِلَهُ في الناسِ خمّانا
يَعُدُّ إِن قالَ صِدقاً مِن مَفاخِرِهِ / كَرّاً وَمرّاً وَمِسحاةً وَفدّانا
يا دَهرُ إِن كُنتَ يَقظاناً فَقُم عَجِلاً / أَو ما تَزالُ إِذا نُوديتَ وَسنانا
فَاِنظُر أُمُوراً وَأَحوالاً مُنَكَّسَةً / ما كُنتُ نائِلَها لَو كُنت يَقظانا
جَدعاً وَعَقراً وَعَثراً يا زَمانُ وَلا / لَعاً لَقَد سُمتَنا جَوراً وَعُدوانا
ذَهَبتَ بِالعِزِّ وَاِستَبقَيتَ لِي غِرَراً / صُمّاً عَن الخَيرِ وَالمَعرُوفِ عُميانا
يَرى الغَنيمَةَ مَن يَرجُو نَوالَهُمُ / أَن لا يَعُودَ إِلى نادِيهِ عُريانا
وَجالِبُ المَدحِ يَستَمري أَكُفَّهُمُ / كَحالِبِ التَيسِ يَرجُو مِنهُ أَلبانا
يَعُدُّ مَمدُوحُهُم إِصغاءَ مَسمَعِهِ / إِلى مُمَدِّحِهِ فَضلاً وَإِحسانا
لِعِلمِهِ أَنَّهُ قَد جاءَ مُبتَدِعاً / وَقالَ في حَقِّهِ زُوراً وَبُهتانا
الحَمدُ لِلّهِ لَم أُنزِل بِهِم أَمَلاً / يَوماً فَأَرجِعُ كابي الزَّندِ خَزيانا
وَلا رَأَيتُهُمُ أَهلاً لِمَكرُمَةٍ / فَأَجتَدي مِنهُمُ مَقتاً وَحِرمانا
وَكَيفَ أُنزِلُ آمالي بِمُقرِفَةٍ / مَصّوا أَفاوِيقَ ثَديِ اللُؤمِ وِلدانا
يَرى جَوادُهُم العافي فَتَحسِبُهُ / رَأى هِزَبراً هَريتَ الشَدقِ طيّانا
يُخالُ سائِلهُم مِن صَرِّ أَوجُهِهم / بِالمِلحِ يَعرِكُ آنافاً وَآذانا
كَأَنَّما نَغمَةُ المُمتاحِ سَيبُهُمُ / سَهمٌ أَحَنَّ بِهِ كَبداءَ مِرنانا
جُودُ الكَريمِ لمن أَصفي مَوَدَّتَهُ / بَدءاً وَعَوداً وَإِسراراً وَإِعلانا
وَجُودُ كُلِّ لَئيمِ الطَبعِ يُمطِرُهُ / أَهلَ العَداوَةِ أَو مَن كانَ عَجّانا
يا أَيُّها الراكِبُ المُزجي لِطيَّتِهِ / وَجناءَ مَوّارَةِ الضَبعَينِ مِذعانا
أَبلِغ عَلى النَأيِ قَومي حَيثُ ما نَزَلُوا / بَرّاً وَبَحراً وَأَجبالاً وَغِيضانا
وَقُل لَهُم عَن لِساني غَيرَ مُتَّئِبٍ / قَولاً تُبَيِّنُهُ لِلقَومِ تِبيانا
كَم ذا التَغافُلُ عَمّا قَد مُنِيتُ بِهِ / وَكَم أَهُزُّكُمُ مَثنى وَوُحدانا
أَتَقنَعُونَ بِأَن أَطوي رَجاءَكُمُ / يَأساً وَأَن أَتَرَجّى الحَيَّ قَحطانا
وَأَن أُفارِقَكُم حَرّانَ قَد بَرَدَت / بِيَ المُعادُونَ أَحقاداً وَأَضغانا
لا وَفَّقَ اللَهُ في بَدوٍ وَلا حَضَرٍ / أَعَقَّنا لِمَواليهِ وَأَجفانا
وَلا رَعى في رَعاياهُ الَّتي حُفِظَت / أَبَرَّنا بِمُعادِيهِ وَأَحفانا
يا لَيتَ شِعرِيَ إِن زُمَّت رَكائِبُنا / وَقُطِّعَت مِن قُرى البَحرَينِ أَقوَانا
وَأَصبَحَت قَد أَناخَت في ذُرى مَلِكٍ / مِن حِميَرٍ أَو بَقايا الحَيِّ كَهلانا
وَجاءَتِ القَومُ أَفواجاً لِتَسأَلَني / فَصادَفُوا مَنطِقي لِلفَضلِ عُنوانا
فَإِن أُجَمجِم وَأُخفي عَنهُمُ خَبري / حَمِيَّةً جَلَبَت هَوناً وَنُقصانا
وَإِن أَقُل كُنتُ ذا مالٍ فَمَزَّقَهُ / صَرفٌ مِنَ الدَهرِ ما يَنفَكُّ يَلحانا
يُقالُ لي كُلُّ تَفريقٍ لَهُ سَبَبٌ / يَجري فَأورِد عَلَينا الأَمرَ وَالشانا
فَإِن أَقُل سَيِّدا قَومي هُما سَبَبٌ / لِذاكَ لَم أَرَ هَذا القَولَ إِحسانا
هَذا لَعَمري أَطاعَ الكاشِحينَ وَلَم / يَعطِف وَأَصغى إِلى الواشينَ إِذعانا
وَمَنَّ بَعدَ ذَهابِ المالِ عَن عَرَضٍ / يفَتِّرُ النَفسَ كَي نَدعُوهُ مَنّانا
وَجِئتُ هَذا أُرَجّي عِندَهُ أَمَلاً / نَزراً فَصادَفتُ إِعراضاً وَحِرمانا
وَفي مَوَدَّتِهِ لاقَيتُ كُلَّ أَذىً / وَاِجتيحَ وَفرِيَ بُغضاً لِي وَشَنآنا
وَكُلُّ ذِي غُصَّةٍ بِالماءِ يَدفَعُها / فَكَيفَ يَصنَعُ مَن بِالماءِ غَصّانا
وَما عَلى مَن يَقُولُ الصِدقَ مِن حَرَجٍ / وَلَيسَ تَلزَمُهُ ذَنباً وَلا ذانا
لا عَزَّ قَومٌ يَعيشُ الكَلبُ ذا بغَرٍ / ما بِينَهُم وَيَمُوتُ اللَيثُ عَطشانا
وَقائِلٍ عَدِّ عَن نَظمِ القَريضِ فَقَد / أَسمَعتَ مِن قَبلُ لَو نَبَّهتَ يَقظانا
المَجدُ أَمسى دَفيناً بِالعذارِ فَقُم / كَيما تُقيمَ لَهُ نَوحاً وَإِرنانا
فَلَيسَ بَعدَ عِمادِ الدِينِ مِن مَلِكٍ / تَخُطُّ فيهِ رُواةُ الشِعرِ دِيوانا
يا ثُكلَ أُمِّ العِدى وَالمَكرُماتِ أَما / لَو يَنطِقُ الدَهرُ عَزّاها وَعَزّانا
فَقُلتُ لَم نَرَ فيهِ مِن خِلالِ عُلاً / إِلّا وَنَحنُ نَراها في اِبنِهِ الآنا
حَزمٌ وَعَزمٌ وَبَأسٌ صادِقٌ وَنَدىً / غَمرٌ وَحِلمٌ وَعَقلٌ فاقَ لُقمانا
يا فَضلُ دَعوةَ ذِي قُربى دَعاكَ وَقَد / أَحَسَّ لِلضَيمِ في أَحشاهُ نِيرانا
أَنتَ الَّذي تَرَكَ الأَعداءَ هَيبَتُهُ / كُلٌّ يُجَمجِمُ ما يَلقاهُ حَيرانا
يَأبى لَكَ المَجدُ وَالطَبعُ الكَريمُ بِأَن / تُدعى عَلى المالِ لِلأَحداثِ خَزّانا
يا مَن يَرى بَذلَهُ الأَموال فائدةً / تَبقى لَهُ وَيَرى الإِمساكَ خُسرانا
وَأَنتَ للدَوحَةُ اللّاتي أَرُومَتُها / طابَت فَمَدَّت عَلى الأَغصانِ أَغصانا
وَفِي يَدَيكَ سَحابُ الجُودِ تُمطِرُها / عَلى الخَلائِقِ أَوراقاً وَعِقيانا
أُعِيذُ مَجدَكَ أَن أَشقى وَتَعرِفُني / نُيُوبُ دَهرٍ تَرُدُّ القَرمَ حُلّانا
نَماكَ لِلمَجدِ آباءٌ بِهِم شَرُفَت / رَبِيعَةُ الغُرُّ عَدناناً وَقَحطانا
قَومٌ هُمُ ثَأَرُوا حُجراً وَهُم أَسَرُوا / عَمراً وَهُم قَهَرُوا ذا التاج صُهبانا
وَهُم أَباحُوا حِمى كِسرى وَهُم قَتَلُوا / هامُرزَ وَاِستَنزَلُوا الأُسوارَ مَهرانا
كانُوا جِبالاً لِنَجدٍ تَستَقِرُّ بِها / عَن الزَلازِلِ إِن ماجَت وَأَركانا
حَتّى إِذا اِرتَحَلُوا عَن جَوِّها اِضطَرَبَت / وَبُدِّلَت مِنهُمُ خَسفاً وَخِذلانا
وَأَصبَحَت بِقُرى البَحرَينِ خَيلُهُمُ / تَجُرُّ لِلعِزِّ أَشطاناً وَأَرسانا
لَولا نُزولهُمُ في جَوِّها لَرَأَت / رَبِيعَةٌ هَرَباً كَيشاً وَمَكرانا
لَكِنَّهُم أَثبَتُوا آساسَها وَنَفَوا / عَنها حَمِيَّ بنَ عَيمانٍ وَحَدّانا
كَما نَفَت قَبلَ ذا قَسراً أَوائِلُهُم / عَنها إِياداً وَحُلواناً وَجِيلانا
فَهاكَها يا عِمادَ الدِينِ حاوِيَةً / دُرّاً وَمِسكاً وَياقُوتاً وَمَرجانا
بَعضُ الَّذي نالَنا يا دَهرُ يَكفِينا
بَعضُ الَّذي نالَنا يا دَهرُ يَكفِينا / فَاِمنُن بِبُقيا وَأَودِعها يَداً فِينا
إِن كانَ شَأنُكَ إِرضاءَ العَدُوِّ بِنا / فَدُونَ هَذا بِهِ يَرضى مُعادينا
فَالحَمدُ لِلّهِ حَمداً لا نفادَ لَهُ / إِذ لَم يَكُن ضَعفُنا إِلّا بِأَيدِينا
خافَت بَنُو عَمِّنا أَمراً يُعاجِلُنا / مِن قَبلِ إِلحاقِ تالينا بِماضينا
وَاِستَيقَنَت أَنَّ كُلَّ المُلكِ مُنتَزَعٌ / وَلَو تَمَكَّثَ في أَربابِهِ حِينا
وَحاذَرت دَولَةً في عَقبِ دَولَتِها / تَأتي سَريعاً فَتُلقِي سُمَّها فِينا
فَلَم تَدَع لِمُرجٍّ سَلبَ نِعمَتِها / أَرضاً قَراحاً بِأَيدِينا وَلا لِينا
وَلَم تَزَل هَذِهِ فِينا عِنايَتُها / حَتّى تَساوى اِبنُ سِتٍّ وَاِبنُ سِتِّينا
هَذا هُوَ الحَزمُ وَالرَأيُ السَديدُ فَلا / تَظُنّهُ القَومُ زَهداً في مَغانينا
لِأَنَّ مَن يَتَوَلّى الأَمرَ بَعدَهُمُ / لَيسُوا بِمَأمُونِ شَرٍّ في نَواحينا
وَالفَقرُ في أَرضِنا خَيرٌ لِصاحِبِهِ / مِنَ الغِنى وَالقَليلُ النَزرُ يُرضِينا
لِما يُعانيهِ رَبُّ المالِ مِن تَعَسٍ / في أَرضِنا لا لِأَنَّ المالَ يُطغِينا
وَكَم غِنىً عِندَنا قَد جَرَّ داهِيَةً / دَهياءَ تَترُكُ فَحلَ القَومِ عِنِّينا
فَاِنظُر أَخا العَقلِ وَالتَدبيرِ إِنَّ لَهُ / شَأناً عَظيماً وَدَوِّنهُ الدَواوِينا
لَم يَهتَدِ المَرءُ كِسرى أَن يُدَبِّرَهُ / وَكانَ أَرجَحَها عَقلاً وَتَمكِينا
وَصاحِبٍ قالَ لي وَالعَينُ تَحرُسُهُ / حِيناً وَيَنطِقُ بِالشَكوى أَحايينا
أَما تَرى قَومَنا فِينا وَما صَنَعُوا / لَم يَترُكُوا أَمَلاً فِينا لِراجِينا
مالُوا عَلَينا مَعَ الأَيّامِ وَاِستَمَعُوا / فِينا أَقاوِيلَ شانِينا وَقالِينا
مِن غَيرِ شَيءٍ سِوى قَصرٍ بِأَلسُنِنا / عَمّا يُعابُ وَطُولٍ في عَوالينا
وَأَنَّنا نَرِدُ الهَيجاءَ تَحسَبُنا / مِن زَأرِنا في الوَغى جِنّاً مَجانينا
وَلا نُبالي شَقَقنا في عَجاجَتِها / هَوادِيَ القَومِ أَو شَقَّت هَوادِينا
وَيُكرِهُ الصَعدَةَ السَمراءَ أَصغَرُنا / سِنّاً وَيُفحِمُ كَهلَ القَومِ ناشِينا
نَحنُ المُلوكُ وَأَردافُ المُلوكِ وَفي / بَحبُوحَةِ العِزِّ شادَ العِزَّ بانينا
نَحمي عَلى الجارِ وَالمَولى وَيَأمَنُنا / عَلى اِختِلافِ اللَيالي مَن يُصافِينا
آباؤُنا خَيرُ آباءٍ إِذا ذُكِرُوا / كانُوا المَشاوِذَ وَالناسُ التَساخِينا
أَيّامُنا لَم تَزَل غُرّاً مُحَجَّلَةً / وَلا تُباعُ بِأَيّامٍ لَيالينا
تَرَعرَعَ المُلكُ في أَبياتِنا وَنَشا / حَتّى اِستَوى وَمُرَبِّيهِ مُرَبِّينا
يا لَيتَ شِعري أَيُّ الذَنبِ كانَ لَنا / حَتّى بِهِ اِجتيحَ دانينا وَقاصِينا
أَضحَت بَساتِينُنا نَفدي بِأَحسَنِها / شِقصاً لِأَدنى خَسيسٍ مِن مَوالينا
بِجُلَّةِ التَمرِ وَالشاةِ الرَعُومِ غَدَت / أَملاكُنا وَاِحتَمَت أَملاكُ عادينا
إِنّا إِلى اللَهِ لا أَرحامُنا نَفَعَت / وَلا طِعانُ حُماةِ القَومِ يَحمينا
هَذا الجَزاءُ لِما سَنَّت أَسِنَّتُنا / يا لَلرِجالِ وَما أَمضَت مَواضينا
يَومَ العَطيفَةِ إِذ جاءَت مُغَلِّسَةً / كَتائِبٌ نَحوَنا بِالمَوتِ تُردِينا
تُوفي ثَلاثَةَ آلافٍ مُضَمَّنَةً / وَلا تجاوِزُ في عَدٍّ ثَلاثينا
رِماحُهُم وَظَلامُ النَقعِ يَستُرُنا / وَكَرُّنا وَضِياءُ البيضِ يُبدِينا
طَعناً بِهِ كانَ إِبراهيمُ وَالِدنا / مِن قَبلِ أَن يَنزِلَ البَحرَينِ يُوصِينا
حَتّى تَوَلَّوا وَقَد جاشَت نُفُوسُهُمُ / غَيظاً لِما عايَنُوهُ مِن تَحامِينا
وَقَبلُ رَدَّت رُبُوعَ القَومِ أَربَعَةٌ / مِنّا فَمَن ذا إِلى مَجدٍ يُسامِينا
يَومَ الشَباناتِ لا نَثني أَعِنَّتَها / كَأُسدِ خَفّانَ هِيجَت أَو عِفرِّينا
تَتلُوهُمُ آلُ حَجّافِ وَما وَلَدَت / أُمُّ العَجَرَّشِ مِثلَ الجُربِ طُلِّينا
لَم يَترُكُوا فَضلَ رُمحٍ في أَكُفِّهِمُ / وَنَحنُ نَقصدُها قَرعاً فَتُخَطِينا
هَل غَيرُنا كانَ يَلقاهُم بِعُدَّتِنا / لا وَالَّذي بَيَّنَ الفُرقانَ تَبيينا
وَكَم لَنا مِن مَقامٍ لا نُعابُ بِهِ / وَلا نُذَمُّ بِهِ دُنيا وَلا دِينا
يا ضَيعَةَ العُمرِ يا خُسرانَ صَفقَتِنا / يا شُؤمَ حاضِرِنا الأَشقى وَبادِينا
كُنّا نَخافُ اِنتِقالَ المُلكِ في مُضَرٍ / فَمَرحَباً بِكَ يا مُلكَ اليَمانينا
فَإِن تَوَلَّت مُلُوكُ الرُومِ ما بَلَغَت / مِعشارَ ما صَنَعَت إِخوانُنا فِينا
كُنّا نَضِجُّ مِنَ الحِرمانِ عِندَهُمُ / وَنَطلُبُ الجاهَ فيهِم وَالبَساتِينا
فَاليَومَ نَفرحُ أَن يُبقُوا لِمُوسِرِنا / مِن إِرثِ جَدَّيهِ سَهماً مِن ثمانينا
أَفدي الَّذي قال وَالأَشعارُ سائِرَةٌ / قَبلي يُدَوِّنُها الرَاوُونَ تَدوِينا
يا طالِبَ الثّأرِ قُم لا تَخشَ صَولَتنا / فَما نُراعي بِها مَن لا يُراعِينا
فَسَوفَ يُسقى بِكاساتِ العُقوقِ عَلى / حَرِّ الظَما مَن بِكَأسِ الغَبنِ يَسقِينا
فَما المُعادي لَنا أَولى بِبَغضَتِنا / مِن اِبنِ عَمٍّ مَدى الأَيّامِ يُؤذينا
أَعزِز عَلى اِبنِ عَلِيٍّ وَالأَكارِمِ مِن / آبائِنا أَن يُسيمَ الضَيمُ وادِينا
نالَ المُعانِدُ مِنّا ما يُحاوِلُهُ / سِرّاً وَجَهراً وَتَعرِيضاً وَتَعيينا
رامَت ذَوُو أَمرِنا إِطفاءَ جَمرَتِنا / فَبَعدَها أَلحِقِ الأَحساءَ يَبرِينا
يا قُبحَ آرائِهِم فينا فَلو عَرَفُوا / حَقَّ السَوابِقِ ما اِختارُوا البَراذِينا
فَقُل لَهُم لا أَقالَ اللَهُ صَرعَتَهُم / وَزادَ أَمرَهُمُ ضَعفاً وَتَوهِينا
هَل يَنقِمُونَ عَلَينا غَيرَ أَنَّ بِنا / صارُوا مُلوكاً مَطاعِيماً مَطاعِينا
عَزَّت أَوائِلُهُم قِدماً بِأَوَّلِنا / لِذاكُمُ عَزَّ تاليهِم بِتالينا
كَم قَد كَفَيناهُمُ مِن يَومِ مُعضِلَةٍ / لَوَ اِنَّهُم مَن عَلى الحُسنى يُكافِينا
نَحمي وَنَضرِبُ رَبَّ التاجِ دُونَهُمُ / ضَرباً يُطيرُ فِراخُ الهامِ سِجّينا
فَسَوفَ يَدرُونَ أَنَّ الأَخسَرينَ هُمُ / إِذا اِستَغاثُوا وَنادُوا يالمُحامِينا
سائِل دِيارَ الحَيِّ مِن ماوانِ
سائِل دِيارَ الحَيِّ مِن ماوانِ / ما أَحدَثَت فيها يَدُ الحَدَثانِ
وَأَطِل وُقُوفَكَ يا أُخَيَّ بِدِمنَةٍ / قَد طالَ في أَطلالِها إِذماني
كانَت جِناناً كَالجِنانِ فَأصبَحَت / لِلوَحشِ مُوحِشَةٍ وَلِلجِنّانِ
لَمّا وَقَفتُ العيسَ في عَرَصاتِها / ذَهَبَ العَزاءُ وَأَقبَلَت أَجفاني
وَذَكَرتُ أَيّاماً خَلَونَ وَأَعصُراً / ذِكرى لَهُنَّ لِسَلوَتي أَنساني
وَكَواعِباً بِذَوي العُقُولِ لَواعِباً / بِيضَ الخُدودِ نَواعِمَ الأَبدانِ
مِن كُلِّ خَرعَبَةٍ تُريكَ إِذا بَدَت / بَدرَ الدُجُنَّةِ فَوقَ غُصنِ البانِ
وَإِذا تَراءَت لِلحَليمِ رَأَيتَهُ / في فِتنَةٍ مِن طَرفِها الفَتّانِ
لَم أَنسَ يَومَ البَينِ مَوقِفَنا وَقَد / حُمَّ الفِراقُ وَفاضَتِ العَينانِ
وَتَتابَعَت زَفَراتُ وَجدٍ لَم تَزَل / مِنها القُلوبُ كَثيرَةَ الخَفَقانِ
بانوا وَكُنتُ أَعُدُّهُم لِي جُنَّةً / فَبَقِيتُ بَعدَهُمُ بِغَيرِ جَنانِ
قُرِنَ الأَسى بِجَوانِحي لَمّا بَدَت / أَظعانُهُم كَالنَخلِ مِن قُرّانِ
أَقوَت مَغانِيهم وَكانَت حِقبَةً / مَأوى الحِسانِ وَمَلعَبَ الفِتيانِ
وَمَناخَ مُمتاحِ النَوالِ وَعِصمَةً / لِلخائِفينَ وَمَلجَأً لِلجاني
وَمَحَلَّ كُلِّ مُعَظَّمٍ وَمَجالَ كُل / لِ مُطَهَّمٍ وَمَجَرَّ كُلِّ سِنانِ
بِالبيضِ بِيضِ الهِندِ يَحمي بِيضَهُ / يَومَ الوَغى وَذَوابِلِ المُرّانِ
وَبِكُلِّ أَشوَسَ باسِلٍ ذي نَجدَةٍ / سَمحِ الخَلائِقِ غَيرِ ما خَوّانِ
يَومَ النِزالِ تَخالُهُ في بَأسِهِ / مَلِكَ المُلوكِ وَآفَةَ الشُجعانِ
أَعني الأَميرَ أَبا عَلِيٍّ ذا العُلى / مُردي العِدى وَمُقَطِّرِ الأَقرانِ
مَلِكٌ إِذا اِفتَخَرَ الرِجالُ بِسَيِّدٍ / فَخَرَت بِهِ الأَحياءُ مِن عَدنانِ
لَم يَنطِق العَوراءَ قَطُّ وَلا دَرى / ما الكِبرِياءُ عَلى عَظيمِ الشانِ
ما حَلَّ حَبوتَهُ إِلى جَهلٍ وَلا / أَصغى إِلى نايٍ وَلا عِيدانِ
ذُو هِمَّةٍ مِن دُونِها القَمَرانِ / وَعَزيمَةٍ أَمضي مِنَ الحِدثانِ
لَو أَنَّ لِلعَضبِ المُهَنَّدِ عَزمَهُ / لَفَرى الجَماجِمَ وَهوَ في الأَجفانِ
وَلَوَ اِنّ لِلشَمسِ المُنيرَةِ بِشرَهُ / تاهَت فَلَم تَطلُع مَدى الأَزمانِ
عَفُّ الإِزارِ كَرِيمَةٌ أَخلاقُهُ / ناءٍ عَن الفَحشاءِ وَالشَنآنِ
أَحيَا شَجاعَةَ وائِلٍ في وائِلٍ / وَسَماحَةَ المَطَرِيِّ في شَيبانِ
وَوَفاءَ مَيمُونِ النَقِيبَةِ حارِثٍ / وَحَمِيَّةَ المَلِكِ المُعَظَّمِ هاني
يا سائِلي عَنهُ رُوَيدَكَ هَل تُرى / يَخفى الصَباحُ عَلى ذَوي الأَذهانِ
سائِل بِهِ يُخبِركَ كُلُّ مُقَلِّصٍ / نَهدٍ وَكُلُّ مُثَقَّفٍ وَيَماني
لَمّا أَتَت أَهلُ القَطيفِ بِجَحفَلٍ / مُتَوَقِّدٍ كَتَوَقُّدِ النِيرانِ
في آلِ حَجّافٍ وَآلِ شَبانَةٍ / مِثلَ الأُسُودِ بحافَتَي خَفّانِ
نَزَلُوا عَلى صَفواءَ صُبحاً وَاِبتَنوا / فيها القِبابَ وَأَيقَنُوا بِأَمانِ
وَتَسَربَلُوا حَلقَ الحَديدِ وَأَقبَلُوا / بِالخَيلِ وَالراياتِ كَالعِقبانِ
فَغَدَت فَوارِسُهُم لِما قَد عايَنَت / هَرَباً وَلَم تَعطِف عَلى النِسوانِ
فَرَمى الأَميرُ جُمُوعَهُم فَتَمَزَّقَت / كَالشاءِ إِذ جَفَلَت مِنَ السِرحانِ
وَتَحَكَّمَت فيهِم حُدودُ سُيُوفِهِ / ضَرباً فُوَيقَ مَعاقِدِ التِيجانِ
وَحَوى ظَعائِنَهُم وَأَحرَزَ ما لَهُم / غَصباً وَأَنزَلَهُم بِشَرِّ مَكانِ
أَحيا نُفوساً مِن رِجالٍ قَد رَأَت / آجالَها بِالسَيفِ رَأيَ عِيانِ
مَلِكٌ يَعُدُّ الذِكرَ عَقباً صالِحاً / وَيَرى المَآثِرَ أَشرَفَ البُنيانِ
مُتَواضِعٌ في مَجدِهِ مُتَرَفِّعٌ / عَن ضِدِّهِ غَيثٌ عَلى الإِخوانِ
وَهُوَ الَّذي قادَ الجِيادَ عَوابِساً / تَحتَ العَجاجِ إِلى بَني سَلمانِ
وَبَني لبيدٍ كُلِّها فَاِجتاحَها / بِدراكِ غاراتٍ وَحُسنِ طِعانِ
وَأَتَت إِلَيهِ بِالخَراجِ مُطِيعَةً / خَوفاً مِنَ الغاراتِ أَهلُ عُمانِ
وَتَزَعزَعَت رَهباً فَجاءَت تَبتَغي / مِنهُ الذِمامَ الشُمُّ مِن عَدوانِ
هَذا هُوَ الشَرَفُ الرَفيعُ وَهَذِهِ / شِيَمُ المُلوكِ وَغايَةُ السُلطانِ
يا هاجِرَ الأَوطانِ في طَلَبِ الغِنى / هَلّا أَنَختَ بِرَبعِهِ الفَينانِ
رَبعٌ إِذا رَبَعَت إِلَيهِ قَبيلَةٌ / عَلقَت بِحَبلٍ مِن غِنىً وَأَمانِ
تَلقى الغِنى وَالعِزَّ نَبتَ رِياضِهِ / بَدَلاً مِنَ القَيصُومِ وَالسَهبانِ
بَردٌ وَظِلٌّ لِلصَديقِ وَجَنَّةٌ / وَعَلى أَعاديهِ حِميمٌ آنِ
وَإِذا نَزَلتَ بِهِ أَنالَكَ ما حَوَت / كَفّاهُ مِن تِبرٍ وَمِن عِقيانِ
وَإِذا اِحتَبى وَسطَ النَدِيِّ رَفعتَهُ / عَن أَن تُشَبِّهَهُ بنُو شَروانِ
وَإِذا نَظَرتَ إِلى فَصاحَةِ نُطقِهِ / أَلهاكَ عَن قُسٍّ وَعَن سَحبانِ
بَحرٌ يَعُبُّ لِسائِلٍ وَمُسائِلٍ / طَودٌ أَشَمّ لِمُستَكينٍ عانِ
يُبدي النَدى وَيُعيدُهُ وَكَمِ اِمرِئٍ / يُبدي المُنى وَيُعيدُ بِالحِرمانِ
فَاِسلَم وَعِش يابا عَلِيٍّ ما دَجى / لَيلٌ وَناحَ الوُرقُ في الأَغصانِ
في نِعمَةٍ وَسَعادَةٍ في دَولَةٍ / مَحرُوسَةٍ بِاليُمنِ وَالإِيمانِ
عَلى مَ وَفي مَ ظُلماً تَلحَياني
عَلى مَ وَفي مَ ظُلماً تَلحَياني / ذَراني لا أَبا لَكُما ذَراني
وَحَسبُكُما فَما سَمعي بِمُصغٍ / وَلا واعٍ لِما تَتَحَدَّثانِ
فَلي هِمَمٌ إِذا جاشَت أَرَتني / قُرى عَمّان مِيلاً مِن عُمانِ
إِذا سُولِمتُما فَتَناسَياني / وَإِن أُسلِمتُما فَتَذَكَّراني
فَمِثلي مَن يُقيمُ صَغى الأَعادي / وَيُستَعدى عَلى نُوَبِ الزَمانِ
وَما ذِكرُ المَنِيَّةِ عِندَ أَمرٍ / أُحاوِلُهُ بِثانٍ مِن عِناني
إِذا يَومي أَظَلَّ فَما أُبالي / بِسَيفٍ كانَ حَتفي أَو سِنانِ
وَمَن يَكُ عُمرُهُ المَكتُوبُ تِسعاً / فَلا يَخشى المَنِيَّةَ في الثَمانِ
وَبُعدٌ عَن أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ / إِذا ما عَقَّ خَيرٌ مِن تَدانِ
فَلا يَتَوَهَّمِ السُفَهاءُ أَنّي / أَحِنُّ إِلى غَوانٍ أَو مَغانِ
وَلا أَنّي أَرى وَالمَوتُ حَتمٌ / بِعَينِ جَلالَةٍ مَن لا يَراني
عَظيمُ الناسِ في عَيني حَقيرٌ / إِذا بِالمُقلَةِ الخَوصا رَآني
مُحالٌ أَن أُواصِلَ مَن جَفاني / وَأَسمَحَ بِالوِدادِ لِمَن قَلاني
وَأَرعَنَ ظَلَّ يَنفُضُ مِذرَوَيهِ / وَيُبرِقُ لي وَيُرعِدُ بِاللسانِ
فَقُلتُ لَهُ وَقَد حَنظى وَأَربى / خَرِستَ أَلِي تُقَعقِعُ بِالشِنانِ
دَعِ الخُيلاءَ عَنكَ وَلا تُخاطِر / قُروماً كُلُّها ضَخمُ الجِرانِ
وَخاطِر مِثلَ قعدانِ الجَزارِي / إِذا جاءَت تُساقُ مِنَ الكُرانِ
فَغَيرُ مُنَفِّرٍ لِلدِّيكِ عُرفٌ / عَلى البازِي المُطِلِّ وَرِيشَتانِ
عَلى أَنَّ الأَرازِلَ حَيثُ كانُوا / وَإِن أُحرِجت مِنّي في أَمانِ
يَعافُ لُحُومَهُم كِبراً حُسامي / وَيَأبى سَبَّهُم كَرَماً لِساني
وَقائِلَةٍ وَأَدمُعُها تَوامٌ / تَساقُطُها كَمُرفَضِّ الجُمانِ
وَقَد نَظَرَت إِلى عِيسي وَرَحلي / وَسَوطي وَالحَقيبَةِ وَالفِتانِ
أَكُلُّ الدَهرِ نَأيٌ وَاِغتِرابٌ / أَما لِدُنُوِّ دارِكَ مِن تَدانِ
لِمالٍ أَو لِعِزٍّ أَو لِعلمٍ / تُعاني وَيبَ غَيرِكَ ما تُعاني
تَغَنَّ بِما رُزِقتَ فَكُلَّ شَيءٍ / خَلا مَن قَدَّرَ الأَشياءَ فانِ
وَلِج بابَ الخُمولِ فَذا زَمانٌ / أَباحَ اليَعرَ لَحمَ الشَيذُمانِ
وَلا تَتَجَشّمِ الأَهوالَ كَيما / يُقالُ بَنى فَأَعجَزَ كُلَّ بانِ
فَقُلتُ لَها إِلَيكِ فَعَن قَليلٍ / أُعَرِّفُ مَن تَجاهَلَني مَكاني
فَقَد شاوَرتُ يا رَعناءُ عَزمي / مِراراً في الخُمولِ وَقَد نَهاني
وَكَيفَ يَرى الخُمولَ فَتىً أَبُوهُ / أَبي وَجنانُهُ الماضي جَناني
سَأَرحَلُ رِحلَةً تَذَرُ المَطايا / وَشارِفَها الخُدَيَّةَ كَالإِهانِ
فَإِمّا أَن أَعيشَ مَصادَ عِزٍّ / لِمَجنِيٍّ عَلَيهِ أَو لِجانِ
وَإِمّا أَن أَمُوتَ وَما عَلَيها / سِوى مَن خافَني أَو مَن رَجاني
فَمَوتُ الحُرِّ خَيرٌ مِن حَياةٍ / يُقاسي عِندَها ذُلَّ الهَوانِ
أَأَخلُد بَينَ خِبٍّ أُسحُوانٍ / يُماكِرُني وَجِلفٍ حِنظِيانِ
يُوَفَّرُ ما عَنى هَيُّ بنُ بَيٍّ / عِناداً لِي وَيُؤكَلُ ما عَناني
تَرى أَنّي بِذا أَرضى وَعَزمي / يَضيقُ بِمُقتَضاهُ الخافِقانِ
وَبَيتي دُونَ مَحتدِهِ الثُرَيّا / وَجاراتُ السُهى وَالشِّعرَيانِ
وَلِي بِفَصاحَةِ الأَلفاظِ قُسٌّ / يُقِرُّ وَدَغفَلٌ وَالأَعشَيانِ
وَلَستُ إِذا تَشاجَرَتِ العَوالي / بِغمرٍ في اللِّقاءِ وَلا جَبانِ
وَلَكِنّي حُدَيّا كُلِّ يَومٍ / تَلاقى عِندَهُ حَلَقُ البِطانِ
أَخُو الكَرَمِ العَتيدِ وَذُو المَقالِ الس / سدِيدِ وَمِدرَهُ الحَربِ العَوانِ
وَلَولا السَيفُ ما سَجَدَت قُرَيشٌ / وَلا قامَت تُثَوِّبُ بِالأَذانِ
رَأَيتُ العُمرَ بِالساعاتِ يَفنى / وَتُنفِدُهُ الثَوالِثُ وَالثَواني
وَبَينَ عَسى وَعَلَّ وَسَوفَ يَأتي ال / حِمامُ وَآفَةُ العَجزِ التَواني
فَآهِ مِن التَفَرُّقِ وَالتَنائِي / وَآهِ مِن التَجَمُّعِ وَالتَداني
بَلى إِنّي رَأَيتُ البُعدَ أَولى / وَما الخَبَرُ المُطَوَّحُ كَالعِيانِ
فَصَبَّحَ سَرحِيَ الأَعداءُ إِن لَم / أُصبِّحها بِيَومٍ أَروَنانِ
وَضافَنيَ الرَّدى إِن بِتُّ ضَيفاً / لَدى كَلبٍ يَهِرُّ وَجَردبانِ
أَنا اِبنُ النازِلينَ بِكُلِّ ثَغرٍ / كَفيلٍ بِالضِّرابِ وَبِالطِّعانِ
نَماني مِن رَبيعَةَ كُلُّ قَرمٍ / هِجانٍ جاءَ مِن قَرمٍ هِجانِ
أَبي مَن قَد عَلِمتَ وَلَيسَ يَخفى / بِضاحي شَمسِ يَومٍ إِضحِيانِ
سَلِ العُلماءَ يا ذا الجَهلِ عَنهُ / وَنارُ الحَربِ ساطِعَةُ الدُخانِ
غَداةَ كَفى العَشيرَةَ ما عَناها / بِعَزمَةِ ماجِدٍ كافٍ مُعانِ
وَقَد كَثُرَ التَعازي في أُناسٍ / حِذارَ المَوتِ مِن بَعدِ التَهاني
فَعَمَّت تِلكُمُ النَعماءُ مِنهُ / نِزاريَّ الأُبُوَّةِ وَاليَماني
وَيَومَ عَلا بِجَرعاءِ المُصَلّى / عَجاجٌ غابَ فيهِ المَسجِدانِ
أَلم يَلقَ الرَدى مِنهُ بِقَلبٍ / عَلى الأَهوالِ أَثبتَ مِن أَبانِ
عَشِيَّةَ عامِرٍ وَبَني عَلِيٍّ / كَدَفّاعِ السُيولِ مِن الرِّعانِ
وَعَمّي التارِكُ البَطَلَ المُفَدّى / كَمُشتَمِلٍ قَطيفَةَ أُرجُوانِ
وَجَدّي الحاسِرُ الحامي التَوالي / وَوَهّابُ السَوابِقِ وَالقِيانِ
إِذا ما سارَ تَحتَ السِترِ أَنسى / جَلالَة قَيصَرٍ وَالهُرمُزانِ
وَفي يَدِهِ سِوارُ المُلكِ يُزهى / بِمعصمِ ماجِدٍ سَبطِ البَنانِ
وَكَم لِيَ وَالِد لا عَبدُ شَمسٍ / يُدانِيهِ وَلا عَبدُ المَدَانِ
لَنا عَقدُ الرِياسَةِ في مَعَدٍّ / يُقِرُّ لَنا بِهِ قاصٍ وَدانِ
نَقُودُ الناسَ طَوعاً وَاِقتِسارَاً / بِرَأيٍ قَد أُدِيرَ بِلا اِعتِشانِ
وَأَبيضَ قَد خَضَبنا البيضَ مِنهُ / بِأَحمرَ مِن دَمِ الأَوداجِ قانِ
وَرَأسٍ قَد عَقَقَنا الرَأسَ مِنهُ / بِأَبيضَ كَالعَقِيقَةِ هُندُوانِ
وَباحَةِ عِزِّ جَبّارٍ أَبَحنا / بِعَشّاتِ القَنا لا بِالعُشانِ
تَعِيشُ الناسُ ما عِشنا بِخَيرٍ / وَتَحيا ما حَيِينا في أَمانِ
فَإِن نُفقَد فَلا أَمَلٌ لِراجٍ / يُؤمِّلُهُ وَلا عَونٌ لِعانِ
وَهَل يُغني غَناءَ الماءِ آلٌ / يُرَيِّعُهُ الهَجيرُ بِصَحصَحانِ
وَلا كَالسَيفِ لَو صَدِئَت وَفُلَّت / مَضارِبُهُ عَصاً مِن خَيزُرانِ
كَم بِالنُهوضِ إِلى العُلا تَعِداني
كَم بِالنُهوضِ إِلى العُلا تَعِداني / ناما فَما لَكُما بِذاكَ يَدانِ
ما أَنتُما مِن رَهطِ جَسّاسٍ إِذا / ذُكِرَ الفِعالُ وَلا عَشِيرَةِ هاني
لا تَطلُبا البَيعَ الرَبيحَ فَأَنتُما / مِمّن يَقُومُ بِصَفقَةِ الخُسرانِ
قِدماً شَرى المَهوِيُّ لا لِضَرُورَةٍ / عارَ الحَياةِ بِأَوكَسِ الأَثمانِ
فَخُذا عَلى مِنهاجِ شَيخِكُما فَما / بَينَ النَباهَةِ وَالخُمولِ تَدانِ
أَرِجالَ عَبدِ القَيسِ كَم أَدعُوكُمُ / في كُلِّ حِينٍ لِلعُلا وَأَوانِ
فَتراكُمُ مَوتى فَأَسكُتُ أَم تُرى / خُلِقَت رُؤوسُكُمُ بِلا آذانِ
هَلّا اِقتَدَيتُم بِالغَطارِفِ مِن بَني / جُشَمٍ أَو الساداتِ مِن شَيبانِ
كَم ذا تُسامُونَ الهَوانَ وَأَنتُمُ / خُضعُ الرِقابِ تَطامُنَ الخِصيانِ
تَعساً عَبيدَ الظالِمينَ وَلا لَعاً / لَكُم فَلَيسَ هِجانُكُم بِهِجانِ
أَصبَحتُمُ غَرَضاً تَناضَلهُ العِدى / بِمُذَرَّباتِ البَغيِ وَالعُدوانِ
مُتَهَدِّفينَ لِكُلِّ رامٍ بِالأَذى / يَرمِيكُمُ كَتَهَدُّفِ الحِيطانِ
ما مِنكُمُ شَخصٌ يَرُوعُ وَإِنَّهُ / لَيَرى سِهامَ المَوتِ رَأيَ عِيانِ
لِلّهِ دَرُّكُما لَقَد أَحرَزتُما / طَبعَ الجَمادِ وَصُورَةَ الحَيوانِ
ثَكِلَتكُما الأَعداءُ ثُكلاً عاجِلاً / يا غُصَّةَ الإِخوانِ وَالجِيرانِ
القَومُ تَأكُلكُم وَيَأكُلُ بَعضُكُم / بَعضاً كَأَنَّكُمُ مِنَ الحِيتانِ
مَن عَزَّ مِنكُم كانَ أَكبَرُ هَمِّهِ / شَقَّ العَصا وَتَذَكُّرَ الأَضغانِ
وَتَضافَرَ المُتضادِدُونَ وَكُلُّكُم / بادي القَطِيعَةِ ظاهِرُ الخِذلانِ
ما مِنكُمُ إِلّا مُرَدِّدُ زَفرَةٍ / وَمُطِيلُ عَضِّ أَنامِلٍ وَبَنانِ
حِرصاً عَلى جَضمِ الحَرامِ وَدَولَةٍ / تَذَرُ البُيوتَ تَضِجُّ بِالإِرنانِ
إِكرامُكُم لِمُهِينِكُم وَهَوانُكُم / لِمُعِزِّكُم في السِرِّ وَالإِعلانِ
لَم يَغضَبِ البَدَويُّ إِلّا قُلتُمُ / سُدُّوهُ كَي يَرضى بِمالِ فُلانِ
وَالسَدُّ أَخرَبَ مَأرِباً فَتَيَقَّنُوا / بَعدَ اِنفِتاحِ السَدِّ بِالطُوفانِ
تَتَظَلَّمُونَ مِنَ المُلوكِ وَأَنتُمُ / أَصلُ البَلا وَالشومِ مُنذُ زَمانِ
كَم لِلعَشيرَةِ مُذ تَوَلّى ماجِدٌ / مِن سابِقٍ بِعتُم وَمِن بُستانِ
وَاللّهِ ما نَحَسَ البِلادَ سِواكُمُ / لا بِالعِدى اِنتَحَسَت وَلا السُلطانِ
لَكِنَّ جازَ عَلى الطَغامِ بِجَهلِهم / ما تَحلِفُونَ لَهُم مِن الأَيمانِ
شَيَّدتُمُ عِزَّ العِدى وَتَركتُمُ / بُنيانَ عِزِّكُمُ بِلا أَركانِ
كَم تُنهِضُونَ مِنَ العِثارِ معاشِراً / أَبَداً تَكُبُّكُمُ عَلى الأَذقانِ
صَدَّقتُمُ في عِيصِكُم نَفعاً لَكُم / ما قالَهُ العُلماءُ مِن عَدنانِ
نَسَبُوكُمُ فَعَزَوا بُيُوتاً مِنكُمُ / مَشهُورَةً لِسَوادِ خُوزستانِ
نَقَلَت أَوائِلُهُم إِلى البَحرَينِ كَي / يَبنُوا مُشَقَّرَها أَنُو شَروانِ
قَد كُنتُ أُكذِبُ ذاكُمُ وَأَظُنُّهُ / مِن دَاعياتِ البُغضِ وَالشَنآنِ
وَاليَومَ صِرتُ أَشُكُّ فيهِ وَرُبَّما / كانَ الصَحيحَ ومَنزِلَ الفُرقانِ
لَم يُحكَ أَنَّ رَبيعَةً أَغَضت عَلى / ضَيمٍ وَلا رَضيَت بِدارِ هَوانِ
وَرَبيعَةٌ تَحمي الذِمارَ وَلا تَرى / أَكلَ النَزيلِ وَلا صَياعَ العاني
قَومٌ لَهُم يَومُ الكُلابِ وَيَومُ ذِي / قارٍ وَيَومُ أَحِزَّةِ السُلّانِ
قَتَلُوا لَبيداً في جَريرَةِ لَطمَةٍ / خَطأٍ وَكانَ الرَأسَ مِن غَسّانِ
وَدَعَتهُمُ مُضَرٌ فَصالُوا صَولَةً / نَزَعَت رِداءَ المُلكِ مِن صُهبانِ
ما كُنتُ أَحسبُ وَالحَوادِثُ جَمَّةٌ / أَنّا عَبِيدُ الحَيِّ مِن قَحطانِ
حَتّى عَلَتني مِن لَبِيدٍ لَطمَةٌ / خَطَأً لِحامي حَرِّها العَينانِ
إِن تَرضَ تَغلِبُ وَائِلٍ بِفعالِهِ / تَكُن الدَنِيَّةَ مِن بَني عِمرانِ
وَهُمُ عَلى حُكمِ الأَسِنَّةِ أَنزَلُوا / كِسرى وَوَفُّوا ذِمَّةَ النُعمانِ
بِفَوارِسٍ تَدعُو يَزيدَ وَهانِئاً / وَالشَيخَ حَنظَلَةً أَبا مَعدانِ
وَشَبيبُ في مائَتَينِ قامَ فَكادَ يَن / تَزِعُ الخِلافَةَ مِن بَني مَروانِ
وَدُعي أَميرَ المُؤمِنينَ وَسُلِّمَت / كُرهاً إِلَيهِ مَنابِرُ البُلدانِ
إِيِهٍ بَقايا عَبدِ قَيسٍ إِنَّهُ / لا خَيرَ في ماضٍ بِكَفِّ جَبانِ
لا تَسقُطَن مِن هامِكم وَأُنُوفِكُم / هِمَمُ الرِجالِ وَغَيرَةُ الفِتيانِ
وَاِستَيقظُوا فَالسَيلُ قَد بَلَغَ الرُبى / وَعَلَت غَوارِبُهُ عَلى القُريانِ
وَذَرُوا التَحاسُدَ وَالتَنافُسَ بَينَكُم / فَكِلاهُما نَزغٌ مِنَ الشَيطانِ
وَاِستَعمِلُوا الإِنصافَ وَاِعصُوا كاشِحاً / لِفَسادِكُم يَسعى بِكُلِّ لِسانِ
وَتَدارَكُوا إِصلاحَ ما أَفسَدتُمُ / ما دُمتُمُ مِنهُ عَلى الإِمكانِ
فَتَحَدَّثُوا في لَمِّ شَعثِكُمُ فَما الس / ساعي بِفُرقَةِ قَومِهِ بِمُعانِ
فَكَفى لَكُم بِقَديمَةٍ وَمُقَدَّمٍ / وَبِعَبدَلٍ وَالكِندِ مِن حرثانِ
وَبِجَعفَرٍ وَمُسَلِّمٍ وَمُطَرِّفٍ / وَيَزيدَ وَالأَخلافِ وَالبدوانِ
وَسَواقِطٍ أَضعافُهُم قَذَفَت بِهِم / نَجدٌ مِنَ الآكامِ وَالغِيطانِ
لا يَعرِفُونَ اللَّهَ جَلَّ وَلا لَهُم / عِلمٌ بِيَومِ البَعثِ وَالمِيزانِ
قَد بانَ عَجزُكُمُ وَكُلُّكُمُ يَدٌ / عَنهُم فَكَيفَ وَأَنتُمُ حَزبانِ
وَاِقصُوا رِجالاً كُلُّهُم في هُلكِكُم / وَبوارِكُم تَجري بِغَيرِ عِنانِ
وَاِحمُوا دِيارَكُمُ الَّتي عُرِفَت بِكُم / مِن حينِ مَقتَلِ عامِر الضَحيانِ
أَو لا فَإِنَّ الرَّأيَ أُن تَتَرَحَّلُوا / عَنها لِدارِ مَعَرَّةٍ وَهَوانِ
مِن قَبلِ داهِيَةٍ يَقُولُ لَها الفَتى / مِنكُم مَتى يَومي فَما أَشقاني
لا تَحسِبُوا شَرَّ العَدُوِّ تَكُفُّهُ / عَنكُم مُصانَعَةٌ وَحَملُ جِفانِ
وَاللَهِ لا كَفَّ الأَعادي عَنكُمُ / مِن دُونِ سَلبِ مَعاجِزِ النِّسوانِ
لَم يَبقَ مالٌ تَتَّقُونَ بِهِ العِدى / لِرَبيعَةٍ فِيها وَلا قَحطانِ
أَخَذُوا مِنَ الأَحسا الكَثيبَ إِلى مَحا / دِيثِ العُيونِ إِلى نقا حُلوانِ
وَالخَطَّ مِن صَفواءَ حاذُوها فَما / أَبقَوا بِها شِبراً إِلى الظَهرانِ
وَالبَحرَ فَاِستَولُوا عَلى ما فيهِ مِن / صَيدٍ إِلى دُرٍّ إِلى مُرجانِ
وَمَنازِلُ العُظَماءِ مِنكُم أَصبَحَت / دُوراً لَهُم تُكرى بِلا أَثمانِ
وَأَمَضُّ شَيءٍ لِلقُلوبِ قَطائِعٌ / بِالمَروَزانِ لَهُم وَكَرّزكانِ
وَاللَهِ لَو نَهرٌ جَرى بِدمائِكُم / وَشَرِبتُهُ غَيظاً لَما أَرواني
فَاِجلُوا فَما أَنتُم بِأَوَّلِ مَن جَلا / وَاِختارَ أَوطاناً عَلى أَوطانِ
فَالأَزدُ أَجلوا قَبلَكُم عَن مَأرِبٍ / وَهُمُ جِبالُ العِزِّ مِن كَهلانِ
فَبَقُوا مُلُوكاً بِالعِراقِ وَيَثرِبٍ / وَالشامِ وَاِنفَرَدُوا بِمُلكِ عُمانِ
إِنّي لَأَخشى أَن تُلاقُوا مِثلَما / لاقى بَنُو العَيّاشِ وَالعريانِ
كَرِهُوا الجَلاءَ عَنِ الدِيارِ فَأُهلِكُوا / بِالسَيفِ عَن عَرضٍ وَبِالنِّيرانِ
فَصِلُوا حِبالَكُمُ بِحَبلِ مُحمَّدٍ / نَجلِ المُعَظَّمِ عَبدَلِ بنِ سِنانِ
تَجِدُونَ مَيمُونَ النَقِيبَةِ ماجِداً / مُتَساوِيَ الإِسرارِ وَالإِعلانِ
حَمّالَ أَثقالٍ وَرَبَّ صَنائِعٍ / وَمَلاذَ مَكرُوبٍ وَعِصمَةَ جانِ
أَحنى وَأَرأَفَ بِالعَشيرَةِ مِن أَبٍ / بَرٍّ وَأَعطَفَ مِن رَضيعِ لِبانِ
حِلمُ اِبنُ قَيسٍ في سَماحَةِ عَمِّهِ / مَعنٍ وَيُمنُ اِسكَندَرِ اليُونانِ
أَحيا أَباهُ ذا النَدى وَبَنى عَلى / ما كانَ شَيَّدَهُ مِنَ البُنيانِ
وَاِرضُوا رِضاهُ فَإِنَّ ساخِطَ أَمرِهِ / مِنكُم لَأَخسَرُ مِن أَبي غُبشانِ
يا راكِباً نَحوَ الحَساءِ شِملَّةً / تُنمى لِمُوجَدَةِ القَرى مِذعانِ
أَبلِغ هُدِيتَ أبا عَلِيٍّ ذا العُلى / عَنّي السَلامَ وَقُل لَهُ بِبَيانِ
أَتراكَ تَرضى أَن يُحَدِّثَ جاهِلٌ / أَو عالِمٌ مِن نازِحٍ أَو دانِ
فَيَقُولُ كانَ خَراب دارِ رَبيعَةٍ / بَعدَ العَمارِ بَنُو أَبي جَروانِ
يَأبى لَكَ الطَبعُ الكَريمُ وَنَخوَةٌ / عَرَبِيّةٌ شَهِدَت بِها الثَقلانِ
اِعطِف عَلى أَحياءِ قَومِكَ وَاِحتَمِل / ذَنبَ المُسِيءِ وَكافِ بِالإِحسانِ
وَاِعمَل لِما يحيي العَشيرَةَ وَاِطّرِح / قَولَ الوُشاةِ فَكُلُّ شَيءٍ فانِ
وَاِعلَم بِأَنَّ النَسرَ يَسقُطُ رِيشُهُ / حِيناً فَيُقعِدُهُ عَنِ الطَيرانِ
وَالصَعوُ يُنهِضُهُ وُفُورُ جَناحِهِ / حَتّى يَحُوزَ مَواكِنَ الغِربانِ
وَالدَوحَةُ القَنواءُ أَشينُ ما تُرى / مَعضُودَةً وَتزينُ بِالأَغصانِ
وَاِحذَر أُصَيحابَ النَصائِحِ وَاِحتَرِس / مِنهُم فَكُلُّهُمُ أَخُو كيسانِ
لا تَحسَبَنَّ الكَلبَ يَوماً دافِعاً / بِالنَبحِ صَولَةَ ضَيغَمٍ غَضبانِ
فَثَعالِبُ الدَهنا لَوِ اِجتَمَعَت لَما / مَنَعَت طَلاً بِالجَوِّ مِن سِرحانِ
وَلَو اِنَّ أَلفي بُوهَةٍ صالَت عَلى / بازٍ لَما مَنَعَتهُ عَن وَرشانِ
وَاِستَبقِ مُرَّةَ لِلعَدُوِّ فَمُرَّةٌ / في الإِنتِسابِ وَمالِكٌ أَخَوانِ
وَاِرفَع خَسِيسَةَ مَن تَشكّى مِنهُمُ / غَبناً وَكُن لِأَسيرِهِم وَالعاني
فَالرُمحُ لَيسَ يَتِمُّ لَو قَوَّمتَهُ / إِلّا بِزُجٍّ كامِلٍ وَسِنانِ
فَلأَنتَ لَو أَنصَفَت عَينُ زَمانِنا / يابا عَلِيِّ وَعَينُ كُلِّ زَمانِ
وَدَعِ اِحتِجاجَكَ بِالأَميرِ فَإِنَّهُ / ما لا يَجُوزُ عَلى ذَوي الأَذهانِ
وَاِعلَم بِأَنَّ الرُشدَ لَو حاوَلتَهُ / في طاعتي وَالغَيَّ في عِصياني
وَالرَأيُ عِندي ما تَقُولُ وَما تَرى / لا ما رَأى قَلبي وَقالَ لِساني
تَرى حَيثُ أَعلامُ العُيونِ تَراها
تَرى حَيثُ أَعلامُ العُيونِ تَراها / فَخَلّوا لِأَعناقِ المَطِيِّ بُراها
وَلا تُعجِلُوها عَن إِناخَةِ ساعَةٍ / فَقَد شَفَّها تَهجِيرُها وَسُراها
وَيا حادِيَيها مِن زَوِيِّ بنِ مالِكٍ / ذَراها تَرِد ماءَ الوَقيبِ ذَراها
وَلا تَجذِباها بِالبُرى وَاِرخِيا لَها / فَجَذبُ البُرى وَالإِنجِذابُ بَراها
فَما خُلِقَت مِن طَبعِ حَيني خِفافُها / وَلا مِن ذُرى هُضبِ السَراةِ ذُراها
وَلا تُنكِرا إِرزامَها وَحَنِينَها / فَكُلُّ هَوىً تَحنُو عَلَيهِ وَراها
بِعَيني أَرى ماوَيكُما غافَةَ النَقا / نَقا العَينِ ذاتِ الرَملِ فَاِبتَدِراها
لَعَلَّ مَقِيلاً تَحتَها وَاِضطِجاعَةً / تَرُدُّ عَلى عَينِ المَشُوقِ كَراها
وَبِيتا وَظلّا بِالدِيارِ وَذَكِّرا / لَيالِيَنا بِالقَصرِ وَاِذَّكِراها
فَكَم لَيلَةٍ بِتنا بِها لَو يُباعُها / أَريبٌ بِشطرَي عُمرِهِ لَشَراها
يَلُومُ قَلُوصِي صاحِبايَ عَلى الوَنى / وَلَو عَرَفا ما فَوقَها عَذَراها
لَقَد حَمَلَت بَحراً وَبَدراً وَهَضبَةً / وَما كُلُّ ذا يَقوى عَلَيهِ قَراها
وَلا تَلحَياها إِنَّها خَيرُ عُدَّةٍ / لِنَفسٍ إِذا بَعضُ الهُمومِ عَراها
بِها يَتَلَهّى ذُو الشُجُونِ إِذا لَهَت / تِجارُ القُرى في بَيعِها وَشِراها
وَلا تَنظُراها وَاِنظُرَا طَودَ سُؤددٍ / عَلَيها وَبَعدَ العامِ فَاِنتَظِراها
سَتَأتي بِما يُشجي الحَسُودَ سَماعُهُ / وَيُنسي خصالاتِ الرِجالِ مِراها
فَإِن مَنَعَت سَعدانُ رَوضَ بِلادِها / وَقِيلَ اِكتَفى مِن عَذبِها بِصَراها
وَهَرَّت كِلابٌ دُونَها وَهَريرُها / أَثارَ عَلَيها بِالنِباحِ ضِراها
فَبِالبَصرَةِ الفَيحاءِ ماءٌ وَرَوضَةٌ / حَبيبٌ إِلَيها نَبتُها وَثَراها
وَلَيثٌ مِنَ العِيصِ بنِ إِسحاقَ عِيصُهُ / يَراها بِعَينِ الوُدِّ حينَ يَراها
يُسَرُّ بِمَلقى رَحلِها عِندَ بابِهِ / فَلَو شَرِبَت ذَوبَ اللُجَينِ قَراها
هُمامٌ تَرى في كُلِّ حَيٍّ لَهُ يَداً / بِبُؤسَى وَنُعمى بَيِّناً أَثَراها
جَوادٌ يَرى الدُنيا مَتاعاً وَبُلغَةً / فَأَهوَنُ شَيءٍ عِندَهُ حَجَراها
تُقِرُّ العِراقُ أَنَّهُ خَيرُ أَهلِها / وَبَحرُ عَطاياها وَلَيثُ شَراها
وَعِصمَةُ جانِيها وَمَأوى طَريدِها / وَمُطلِقُ أَسراها وَكَهفُ ذُراها
وَبَدرُ مَعاليها وَشَمسُ فَخارِها / وَمِصباحُ ناديها وَنَجمُ سُراها
وَمارِن عِرنينِ العُلا مِن مُلوكها / وَدُرَّةُ تاجِ العِزِّ مِن أُمَراها
إِذا خَدَمُ الأَموالِ باعَت حُظُوظَها / مِنَ الباقياتِ الصالِحاتِ شَراها
وَإِن هِبتَ مَسرى لَيلَةٍ في صَباحِها / طِعانٌ كَتغطاطِ المَزادِ سُراها
سَلوا عَن مَواضِيهِ مَنيعاً وَعَمَّهُ / فَقَد خَبَراها بَعدَما اِختَبَرَاها
أَلَم يُخلِ أَرضَ السَيبِ بِالسَيفِ مِنهُما / وَكانا بِغَيرِ الحَقِّ قَد عَمَراها
أَرادا يَكِيدانِ الخِلافَةَ ضلَّةً / فَيا لَكِ رُؤيا ضِدَّ ما عَبَراها
وَهَل ضَرَّ قَرنَ الشَمسِ عِندَ ذُرُورِها / عُواءُ كِلابٍ أَو نُباحُ جِراها
أَحَلَّهُما بِالسَيفِ في أَرضِ عامِرٍ / وَلَولا سِطامُ السَيفِ ما اِعتَمَراها
إِلى هَجَرٍ ساقا المَطايا بِهجرَةٍ / وَغَير اِختيارٍ مِنهُمُ اِهتَجَراها
وَأُقسِمُ لَولا حَملُهُ وَاِحتِقارُهُ / لِشَأنِهما جِدّاً لَما حَضَراها
وَمِن قَبلُ كَم أَولاهُما مِن صَنيعَةٍ / وَنُعمى تَفُوتُ الشُكرَ لَو شَكَراها
لَعَمري لَقَد نالَ المعادي إِذا اِعتَدَت / بِساعَةِ سُوءٍ أَخرَسَت شُعَراها
أَسالَ مَجاري سَيلِها مِن دِمائِها / وَأَوهى إِلى يَومِ المَعادِ عُراها
لَقَد جَرَّدَت مِنهُ الخِلافَةُ صارِماً / لَوَ اِنَّ الرَواسي أَرؤُسٌ لَفَراها
أَنام بَني الأَسفارِ أَمناً فَأَصبَحَت / سَواءً عَلَيها قَفرُها وَقُراها
تَسيرُ إِلى الأَهوازِ مِن أَرضِ بابِلٍ / وَلَيسَ سِوى أَسيافِهِ خُفَراها
تَبِيتُ عَلى ظَهرِ الطَريقِ عِيابُها / وَعَينُ اِبنِ غَبراءِ السُحُوقِ تَراها
وَيا طالما قَد نزّعَت مِن رِقابِها / مَدارِعُها شَدَّ الضُحى وَفِراها
لَعَمري لَقَد أَحيا لِأُمَّةِ أَحمَدٍ / مِنَ العَدلِ ما أَوصى بِهِ عُمَراها
فَلا عَدِمَتهُ ما أَنارَت نُجُومُها / وَما سارَ في أَبراجِها قَمَراها
وَلا بَرِحَت أَعداؤُهُ وَزَمانُها / بِعَينِ القِلى وَالإِمتِهانِ يَراها
تُخفي الصَبابَةَ وَالأَلحاظُ تُبدِيها
تُخفي الصَبابَةَ وَالأَلحاظُ تُبدِيها / وَتُظهِرُ الزُهدَ بَينَ الناسِ تَمويها
وَتَستُرُ الحُبَّ كَيما لا يُقالُ صَبا / شَيخاً فَتُعلِنُهُ الأَنفاسُ تَنويها
يا عاشِقاً تَلِفَت في العِشقِ مُهجتُهُ / كِتمانُكَ الحُبَّ في الأَحشاءِ يُؤذِيها
بُح بِالهَوى وَاِصحَب العُشّاقَ مُنهَتِكاً / وَلا تُطِع غَيرَ غاويها وَمُغوِيها
وَاِضرِب عَن التِيهِ صَفحاً وَاِلغِ صُحبَتَهُ / ما أَحمَقَ العاشِقَ المُستَصحِبَ التِيها
وَباكِر الراحَ فَاِشرَبها مُعتَّقَةً / صِرفاً تُحَدِّثُ عَن حِجرٍ وَبانيها
وَداوِ نَفسَكَ مِن داءِ الهُمومِ بِها / فَما سِوى مَوتَةٍ بِالكاسِ تُحييها
مِن كَفِّ خَرعبَةٍ حُوٍّ مَراشِفُها / بِيضٍ سَوالِفُها سُودٍ مَآقيها
أَو فاتِرِ الطَرفِ مَعسُولِ الرُضابِ لَهُ / دَلٌّ يُنَبِّهُ وَسني الباهِ تَنبِيها
فَإِن لَحَوكَ فَقُل كُلٌّ لَهُ شَجَنٌ / وَوِجهَةٌ هُوَ عَن قَصدٍ مُوَلِّيها
وَلا تَلَفَّت إِلى قَولٍ يَزيِدُ ضَنىً / لا تَحرِقُ النارُ إِلّا رِجلَ واطيها
لَيسَ الخَلِيُّ بِباكٍ لِلشَجِيِّ أَسىً / وَلا يَحِسُّ الحُمَيّا غَيرُ حاسيها
يا منزِلَ الحَيِّ بِالجَرعاءِ لا بَرِحَت / تَهمي بِكَ المُزنُ مُنهَلّاً عَزالِيها
كَم لِي بِمَغناكَ مِن يَومٍ نَعِمتُ بِهِ / وَلَيلَةٍ تَعدِلُ الدُنيا وَما فيها
وَاهاً لَها مِن لَيالٍ لَو تَعُودُ كَما / كانَت وَأَيُّ لَيالٍ عادَ ماضيها
لَم أَنسَها مُذ نَأَت عَنّي بِبَهجَتِها / وَأَينَ غُرٌّ مِنَ الأَيّامِ تُنسِيها
فاقَت جَميعَ اللَّيالي في البَهاءِ كَما / فاقَ البَرِيَّةَ تاجُ الدّينِ تَشبيها
الواهِبُ الخِطرَ عَفواً وَهوَ مُعتَذِرٌ / إِذا تعاظَمَ قَدرَ الشاةِ مُعطِيها
وَالرابِطُ الجَأشَ وَالأَبطالُ قَد جَعَلَت / قُلُوبُها تَشتَكي مِنها تَراقيها
وَالقائِلُ القَولَ لَم يَخطُر عَلى خَلَدٍ / في حينِ يَدعُو المَنايا الحُمرَ داعيها
لِسانُهُ الذَربُ أَقضى مِن أَسِنَّتِها / وَرَأيُهُ العَضبُ أَمضى مِن مَواضيها
ذَوُو السِيادَةِ أَكفاءٌ فَإِن نَظَرَت / إِلَيهِ زالَ بِمَرآهُ تَكافيها
إِذا المُلوكُ تَناجَت وَهيَ تَرمُقُهُ / فَإِنَّما في مَعاليهِ تَناجيها
لَو اِنّ لِلهِندُوَانياتِ عَزمَتَهُ / في الرَوعِ لَم تُطِقِ الأَغمادُ تَحويها
وَلَو يَكُونُ لِقَرنِ الشَمسِ غُرَّتُهُ / تاهَت فَلَم يَستَطِع شَيءٌ يُواريها
وَلَو تُقَسَّمُ في الآسادِ نَجدَتُهُ / لَم يُضحِ مَسكَنُها إِلّا ضَواحيها
وَالبَحرُ لَو حازَ جُزءاً مِن شَمائِلِهِ / لَصارَ أَعذَبَ ماءً مِن سَواريها
مُفتي الفَريقَينِ في كُلِّ العُلومِ فَما / تَلقاهُ مُذ كانَ إِلّا صَدرَ ناديها
ما سُيِّرَت حِكمَةٌ في الناسِ مُنذُ نَشا / تَجلُو صَدى القَلبِ إِلّا وَهوَ مُنشيها
وَما أُمِيتَت عَلى الأَيّامِ مَكرُمَةٌ / مِنَ المَكارِمِ إِلّا وَهوَ مُحيِيها
لَو أَدرَكَ الفُصحَاء العُرب أَفحَمَها / وَقَصَّرَت عَن مَعانيهِ مَعانيها
وَلَو جَرى عِندَ أَهلِ السَبقِ في طَلقٍ / مِنَ البَلاغَةِ أَجلى عَن مُجَلِّيها
مُقابَلٌ في بُيوتِ المَجدِ لَيسَ يُرى / إِلّا مُعِيدُ عِناياتٍ وَمُبدِيها
أَحيا المُرُوءَةَ في بَدوٍ وَفي حَضَرٍ / مِن بَعدِ ما قامِ في الآفاقِ ناعيها
وَرَدَّ رُوحَ الأَماني بَعدما عَرَضَت / وَوُجِّهَت لِاِنتِظارِ المَوتِ تَوجِيها
سَهلُ الخَلائِقِ مَأمُونُ البَوائِقِ مَن / ناعُ الحقائِقِ هادي الخَيلِ مُهدِيها
سَبطُ الأَنامِلِ مِنعاشُ الأَرامِلِ مِن / حارُ الذَوامِلِ راضي البِيضِ مُرضيها
ضافي الحَمائِلِ نَضريُّ الشَمائِلِ فِه / رِيُّ الفَضائِلِ واري الزَندِ مُورِيها
عَفُّ السَرائِرِ صَوّانُ الحَرائِرِ حَم / مالُ الجَرائِرِ راعي القَومِ مُرعِيها
آباؤُهُ مِن قُرَيشٍ خَيرُها حَسَباً / وَعِزُّ حاضِرِها فِيهم وَباديها
الضارِبُونَ الطُلى وَالهامَ ضاحِيَةً / في الحَربِ حينَ يَهُزُّ الحَربَ جانيها
وَالطاعِنُو الخَيلِ شَزراً كُلَّ نافِذَةٍ / نَجلاءَ تَبرُقُ مِنها عَينُ آسيها
وَالمُوقِدُونَ إِذا نارُ القِرى خَمَدَت / وَعامَ بَينَ اللِقاحِ الخُورِ راعيها
قَومٌ لَهُم ذِروَةُ العَلياءِ يَعرِفُها / دانِي مَعَدٍّ إِذا عُدَّت وَقاصيها
عافُوا الظَواهِرَ مِن أُمِّ القُرى وَبَنَوا / أَبياتَهُم عِزَّةً في سِرِّ وَاديها
وَأَصبَحَت كَعبةُ اللَهِ الحَرامُ وَقَد / أَضحَت وَمِنهُم بِرَغمِ الخَصمِ وَاليها
سادُوا قُرَيشاً عُلاً في جاهِلِيَّتِها / وَمَن يُسامي قُرَيشاً أَو يُبارِيها
وَكُلُّ عَلياءَ في الإِسلامِ فَهيَ بِهِم / تُبنى وَقُطبُ الرَحى مِنهُم وَهادِيها
يا مَن يُسامي إِلى مَجدٍ بَني حَسَنٍ / عَدِمتَ رُشدَكَ هَل خَلقٌ يُسامِيها
قَبيلَةٌ مِن رَسُولِ اللَهِ عُنصُرُها / وَمِن عَليٍّ فَتى الدُنيا وَمُفتِيها
إِنَّ القُرُومَ السَوامي مِن بَني حَسَنٍ / يُحصى التُرابُ وَلا تُحصى أَيادِيها
كَم قَد كَفَوا هاشِماً في يَومِ مُعضِلَةٍ / وَأَورَدُوا السَيفَ وَلغاً في أَعاديها
وَإِنَّ في مَجدِ تاجِ الدِينِ مُفتَخَراً / لَها مِن السَلَفِ الماضينَ يَكفيها
مَن يَدعُ يَوماً أَبا زَيدٍ لِحاجَتِهِ / فَقَد دَعا دَعوَةً ما خابَ داعيها
هُوَ الَّذي خَضَعَت شُوسُ الرِجالِ لَهُ / ذُلّاً كَما تَخضَعُ الجربا لِطالِيها
مُذ قُلِّدَ الأَمرَ قالَ الناسُ كُلُّهُمُ / حَتّى المُعانِدُ أُعطي القَوس باريها
أَولى رَعِيَّتَهُ ما كانَ وَالِدُهُ / مِن الكَرامَةِ وَالإِجلالِ مُولِيها
أَعطى المُؤَمِّلَ مِنها ما يُؤمِّلُهُ / مِن نَيلِهِ وَتخَطّى ذَنبَ جانِيها
إِلَيكَ يا اِبنَ رَسُولِ اللَهِ شارِدَةً / بِكراً يَطُولُ رُواةَ الشِعرِ راويها
مِن ماجِدٍ لا يَرى فَخراً بِقافِيَةٍ / إِذ كانَ فَخرُ رِجالٍ مِن قَوافيها
وَلَو سِواكَ دَعاني لَم أُلَبِّ لَهُ / صَوتاً وَلا قامَ في ناديهِ شادِيها
لَكِنَّنا لَم نَزَل طَوعاً لِأَمرِكُمُ / هَوىً وَحُرمَةَ أَسبابٍ نُراعيها
وَنِعمَةً لَكَ عِندي لا يُقاوِمُها / شُكري وَمِن أَينَ لي شُكرٌ يُؤَدِّيها
جُزتَ المَدى وَتَحاماكَ الرَدى وَحَدا / بِذِكرِكَ العِيسَ في الآفاقِ حاديها
وَماتَ غَيظاً عَلى الأَيّامِ ذُو حَسَدٍ / ناواكَ بَعدَ بَلِيّاتٍ يُعانِيها
أَبَت نُوَبُ الأَيّامِ إِلّا تَمادِيا
أَبَت نُوَبُ الأَيّامِ إِلّا تَمادِيا / فَوَا شِقوَتا ما لِلّيالي وَما لِيا
إِذا قُلتُ يَوماً حانَ مِنها تَعَطُّفٌ / رَأَيتُ رزاياها تَسامى كَما هِيا
فَلَيتَ أَخِلّائِي الَّذينَ اِدَّخَرتُهُم / جَلاءً لِهَمّي لا عَليَّ وَلا لِيا
وَأَعجَبُ ما يَأتي بِهِ الدَهرُ أَنَّني / أَرى القَومَ تَرميني بِأَيدي رِجاليا
عَلى أَنَّني النَدبُ الَّذي يُكتَفى بِهِ / وَبَيتُ عُلاها بَيتُ عَمّي وَخاليا
أَلا لَيتَ شِعري مَن يَقُومُ لِمَجدِها / مَقامي وَيَرعى ما لَها كُنتُ راعيا
لَعَمري لَقَد أَرذَت جَواداً وَضَعضَعَت / عِماداً إِذا ما الهَولُ أَلقى المَراسيا
أَما جَرَّبَتني في الأُمُورِ فَصادَفَت / هُماماً لِأَحداثِ المُهِمّاتِ كافيا
حَمُولاً لِأَثقالِ العَشِيرَةِ رائِحاً / مَدى الدَهرِ في ما قَد عَناها وَغاديا
أَقُولُ وَقَد طالَ اِهتِمامي لِفِتيَةٍ / تَسامى إِلى غُرِّ المَعالي تَساميا
إِلى مَ بَني الأَعمامِ نُسقى نِطافَها / أُجاجاً وَيُسقى الغَيرُ عَذباً وَصافيا
فَوَاللَهِ ما أَدري وَإِنّي لَصادِقٌ / عَمىً ما أَرى مِن قَومِنا أَم تَعاميا
هَرَاقُوا ذَوِي السُمِّ الزُعافِ وَأَولَجوا / بِأَيدِيهِمُ تَحتَ الثِيابِ الأَفاعيا
لَقَد قَدَّمُوا هَيَّ بنَ بَيٍّ وَأَخَّرُوا / بَني المَجدِ مِن أَيّامِ عادٍ وَعاديا
لَقَد ضَلَّ مَن يَبغي مِنَ العُميِ هادِياً / وَقَد ذَلَّ مَن يَرجُو مِنَ المَعزِ راعيا
وَمَن يَتَّخِذ سَيفاً يَكُونُ غِرارُهُ / رَصاصاً يَجِد سَيفَ العَراجينِ ماضيا
وَمَن يَجعَلِ السِنَّورَ كَلباً لِصَيدِهِ / يَرى عاوياتِ اللَيلِ أُسداً عَواديا
خَلِيلَيَّ نالَ الضَيمُ مِنّي وَلا أَرى / لَهُ كاشِفاً إِلّا العِتاقَ النَواجيا
تَلَوَّمتُ قَومي كَي يُرِيعُوا فَلم أَجِد / عَلى الدَهرِ مِن قَومي هُماماً مُواتيا
وَطالَت مُداراتي اللِّئامَ وَإِنَّما / سِفاهٌ لِمثلي أَن يَكُونَ المدارِيا
وَكَيفَ وَعِندي عَزمةٌ عَبدَلِيَّةٌ / أَفُلُّ بِأَدناها الحُسامَ اليَمانيا
وَفِيَّ عَلى حَزِّ المدى خُنزُوَانَةٌ / وَلَو أَفنَتِ الأَحداثُ حالِي وَماليا
فَلا تَحسبِ اللُكعُ الضَغابيسُ أَنَّني / خَضَعتُ وَلا أَنّي أَطعتُ المُناويا
فَإِن تَكُ قَومي الغُرُّ تاهَت حُلُومُها / بِها وَأَطاعَت في الصَديقِ الأَعاديا
وَأَدنَت ذَوي الأَغراضِ فيها وَباعَدَت / لِأَمرٍ ذَوي أَرحامِها وَالمَواليا
وَأَعطَت زِمامَ الأَمرِ كُلَّ مُدفَّعٍ / مِنَ العُثرِ لا تَرضى بِهِ الزِنجُ وَاليا
وَمَلَّ قِلاها مَن لها كانَ آمِلاً / وَرَجّى أَذاها مَن لَها كانَ راجيا
فَلِي سَعَةٌ عَن دارِها حَيثُ لا أَرى / بَناتِ الكُدادي يَحتقرنَ المَذاكيا
فَلَستُ اِبنَ أُمِّ المَجدِ إِن لَم أَقُم بِها / مَقاومَ تُبدي لِلرَدايا مَكانيا
سَأَركَبها إِمّا لِعِزٍّ وَراحَةٍ / أُفِيدُهُما أَو يَختَلبني حِماميا
يُخَوِّفُني ذُو النُصحِ عَجزاً وَذِلَّةً / رُكُوبَ الفَيافي وَالبِحارَ الطَواميا
فَقُلتُ أَلَيسَ المَوتُ إِن لَم أُلاقِهِ / أَمامي أَتَتني خَيلُهُ مِن وَرائِيا
وَما عُذرُ أَهلِ العَجزِ وَالكُلُّ تابِعٌ / جَدِيساً وَطَسماً وَالقُرونَ الخَواليا
وَهَل مُنكِرٌ لِلضَيمِ ماتَ وَلَم يَمُت / رُوَيبِضَةٌ ما زالَ بِالدارِ ثاويا
وَمَن لَم يُفارِق مَنزِلَ الضَيمِ لَم يَزَل / يَرُوحُ وَيَغدُو مُوجَعَ القَلبِ باكيا
وَمَن يَثوِ في دارِ الهَوانِ يَعِش بِها / أَخا مَضَضٍ لا يَبرَحُ الدَهرَ شاكيا
وَمَن لَم يُوفِّ النِصفَ في دارِ قَومِهِ / وَيُولي الأَذى فَالرَأيُ أَن لا تَلاقيا
وَمَن يَبغِ عِزّاً بِالبَلايا وَدَولَةً / يَكُن مِثلَ مَن أَمسى عَلى الماءِ بانيا
عَدِمتُ يَمِيني إِن أَقَمتُ عَلى القِلى / نَعَم وَيليها عَن قَريبٍ شِماليا
وَفُضَّ فَمي إِن لَم أُسَيِّر غَرائِباً / تُمَزِّقُ أَحساباً وَتُبدي مَساويا
يَشُقُّ عَلى القَومِ اللِئامِ سَماعُها / وَيَظهَرُ مِنها بَعضُ ما كانَ خافيا
فَإِن عَقَلَت قَومي لِساني بِأَرضِها / فَلَيسَ بِمَعقُولٍ إِذا كُنتُ نائِيا
سَأرسِلُ مِنها بِالدَواهي شَوارِداً / تُنَبِّهُ ذا عَقلٍ وَتُفهِمُ واعيا
وَلَو أَنَّ قَومي أَنصَفُوني لَأَطلَقُوا / يَدي وَلِساني فيهِمُ وَالقَوافيا
فَلَولاهُمُ وَاللَهِ حِلفَةَ صادِقٍ / لَما كُنتُ مَقلِيّاً لَدَيهِم وَقاليا
وَلَكِنَّما الأَوباشُ تَعلَمُ أَنَّني / أَغارُ إِذا تَعلُو التُحُوتُ الأَعاليا
وَإِنّي عَلى أَهلِ العُلا ذُو حَمِيَّةٍ / أُجَرِّدُ سَيفي دُونَهُم وَلِسانِيا
وَآنَفُ مِن دَعوى الدَناني ضَلالَةً / بِناءَ المَعالي يا شَقاها مَعاليا
فَما كَرِهَت لَمّا اِستَقامَت أُمُورُها / لِشِقوَةِ أَهلِ المَجدِ إِبعادَ دارِيا
لَقَد وَهِمَت إِنّي عَلَيها لَغُصَّةٌ / أَكُنتُ عِراقِيَّ الهَوى أَم شَآمِيا
فَإِن ضَيَّعَت حَقّي لُكَيزٌ وَأَنكَرَت / بَنُو عامِرٍ سَعيي لَها وَاِجتِهادِيا
فَقَد ضَيَّعَت قَبلي رِبابٌ بَنِيَّها / وَما كُنتُ أَدري لِاِبنِ أَفصى مُساويا
وَما هِيَ إِلّا عادَةٌ جاهِلِيَّةٌ / يُوَرِّثُها كَهلٌ مِنَ القَومِ ناشِيا
فَهَلّا اِقتَدوا بِالحَيِّ بَكرِ بنِ وائِلٍ / فَكانَت تُفادي القَومَ مِنهُم تَفاديا
فَهُم ثَأَرُوا نابَ البَسُوسِ وَجَدَّلُوا / كُلَيباً وَلَمّا يَسلَمِ المَرءُ هانيا
أَلا يا لَقَومي مِن عَلِيِّ بنِ عَبدَلٍ / أَلَم يَأنِ أَن تعصُوا النَصيحَ المُداجيا
أَما حانَ مِنكُم يَقظَةٌ وَاِنتِباهَةٌ / فَتُرضِي أَخا سُخطٍ وَتُسخِطُ راضيا
يُقامُ بِها كُلُّ اِمرِئٍ في مَقامِهِ / وَفي السَهوِ شَرعاً قَد أَجازُوا التَلافيا
فَإِن أَنتُمُ لَم تَقبَلُوها نَصِيحَةً / فَلَستُ لَكُم فيما تُحِبُّونَ لاحيا
فَكَم ناصِحٍ قَد عُدَّ في الناسِ خائِناً / وَكَم غادِرٍ قَد عُدَّ في الناسِ وافيا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025