المجموع : 99
أَبَت لَكَ العِزَّةُ القَعساءُ وَالكَرَمُ
أَبَت لَكَ العِزَّةُ القَعساءُ وَالكَرَمُ / أَن تَقبَلَ الضَيمَ أَو تَرضى بِما يَصِمُ
وَطالَبَتكَ العُلى إِنجازَ ما وَعَدَت / فِيكَ المَخائِلُ طِفلاً قَبلَ تَحتَلِمُ
وَأَقبَلَت نَحوَكَ الأَيّامُ مُذعِنَةً / طَوعاً لِأَمرِكَ وَاِنقادَت لَكَ الأُمَمُ
فَاِنهَض وَسِر وَاِفتَحِ الدنيا فَقَد ضَمِنَت / لَكَ المَهابَةُ ما تَهوى وَتَحتَكِمُ
فَالبِيضُ ماضِيَةٌ وَالسُمرُ قاضِيَةٌ / وَالخَيلُ خاضِبَةٌ أَطرافها زَلَمُ
خَيلٌ مَتى صَبَّحتَ حَيّاً بِيَومِ وَغىً / فَما لِمُستَعصِمٍ مِن بَأسِها عِصَمُ
قَد عُوِّدَت كُلَّ يَومٍ خَوضَ مَعرَكَةٍ / ضيوفُ أَبطالِها العِقبانُ وَالرَخَمُ
وَوَسَّمَتها العَوالي في مَناخِرِها / طَعناً كَما وَسَّمَت آنافَها الحَكَمُ
يَحمي فَوارِسَها يَومَ الوَغى مَلِكٌ / حامي الذِمارِ لَهُ في الغايَةِ القدَمُ
رَحبُ الذِراعِ إِذا ما هَمَّ أَنجَدَهُ / عَزمٌ بِهِ جَوهَرُ العَلياءِ مَنتَظِمُ
كَأَنَّهُ مِن تَمامِ الخَلقِ جاءَ بِهِ / عادٌ أَبُو السَلَفِ الماضِينَ أَو إِرَمُ
عَفُّ السَريرَةِ حَمّالُ الجَريرَةِ وَل / لاجُ الظَهيرَةِ وَالمَعزاءُ تَضطَرِمُ
أَرسى قَواعِدَ مُلكٍ كانَ أَسَّسَها / قِدماً أَبُوهُ وَبَحرُ المَوتِ يَلتَطِمُ
مِن قَبلِ أَن قِيلَ رَثَّ المَجدُ وَاِنفَصَمَت / عُرى المَعالي وَماتَ العَهدُ وَالذِّمَمُ
وَقالَ قَومٌ تَوَلّى المُلكَ مُنصَرِفاً / عَن آلِ فَضلٍ لَقَد ضَلّوا وَقَد وَهِمُوا
وما دَرَوا أَنَّ فَضلَ الجُودِ يُكذِبُهُم / عَمّا قَليلٍ بِما في زَعمِهِم زَعَمُوا
وَيَجلِبُ الخَيلَ كَالعِقبانِ يَقدُمُها / عَلَيهِمُ القُورُ وَالغِيطانُ وَالأَكَمُ
سَواهِماً لَم تَزَل تَدمى شَكائِمُها / مِمّا تَصَلصَلُ في أَشدَاقِها اللُجُمُ
يا آلَ فَضلٍ أَماتَ اللَهُ حاسِدَكُم / غَيظاً ثِبُوا في ذُرى العَلياءِ وَاِعتَزِمُوا
فَفيكُمُ البَيتُ مِن عَدنانَ تَعرِفُهُ / إِذا اِلتَقت لِلفخارِ العربُ والعَجَمُ
بَيتٌ سَما فَرعُهُ فَوقَ السَما وَرَسى / في التُربِ حَتّى اِنتَأَت عَن أَصلِهِ التُخُمُ
بَناهُ صادِقُ بَأسٍ في الوَغى وَنَدىً / غَمرٌ فَلَيسَ عَلى الأَيّامِ يَنهَدِمُ
عِمادُهُ الفَضلُ وَاِبناهُ وَمَركَزُهُ / مُحمَّدٌ خَيرُ مَن نِيطَت بِهِ الأُدُمُ
جَرّارُ كُلِّ كَثيفِ النَقعِ ذِي لَجَبٍ / كَأَنَّما السُمرُ في حافاتِهِ أَجَمُ
تَساقَطَ الطَيرُ رَزحى في جَوانِبِهِ / وَالوَحشُ تَخطِفُها الأَيدي فَلا تَرِمُ
خابَت ظُنون رِجالٍ بايَعُوا وَسَعوا / في قَتلِهِ وَهَفَت أَحلامُهُم وَعَمُوا
بِئسَ الأَمانِيُّ مَنَّتهُم نُفُوسُهُمُ / جَهلاً وَيا قُربَ ما فاجاهُمُ النَدَمُ
مُنُوا بِأَروع تَتلُوهُ خَضارِمَةٌ / أَماجِدٌ مارَسُوا الهَيجا وَما اِحتَلَمُوا
مُستَرعِفٍ بِلِواءِ النَصرِ يَحمِلُهُ / نَهدُ المَراكِلِ مَمسُودُ القَرى زَهِمُ
مِمّا حَباهُ أَميرُ المُؤمِنينَ بِهِ / لما أَتَتهُ بِهِ الوَخّادَةُ الرَسَمُ
مُستَعصِماً وَاثِقاً بِالنَصرِ مِنهُ وَهَل / يَخيبُ مَن بِالإِمامِ البَرِّ يَعتَصِمُ
أَجابَهُ حينَ ناداهُ وَقَرَّبَهُ / أَشَمُّ في راحَتَيهِ لِلنَدى دِيَمُ
أَغَرُّ أَبلَجُ مِن آلِ النَبِيِّ بِهِ / يُستَدفَعُ البُؤسُ وَالضَرّاءُ وَالنِّقَمُ
فَلَو يَشاءُ لَزَجّاها مُلَملَمَةً / لا مَعقلٌ عاصِمٌ مِنها وَلا أُطُمُ
تَحوي مِنَ التُركِ وَالأَعرابِ كُلَّ فَتىً / كَأَنَّهُ أَجدَلٌ مُستَلحِمٌ قَطِمُ
لَكِنَّهُ اِختارَ إِبقاءً وَعارِفَةً / وَهَكَذا تَفعَلُ الأَخلاقُ وَالشِيَمُ
فَنالَ ما كانَ يَرجُوهُ وَأَيَّدَهُ / بِالنَصرِ عَدلٌ قَضاهُ لَيسَ يُتَّهَمُ
فَاِسلم وَعِش لِلعُلا ما ناحَ ذُو شَجَنٍ / وَما تَعاقَبَتِ الأَنوارُ وَالظُلَمُ
وَليَهنك المُلكُ يا تاجَ المُلوكِ وَلا / زالَت تُباكِرُك السَرّاءُ وَالنِعَمُ
فَأَنتَ حِصنٌ لَنا عالٍ نَلُوذُ بِهِ / إِن عَضَّنا الدَهرُ أَو زَلَّت بِنا القَدَمُ
وَهَذِهِ دَولَةٌ لَولا الرَجاءُ لَها / لَما اِنجَلَت كُربَةٌ عَنّا وَلا غُمَمُ
عِشنا بآمالِها دَهراً وَبَلَّغَنا / إِدراكَها وَاحِدٌ فَردٌ لَهُ القِدَمُ
فَالحَمدُ وَالشُكرُ مِنّا وَاجِبانِ لَهُ / لا يَنفَدانِ جَميعاً ما جَرى القَلَمُ
قُمُ فَاِشدُدِ العِيسَ لِلتِرحالِ مُعتَزِماً
قُمُ فَاِشدُدِ العِيسَ لِلتِرحالِ مُعتَزِماً / وَاِرمِ الفِجاجَ بِها فَالخَطبُ قَد فَقِما
وَلا تَلَفَّت إِلى أَهلٍ وَلا وَطَنٍ / فَالحرُّ يَرحَلُ عَن دارِ الأَذى كَرَما
كَم رِحلَةٍ وَهَبَت عِزّاً تَدينُ لَهُ / شُوسُ الرِجالِ وَكَم قَد أَورَثَت نِعَما
وَكَم إِقامَةِ مَغرُورٍ لَهُ جَلَبَت / حَتفاً وَساقَت إِلى ساحاتِهِ النِقَما
وَاِسمَع وَلا تُلغِ ما أَنشَأتُ مِن حِكَمٍ / فَذُو الحِجا لَم يَزَل يَستَنبِطُ الحِكَما
لَم يَبكِ مَن رَمِدَت عَيناهُ أَو سُبِلَت / جفناهُ إِلّا لِخَوفٍ مِن حُدوثِ عَمى
إِنَّ المَنِيَّةَ فَاِعلَم عِندَ ذِي حَسَبٍ / وَلا الدَنِيَّةَ هانَ الأَمرُ أَو عَظُما
مَن سالَمَ الناسَ لَم تَسلَم مَقاتِلُهُ / مِنهُم وَمَن عاثَ فيهِم بِالأَذى سَلِما
لا يَقبَلُ الضَيمَ إلّا عاجِزٌ ضَرِعٌ / إِذا رَأى الشَرَّ تَغلي قِدرُهُ وَجَما
وَذُو النَباهَةِ لا يَرضى بِمَنقَصَةٍ / لَو لَم يَجِد غَيرَ أَطرافِ القَنا عِصَما
وَذُو الدَناءَةِ لَو مَزَّقتَ جِلدَتَهُ / بِشَفرَةِ الضَيمِ لَم يَحسِس لَها أَلَما
وَمَن رَأَى الضَيمَ عاراً لَم تَمُرَّ بِهِ / شَرارَةٌ مِنهُ إلّا خالَها أُطُما
وَكُلُّ مَجدٍ إِذا لَم يُبن مَحتِدُهُ / بِاليَأسِ نَقَّرَهُ الأَعداءُ فَاِنهَدَما
لا يَضبطُ الأَمرَ مَن في عُودِهِ خَوَرٌ / لَيسَ البُغاثُ يُساوي أَجدَلاً قَطِما
وَلِلبُيوتِ سِطاعاتٌ تَقُومُ بِها / لا خِروَعاً جُعِلَت يَوماً وَلا عَنَما
ما كُلُّ ساعٍ إِلى العَلياءِ يُدرِكُها / مَن حَكّمَ السَيفَ في أَعدائِهِ حَكَما
مَن أَرعَفَ السَيفَ مِن هامِ العِدى غَضَباً / لِلمَجدِ حُقَّ لَهُ أَن يُرعِفَ القَلَما
لا تَطلُبِ الرَأيَ إِلّا مِن أَخي ثِقَةٍ / لا يُصدِرُ القَومَ مَن لا يُورِدُ العَلَما
وَلا يُعَدُّ كَريماً مَن مَواهِبُهُ / تُمسي وَتُصبِحُ في أَعدائِهِ دِيما
وَالبُخلُ خَيرٌ مِنَ الإِحسانِ في نَفَرٍ / أَبَرُّهُم بِكَ مَن أَغرى وَمَن شَتَما
وَواضِعُ الجُودِ في أَعداءِ نِعمَتِهِ / كَمُودِعِ الذِئبِ في بَرِّيَّةٍ غَنَما
مَنِ اِستَخَفَّ بِأَربابِ العُلى سَفَهاً / وَسامَها الخَسفَ أَدمى كَفَّهُ نَدَما
أَلا فَسَل عَن كُلَيبٍ كَيفَ جَدَّلَهُ / جَسّاسُ هَل كانَ إِلّا أَن حَمى فَرَمى
وَلا يعزُّ الفَتى إِلّا بِأُسرَتِهِ / لَو كانَ في البَأسِ عَمراً وَالنَدى هَرِما
لا تَرضَ بِالهُونِ في خِلٍّ تُعاشِرُهُ / فَلَن تَرى غَيرَ جارِ الذُلِّ مُهتَضَما
وَأَخسَرُ الناسِ سَعياً رَبُّ مَملَكَةٍ / أَطاعَ في أَمرِهِ النِسوانَ وَالخَدَما
وَقائِلٍ قالَ لي إِذ راقَهُ أَدَبي / وَالمَرءُ قَد رُبَّما أَخطَا وَما عَلِما
وَذاكَ بَعدَ سُؤالٍ مِنهُ عَن خَبَري / وَالصِدقُ مِن شيمتي لَو أَورَثَ البَكَما
هَلّا اِمتَدَحتَ رِجالاً بِالعِراقِ لَهُم / مالٌ رُكامٌ وَجُودٌ يَطرُدُ العَدَما
فَجاشَتِ النَفسُ غَبناً بَعدَ أَن شَرِقَت / عَينايَ بِالدَمعِ حَتّى فاضَ وَاِنسَجَما
فَقُلتُ كَلّا وَهَل مِثلي يَليقُ بِهِ / مَدحُ الرِجالِ فَكَم جُرحٍ قَدِ اِلتَأَما
إِنّي عَلى حادِثاتِ الدَهرِ ذُو جَلَدٍ / تَجلُو الحَوادِثُ مِنّي صارِماً خَذِما
وَلَستُ أَوَّلَ ذِي مَجدٍ لَهُ ظَلَمَت / صُرُوفُ أَيّامِهِ العَوصاءُ فَاِنظَلَما
يَأبي لِيَ الشَرَفُ العاليُّ مَنصِبهُ / أَن أَورِدَ النَفسَ حِرصاً مَورِداً وَخِما
أَنا اِبنُ أَركانِ بَيتِ المَجدِ لا كَذِباً / وَالنازِلينَ ذُرى العَلياءِ وَالقِمَما
قَومي هُمُ القَومُ في بَأسٍ وَفي كَرَمٍ / إِنِ اِدَّعى غَيرُهُم ما فيهِمُ وَهِما
في الجاهِلِيَّةِ سُدنا كُلَّ ذي شَرَفٍ / بِالمَأثُراتِ وَسُدنا العُربَ وَالعَجَما
وَصارَ كُلُّ مَعَدّيٍّ لَنا تَبَعاً / يَرعى بِأَسيافِنا الوَسمِيَّ حِيثُ هَمى
حُطنا نِزاراً وَذُدنا عَن مَحارِمِها / وَلَم نَدَع لِمُناوي عزِّها حَرَما
حَتّى أَتى اللَهُ بِالإِسلامِ وَاِفتَتَحَت / كُلَّ البِلادِ وَأَضحَت لِلأَنامِ سَما
وَفَضلُ آخِرنا عَن فَضلِ أَوَّلِنا / يُغني ولَكِنَّ بَحراً هاجَ فاِلتَطَما
شِدنا مِن المَجدِ بَيتاً لا تُقاسُ بِهِ / ذاتُ العِمادِ وَلَكِن لَم نَكُن إِرَما
سَلِ القَرامِطَ مَن شَظّى جَماجِمَهُم / فَلقاً وَغادَرَهُم بَعدَ العُلا خَدَما
مِن بَعدِ أَن جَلَّ بِالبَحرَينِ شَأنُهُمُ / وَأَرجَفُوا الشامَ بِالغاراتِ وَالحَرَما
وَلَم تَزَل خَيلُهُم تَغشى سَنابِكُها / أَرضَ العِراقِ وَتَغشى تارَةً أَدَما
وَحَرَّقُوا عَبدَ قَيسٍ في مَنازِلها / وَصَيَّروا الغُرَّ مِن ساداتِها حُمَما
وَأَبطَلوا الصَلواتِ الخَمس وَاِنتَهَكُوا / شَهرَ الصِيامِ وَنَصُّوا مِنهُمُ صَنَما
وَما بَنَوا مَسجِداً لِلّهِ نَعرِفُهُ / بَل كُلُّ ما أَدرَكُوهُ قائِماً هُدِما
حَتّى حَمَينا عَلى الإِسلامِ وَاِنتَدَبَت / مِنّا فَوارِسُ تَجلُو الكربَ وَالظُلما
وَطالَبَتنا بَنُو الأَعمامِ عادَتَنا / فَلَم تَجِد بَكَماً فينا وَلا صَمَما
وَقَلَّدُوا الأَمرَ مِنّا ماجِداً نَجداً / يَشفي وَيَكفي إِذا ما حادِثٌ دَهَما
ماضي العَزيمَةِ مَيمُونٌ نَقيبَتُهُ / أَعلا نِزارٍ إِلى غاياتِها هِمَما
فَصارَ يَتبَعُهُ غُرٌّ غَطارِفَةٌ / لَو زاحَمَت سَدَّ ذي القَرنَينِ لاِنثَلَما
إِذا اِدَّعَوا يالَ إِبراهيمَ ظَلَّ لَهُم / يَومٌ يُشَيِّبُ مِن هامِ العِدى اللِّمَما
حَتّى أَناخَ بِبابِ الحِصنِ يَصحَبُهُ / عَزمٌ يَهُدُّ الجِبالَ الشُمَّ وَالأَكَما
فَشَنَّها غارَةً شَعواءَ ناشِئَةً / كَسى بِها العُمَّ مِن حيطانِها قَتَما
فأَقبَلَت وَرِجالُ الأَزدِ تَقدُمُها / كَالأُسدِ قَد جَعَلَت سُمرَ القَنا أَجَما
فَصادَفَت كُلَّ لَيثٍ لَو يُحِسُّ بِهِ / لَيثٌ بِعَثَّرَ أَو خَفّانَ ما زَحَما
فَكَم صَرِيعٍ هَوى عَفصاً بِشِكَّتِهِ / مِنهُم وَآخَرَ وَلّى الدُبرَ مُنهَزِما
وَنَثرَةٍ أَخفَرَ الهِندِيُّ ذِمَّتَها / إِنَّ السُيُوفَ المَواضي تَخفِرُ الذِمما
فَاِستَنجَدَت عامِراً مِن بَأسِها فَأَتَت / مُغِذَّةً لا تَرى في سَيرِها يَتَما
ذُكُورُ خَيلِهِمُ أَلفٌ مُصَتَّمَةٌ / وَرَجلُهُم يُفعِمُ الوَادِيَّ إِذ زَحَما
وَجَمعُنا في مِئينٍ أَربَعٍ حَضَرَت / عَدّاً وَلَكِنَّها أَعلا الوَرى قَدَما
وَلَم نَزَل نَرِدُ الهَيجاءَ يَقدُمُنا / ماضٍ على الهَولِ وَرّادٌ إِذا عَزَما
أَبُو عَلِيٍّ وَفَضلُ ذُو النَدى وَأَبُو / مُسَيَّبٍ وَهُما تَحتَ العَجاجِ هُما
وَمِسعَرُ الحَربِ مَسعُودٌ إِذا خَمَدَت / وَماجِدٌ وَاِبنُ فَضلٍ خَيرُها شِيما
هُمُ بَنُوهُ فَلا ميلٌ وَلا عُزُلٌ / وَلا تَرى فيهمُ وَهناً وَلا سَأَما
كُلٌّ يُعَدُّ بِأَلفٍ لا يَضيقُ بِها / ذَرعاً وَيُوسِعُها طَعناً إِذا أَضِما
وَمالِكٌ حينَ تَدعُوهُ وَأَيُّ فَتى / حَربٍ إِذا ما اِلتَقى الزَحفانِ فَاِصطَدَما
وَمِن بَني الشَيخِ عَبدِ اللَهِ كُلُّ فَتىً / يُخالُ في الرَوعِ فَحلَ الشَولِ مُغتَلِما
يُنمى لِفَضلٍ وَصبّارٍ وَإِخوَتِهِ / بَني عَلِيٍّ كِعامِ الخَطبِ إِذ هَجَما
وَلَم تَكُن وُلدُ غَسّانٍ إِذا حَمِيَت / لَوافِحُ الحَربِ أَنكاساً وَلا قُرُما
تِلكُم بَناتُ العُلا لا قَولُ مُنتَحِلٍ / كُنّا وَكانَ وَلا باعاً وَلا قَدَما
سَقَوا صُدُورَ القَنا عَلّا وَقد نَهِلَت / وَأَكرَهُوا المازِنَ الخَطِّيَّ فَاِنحَطَما
وَفَلَّلَ البِيضَ في الهاماتِ ضَربُهُمُ / مِن بَعدِ أَن أَنهَلُوها في المَكَرِّ دَما
بَزُّوا ثَمانينَ دِرعاً مِن سُراتِهِمُ / في حَملَةٍ تَرَكَت هاماتِهِم رِمَما
وَكَم لَنا مِثلُها لَم تُبقِ باقِيَةً / إِلّا الزَعانِفَ وَالأَطفالَ وَالحَرَما
فَسَلَّمَ الأَمرَ أَهلُ الأَمرِ وَاِنتَزَحُوا / عَن سَورَةِ المُلكِ لا زُهداً وَلا كَرَما
وَأَصبَحَت آلُ عَبدِ القَيسِ قَد ثَلَجَت / صُدُورُها فَتَرى المَوتُورَ مُبتَسِما
ثُمَّ اِنتَحَينا لِعَوفٍ بَعدَما وَرِمَت / أُنُوفُها فَفَشَشنا ذَلِكَ الوَرَما
دُسناهُمُ دَوسَةً مِرِّيَّةً جَمَعَت / أَشلاهُمُ وَضِباعَ الجَوِّ وَالرَخَما
لَم يَنجُ غَيرُ رَئيسِ القَومِ تَحمِلُهُ / خَيفانَةٌ كَظَليمٍ رِيعَ تَحتَ سَما
ثُمَّ اِنثَنَينا بِجُردِ الخَيلِ نَجنِبُها / نَقائِذاً وَأَفَأنا السَبيَ وَالنَعَما
وَسَل بِقارُونَ هَل فازَت كَتائِبُهُ / لَمّا أَتَتنا وَهَل كُنّا لَهُم غُنَما
وَالشَرسَكِيَّة إِذ جاءَت تُطالِبُنا / دَمَ النُفوسِ وَفينا تقسِمُ القِسَما
بَيتانِ عِندَهُما كانَت رَعِيَّتُنا / عَوناً عَلَينا ضَلالاً مِنهُمُ وَعَمى
فَفَرَّجَ اللَهُ وَالبِيضُ الحِدادُ لَنا / وَعِزَّةٌ لَم تَكُن يَوماً لِمَن غَشَما
وَأَصبَحَت حاسِدُونا في قَبائِلِنا / لَحماً أَقامَ لَهُ جَزّارُهُ وَضَما
لَكِن عَفَونا وَكانَ العَفوُ عادَتَنا / وَلَم نُؤاخِذ أَخا جُرمٍ بِما اِجتَرَما
وَلَم يُنَجِّ اِبنَ عَيّاشٍ بِمُهجَتِهِ / يَمٌّ إِذا ما يَراهُ الناظِرُ اِرتَسَما
أَتى مُغِيراً فَوافَى جَوَّ ناظِرَةٍ / فَعايَنَ المَوتَ مِنّا دُونَ ما زَعَما
فَراحَ يَطرُدُ طَردَ الوَحشِ لَيسَ يَرى / حَبلَ السَلامَةِ إِلّا السَوطَ وَالقَدَما
فَاِنصاعَ نَحوَ أَوالٍ يَبتَغي عِصَماً / إِذ لَم يَجِد في نَواحي الخَطِّ مَعتَصما
فَأَقحَمَ البَحرَ مِنّا خَلفَهُ مَلِكٌ / مازالَ مُذ كانَ لِلأَهوالِ مُقتَحما
فَحازَ مُلكَ أَوالٍ بَعدَ ما تَرَكَ ال / عَكرُوتَ بِالسَيفِ لِلبَوغاءِ مُلتَزِما
فَصارَ مُلكُ اِبنِ عَيّاشٍ وَمُلكُ أَبي ال / بَهلُولِ مَع مُلكِنا عِقداً لَنا نُظِما
مَن ذا يُقاسُ بِعَبدِ اللَهِ يَومَ وَغىً / في بَأسِهِ أَو يُباري جُودهُ كَرَما
مِنّا الَّذي جادَ بِالنَفسِ الخَطيرَةِ في / عِزِّ العَشيرَةِ حَتّى اِستَرحَلَ العَجَما
مِنّا الَّذي قامَ سُلطانُ العِراقِ لَهُ / جَلالَةً وَالمَدى وَالبُعدُ بَينَهُما
مِنّا الَّذي حازَ مِن ثاجٍ إِلى قَطَرٍ / وَصَيَّرَ الرَملَ مِن مالِ العَدُوِّ حِمى
مِنّا الَّذي حينَ عَدَّ الأَلفَ خازِنُهُ / لِضَيفِهِ قالَ ضاعِفها أَرى أَمَما
مِنّا الَّذي مِن نَداهُ ماتَ عامِلُهُ / غَمّاً وَأَصبَحَ في الأَمواتِ مُختَرَما
مِنّا الَّذي جادَ إِيثاراً بِما مَلَكَت / كَفّاهُ لا يَدَ يَجزِيها وَلا رَحِما
مِنّا الَّذي أَنهَبَ اِصطَبلاتِهِ كَرَماً / وَهيَ الجِيادُ اللَواتي فاتَتِ القِيَما
وَكانَ إِن سارَ فَالعِقيانُ تَتبَعُهُ / لِسائِلٍ رُدَّ أَو مُستَرفِدٍ حُرِما
مِنّا الَّذي فَضَّ أَموالَ الخَزائِنِ في / غَوثِ الرَعِيَّةِ لا قَرضاً وَلا سَلَما
وَأَهمَلَ الدَخلَ ذاكَ العامَ فَاِنتَعَشَت / بِهِ الرَعِيَّة حَتّى جازَتِ القُحَما
مِنّا الَّذي جَعَلَ الأَقطاعَ مِن كَرَمٍ / إِرثاً تَوَزَّعُهُ الوُرّاثُ مُقتَسَما
وَجادَ في بَعضِ يَومٍ وَهوَ مُرتَفِقٌ / بِأَربَعينَ جَواداً تَعلُكَ اللُجُما
وَمُطعِم الطَيرِ عامَ المَحلِ فَاِسمُ بِهِ / مِنّا إِذا صَرَّ خِلفُ الغَيثِ فَاِنصَرَما
مِنّا الَّذي أَنفَقَ الأَموالَ عَن عَرضٍ / حَتّى رَأَى شِعبَ شَملِ العِزِّ مُلتَئِما
مِلءَ المُسُوكِ قَناطيراً مُقَنطَرَةً / ما خافَ في جَمعِها حُوباً وَلا أَثَما
مِنّا المُسَوَّرُ تَعظيماً وَوالِدُهُ / كَذاكَ كانَ فَنَحنُ السادَةُ العُظَما
مِنّا الَّذي كُلَّ يَومٍ فَوقَ دارَتِهِ / داعٍ يُنادي إِلَيهِ الجائِعَ الضَرِما
مِنّا الَّذي لَم يَدَع ناراً بِساحَتِهِ / تذكى سِوى نارِهِ لِلضّيفِ إِن قَدِما
وَصاحِبُ البَيتِ مِنّا حِينَ تَنسِبُهُ / لَو لَم نَجِد غَيرَهُ سُدنا بِهِ الأمَما
مِنّا الَّذي عامَ حَربِ النائِليِّ حَلا / يَومَ السُبَيعِ وَيَومَ الخائِسِ الغُمَما
مِنّا الَّذي مَنَعَ الأَعداءَ هَيبَتهُ / حَربَ البِلادِ فَما شَدّوا لَهُ حُزُما
وَماتَ يَطلُبُ يَوماً يَستَلِذُّ بِهِ / يُطَبِّقُ الأَرضَ نَقعاً وَالحَضيضَ دَما
مِنّا الَّذي ضُرِبَت حُمرُ القِبابِ لَهُ / بِالمَشهَدَينِ وَأَعطى الأَمنَ وَاِنتَقَما
لَولا عِياذُ بَني الجَرّاحِ مِنهُ بِهِ / لَصاحَبَت دَهمَشاً أَو أُلحِقَت دَرِما
مِنّا الَّذي أصحَبَ المُجتازَ مِن حَلَبٍ / إِلى العِراقِ إِلى نَجدٍ إِلى أَدَما
مِنّا الَّذي كُلَّ عامٍ بِالعِراقِ لَهُ / رَسمٌ سَنِيٌّ إِلى أَن ضُمِّنَ الرُجَما
مِنّا الَّذي رَكَزَ الرُمحَينِ ضاحِيَةً / وَجَوّزَ العَرَبَ العَرباءَ بَينَهُما
حَتّى اِحتَوى ما اِصطَفاهُ مِن عَقائِلَها / غَصباً وَهانَ عَلَيهِ رَغمُ مَن رَغِما
وَيَومَ سُترَةَ منّا كانَ صاحِبُهُ / لاقَت بِهِ شامَةٌ وَالحاشِكُ الرَقِما
أَلفَينِ غادَرَ مِنهُم مَع ثَمانِ مئىٍ / صَرعى فَكَم مُرضَعٍ مِن بَعدها يَتُما
مِنّا أَبُو يُوسُفٍ وَالمُرتَجى حَسَنٌ / وَاِبنُ الإِمارَةِ وَالبَيتِ المُنيفِ هُما
وَيُوسُفٌ وَأَبُو شُكرٍ وَإِخوَتُهُ / حَليُ العُلا وَكِعامُ الدَهرِ إِن عَزَما
مِنّا الَّذي أَبطَلَ الماشُوشَ فَاِنقَطَعَت / آثارُهُ وَاِنمَحى في الناسِ وَاِنطَسَما
مِنّا الأَميرُ أَبو فَضلٍ مَتى اِختَصَمَت / بَنُو الوَغى كانَ في أَرواحِها الحَكَما
ما قابَلَ الأَلفَ إِلَّا وَاِنثَنَت هَرَباً / كَأَنَّها الوَحشُ لاقَت ضَيغَماً قَرِما
منّا الأَميرُ حَوارِيٌّ وَوالِدُهُ / فَاِذكُرهُما فَلَقد طابا وَقَد كَرُما
وَفي سُليمٍ لَنا عِزٌّ وَمُفتخَرٌ / وَمُفلِحٌ وَهُما لِلّهِ دَرُّهُما
وَفي أَمِيرٍ وَسُلطانٍ لَنا شَرَفٌ / نَسمو بِهِ وَاِبنُ بَدرِ اللَيثُ بَعدَهُما
مِنّا أَبو فاضِلٍ وَاللَوذَعيُّ أَبُو / مَذكُورٍ القرمُ فَلنَفخَر بِمثلِهِما
وَما حُسَينٌ وَبَدرٌ إِن ذَكَرتُهُما / إِلّا هُمامانِ فاقَ الناسَ مَجدُهُما
مِنّا الَّذي حَطَّ زُهداً عَن رَعِيَّتهِ / كُلَّ المُكُوسِ فَأَضحى الجَورُ مُنحَسِما
وَكَم لَنا مِن بَني البَيعِيِّ مِن بَطَلٍ / إِذا رَأى مِن عَدُوٍّ هامَةً صَدَما
مِنّا الثَلاثَةُ وَالفردُ الَّذينَ لَقُوا / كَتائِباً كَأبي السَيّالِ حِينَ طَما
تَدعُو عَجِيبَةَ أَحياناً وَآوِنَةً / أُمُّ العَجرَّشِ وَالحَجّافِ بَينَهُما
يَومَ الجُرَيعاءِ ما خامُوا وَما جَبُنوا / بَل كُلُّهُم يَصطَلي نِيرانَها قَدَما
مِنّا الرِجالُ الثَمانُونَ الَّذينَ هُمُ / يَومَ القَطيعَةِ أَوفى مَعشَرٍ ذِمَما
لاقُوا ثَلاثَةَ آلافٍ وَما جَبُنُوا / عَنهُم وَلا اِستَشعَرُوا خَوفاً وَلا بَرَما
فَطاعَنُوهُم إِلى أَن عافَ طَعنَهُمُ / مَن كانَ يَحسِبُهُم غُنماً إِذا قَدما
أَفعالُ آبائِهِم يَومَ الرُكَينِ وَمَن / يُشبِه أَبَاهُ فَلا وَاللَهِ ما ظَلَما
إِذ طَيَّرَ التَلَّ يَومَ القَصرِ كَرُّهُمُ / عَلى الأَعاجِمِ حَتّى بادَ بَينَهُما
نَحنُ الثِمالُ فَمَن يَكفُر بِنِعمَتِنا / كُنّا المُثَمَّلَ يُدني الحَتفَ وَالسَقَما
أَبياتُنا لِذَوي الآمالِ مُنتَجَعٌ / إِذا الزَمانُ يُرى كَالعِيرِ أَو عَرَما
وَما عَدَدتُ عَشيراً مِن مَناقِبِنا / وَمَن يَعُدُّ ثرَى يَبرِينَ مُرتَكِما
أَنِخ فَهَذِي قِبابُ العِزِّ وَالكَرَمِ
أَنِخ فَهَذِي قِبابُ العِزِّ وَالكَرَمِ / وَقِل فَكُلُّ العُلا في هَذِهِ الخِيَمِ
وَاِعفِ النَجائِبَ مِن نَصٍّ وَمِن عَنقٍ / فَقَد بَلَغتَ مُلُوكَ العُربِ وَالعَجَمِ
فَما وَراءَ بَني فَضلٍ فَتَطلُبَهُ / غِنىً لِراجٍ وَلا عِزٌّ لِمُهتَضَمِ
هُمُ المُلوكُ وَساداتُ المُلوكِ هُمُ / وَما رَبى المُلكُ إِلّا في بُيوتِهِمُ
وَقَد نَزَلتَ بِأسراهُم وَأَنبَلِهِم / عَلى سَراواتِهِم فِينا وَنُبلِهِمُ
فَاِنظُر بِعَينِكَ هَذا فَهوَ سَيِّدُهُم / طُرّاً وَسَيِّدُ عَدنانٍ وَغَيرِهِمُ
هَذا الهُمامُ عِمادُ الدِّينِ أَكرَمُ مَن / يُدعى وَيُرجى وَخَيرُ الناسِ كُلِّهِمُ
هَذا هُوَ المَلِكُ المَيمونُ طائِرُهُ / هَذا المُؤَمَّلُ هَذا كاشِفُ الغُمَمِ
هَذا هُوَ المُخجِلُ الأَنواءَ نائِلُهُ / فَما يُشائِمُهُ فَقرٌ إِلى الدِّيَمِ
هَذا هُوَ السالِبُ الجَبّارَ مُهجَتَهُ / غَصباً وَتارِكُهُ لَحماً عَلى وَضَمِ
هَذا الَّذي لَو رَأى قُسٌّ فَصاحَتَهُ / لَقالَ هَذا لَعَمري مَعدِنُ الحِكَمِ
هَذا الَّذي لَو رَآهُ في جَلالَتِهِ / كِسرى لَفَدّاهُ مِن مَوتٍ وَمِن أَلَمِ
هَذا الَّذي لَو زُهَيرُ الشِعرِ أَدرَكَهُ / يَوماً لَعَدّى إِلَيهِ القَولَ عَن هَرِمِ
فَحَيِّهِ بَعدَ تَقبيلِ الصَعيدِ وَقُل / أَهلاً وَسَهلاً بِمُحيي البَأسِ وَالكَرَمِ
أَهلاً بِسَيِّدِ أَهلِ الأَرضِ قاطِبَةً / وَخَيرِ أَملاكِ أَهلِ الحِلِّ وَالحَرَمِ
أَهلاً وَسَهلاً بِمَن في نُورِ غُرَّتِهِ / غِنىً عَنِ البَدرِ لِلسارِينَ في الظُلمِ
أَهلاً بِهِ وَبِهَذا اليَومِ إِنَّهُما / إِن فُوضِلا أَفضَلُ الأَيّامِ وَالأُمَمِ
وَكَبِّرِ اللَهَ وَاِشكُرهُ لِذاكَ وَقُل / اللَهُ أَكبَرُ وَاِسجُد غَيرَ مُحتَشَمِ
لِلّهِ دَرُّ عِمادِ الدِّينِ مِن مَلِكٍ / ما فِيهِ مِن كَرَمِ الأَخلاقِ وَالشِّيَمِ
سَكِينَةٌ لَو سَرَت في البَحرِ ما اِضطَرَبَت / بِرِيحِ عادٍ أَواذِيهِ وَلا إِرَمِ
وَهَيبَةٌ لَو سُلَيمانُ النَبيُّ أَتى / بِها الشَياطِينَ أَهلَ المَسِّ وَاللَمَمِ
لَأَوغَلُوا في البِناءِ المُقرَنينَ لَهُ / وَالغَوصِ أَو تُبعَثُ المَوتى مِنَ الرِّمَمِ
وَنَجدَةٌ لَو لِلَيثِ الغابِ أَيسَرُها / عَلا البِقاعَ وَلم يَستَذرِ بِالأُجُمِ
مَلِكٌ حَمى جَنَباتِ المُلكِ مُعتَزِماً / بِالسَيفِ لا بِيَراعٍ غُطَّ في جَمَمِ
وَشَكلَةُ السَيفِ أَمضى في العَدُوِّ وَإِن / فُلَّت مَضارِبُهُ مِن شَكلَةِ القَلَمِ
مِن بَأسِهِ تَذهَبُ الفُرسانُ شارِدَةً / شُرُودَ سِربِ القَطا مِن أَجدَلٍ قَطِمِ
كَم سَيِّدٍ في ظَلامِ النَقعِ غادَرَهُ / شِلواً بِأَبيضَ أَو زَرقاءَ كَالضَرَمِ
في وَقعَةٍ صاحَ فيها مَن نَجا هَرَباً / يا خِصبَ عامِكَ لا هُنِّيتَ مِن رَخَمِ
فَالخَيلُ تَعرِفُ في الهَيجاءِ صَولَتهُ / بِحَيثُ يَأخُذُ سامي النَقعِ بِالكَظَمِ
فَما أَحَسَّت بِهِ إِلّا اِنثَنَت هَزَماً / وَنَكهَةُ الذِئبِ لا تَخفى عَلى الغَنَمِ
كَم صَكَّ بِالسَيفِ وَالأَبطالُ جائِلَةٌ / مِن مُعلَمٍ في نَدِيِّ الحَيِّ كَالعَلَمِ
لَم يَشكُلِ الخَيلَ مُذ جالَت بِشَكلَتِهِ / إِلّا بِشَعرِ لِحى الأَبطالِ وَاللِّمَمِ
لَقَد زَهَت خُطَطُ البَحرَينِ وَاِفتَخَرَت / بِهِ عَلى مَأرِبٍ في الأَعصُرِ القِدَمِ
بعَدلِهِ وَالدَمِ المُهراقِ حَصَّنَها / وَلا يَقِرُّ دَمٌ إِلّا بِسَفكِ دَمِ
لِلّهِ حَدسُ أَبِيهِ إِذ تَأَمَّلَهُ / في المَهدِ لَمّا يُبن عَن لا وَلا نَعَمِ
قَد قالَ وَهوَ يُناغِيهِ لِأُسرَتِهِ / ثِقُوا بِأَبلَجَ عالي الذِكرِ وَالهِمَمِ
أَعطى اللَهى وَعَلَت في المَجدِ هِمَّتُهُ / قَبلَ اِختِطاطِ عِذارٍ وَاِثِّغارِ فَمِ
وَقادَها لِتَمامِ العَشرِ تَحسِبُها / آذِيَّ بَحرٍ زَفَتهُ الرِيحُ مُلتَطِمِ
فَداسَ كُلَّ بِلادٍ لِلعَدُوِّ بِها / دَوسَ اليَمانِيِّ ما يَخلى مِن الأَدَمِ
وَما أَلَمَّ إِلى أَن لَم يَدَع مَلِكاً / لَهُ بِها مِن حِمى حامٍ وَلا حَرَمِ
أَعطَتهُ مَملَكَةَ الأَحساءِ هِمَّتهُ / وَعَزمُ مُستَبصِرٍ بِالرَأيِ غَيرُ عَمِ
فَإِن يَقُولُوا اِختِياراً كانَ ذاكَ فَهَل / يُختارُ لِلضَربِ غَيرُ الصارِمِ الخَذِمِ
فَغَيرُ لايٍ وَزَجّاها مُلَملَمَةً / تَدافُعَ السَيلِ سَيلَ اليَأمَنِ العَرِمِ
فَما أَناخَت إِلى أَن غالَ عِثيَرُها / ما شيدَ بِالخَطِّ مِن حِصنٍ وَمِن أُطُمِ
وَما نَضا الدِّرعَ حَتّى حازَ حَوزَتَها / قَهراً وَآخى بِها الأًحساءَ مِن أَمَمِ
وَلَم يَمُدَّ إِلى هَرمُوزَ مِنهُ يَداً / وَحاركٌ لَم يَمُدُّوا كَفَّ مُعتَصِمِ
يا آلَ فَضلٍ أَماتَ اللَهُ حاسِدَكُم / بِغَيظِهِ وَكَفاكُم زَلَّةَ القَدَمِ
كَم يَمضُغُ الدَهرُ فِيما بَينَ أَظهُرِكُم / لَحمي وَيَشرَبُ شُربَ الهيمِ فَضلَ دَمي
أَفي المُروءَةِ أَن أَظمى وَحوضُكُمُ / لِلكَلبِ وَالذِئبِ وَالجِرذانِ وَالبُهَمِ
وَيُصطَفى مَن أَبُوهُ كانَ عَبدَ أَبي / دُوني وَيُقطَعُ فِيما بَينَكُم رَحِمي
حاشا اِبنَ مَسعُودٍ المَلكَ المُعَظَّمَ أَن / أُجفى وَيُقفى بَنُو الداياتِ وَالخَدَمِ
فَتىً نَماهُ إِلى العَلياءِ كُلُّ فَتىً / حامي الذِّمارِ وَفِيِّ العَهدِ وَالذِّمَمِ
مَن مِثلُ مَسعُودٍ القَرمِ الهُمامِ وَمَن / كَأَحمَدَ المُرتَجى في البَأسِ وَالكَرَمِ
وَمَن يُباري اِبنَ فَضلٍ في مَكارِمِهِ / أَبا سِنانٍ غِياثَ الناسِ في القُحَمِ
وَخَيرُ قَيسِ بنِ عَيلانٍ خُؤُولَتُهُ / فَمَن بَغى الفَخرَ فَليَفخَر بِمثلِهِمُ
قَومٌ أَبُوهُم سِنانٌ خَيرُ ما حَمَلَت / أُنثى وَمَن قادَها تَختالُ في اللُجُمِ
يابا عَلِيٍّ أَجِب مِن غَيرِ نَأنَأَةٍ / صَوتَ اِمرِئٍ في عُلاكُم غَير مُتَّهَمِ
إِلَيكَ شَدّاً مِنَ الأَحساءِ أَنهَضي / عَزمُ المُلوكِ وَحَظٌّ غَيرُ ذِي كَشَمِ
وَقَد تَحَقَّقتُ أَنَّ الرُشدَ يَصحَبُني / فَما أُحاذِرُ قَرعَ السِنِّ مِن نَدَمِ
كَم جُبتُ دُونكَ مِن تيهٍ يَتِيهُ بِها / قَلبُ الدَليلِ مِنَ الإِشفاقِ وَالسَأَمِ
وَمُزبِدٍ يَتَراءى المَوتُ راكِبَهُ / يَرمي بِمُقلَولبِ الأَمواجِ مُرتَطِمِ
قَد قُلتُ لِلنَفسِ فيهِ وَهيَ مُجهِشَةٌ / وَالمَوجُ مِن هازِمٍ فيهِ وَمُنهَزِمِ
قِرّي فَلَو شاءَ أَمراً فَهوَ بالِغُهُ / وَالمَوتُ آتٍ وَما تَلقَينَ كَالحُلُمِ
وَمَن تَكُن صُحبَةُ الأَملاكِ هِمَّتُهُ / مَضى على الهَولِ مَمضى البازِلِ السَدِمِ
وَغَيرُ مُستَنكَرٍ لَو زُرتُ حَضرَتَهُ / سَعياً عَلى الرَأسِ لا سَعياً عَلى القَدَمِ
وَقَد بَلَغتُ وَما في المالِ مِن ضَعَفٍ / وَقَد دَعَوتُ وَما في السَمعِ مِن صَمَمِ
وَها أَنا اليَومَ يا خَيرَ المُلوكِ أَنا / وَأَنتَ أَنتَ وَشَيءٌ قَطُّ لَم يَدُمِ
وَلَيسَ إِلّاكَ نَدعُوهُ وَنَندُبُهُ / لِما يُقابِلُنا مِن دَهرِنا الحُطَمِ
فَلا خَلَت مِنكَ آفاقُ البِلادِ وَلا / خَلَوتَ مِن نِعَمٍ تَأتي عَلى نِعَمِ
رُوَيداً بَعضَ نَوحِكَ يا حَمامُ
رُوَيداً بَعضَ نَوحِكَ يا حَمامُ / أَجِدَّكَ لا تُنِيمُ وَلا تَنامُ
أَكُلَّ الدَهرِ تَذكاراً وَنَوحاً / أَما فَنِيَ اِشتِياقكَ وَالغَرامُ
هَتَفتَ فَهِجتَ لي شَوقاً فَقُل لِي / حَمامٌ أَنتَ وَيحَكَ أَم حِمامُ
وَرِفقاً إِنَّ جارَكَ مِن غَرامٍ / وَمِن قَلَقٍ لَيُؤلِمُهُ الكَلامُ
أَتَذكُرُ هالِكاً مِن عَهدِ نُوحٍ / مَضى وَالدَهرُ حِينَئِذٍ غُلامُ
وَأَنسى خِلَّتِي وَالعَهدُ مِنّي / قَرِيبٌ لَم يَمُرَّ عَلَيهِ عامُ
شُفيتَ وَلا شَقيتَ بِفَقدِ إِلفٍ / فَنِعمَ العَهدُ عَهدُكَ وَالذِمامُ
وَلَكِنّي أَراكَ ضَنينَ عَينٍ / وَعَيني ماؤُها أَبَداً سَجامُ
رَعى اللَهُ الثُلَيمَ وَساكِنِيهِ / وَأَجرَاعاً تَكنَّفَها الثلامُ
وَجادَ مِنَ الجَديدِ إِلى المُصَلّى / إِلى الحِصنَينِ وَكّافٌ رُكامُ
فَمَسرَحُ لَذّتي وَمَراحُ لَهوِي / هُنالِكُمُ وَجِيرَتِيَ الكِرامُ
وَمَلعَبُ كُلِّ غانِيَةٍ كَعابٍ / مُخَدَّمَةٍ يَزينُ بِها الخِدامُ
يَراها القابِسُ العَجلانُ لَمحاً / فَيَبقى لا وَراءُ وَلا أَمامُ
وَتُرسِلُ مِن لَواحِظِها سِهاماً / فَتَمضي حَيثُ لا تَمضي السِهامُ
مَضى ذاكَ الزَمانُ فَلَيتَ أَنّي / صَدىً مِن قَبلِ مَمضاهُ وَهامُ
وَأَسلَمَني الشَقاءُ إِلى زَمانٍ / مَصائِبُهُ كَما اِنهَلَّ الغَمامُ
نَهارٌ لا أُسَرُّ بِهِ وَلَيلٌ / يَنامُ بِهِ السَليمُ وَلا أَنامُ
تَلاعَبُ بِيَ خَواطِرُ مِن هُمُومٍ / كَما لَعِبَت بِشارِبها المُدامُ
إِذا ما قُلتُ أَهجَعُ بَعضَ لَيلي / أَتَت ذِكَرٌ يُقَضُّ لَها المَنامُ
فَعَزماً صاحِبَي رَحلي وَإِلّا / فَشاعَكُما وَخِلَّكُما السَلامُ
فَكَم أُبلى بِصُحبَةِ كُلِّ نَذلٍ / خَسيسٍ ما لِصُحبَتِهِ دَوامُ
أَقُولُ لَهُ فَيَحسِبُ ذاكَ هَزلاً / وَبَعضُ القَولِ تَجهَلُهُ الطَغامُ
لعَمرُكَ ما لَؤُمت أَباً وَلَكِن / أُناسٌ سَوَّدُوكَ هُمُ اللِّئامُ
فَمَسُّ الأَرضِ أَو أَلقى عَلِيّاً / عَلى رَحلي وَراحِلَتي حَرامُ
فَيَومَ أَرى عَلِيّاً لا أُبالي / أَإِعوَجَّ اللِئامُ أَمِ اِستَقامُوا
أَغَرُّ الوَجهِ مَن يَصحَبهُ يصحَب / جَواداً لا يُليمُ وَلا يُلامُ
تُرَجِّيهِ العُفاةُ وَتَتَّقِيهِ / هِجانُ المالِ وَالجَيشُ اللُهامُ
تَفُلُّ السَيفَ عَزمَتُهُ وَيُحيي / نَداهُ ما نَبا عَنهُ الغَمامُ
نَفُورٌ عَن مُداناةِ الدَنايا / وَصَبٌّ بِالمَكارِمِ مُستَهامُ
تَرى عِندَ المَديحِ لَهُ اِهتِزازاً / كَما يَهتَزُّ لِلضَربِ الحُسامُ
يُقِرُّ بِفَضلِهِ قارٍ وَبادٍ / وَيَحسِدُ مِصرهُ يَمَنٌ وَشامُ
يَحُلُّ المَجدُ أَرضاً حَلَّ فيها / وَتُضرَبُ لِلعُلا فِيها الخِيامُ
إِذا ما الحِلمُ عُدَّ فَما ثَبيرٌ / وَما حَضَنٌ لَدَيهِ وَما شَمامُ
يُقَصِّرُ حاتِمٌ في الجُودِ عَنهُ / وَكَعبٌ وَالبَرامِكَةُ الكِرامُ
وَعَمرٌو في اللَقاءِ عَلَيهِ كَلٌّ / وَعَوفٌ في الوَفاءِ لَهُ غُلامُ
لُكَيزِيُّ المَناسِبِ عامِرِيٌّ / مَلِيكٌ لِلمُلُوكِ بِهِ اِعتِصامُ
سَليلُ عُلاً له مِن كُلِّ مَجدٍ / ذُرى العَلياءِ مِنهُ وَالسَنامُ
تَرى لِلخَيلِ في الهَيجاءِ عَنهُ / شُرُوداً مِثلَما شَرَدَ النَعامُ
لَئِن نَفَرَت كُماةُ الحَربِ عَنهُ / إِذاً فَلَها بِعَقوَتِهِ اِزدِحامُ
نَماهُ إِلى ذُرى العَليا غَريرٌ / وَإِبراهيمُ والِدُهُ الهُمامُ
وَإِن تَذكُر أَبا جَروانَ غُضَّت / لَهُ الأَبصارُ وَاِنقَطَعَ الكَلامُ
عَلِيٌّ أَنتَ هَذِي الشَمسُ نُوراً / إِذا طَلَعَت وَذا الناسُ الظَلامُ
وَأَنتَ أَجَلُّ حينَ يَنُوبُ خَطبٌ / وَأَعظَمُ أَن يُقاسَ بِكَ الأَنامُ
إِذا أَهلُ المَكارِمِ ضَيَّعُوها / فَأَنتَ لِكُلِّ مَكرُمَةٍ نِظامُ
عَداني أَن أَزُورَكَ حادِثاتٌ / إِذا ذُكِرَت تَذُوبُ لَها العِظامُ
وَأَسبابٌ جَرَينَ وَكَيدُ أَمرٍ / قُعُودي في النَدِىِّ لَهُ قِيامُ
وَما تَركي زِيارَتَكَ اِختِياراً / وَلَكِن طالَما مُنِعَ المَرامُ
فَداكَ مِنَ الرَدى جَهمُ المُحَيّا / سَحابُ سَمائِهِ أَبَداً جَهامُ
عَبُوسٌ إِذ يُقابِلُ وَجهَ حُرٍّ / وَبَينَ المُومِساتِ لَهُ اِبتِسامُ
جَوادٌ حينَ يُلعَنُ وَالِداهُ / وَتُقرَعُ أَنفُهُ وَكَذا اللِئامُ
يُعِزُّ مُهِينَهُ وَيُهينُ لُؤماً / مُكَرِّمهُ كَذا النُطَفُ الحَرامُ
يَخافُ الضَيفَ يَقرِضُ حاجِبَيهِ / وَلا سِيما إِذا حَضَرَ الطَعامُ
ليَهنِكَ ما مَنَحتُكَ مِن ثَناءٍ / بِهِ لا غَيرِهِ يَجِبُ القِيامُ
وَلَستُ بِمادِحٍ سَفسافَ قَومٍ / وَإِن قالُوا لَهُ مالٌ رُكامُ
أَبى لي ذاكَ أَنّي مِن قُرومٍ / صَهاميمٍ تُسِيمُ وَلا تُسامُ
هَديرُ البُزلِ عِندَهُمُ كَشيشٌ / وَزَأرُ الأُسدِ عِندَهُمُ بُغامُ
وَقَولُهُمُ لَدى الإِعطاءِ فَذٌّ / وَضَربُهُمُ لَدى الهَيجا تُؤامُ
وَنَفسٌ لا تُريعُ لِوردِ سُوءٍ / وَلَو بَلَغَ الفَناءَ بِها الحيامُ
وَإِنّي لَلغَنيُّ وَإِن نَبا بِي / زَمانُ السُوءِ وَاِختُلِجَ السَوامُ
وَأَنتَ أَديمُ سَعدِكَ مِن أُناسٍ / أَخيرُهُمُ لِغَيرِهِمُ إِمامُ
وَلَولا ذاكَ عَن قُربى وَوُدٍّ / لَكانَ عَنِ المَديحِ لِيَ اِحتِشامُ
فَطُل مَجداً وَزِد شَرَفاً وَفَخراً / عَلى شَرَفٍ وَفَخرٍ لا يُرامُ
وَعِش في نِعمَةٍ وَدَوامِ عِزٍّ / بِمَنعَةِ مَن يُضيمُ وَلا يُضامُ
أَلقَت إِلَيكَ مَقادَها الأَيّامُ
أَلقَت إِلَيكَ مَقادَها الأَيّامُ / وَأَمَدَّكَ الإِجلالُ وَالإِعظامُ
وَمَشى إِلَيكَ الدَهرُ مِشيَةَ خاضِعٍ / وَقَضى بِما تَختارُهُ العَلّامُ
وَبَقيتَ ما بَقِيَ الزَمانُ مُخَلَّداً / في حَيثُ تَقعُدُ وَالأَنامُ قِيامُ
وَحباكَ رَبُّكَ بِالكرامَةِ وَالرِضا / وَالبِرِّ ما نَسَخَ الضِياءَ ظَلامُ
فَلأَنتَ حينَ تُعَدُّ عَينُ زَمانِنا / وَبِصِدقِ قَولي يَشهَدُ الإِسلامُ
بِكَ يا مُحِبَّ الدِّينِ طالَت فَاِعتَلَت / شَرَفاً عَلى الخَطِّيَّةِ الأَقلامُ
أَحيَيتَ بِشراً وَالجُنَيدَ وَعامِراً / زُهداً وَكُلٌّ إِذ يُعَدُّ إِمامُ
وأَقَمتَ لِلقُرَشِيِّ في آرائِهِ / حُجَجاً يُقَصِّرُ دُونَها النُظّامُ
لَو رادَكَ الثَورِيُّ أَعلَنَ قائِلاً / أَنتَ الغَمامُ وَمَن سَواكَ جَهامُ
لِلّهِ دَرُّكَ أَيُّ مَوضِحِ مُشكِلٍ / أَضحى وَمِن شُبَهٍ عَلَيهِ خِتامُ
حَسَنُ الإِنابَةِ مُخلِصٌ أَعمالَهُ / لِلّهِ لا يَسري إِلَيهِ أَثامُ
إِن يَجحَدِ العُظماءُ فَضلَكَ فيهِمُ / فَبَنُوا السَبيلِ تُقِرُّ وَالأَيتامُ
لَكَ حينَ يَعتَكِرُ الظَلامُ صَنائِعٌ / تَغشى الأَرامِلَ وَالعُيونُ نِيامُ
قَسَماً لَوَ اِنّكَ في الغِنى في بَسطَةٍ / لَم يَدرِ أَهلُ الفَضلِ ما الإِعدامُ
لِلّهِ مِن خَفَقانِ قَلبي كُلَّما / قَعَدُوا لِتَجهيزِ الحُمولِ وَقامُوا
فَليَفرَحِ البَيتُ العَتيقُ وَزَمزَمٌ / بِقُدُومِهِ وَالحِلُّ وَالإِحرامُ
يا وَحشَتا وَالعِيسُ لَم يُرفَع لَها / رَحلٌ وَلا نُشِرَت لَها أَعلامُ
لا كانَ هَذا السَيرُ آخِرَ عَهدِنا / فَهِيَ اللَيالي رِحلَةٌ وَمَقامُ
وَكَلاكَ رَبُّكَ حَيثُ كُنتَ وَلا عَدا / أَرضاً تَحُلُّ بِها حَياً وَرِهامُ
وَرَعاكَ مَن لَو كُنتَ راعِيَ خَلقِهِ / لَم يُرعَ إِلّا لِلحَنيفِ ذِمامُ
أَنعِم عَلَينا بِالدُعاءِ إِذا اِلتَقى / بِحُجُونِ مَكَّةَ مَشرِقٌ وَشآمُ
وَعَلَيكَ مِنّا ما حَييتَ وَما بَدَت / شَمسُ النَهارِ تَحِيَّةٌ وَسَلامُ
قُم فَاِسقِنيها قَبلَ صَوتِ الحَمام
قُم فَاِسقِنيها قَبلَ صَوتِ الحَمام / كَرمِيَّةً تَجمَعُ شَملَ الكِرام
صَهباءَ مِمّا عَتَّقَت بابِلٌ / مِزاجُها الأَريُ وَماءُ الغَمام
مِمّا أُدِيرَ الكَأسُ مِنها عَلى / كِسرى وَنُمرُوذَ بنِ كُوشِ بنِ حام
لَوِ اِحتَساها اِبنُ الزُبَيرِ اِغتَدى / أَكرَمَ مِن كَعبٍ وَأَوسِ بنِ لام
تَذهَبُ بِاليَأسِ وَتُدني المُنى / وَتَنشُرُ اللَهوَ وَتَطوي الغَرام
أَو ذاقَها المَنزُوفُ ضَرطاً لَما / هابَ اِبنَ ذي الجَدَّينِ يَومَ الزِحام
وَحَرِّكِ الأَوتارَ وَاِذكُر لَنا / أَيّامنا الغُرَّ بَدارِ السَلام
وَتِلكُمُ الغُزلانُ بَينَ المَها / تَمشي إِلى الشَطِّ فِئاماً فِئام
مِن كُلِّ أَظمى فاتِرٍ طَرفُهُ / تُروى بِمَرآهُ القُلوبُ الحِيام
وَغَنّنا بِالوَترِ صَوتاً وَقُل / المَوتُ أَحلى مِن سُؤالِ اللِئام
أَرى المَعالي تَقتَضي عَزمَتي / تَعَسُّفَ البِيدِ وَخَوضَ الطَوام
بِكُلِّ مَطلِيِّ المِلاطَينِ لَم / يَجرَب وَلَم يَرعَ بِمَرعى السَوام
تَسُوقُهُ الرِيحُ وَتَحتَثُّهُ ال / جَلُّ وَفي الوَجعاءِ مِنهُ الزِمام
لا يَعرِفُ الإِعياءَ في سَيرِهِ / وَلا يُبالي أَمضى أَم أَقام
وَقَد تَساوى عِندَهُ في المَدى / يَومٌ وَأُسبوعٌ وَشَهرٌ وَعام
إِذا يَمَسُّ الأَرضَ في جَريِهِ / خِيفَ عَلى راكِبِهِ الاِصطِلام
أَو كُلِّ رَوعاءَ عَزِيزِيَّةٍ / تَزِفُّ بِالرَحلِ زَفيفَ النَعام
يَصحَبُها أَجرَد عَرض النَسا / قَصيرُ الأَرساغِ طَويلُ الحِزام
كَيما أُلاقِي مَلِكاً عِندَهُ / لِلماجِدِ الأَحسابِ مِثلي مُقام
مُطَهَّرَ الأَخلاقِ تَسمُو بِهِ / إِلى المَعالي هِمَمٌ لا تُرام
أَموالُهُ مِن ضَيمِهِ تَشتَكي / وَجارُهُ في نَجوَةٍ لا يُضام
مَن يَلقَ شَمسَ الدِّينِ يَلقَ اِمرَءاً / يَقعُدُ وَالأَعداءُ مِنهُ قِيام
نَبَّهَ طُلّابَ النَدى جُودُهُ / إِلَيهِ تَنويهاً وَكانُوا نِيام
لَولاهُ لَم يَعرِف بَنُو عَصرِنا / مِن مَلِكٍ شَيئاً سِوى الإِنتِقام
يُجانِبُ اللَهوَ وَيَهوى التُقى / وَيَحفَظُ العَهدَ وَيَرعى الذِمام
لَم يَنطِقِ العَوراءَ في مَجلِسٍ / يَوماً وَلا أَصغى لِزُورِ الكَلام
لا بَرقُهُ في حالَةٍ خُلَّبٌ / وَلا سَحابُ الجُودِ مِنهُ جَهام
أَرضى إِلَهَ العَرشِ في خَلقِهِ / مُذ وَلِيَ الأَمرَ وَأرضى الإِمام
عَفٌّ فَما باتَ أَخُو ثَروَةٍ / يَلصِقُ مِنهُ صَدرَهُ بِالرَغام
كَم رَدَّ مِن حالِ مَخيفٍ وَقَد / صارَ مِن الهَمِّ كَذاتِ الوِحام
إِذا رَأى ما نالَ إِخوانَهُ / مِنَ البَلايا صاحَ صمّي صَمام
فَظَلَّ مُنكَبّاً عَلى وَجهِهِ / وَذابَ غَمّاً وَتَمَنّى الحِمام
مُنذُ تَوَلّى لَم يَبِت مُسلِمٌ / مِنهُ عَلى نِعمَتِهِ ذا اِهتِمام
راشَ ذَوي الفَقرِ وَأَحياهُمُ / وَاِحتَرَمَ المُثرِينَ أَيَّ اِحتِرام
وَغَيرُهُ لَمّا تَوَلّاهُمُ / لَم يُبقِ تَحتَ الجِلدِ غَيرَ العِظام
بِالضَربِ وَالصَلبِ وَحَلقِ اللِحا / وَقَلعِ الأَظفارِ وَشَمّ الأُيام
لَم يَرثَ لِلشَيخِ حَياءً مِن الش / شَيبِ وَلَم يَرحَم شَبابَ الغُلام
وَكَم حَصانٍ أُبرِزَت جَهرَةً / تُساقُ لِلجَلدِ بِغَيرِ اِحتِشام
وَما أَتَت فاحِشَةً تَقتَضي / حَدّاً وَلا تُوجِبُ سَلبَ الخِدام
لا تَدعُ شَمسَ الدِينِ يا ذا الحِجا / مُخاطِباً إِلّا غياثَ الأَنام
فَإِنَّ ذا الإِسمَ بِهِ لائِقٌ / لا بِالمشائِيمِ الطَغامِ اللِئام
يا أَيُّها البَصرَةُ تِيهي بِهِ / فَإِنَّهُ المَلكُ الأَغَرُّ الهُمام
وَإِنَّهُ أَوحَدُ هَذا الوَرى / حِلماً وَعِلماً وَنَدىً وَاِعتِزام
بَثَّ بِها الأَمنَ وَرَدَّ المُنى / غَضّاً وَكانا آذَنا بِاِنصِرام
وَلَم يُصَعِّر خَدَّهُ مُعرِضاً / كِبراً وَلَم يَفضُض لِجُورٍ خِتام
يابا شُجاعٍ يا ثِمالَ الوَرى / يا طاهِراً مِن كُلِّ ذَمٍّ وذام
يا شِبهَ ذي القَرنَينِ مَن رَهطِهِ ال / غُرِّ بَني العِيصِ المُلوكِ الكِرام
كَأَنَّما البَصرَةُ مُذ جُزتَها / أَشلاءُ غِمدٍ سُلَّ مِنهُ الحُسام
بُدِّلَتِ الوَحشَة مِن أُنسِها / وَأُلبِسَت بَعدَ الضِياءِ الظَلام
وَكُلُّ أَرضٍ فَقَدَت شَمسَها / غَشّى الدُجى ساحاتِها وَالخِيام
وَالآنَ إِذ عُدتَ إِلَيها زَهَت / وَاِبتَسَمَت بِالبِشرِ أَيَّ اِبتِسام
فَلا خَلَت مِنكَ الرَعايا وَلا / زِلتَ لِمُرفَضِّ المَعالي نِظام
يا مالِكَ الخَيرِ عَلَيكَ السَلام
يا مالِكَ الخَيرِ عَلَيكَ السَلام / أَتاكَ شَيخٌ مِن أَضَلِّ الأَنام
فَأجِّجِ النارَ وَاِفتح لَهُ / أَبوابَها وَاِنعم لَهُ بِالقِيام
وَاِجعَلهُ بِالتابُوتِ مِن خَلفِهِ / إِبليسُ يَمشي حافِياً في فِئام
وَقُل لَهُ يَختارُ في جَوفِهِ / بَيتاً وَزَيِّنهُ بِغَبنٍ وَلام
وَزُفَّهُ تَرقُصُ مِن حَولِهِ / عَقارِبٌ كَالبُختِ أَو كَالنَعام
وَقُل لِأَهلِ النارِ حُفّوا بِهِ / فَهوَ لِمَن سَنَّ المَعاصي إِمام
حَتّى إِذا أَكمَلَ في قَعرِها / مِنَ المَدى يا مالِكاً أَلفَ عام
فَأمُر بِهِ يَخرُجُ لَو مُكرَهاً / مِنها إِلى الخُلدِ وَدارِ السَلام
أَلا قُل لِمَن أَرهَقَتهُ الذُنوبُ
أَلا قُل لِمَن أَرهَقَتهُ الذُنوبُ / وَخافَ مِن الدَهرِ خَطباً جَسيما
عَلَيكَ الهَدِيَّةَ إِنّي رَأيتُ / لَها عِندَنا اليَومَ شَأناً عَظِيما
تُجِيرُ لِذي الحُمقِ أَنّى أَرا / دَ حَمقاتِهِ وَتُعِزُّ اللَئيما
وَتبري السَخائِمَ حَتّى ترِي / كَ أَعدى عَدُوٍّ وَلِيّاً حَميما
وَأَيسَرُ شَيءٍ يَحُلُّ العُقودَ / وَيُصبِحُ مُهديهِ مُوسى الكَلِيما
فَبالشاةِ يَصفَعُ زَيدٌ أَخا / هُ في مِصرِنا وَيُفَرّي الأَديما
وَيُضحي الَّذي أَنفُهُ في التُخُومِ / يُطاوِلُ مَن يَتَمَطّى النُجُوما
فَكَم مِن بُطَيطِيخَةٍ بَرَّدَت / لَوافِحَ مِن قَبلُ كانَت سُمُوما
وَكَم حُلَّةٍ عَمَّرَت مَنزِلاً / وَأَبقَت مَنازِلَ قَومٍ رُسُوما
فَلا تَحقِرَنَّ قَليلَ الرُشا / فَريحُ الدَواءِ تُحيطُ الكُلوما
مَن ذا أَفتاكِ بِسَفكِ دَمي
مَن ذا أَفتاكِ بِسَفكِ دَمي / يا غُرَّةَ حَيِّ بَني جُشَمِ
فَتعالَي غَيرَ مُدافِعَةٍ / نَقصُص رُؤياكِ عَلى حَكَمِ
أَبِنَظرَةِ عَينٍ عَن خَطأٍ / عَرَضَت بِالعَمدِ يُراقُ دَمي
إِن كان جَنى طَرفي فَلَقَد / يَكفيهِ مَقالُكِ لا تَنَمِ
فَذَري الواشينَ فَقَد نَطَقُوا / زُوراً وَهُمُ شَرُّ الأُمَمِ
زَعَمُوا أَنّي بِسِوائِكُمُ / كَلِفٌ كَذَبُوا في زَعمِهِمِ
إِن كُنتُ أَجَلتُ بِغَيرِكُمُ / طَرفي أَبغي بَدَلاً فَعَمي
أَو كُنتُ نَطَقتُ بِثَلبِكُمُ / يَوماً في الناسِ فَفُضَّ فَمي
أَو كُنتُ نَصَبتُ لِغائِبِكُم / سَمعاً فَبَقيتُ أَخا صَمَمِ
أَو لاقَ لِقَلبي بَعدَكُمُ / خِلّاً فَخُلِقتُ أَخا سَقَمِ
أَو كُنتُ مَشَيتُ بِسَيِّئَةٍ / فَيكُم فَثَكِلتُ لَها قَدَمي
يا طِيبَ الوَصلِ وَدارُ الحَيِّ / بِحَيثُ الأَبطَحُ ذُو الحَرَمِ
وَالدَهرُ بِعَينَيهِ سَدَرٌ / عَن شَملِ الحَيِّ المُلتَئِمِ
نَغدُو وَنَروحُ وَمَذهَبُنا / شُربُ الصَهباءِ عَلى النَغَمِ
وَأَزُورُ الحِبَّ عَلانِيَةً / وَيَزُورُ جَنابي عَن أَمَمِ
كَم لَيلٍ بِتُّ أُفاكِهُهُ / فَحَشاً لِحَشاً وَفَماً لِفَمِ
وَأُعَلِّلُهُ وَيُعَلِّلُني / مِن ذِي أَشَرٍ عَذبٍ شَبِمِ
وَالمالُ يَمُدُّ رُواقَ السِت / رِ عَلى المُثرينَ مِنَ التُهَمِ
فَتَرى الرُقباءَ طَلائِعَنا / وَشُهُودَ العِفَّةِ وَالكَرَمِ
سُقياً لِلَيالي اللَهوِ لَقَد / كانَت وَتَوَلَّت كَالحُلمِ
يا خُضرَتَها يا نضرَتَها / ياحَسَرَتها إِذ لَم تَدُمِ
إِذ لَيسَ البِيضُ تُؤَنِّبُني / بِمَشيبٍ لاحَ وَلا عَدَمِ
ساوَت في الحُسنِ زَمانَ المَل / كِ عِمادِ الدِّينِ حَيا الأُمَمِ
مَسعُودِ الخَيلِ نَقِيِّ الذَي / لِ سَنِيِّ النَيلِ لَدى القُحَمِ
مَلِكٌ أَحيا بِمَواهِبِهِ / قَتلى الإِملاقِ مِنَ الرِّمَمِ
وَأَنارَ بِساطِعِ سُؤدَدِهِ / لِذَوي الأَملاكِ دُجى الظُلَمِ
وَأَقامَ بِحُسنِ سِياسَتِهِ / شُوسَ الأَملاكِ عَلى النِّقَمِ
وَأَذَمَّ لِمَن أَضحى بِحِبا / هُ عَلى الأَيّامِ فَلَم يَرِمِ
مَلكٌ تَختالُ قُرى البَحرَي / نِ بِهِ في الحُسنِ عَلى إِرَمِ
نَدِسٌ رَدِسٌ شَكِسٌ مَكِسٌ / شَرِسٌ مَرِسٌ وافي الذِمَمِ
لَهِجٌ بَهِجٌ بِفَواضِلِهِ / سَمحٌ طَمحٌ عَالي الهِمَمِ
يَسِرٌ عَسِرٌ فَرِحٌ تَرِحٌ / وَالخَيلُ تَعَثَّرُ بِاللِّمَمِ
سَل عَنهُ غَداةَ الصَخرِ وَقَد / جاءَت تَتَبارى في اللُجُمِ
شُعثاً تَحمِلنَ أُسُودَ شَرىً / في غابِ القَسطَلِ لا الأُجُمِ
يَتبَعنَ هُماماً صَولَتُهُ / تَسطُو بِالأَرعَنِ ذِي الشَمَمِ
غَمَرَ المَسلُوبَ بِها سَحَراً / سَيلٌ يَحكي سَيلَ العَرِمِ
رَجَفَت مِن وَقعِ سَنابِكِها / غِيطانُ البَرِّ مَعَ الأُكُمِ
لَولا حَملاتُ عِمادِ الدِّي / نِ عَلى الأَبطالِ بِلا سَأَمِ
لَغَدَت وَالنَصرُ مُقارِنُها / تَستاقُ الشاءَ مَعَ النَعَمِ
لَكِن ما زالَ يِجالِدُهُم / ضَرباً بِمُهنَّدِهِ الخَذِمِ
حَتّى رَجَعُوا وَوِطابُهُمُ / صَفِرٌ يَقفُونَ هَلا بِلَمِ
كانَت لَولاهُ بَنُو عَيلا / نَ كَلَحمٍ رُضَّ عَلى وَضَمِ
مَنَعَ الجُلّابَ وَما جَلَبُوا / فَلَهُ فيهِم أَسنى النِعَمِ
خُلِقَت لِلنَصلِ أَنامِلُهُ / وَالبَذلِ الشامِلِ وَالقَلَمِ
فَالنَصلُ لِأَهلِ عَداوَتِهِ / وَلِكُلِّ لَهاةٍ كَالأطُمِ
وَالبَذلُ لِأَهلِ مَوَدَّتِهِ / وَأَخٍ في اللَهِ وَذي رَحِمِ
وَيُشيرُ إِلى القَلَمِ المَيمُو / نِ بِما يُنشِيهِ مِنَ الحِكَمِ
فَإِلَيكَ أَبا المَنصُورِ عُقُو / دَ لآلي الدُرِّ المُنتَظِمِ
جاءَت بِكراً مِن نَظمِ فَتىً / في وُدِّكَ لَيسَ بِمُتَّهَمِ
يُثني بِلسانِ الصِدقِ علَي / كَ ثَناءَ الوامِقِ ذِي اللَزَمِ
وَيَمُتُّ بِأَرحامٍ وَشَجَت / مِن عِيصِكَ ذِي لَحمٍ وَدَمِ
فَبَقيتَ بَقاءَ الدَهرِ وَرُح / نَ لَكَ الأَيّامُ مِنَ الخَدَمِ
أَلا رَحَلَت نُعمٌ وَأَقفَرَ نعمانُ
أَلا رَحَلَت نُعمٌ وَأَقفَرَ نعمانُ / فَبُح بِاِسمِها إِن عَزَّ صَبرٌ وَسُلوانُ
شُرَيكِيَّةٌ مُرِّيَّةٌ حَلَّ أَهلُها / بِحَيثُ تَلاقى بَطنُ مرٍّ وَمرّانُ
وَعَهدي بِها إِذ ذاكَ وَالشَملُ جامِعٌ / وَصَفوُ التَداني لَم يُدارِكهُ هِجرانُ
وَنَحنُ جَميعاً صالِحُونَ وَحالُنا / تَسُوءُ العِدى وَالكُلُّ في اللَهوِ جَذلانُ
فَكَم يَومِ لَهوٍ قَد شَهِدتُ وَلَيلَةٍ / وَلَيسَ عَلَينا لِلعَواذِلِ سُلطانُ
نَروحُ وَنَغدُو لا نَرى الغَدرَ شِيمَةً / وَلا بَينَنا في الوَصلِ مَطلٌ وَلَيّانُ
وَمُبدِيَةٍ تِيهاً عَلَيَّ وَقَد رَأَت / بَياضاً بِرأسي قَد بَدا مِنهُ رَيعانُ
فَقُلتُ لَها لا يا اِبنَةَ القَومِ إِنَّني / أَعِزُّ إِذا ذَلَّت كُهُولٌ وَشُبّانُ
وَإِنّي لَمِن قَومٍ أُباةٍ أَعِزَّةٍ / مَصالِيت ما خامُوا قَديماً وَلا خانُوا
لِيَ النَسَبُ الوَضّاحُ قَد عَلِمَت بِهِ / مَعَدٌّ إِذا عُدَّ الفَخارُ وَعَدنانُ
إِذا اِفتَخَرَت بِالضَجعَمِيِّينَ قَومها / قُضاعَةُ وَاِنتاشَت عُرى العِزِّ قَحطانُ
وَجاءَت بِأَولادِ التَبابِعِ حِميَرٌ / وَمَدَّت بَضَبعَيها إِلى الفَخرِ كَهلانُ
وَقالُوا لَنا الأَنصارُ أَوسٌ وَخَزرَجٌ / وَحَسبُكَ مِن فَخرٍ لَهُ الذِكرُ وَالشانُ
وَجاءَت بَنُو كَعبٍ بِعَبدِ مَدانِها / وَطالَت بِزَيدِ الخَيلِ طَيٌّ وَنَبهانُ
وَعَدُّوا عَلى العِلّاتِ أَوساً وَحاتِماً / عَلى ثِقَةٍ أَن لا يُسامِيهِ إِنسانُ
وَقامَت تَرُومُ المَجدَ لَخمٌ بِمُنذِرٍ / وَعَمرٍو وَنُعمانٍ وَحَسبُكَ نُعمانُ
وَعَدَّت بَنُو ساسانَ كِسرى وَهُرمُزاً / وَسابُورَ وَالأَملاكَ أَعقَبَ ساسانُ
فَقَومي الأُلى أَجلُوا قُضاعَةَ عَنوَةً / وَدانَت لَهُم كَلبٌ وَنَهدٌ وَخَولانُ
وَهُم فَلَّقُوا هامَ التَبابِعِ إِذ طَغَت / يُقِرُّ بِهِ وادي خَزازى وَسُلّانُ
غَداةَ تَوَلَّت حِميرٌ في جُمُوعِها / وَذاقَ الرَدى في مُلتَقى الخَيلِ صُهبانُ
وَهُم ضَرَبُوا عَبدا المدانِ بِمَنعَةٍ / وَقَد شُرِعَت فِيهِم سُيوفٌ وَخِرصانُ
وَهُم نَصَرُوا بَعدَ النَبِيِّ وَصِيَّهُ / ولا يَستَوي نَصرٌ لَدَيهِ وَخِذلانُ
وَجاءَت بِزَيدِ الخَيلِ قَسراً خُيُولُهُم / أَسيراً لَها وَالجَوُّ بِالنَقعِ مَلآنُ
فَلَولا جِوارٌ مِن يَزيدِ بنِ مُسهِرٍ / لَراحَ وَضَيفاهُ عُقابٌ وَسِرحانُ
وَبَذّوا بِمَعنٍ جُودَ أَوسٍ وَحاتمٍ / وَلا يَستَوي بَحرٌ خِضَمٌّ وَخلجانُ
وَعاذَت بِهِم مِن دَهرِهِم آلُ مُنذِرٍ / فَصانَهُمُ حامي الحَقيقَةِ صَوّانُ
وَلَم يَحمِ كِسرى مِن حُدودِ سُيُوفِهِم / لُيُوثٌ لَها بِالجَوِّ زَأرٌ وَزُورانُ
وَهُم مَلَكُوا أَكنافَ نَجدٍ وَطَأطَأَت / لِعِزّتِهِم بِالشامِ عَمرٌو وَغَسّانُ
وَسارَت إِلى البَحرَينِ مِنهُم عِصابَةٌ / مَصاليتُ غاراتٍ مَغاويرُ غرّانُ
فَعَن هَجَرٍ ذادُوا القَرامِطَ عَنوَةً / وَقَد شَرِكَت فيها عَتيكٌ وَحُدّانُ
وَسارُوا إِلى أَرضِ القَطيفِ فَلَم يَكُن / لِيمنَعَها مِنهُم حُصُونٌ وَحِيطانُ
وَلَم تَمتَنِع مِنهُم أَوالُ بَمُزبِدٍ / مِنَ اليَمِّ تُزجيهِ شَمالٌ وَمَرخانُ
لَياليَ يَحمي الجابِرِيَّة مِنهُمُ / إِلى الرَملِ مِطعامُ العَشِيّاتِ مِطعانَ
وَإِن سَلِمَت نَفسُ الأَميرِ مُحَمَّدٍ / شَكَت مِن سَراياهُ عُمانٌ وَعَمّانُ
وَسارَت إِلى أَرضِ الشآمِ جُيُوشُهُ / وَلَم يَمتَنِع مِنها زَبيدٌ وَنَجرانُ
فَتىً لَم يَزَل يَسمُو إِلى كُلِّ غايَةٍ / إِذا راحَ حَظُّ القَومِ نَحسٌ وَنُقصانُ
لَقَد ضَلَّ قَومٌ مِن عُقَيلٍ وَما اِهتَدُوا / بَلى إِنَّهُم فِيما تَمَنَّوهُ عُميانُ
لَئِن طَلَبَت أَهلُ المَمالِكِ حَقَّها / وَسارَ بِهِم قَلبٌ إِلى المَجدِ حَرّانُ
فَلا عَجَبٌ أَن يَطلبَ الحَقَّ أَهلُهُ / فَلِلدَوحِ أَوراقٌ نَشَأنَ وَأَغصانُ
فَلَيسَ لِقَومٍ غَيرِهِم أَن يُعَرِّضُوا / نُفوسَهُمُ لِلّيثِ وَاللَّيثُ غَضبانُ
فَيُوشِكُ إِن جاشَت غَوارِبُ بَحرِهِ / يُغَرِّقُهُم مِنهُنَّ مَوجٌ وَطُوفانُ
فَيا آلَ كَعبٍ لا تَخُونُوا عُهُودَهُ / فَلَيسَ بِراقٍ ذِروَةَ المَجدِ خَوّانُ
فَكائِن لَهُ مِن نِعمَةٍ بَعدَ نِعمَةٍ / عَلَيكُم وَإِحسانٍ يُوالِيهِ إِحسانُ
تُقِرُّ بِهِ أَحياءُ قَيسٍ وَخِندِفٍ / وَبِئسَ جَزاءُ القَومِ غَدرٌ وَكُفرانُ
كَفاكُم مُقاساةَ الأَعادي فَأَصبَحَت / تُجَرُّ لَكُم في باحَةِ العِزِّ أَرسانُ
وَقادَ جِيادَ الخَيلِ قُبّاً عَوابِساً / عَلَيهِنَّ فِتيانٌ مَصاليت شُجعانُ
فَرَدَّ سَعيداً عَن هَواهُ وَقادَهُ / تَحُفُّ بِهِ خَيلٌ عِرابٌ وَرُكبانُ
وَأَقسَمَ أَن لا بُدَّ مِن دارِ عامِرٍ / وَلَو حالَ مِن دُوني ثَبيرٌ وَثَهلانُ
وَأَغنى ذَوي الحاجاتِ مِنكُم بِمالِهِ / فَأَضحى لِكُلٍّ مِن عطاياهُ دِيوانُ
وَكَم راجِلٍ أَمسى بِنُعماهُ فارِساً / وَكانَت صَفايا مالِهِ المَعزُ وَالضانُ
وَكَم مِن حَريبٍ راحَ نَهباً سَوامُهُ / فَراحَ عَلَيهِ لِلكآبَةِ عُنوانُ
فَأَما أَتاهُ شاكِياً مِن زَمانِهِ / غَدا مِن عطايا كَفِّهِ وَهوَ جَذلانُ
وَكَم مُذنِبٍ قَد خافَ مِنهُ عُقُوبَةً / تَلَقّاهُ مِنهُ حُسنُ صَفحٍ وَغُفرانُ
وَكَم مِن قَبيلٍ راحَ يَزحَفُ بَعضُهُ / لِبَعضٍ وَقَد شُبَّت بِوَادِيهِ نِيرانُ
تَلافاهُ مِنهُ حُسنُ رَأيٍ وَسَطوَةٍ / فَراحَ وَقد ماتَت حُقُودٌ وَأَضغانُ
وَأُقسِمُ أَن لَو كانَ في عَصرِ وائِلٍ / لَما اِقتَتَلَت عَمرُو بنُ غَنمٍ وَشَيبانُ
فَعِش وَاِبقَ يا تاجَ المُلوكِ مُؤَيَّداً / لَكَ النَصرُ جُندٌ وَالمقادِيرُ أَعوانُ
مُعاديكَ مَغنُومٌ وَراجيكَ غانِمٌ / وَمَجدُكَ مَحرُوسٌ وَرَبعُكَ فَينانُ
أَظُنُّكَ خِلتَ الشَوقَ وَالنَأيَ أَبكاني
أَظُنُّكَ خِلتَ الشَوقَ وَالنَأيَ أَبكاني / فَأقبَلتَ نَحوي يابِسَ الدَمعِ تَلحاني
فَقُم فَاِلتَمِس خِلّاً سِوايَ فَما أَرى / صَحابَةَ مَن لَم يتَّبِع شَأنُهُ شاني
كَأَنَّكَ ما شاهَدتَ ما قَد أَصابَني / بِهِ الدَهرُ مِن صُيّابِ قَومي وَإِخواني
رُزِئتُ مُلوكاً لَو بَكَيتُ لِفَقدِهِم / دَماً ما كَفاني عُمرُ نُوحٍ وَلُقمانِ
بِهِم كُنتُ أَرمي مَن رَماني وَأَتَّقي / بِهِم نائِباتِ الدَهرِ مِن حَيثُ تَلقاني
بِأَسيافِهِم ذاقُوا الرَدى وَتَجَرَّعُوا / حَسا المَوتِ لا أَسيافِ قَيسٍ وَغَيلانِ
وَلَيسَ عُقوقاً مِنهُمُ بَل تَعالِياً / إِلى خَيرِ غاياتٍ وَأَشرَفِ بُنيانِ
لَعَمري لَقَد سُرَّ العَدُوُّ وَأظهِرَت / دَفاناتُ أَحقادٍ سُتِرنَ وَأَضغانِ
وَمَدَّت عَضاريطُ الرِجالِ أَكُفَّها / لِتَلمَسَ عِزّاً بَعدَ ذُلٍّ وَإِذعانِ
وَأَطمَعَ فِينا فَقدُهُم كُلَّ مُسبَعٍ / وَشاوِيِّ أَغنامٍ وَعامِلِ فَدّانِ
فَيا بارِدَ الأَنفاسِ دَعني فَإِنَّهُ / قَليلٌ لَهُم مِن مَعشَرٍ فَيضُ أَجفانِ
فَلَو جاءَكَ الناعِي بِما جاءَني بِهِ / لَما عِشتَ إِلّا لابِساً ثَوبَ أَسفانِ
لَطابَ لَدَيكَ النَوحُ وَاستُسمِجَ العَزا / وَأَصبَحتَ في شَأنِ البُكا بَعضَ أَعواني
أَتَلحى عَلى فَيضِ الدُموعِ وَقَد ثَوى / أَخي وَشَقيقي وَاِبنُ عَمّي وَخُلصاني
أَمِن بَعدِ مَذكُورٍ أَصُونُ مُدامعاً / تَقِلُّ لَهُ لَو أَنَّها مِن دَمٍ قانِ
أَلا عَمِيَت عَينُ اِمرِئٍ لَم تَجُد لَهُ / بِدَمعٍ وَأَضحى رَبُّها رَبَّ عميانِ
وَأَيُّ اِبنِ عَمٍّ إِن دَعَوتُ لِنازِلٍ / أَجابَ بِعَزمٍ صادِقٍ غَيرِ خَوّانِ
أَقُولُ لِناعيهِ وَقَد كَظَّنِي البُكا / وَقَد أَضَّ مِن صَدري تَأَجُّجُ نِيرانِ
وَقَد أَشرَفَ الرَكبُ العِراقيُّ قَاصِداً / إِلى الخَطِّ أَعلا ذِي الشَقِيقَةِ فُرقانِ
أَحَقّاً ثَوى في اللَحدِ وَاِستَوطَنَ الثَرى / وَجاوَرَ فِيهِ كُلَّ ذِي نازِحٍ دانِ
فَقالَ نَعَم لَم آتِ حَتّى تَناوَحَت / عَلى يَومِهِ بِيضُ الخُدورِ بِأَلحانِ
وَحَتّى رَأَيتُ القَومَ حَولَ سَريرِهِ / حُفاةً يَنادونَ العَويلَ بِإِعلانِ
فَقُلتُ وَلَم أَملِك عَزائِي وَعَبرَتي / أُرَدِّدُها في صَحنِ خَدّي بِأَرداني
أَلا شَقِيَت قَومي لَقَد غالَها الرَدى / بِمقدامِ غاراتٍ وَفَلّالِ أَقرانِ
بِماذَا أُصِيبَت وَيلَها يَومَ سَدَّدَت / إِلَيهِ المَنايا سَهمَ صَفراءَ مِرنانِ
لَقَد كانَ غَيظاً لِلأَعادي وَباذِخاً / يَلُوذُ بِهِ جانٍ وَيَأمَلُهُ عانِ
فَمن بَعده مَن لِلرِماحِ يُعِلُّها / وَيُنهِلُها مِن كُلِّ أَشوَسَ مِطعانِ
وَمَن لِتَوالي المُرهَقِينَ إِذا غَدَت / تَعاطى وَأَبدى الشَرُّ صَفحَة عُريانِ
وَمَن لِجَلِيلِ الخَطبِ يَوماً إِذا أَتَت / هَوازِنُ تُردي بَينَ بَيضٍ وَأَبدانِ
وَمَن لِمضيمٍ مَضَّهُ الضَيمُ وَاِلتَوى / بِهِ ذُو ظُلاماتٍ تُعَدُّ وَعُدوانِ
وَمَن لِأَسيرٍ غارِمٍ قَلَّ مالُهُ / وَآبَ مِنَ المَولى الشَقيقِ بِحِرمانِ
فَيا آلَ إِبراهِيمَ بَكّوا لِيَومِهِ / دَماً وَأَقيمُوا سُوقَ نَوحٍ وَإِرنانِ
وَقُومُوا لِأَخذِ الثَأرِ جِدّاً وَلا تَنوا / قِيامَ أَبيٍّ لا حَرونٍ وَلا وانِ
فَعِندَكُمُ للطَّعنِ سُمرٌ عَواسِلٌ / وَلِلضَربِ بِيضٌ لا تَقِرُّ بِأَجفانِ
يُخَبِّرنَ عَن أَيّامِ مُرَّةً واِبنهِ / أَبيكُم وَعَن أَيّامِ ذُهلِ بنِ شَيبانِ
بِها ضَرَبَت آباؤُكُم وَجُدُودُكُم / جَماجِمَ أَهلِ البَغيِ مِن قَبلِ ساسانِ
فَلَو أَنَّ في الحَيِّ الشِبانِيّ ثارَهُ / لَكُنتُ أُمنّي النَفسَ عَنهُ بِسُلوانِ
وَإِن كانَ لا يُوفى بِهِ مِن دِمائِهِم / قَتيلٌ وَلَو أَوفى عَلى رَبِّ عَلهانِ
ولَكِنَّهُ أَمسى قَتيلاً لِمَعشَرٍ / إِذا قِيلَ مَن هُم قِيل هَيُّ بنُ بيّانِ
وَلَو جاءَهُ مُغتالُهُ مِن أَمامِهِ / لَراحَ أَكيلاً بَينَ نَسرٍ وَسِرحانِ
أَوِ اِنصاعَ عَدواً يَقتَفي إِثرَ غَيرِهِ / مَخافَةَ مَشبُوحِ الذِراعَينِ غَضبانِ
فَمَن مُبلِغٍ عَنّي أَباهُ رِسالَةً / مُغَلغَلَةً عَن مُوجَعِ القَلبِ حَرّانِ
أَيا عَمُّ لا تَجزَع فَكُلٌّ إِلى البِلى / يَصيرُ وَلا خُلدٌ لِإِنسٍ وَلا جانِ
فَلَو لَم يَمُت قَتلاً لَماتَ بِعِلَّةٍ / وَلَيسَ بِمنجٍ مِن رَدىً رَأسُ غُمدانِ
وَما قَتلُهُ مِمّا يُعابُ بِهِ الفَتى / إِذا عُدَّ يوماً بَينَ شِيبٍ وَشُبّانِ
فَقَد ماتَ بِسطامٌ بِطَعنَةِ عاصِمٍ / وَكانَ المُرَجّى في مَعَدّ بنِ عَدنانِ
وَحَمزَةُ عَمُّ المصطَفى ذاقَ حَتفَهُ / بِطَعنَةِ عَبدٍ مِن سُلالَةِ عبدانِ
كَذا اِبنُ حوارِيِّ الأَميرِ مُحَمَّدٍ / أَتاهُ الرَدى مِن كَفِّ راعٍ لِرِعيانِ
وَقَد كانَ يَلقى الأَلفَ فَرداً فَيَنثَني / كَطَيرٍ رَمَت فِيها السَماءُ بِحُسبانِ
وَما آفَةُ الشُجعانِ إِلّا اِحتِقارُها / رِجالاً وَكَم صِيدَت صُقُورٌ بِخربانِ
وَأَنتَ لَعَمرِي ما خُصِصتَ بِفَقدِهِ / وَإِنَّكَ فيهِ وَالبَعيدَ لَسِيّانِ
سَقى الجَدَثَ الثاوِي بِهِ كُلُّ رائِحٍ / مِنَ المُزنِ أَو غادٍ مُسِحٍّ بِتَهتانِ
وَحَيَّتهُ أَملاكُ السَماءِ بِجَنَّةٍ / وَظِلٍّ بَينَ رَوحٍ وَرَيحانِ
ما أَنصَفَ الطَلَلُ العافي بِماوانا
ما أَنصَفَ الطَلَلُ العافي بِماوانا / لَم نُشجِهِ يَومَ سَلَّمنا وَأَشجانا
عُجنا نُحَيّيهِ إِجلالاً وَتَكرِمَةً / مِنّا فَلَم نُبكِهِ شَوقاً وَأَبكانا
وَكُنتُ أَحسبُهُ وَالدَهرُ ذُو غِيَرٍ / لَو لَم نُحَيِّ مَغانِيهِ لَحَيّانا
فَلَستُ أَدري لِإِنكارٍ تَخَوَّنَهُ / أَم بِالعُقوقِ عَلى عَمدٍ تَوَخّانا
فَإِن يَكُن ذاكَ إِنكاراً فَلا عَجَبٌ / فَالشَيءُ يُنكِرُهُ ذُو اللُبِّ أَحيانا
رَأى عَلى شُعَبِ الأَكوارِ أَزفِلَةً / شِيباً وَيَعهَدُنا بِالأَمسِ شُبّانا
كُلٌّ مِنَ الضَعفِ قَد أَشفى عَلى هَرَمٍ / وَعِندَهُ أَنَّ حينَ الشَيبِ ما حانا
أَقُولُ وَالدَمعُ قَد بَلَّت بَوادِرُهُ / مِنّا خُدُوداً وَأَذقاناً وَأَردانا
وَقَد مُلِئتُ بِما عاينتُهُ عَجَبَاً / ما ضَرَّ سَهمَ الرَزايا لَو تَخَطَّانا
ما الذَنبُ لِلرَبعِ في هَذا فَنُلزِمُهُ / عَتباً وَلَكِنَّ هَذا الدَهرَ لا كانا
لَو لَم تَحُلَّ بِنادينا زَلازِلُهُ / لَكانَ ذَلِكُمُ الإِنكارُ عِرفانا
إِيهاً خَلِيلَيَّ مِن ذُهلِ بنِ ثَعلَبَةٍ / مَن لَم يُهِن نَفسَهُ في حَقِّها هانا
قُوما فَفي الأَرضِ عَن ذِي إِحنَةٍ سَعَةٌ / وَالحُرُّ يَختارُ أَخداناً وَأَوطانا
وَإِنَّني وَاجِدٌ في كُلِّ ناحِيَةٍ / بِالدارِ داراً وَبِالجيرانِ جِيرانا
كَم ذا المُقامُ عَلى ذُلٍّ وَمَنقَصَةٍ / وَكَم أُجَرَّعُ كَأسَ الضَيمِ مَلآنا
يَسُومني الخَسفَ أَقوامٌ أُبوّتهُم / عَبِيدُ آبايَ إِقراراً وَإِذعانا
أَرضى وَأَقنَعُ بِالحَظِّ الخَسيسِ وَلَو / أُنصِفتُ كُنتُ لَها بَدءاً وُثنيانا
وَيَعتَرِيني الأَذى مِن كُلِّ نازِلَةٍ / أَلقى أَوائِلَهُ في الناسِ خمّانا
يَعُدُّ إِن قالَ صِدقاً مِن مَفاخِرِهِ / كَرّاً وَمرّاً وَمِسحاةً وَفدّانا
يا دَهرُ إِن كُنتَ يَقظاناً فَقُم عَجِلاً / أَو ما تَزالُ إِذا نُوديتَ وَسنانا
فَاِنظُر أُمُوراً وَأَحوالاً مُنَكَّسَةً / ما كُنتُ نائِلَها لَو كُنت يَقظانا
جَدعاً وَعَقراً وَعَثراً يا زَمانُ وَلا / لَعاً لَقَد سُمتَنا جَوراً وَعُدوانا
ذَهَبتَ بِالعِزِّ وَاِستَبقَيتَ لِي غِرَراً / صُمّاً عَن الخَيرِ وَالمَعرُوفِ عُميانا
يَرى الغَنيمَةَ مَن يَرجُو نَوالَهُمُ / أَن لا يَعُودَ إِلى نادِيهِ عُريانا
وَجالِبُ المَدحِ يَستَمري أَكُفَّهُمُ / كَحالِبِ التَيسِ يَرجُو مِنهُ أَلبانا
يَعُدُّ مَمدُوحُهُم إِصغاءَ مَسمَعِهِ / إِلى مُمَدِّحِهِ فَضلاً وَإِحسانا
لِعِلمِهِ أَنَّهُ قَد جاءَ مُبتَدِعاً / وَقالَ في حَقِّهِ زُوراً وَبُهتانا
الحَمدُ لِلّهِ لَم أُنزِل بِهِم أَمَلاً / يَوماً فَأَرجِعُ كابي الزَّندِ خَزيانا
وَلا رَأَيتُهُمُ أَهلاً لِمَكرُمَةٍ / فَأَجتَدي مِنهُمُ مَقتاً وَحِرمانا
وَكَيفَ أُنزِلُ آمالي بِمُقرِفَةٍ / مَصّوا أَفاوِيقَ ثَديِ اللُؤمِ وِلدانا
يَرى جَوادُهُم العافي فَتَحسِبُهُ / رَأى هِزَبراً هَريتَ الشَدقِ طيّانا
يُخالُ سائِلهُم مِن صَرِّ أَوجُهِهم / بِالمِلحِ يَعرِكُ آنافاً وَآذانا
كَأَنَّما نَغمَةُ المُمتاحِ سَيبُهُمُ / سَهمٌ أَحَنَّ بِهِ كَبداءَ مِرنانا
جُودُ الكَريمِ لمن أَصفي مَوَدَّتَهُ / بَدءاً وَعَوداً وَإِسراراً وَإِعلانا
وَجُودُ كُلِّ لَئيمِ الطَبعِ يُمطِرُهُ / أَهلَ العَداوَةِ أَو مَن كانَ عَجّانا
يا أَيُّها الراكِبُ المُزجي لِطيَّتِهِ / وَجناءَ مَوّارَةِ الضَبعَينِ مِذعانا
أَبلِغ عَلى النَأيِ قَومي حَيثُ ما نَزَلُوا / بَرّاً وَبَحراً وَأَجبالاً وَغِيضانا
وَقُل لَهُم عَن لِساني غَيرَ مُتَّئِبٍ / قَولاً تُبَيِّنُهُ لِلقَومِ تِبيانا
كَم ذا التَغافُلُ عَمّا قَد مُنِيتُ بِهِ / وَكَم أَهُزُّكُمُ مَثنى وَوُحدانا
أَتَقنَعُونَ بِأَن أَطوي رَجاءَكُمُ / يَأساً وَأَن أَتَرَجّى الحَيَّ قَحطانا
وَأَن أُفارِقَكُم حَرّانَ قَد بَرَدَت / بِيَ المُعادُونَ أَحقاداً وَأَضغانا
لا وَفَّقَ اللَهُ في بَدوٍ وَلا حَضَرٍ / أَعَقَّنا لِمَواليهِ وَأَجفانا
وَلا رَعى في رَعاياهُ الَّتي حُفِظَت / أَبَرَّنا بِمُعادِيهِ وَأَحفانا
يا لَيتَ شِعرِيَ إِن زُمَّت رَكائِبُنا / وَقُطِّعَت مِن قُرى البَحرَينِ أَقوَانا
وَأَصبَحَت قَد أَناخَت في ذُرى مَلِكٍ / مِن حِميَرٍ أَو بَقايا الحَيِّ كَهلانا
وَجاءَتِ القَومُ أَفواجاً لِتَسأَلَني / فَصادَفُوا مَنطِقي لِلفَضلِ عُنوانا
فَإِن أُجَمجِم وَأُخفي عَنهُمُ خَبري / حَمِيَّةً جَلَبَت هَوناً وَنُقصانا
وَإِن أَقُل كُنتُ ذا مالٍ فَمَزَّقَهُ / صَرفٌ مِنَ الدَهرِ ما يَنفَكُّ يَلحانا
يُقالُ لي كُلُّ تَفريقٍ لَهُ سَبَبٌ / يَجري فَأورِد عَلَينا الأَمرَ وَالشانا
فَإِن أَقُل سَيِّدا قَومي هُما سَبَبٌ / لِذاكَ لَم أَرَ هَذا القَولَ إِحسانا
هَذا لَعَمري أَطاعَ الكاشِحينَ وَلَم / يَعطِف وَأَصغى إِلى الواشينَ إِذعانا
وَمَنَّ بَعدَ ذَهابِ المالِ عَن عَرَضٍ / يفَتِّرُ النَفسَ كَي نَدعُوهُ مَنّانا
وَجِئتُ هَذا أُرَجّي عِندَهُ أَمَلاً / نَزراً فَصادَفتُ إِعراضاً وَحِرمانا
وَفي مَوَدَّتِهِ لاقَيتُ كُلَّ أَذىً / وَاِجتيحَ وَفرِيَ بُغضاً لِي وَشَنآنا
وَكُلُّ ذِي غُصَّةٍ بِالماءِ يَدفَعُها / فَكَيفَ يَصنَعُ مَن بِالماءِ غَصّانا
وَما عَلى مَن يَقُولُ الصِدقَ مِن حَرَجٍ / وَلَيسَ تَلزَمُهُ ذَنباً وَلا ذانا
لا عَزَّ قَومٌ يَعيشُ الكَلبُ ذا بغَرٍ / ما بِينَهُم وَيَمُوتُ اللَيثُ عَطشانا
وَقائِلٍ عَدِّ عَن نَظمِ القَريضِ فَقَد / أَسمَعتَ مِن قَبلُ لَو نَبَّهتَ يَقظانا
المَجدُ أَمسى دَفيناً بِالعذارِ فَقُم / كَيما تُقيمَ لَهُ نَوحاً وَإِرنانا
فَلَيسَ بَعدَ عِمادِ الدِينِ مِن مَلِكٍ / تَخُطُّ فيهِ رُواةُ الشِعرِ دِيوانا
يا ثُكلَ أُمِّ العِدى وَالمَكرُماتِ أَما / لَو يَنطِقُ الدَهرُ عَزّاها وَعَزّانا
فَقُلتُ لَم نَرَ فيهِ مِن خِلالِ عُلاً / إِلّا وَنَحنُ نَراها في اِبنِهِ الآنا
حَزمٌ وَعَزمٌ وَبَأسٌ صادِقٌ وَنَدىً / غَمرٌ وَحِلمٌ وَعَقلٌ فاقَ لُقمانا
يا فَضلُ دَعوةَ ذِي قُربى دَعاكَ وَقَد / أَحَسَّ لِلضَيمِ في أَحشاهُ نِيرانا
أَنتَ الَّذي تَرَكَ الأَعداءَ هَيبَتُهُ / كُلٌّ يُجَمجِمُ ما يَلقاهُ حَيرانا
يَأبى لَكَ المَجدُ وَالطَبعُ الكَريمُ بِأَن / تُدعى عَلى المالِ لِلأَحداثِ خَزّانا
يا مَن يَرى بَذلَهُ الأَموال فائدةً / تَبقى لَهُ وَيَرى الإِمساكَ خُسرانا
وَأَنتَ للدَوحَةُ اللّاتي أَرُومَتُها / طابَت فَمَدَّت عَلى الأَغصانِ أَغصانا
وَفِي يَدَيكَ سَحابُ الجُودِ تُمطِرُها / عَلى الخَلائِقِ أَوراقاً وَعِقيانا
أُعِيذُ مَجدَكَ أَن أَشقى وَتَعرِفُني / نُيُوبُ دَهرٍ تَرُدُّ القَرمَ حُلّانا
نَماكَ لِلمَجدِ آباءٌ بِهِم شَرُفَت / رَبِيعَةُ الغُرُّ عَدناناً وَقَحطانا
قَومٌ هُمُ ثَأَرُوا حُجراً وَهُم أَسَرُوا / عَمراً وَهُم قَهَرُوا ذا التاج صُهبانا
وَهُم أَباحُوا حِمى كِسرى وَهُم قَتَلُوا / هامُرزَ وَاِستَنزَلُوا الأُسوارَ مَهرانا
كانُوا جِبالاً لِنَجدٍ تَستَقِرُّ بِها / عَن الزَلازِلِ إِن ماجَت وَأَركانا
حَتّى إِذا اِرتَحَلُوا عَن جَوِّها اِضطَرَبَت / وَبُدِّلَت مِنهُمُ خَسفاً وَخِذلانا
وَأَصبَحَت بِقُرى البَحرَينِ خَيلُهُمُ / تَجُرُّ لِلعِزِّ أَشطاناً وَأَرسانا
لَولا نُزولهُمُ في جَوِّها لَرَأَت / رَبِيعَةٌ هَرَباً كَيشاً وَمَكرانا
لَكِنَّهُم أَثبَتُوا آساسَها وَنَفَوا / عَنها حَمِيَّ بنَ عَيمانٍ وَحَدّانا
كَما نَفَت قَبلَ ذا قَسراً أَوائِلُهُم / عَنها إِياداً وَحُلواناً وَجِيلانا
فَهاكَها يا عِمادَ الدِينِ حاوِيَةً / دُرّاً وَمِسكاً وَياقُوتاً وَمَرجانا
بَعضُ الَّذي نالَنا يا دَهرُ يَكفِينا
بَعضُ الَّذي نالَنا يا دَهرُ يَكفِينا / فَاِمنُن بِبُقيا وَأَودِعها يَداً فِينا
إِن كانَ شَأنُكَ إِرضاءَ العَدُوِّ بِنا / فَدُونَ هَذا بِهِ يَرضى مُعادينا
فَالحَمدُ لِلّهِ حَمداً لا نفادَ لَهُ / إِذ لَم يَكُن ضَعفُنا إِلّا بِأَيدِينا
خافَت بَنُو عَمِّنا أَمراً يُعاجِلُنا / مِن قَبلِ إِلحاقِ تالينا بِماضينا
وَاِستَيقَنَت أَنَّ كُلَّ المُلكِ مُنتَزَعٌ / وَلَو تَمَكَّثَ في أَربابِهِ حِينا
وَحاذَرت دَولَةً في عَقبِ دَولَتِها / تَأتي سَريعاً فَتُلقِي سُمَّها فِينا
فَلَم تَدَع لِمُرجٍّ سَلبَ نِعمَتِها / أَرضاً قَراحاً بِأَيدِينا وَلا لِينا
وَلَم تَزَل هَذِهِ فِينا عِنايَتُها / حَتّى تَساوى اِبنُ سِتٍّ وَاِبنُ سِتِّينا
هَذا هُوَ الحَزمُ وَالرَأيُ السَديدُ فَلا / تَظُنّهُ القَومُ زَهداً في مَغانينا
لِأَنَّ مَن يَتَوَلّى الأَمرَ بَعدَهُمُ / لَيسُوا بِمَأمُونِ شَرٍّ في نَواحينا
وَالفَقرُ في أَرضِنا خَيرٌ لِصاحِبِهِ / مِنَ الغِنى وَالقَليلُ النَزرُ يُرضِينا
لِما يُعانيهِ رَبُّ المالِ مِن تَعَسٍ / في أَرضِنا لا لِأَنَّ المالَ يُطغِينا
وَكَم غِنىً عِندَنا قَد جَرَّ داهِيَةً / دَهياءَ تَترُكُ فَحلَ القَومِ عِنِّينا
فَاِنظُر أَخا العَقلِ وَالتَدبيرِ إِنَّ لَهُ / شَأناً عَظيماً وَدَوِّنهُ الدَواوِينا
لَم يَهتَدِ المَرءُ كِسرى أَن يُدَبِّرَهُ / وَكانَ أَرجَحَها عَقلاً وَتَمكِينا
وَصاحِبٍ قالَ لي وَالعَينُ تَحرُسُهُ / حِيناً وَيَنطِقُ بِالشَكوى أَحايينا
أَما تَرى قَومَنا فِينا وَما صَنَعُوا / لَم يَترُكُوا أَمَلاً فِينا لِراجِينا
مالُوا عَلَينا مَعَ الأَيّامِ وَاِستَمَعُوا / فِينا أَقاوِيلَ شانِينا وَقالِينا
مِن غَيرِ شَيءٍ سِوى قَصرٍ بِأَلسُنِنا / عَمّا يُعابُ وَطُولٍ في عَوالينا
وَأَنَّنا نَرِدُ الهَيجاءَ تَحسَبُنا / مِن زَأرِنا في الوَغى جِنّاً مَجانينا
وَلا نُبالي شَقَقنا في عَجاجَتِها / هَوادِيَ القَومِ أَو شَقَّت هَوادِينا
وَيُكرِهُ الصَعدَةَ السَمراءَ أَصغَرُنا / سِنّاً وَيُفحِمُ كَهلَ القَومِ ناشِينا
نَحنُ المُلوكُ وَأَردافُ المُلوكِ وَفي / بَحبُوحَةِ العِزِّ شادَ العِزَّ بانينا
نَحمي عَلى الجارِ وَالمَولى وَيَأمَنُنا / عَلى اِختِلافِ اللَيالي مَن يُصافِينا
آباؤُنا خَيرُ آباءٍ إِذا ذُكِرُوا / كانُوا المَشاوِذَ وَالناسُ التَساخِينا
أَيّامُنا لَم تَزَل غُرّاً مُحَجَّلَةً / وَلا تُباعُ بِأَيّامٍ لَيالينا
تَرَعرَعَ المُلكُ في أَبياتِنا وَنَشا / حَتّى اِستَوى وَمُرَبِّيهِ مُرَبِّينا
يا لَيتَ شِعري أَيُّ الذَنبِ كانَ لَنا / حَتّى بِهِ اِجتيحَ دانينا وَقاصِينا
أَضحَت بَساتِينُنا نَفدي بِأَحسَنِها / شِقصاً لِأَدنى خَسيسٍ مِن مَوالينا
بِجُلَّةِ التَمرِ وَالشاةِ الرَعُومِ غَدَت / أَملاكُنا وَاِحتَمَت أَملاكُ عادينا
إِنّا إِلى اللَهِ لا أَرحامُنا نَفَعَت / وَلا طِعانُ حُماةِ القَومِ يَحمينا
هَذا الجَزاءُ لِما سَنَّت أَسِنَّتُنا / يا لَلرِجالِ وَما أَمضَت مَواضينا
يَومَ العَطيفَةِ إِذ جاءَت مُغَلِّسَةً / كَتائِبٌ نَحوَنا بِالمَوتِ تُردِينا
تُوفي ثَلاثَةَ آلافٍ مُضَمَّنَةً / وَلا تجاوِزُ في عَدٍّ ثَلاثينا
رِماحُهُم وَظَلامُ النَقعِ يَستُرُنا / وَكَرُّنا وَضِياءُ البيضِ يُبدِينا
طَعناً بِهِ كانَ إِبراهيمُ وَالِدنا / مِن قَبلِ أَن يَنزِلَ البَحرَينِ يُوصِينا
حَتّى تَوَلَّوا وَقَد جاشَت نُفُوسُهُمُ / غَيظاً لِما عايَنُوهُ مِن تَحامِينا
وَقَبلُ رَدَّت رُبُوعَ القَومِ أَربَعَةٌ / مِنّا فَمَن ذا إِلى مَجدٍ يُسامِينا
يَومَ الشَباناتِ لا نَثني أَعِنَّتَها / كَأُسدِ خَفّانَ هِيجَت أَو عِفرِّينا
تَتلُوهُمُ آلُ حَجّافِ وَما وَلَدَت / أُمُّ العَجَرَّشِ مِثلَ الجُربِ طُلِّينا
لَم يَترُكُوا فَضلَ رُمحٍ في أَكُفِّهِمُ / وَنَحنُ نَقصدُها قَرعاً فَتُخَطِينا
هَل غَيرُنا كانَ يَلقاهُم بِعُدَّتِنا / لا وَالَّذي بَيَّنَ الفُرقانَ تَبيينا
وَكَم لَنا مِن مَقامٍ لا نُعابُ بِهِ / وَلا نُذَمُّ بِهِ دُنيا وَلا دِينا
يا ضَيعَةَ العُمرِ يا خُسرانَ صَفقَتِنا / يا شُؤمَ حاضِرِنا الأَشقى وَبادِينا
كُنّا نَخافُ اِنتِقالَ المُلكِ في مُضَرٍ / فَمَرحَباً بِكَ يا مُلكَ اليَمانينا
فَإِن تَوَلَّت مُلُوكُ الرُومِ ما بَلَغَت / مِعشارَ ما صَنَعَت إِخوانُنا فِينا
كُنّا نَضِجُّ مِنَ الحِرمانِ عِندَهُمُ / وَنَطلُبُ الجاهَ فيهِم وَالبَساتِينا
فَاليَومَ نَفرحُ أَن يُبقُوا لِمُوسِرِنا / مِن إِرثِ جَدَّيهِ سَهماً مِن ثمانينا
أَفدي الَّذي قال وَالأَشعارُ سائِرَةٌ / قَبلي يُدَوِّنُها الرَاوُونَ تَدوِينا
يا طالِبَ الثّأرِ قُم لا تَخشَ صَولَتنا / فَما نُراعي بِها مَن لا يُراعِينا
فَسَوفَ يُسقى بِكاساتِ العُقوقِ عَلى / حَرِّ الظَما مَن بِكَأسِ الغَبنِ يَسقِينا
فَما المُعادي لَنا أَولى بِبَغضَتِنا / مِن اِبنِ عَمٍّ مَدى الأَيّامِ يُؤذينا
أَعزِز عَلى اِبنِ عَلِيٍّ وَالأَكارِمِ مِن / آبائِنا أَن يُسيمَ الضَيمُ وادِينا
نالَ المُعانِدُ مِنّا ما يُحاوِلُهُ / سِرّاً وَجَهراً وَتَعرِيضاً وَتَعيينا
رامَت ذَوُو أَمرِنا إِطفاءَ جَمرَتِنا / فَبَعدَها أَلحِقِ الأَحساءَ يَبرِينا
يا قُبحَ آرائِهِم فينا فَلو عَرَفُوا / حَقَّ السَوابِقِ ما اِختارُوا البَراذِينا
فَقُل لَهُم لا أَقالَ اللَهُ صَرعَتَهُم / وَزادَ أَمرَهُمُ ضَعفاً وَتَوهِينا
هَل يَنقِمُونَ عَلَينا غَيرَ أَنَّ بِنا / صارُوا مُلوكاً مَطاعِيماً مَطاعِينا
عَزَّت أَوائِلُهُم قِدماً بِأَوَّلِنا / لِذاكُمُ عَزَّ تاليهِم بِتالينا
كَم قَد كَفَيناهُمُ مِن يَومِ مُعضِلَةٍ / لَوَ اِنَّهُم مَن عَلى الحُسنى يُكافِينا
نَحمي وَنَضرِبُ رَبَّ التاجِ دُونَهُمُ / ضَرباً يُطيرُ فِراخُ الهامِ سِجّينا
فَسَوفَ يَدرُونَ أَنَّ الأَخسَرينَ هُمُ / إِذا اِستَغاثُوا وَنادُوا يالمُحامِينا
سائِل دِيارَ الحَيِّ مِن ماوانِ
سائِل دِيارَ الحَيِّ مِن ماوانِ / ما أَحدَثَت فيها يَدُ الحَدَثانِ
وَأَطِل وُقُوفَكَ يا أُخَيَّ بِدِمنَةٍ / قَد طالَ في أَطلالِها إِذماني
كانَت جِناناً كَالجِنانِ فَأصبَحَت / لِلوَحشِ مُوحِشَةٍ وَلِلجِنّانِ
لَمّا وَقَفتُ العيسَ في عَرَصاتِها / ذَهَبَ العَزاءُ وَأَقبَلَت أَجفاني
وَذَكَرتُ أَيّاماً خَلَونَ وَأَعصُراً / ذِكرى لَهُنَّ لِسَلوَتي أَنساني
وَكَواعِباً بِذَوي العُقُولِ لَواعِباً / بِيضَ الخُدودِ نَواعِمَ الأَبدانِ
مِن كُلِّ خَرعَبَةٍ تُريكَ إِذا بَدَت / بَدرَ الدُجُنَّةِ فَوقَ غُصنِ البانِ
وَإِذا تَراءَت لِلحَليمِ رَأَيتَهُ / في فِتنَةٍ مِن طَرفِها الفَتّانِ
لَم أَنسَ يَومَ البَينِ مَوقِفَنا وَقَد / حُمَّ الفِراقُ وَفاضَتِ العَينانِ
وَتَتابَعَت زَفَراتُ وَجدٍ لَم تَزَل / مِنها القُلوبُ كَثيرَةَ الخَفَقانِ
بانوا وَكُنتُ أَعُدُّهُم لِي جُنَّةً / فَبَقِيتُ بَعدَهُمُ بِغَيرِ جَنانِ
قُرِنَ الأَسى بِجَوانِحي لَمّا بَدَت / أَظعانُهُم كَالنَخلِ مِن قُرّانِ
أَقوَت مَغانِيهم وَكانَت حِقبَةً / مَأوى الحِسانِ وَمَلعَبَ الفِتيانِ
وَمَناخَ مُمتاحِ النَوالِ وَعِصمَةً / لِلخائِفينَ وَمَلجَأً لِلجاني
وَمَحَلَّ كُلِّ مُعَظَّمٍ وَمَجالَ كُل / لِ مُطَهَّمٍ وَمَجَرَّ كُلِّ سِنانِ
بِالبيضِ بِيضِ الهِندِ يَحمي بِيضَهُ / يَومَ الوَغى وَذَوابِلِ المُرّانِ
وَبِكُلِّ أَشوَسَ باسِلٍ ذي نَجدَةٍ / سَمحِ الخَلائِقِ غَيرِ ما خَوّانِ
يَومَ النِزالِ تَخالُهُ في بَأسِهِ / مَلِكَ المُلوكِ وَآفَةَ الشُجعانِ
أَعني الأَميرَ أَبا عَلِيٍّ ذا العُلى / مُردي العِدى وَمُقَطِّرِ الأَقرانِ
مَلِكٌ إِذا اِفتَخَرَ الرِجالُ بِسَيِّدٍ / فَخَرَت بِهِ الأَحياءُ مِن عَدنانِ
لَم يَنطِق العَوراءَ قَطُّ وَلا دَرى / ما الكِبرِياءُ عَلى عَظيمِ الشانِ
ما حَلَّ حَبوتَهُ إِلى جَهلٍ وَلا / أَصغى إِلى نايٍ وَلا عِيدانِ
ذُو هِمَّةٍ مِن دُونِها القَمَرانِ / وَعَزيمَةٍ أَمضي مِنَ الحِدثانِ
لَو أَنَّ لِلعَضبِ المُهَنَّدِ عَزمَهُ / لَفَرى الجَماجِمَ وَهوَ في الأَجفانِ
وَلَوَ اِنّ لِلشَمسِ المُنيرَةِ بِشرَهُ / تاهَت فَلَم تَطلُع مَدى الأَزمانِ
عَفُّ الإِزارِ كَرِيمَةٌ أَخلاقُهُ / ناءٍ عَن الفَحشاءِ وَالشَنآنِ
أَحيَا شَجاعَةَ وائِلٍ في وائِلٍ / وَسَماحَةَ المَطَرِيِّ في شَيبانِ
وَوَفاءَ مَيمُونِ النَقِيبَةِ حارِثٍ / وَحَمِيَّةَ المَلِكِ المُعَظَّمِ هاني
يا سائِلي عَنهُ رُوَيدَكَ هَل تُرى / يَخفى الصَباحُ عَلى ذَوي الأَذهانِ
سائِل بِهِ يُخبِركَ كُلُّ مُقَلِّصٍ / نَهدٍ وَكُلُّ مُثَقَّفٍ وَيَماني
لَمّا أَتَت أَهلُ القَطيفِ بِجَحفَلٍ / مُتَوَقِّدٍ كَتَوَقُّدِ النِيرانِ
في آلِ حَجّافٍ وَآلِ شَبانَةٍ / مِثلَ الأُسُودِ بحافَتَي خَفّانِ
نَزَلُوا عَلى صَفواءَ صُبحاً وَاِبتَنوا / فيها القِبابَ وَأَيقَنُوا بِأَمانِ
وَتَسَربَلُوا حَلقَ الحَديدِ وَأَقبَلُوا / بِالخَيلِ وَالراياتِ كَالعِقبانِ
فَغَدَت فَوارِسُهُم لِما قَد عايَنَت / هَرَباً وَلَم تَعطِف عَلى النِسوانِ
فَرَمى الأَميرُ جُمُوعَهُم فَتَمَزَّقَت / كَالشاءِ إِذ جَفَلَت مِنَ السِرحانِ
وَتَحَكَّمَت فيهِم حُدودُ سُيُوفِهِ / ضَرباً فُوَيقَ مَعاقِدِ التِيجانِ
وَحَوى ظَعائِنَهُم وَأَحرَزَ ما لَهُم / غَصباً وَأَنزَلَهُم بِشَرِّ مَكانِ
أَحيا نُفوساً مِن رِجالٍ قَد رَأَت / آجالَها بِالسَيفِ رَأيَ عِيانِ
مَلِكٌ يَعُدُّ الذِكرَ عَقباً صالِحاً / وَيَرى المَآثِرَ أَشرَفَ البُنيانِ
مُتَواضِعٌ في مَجدِهِ مُتَرَفِّعٌ / عَن ضِدِّهِ غَيثٌ عَلى الإِخوانِ
وَهُوَ الَّذي قادَ الجِيادَ عَوابِساً / تَحتَ العَجاجِ إِلى بَني سَلمانِ
وَبَني لبيدٍ كُلِّها فَاِجتاحَها / بِدراكِ غاراتٍ وَحُسنِ طِعانِ
وَأَتَت إِلَيهِ بِالخَراجِ مُطِيعَةً / خَوفاً مِنَ الغاراتِ أَهلُ عُمانِ
وَتَزَعزَعَت رَهباً فَجاءَت تَبتَغي / مِنهُ الذِمامَ الشُمُّ مِن عَدوانِ
هَذا هُوَ الشَرَفُ الرَفيعُ وَهَذِهِ / شِيَمُ المُلوكِ وَغايَةُ السُلطانِ
يا هاجِرَ الأَوطانِ في طَلَبِ الغِنى / هَلّا أَنَختَ بِرَبعِهِ الفَينانِ
رَبعٌ إِذا رَبَعَت إِلَيهِ قَبيلَةٌ / عَلقَت بِحَبلٍ مِن غِنىً وَأَمانِ
تَلقى الغِنى وَالعِزَّ نَبتَ رِياضِهِ / بَدَلاً مِنَ القَيصُومِ وَالسَهبانِ
بَردٌ وَظِلٌّ لِلصَديقِ وَجَنَّةٌ / وَعَلى أَعاديهِ حِميمٌ آنِ
وَإِذا نَزَلتَ بِهِ أَنالَكَ ما حَوَت / كَفّاهُ مِن تِبرٍ وَمِن عِقيانِ
وَإِذا اِحتَبى وَسطَ النَدِيِّ رَفعتَهُ / عَن أَن تُشَبِّهَهُ بنُو شَروانِ
وَإِذا نَظَرتَ إِلى فَصاحَةِ نُطقِهِ / أَلهاكَ عَن قُسٍّ وَعَن سَحبانِ
بَحرٌ يَعُبُّ لِسائِلٍ وَمُسائِلٍ / طَودٌ أَشَمّ لِمُستَكينٍ عانِ
يُبدي النَدى وَيُعيدُهُ وَكَمِ اِمرِئٍ / يُبدي المُنى وَيُعيدُ بِالحِرمانِ
فَاِسلَم وَعِش يابا عَلِيٍّ ما دَجى / لَيلٌ وَناحَ الوُرقُ في الأَغصانِ
في نِعمَةٍ وَسَعادَةٍ في دَولَةٍ / مَحرُوسَةٍ بِاليُمنِ وَالإِيمانِ
عَلى مَ وَفي مَ ظُلماً تَلحَياني
عَلى مَ وَفي مَ ظُلماً تَلحَياني / ذَراني لا أَبا لَكُما ذَراني
وَحَسبُكُما فَما سَمعي بِمُصغٍ / وَلا واعٍ لِما تَتَحَدَّثانِ
فَلي هِمَمٌ إِذا جاشَت أَرَتني / قُرى عَمّان مِيلاً مِن عُمانِ
إِذا سُولِمتُما فَتَناسَياني / وَإِن أُسلِمتُما فَتَذَكَّراني
فَمِثلي مَن يُقيمُ صَغى الأَعادي / وَيُستَعدى عَلى نُوَبِ الزَمانِ
وَما ذِكرُ المَنِيَّةِ عِندَ أَمرٍ / أُحاوِلُهُ بِثانٍ مِن عِناني
إِذا يَومي أَظَلَّ فَما أُبالي / بِسَيفٍ كانَ حَتفي أَو سِنانِ
وَمَن يَكُ عُمرُهُ المَكتُوبُ تِسعاً / فَلا يَخشى المَنِيَّةَ في الثَمانِ
وَبُعدٌ عَن أَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ / إِذا ما عَقَّ خَيرٌ مِن تَدانِ
فَلا يَتَوَهَّمِ السُفَهاءُ أَنّي / أَحِنُّ إِلى غَوانٍ أَو مَغانِ
وَلا أَنّي أَرى وَالمَوتُ حَتمٌ / بِعَينِ جَلالَةٍ مَن لا يَراني
عَظيمُ الناسِ في عَيني حَقيرٌ / إِذا بِالمُقلَةِ الخَوصا رَآني
مُحالٌ أَن أُواصِلَ مَن جَفاني / وَأَسمَحَ بِالوِدادِ لِمَن قَلاني
وَأَرعَنَ ظَلَّ يَنفُضُ مِذرَوَيهِ / وَيُبرِقُ لي وَيُرعِدُ بِاللسانِ
فَقُلتُ لَهُ وَقَد حَنظى وَأَربى / خَرِستَ أَلِي تُقَعقِعُ بِالشِنانِ
دَعِ الخُيلاءَ عَنكَ وَلا تُخاطِر / قُروماً كُلُّها ضَخمُ الجِرانِ
وَخاطِر مِثلَ قعدانِ الجَزارِي / إِذا جاءَت تُساقُ مِنَ الكُرانِ
فَغَيرُ مُنَفِّرٍ لِلدِّيكِ عُرفٌ / عَلى البازِي المُطِلِّ وَرِيشَتانِ
عَلى أَنَّ الأَرازِلَ حَيثُ كانُوا / وَإِن أُحرِجت مِنّي في أَمانِ
يَعافُ لُحُومَهُم كِبراً حُسامي / وَيَأبى سَبَّهُم كَرَماً لِساني
وَقائِلَةٍ وَأَدمُعُها تَوامٌ / تَساقُطُها كَمُرفَضِّ الجُمانِ
وَقَد نَظَرَت إِلى عِيسي وَرَحلي / وَسَوطي وَالحَقيبَةِ وَالفِتانِ
أَكُلُّ الدَهرِ نَأيٌ وَاِغتِرابٌ / أَما لِدُنُوِّ دارِكَ مِن تَدانِ
لِمالٍ أَو لِعِزٍّ أَو لِعلمٍ / تُعاني وَيبَ غَيرِكَ ما تُعاني
تَغَنَّ بِما رُزِقتَ فَكُلَّ شَيءٍ / خَلا مَن قَدَّرَ الأَشياءَ فانِ
وَلِج بابَ الخُمولِ فَذا زَمانٌ / أَباحَ اليَعرَ لَحمَ الشَيذُمانِ
وَلا تَتَجَشّمِ الأَهوالَ كَيما / يُقالُ بَنى فَأَعجَزَ كُلَّ بانِ
فَقُلتُ لَها إِلَيكِ فَعَن قَليلٍ / أُعَرِّفُ مَن تَجاهَلَني مَكاني
فَقَد شاوَرتُ يا رَعناءُ عَزمي / مِراراً في الخُمولِ وَقَد نَهاني
وَكَيفَ يَرى الخُمولَ فَتىً أَبُوهُ / أَبي وَجنانُهُ الماضي جَناني
سَأَرحَلُ رِحلَةً تَذَرُ المَطايا / وَشارِفَها الخُدَيَّةَ كَالإِهانِ
فَإِمّا أَن أَعيشَ مَصادَ عِزٍّ / لِمَجنِيٍّ عَلَيهِ أَو لِجانِ
وَإِمّا أَن أَمُوتَ وَما عَلَيها / سِوى مَن خافَني أَو مَن رَجاني
فَمَوتُ الحُرِّ خَيرٌ مِن حَياةٍ / يُقاسي عِندَها ذُلَّ الهَوانِ
أَأَخلُد بَينَ خِبٍّ أُسحُوانٍ / يُماكِرُني وَجِلفٍ حِنظِيانِ
يُوَفَّرُ ما عَنى هَيُّ بنُ بَيٍّ / عِناداً لِي وَيُؤكَلُ ما عَناني
تَرى أَنّي بِذا أَرضى وَعَزمي / يَضيقُ بِمُقتَضاهُ الخافِقانِ
وَبَيتي دُونَ مَحتدِهِ الثُرَيّا / وَجاراتُ السُهى وَالشِّعرَيانِ
وَلِي بِفَصاحَةِ الأَلفاظِ قُسٌّ / يُقِرُّ وَدَغفَلٌ وَالأَعشَيانِ
وَلَستُ إِذا تَشاجَرَتِ العَوالي / بِغمرٍ في اللِّقاءِ وَلا جَبانِ
وَلَكِنّي حُدَيّا كُلِّ يَومٍ / تَلاقى عِندَهُ حَلَقُ البِطانِ
أَخُو الكَرَمِ العَتيدِ وَذُو المَقالِ الس / سدِيدِ وَمِدرَهُ الحَربِ العَوانِ
وَلَولا السَيفُ ما سَجَدَت قُرَيشٌ / وَلا قامَت تُثَوِّبُ بِالأَذانِ
رَأَيتُ العُمرَ بِالساعاتِ يَفنى / وَتُنفِدُهُ الثَوالِثُ وَالثَواني
وَبَينَ عَسى وَعَلَّ وَسَوفَ يَأتي ال / حِمامُ وَآفَةُ العَجزِ التَواني
فَآهِ مِن التَفَرُّقِ وَالتَنائِي / وَآهِ مِن التَجَمُّعِ وَالتَداني
بَلى إِنّي رَأَيتُ البُعدَ أَولى / وَما الخَبَرُ المُطَوَّحُ كَالعِيانِ
فَصَبَّحَ سَرحِيَ الأَعداءُ إِن لَم / أُصبِّحها بِيَومٍ أَروَنانِ
وَضافَنيَ الرَّدى إِن بِتُّ ضَيفاً / لَدى كَلبٍ يَهِرُّ وَجَردبانِ
أَنا اِبنُ النازِلينَ بِكُلِّ ثَغرٍ / كَفيلٍ بِالضِّرابِ وَبِالطِّعانِ
نَماني مِن رَبيعَةَ كُلُّ قَرمٍ / هِجانٍ جاءَ مِن قَرمٍ هِجانِ
أَبي مَن قَد عَلِمتَ وَلَيسَ يَخفى / بِضاحي شَمسِ يَومٍ إِضحِيانِ
سَلِ العُلماءَ يا ذا الجَهلِ عَنهُ / وَنارُ الحَربِ ساطِعَةُ الدُخانِ
غَداةَ كَفى العَشيرَةَ ما عَناها / بِعَزمَةِ ماجِدٍ كافٍ مُعانِ
وَقَد كَثُرَ التَعازي في أُناسٍ / حِذارَ المَوتِ مِن بَعدِ التَهاني
فَعَمَّت تِلكُمُ النَعماءُ مِنهُ / نِزاريَّ الأُبُوَّةِ وَاليَماني
وَيَومَ عَلا بِجَرعاءِ المُصَلّى / عَجاجٌ غابَ فيهِ المَسجِدانِ
أَلم يَلقَ الرَدى مِنهُ بِقَلبٍ / عَلى الأَهوالِ أَثبتَ مِن أَبانِ
عَشِيَّةَ عامِرٍ وَبَني عَلِيٍّ / كَدَفّاعِ السُيولِ مِن الرِّعانِ
وَعَمّي التارِكُ البَطَلَ المُفَدّى / كَمُشتَمِلٍ قَطيفَةَ أُرجُوانِ
وَجَدّي الحاسِرُ الحامي التَوالي / وَوَهّابُ السَوابِقِ وَالقِيانِ
إِذا ما سارَ تَحتَ السِترِ أَنسى / جَلالَة قَيصَرٍ وَالهُرمُزانِ
وَفي يَدِهِ سِوارُ المُلكِ يُزهى / بِمعصمِ ماجِدٍ سَبطِ البَنانِ
وَكَم لِيَ وَالِد لا عَبدُ شَمسٍ / يُدانِيهِ وَلا عَبدُ المَدَانِ
لَنا عَقدُ الرِياسَةِ في مَعَدٍّ / يُقِرُّ لَنا بِهِ قاصٍ وَدانِ
نَقُودُ الناسَ طَوعاً وَاِقتِسارَاً / بِرَأيٍ قَد أُدِيرَ بِلا اِعتِشانِ
وَأَبيضَ قَد خَضَبنا البيضَ مِنهُ / بِأَحمرَ مِن دَمِ الأَوداجِ قانِ
وَرَأسٍ قَد عَقَقَنا الرَأسَ مِنهُ / بِأَبيضَ كَالعَقِيقَةِ هُندُوانِ
وَباحَةِ عِزِّ جَبّارٍ أَبَحنا / بِعَشّاتِ القَنا لا بِالعُشانِ
تَعِيشُ الناسُ ما عِشنا بِخَيرٍ / وَتَحيا ما حَيِينا في أَمانِ
فَإِن نُفقَد فَلا أَمَلٌ لِراجٍ / يُؤمِّلُهُ وَلا عَونٌ لِعانِ
وَهَل يُغني غَناءَ الماءِ آلٌ / يُرَيِّعُهُ الهَجيرُ بِصَحصَحانِ
وَلا كَالسَيفِ لَو صَدِئَت وَفُلَّت / مَضارِبُهُ عَصاً مِن خَيزُرانِ
كَم بِالنُهوضِ إِلى العُلا تَعِداني
كَم بِالنُهوضِ إِلى العُلا تَعِداني / ناما فَما لَكُما بِذاكَ يَدانِ
ما أَنتُما مِن رَهطِ جَسّاسٍ إِذا / ذُكِرَ الفِعالُ وَلا عَشِيرَةِ هاني
لا تَطلُبا البَيعَ الرَبيحَ فَأَنتُما / مِمّن يَقُومُ بِصَفقَةِ الخُسرانِ
قِدماً شَرى المَهوِيُّ لا لِضَرُورَةٍ / عارَ الحَياةِ بِأَوكَسِ الأَثمانِ
فَخُذا عَلى مِنهاجِ شَيخِكُما فَما / بَينَ النَباهَةِ وَالخُمولِ تَدانِ
أَرِجالَ عَبدِ القَيسِ كَم أَدعُوكُمُ / في كُلِّ حِينٍ لِلعُلا وَأَوانِ
فَتراكُمُ مَوتى فَأَسكُتُ أَم تُرى / خُلِقَت رُؤوسُكُمُ بِلا آذانِ
هَلّا اِقتَدَيتُم بِالغَطارِفِ مِن بَني / جُشَمٍ أَو الساداتِ مِن شَيبانِ
كَم ذا تُسامُونَ الهَوانَ وَأَنتُمُ / خُضعُ الرِقابِ تَطامُنَ الخِصيانِ
تَعساً عَبيدَ الظالِمينَ وَلا لَعاً / لَكُم فَلَيسَ هِجانُكُم بِهِجانِ
أَصبَحتُمُ غَرَضاً تَناضَلهُ العِدى / بِمُذَرَّباتِ البَغيِ وَالعُدوانِ
مُتَهَدِّفينَ لِكُلِّ رامٍ بِالأَذى / يَرمِيكُمُ كَتَهَدُّفِ الحِيطانِ
ما مِنكُمُ شَخصٌ يَرُوعُ وَإِنَّهُ / لَيَرى سِهامَ المَوتِ رَأيَ عِيانِ
لِلّهِ دَرُّكُما لَقَد أَحرَزتُما / طَبعَ الجَمادِ وَصُورَةَ الحَيوانِ
ثَكِلَتكُما الأَعداءُ ثُكلاً عاجِلاً / يا غُصَّةَ الإِخوانِ وَالجِيرانِ
القَومُ تَأكُلكُم وَيَأكُلُ بَعضُكُم / بَعضاً كَأَنَّكُمُ مِنَ الحِيتانِ
مَن عَزَّ مِنكُم كانَ أَكبَرُ هَمِّهِ / شَقَّ العَصا وَتَذَكُّرَ الأَضغانِ
وَتَضافَرَ المُتضادِدُونَ وَكُلُّكُم / بادي القَطِيعَةِ ظاهِرُ الخِذلانِ
ما مِنكُمُ إِلّا مُرَدِّدُ زَفرَةٍ / وَمُطِيلُ عَضِّ أَنامِلٍ وَبَنانِ
حِرصاً عَلى جَضمِ الحَرامِ وَدَولَةٍ / تَذَرُ البُيوتَ تَضِجُّ بِالإِرنانِ
إِكرامُكُم لِمُهِينِكُم وَهَوانُكُم / لِمُعِزِّكُم في السِرِّ وَالإِعلانِ
لَم يَغضَبِ البَدَويُّ إِلّا قُلتُمُ / سُدُّوهُ كَي يَرضى بِمالِ فُلانِ
وَالسَدُّ أَخرَبَ مَأرِباً فَتَيَقَّنُوا / بَعدَ اِنفِتاحِ السَدِّ بِالطُوفانِ
تَتَظَلَّمُونَ مِنَ المُلوكِ وَأَنتُمُ / أَصلُ البَلا وَالشومِ مُنذُ زَمانِ
كَم لِلعَشيرَةِ مُذ تَوَلّى ماجِدٌ / مِن سابِقٍ بِعتُم وَمِن بُستانِ
وَاللّهِ ما نَحَسَ البِلادَ سِواكُمُ / لا بِالعِدى اِنتَحَسَت وَلا السُلطانِ
لَكِنَّ جازَ عَلى الطَغامِ بِجَهلِهم / ما تَحلِفُونَ لَهُم مِن الأَيمانِ
شَيَّدتُمُ عِزَّ العِدى وَتَركتُمُ / بُنيانَ عِزِّكُمُ بِلا أَركانِ
كَم تُنهِضُونَ مِنَ العِثارِ معاشِراً / أَبَداً تَكُبُّكُمُ عَلى الأَذقانِ
صَدَّقتُمُ في عِيصِكُم نَفعاً لَكُم / ما قالَهُ العُلماءُ مِن عَدنانِ
نَسَبُوكُمُ فَعَزَوا بُيُوتاً مِنكُمُ / مَشهُورَةً لِسَوادِ خُوزستانِ
نَقَلَت أَوائِلُهُم إِلى البَحرَينِ كَي / يَبنُوا مُشَقَّرَها أَنُو شَروانِ
قَد كُنتُ أُكذِبُ ذاكُمُ وَأَظُنُّهُ / مِن دَاعياتِ البُغضِ وَالشَنآنِ
وَاليَومَ صِرتُ أَشُكُّ فيهِ وَرُبَّما / كانَ الصَحيحَ ومَنزِلَ الفُرقانِ
لَم يُحكَ أَنَّ رَبيعَةً أَغَضت عَلى / ضَيمٍ وَلا رَضيَت بِدارِ هَوانِ
وَرَبيعَةٌ تَحمي الذِمارَ وَلا تَرى / أَكلَ النَزيلِ وَلا صَياعَ العاني
قَومٌ لَهُم يَومُ الكُلابِ وَيَومُ ذِي / قارٍ وَيَومُ أَحِزَّةِ السُلّانِ
قَتَلُوا لَبيداً في جَريرَةِ لَطمَةٍ / خَطأٍ وَكانَ الرَأسَ مِن غَسّانِ
وَدَعَتهُمُ مُضَرٌ فَصالُوا صَولَةً / نَزَعَت رِداءَ المُلكِ مِن صُهبانِ
ما كُنتُ أَحسبُ وَالحَوادِثُ جَمَّةٌ / أَنّا عَبِيدُ الحَيِّ مِن قَحطانِ
حَتّى عَلَتني مِن لَبِيدٍ لَطمَةٌ / خَطَأً لِحامي حَرِّها العَينانِ
إِن تَرضَ تَغلِبُ وَائِلٍ بِفعالِهِ / تَكُن الدَنِيَّةَ مِن بَني عِمرانِ
وَهُمُ عَلى حُكمِ الأَسِنَّةِ أَنزَلُوا / كِسرى وَوَفُّوا ذِمَّةَ النُعمانِ
بِفَوارِسٍ تَدعُو يَزيدَ وَهانِئاً / وَالشَيخَ حَنظَلَةً أَبا مَعدانِ
وَشَبيبُ في مائَتَينِ قامَ فَكادَ يَن / تَزِعُ الخِلافَةَ مِن بَني مَروانِ
وَدُعي أَميرَ المُؤمِنينَ وَسُلِّمَت / كُرهاً إِلَيهِ مَنابِرُ البُلدانِ
إِيِهٍ بَقايا عَبدِ قَيسٍ إِنَّهُ / لا خَيرَ في ماضٍ بِكَفِّ جَبانِ
لا تَسقُطَن مِن هامِكم وَأُنُوفِكُم / هِمَمُ الرِجالِ وَغَيرَةُ الفِتيانِ
وَاِستَيقظُوا فَالسَيلُ قَد بَلَغَ الرُبى / وَعَلَت غَوارِبُهُ عَلى القُريانِ
وَذَرُوا التَحاسُدَ وَالتَنافُسَ بَينَكُم / فَكِلاهُما نَزغٌ مِنَ الشَيطانِ
وَاِستَعمِلُوا الإِنصافَ وَاِعصُوا كاشِحاً / لِفَسادِكُم يَسعى بِكُلِّ لِسانِ
وَتَدارَكُوا إِصلاحَ ما أَفسَدتُمُ / ما دُمتُمُ مِنهُ عَلى الإِمكانِ
فَتَحَدَّثُوا في لَمِّ شَعثِكُمُ فَما الس / ساعي بِفُرقَةِ قَومِهِ بِمُعانِ
فَكَفى لَكُم بِقَديمَةٍ وَمُقَدَّمٍ / وَبِعَبدَلٍ وَالكِندِ مِن حرثانِ
وَبِجَعفَرٍ وَمُسَلِّمٍ وَمُطَرِّفٍ / وَيَزيدَ وَالأَخلافِ وَالبدوانِ
وَسَواقِطٍ أَضعافُهُم قَذَفَت بِهِم / نَجدٌ مِنَ الآكامِ وَالغِيطانِ
لا يَعرِفُونَ اللَّهَ جَلَّ وَلا لَهُم / عِلمٌ بِيَومِ البَعثِ وَالمِيزانِ
قَد بانَ عَجزُكُمُ وَكُلُّكُمُ يَدٌ / عَنهُم فَكَيفَ وَأَنتُمُ حَزبانِ
وَاِقصُوا رِجالاً كُلُّهُم في هُلكِكُم / وَبوارِكُم تَجري بِغَيرِ عِنانِ
وَاِحمُوا دِيارَكُمُ الَّتي عُرِفَت بِكُم / مِن حينِ مَقتَلِ عامِر الضَحيانِ
أَو لا فَإِنَّ الرَّأيَ أُن تَتَرَحَّلُوا / عَنها لِدارِ مَعَرَّةٍ وَهَوانِ
مِن قَبلِ داهِيَةٍ يَقُولُ لَها الفَتى / مِنكُم مَتى يَومي فَما أَشقاني
لا تَحسِبُوا شَرَّ العَدُوِّ تَكُفُّهُ / عَنكُم مُصانَعَةٌ وَحَملُ جِفانِ
وَاللَهِ لا كَفَّ الأَعادي عَنكُمُ / مِن دُونِ سَلبِ مَعاجِزِ النِّسوانِ
لَم يَبقَ مالٌ تَتَّقُونَ بِهِ العِدى / لِرَبيعَةٍ فِيها وَلا قَحطانِ
أَخَذُوا مِنَ الأَحسا الكَثيبَ إِلى مَحا / دِيثِ العُيونِ إِلى نقا حُلوانِ
وَالخَطَّ مِن صَفواءَ حاذُوها فَما / أَبقَوا بِها شِبراً إِلى الظَهرانِ
وَالبَحرَ فَاِستَولُوا عَلى ما فيهِ مِن / صَيدٍ إِلى دُرٍّ إِلى مُرجانِ
وَمَنازِلُ العُظَماءِ مِنكُم أَصبَحَت / دُوراً لَهُم تُكرى بِلا أَثمانِ
وَأَمَضُّ شَيءٍ لِلقُلوبِ قَطائِعٌ / بِالمَروَزانِ لَهُم وَكَرّزكانِ
وَاللَهِ لَو نَهرٌ جَرى بِدمائِكُم / وَشَرِبتُهُ غَيظاً لَما أَرواني
فَاِجلُوا فَما أَنتُم بِأَوَّلِ مَن جَلا / وَاِختارَ أَوطاناً عَلى أَوطانِ
فَالأَزدُ أَجلوا قَبلَكُم عَن مَأرِبٍ / وَهُمُ جِبالُ العِزِّ مِن كَهلانِ
فَبَقُوا مُلُوكاً بِالعِراقِ وَيَثرِبٍ / وَالشامِ وَاِنفَرَدُوا بِمُلكِ عُمانِ
إِنّي لَأَخشى أَن تُلاقُوا مِثلَما / لاقى بَنُو العَيّاشِ وَالعريانِ
كَرِهُوا الجَلاءَ عَنِ الدِيارِ فَأُهلِكُوا / بِالسَيفِ عَن عَرضٍ وَبِالنِّيرانِ
فَصِلُوا حِبالَكُمُ بِحَبلِ مُحمَّدٍ / نَجلِ المُعَظَّمِ عَبدَلِ بنِ سِنانِ
تَجِدُونَ مَيمُونَ النَقِيبَةِ ماجِداً / مُتَساوِيَ الإِسرارِ وَالإِعلانِ
حَمّالَ أَثقالٍ وَرَبَّ صَنائِعٍ / وَمَلاذَ مَكرُوبٍ وَعِصمَةَ جانِ
أَحنى وَأَرأَفَ بِالعَشيرَةِ مِن أَبٍ / بَرٍّ وَأَعطَفَ مِن رَضيعِ لِبانِ
حِلمُ اِبنُ قَيسٍ في سَماحَةِ عَمِّهِ / مَعنٍ وَيُمنُ اِسكَندَرِ اليُونانِ
أَحيا أَباهُ ذا النَدى وَبَنى عَلى / ما كانَ شَيَّدَهُ مِنَ البُنيانِ
وَاِرضُوا رِضاهُ فَإِنَّ ساخِطَ أَمرِهِ / مِنكُم لَأَخسَرُ مِن أَبي غُبشانِ
يا راكِباً نَحوَ الحَساءِ شِملَّةً / تُنمى لِمُوجَدَةِ القَرى مِذعانِ
أَبلِغ هُدِيتَ أبا عَلِيٍّ ذا العُلى / عَنّي السَلامَ وَقُل لَهُ بِبَيانِ
أَتراكَ تَرضى أَن يُحَدِّثَ جاهِلٌ / أَو عالِمٌ مِن نازِحٍ أَو دانِ
فَيَقُولُ كانَ خَراب دارِ رَبيعَةٍ / بَعدَ العَمارِ بَنُو أَبي جَروانِ
يَأبى لَكَ الطَبعُ الكَريمُ وَنَخوَةٌ / عَرَبِيّةٌ شَهِدَت بِها الثَقلانِ
اِعطِف عَلى أَحياءِ قَومِكَ وَاِحتَمِل / ذَنبَ المُسِيءِ وَكافِ بِالإِحسانِ
وَاِعمَل لِما يحيي العَشيرَةَ وَاِطّرِح / قَولَ الوُشاةِ فَكُلُّ شَيءٍ فانِ
وَاِعلَم بِأَنَّ النَسرَ يَسقُطُ رِيشُهُ / حِيناً فَيُقعِدُهُ عَنِ الطَيرانِ
وَالصَعوُ يُنهِضُهُ وُفُورُ جَناحِهِ / حَتّى يَحُوزَ مَواكِنَ الغِربانِ
وَالدَوحَةُ القَنواءُ أَشينُ ما تُرى / مَعضُودَةً وَتزينُ بِالأَغصانِ
وَاِحذَر أُصَيحابَ النَصائِحِ وَاِحتَرِس / مِنهُم فَكُلُّهُمُ أَخُو كيسانِ
لا تَحسَبَنَّ الكَلبَ يَوماً دافِعاً / بِالنَبحِ صَولَةَ ضَيغَمٍ غَضبانِ
فَثَعالِبُ الدَهنا لَوِ اِجتَمَعَت لَما / مَنَعَت طَلاً بِالجَوِّ مِن سِرحانِ
وَلَو اِنَّ أَلفي بُوهَةٍ صالَت عَلى / بازٍ لَما مَنَعَتهُ عَن وَرشانِ
وَاِستَبقِ مُرَّةَ لِلعَدُوِّ فَمُرَّةٌ / في الإِنتِسابِ وَمالِكٌ أَخَوانِ
وَاِرفَع خَسِيسَةَ مَن تَشكّى مِنهُمُ / غَبناً وَكُن لِأَسيرِهِم وَالعاني
فَالرُمحُ لَيسَ يَتِمُّ لَو قَوَّمتَهُ / إِلّا بِزُجٍّ كامِلٍ وَسِنانِ
فَلأَنتَ لَو أَنصَفَت عَينُ زَمانِنا / يابا عَلِيِّ وَعَينُ كُلِّ زَمانِ
وَدَعِ اِحتِجاجَكَ بِالأَميرِ فَإِنَّهُ / ما لا يَجُوزُ عَلى ذَوي الأَذهانِ
وَاِعلَم بِأَنَّ الرُشدَ لَو حاوَلتَهُ / في طاعتي وَالغَيَّ في عِصياني
وَالرَأيُ عِندي ما تَقُولُ وَما تَرى / لا ما رَأى قَلبي وَقالَ لِساني
تَرى حَيثُ أَعلامُ العُيونِ تَراها
تَرى حَيثُ أَعلامُ العُيونِ تَراها / فَخَلّوا لِأَعناقِ المَطِيِّ بُراها
وَلا تُعجِلُوها عَن إِناخَةِ ساعَةٍ / فَقَد شَفَّها تَهجِيرُها وَسُراها
وَيا حادِيَيها مِن زَوِيِّ بنِ مالِكٍ / ذَراها تَرِد ماءَ الوَقيبِ ذَراها
وَلا تَجذِباها بِالبُرى وَاِرخِيا لَها / فَجَذبُ البُرى وَالإِنجِذابُ بَراها
فَما خُلِقَت مِن طَبعِ حَيني خِفافُها / وَلا مِن ذُرى هُضبِ السَراةِ ذُراها
وَلا تُنكِرا إِرزامَها وَحَنِينَها / فَكُلُّ هَوىً تَحنُو عَلَيهِ وَراها
بِعَيني أَرى ماوَيكُما غافَةَ النَقا / نَقا العَينِ ذاتِ الرَملِ فَاِبتَدِراها
لَعَلَّ مَقِيلاً تَحتَها وَاِضطِجاعَةً / تَرُدُّ عَلى عَينِ المَشُوقِ كَراها
وَبِيتا وَظلّا بِالدِيارِ وَذَكِّرا / لَيالِيَنا بِالقَصرِ وَاِذَّكِراها
فَكَم لَيلَةٍ بِتنا بِها لَو يُباعُها / أَريبٌ بِشطرَي عُمرِهِ لَشَراها
يَلُومُ قَلُوصِي صاحِبايَ عَلى الوَنى / وَلَو عَرَفا ما فَوقَها عَذَراها
لَقَد حَمَلَت بَحراً وَبَدراً وَهَضبَةً / وَما كُلُّ ذا يَقوى عَلَيهِ قَراها
وَلا تَلحَياها إِنَّها خَيرُ عُدَّةٍ / لِنَفسٍ إِذا بَعضُ الهُمومِ عَراها
بِها يَتَلَهّى ذُو الشُجُونِ إِذا لَهَت / تِجارُ القُرى في بَيعِها وَشِراها
وَلا تَنظُراها وَاِنظُرَا طَودَ سُؤددٍ / عَلَيها وَبَعدَ العامِ فَاِنتَظِراها
سَتَأتي بِما يُشجي الحَسُودَ سَماعُهُ / وَيُنسي خصالاتِ الرِجالِ مِراها
فَإِن مَنَعَت سَعدانُ رَوضَ بِلادِها / وَقِيلَ اِكتَفى مِن عَذبِها بِصَراها
وَهَرَّت كِلابٌ دُونَها وَهَريرُها / أَثارَ عَلَيها بِالنِباحِ ضِراها
فَبِالبَصرَةِ الفَيحاءِ ماءٌ وَرَوضَةٌ / حَبيبٌ إِلَيها نَبتُها وَثَراها
وَلَيثٌ مِنَ العِيصِ بنِ إِسحاقَ عِيصُهُ / يَراها بِعَينِ الوُدِّ حينَ يَراها
يُسَرُّ بِمَلقى رَحلِها عِندَ بابِهِ / فَلَو شَرِبَت ذَوبَ اللُجَينِ قَراها
هُمامٌ تَرى في كُلِّ حَيٍّ لَهُ يَداً / بِبُؤسَى وَنُعمى بَيِّناً أَثَراها
جَوادٌ يَرى الدُنيا مَتاعاً وَبُلغَةً / فَأَهوَنُ شَيءٍ عِندَهُ حَجَراها
تُقِرُّ العِراقُ أَنَّهُ خَيرُ أَهلِها / وَبَحرُ عَطاياها وَلَيثُ شَراها
وَعِصمَةُ جانِيها وَمَأوى طَريدِها / وَمُطلِقُ أَسراها وَكَهفُ ذُراها
وَبَدرُ مَعاليها وَشَمسُ فَخارِها / وَمِصباحُ ناديها وَنَجمُ سُراها
وَمارِن عِرنينِ العُلا مِن مُلوكها / وَدُرَّةُ تاجِ العِزِّ مِن أُمَراها
إِذا خَدَمُ الأَموالِ باعَت حُظُوظَها / مِنَ الباقياتِ الصالِحاتِ شَراها
وَإِن هِبتَ مَسرى لَيلَةٍ في صَباحِها / طِعانٌ كَتغطاطِ المَزادِ سُراها
سَلوا عَن مَواضِيهِ مَنيعاً وَعَمَّهُ / فَقَد خَبَراها بَعدَما اِختَبَرَاها
أَلَم يُخلِ أَرضَ السَيبِ بِالسَيفِ مِنهُما / وَكانا بِغَيرِ الحَقِّ قَد عَمَراها
أَرادا يَكِيدانِ الخِلافَةَ ضلَّةً / فَيا لَكِ رُؤيا ضِدَّ ما عَبَراها
وَهَل ضَرَّ قَرنَ الشَمسِ عِندَ ذُرُورِها / عُواءُ كِلابٍ أَو نُباحُ جِراها
أَحَلَّهُما بِالسَيفِ في أَرضِ عامِرٍ / وَلَولا سِطامُ السَيفِ ما اِعتَمَراها
إِلى هَجَرٍ ساقا المَطايا بِهجرَةٍ / وَغَير اِختيارٍ مِنهُمُ اِهتَجَراها
وَأُقسِمُ لَولا حَملُهُ وَاِحتِقارُهُ / لِشَأنِهما جِدّاً لَما حَضَراها
وَمِن قَبلُ كَم أَولاهُما مِن صَنيعَةٍ / وَنُعمى تَفُوتُ الشُكرَ لَو شَكَراها
لَعَمري لَقَد نالَ المعادي إِذا اِعتَدَت / بِساعَةِ سُوءٍ أَخرَسَت شُعَراها
أَسالَ مَجاري سَيلِها مِن دِمائِها / وَأَوهى إِلى يَومِ المَعادِ عُراها
لَقَد جَرَّدَت مِنهُ الخِلافَةُ صارِماً / لَوَ اِنَّ الرَواسي أَرؤُسٌ لَفَراها
أَنام بَني الأَسفارِ أَمناً فَأَصبَحَت / سَواءً عَلَيها قَفرُها وَقُراها
تَسيرُ إِلى الأَهوازِ مِن أَرضِ بابِلٍ / وَلَيسَ سِوى أَسيافِهِ خُفَراها
تَبِيتُ عَلى ظَهرِ الطَريقِ عِيابُها / وَعَينُ اِبنِ غَبراءِ السُحُوقِ تَراها
وَيا طالما قَد نزّعَت مِن رِقابِها / مَدارِعُها شَدَّ الضُحى وَفِراها
لَعَمري لَقَد أَحيا لِأُمَّةِ أَحمَدٍ / مِنَ العَدلِ ما أَوصى بِهِ عُمَراها
فَلا عَدِمَتهُ ما أَنارَت نُجُومُها / وَما سارَ في أَبراجِها قَمَراها
وَلا بَرِحَت أَعداؤُهُ وَزَمانُها / بِعَينِ القِلى وَالإِمتِهانِ يَراها
تُخفي الصَبابَةَ وَالأَلحاظُ تُبدِيها
تُخفي الصَبابَةَ وَالأَلحاظُ تُبدِيها / وَتُظهِرُ الزُهدَ بَينَ الناسِ تَمويها
وَتَستُرُ الحُبَّ كَيما لا يُقالُ صَبا / شَيخاً فَتُعلِنُهُ الأَنفاسُ تَنويها
يا عاشِقاً تَلِفَت في العِشقِ مُهجتُهُ / كِتمانُكَ الحُبَّ في الأَحشاءِ يُؤذِيها
بُح بِالهَوى وَاِصحَب العُشّاقَ مُنهَتِكاً / وَلا تُطِع غَيرَ غاويها وَمُغوِيها
وَاِضرِب عَن التِيهِ صَفحاً وَاِلغِ صُحبَتَهُ / ما أَحمَقَ العاشِقَ المُستَصحِبَ التِيها
وَباكِر الراحَ فَاِشرَبها مُعتَّقَةً / صِرفاً تُحَدِّثُ عَن حِجرٍ وَبانيها
وَداوِ نَفسَكَ مِن داءِ الهُمومِ بِها / فَما سِوى مَوتَةٍ بِالكاسِ تُحييها
مِن كَفِّ خَرعبَةٍ حُوٍّ مَراشِفُها / بِيضٍ سَوالِفُها سُودٍ مَآقيها
أَو فاتِرِ الطَرفِ مَعسُولِ الرُضابِ لَهُ / دَلٌّ يُنَبِّهُ وَسني الباهِ تَنبِيها
فَإِن لَحَوكَ فَقُل كُلٌّ لَهُ شَجَنٌ / وَوِجهَةٌ هُوَ عَن قَصدٍ مُوَلِّيها
وَلا تَلَفَّت إِلى قَولٍ يَزيِدُ ضَنىً / لا تَحرِقُ النارُ إِلّا رِجلَ واطيها
لَيسَ الخَلِيُّ بِباكٍ لِلشَجِيِّ أَسىً / وَلا يَحِسُّ الحُمَيّا غَيرُ حاسيها
يا منزِلَ الحَيِّ بِالجَرعاءِ لا بَرِحَت / تَهمي بِكَ المُزنُ مُنهَلّاً عَزالِيها
كَم لِي بِمَغناكَ مِن يَومٍ نَعِمتُ بِهِ / وَلَيلَةٍ تَعدِلُ الدُنيا وَما فيها
وَاهاً لَها مِن لَيالٍ لَو تَعُودُ كَما / كانَت وَأَيُّ لَيالٍ عادَ ماضيها
لَم أَنسَها مُذ نَأَت عَنّي بِبَهجَتِها / وَأَينَ غُرٌّ مِنَ الأَيّامِ تُنسِيها
فاقَت جَميعَ اللَّيالي في البَهاءِ كَما / فاقَ البَرِيَّةَ تاجُ الدّينِ تَشبيها
الواهِبُ الخِطرَ عَفواً وَهوَ مُعتَذِرٌ / إِذا تعاظَمَ قَدرَ الشاةِ مُعطِيها
وَالرابِطُ الجَأشَ وَالأَبطالُ قَد جَعَلَت / قُلُوبُها تَشتَكي مِنها تَراقيها
وَالقائِلُ القَولَ لَم يَخطُر عَلى خَلَدٍ / في حينِ يَدعُو المَنايا الحُمرَ داعيها
لِسانُهُ الذَربُ أَقضى مِن أَسِنَّتِها / وَرَأيُهُ العَضبُ أَمضى مِن مَواضيها
ذَوُو السِيادَةِ أَكفاءٌ فَإِن نَظَرَت / إِلَيهِ زالَ بِمَرآهُ تَكافيها
إِذا المُلوكُ تَناجَت وَهيَ تَرمُقُهُ / فَإِنَّما في مَعاليهِ تَناجيها
لَو اِنّ لِلهِندُوَانياتِ عَزمَتَهُ / في الرَوعِ لَم تُطِقِ الأَغمادُ تَحويها
وَلَو يَكُونُ لِقَرنِ الشَمسِ غُرَّتُهُ / تاهَت فَلَم يَستَطِع شَيءٌ يُواريها
وَلَو تُقَسَّمُ في الآسادِ نَجدَتُهُ / لَم يُضحِ مَسكَنُها إِلّا ضَواحيها
وَالبَحرُ لَو حازَ جُزءاً مِن شَمائِلِهِ / لَصارَ أَعذَبَ ماءً مِن سَواريها
مُفتي الفَريقَينِ في كُلِّ العُلومِ فَما / تَلقاهُ مُذ كانَ إِلّا صَدرَ ناديها
ما سُيِّرَت حِكمَةٌ في الناسِ مُنذُ نَشا / تَجلُو صَدى القَلبِ إِلّا وَهوَ مُنشيها
وَما أُمِيتَت عَلى الأَيّامِ مَكرُمَةٌ / مِنَ المَكارِمِ إِلّا وَهوَ مُحيِيها
لَو أَدرَكَ الفُصحَاء العُرب أَفحَمَها / وَقَصَّرَت عَن مَعانيهِ مَعانيها
وَلَو جَرى عِندَ أَهلِ السَبقِ في طَلقٍ / مِنَ البَلاغَةِ أَجلى عَن مُجَلِّيها
مُقابَلٌ في بُيوتِ المَجدِ لَيسَ يُرى / إِلّا مُعِيدُ عِناياتٍ وَمُبدِيها
أَحيا المُرُوءَةَ في بَدوٍ وَفي حَضَرٍ / مِن بَعدِ ما قامِ في الآفاقِ ناعيها
وَرَدَّ رُوحَ الأَماني بَعدما عَرَضَت / وَوُجِّهَت لِاِنتِظارِ المَوتِ تَوجِيها
سَهلُ الخَلائِقِ مَأمُونُ البَوائِقِ مَن / ناعُ الحقائِقِ هادي الخَيلِ مُهدِيها
سَبطُ الأَنامِلِ مِنعاشُ الأَرامِلِ مِن / حارُ الذَوامِلِ راضي البِيضِ مُرضيها
ضافي الحَمائِلِ نَضريُّ الشَمائِلِ فِه / رِيُّ الفَضائِلِ واري الزَندِ مُورِيها
عَفُّ السَرائِرِ صَوّانُ الحَرائِرِ حَم / مالُ الجَرائِرِ راعي القَومِ مُرعِيها
آباؤُهُ مِن قُرَيشٍ خَيرُها حَسَباً / وَعِزُّ حاضِرِها فِيهم وَباديها
الضارِبُونَ الطُلى وَالهامَ ضاحِيَةً / في الحَربِ حينَ يَهُزُّ الحَربَ جانيها
وَالطاعِنُو الخَيلِ شَزراً كُلَّ نافِذَةٍ / نَجلاءَ تَبرُقُ مِنها عَينُ آسيها
وَالمُوقِدُونَ إِذا نارُ القِرى خَمَدَت / وَعامَ بَينَ اللِقاحِ الخُورِ راعيها
قَومٌ لَهُم ذِروَةُ العَلياءِ يَعرِفُها / دانِي مَعَدٍّ إِذا عُدَّت وَقاصيها
عافُوا الظَواهِرَ مِن أُمِّ القُرى وَبَنَوا / أَبياتَهُم عِزَّةً في سِرِّ وَاديها
وَأَصبَحَت كَعبةُ اللَهِ الحَرامُ وَقَد / أَضحَت وَمِنهُم بِرَغمِ الخَصمِ وَاليها
سادُوا قُرَيشاً عُلاً في جاهِلِيَّتِها / وَمَن يُسامي قُرَيشاً أَو يُبارِيها
وَكُلُّ عَلياءَ في الإِسلامِ فَهيَ بِهِم / تُبنى وَقُطبُ الرَحى مِنهُم وَهادِيها
يا مَن يُسامي إِلى مَجدٍ بَني حَسَنٍ / عَدِمتَ رُشدَكَ هَل خَلقٌ يُسامِيها
قَبيلَةٌ مِن رَسُولِ اللَهِ عُنصُرُها / وَمِن عَليٍّ فَتى الدُنيا وَمُفتِيها
إِنَّ القُرُومَ السَوامي مِن بَني حَسَنٍ / يُحصى التُرابُ وَلا تُحصى أَيادِيها
كَم قَد كَفَوا هاشِماً في يَومِ مُعضِلَةٍ / وَأَورَدُوا السَيفَ وَلغاً في أَعاديها
وَإِنَّ في مَجدِ تاجِ الدِينِ مُفتَخَراً / لَها مِن السَلَفِ الماضينَ يَكفيها
مَن يَدعُ يَوماً أَبا زَيدٍ لِحاجَتِهِ / فَقَد دَعا دَعوَةً ما خابَ داعيها
هُوَ الَّذي خَضَعَت شُوسُ الرِجالِ لَهُ / ذُلّاً كَما تَخضَعُ الجربا لِطالِيها
مُذ قُلِّدَ الأَمرَ قالَ الناسُ كُلُّهُمُ / حَتّى المُعانِدُ أُعطي القَوس باريها
أَولى رَعِيَّتَهُ ما كانَ وَالِدُهُ / مِن الكَرامَةِ وَالإِجلالِ مُولِيها
أَعطى المُؤَمِّلَ مِنها ما يُؤمِّلُهُ / مِن نَيلِهِ وَتخَطّى ذَنبَ جانِيها
إِلَيكَ يا اِبنَ رَسُولِ اللَهِ شارِدَةً / بِكراً يَطُولُ رُواةَ الشِعرِ راويها
مِن ماجِدٍ لا يَرى فَخراً بِقافِيَةٍ / إِذ كانَ فَخرُ رِجالٍ مِن قَوافيها
وَلَو سِواكَ دَعاني لَم أُلَبِّ لَهُ / صَوتاً وَلا قامَ في ناديهِ شادِيها
لَكِنَّنا لَم نَزَل طَوعاً لِأَمرِكُمُ / هَوىً وَحُرمَةَ أَسبابٍ نُراعيها
وَنِعمَةً لَكَ عِندي لا يُقاوِمُها / شُكري وَمِن أَينَ لي شُكرٌ يُؤَدِّيها
جُزتَ المَدى وَتَحاماكَ الرَدى وَحَدا / بِذِكرِكَ العِيسَ في الآفاقِ حاديها
وَماتَ غَيظاً عَلى الأَيّامِ ذُو حَسَدٍ / ناواكَ بَعدَ بَلِيّاتٍ يُعانِيها
أَبَت نُوَبُ الأَيّامِ إِلّا تَمادِيا
أَبَت نُوَبُ الأَيّامِ إِلّا تَمادِيا / فَوَا شِقوَتا ما لِلّيالي وَما لِيا
إِذا قُلتُ يَوماً حانَ مِنها تَعَطُّفٌ / رَأَيتُ رزاياها تَسامى كَما هِيا
فَلَيتَ أَخِلّائِي الَّذينَ اِدَّخَرتُهُم / جَلاءً لِهَمّي لا عَليَّ وَلا لِيا
وَأَعجَبُ ما يَأتي بِهِ الدَهرُ أَنَّني / أَرى القَومَ تَرميني بِأَيدي رِجاليا
عَلى أَنَّني النَدبُ الَّذي يُكتَفى بِهِ / وَبَيتُ عُلاها بَيتُ عَمّي وَخاليا
أَلا لَيتَ شِعري مَن يَقُومُ لِمَجدِها / مَقامي وَيَرعى ما لَها كُنتُ راعيا
لَعَمري لَقَد أَرذَت جَواداً وَضَعضَعَت / عِماداً إِذا ما الهَولُ أَلقى المَراسيا
أَما جَرَّبَتني في الأُمُورِ فَصادَفَت / هُماماً لِأَحداثِ المُهِمّاتِ كافيا
حَمُولاً لِأَثقالِ العَشِيرَةِ رائِحاً / مَدى الدَهرِ في ما قَد عَناها وَغاديا
أَقُولُ وَقَد طالَ اِهتِمامي لِفِتيَةٍ / تَسامى إِلى غُرِّ المَعالي تَساميا
إِلى مَ بَني الأَعمامِ نُسقى نِطافَها / أُجاجاً وَيُسقى الغَيرُ عَذباً وَصافيا
فَوَاللَهِ ما أَدري وَإِنّي لَصادِقٌ / عَمىً ما أَرى مِن قَومِنا أَم تَعاميا
هَرَاقُوا ذَوِي السُمِّ الزُعافِ وَأَولَجوا / بِأَيدِيهِمُ تَحتَ الثِيابِ الأَفاعيا
لَقَد قَدَّمُوا هَيَّ بنَ بَيٍّ وَأَخَّرُوا / بَني المَجدِ مِن أَيّامِ عادٍ وَعاديا
لَقَد ضَلَّ مَن يَبغي مِنَ العُميِ هادِياً / وَقَد ذَلَّ مَن يَرجُو مِنَ المَعزِ راعيا
وَمَن يَتَّخِذ سَيفاً يَكُونُ غِرارُهُ / رَصاصاً يَجِد سَيفَ العَراجينِ ماضيا
وَمَن يَجعَلِ السِنَّورَ كَلباً لِصَيدِهِ / يَرى عاوياتِ اللَيلِ أُسداً عَواديا
خَلِيلَيَّ نالَ الضَيمُ مِنّي وَلا أَرى / لَهُ كاشِفاً إِلّا العِتاقَ النَواجيا
تَلَوَّمتُ قَومي كَي يُرِيعُوا فَلم أَجِد / عَلى الدَهرِ مِن قَومي هُماماً مُواتيا
وَطالَت مُداراتي اللِّئامَ وَإِنَّما / سِفاهٌ لِمثلي أَن يَكُونَ المدارِيا
وَكَيفَ وَعِندي عَزمةٌ عَبدَلِيَّةٌ / أَفُلُّ بِأَدناها الحُسامَ اليَمانيا
وَفِيَّ عَلى حَزِّ المدى خُنزُوَانَةٌ / وَلَو أَفنَتِ الأَحداثُ حالِي وَماليا
فَلا تَحسبِ اللُكعُ الضَغابيسُ أَنَّني / خَضَعتُ وَلا أَنّي أَطعتُ المُناويا
فَإِن تَكُ قَومي الغُرُّ تاهَت حُلُومُها / بِها وَأَطاعَت في الصَديقِ الأَعاديا
وَأَدنَت ذَوي الأَغراضِ فيها وَباعَدَت / لِأَمرٍ ذَوي أَرحامِها وَالمَواليا
وَأَعطَت زِمامَ الأَمرِ كُلَّ مُدفَّعٍ / مِنَ العُثرِ لا تَرضى بِهِ الزِنجُ وَاليا
وَمَلَّ قِلاها مَن لها كانَ آمِلاً / وَرَجّى أَذاها مَن لَها كانَ راجيا
فَلِي سَعَةٌ عَن دارِها حَيثُ لا أَرى / بَناتِ الكُدادي يَحتقرنَ المَذاكيا
فَلَستُ اِبنَ أُمِّ المَجدِ إِن لَم أَقُم بِها / مَقاومَ تُبدي لِلرَدايا مَكانيا
سَأَركَبها إِمّا لِعِزٍّ وَراحَةٍ / أُفِيدُهُما أَو يَختَلبني حِماميا
يُخَوِّفُني ذُو النُصحِ عَجزاً وَذِلَّةً / رُكُوبَ الفَيافي وَالبِحارَ الطَواميا
فَقُلتُ أَلَيسَ المَوتُ إِن لَم أُلاقِهِ / أَمامي أَتَتني خَيلُهُ مِن وَرائِيا
وَما عُذرُ أَهلِ العَجزِ وَالكُلُّ تابِعٌ / جَدِيساً وَطَسماً وَالقُرونَ الخَواليا
وَهَل مُنكِرٌ لِلضَيمِ ماتَ وَلَم يَمُت / رُوَيبِضَةٌ ما زالَ بِالدارِ ثاويا
وَمَن لَم يُفارِق مَنزِلَ الضَيمِ لَم يَزَل / يَرُوحُ وَيَغدُو مُوجَعَ القَلبِ باكيا
وَمَن يَثوِ في دارِ الهَوانِ يَعِش بِها / أَخا مَضَضٍ لا يَبرَحُ الدَهرَ شاكيا
وَمَن لَم يُوفِّ النِصفَ في دارِ قَومِهِ / وَيُولي الأَذى فَالرَأيُ أَن لا تَلاقيا
وَمَن يَبغِ عِزّاً بِالبَلايا وَدَولَةً / يَكُن مِثلَ مَن أَمسى عَلى الماءِ بانيا
عَدِمتُ يَمِيني إِن أَقَمتُ عَلى القِلى / نَعَم وَيليها عَن قَريبٍ شِماليا
وَفُضَّ فَمي إِن لَم أُسَيِّر غَرائِباً / تُمَزِّقُ أَحساباً وَتُبدي مَساويا
يَشُقُّ عَلى القَومِ اللِئامِ سَماعُها / وَيَظهَرُ مِنها بَعضُ ما كانَ خافيا
فَإِن عَقَلَت قَومي لِساني بِأَرضِها / فَلَيسَ بِمَعقُولٍ إِذا كُنتُ نائِيا
سَأرسِلُ مِنها بِالدَواهي شَوارِداً / تُنَبِّهُ ذا عَقلٍ وَتُفهِمُ واعيا
وَلَو أَنَّ قَومي أَنصَفُوني لَأَطلَقُوا / يَدي وَلِساني فيهِمُ وَالقَوافيا
فَلَولاهُمُ وَاللَهِ حِلفَةَ صادِقٍ / لَما كُنتُ مَقلِيّاً لَدَيهِم وَقاليا
وَلَكِنَّما الأَوباشُ تَعلَمُ أَنَّني / أَغارُ إِذا تَعلُو التُحُوتُ الأَعاليا
وَإِنّي عَلى أَهلِ العُلا ذُو حَمِيَّةٍ / أُجَرِّدُ سَيفي دُونَهُم وَلِسانِيا
وَآنَفُ مِن دَعوى الدَناني ضَلالَةً / بِناءَ المَعالي يا شَقاها مَعاليا
فَما كَرِهَت لَمّا اِستَقامَت أُمُورُها / لِشِقوَةِ أَهلِ المَجدِ إِبعادَ دارِيا
لَقَد وَهِمَت إِنّي عَلَيها لَغُصَّةٌ / أَكُنتُ عِراقِيَّ الهَوى أَم شَآمِيا
فَإِن ضَيَّعَت حَقّي لُكَيزٌ وَأَنكَرَت / بَنُو عامِرٍ سَعيي لَها وَاِجتِهادِيا
فَقَد ضَيَّعَت قَبلي رِبابٌ بَنِيَّها / وَما كُنتُ أَدري لِاِبنِ أَفصى مُساويا
وَما هِيَ إِلّا عادَةٌ جاهِلِيَّةٌ / يُوَرِّثُها كَهلٌ مِنَ القَومِ ناشِيا
فَهَلّا اِقتَدوا بِالحَيِّ بَكرِ بنِ وائِلٍ / فَكانَت تُفادي القَومَ مِنهُم تَفاديا
فَهُم ثَأَرُوا نابَ البَسُوسِ وَجَدَّلُوا / كُلَيباً وَلَمّا يَسلَمِ المَرءُ هانيا
أَلا يا لَقَومي مِن عَلِيِّ بنِ عَبدَلٍ / أَلَم يَأنِ أَن تعصُوا النَصيحَ المُداجيا
أَما حانَ مِنكُم يَقظَةٌ وَاِنتِباهَةٌ / فَتُرضِي أَخا سُخطٍ وَتُسخِطُ راضيا
يُقامُ بِها كُلُّ اِمرِئٍ في مَقامِهِ / وَفي السَهوِ شَرعاً قَد أَجازُوا التَلافيا
فَإِن أَنتُمُ لَم تَقبَلُوها نَصِيحَةً / فَلَستُ لَكُم فيما تُحِبُّونَ لاحيا
فَكَم ناصِحٍ قَد عُدَّ في الناسِ خائِناً / وَكَم غادِرٍ قَد عُدَّ في الناسِ وافيا