المجموع : 265
جِدُّوا فان الدهرَ جَدَّا
جِدُّوا فان الدهرَ جَدَّا / وتراكضُوا شِيباً ومُرْدا
وتحاشَدوا خَيرُ التسابق / للعُلى ما كانَ حَشْدا
صولوا بعزم ليس يصدأُ / حدُّه والسيفُ يصدأ
لا تَقعُدوا عن شحنِها / هِمَماً تَئِدُّ الدهرَ أدَّا
أوَلستُمُ خيرَ المواطنِ / موطناً وأعزَّ جُنْدا
فاز امرؤٌ عرف التقلُّبَ / في الليالي فاستعَدَّا
في لَوح ربِّك "آيةٌ " / خُطَّت على من كانَ جلْدا
لا ييأسَنْ من خاب ممسىً / أن ينالَ الأمر مَغدى
ذَلَّ امرؤٌ قعَدَت به / آمالهُ قَيْداً وَشدّا
بَينْا يُمَنِّي المرء خيراً / نفسَه اذ قيلَ أودَى
أينَ الذين اذا انحتْهم / شِدَّةٌ كانوا الأشَدّا
واذا الخطوبُ عَرَتْهُمُ / لم يضْرَعوا للخطب حَدّا
تَخذِوا الثباتَ سلاحَهُمْ / وتدَّرعوا حَزْماً وجِدّا
أبني مَعدَّ بلادُكم / لا تُغضِبوا فيها مَعَدا
وطنٌ مُفَدىً خيرُ ما / حَضَن الفَتى وطنٌ مُفدَّى
" الرافدان " بجانبيه / تجارَيا خمراً وشُهْدا
والزاهراتُ من الرياض / تضوَّعت أرَجاً ونَدّا
وكِسِتْ رُباه يد الطبيعة / من بديعِ الحُسْن بُردا
فَرْدُ الجمال وفي الغُلُّوِ بحبِّه / أصبحتُ فَرْدا
صبّاً نشأتُ وكلَّما / زادتْ سنيني زدتُ وَجْدا
وَطَنٌ اذا ذكروه لي / وبيَ الغليلُ وَجَدت بَرْدا
ولو استَفْفتُ ترابه / لوجدْتُ عيشي فيه رَغْدا
أعزِزْ بأني لا أطيقُ / لما دَهَى وطني مَرَدَّا
" الله " يَشهَد أنني / لم آلُهُ في النصح جُهْدا
لا تأسفَنْ وطني وكُنْ / ثَبْتاً على الأيام صَلْدا
ظُلمْ تَعدَّى حدَّه / والظلم يُردى إن تَعَدّى
" الله " يَجِزي خيرَ ما / جازَى به مولىً وَعبْدا
صِيداً " ليعرب " شَيِّدوا / عزاً وللأوطان مجدا
في ذمةِ الوطنِ الذي / بَذلوا له نَفْساً وَوُلْدا
رُوح بظلمٍ أُزِهقَت / وَدمٌ جَرَى ظُلْماً وَعَمدا
أفَكان عُقْبى مالَقوا / أن زادتِ النفقاتُ عَدّا
ويلي لغلِمة " يَعرُبٍ " / هدَّتْهم الأيامُ هَدّا
الجَور ألحَمَ بُردَة البَلوى / لَهم والضَيمُ سَدَّى
وَيلي لكّفٍ لم تجِدْ / عَضُدأً تصولُ به وزَنْدا
وَيلي لمن كانَتْ لهم / أيّامُهم خَصْماً ألَدّا
من أين دارُوا واجهوا / نكبِاتها سُودا ورُبْدا
هَوَتِ العروشُ كأنما / بعضٌ بشَرِّ البعضِ يُعدَى
فَقَدَتْ " دِمشقٌ " زَهوهَا / وجمالُ " بغدادٍ " تَرَدَّى
وجزيرةُ " العُرب " ازدرَتْ / نُورَ " النبوة " فاستُرِدَّا
باتت بها أحقادُها / يوسِعْنَ خَرقاً لن يُسَدّا
ستَبقى طويلاً هذه الأزماتُ
ستَبقى طويلاً هذه الأزماتُ / إذا لم تُقصِّرْ عُمرَها الصدَّمَاتُ
إذا لم يَنَلْها مُصلحونَ بواسلٌ / جريئونَ فيما يَدَّعونَ كُفاة
سَيبقى طويلاً يَحمِلُ الشعبُ مُكْرَهاً / مَساوئَ مَنْ قد أبْقَتِ الفَتَرات
قُيوداً من الارهاقِ في الشرقِ أُحكِمَتْ / لتسخير أهليه لها حَلَقات
ألمْ ترَ أنَّ الشْعبَ جُلُّ حقوقهِ / هي اليومَ للأفرادِ مُمتلَكات؟
مشتْ كلُّ جاراتِ العراقِ طموحةٍ / سِراعاً وقامتْ دونهُ العَقَبات
ومِنْ عَجَبٍ أن الذينَ تكفَّلوا / بانقاذِ أهليهِ همُ العَثَرات
غداً يُمْنَعُ الفتيانَ أنْ يتعلَّموا / كما اليومَ ظُلماً تُمنَعُ الفتيات
أقولُ لقومٍ يَحْمَدونَ أناتهم / وما حُمِدتْ في الواجباتِ أناة :
بأسرعَ مِن هذي الخُطَى تُدرَكُ المُنى / بِطاءٌ لَعَمْري مِنكمُ الخُطُوات
وما أدَّعي أنَّ التهوُّرَ صالحٌ / متى صَلُحَتْ للناهضِ النزوات؟!
ولكنْ أُرَجي أنَّ تقوم جريئةً / لصدِّ أكُفِّ الهادمين بُناة
أُريدُ أكُفّاً مُوجِعاتٍ خفيفةً / عليها – متى شاءتِ – الَّلَطمات
فانْ ينعَ أقوامٌ علىَّ مقالتي / وما هي إلَّا لوعةٌ وشَكاة
فقد أيقَنتْ نفسي وليسَ بضائري / بأنّيَ في تلكَ العُيونِ قَذاة
وما النقدُ بالمُرضي نفوساً ضعيفةً / تهدُّ قُواها هذهِ الحَمَلات
وَهَبْني ما صلَّتْ علىَّ معاشرٌ / تُباعُ وتُشرى منهمُ الصَّلَوات
فلو كنتُ مِمَّنْ يطعمونَ بمالهِ / لعادَتْ قِداساً تلكمُ اللعنات
دَعُوها لغيري عَلَّكُمْ تحِلُبونها / ستُغنيكمُ عن مِثليَ البَقَرات
وما هيَ إلاَّ جمرةٌ تُنكرونَها / ستأتيكُمُ من بَعدِها جَمَرات
قوارصُ قولٍ تقتضيها فِعالُكُمْ / وتدعوا " الهَناتِ " القارصاتِ " هَنات "
وإنْ يُغضِبِ الغاوينَ فضحٌ معاشرٍ / همُ اليومَ فيه قادةٌ وهُداة
فما كان هذا الدينُ لولا ادّعاؤهم / لِتمتازَ في أحكامهِ الطَّبَقات
أتُجبى ملايينٌ لفردٍ وحوَلُه / أُلوفٌٌ عليهمْ حَلَّتِ الصَّدقات؟!
وأعجبُ منها أنَّهم يُنكرِِونَها / عليهم وهمْ لو يُنصِفونَ جُباة
قذىً في عيونِ المصلحينَ شواهقٌ / بدتْ حولَها مغمورةً خَرِبات
وفي تلك مِبطانونَ صُغْرٌ نُفوُسُهم / وفي هذه غرثى البطونِ أُباة
ولو كانَ حُكْمٌ عادلٌ لتهَّدَمتْ / على أهلِها هاتيكمُ الشُرُفات
على باب " شيخِ المسلمين " تكدَّسَتْ / جِياعٌ عَلَتْهم ذِلَّةٌ وعُراة
همُ القومُ أحياءٌ تقولُ كأنَّهم / على بابِ " شيخِ المسلمين" موات
يُلَمُّ فتاتُ الخُبزِ في التربِ ضائعاً / هُناك وأحياناً تُمَصُّ نواة
بيوتٌ على أبوابها البؤسُ طافحٌ / وداخِلَهُنَّ الأنسُ والشَّهَوات
تحكَّمَ باسمِ الدّينِ كلُّ مذَمَّمٍ / ومُرتكِبٍ حفَّتْ به الشُبُهات
وما الدينُ إلا آلةٌ يَشهَرونها / إلى غرضٍ يقضُونه وأداة
وخلفَهُمُ الأسباطُ تترى ومِنهُمُ / لُصوصٌ ومنهمْ لاطةٌ وزُناة
فهَلْ قَضتِ الأديان أن لا تُذيعَها / على الناسِ إلَّا هذه النَّكِرات
يدي بيدِ المستضعَفِينَ أُريهمُ / من الظُلْمِ ما تعيا به الكَلِمات
أُريهمْ على قلبِ " الفُراتِ" شواهقاً / ثِقالاً تَشَكَّى وطأُهنَّ " فُرات"
بنتْهُنَّ أموالُ اليتامى وحولَها / يكادُ يَبينُ الدمعُ والحسَرات
بقايا أُناسٍ خلَّفوها موارداً / تسدِّدُ لهوَ الوارِثِينَ وماتوا
عاطى نباتُ الأرض ماءَ السما
عاطى نباتُ الأرض ماءَ السما / مالا تُعاطيه كؤوسُ الرحيقْ
وبات إذ حطَّ بها ثِقْلَه / يكلِّف الأرض بما لا تُطيق
أوشكتِ القِيعانُ إذ فُتّحت / لها السما مما عراها تَضيق
واهتدت الشمس لتجفيفها / فابتعثتْ شكرَ النبات الغريق
الجوُّ زاهٍ والثرى فائحٌ / ومنظر الأرض لطيفٌ أنيق
والعُود يهتزّ لمرِّ الصَّبا / والروضُ من سَكرته لا يُفيق
والغيثُ يَهمي أين من صَفوهِ / وهو جديدٌ خمرُ دنٍّ عتيق
تفتَّحي خُضْرَ الرُّبى للنَّدى / في مَبسِم الفجر – متى شئتِ – ريق
وعطّري ريحَ الصَّبا بالشَّذى / وانفتقي عن فار مسك فتيق
كلُّ فصولِ الدهر لا تُشترى / بالنزْر من نَشْرِ شذاك العبيق
جاء الربيعُ الطلق فاستبشري : / غريمُكِ البردُ طريدٌ طليق
مثل الذي لاقيت من ذا وذا / يصدف في الدهر انفراجٌ وضيق
صوبَ الحيا رفقاً فكم لطمة / أنزلتها قسراً بخدِّ الشقيق
كأن نَضْحَ القَطْرِ من فوقه / ذائبُ دُرٍّ في أواني عقيق
إني تخالفت وزهرَ الرُّبى / والكلُّ منا ذو مزاج رقيق
أنفاسها نشرُ شذىً نافحٍ / وحرّ أنفاسي شواظُ الحريق
كلُّ وجوه الأرض مكسوَّةٌ / لفائفَ الأزهار حتى الطريق
زعموا التطرف في هواك جهالة
زعموا التطرف في هواك جهالة / أكذا يكون الجاهل المتطرف
هذا فؤادي للخطوب دريئة / وأنا المعرض فيكم فاستهدفوا
أما هواك فذاك ملء جوانحي / تحنو على ذكراك فيه وتكلف
يا شعر نم على الشعور فكم وكم / نمت على زمر العواطف أحرف
سل الأخوين معتنقين غابا
سل الأخوين معتنقين غابا / لأيةِ غايةٍ طَويَا الشبابا
وعن أي المبادئِ ضيَّعوهُ / دماً لم يألُهِ الناسُ اطِّلابا
أللاؤطان وهي تَعِجُّ شكوى / كعهدهما وتصطخبُ اصطخابا
ولو كَدَمَيهما سالت دماء / محرَّمة لما رأت انقلابا
على الأخوين معتنقين صفا / كما صفَّفتَ أعواداً رِطابا
عَتَبتُ وغاية في الظلم أني / أحمِّلُ فوق ما لقيا عتابا
أدالَ الله من بيتٍ مُشادٍ / على بيتٍ يخلِّفهُ خرابا
ولاَ هنأتَ بما لَقِيت أناسٌ / على قبريكما رَفَعوا القِبابا
مشى نعش يجرُّ وراه نعشاً / سحابٌ مُقلع قَفّى سحابا
وناحتْ خلفه أشباحُ حزنٍ / يُخفِّي نطقُها الالمَ اكتئابا
بعين الله منتظرينَ أوباً / بما يُبكي الصخورَ الصمَّ آبا
دم الاخوين في الكفنين يغلي / خطاب لو وَعىَ قومٌ خطابا
سيعلمُ من يخال الجَوَّ صفواً / بانَّ الجْوَّ مملوء ضبابا
ومن ظن المجالسَ عامراتٍ / بمدح أنها شُحِنَتْ سِبابا
ويعرفُ من أراد صميمَ شعبي / رَميِّاً أيَّ شاكلةٍ أصابا
ويُدرِكَ أينَ صفوُ الماء عنه / وريِّقُهُ إذا وَرَدَ اللصابا
ولو عَرَفت بلادي ما أرادَت / بها النُواب لم ترد انتخابا
فلا وأبيكَ ما ونَتَ الليالي / تُديف لموطني سُمّاً وصابا
حَدَدْنَ لقلبه ظُفراً فلما / وَجَدْنَ بقيةً أَنشبْنَ نابا
فيالكَ موطناً واليأسُ يمشي / فلو رام الرَجا حُلُماً لخَابا
أرادَ الرأسَ لم يحصلْ عليه / مكابرةً ولا لزمَ الذُنابي
لمن وإلى مَ مِن ألمٍ يُنادي / كَفاَه مذَّلةً أن لا يجابا
وهل طرَقتْ يمينُ الحق بابا / ولم تسدد شِمال الظلمِ بابا
فواأسفاً لمطّلبٍ طلابا / يخال الموتَ اقربَ منه قابا
وقد اتخذوا لحومَ بنيهِ زاداً / وقد لبِسوا جلوَدهُمُ ثيابا
رضُوا من صُبحِهم فجراً كِذاباً / ومن أنوار شمسهِمُ اللعابا
وقرَّت للأذى منهم صُدورٌ / فسَمَّوهُنَ افئدةً رِحابا
ووقر من أتاحَ العابَ فيهم / وقالوا إنهم يأبَون عابا
لقد طاف الخيالُ عليَّ طيفاً / رأيتُ به الحمامةَ والغُرابا
فكان العدلُ ممتلئاً سَقاماً / وكان الظلمُ ممتلئاً شبابا
فيا وطني من النكبات فَأمَنْ / فقد وَفَّتكَ حظَّك والنصابا
وان خَشُنَتْ عليك مكاشفاتٌ / فحسبُك أن تُجامَلَ أو تحابَى
وان طُوِيت على دَغَلٍ قلوبٌ / فقد أُعطِيتَ ألسنةً رطابا
يا "سواسبولُ " سلامُ
يا "سواسبولُ " سلامُ / لا يَنَلْ مجدّكِ ذامُ
لا عرا السيفَ حساماً / ذَرِبَ الحدِّ انثِلام
لا يَنَلْ منكِ بما / أوذيْتِ في اللهِ اهتضام
لكِ فيما يُنقِذُ العالَمَ / رَوْحٌ وجِمام
في الضَّحايا الغُرِّ من آلِكِ / للحقِّ دِعام
كلُّ شِبْرٍ فوقَهُ مِن / جُثَثِ القتلى وِسام
يذهبُ الدَّهرُ ويبقى / من تفانيكِ نِظام
الحِفاظُ المرُّ ما انتِ / عليهِ والذِّمام
والحِفاظُ المُرُّ – أُغرمْتِ به - / موتٌ زُؤام
يا " سواسبولُ " سَقاكِ / الدَّمُ
أعَلَى الذَّبْحِ استباقٌ ؟ / أعلى الموتِ ازدحام ؟
أهيَ سوقٌ لمبارةِ / الَّلذاذاتِ تُقام؟
ألرَّدى والمجدُ والأشلاءُ / والصُلْبُ رُكام
قلعةٌ شرقيَّةٌ في / كُرْبَةِ الأرض ابتِسام
يَهرَمُ الدَّهرُ فانْ عَنَّتْ / له فهوَ غُلام
شامخٌ ممَّا أتى / أبناؤها الصيِّدُ الكِرام
يا " سواسبولُ " سلامُ / وانحناءٌ واحتشام
ما عسى يَبلُغُ – مِن / هذا الذي جئتِ – كلام
وعلى أرضِكِ آياتٌ / بلِيغاتٌ " عِظام"
هيَ في السَّلْمِ حياةٌ / وهيَ في الموتِ احترام
حولَ أسوارِكِ مِن أطياف ِ / " أنصارٍ " زِحام
مُنْهَكاتٌ فقعودٌ / مِن وَجيْبٍ وقِيام
نُثِرَتْ كَرْهاً / سُجَّداً حولَكِ هام
يا " سواسبولُ " ووجهُ / الدَّهرِ يَصْحُو ويُغام
وسنا البدرِ انتكاساتٌ / فنَقْصٌ وتَمام
ومنَ السُقْمِ علاجٌ / ومنَ البُرْْءِ سَقام
يا مناراً يُرشِدُ العالَمَ / والدُّنيا ظَلام
مرَّ عامٌ كلُّ يومٍ / منهُ في التأريخ عام
كلُّ آنٍ يَسألُ العالمُ : / ماذا يا عِصام؟
كيفَ " خَرْكوفُ " وهلْ بَعْدُ / عِتابٌ أو مَلام؟
كيفَ " رُستوفُ " لها ب " الأسودِ " / الطَّامي اعتصام
وهَلِ القَفْقاسُ – كالعهدِ / جيادٌ وَسوام
وأغانيُّ وأرباضٌ / وكَرٌّ واقتحام
لبنيهِ والذُّرى الشُمِّ / على الموتِ اعتِمام
صهوةُ الأدهمِ / والفارسُ يُزهَى والحُسام
زُبُرُ " الفولاذِ " قدْ أفرغَها / قيْنٌ هُمام
أُمةٌ لا صَدْعَ فيها / لا ارتجاعٌ لا انقسام
إنَّهُ " الايمانُ " إيثارٌ / وعدلٌ ووئام
مُثُلٌ زالَ بها جُوعٌ / وجهلٌ واحتكِام
هكذا تُنْبتُ أرضٌ / هيَ بالحقِّ اقتسام
يَملِكُ الزَّارِعُ ما يزرَعُ / لا عَبداً يُسام
صرَّحَ الشرُّ وجَلَّى / وانجّلى عنهُ الّلِثام
وبدا الغدرُ شَتِيمَ الوجهِ / يعلُوهُ القَتام
وَخُمَ المرتَعُ بالباغي / وحَلَّ الاِنتقام
جَرَتِ الفُلْكُ مُلِحَّاتٍ / وحانَ الارِتطام
دُوْنَكِ الغارِبَ جُبِّيهِ / فقد جُبَّ السَّنام
بَيَّتَ الجاني على " الفَعْلَةِ " / فالصَّفْحُ أثام
واستوى الحالُ فمعنى / أن يَعِفّوا أنْ يُضاموا
فالدمُ الغالي حَلالٌ / وتحاشيهِ حَرام
بَرَّرَ " الفَجْرَةَ " واستامَ / الخَنا جيشٌ لُهام
فالقُرى والشِّيبُ والرّضَّعُ / للنَّارِ طعام
أهيَ ذي القُوَّةُ / يعتَزُّ بها هُجْنٌ طَغام
أيُّ سُخْرِيَّةِ أهواءِ / أُناسٌ أمْ هَوام؟
الحْديدُ الضَّخْمُ يَختارُ / أحَرْبٌ أمْ سلام؟
والخَنا والنُبْلُ يقضي / فيهما هذا الحُطام؟
ما لهذا الوحشِ مِن / ناهٍ ؟ وللخيلِ لجام
فَسلُوا المعطاشَ للدَّمَّ / أمَا بُلَّ الأُوام؟
وسلُوا الحُبلى لَقاحَ / الشَّرِّ هلْ بعدُ وِحام؟
بشِعَ الفنُّ وذابتْ / صُوَرُ الرّفْق الوِسام
وانبرى أشنعَ ما / خَطَّ وشَطَّ الاِجترام
جَمَدَ الطفلُ على الثَّدي / فهلْ هذا انسجام؟
وهَلِ البَتْرُ ابتداعٌ / وهَلِ السَّمْلُ التزام؟
وهل الحِيطانُ بالأحياءِ / تُبنى وتُقام؟
فِكْرةٌ مِنَ وحْيِ أهلِ / الكَهْفِ إذ مَلّوا فناموا
يا سواسبولُ : سلامُ / وهيامٌ غرام
وتسابيحٌ تَغنَّى / بكِ ما غَنى حَمام
يا سواسبولُ : سيَنْجابُ / مِن الشَّرِّ قَتام
وستستيقِظُ أجيالٌ / على الذُلِّ نِيام
وسيَنْجَرُّ على شوكِ / الجْماهيرِ عُرام
يا سواسبولُ : مصيرُ الـ / ـبَغْيِ ما دَوّى رَغام
وحديدٌ صُبَّ في مُسـ / ـتَنْقَعِ العُهْرِ كهام
يا سواسبولُ : سلامُ / لا يَنَلْ مجدَكِ ذام
أطْبِقْ دُجى أطْبِقْ ضَبابُ
أطْبِقْ دُجى أطْبِقْ ضَبابُ / أطْبقْ جَهاماً يا سَحابُ
أطبق دخانُ من الضمير / مُحَرَّقاً أطبق عَذاب
أطبق دَمارُ على حُماةِ / دمارِهم أطبق تَباب
أطبق جَزاءُ على بُناةِ / قُبورِهم أطبق عِقاب
أطبق نعيبُ يُجِبْ صداكَ / البُومُ أطبق يا خَراب
أطبق على مُتَبلِّدينَ / شكا خُمولَهمُ الذُّباب
لم يَعرِفوا لونَ السماءِ / لِفَرْطِ ما انحنَت الرقاب
ولفرطِ ما دِيسَتْ رؤوسهمُ / كما دِيسَ التراب
أطبق على المِعزى يُرادُ / بها على الجوعِ احتِلاب
أطبق على هذي المُسوخ / تَعافُ عيشتَها الكلاب
في كلّ جارحةٍ يلوحُ / لجارحٍ ظُفرٌ وناب
يجري الصدِيدُ مِن الهوانِ / كأنه مِسكٌ مُلاب
أطبق على الدِيدانِ / ملَّتها فَيافيكَ الرِّحاب
أطبق على هذي الوجوه / كأنها صُوَرٌ كِذاب
المُخرَساتُ بها الغُضونُ / فلا سؤالَ ولا جواب
بُلهاً تدورُ بها العيونُ / كأنَّ صحصَحَها سَراب
ملَّ الفؤادُ من الضمير / وضجَّ بالرُّوح الإِهاب
أطبقْ على مُتفرقّينَ / يَزيدُ فُرْقَتَهم مُصاب
يتبجَّحونَ بأنّ إخوتَهم / يحُلُّ بهم عَذاب
ندِموا بأنْ طلبوا أقلَّ / حقوقهم يوماً فتابوا
وتأوَّبوا للذلِّ يأكل رُوحَهم / نِعْمَ المآب!
أطبق على هذي الكرُوشِ / يَمُطُّها شَحْمٌ مُذاب
مِن حولِها بقرٌ يَخورُ / وحولَه غَرثى سِغاب
أطبق إلى أنْ ينتهي / للخاطبينَ بكَ احتِطاب
أطبق على مُتنَفِّجينَ / كما تَنفَّجت العِياب
مستنوقِينَ ويزأرونَ / كأنهم أُسْدٌ غِلاب
يَزهوهمُ عَسَلٌ ويُلهيهم / عن العلياءِ صاب
يَمشي مِن الأمجاد / خَلْفَهُمُ بميسَرةٍ رِكاب
فاذا التقت حَلَقُ البِطانِ / وجدَّتِ النُوبُ الصِّعاب
خفَقَت ظِلالُهم وماعوا / مِن نُعومَتِهم فذابوا
ونَجَوا بأنفُسِهمْ وراحت / طُعمَةَ النارِ الصحاب
أطبق دُجى لا يَنْبَلِجْ / صُبْحٌ ولا يَخْفِقْ شِهاب
أطبق فتحتَ سماكَ / خَلقٌ في بصائرهِ مُصاب
لا ينفتحْ – خوفاً عليه - ! / مِن العمى للنور باب
أطبق إلى يومِ النشور / ويومَ يكتملُ النصاب
أطبق دُجى حتَّى يقئَ خُمولَ / أهلِ الغاب غاب
أطيق دُجى : حتى يَمَلَّ / من السوادِ بهِ الغُراب
أطيق دُجى : حتى يُحَلِّقَ / في سماواتٍ عُقاب
غضبانَ أنْ لم تحمِ أعشاشاً / لها طير غِضاب
أطبق دُجى : يَسْرَحْ / بظلّك ناعماً عار وعاب
من لونك الداجي رِياءٌ / وارتياعٌ وارتياب
يا عِصمةَ الجاني ويا / سرحاً تلوذُ به الذئاب
يا مَن مشتْ بدمائها / فيه الخناجرُ والحِراب
يا مَن يضِجُّ من الشرورِ / الماخراتِ به العُباب
يا مَن تَضيقُ من الهوام / الزاحفاتِ به الشعاب
كُن سِتْرَ مُجرمِةٍ تهاوَتْ / عن جريمتِها الثباب
أطبق : فأين تفِرُّ إنْ / تُسفرْ وينحدرِ النِقاب؟!
هذي الغَباوات الكريمةُ ! / والجمودُ المُستطاب !
هذا النفاقُ تَرُبهُ / صُحُفٌ ويُسْمِنُه كِتاب!
أطبق دُجى حتى تجولَ / كأنها خيلٌ عراب
هذي المعرَّات الهِجانُ / لها لظُلمتِك انتساب
أطبق : فأنتَ لهذه السوءاتِ / - عاريةً – حجاب
أطبق : فأنت لهذه الأنيابِ / - مُشحذةً – قراب
أطبق : فأنت لهذه الآثامِ / شامخةً - شباب
أطبق : فأنت لصِبغةٍ منها إذا / نصَلَتْ خِضاب
كُنْ سِتْرَها لا يَنبلِجْ / صُبحٌ ولا يَخْفِقْ شهاب
أطبق دُجى : أطبق ضَباب / أطبق جَهاماً يا سحاب ُ
كم نفوسٍ شريفةٍ حسَّاسه
كم نفوسٍ شريفةٍ حسَّاسه / سحقوهنَّ عن طريقِ الخساسه
وطباعٍ رقيقةٍ قابَلتهنَّ / الليالي بغِلْظَةٍ وشراسه
ما لضعفٍ شكوايَ دهري / فما أنكرُ بأسي وإن تحاميتُ باسه
غيرَ أني أردتُ للنجحِ مقياساً / صحيحاً فلم أجدْ مقياسه!
وقديماً مسَّتْ شكوكٌ عقولاً / وأطالتْ من نابهٍ وَسواسه
استغلَّتْ شعورَها شعراءٌ / لم تنشني ظرافةً وكيَاسه
وارتمتْ بي إلى المَطاوحِ نفسٌ / غمرتها انقباضةٌ واحتراسه
عدَّتِ النُبلَ رابحاً واستهانتْ / من نعيمٍ ولذَّةٍ إفلاسه
كلَّما أوشكتْ تبلُّ .. من الاخلاصِ / والصدقِ عاودتْها انتكاسه
تَعِسَ المرءُ حارِماً نفسَه كلَّ / اللذاذاتِ قانعاً بالقداسه
اِستفيقي لا بدَّ أنْ تُشبهي الدَّهرَ / انقلابا .. وأنْ تُحاكي أُناسه
لكِ في هذه الحياةِ نصيبٌ / اِغنميهِ انتهازةً وافتراسه
فالليالي بلهاءُ فيها لمن يُحسن / إبساسةً لها إسلاسه
مُخلَفاتٍ حلبتِها .. وأُناسٌ / حلَبوها درّارةً بسَّاسه
كلُّ هذا ولستُ أُنكرُ أنّي / من لذاذاتها اختلستُ اختلاسه
ألفُ إيحاشةٍ من الدَّهر قد / غطَّتْ عليها في ليلةٍ إيناسه
ليلةٌ تُغضبُ التقاليدَ في الناس / وتُرضي مشاعراً حسَّاسه
من ليالي الشبابِ بسَّامةٌ إنَّ / لياليَّ جُلّها عبَّاسه
ومعي صاحبٌ تفرَّستُ فيه / كلَّ خيرٍ فلمْ تخني الفَراسه
أريحيُّ ملء الطبيعةِ منه / عزَّةٌ وانتباهةٌ وسلاسه
خِدْنُ لَهوٍ ..إني أُحبّ من الشاعر / في هذه الحياةِ انغماسه
عرَّقتْ فيه طيّباتٌ ويأبى / المرءُ إلاَّ عروقَه الدسَّاسه
ولقد رُزْتُه على كلّ حالاتِ / الليالي فما ذممتُ مَساسه
كان مقهى " رشيد " موعدنا عصراً / وكنَّا من سابقٍ أحلاسه
مجلسٌ زانَهُ الشبابُ وأخلوا / " للزهاويِّ" صدرَه والرياسه
هو إنْ شئتَ مجمعٌ للدُّعاباتِ / وإن شتتَ معهدٌ للدراسه
ثمَّ كلن العِشاءُ فانصرف الشيخُ / كسيحاً موِّدعاً جُلاّسه
وافترقنا نُريد" مَهَرانَ" نبغي / وَرطة ًفي لذاذةٍ وارتكاسه
تارةً صاحبي يُصفِّقُ كأسي / وأنا تارةً أُصفِّق كاسه
وجديرٌ أنْ يُمتِعَ المرءُ بالخمرةِ / نفساً . وأنْ يُثقِّلَ راسه
قبلَ أن تَهجُمَ الليالي عليه / فتُعري من الصِّبا أفراسه
أتُراه على حياةٍ قديراً / بعدَ ما يُودِعونه أرماسه
فاحتسبنا كأساً وأُخرى فدبَّتْ / سَورةٌ لم تدعْ بنا إحساسه
وهَذينْا بما استكنَّت به النفسُ / وجاشتْ غريزةٌ خنَّاسه
لا " الحسينُ الخليعُ " يبلغُ شأوينا / ولا " مسلمٌ " ولا ذو " النُواسه"
قال لي صاحبي الظريفُ وفي الكفّ / ارتعاشٌ وفي اللسانِ انحباسه :
أين غادرتَ " عِمَّةً " واحتفاظاً / قلتُ : إني طرحتُها في الكُناسه
ثم عُجنا لمسرحٍ أسرجته / كلُّ رَودٍ وضَّاءةٍ كالماسه
حدَّدوةُ بكلّ فينانةٍ خضراءَ / بالزهرِ عطرتْ أنفاسه
ولقد زادتِ الوجوهَ به حُسناً / ولُطفاً للكهرباء انعكاسه
ثمَّ جَسُّوا أوتارَهم فأثرنَ / اللهوَ أيدٍ قديرةٌ جسَّاسه
وتنادَوا بالرقصِ فيه فأهوى / كلُّ لدنٍ للدنةٍ ميَّاسه
خُطةٌ للعواطف الهُوج فاقَتْ / خُطّةَ الحربَ جذوةً وحماسه
أُغرمَ الجمعُ واستجاب نفوساً / تتقاضاهُ حاجة مسَّاسة
ناقِلاً خطوَةُ على نغمةِ العودِ / وطوراً مرَّجفاً أعجاسه
وتلاقى الصدرانِ .. واصطكَّتِ / الأفخاذُ .. حتى لم تبقَ إلا لُماسه!!
حرَّكوا ساكناً فهبَّ رفيقي / لامساً باليدينِ منه لباسه!!
ثمَّ نادى مُعربداً لُيحيِّ / الله مغناكَ وليُدِمْ أعراسه
وخرَجْنا منه وقد نصلَ الليلُ / وهدَّتْ إغفاءَةٌ حُرّاسه
ما لبغدادَ بعدَ هاتيكمُ الضجَّةِ / تشكو أحياؤها إخراسه
واقتحمنا بيتاً تعوَّد أنْ نطرق / في الليلِ خُلسةً أحلاسه
وأخذنا بكفِّ كلِّ مَهاةٍ / رنَّقَتْ في الجفونِ منها نُعاسه
لم أُطِلْ سومَها وكنتُ متى يعجبني / الشئُ لا أُطيلُ مِكاسه!
قلتُ إذ عيَّرتنيَ الضعفَ لمَّا / خذلتني عنها يدٌ فرّاسه:
لستُ أعيا إنْ فاتني أخذيَ الشيء / بعنفٍ عن أخذهِ بالسياسه
ثمَّ كانتْ دعابةٌ فَمُجونٌ / فارتخاءٌ . فلذةٌ .! فانغماسه !!
وعلى اسمِ الشيطانِ دُستُ عَضوضاً / ناتئَ الجنبتَينِ حلوَ المداسه!
لبَداً .. تنهلُ اللُبانةُ منه ! / لا بحزْنٍ ضَرسٍ .. ولاذي دَهاسه!
وكأنّ العبيرَ في ضرَمِ اللذَّةِ / يُذكي بنفحةٍ أنفاسه..!
وكأنّ الثِقْل المرجّحَ بين الصدرِ / والصدرِ .. يستطيبُ مراسه
وكأنّ " البديعَ " في روعة الأسلوب ! / يُملي " طِباقه ! " و" جِناسه"
واستجدَّتْ من بعدِ تلك أمورٌ / كلّهنَّ ارتيابةٌ والتباسه
عرَّفتنا معنى السعادةِ لمّا / أنْ وضعنا حدّاً بها للتعاسه
بسَمَ الدهرُ وتجافى / بعدَها كاشِراً لنا أضراسه
صاحبي لا ترُعكَ خِسَّةُ دهر / " كم نفوسٍ حسَّاسه"
قُمْ حِّي هذي المنشآت معاهدا
قُمْ حِّي هذي المنشآت معاهدا / الناهضاتِ مع النُجومِ خوالدا
الشامخاتِ أنوُفهن إلى السما / والمطلعاتِ لفرقَدين فَراقدا
والفاتحاتِ على الخلودِ نوافذاً / والمجرياتِ مع الحياة روافدا
قم حيِّهنَّ ببعثِ شعب واثقاً / وَتَرضَّهُنَّ بخَلق جيلٍ جاهدا
جَلَّتْ بُنىً تَلدُ الرجال وقُدست / غُرفٌ تَبوَّأها الخلودُ مقاعدا
قم حييِّ هذي الموحيات صوامتاً / واستنطِقِ الحَجَرَ البليغ الجْامدا
واخلَعْ عليهنَّ المواهبَ تُجتلى / لا النثَرَ لا الشعرَ المعادَ قلائدا
يا بنتَ رسطاليسَ امُّكِ حرَّةٌ / تلد البنينَ فرائداً وخرائدا
وأبوكِ يحتضنُ السرير يَرُبُّها / ويقوتُها قلباً وذهنا حاشدا
مَشَتٍ القرونُ وما يزالُ كعهده / في أمسِ " مشاءً " يعودُ كما بدا
يستنزلُ الخَطراتِ من عَليائها / عُصْماً ويُدني العالمَ المتباعدا
لم يقتنصنْ جاهاً ولاسامَ النُهى / ذُلاً ولا اتخذَ الحريرَ وسائدا
جلَّ النُهى . الفكر أعظمُ عصمةً / من أنْ يُريدَ وصائفاً وولائدا
يا بنتَ رسطاليسَ قُصِّي نستمعْ / عن عاشِقيكِ أقارباً وأباعدا
عن واهبينَ حياتَهم ما استُعبِدوا / للشاكرين ولم يَذُموا الجْاحدا
والصاعدينَ إلى المشانق مثلما / ارتَقتِ النُّسورُ إلى السماءِ صواعدا
ومُحَرَّقين يُغازلون وَقودَها / شوقاً إليكِ ويَحمَدون الواقدا
والمُسمَلات عُيونُهم وكأنهم / بطيُوف شخصك يكحلون مراودا
قُصِّي فَدَيتُك من لَعوب غَضةٍِ / تَصِفُ القُرونَ مَخابراً ومَشاهداً
إني وَجدْتُ – وللشبابِ حدودهُ - / أشهى بناتِ الفكر أقصاها مَدى
فتخلّعي نجدِ الفُهومَ عَوارِياً / وتَبَسمي نجد الفُنونَ نضائدا
وتطلَّبي نُزْجِ النفوسَ عزيزةً / هَدياً وننتظمُ القُلوبَ قصائدا
يا بنت رسطاليس لُحتِ " بواسط " / فَنزَلت " حيّاً " بالصبابة حاشدا
خصبَ الشُعور ستَحَمدين مولَّهاً / من أهله ومُغازلاً ومُراوِدا
إيهٍ " بلاسمُ " والمفاخرُ جَمةٌ / أحرزتَ مَنهُنَّ الطريفَ التالدا
أحرزتَ مجداً ليس ينفدَ ذكرهُ / طولَ المدى وبذلتَ كنزاً نافِدا
ذكرٌ يظَلُّ بكل خطوٍ يرتَمي / للصف او جرَسٍ يُدقُّ معاودا
خَبِّرْ فقد جُبتَ الحياةَ رخيَّةً / خضراء َ لم تكذِبْ لعينك رائدا
وحَلبتَ من غَفلات دهرِك شطرَها / وَقنَصتَ من مُتع النَعيم الشاردا
وانسَبْتَ في غُدرُ اللذائذ خائضاً / وخَبَرتَهن مصادِراً ومَواردا
أعرَفْتَ كالأثر المخلَّدِ لذةً / جازَتْ مخَلِّدها فكان الخالدا
لله درُّك من كريمٍ أنعَشَت / كفّاهُ روحاً من نبوغ هامدا
نَفَّقتَ من عَذَبات صبيان الحِمى / عِلْقاً بمُنعَرج الأزقةِ كاسدا
إني وَجدتُ مواهباً مطمورةً / كالزراع أينعَ لمُ يصادفْ حاصدا
ولربَّ أشعثَ لأغبرٍ ذي هامة / تُلقي على كَتَفيهِ ثقلاَ آيدا
ألوى به فَقرٌ فنكَّب خطوَة / جَهلٌ فزلَّ عن الفضيلةِ حائدا
قد راحَ يبعَثُ بالتعاسةِ راحماً / قد كان لولا ذاكَ يرجِعُ حاسدا
قُتِلَ العُقوقُ فكم قَتَلنا نابغاً / بين البُيوتِ وكم وأدنا قائدا
اولاء حمدُك عاقِباً عن عاقبٍ / أتريدُ احسنَ من اولئك حامدا
سيقولُ عنك الدهرُ : ثَمَةَ ماجدٌ / في الرافدين شأى الكريم الماجدا
هل غيرُ أن رُمتَ الثناء كما ادعي / نَفَرٌ وأن أنْبَهتَ ذكرَكَ عامدا
مجداً على مجد فتلكَ طَماحةٌ / يمشي عليها المجدُ نحوكَ قاصدا
كذَبوا فان الأكرمينَ طرائدٌ / للمَكْرُماتِ وإنُ حسِبنَ طرائدا
وإذا صدقتُ فللخلودِ مصايدٌ / أبداً تَلَقَّفُ من أتاه صائدا
يمشي الكريمُ مع التكرُّم توأماً / صنوٌ يسددُ خطوَ صنوٍ عائدا
حتى إذا بلغَ الجميلُ أشُدَّه / سارَ الكريمُ إلى المكارم فاردا
ما كان باللُغزِ الخلودُ وإنما / كان النفوسَ نوازلاً و صواعدا
هل غيرُ آلافٍ تروحُ كما اغتدت / بيَدى سواكَ طرائقاً وبدائدا
تغدو إلى مطمورةٍ إن لم تَرُحْ / للهوِ دوراً والقِمارِ موائدا
احييتَهُنَّ فكانَ عدلاً ناطقاً / هذا الجمادُ على سمِّكَ شاهدا
وضممتَهُنَّ لبعضِهنَّ مجْهِّزاً / جيشاً ترُدُّ به الوَباءَ الوافدا
الجهلَ : اكرمُ ذائدٍ عن موطنٍ / من راحَ فيه عن الجهالةِ ذائدا
أعطيتَ حقَّ العلمِ أوفاها ندى / ومدَدتَ للتعليم أزكاها يَدا
فاعطِ المعلمَ يا " بلاسمُ " حقهُ / واعضُدْ فقد عَدِمَ المعلمُ عاضداً
لو جازَ للحر السُجودُ تعبًّداً / لوُجدتُ عبداً للمعلِّم ساجدا
للمُتعَب المجهودِ في يَقظاتِهِ / والمرَتعي طيفَ المتاعبِ هاجدا
والمثُخنِ المجهولِ لم يَنشُد يداً / تأسوا الجْراحَ ولا تَطلَّب ناشدا
والمستبيحِ عُصارةً من ذهنِهِ / يغذو الألوفَ بها ويُحسبُ واحدا
قل للمعلم راجياً لا راشداً / كن للشبيبةِ في المزالقِ راشدا
يا خالقَ الأجيالِ أبدِِعْ خَلْقَها / وتَوَّق بالإبداع جيلاً ناقدا
سيقولُ عهدٌ مقبلُ عن حاضرٍ / نُشوى عليه : لُعنتَ عهداً بائدا
ولسوفَ يبرأ عاقبٌ عن أهلهِ / ولسوفَ يَتَّهِمُ البنونَ الوالدا
قل للشبيبة حينَ يعصِفُ عاصف / ألا يَظلُّوا كالنسيمِ رواكدا
وإذا اغتَلَتْ فينا مراجلُ نقمةٍ / ألا يكونوا زمهريراً باردا
هيِّئ لنا نشءاً كما انصَبَّ الحيا / لُطفاً ونشءاَ كالزلازل راعدا
فلقد رأيتُ اللهَ يخلُق رحمةً / مَلَكاً ويخلُقُ للتمردِ ماردا
ومحمداً ما إنْ أهابَ بجيشهِ / يطأ البلادَ روابياً و فدافدا
ويكُبُّ جباراً ويُعلي مُدقعاً / ويُنيرُ خابطةً ويُنهضُ راقدا
لو لم يعبّئ للقيادةِ ثائِراً / حَنِقأً على نُظُمٍٍ بَلينَ وحاردا
ما إن يروحُ مع الضعيف مُطاوعاً / من لا يروحُ على القويِّ معاندا
وأذلُّ خلقِ اللهِ في بَلَدٍ طغت / فيه الرزايا من يكونُ محايدا
نشءٌ يقوِّمُ من زمانٍ فاسدٍ / لا كالزمانِ يكونُ خَلْقاً فاسدا
عُلِّمْتُمُ فُرْضَ الحسابِ فأنتُمُ / أدرى بِهنَّ فوائداً وعوائدا
ما إن تُعجِّلُ جيلٍ ناقصاً / إلاّ تحمَّلَ من عناءِ زائدا
أطلِقْ يدَ التحليل في تاريخهم / حراً وفكَّ من العِقال أوابدا
لابُدَّ من فَهم الحياةِ مَعايباً / ومفاخِراً ولذائذاً وشدائدا
جنباً إلى جنبٍ يُتمِّمُ بعضها / بعضاً كما انتظَم الجُمانُ فرائدا
علِّمْهُ حُبَّ الثائرين من الورى / طُرّاً وحُبَّ المخلصينَ عقائدا
واجْلُ الشٌّعوبَ كرائماً لا تَنتَقِصْ / شعباً ولا تَقحَمْ عليه شواهدا
واجلُبْ له أمسٍ البعيدَ مَراجِعاً / وألِحْ له أمسِ القريبَ مساندا
أرِه لثورته عِظامَ جماجمٍ / وابعَثْ له زنداً أطنَّ وساعدا
وإذا تقصَّاكَ الدليلُ مسائلاً / عن أيّ شيءٍ أعقَبَتْ ومناشدا
فابعثْ له الاشباحَ يشهدْ عندَها / ما يستفِّز مًطالعاً ومُشاهدا
يشهدْ خيالاً عارياً ومُجَوَّعاً / من أهلهم ومُضايقاً ومُطارَدا
أصِلحْ بنهجِك منهجاً مُستعبداً / صُنعَ الغريبِ على الثقافةِ حاقدا
قالوا : قواعدُ يبتنيها غاضبٌ / وسْطَ العراق على الكرامةِ قاعدا
تحتلُّ منه مشارفاً ومَناهلاً / وتَسدُّ منه مسالكاً و منافذا
ساقَتْ جُيوشَ الموبقاتِ حواشداً / للرافدين مع الجيوشِ حواشدا
ما كان أهونَ خطبَهُ مستعمراً / لو لم يُقِمْ وسْط العقولِ قواعد
لعل الذي ولى من الدهر راجع
لعل الذي ولى من الدهر راجع / فلا عيش إن لم تبق إلا المطامع
غرور يمنينا الحياة وصفوها / سراب وجنات الأماني بلاقع
نسر بزهو من حياة كذوبة / كما افتر عن ثغر المحب مخادع
هو الدهر قارعه يصاحبك صفوه / فما صاحب الأيام إلا المقارع
إلى ما التواني في الحياة وقد قضى / على المتواني الموت هذا التنازع
ألم تر أن الدهر صنفان أهله / أخو بطنه مما يعد وجائع
إذا أنت لم تأكل أكلت وذلة / عليك بأن تنسى وغيرك شائع
تحدث أوضاع العراق بنهضة / ترددها أسواقه والشوارع
وصرخة أغيار لإنهاض شعبهم / وإنعاشه تستك منها المسامع
لنا فيك يانشء العراق رغائب / أيسعف فيها دهرنا أم يمانع
ستأتيك يا طفل العراق قصائدي / وتعرف فحواهن إذ أنت يافع
ستعرف ما معنى الشعور وكم جنت / لنا موجعات القلب هذي المقاطع
بني الوطن المستلفت العين حسنه / أباطحه فينانة والمتالع
يروي ثراه " الرافدان " وتزدهي / حقول على جنبيها ومزارع
تغذيه أنفاس النسيم عليلة / تذيع شذاهن الجبال الفوارع
أأسلمتوه وهو عقد مضنة / يناضل عن أمثاله ويدافع
وقد خبروني أن في الشرق وحدة / كنائسه تدعو فتبكي الجوامع
وقد خبروني أن للعرب نهضة / بشائر قد لاحت لها وطلائع
وقد خبروني أن مصر بعزمها / تناضل عن حق لها وتدافع
وقد خبروني أن في الهند جذوة / تهاب إذا لم يمنع الشر مانع
هبوا أن هذا الشرق كان وديعة / " فلابد يوماً أن ترد الودائع "
ويوم نضت فيه الخمول غطارف / يصان الحمى فيهم وتحمى المطالع
تشوقهم للعز نهضة ثائر / حنين ظماء أسلمتها المشارع
هم افترشوا خد الذليل وأوطئت / لأقدامهم تلك الخدود الضوارع
لقد عظموا قدرا وبطشا وإنما / على قدر أهليها تكون الوقائع
وما ضرهم نبوا السيوف وعندهم / عزائم من قبل السيوف قواطع
إذا استكرهوا طعم الممات فأبطأوا / أتيح لهم ذكر الخلود فسارعوا
وفي الكوفة الحمراء جاشت مراجل / من الموت لم تهدأ وهاجت زعازع
أديرت كؤوس من دماء بريئة / عليها من الدمع المذال فواقع
هم أنكأوا قرحا فأعيت أساته / وهم اوسعوا خرقا فأعوز راقع
بكل مشب للوغى يهتدى به / كما لاح نجم في الدجنة ساطع
ومما دهاني والقلوب ذواهل / هناك وطير الموت جاث وواقع
وقد سدت الأفق العجاجة والتقت / جحافل يحدوها الردى وقطائع
وقد بح صوت الحق فيها فلم يكن / ليسمع إلا ما تقول المدافع
كمي مشى بين الكمات وحوله / نجوم بليل من عجاج طوالع
يعلمهم فوز الأماني ولم تكن / لتجهله لكن ليزداد طامع
وما كان حب الثورة اقتاد جمعهم / إلى الموت لولا أن تخيب الذرائع
هم استسلموا للموت والموت جارف / وهم عرضوا للسيف والسيف قاطع
بباخرة فيها الحديد معاقل / تقيها وأشباح المنايا مدارع
وإن أنس لا أنس " الفرات " وموقفا / به مثلت ظلم النفوس الفظائع
غداة تجلى الموت في غير زية / وليس كراء في التهيب سامع
تسير وألحاظ البروق شواخص / إليها وأمواج البحار توابع
تراها بيوم السلم في الحسن جنة / بها زخرفت للناظرين البدائع
على أنها والغدر ملء ضلوعها / على النار منها قد طوين الأضالع
مدرعة الأطراف تحمي حصونها / كمأة بطيات الحديد دوارع
ألا لا تشل كف رمتها بثاقب / حشتة المنايا فهو بالموت ناقع
من اللآء لا يعرفن للروح قيمة / سواء لديها شيب ورضائع
فواتك كم ميلن من قدر معجب / كما ميل الخد المصعر صافع
أتتها فلم تمنع رداها حصونها / وليس من الموت المحتم دافع
هنالك لو شاهدتها حين نكست / كما خر يهوي للعبادة راكع
هوت فهوى حسن وظلم تمازجا / بها وانطوى مرأى مروع ورائع
فان ذهبت طي الرياح جهودنا / فعرضك يا أبناء يعرب ناصع
ثبت وحسب المرء فخراً ثباته / " كما ثبتت في الراحتين الأصابع "
ومحي لليل التم يحمي بطرفه / ثغوراً أضاعتها العيون الهواجع
تكاد إذا ما طالع الشهب هيبة / تخر لمرآه النجوم الطوالع
مدبر رأي كلف الدهر همه / فناء بما أعيا به وهو ظالع
مهيب إذا رام البلاد بلفظة / تدانت له أطرافهن الشواسع
" ينام باحدى مقلتيه ويتقي / بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع "
يحف به كل أبن عم إذا رنا / إلى الحي ردت مقلتيه المدامع
يرى أينما جال اللحاظ مهاجما / يصول وما في الحي عنه مدافع
تثور به للموت أبية / وتأبى سوى عاداتهن الطبائع
يطارحه وقع السيوف إذا مشى / كما طارح المشتاق في الأيك ساجع
وقد راعني حول الفرات منازل / تخلين عن ألافها ومرابع
دزائر من بعد الأنيس توحشت / وكل مقام بعد أهليه ضائع
جرى ثائراً ماء الفرات فما ونى / عن العزم يوماً موجه المتدافع
حرام عليكم ورده ما تزاحمت / على سفحه تلك الوحوش الكوارع
هم وجدوا حول الفرات أمانياً / لطافاً أضلتها نفوس نوازع
ولو قد أمدته السيوف بحدها / لغص بموار من الدم كارع
ومهر المنى سوق من الموت حرة / بها يرخص النفس العزيزة بائع
فلا توحدوه إنه يستمدكم / بأنفاسه تياره المتتالع
على أي عذر تحملون وقد نهت / قوانينكم عن فعلكم والشرائع
على رغم روح الطهر عيسى أذلتم / براء ذماء هونتها الفظائع
فيا وطني إن لم يحن رد فائت / عليك فان الدهر ماض وراجع
وأحلامنا منها صحيح وكاذب / وأيامنا منهن معط ومانع
كما فرق الشمل المجمع حادث / فقد يجمع الشمل المفرق جامع
وما طال عصر الظلم إلا لحكمة / تنبيء أن لابد تدنو المصارع
جرّبيني منْ قبلِ انْ تزدَريني
جرّبيني منْ قبلِ انْ تزدَريني / وإذا ما ذممتِني فاهجرِيِني
ويَقيناً ستندمينَ على أنَّكِ / من قبلُ كنتِ لمْ تعرفيني
لا تقيسي على ملامحِ وجهي / وتقاطيعِه جميعَ شؤوني
أنا لي في الحياةِ طبعٌ رقيقٌ / يتنافى ولونَ وجهي الحزين
قبلكِ اغترَّ معشرٌ قرأوني / من جبينٍ مكَّللٍ بالغُصونِ
وفريقٌ من وجنتينِ شَحوبين / وقدْ فاتتِ الجميعَ عُيوني
إقرأيني منها ففيها مطاوي النفسِ / طُراً وكلُّ سرٍّ دَفين
فيهما رغبةٌ تفيضُ . وإخلاصٌ / وشكٌّ مخامرٌ لليقين
فيهما شهوةٌ تثورُ . وعقلٌ / خاذِلي تارةً وطوراً مُعيني
فيهما دافعُ الغريزةِ يُغريني / وعدوى وراثةٍ تَزويني
أنا ضدُّ الجمهور في العيشِ / والتفكيرِ طُرّاً . وضدُّه في الدِّين
كلُّ ما في الحياةِ من مُتَع العيشِ / ومن لذَّةٍ بها يزدهيني
التقاليدُ والمداجاةُ في الناسِ / عدوٌّ لكلِّ حُرٍّ فطين
أنجِديني : في عالمٍ تَنهشُ " الذُئبانُ " / لحمي فيه .. ولا تُسلِميني
وأنا ابن العشرين مَنْ مرجِعٌ لي / إنْ تقضَّتْ لذاذةَ العشرين
إبسِمي لي تَبسِمْ حياتي وإنْ كانتْ / حياةً مليئةً بالشُّجون
أنصِيفيني تُكفِّري عن ذُنوبِ / الناسِ طُرّاً فإنهمْ ظلموني
إعطِفي ساعةً على شاعرٍ حر / رقيقٍ يعيشُ عيشَ السجين
أخذتني الهمومُ إلّا قليلاً / أدركيني ومن يديها خذيني
ساعةً ثم أنطوى عنكِ محمولاً / بكُرهٍ لظُلمةٍ وسكون
حيث لا رونقُ الصباح يُحييِّني / ولا الفجرُ باسماً يُغريني
حيثُ لا " دجلةٌ " تلاعبُ جنبيها / ظِلالُ النخيلِ والزيِّتون
حيثُ صَحبي لا يملكونَ مُواساتي / بشيءٍ إلّا بأنْ يبكوني
مَتِّعيني قبلَ المماتِ فما يُدريكِ / ما بعدَه وما يُدريني
وَهبي أنَّ بعدَ يوميَ يوماً / يقتضيني مُخلِّفاتِ الدُّيون
فمَنِ الضامنونَ أنَّكِ في الحشرِ / إذا ما طلَبتِني تجديني
فستُغرينَ بالمحاسنِ رُضواناً / فيُلقيكِ بين حُورٍ وعِين
وأنا في جهنَّمٍ معَ أشياخٍ / غواةٍ بِغيَّهمْ غمروني
أحرَجتني طبيعتي وبآرائِهم / ازدَدْتُ بَلةً في الطين
بالشفيعِ " العُريان " استملكي خيرَ / مكانٍ . وأنتِ خيرُ مكين
ودعيني مُستعرضاً في جحيمي / كلَّ وجهٍ مُذمَّمٍ ملعون
وستُشجينَ إذ ترينَ معَ البُزلِ / القناعيسِ حيرةَ ابن اللبون
عن يساري أعمى المعرَّةِ و " الشيخُ " / الزهاويُّ مقعداً عن يميني
إئذَني لي أنزِلْ خفيفاً على صدركِ / عذْباً كقطرةٍ من مَعين
وافتحي لي الحديثَ تستملحي خفَّةَ / رُوحي وتستطيبي مُجوني
تعرِفي أنني ظريفٌ جديرٌ / فوقَ هذي " النهود" أنْ ترفعني
مؤنِسٌ كابتسامةٍ حولَ ثغريكِ / جذوبٌ كسحرٍ تلكَ العيون
إسمحي لي بقُبلةٍ تملِكيني / ودعي لي الخَيارَ في التعيين
قرِّبيني من اللذاذةِ ألمَسْها / أريني بداعةَ التكوين
إنزليني إلى " الحضيضِ " إذا ما شئتِ / أو فوقَ ربوةٍ فضعيني
كلُّ مافي الوجودِ من عقباتٍ / عن وصولي إليكِ لا يَثنيني
إحمليني كالطفلِ بين ذِراعيكِ / احتضاناً ومثلَه دَّلليني
وإذا ما سُئلتِ عني فقولي / ليسَ بِدعاً إغاثةُ المسكين
لستُ أُمّاً لكنْ بأمثالِ " هذا " / شاءتِ الأُمهات أنْ تبتليني
أشتهي أنْ أراكِ يوماً على ما / ينبغي مَن تكشُّفٍ للمصُون
غيرَ أني أرجو إذا ازدهتِ النفسُ / وفاضَ الغرامُ أنْ تعذُريني
" اِلطمِيني "إذا مَجُنتُ فعمداً / أتحرَّى المجونَ كي تَلْطمِيني
وإذا ما يدي استطالتْ فمِنْ شَعركِ / لُطفاً بخُصلةٍ قيِّديني
ما أشدَّ احتياجةِ الشاعر الحسَّاسِ / يوماً لساعةٍ مِن جنون
يا " اندونوسُ " إن استماتَ بَنوكِ
يا " اندونوسُ " إن استماتَ بَنوكِ / فالحربُ أمُّكِ والكفاحُ ابوكِ
ولديكِ تاريخٌ على صَفَحاتِه / أرَجٌ يضُوعُ من الدم المسفوك
وكأنَّ من ألَقِ الضُحى ورفيفِه / نُوراً يُشِعُّ عليه من واديك
يا " بنتَ " ثانيةِ الجنان بما اشتَهتْ / نَفْسٌ وما رَمَتِ الطبيعةُ فيك
وبما تسيلُ ظهورُها وبطونُها / بالتِبْرِ من متذوِّبٍ وسَبيك
بالحاشِد الملتَفِّ منك إذا دَجى / والضاحكِ العُريانِ من " ضاحيك "
فاءت على المستعمرينَ ظلالُها / وعلى مليكاتٍ لهم ومُلوك
يا بنتَ ذاك و " أمَّ " كلِّ مغرِّف / في بُؤسه ومُجوَّعٍ صُعلوك
يا أمَّ كلِّ مُشرَّدٍ عن أهله / وُهِبَ الجنانَ وعاش كالمملوك
بمن " الجهادُ " يَليق ان لم ينتظِمْ / تاجاً تَليق به رؤوسُ ذَويك
في كل قَبر من قُبورك طائفٌ / يمشي إليك وصارخٌ يدعوك
ليشُُدَّ حاضرَك المضمَّخَ بالدِما / بالموَجعِ الأسيانِ من ماضيك
ومن الطبيعةِ عن بنيكِ مُدافعٌ / أن يأخذوا منك الذي تُعطيك
تأبى المروءةُ ان تُزقَّي غيرَهم / اذ يُحرَمون مُجاجةً من فيك
يا " اندنوسُ " ! وفي الخلائقِ شركة / لاشيءَ غير الله دونَ شريك
اصلَوْكِ ما الشرقُ اصطَلى بجحيمهِ / وبميسَم من ذُلِّه وَسَموك
وسَقَوك من كأسٍ سُقينا مثلَها / ولقد يكون ارقَّ من يسقيك
وكذاك أنتِ وقد تمخَّضَ نقمةً / تتمخضِّينَ على القَنا المَشبوك
حيِّ الصفوفَ لرأبِ الصدعِ تجتمعُ
حيِّ الصفوفَ لرأبِ الصدعِ تجتمعُ / وحيِّ صرخةَ أيقاظٍ بمن هجعوا
إنَّ الشبابَ جنودَ اللهِ ألَّفهمْ / في " الشامِ " داعٍ من الأوطانِ مُتَّبع
مَشوا على خَطوهِ تنحطُّ أرجلُهمْ / كما اشتهى " المثلُ الأعلى " وتَرتفع
" دِمَشقُ " لم يُبق منكِ الدهرُ باقيةً / إلاّ الذي في توَقي غيرِه ضَرَع
ولو أردتُ بكِ التقريع عن مِقَةٍ / لقلتُ : أنفُكِ رغمَ العزِّ مُجتدع
فما انتظارُكِ مَيْتاً لا ضميرَ لهُ / حزماً فلا الخوفُ ذو شأنٍ ولا الطمع
نُبِّئتُ في " الغُوطةِ " الغنّاءِ عاصفةٌ / تكادُ تجتثُّ ما فيها وتَقتلع
مرَّتْ على " بردى " فالتاثَ مَوردهُ / وبالغياضِ فلا حُسنٌ ولا مَرَع
فقلتُ : لاضيرَ إنْ كانت عجاجتُها / عن غضبةِ البلدِ المسلوبِ تنقشع
وهل سوى مُتَعٍ زالتْ ستخلِفُها / مُخَّلداتٍ . حِساناً . خُرَّداً . مُتَع
أمَّ البلادِ التي ما ضيِم نازِلُها / يوماً . ولم يَدْنُ منها العارُ والهَلع
محميَّةً بالأصمِّ الفردِ تحرُسُه / غُلْبُ الرِّجالِ على الآجالِ تقترع
مثلَ " النسورِ " إذا ما حلَّقوا رهبوا / والموتُ ملءُ خوافيهم إذا وقعوا
الحاسِرونَ كنبعِ السروةِ احتفَلوا / بالنازلاتِ فلا التاثوا . ولا ادَّرعوا
والرابضونَ كآسادِ الشرى فاذا / هِيجوا رأيتَ المنايا كيف تندفع
لا ينطقونَ الخّنا حتى إذا اقتَتلوا / فمنطِقُ الفتكِ منهم منطقٌ قَذَع
دِمَشقُ يا " أمُّ " إنَّ الرأيَ مُحتَفلٌ / والعزمَ مُحتتشَدٌ . والوقتَ مُتسِع
قولي يُجبْ شاحِنُ الأضلاعِ مرتقِبٌ / واستصرخي ينتفضْ غَيرانُ مُستمع
وأجمعي الأمرَ نُجمِعْ لا يُفرِّقنا / أأنتِ أمْ نحنُ فيما ينبغي تَبع
وطوعَ أمركِ أجنادٌ مجنَّدةٌ / إلى " العُروبِة " بعد اللهِ تنقطع
يُغنيكِ عن وصف ما يَلقونَ أنهمُ / خوفاً عليكِ ولمَّا تُفجعي فُجعوا
وقد يكونُ قريباً أنْ ترى " حلبٌ " / خيلَ العراقِ قُبيلَ النجعِ تنتجع
"قُبّاً " شوازبُ لا تُلوى شكائمُها / ولا يرينُ على " تقريبه " الضلَع
ثقي " دِمَشقُ " فلا حدٌّ ولا سِمةٌ / ولا خطوطٌ – كلعبِ الطفلِ – تُبتدع
تُقصيكِ عن أرضِ بغدادٍ ودجلتها / أمَّا الفراتُ فنبعٌ بيننا شَرع
إذا " الجزيرةُ " روَّت منه غُلَّتها / روَّى الغليلَ الفراتيونَ وانتقعوا
جرى على الكأسِ والأنباءُ مُفجِعةٌ / دمعٌ هو القلبُ نحوَ العينِ يَندفع
وارتاحَ للبثِّ " خِدنٌ " كادَ يَخنقه / ذكرى " دمشقَ " وما تلقى وما يَقع
فقلتُ : ليتَ " فرنسا " ها هُنا لترى / كيف القلوبُ على الأرزاءِ تَجتَمع
هذي مباهجُ " بغدادٍ " ونشوتُها / وجداً عليكِ . فكيف الحزنُ والهلع
دارتْ دمشقُ بما اسطاعتْ فما قدرت / على سياسةِ خبّ داؤها الجشَع
كانت " أناةٌ " فلم تَنجع ولا جنَفٌ / وكانَ ريثٌ فلم ينفعْ ولا سرَع
بعدَ الثلاثينَ عاماً وهي رازحةٌ / حسرى تطلَّعُ للماضي وترتجع
كانت محافِلُ " باريسٍ " لها سنَداً / واليومَ منها يحين الحَينُ والفزع
" اليومَ " ضاقتْ بشكواها وآهتِها / و " أمسِ "كانت على " عثمانَ " تتسع
حتى كأنْ لم يكنْ للعُربِ مطَّلبٌ / ولا استقلَّ بحملِ القومِ مضطلِع
ولا مشتْ " بُرُدٌ " والموتُ يحملها / ولا سعتْ " رُسلٌ " والموتُ يتَّبع
ولا المشانقُ في أعوادِها ثمرٌ / غضٌّ منَ الوطنِ المفجوعِ يُقْتطع
لئن تكن خُدَعٌ ساءتْ عواقبها / فكم أنارتْ طريقاً مُظلِماً خُدَع
كانتْ دُروساً لسوريا وجيرتِها / من فرطِ ما طبَّقوها فيهمُ برعوا
يا ثورةً قرَّبَ الظلمُ اللِّقاحَ بها / سيلمسُ المتجِّني شرَّ ما تضع
قالوا : السياسةُ شرعٌ ما به نصفٌ / فهل تكونُ جنوناً ما به وَرَع ؟
وهل يُريدونَ بعدَ اليومِ تجربةً / وفي تذكُّرِ ما قد فاتَ مُرتَدَع
قلبَ العُروبةِ هل بُشرى نُسرُّ بها / أنَّ " السُّويداءَ " بُرْءٌ ما به وجع
و " اللاذقيةُ " هل " ربٌّ " يقوم بها / أم ربُّها العَلمُ المحبوبُ يرتفع
وفي " الجزيرةِ " هل زالت وساوسُها / وهل توَّحدتِ الآراءُ والشِّيَع
يا " جنَّةَ الخُلدِ " لو لم يؤذِ نازلها / ضيفٌ ثقيلٌ عليها وجهُه بَشع
بادي المخالبِ " وحشٌ " لم يلدهُ أبٌ / لكنَّه في ديارِ الغربِ مُختَرَع
" دمَشقُ " إنَّ معي قلباً أضيقُ به / يكادُ من خلجاتِ الشوقِ ينخلع
جمَّ النزيِّ إلى مغناكِ مُتَّجهٌ / كأنه من رُباكِ الخُضْرِ مُنتزَع
ناغي خيالُكِ " أطفالي " فيقظتُهم / ذكرى وطيفُكِ مغناهم إذا هجعوا
" فراتُ " أشبهُ كلِّ الناسِ بي ولعاً / فيما أُحِبُّ تبنَّاهُ بكِ الوَلع
سقى تُربَها من ريِّقِ المزن هطّالُ
سقى تُربَها من ريِّقِ المزن هطّالُ / دياراً بعثْنَ الشوقَ والشوقُ قتالُ
خليليَّ أشجَى ما ينغِّص لذتي / مَناحٌ أقامته عيالٌ وأطفال
وأيد وأجيادٌ تُمَدّ وتلتوي / ومنهن حال بالدموع ومعطال
خليليَّ لو لم يَنطق الوجدُ لم أقل / فقد كذَّبت قبلي لذي الحبّ أقوال
وحيداً فلو رُمتم على الوجد شاهداً / لما شَهِدت الا بُكورٌ وآصال
وما برِحت أيدي الخطوب تنوشُني / بفارسَ حتى بغَّضَ الحلَّ ترحال
وما سرني في البُعد حال تحسَّنَتْ / بلاديَ أشهى لي وان ساءتِ الحال
فمن شاقه بَردُ النعيم بفارسٍ / فاني إلى حَرِّ العراقين ميّال
أُحب حصاها وهو جمر مؤجَّج / وأهوى ثراها وهو شَوكٌ وأدغال
واني على أنَّ البلادَ جميلةٌ / تروق كما ازدادت من الدلِّ مِكسال
منعَّمة أما هواها فطيّب / نسيم وأما الماءُ فيها فسَلسال
يسيل على أجبالها وهو لجّةٌ / ويجري على حَصبائها وهو أوشال
تحيط به خُضرُ الرياض أنيقةً / كما رُقِمت فوق الصحائف أشكال
أحنُّ إلى أرض العراق ويعتلي / فؤادي خُفوقٌ مثلَما يَخفُق الآل
وما الهول غِشيانَ الدروبِ وضيقُها / عراكُ الهوى والوجدُ والذكرُ أهوال
خليليَّ أدنى للبيب رُقيُّهُ / إلى النجم من أن يَسلَم العزُ والمال
ألا مُبلغٌ عني " المعرِّيَ " أحمداً / ليسمَعَه والشعر كالريح جوّال
بأني وإيّاه قرينا مصائبٍ / وان فَّرقت بين الشعورينِ أحوال
واني وإياه كما قال شعره : / " مغاني اللوي من شخصكَ اليوم أطلال "
" تمنيت أن الخمر حلَّت لنشوة / تُجَهِّلُني كيف استقرَّت بيَ الحال "
احباي بين الرافدين تيقَّنوا / بأني وان أُبعِدتُ عنكم لسّآل
لئن راقكم ماءُ الفرات وظلِّلتْ / عليكم من الصَفصاف والنخل أظلال
فانيَ من دمعٍ عليكم أُذيله / شَروبٌ ومن سَوداءٍ قلبي أكّال
لقد كان هذا القلب في القُرب مضغةً / وها هو من بعد الأحبَّة أوصال
نَعوا إلى الشِعرِ حُراً كان يرعاهُ
نَعوا إلى الشِعرِ حُراً كان يرعاهُ / ومَنْ يَشُقُّ على الأحرارِ مَنعاهُ
أخنى الزَّمانُ على نادٍ " زها " زَمناً / بحافِظٍ واكتسى بالحُزنِ مغناه
واستُدْرجَ الكوكَبُ الوضاءُ عن أُفُقٍ / عالي السَّنا يُحْسِرُ الأبصارَ مَرقاه
أعْززْ بأنَّا افتقَدناهُ فأعوزنا / وجهٌ طليقٌ وطَبعٌ خفَّ مجراه
وأنَّ ذاكَ الخفيفَ الروحِ يُوحشُه / بيتٌ ثقيلٌ على الأحياءِ مَثواه
ضيفٌ على رِمَمٍ شتَّى طبائعُها / ما كانَ يجمعُها حالٌ وإياه
أنَّ الذي هزَّ كلَّ الناس مَحضَرُهُ / لم يبقَ في الناس منه غيرُ ذكراه
نأت رعايَتُنا عنه وفارقَنا / فِراقَ مُحتَشمٍ فلْيَرْعَهُ الله
حوى التُرابُ لِساناً كُلُّهُ مُلَحٌ / ما كلُّ مُحتَرِفٍ للشِّرِ يُعطاه
للأريحيَّةِ مَنْشاهُ ومَصْدرُهُ / وللشَّجاوةِ والإيناسِ حَدّاه
جمُّ البَدائهِ سَهْل القولِ ريِّضُه / وطالما أعوزَ المِنطيقَ إبداه
جَلا القِراعُ الشبا منهُ ولطفَّهُ / طولُ التَّجارِبِ في الدُّنيا ونقَّاه
تخيَّر الكَلِمَ العالي فَسلَّطهُ / على القوافي فحَّلاها وحلاّه
ومَدَّها ببنَتِ الفِكرِ مُرسَلةً / تَرَسُّلَ السَّيلِ أدناهُ كأقصاه
من كلِّ مَعنىً لطيفٍ زاد رونَقَهُ / إبداعُ " حافِظَ " فيهِ فهو تيَّاه
فلو يُطيق القريضُ النُطقَ قابلةُ / بالشكرِ عن حُسن ما أسدى فأطراه
عرائسٌ من بنات الفكر حاملةٌ / مِن حافظٍ أثَراً حُلواً كسِيماه
وما الشُعورُ خيالُ المرءِ يَنْظِمهُ / لكنَّهُ قِطِعِاتٌ مِن سجاياه
أخو الحماسِ رقيقاً في مقاطعهِ / تكادُ تُلْمسُ نِيرانٌ وأمواه
وذو القوافي لِطافاً في تَسَلسُلها / ما شانَها عنَتٌ يوماً وإكراه
وابنُ السِنينَ نَقيَّاتٍ صحائفُها / أُولاه فائضةٌ حُسناً وأُخراه
فانْ يكُنْ خُضِدت بالموتِ شوكتُهُ / أو نالَ وقعُ البِلى منهُ فعرّاه
فما تزالُ مَدى الأيامِ تُؤنسُنا / نظائرٌ مِن قوافيهِ وأشباه
شِعرٌ تُحِسُّ كأنَّ النفسَ تَعشَقُهُ / أو أنَّها اجتُذِبَتْ بالسِحر جرّاه
زانَتْ مواقِفَهُ جُنديَّةٌ كُسيَت / من الرزانهِ ما لمْ تُكْس لولاه
مشى بمصرَ فلم يَعثُر بها ورمى / مُحتلَّ مِصرَ فلم يُخطِئْهُ مَرماه
رِيعَ القريضُ بفذٍّ كانَ يملؤهُ / مِن الجميلينِ مَبناهُ ومَعناه
يُعطي لكلِّ مَقامٍ حقَّهُ ويَرى / حقّاً لسامعهِ لابُدَّ يَرعاه
قد يُوسِعُ الأمرَ تفصيلاً يُحتَّمُه / حالٌ وقد يَكتفي عنهُ بفَحواه
وقد يجيئُ بما لم يَجْرِ في خَلَدٍ / وقد يقولُ الذي لم تهوَ إلاّه
فمٌ من الذهب الابريزِ مَنطِقُهُ / جاءتْ تُعزّي به الأشعارَ أفواه
اليومَ يبكيهِ دامي القلبِ طارَحَهُ / بِدامياتِ قوافيهِ فواساه
وضيِّقُ الصدرِ بالأيام غالطَهُ / عنِ الحياةِ وما فيها فعزّاه
حَسْبُ الزمانِ وحِسبُ الناسِ مَنقصةً / أن طالَ من حافظٍ في الشِعر شكْواه
ما للزمانِ ونفسٍ ريعَ طائُرها / ألمْ تكنْ في غِنىً عنها رزاياه
ضَحيَّةَ الموتِ هل تهوى مَعاودَةً / لِعالمٍ كنتَ قَبلاً مِن ضَحاياه
يا ابنَ الكِنانهِ والأيامُ جائزةٌ / والدهرُ مُغْرَمةٌ بالحُرِّ بَلواه
لُقِّيتَ مِن نَكَدِ الدُّنيا ومحنتها / ما كنتَ لولا إباءٌ فيكَ تُكفاه
ما لذَّةُ العيشِ جَهلُ العَيشِ مَبدؤهُ / والهمُّ واسِطهُ والموتُ عُقباه
يا ابنَ الكِنانهِ ماذا أنتَ مُشتَمِلٌ / عليه ممَّا سَطا مَوتٌ فغَطَّاه
سِتّونِ عاماً أرتْكَ الناسَ كُنهَهَمُ / والدهرَ جوهرَهُ والعُمْرَ مَغزاه
وبَصَّرتكَ بأطباع يَضيقُ بها / صدرُ الحليم وتأباه مَزاياه
بَدا على نَفثَاتٍ منكَ خالدةٍ / عيشُ الأباة ونُعماهُ وغُمَّاه
وخَبَّرتنا القوافي عن أخي جَلَدٍ / صُلبِ الإرادةِ يُعْيي الدهرَ مأتاه
خاضَ الزمانَ وأبلاهُ مُمارسةً / لم يَخْفَ عنه خبيٌّ مِن ثناياه
وعَنْ مصارَعةِ الدُّنيا على نَشَبٍ / الحَالُ تُوجبهُ والنفسُ تأباه
وعن مواقفَ تُدمي القلبَ غُصَّتُها / لا المالُ يَدفعُ ذِكراها ولا الجاه
وعن أذايا يّهدُّ النفسَ مَحمِلُها / ويَستثَيرُك جانيها ومَرآه
إنَّا فَقدناهُ فقْدَ العيَنِ مُقلتها / أو فقْدَ ساعٍ إلى الهيجاءِ يُمناه
ما انفَكَّ ذِكرُ الرَّدى يجري على فمه / وما أمرَّ الرَّدى بل ما أُحيلاه
ومَنْ تُبَرِّحْ تَكاليفُ الحياةِ به / ويَلْمِسُ الرَّوْحَ في مَوتٍ تمنَّاه
إنّي تعشَّقتُ مِن قَبلِ المُصابِ به / بيتاً له جاء قبلَ الموتِ يَنعاه:
ودَّعتُهُ ودُموعُ العينِ فائضةٌ / والنَّفسُّ جياشةٌ والقَلب أواه
جدع الجبارُ أنَفَ المعجَبِ
جدع الجبارُ أنَفَ المعجَبِ / واصطلى الطاغي بنيران الأبي
ورأى التاريخُ ما لم يره / من نضالِ الصابرِ المحتسِبِ
يا يراع المجدِ هذي صفحةٌ / أمْلِ ما شئتَ عليها واكتُب
خَبِّرِ الاجيالَ كيف افتخرت / ساحةُ الموتِ بشيخٍ وصبي
وفتاة بالردى هازئةٍ / أمسِ كانت نجمةً في ملعب
امةٌ تنفح عن " معتقد " / وبلادٌ تدّري عن " مذهب "
عانق الموت زؤاماً سادر / ظنَّها " باريسَ " بنْتَ الطرب
واراها كيف رجسُ المعتدي / فأرتْه كيف طُهْرُ المُغضَب
ثم تلته يدٌ " كادحةٌ " / تُحْسِنُ الصَّفعةَ للمغتصِب
يا رجاءَ الكونِ في محنته / يا شُعاعَ الأملِ المستعذَب
يا بُناة الحقِ والعدلِ على / ملعب من قيصريٍ خرب
سجدَ ابنُ العقلِ والفقرِ به / مرغماً لابنِ الخنا والذهب
يا ينابيعَ رجاءٍ فُجَّرتْ / لظِماءٍ وجياعٍ سغّب
يا نقاءَ الفكرِ في جوهره / لم يُدَلَّسْ بالكُنىَ والرُّتَب
تأنف القدرةُ في ذِرْوَتِها / وإلهٌ في السما أن تُغْلَبي
إذا خانتكَ مَوهبِةٌ فحقُّ
إذا خانتكَ مَوهبِةٌ فحقُّ / سبيل العيشِ وَعْرٌ لا يُشَقُّ
وما سهلٌ حياةُ أخي شُعورٍ / من الوجدان ينبُضُ فيه عِرق
أحلَّتْهُ وداعتُه محيطاً / حَمَتْه جوارحٌ للصيد زُرق
تفيض وضاحةً والعيشُ غِشٌ / سلاحك فيه أن يعلوك رَنْق
وتحمل ما يحلّ من الرزايا / قُواكَ وقد تخورُ لما يَدِقّ
يطُن الناسُ أنّك عُنجهُيُّ / وأنتَ وَهُم بما ظَنّوا مُحِقّ
قليلٌ عاذروكَ على انقباضٍ / أحب الناسِ عند الناسِ طَلْق
ووجهٍ تُقطُر الأحزانُ منه / على الخُلَطاء مَحمِلُه يشِقّ
شريكُكَ في مِزاجك من تُصافي / له شِقٌ وطوعُ يديك شِق
وقبلاً قال ذو أدَب ظريفٍ / قِرى الأضياف قبلَ الزاد خُلْق
وعذرُك أنت آلامٌ ثِقالٌ / لهنَّ بعيشةِ الأدباء لَصق
أحقُّ الناس بالتلطيف يغدو / وكل حياتِه عَنَتٌ وزَهْق
تسير بك العواطفُ للمنايا / وعاطفةٌ تسوءُ الظُفرَ حُمق
وحتى في السكوت يُرادُ حزمٌ / وحتى في السلامِ يُرادُ حِذق
يريد الناسُ أوضاعاً كثاراً / وفيك لما يُريدُ الناسُ خَرق
خضوعُ الفرد للطبقاتِ فَرضٌ / وقاسيةٌ عقوبةُ من يَعِقّ
نسيجٌ من روابطَ محكماتٍ / شذوذُ العبقريةِ فيه فَتْق
وعندّكَ قوَّةُ التعبير عما / تُحسُّ وميزةُ الشُعَراء نُطْق
حياتُك أن تقولَ ولو لهاثاً / وحُكمٌ بالسكوت عليك شَنْق
فما تدري أتطلق من عنان القريحةِ / أم تُسفُّ فتُستَرَقّ
فان لم تُرضِ أوساطاً وناساً / ولم تكذِبْ وحُسْنُ الشعرِ صِدق
ولم تقلِ الشريفُ أبو المعالي / وتَعلَمُ أنه حمَقان مَذْق
ولم تمدحْ مؤامرةً وحُكما / بأنهما لميلِ الشَعب وَفق
دُفِعتَ الى الرعاع فكان شتمٌ / ورحتَ إلى القضاء فكان خَنْق
بقاءُ النوع قال لكلِّ فرد / " أُحطُّ شمائلي عَدل ورِفق "
قلوب صِحابتي غُلْفٌ ووِرْدي / لمن لم يعرف التهويش طَرْق
وصارمةٌ نواميسي وعندي / لمن لا يسحَقُ الوجدانَ سَحق
وإني لاحبٌ بالظلم سهلٌ / ومنحدِرٌ لصافي القلب زَلْق
غريبٌ عالم الشعراء تقسو / ظروفهم والسنُهم تَرِق
كبعضِ الناس هُمْ فاذا استُثيروا / فبينهم وبين الناس فَرْق
شذوذُ الناس مُختَلَق ولكنْ / شذوذُ الشاعر الفَنّان خَلْق
وإن تعجَبْ فمن لَبِقٍ أريبٍ / عليه تساويا سَطْحٌ وعُمْق
تضيق به المسالكُ وهو حُرٌّ / ويُعوِزُهُ التقلُّب وهو ذَلْق
وسرُّ الشاعرية في دِماغٍ / ذكيٍ وهو في التدبير خَرْق
تَخبَّط في بسائِطهِ وحَلَّت / على يَدهِ من الأفكار غُلْق
مشاهيرٌ وما طَلَبوا اشتهاراً / مَشَتْ بُرُدٌ بهم وأُثيرَ بَرق
ومَرموقونَ من بُعدٍ وقُربٍ / لَهمْ أُفُقٌ وللقمرين أُفْق
ومحسودونَ إن نَطَقوا وودُّوا / بشَدق منهُمُ لو خِيطَ شَدْق
يُعينُ عليهُمُ رَشْقُ البلايا / من التنقيد والشتَمات رَشق
فاما جَنْبةُ التكريم منهم / فبابٌ بعضَ أحيان يُدَقّ
متى تُحسِن مدائحَهُمْ يَجِلّوا / كما اشتُريِتَ لحُسن اللحن وُرْق
وإلا غُودِروا هَمَلا ضَياعاً / كما بَعدَ الشرابِ يُعاف زِقّ
ورب مُضيَّع منهم هباءاً / يَشيدُ بذكرهِ غَرب وشَرق
تَزيَّنُ في الندى له دوَاةٌ / ويُعرَض في المتاحف منه رَق
فيا عجباً لمنبوذٍ كحَق / يقدَّر من بديع نَثاه عِلْق
وفي شتى البلاد يُرى ضريحٌ / عليه من نِثار الوَرد وَسق
يُجل رفات أحمدِه فرات / وتَمسح قبرَ أحمدها دمشق
ومفرق ذاك شُجَّ فلم يُعقِّب / وُروعٌ ذا وسد عليه رزق
أَلْقَتْ مراسِيَها الخُطوبُ
أَلْقَتْ مراسِيَها الخُطوبُ / وتَبَسَّمَ الزمنُ القَطوبُ
وانجاب عن صُبحٍ رضىٍّ / ذلك اللّيلُ الغَضوب
وادّال مِنْ صَدَأِ الحديد / على الثرّى أرَجٌ وطِيب
ومشى ربيعٌ للسَّلام / بِه تفتّحتِ القلوب
وتطامن الألمُ الحبيسُ / وأفرخَ الأملُ الرحيب
فجرٌ صدوق ربَّ حربٍ / رِبْحُها فجرٌ كذوب
الآنَ يَقْبَعُ في مهانَتِهِ / لتنتفضَ الشّعوب
وَحْشٌ تقلمتِ المخالبُ / منه واختفتِ النُّيُوب
مشتِ القصيدة للقصيدَةِ / يصرعُ الكَسِلَ الدؤوب
وتلّمس الدّرنَ الحكيمُ / وشخَّصَ الداءَ الطبيب
وتلاقتِ الأجيالُ في / جيلٍ هو النَّغَمُ الرتيب
جيلٌ توضحت المعالمُ / مِنْهُ وانجلتِ الغُيوب
وجرتْ على خير المقاييس / المحاسنُ والعيوب
فالمستظامُ " المستغَلُّ هو / الحسيب هو النسيب
والمستقيمُ هو المحكَّمُ / والصريحُ هو اللبيب
والمنطوي كبتاً يشد على / الضميرِ هو المريب
ومنزّهُ الآراءِ عن / تأويلِهِنّ هو الصليب
والمكتوي بلواذع الألم / العميقِ هو الأديب
ربّىَ القرونَ بكلّ حْجرٍ / طّيبٍ نِعمَ الربيب
شابتْ مفارقُهمُّ وأزمَنَ / لا يهِمُّ ولا يَشيب
ايام " رسطاليس " كانَ / بُعَيْدَ مولدِهِ يهيب
والسمُّ إذ " سقراطُ " يَجْرَعُهُ / ويحلِفُ لا يتوب
إذ قال للملأ العظيمِ / وكأسُهُ فيها شبوب:
" إني أكولٌ للحِمام / على مرارتِهِ شَروب"
أهلاً فانّكِ لا تُخيفين / العقيدةَ يا شَعُوب
وخيال " أفلاطون " والجُمْهور / والحكمُ الأريب
ما عابه أن ضيم فيه / " الرقُ " وامتُهِنَ " الجليب "
إن العقولَ تكاملٌ / من يُخطِ ينفعْ من يُصيِب
وتبارت الأجيال تنجح / بالرسالة أو تخيب
عصرٌ خصيبٌ بالكفاحِ / وآخرٌ منهُ جديب
شرِقٌ بأعوادِ المشانِقِ / أو بمذبحةٍ خصيب
يجري النعيمُ به وتَزْدحِمُ / العظائِمُ والكُروب
بازاء وَجْهٍ ناضرٍ / ألفٌ تلوحُّه السُّهوب
ومواكبُ الأحرار في / صَخَبِ الطُّغاةِ لها دبيب
وعواصفُ الظلم الفطيع / لها رُكودٌ أو هبوب
ومَعينُ فكرٍ في مَعينِ / دمٍ يَصُبّ ولأنضوب
ومشرّدون على المبادئ / حُقِّروا فيها وعِيبوا
سُدَّتْ مسالِكُهُمْ فما / ضاقتْ بمذهبِهمْ ثقوب
ضمنَ النعيمَ إنابةٌ / وأبى التحّررُ أن يُنيبوا
يتلقّفُ الأضواء نَجْمٌ / شعَّ من نجمٍ يَغيب
" فأبو العلاء " على نواميسٍ / مهرّأةٍ كئيب
ويهين " فولتير " النظام / وبالمشرع يستريب
وتعهد " الاوباشَ " – زولا - / فانجلى " الوحشُ " النجيب
فإذا به غير المواربِ / حين يَكُثُرُ من يروب
وإذا به وهو الكريب / يُثيرُ نَخْوَتَهُ الكريب
وإذا بأشتاتِ الطُيوبِ / يَلُمُّها هذا الجنيب
هذا المُهان لأنّهُ / من نِعمةٍ خاوٍ سليب
ولأنَّ مشربَه حثالاتٌ / ومطعَمَهُ جشيب
ولأنّه ذو مِعصم / لم يُزْهِهِ الحلقُ الذهيب
ولأنه في الأكثرينَ / الجائعينَ له ضروب
ولأنه بين " الصدورِ " / المجرمينَ هو الكُعوب!!
جيل تعاوَره الطلوعُ / - بما يُبشِّرُ – والغروب
يطفو ويحُجُبهُ – إلى / أمدٍ – من البغي الرسوب
حتى تلقَّفَهُ " لنينُ " / وصنْوُهُ البطلُ المَهيب
والعاكفون عليه أمّاتٌ / وشبانٌ وشيب
فإذا به عبلُ السواعدِ / لا يزاحِمُهُ ضريب
تعنوا له الجّلى ويقصُر / عنده اليومُ العصيب
بالشعب تدعَمُهُ الجيوشُ / وتدعمُ الجيُشَ الشُّعوب
والرايةُ " الحمراءُ " تحتَ / ظلالِها تمشى القلوب
قالوا " السلام " فراح يستبقُ / البعيدَ به القريب
ودَعْوا فخف مجاوبٌ / وثوى صريعٌ لا يجيب
وتوثب العاني وأعوزَ / مُثخناً فيه الوثوب
طرح الأسيرُ قيودَهُ / وهفا لموطنِه الغريب
وتعطّرتْ بشذا اللقاءِ / ونفحةِ اللُّقيْا دُروب
في كلِّ بيتٍ بسمةٌ / كدراءُ أو دَمعٌ مشوب
غلب ابتسامَ الآيبين / بكاؤهم من لا يؤوب
رفَّت على أعشاشها / أرواحُ هائمةٍ تلوب
ذُعرٌ تخطفها الفراق / ومسَّهاً منه لغوب
ومشى . من " القبر " الرهيب / خيالُ مُحَترِبٍ يجوب
غطّى معالَمهُ شجاً / وتوحّشٌ ودمٌ صبيب
أصغى فَألْهَبَ سمعَه / من " هامة " الجدَثِ النعيب
وتمطتِ الأنقْاضُ عن / وجهٍ يؤمِّلُهُ حبيب
عن ساعدٍ ألوى على / جيدٍ كما اختلف الصّليب
وفمٍ مَراشِفُه للثم / أليفِها شوقا تذوب
وضمائرُ " الأجداث ِ" تشكو / ما جنى البشَرُ العجيب
ورمائمُ الأنقاضِ مما / استوعبت فيها شحوب
والنار تحلف من حصيد / لهيبها ذُعِرَ اللهيب
والحوتُ يَضْمَنُ رزقَه / بحرٌ بها فيه خصيب
للوحشِ مأدبةٌ عليها / ما يَلَذُّ وما يَطيب
وكواسر العِقبانِ يزهيها / من الجثث النصيب
ماذا تريد : حواصل / ملأى ومنقارٌ خضيب
والدود يسأل مقلةً / تدمى وجمجمة تخوب
هذي المطاعم : أيُّ طاهٍ / شاءها ؟ أهي الحروب؟
من مُبْلِغُ الثّاوينَ تُعوِلُ / عندهم ريحٌ جَنوب
والمفردَين عليهم / من كلِّ والفةٍ رقيب
والطفلُ يسأل من أبيه / أهكذا يَلِجُ المشيب؟
والكاعبُ الحسناءُ جفَّ / بنحرِها نَفَسٌ رطيب
واستنزَفَ الحِلْمَ الرغيبَ / بصدرها جُرحٌ رغيب
إنَّ الرياشَ المستجدّ / لكُمْ تَنُمُّ به الطيوب
والبيتَ يُنعشه رنينُ العودِ / والطفلُ اللَعوب
والدهرُ لم يبرح عليه من / الّصبا ثوبٌ قشيب
والأرض يُرقصها الشروقُ / كما عهدتم والغروب
وعلى الربيعِ غضارة / وعلى الأراكَةِ عندليب
والشمس يستُرُ وجهَها / بالغيم يُمْسِكُ أوْ يصوب
والخافقاتُ العاطفاتُ / بكم يُعِذَبُها الوجيب
ألقتْ مراسِيها الخطوب / وتبسمَّ الزمن القَطوب
إعاةُ الكُتْبِ رسمُ
إعاةُ الكُتْبِ رسمُ / بين الصِّحاب ورمزُ
وقد أخذتَ كتابي / أظُنُّه سيُبَزّ!
المستعارُ عزيز / والمستعير أعز
" قَرناكَ" تغدو طحيناً / والصوف منك يُجَز!
أيَّ لُطفٍ قد أرتنا
أيَّ لُطفٍ قد أرتنا / رشحةٌ من قلمكْ
كرماً كان عظيماً / منك ذكرى خَدَمِك