القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : جَميل صِدقي الزَّهاوي الكل
المجموع : 955
لَقَد مشيت بليلٍ
لَقَد مشيت بليلٍ / داج بغير دَليلِ
فَما بعدت كَثيراً / حَتّى ضللتُ سَبيلي
مَن لي بِماء براد / به أبل غَليلي
طلبت شَيئا قَليلاً / فَلَم أفز بالقَليل
وَكَم صحبت خَليلاً / فَكانَ غير خَليل
كل الأحبَّة أَعدا / ئي عند خطب جَليل
لا خير لي مِن بلادي / وأسرتي وَقَبيلي
ما الأرض بَين الكائنا
ما الأرض بَين الكائنا / تِ في الفَضاء الأوسعِ
إلا كمثل ذرة / حَقيرة في بلقع
قَليلة في جرمها / كَثيرة في السرع
كأَنَّها قنبلة / قَد خرجت من مدفع
تَدور حول أمها / ذكاء كالمتبع
عش رغداً عش رغدا
عش رغداً عش رغدا / غير مقاسٍ كمدا
عش فارِغاً من الهمو / م كلها مبتعدا
عش في سرور بالِغاً / بسرعة منه المدى
عش طالِباً للذة / فَذاكَ وحده الهدى
وَكن لَها مخترعاً / وَلا تكن مقلدا
عش لاهياً قَد راحَ في / أَهوائه كَما غَدا
وَلا تَكُن بعادة / ورثتها مقيدا
واعتقدنَّ ماتشا / ءُ النَفس أن تعتقدا
ولا تبال ما تُسَم / مى مؤمناً أَو ملحدا
وادخرنَّ في الحَيا / ة للرَزايا جلدا
وَلا تَكُن اذا دَهَت / داهيةٌ مرتعدا
وارحل الى أخرى إذا / أَنكَرت يوما بلدا
وَكُن عَلى نفسك دو / ن غيرها معتمدا
واجهد فَما فازَ سِوى / ذاكَ الَّذي قد جهدا
وَلا تَكُن كَمن على / أوهامه قد جمدا
وَلا تكدَّ النفس في / إصلاح ما قد فسدا
فإنما تذهب أَت / عابك كلها سدى
واِجتنب الناس فان / نَ أَكثر الناس عدى
وَلا تشاور في أُمو / ر لك منهم أحدا
فإنهم لا يَملكو / ن في الحَياة الرشدا
وإنهم ليحسدو / ن كل من قد سعدا
وإنهم لينكرو / ن الحق حَتّى إن بدا
واِغتنم اللذات ما / أعطتك دنياك يدا
فأنت لا تعيش في / دنياك هذي أَبَدا
وأَنتَ لا تَعلَم أَي / نَ سوف يأتيك الردى
بَل أَنتَ لا تَدري أَتر / دى بعد عام أَم غدا
لا ريب في الموت وَهَل / من أَحد قد خلدا
أَحقاً تَرى أَنَّ الهدى غير ما ندري
أَحقاً تَرى أَنَّ الهدى غير ما ندري / وأَنا جَميعاً في ضلال من الأمرِ
كأَنَّك قلبت الهدى من وجوهه / فَظَهراً إلى بطن وَبطناً إلى ظهرِ
فأَيقنت أن لَيسَ الهدى غير ضلة / وألفيت أن الخير ضربٌ من الشرِّ
لساني عَلى الصمت الطَويل مواظب / وَفي الصدر آراء يضيق بها صَدري
وَقَد كنت لا أَدري حَقيقة ما أَرى / زَماناً وَلا أَدري بأني لا أَدري
يَقولون أَبواب السَماء جميعها / ستفتح للإِنسان في لَيلة القدرِ
فَقلت لهم ماذا سينفع فتحها / إذا لَم يَكن فيها الولوج بذي يسرِ
لَقَد تعبوا دون الوصول إلى المنى / كَذَلك من يمشون في مسلك وعرِ
أقول لشيخ يَجمَع المال دائباً / أَتأَخذ ما جمعت منه إِلى القبرِ
من الجهل لا تذكو ببغداد خلة / وَهَل ينبت الريحان في البلد القفرِ
أَبَت نفس حر أَن تذل لضائِمٍ / وأَحرِ بها أَن لا تذل له أَحرِ
سيخفق في الأمر الَّذين تعجّلوا / وَيأَكل أَهل الصبر من ثمر الصبرِ
بان لي في المرآة شيخ كبير
بان لي في المرآة شيخ كبير / عاش حتى تعرف الأحوالا
كلل الشيب رأسه ببياض / زاده في عيني هناك جلالا
أَشعل الدهر رأسه وأَشابَت / عدوات السنين منه القذالا
وَحنى ظهره توالي اللَيالي / فهو إِن همَّ لا يطيق اِعتدالا
شاهد ما بوجهه من غضونٍ / أنه صارع السنين الطوالا
ثابت الوضع لَيسَ يَبدو حراكٌ / فيه حَتّى حسبته تمثالا
حدثتني أَن أَسأل الشيخ نَفسي / عَن أُمور وأُجمل التسآلا
قلتُ كم عشتَ قال تسعين عاماً / قلت ماذا فعلت فيها فقالا
أكلات دفعتُها فضلات / وشروباً أرقتها أبوالا
وثياباً لبستها فاخرات / جدداً وانتزعتها أسمالا
وَبيوتاً سكنتها عامِرات / ثم إِنّي تركتُها أَطلالا
وَسنين اطمأننت فيها وأخرى / صرتُ أَلقى في جنبها الأهوالا
وَسعوداً لبستهنَّ خفافاً / وَنحوساً حملتهنَّ ثقالا
وَنَعيماً قَد كنت أَرتَع فيه / وَهُوَ اليَوم لَيسَ إلا خَيالا
وَشباباً به تلفعت حنياً / أَتملى غيدانه ثم زالا
ثُمَّ آمالا قد حرصت عليهن / نَ وَلَمّا أَحقق الآمالا
وَنضالاً عَن الحَياة شَديداً / طالَ حَتّى سئمت ذاكَ النضالا
قد رأَيت الحَياة قبل سروراً / وَرأَيت الحَياة بعدُ وبالا
وَرأَيت النهار أَبيض وَضّا / حاً فَلما جاءَ المَساء اِستحالا
لا أَرى اليَوم في رياضيَ زهراً / وأَرى في مكانها الأدغالا
كنت جلداً عَلى الزَمان فَلا أَن / كصُ عنه إذا أَرادَ نزالا
كانَت الحَرب بينَنا قبل أَن تخ / ذلني هَكَذا قواي سجالا
ثُمَّ لَمّا رأَى بجسمي وَهناً / شدَّ مني يفكك الأوصالا
اللَيالي يَلدن كل الرَزايا / وَاللَيالي من النهار حبالى
كل شيء مَع الجديدين يفنى / ثم يَبقى جلال رَبي تَعالى
إِذا جاءَ يدلى بالوَلاء منافق
إِذا جاءَ يدلى بالوَلاء منافق / فَذاكَ بعطف منك غير خَليقِ
وَشر عدوّ من يجيئك لابساً / ليخدع منك العين ثوب صديق
أَحقائقٌ ما قد مثلن أَمامي
أَحقائقٌ ما قد مثلن أَمامي / أَم ما أَرى صور من الأوهامِ
إني أُلِمُّ بما أُشاهد يقظةً / فأشك في عيني وَفي إِلمامي
كونٌ جهلت على اِكتَناهٍ أَمرَه / وَجهلت فيه بداءتي وَختامي
صح الوجود لعالمٍ نحيا به / أَمّا الوجود فحيرة الأفهام
أَفقاعة أَنا ضمن بحر قد طمى / أَم أنني البحر الَّذي هُوَ طامي
وَلَقَد تتبَّعت الحَياة وَأَهلها / فإذا الحَياة كَثيرة الأحلام
اليَوم ليل شاب شعر قذاله / وَاللَيل بعض حوادث الأيام
وأَروم إيضاحاً لما قد أَبهمت / فَتَزيد إِبهاما على إِبهام
أَمشي وَما مشيي هناك لغاية / في وسط نور تارة وَظَلام
ذهبت عَلى أثر الشباب سعادتي / عني فقلت لها اذهَبي بِسلام
لَيست سعادة أنفس وَشَقاؤُها / إلا من اللذات والآلام
نَبغي من اللَّيل البَهيم وَضاءَةً / وَالليل منطبع على الإظلام
إِنّا بواد لَيسَ يؤمن سيله / فَلنَبتَعد عنه إلى الآكام
تتقدم الأقوام فيه وَخشيتي / أَن لا يَدوم تقدم الأقوام
وأَرى البنات محجبات في الصبا / كالزهر يخنق وَهْوَ في الأكمام
ما اللَّه عند مصوريه للورى / جسداً سوى صنمٍ من الأصنام
المَوت يهزأ بالحَياةِ
المَوت يهزأ بالحَياةِ / وَالقبر يعبث بالرفاتِ
وَالمَرء ينهشه البلى / في القبر وَهُوَ بلا شكاة
ماذا يضر المَرء من / نهش البلى بعد الممات
وَالمَرء لَيسَ يحس بع / دَ مَماته بالحادثات
وَالمَرء لَيسَ سوى ترا / بٍ جامد بعد الوفاة
أترى الجَماعة فكَّرت / أن المَصير إلى شتات
للكَون أزمان تدو / ر عليه من ماضٍ وآت
الطالِعات من النجو / م شبيهة بالغاربات
وَالنَفس لَيسَت تَطمَئِن / نُ إلى تناهي الكائنات
ما الأرض بين فضائها / إلا حصاة في فلاة
بَل ذرة عصفت بها / هوج الرياح الذاريات
لَم يشجني في كل ما / شاهدت شيء في حَياتي
كالأرض أُبصرها موا / تاً بين دجلة وَالفرات
وَالمرأة الحَسناء تَش / كو زوجها والزوج عاتي
أَقبح بِقَوم حقروا / أَزواجهم والأمهات
أَجهل بقوم قد رأوا / فضل البنين عَلى البنات
لَيسَ الفَتى برعاية / أَولى هناك من الفَتاة
ذم الحَياة فإنها / لَم تخل يوماً من أذاة
ولرب يوم فيه قد / بان العشيُّ لدى الغداة
ما أشجن الأكواخ في / جنب القصور الشاهقاتِ
إِنّا بعصر ما تقد / دم في سَبيل المكرمات
عصر الخداع فَلا يما / ز به الصديق من العداة
بَل قلما تجد امرأً / في الناس محمود الصفات
لَيسَ الحَياة سوى وغىً / قد طبقت كل الجهات
حرب تأججُ نارها / وَالقائدون من الدهاة
ما فازَ بالظفر امرؤٌ / في الحرب إلا بالثبات
متع حَياتك واِغتنم / لذاتها قبل الفوات
كَم من مضل في جما / عته يعد من الهداة
يَرجو وصالَ الحور بع / دَ المَوت قوم بالصلاة
هَيهات لَيسَ لمن به / تودي المَنيَّةُ من حَياة
إلا إذا أتت القيا / مة وَهيَ يوماً سوف تاتي
الفَيلَسوف الفَيلسوفُ
الفَيلَسوف الفَيلسوفُ / هُوَ من تربته الصروف
هُوَ من سمت فيه الحَيا / ة فَلا يَخاف وَلا يخيف
هُوَ من أَبى ان تشمخر / رَ عَلَيه للكبر الأنوف
هُوَ من إذا اقتحم الزعو / فَ فَلا تثبطه الزعوف
وإذا مضى شيء أحب / بَ فَما عَليه هو الأسيف
هُوَ من يَرى بشعاع عق / لٍ لَيسَ تحجبه السجوف
أَما الحَياة فَلا يَكا / د يفوته منها الطَفيف
يَمشي وَحيداً لا يَرا / فقه عشير أَو أَليف
يطأ الرَصيف بخفة / فَيَكاد يخفيه الرَصيف
يَسري عَلى ضوء النهى / في لَيله الرجل الحصيف
المشكلات برأَيه / منحلة فهو العَريف
وَالرأي يحسم غربه / ما لَيسَ تحسمه السيوف
وَلَقَد يَموت نبوغه / مَن لا تساعده الظروف
الكَون شيء ثابت / وَالحادِثات به تَطوف
إِنَّ الطَريف به تلي / دٌ وَالتَليد به طَريف
كَم قَد علا السهل الوَطي / ء وَقَد هَوى الجبل المنيف
وَلعلَّ ما أَنا شاهد / في لَيل إدلاجي طيوف
وَلَقَد تعسفت الحَيا / ةُ فَما أذلتني الصروف
وَعَلى خَفاياها وقف / تُ فَما أَفادنيَ الوقوف
وَلَقَد أكون مصارعاً / لخطوبها وأنا الضَعيف
أَو مدلجاً في لَيلها / وَاللَيل معتكر مخوف
أَلأجل أن يَلقى السَعا / دة واحد يَشقى ألوف
ما أَكثر الإنسان حر / صاً وَهْوَ يشبعه الرَغيف
عبء الحَياة وَلا تظن / نَ بأنه عبءٌ خَفيف
ما زلت أحمله وإن / ني ذلك الجسد النَحيف
ماذا يفيد الجسم في / حاجاته عضو مؤوف
سأَنام في حضن الطَبي / عة فَهيَ لي الأم العَطوف
متع حَياتَك قَبلَ أَن / تودي بمهجتك الحتوف
الروض لا يَبقى به / زهر إذا جاءَ الخَريف
الناس إما نعجة / تَنقاد أَو ذئب يحيف
لَهفي عَلى الجنس اللَطي / فِ يضيمه الجنس الكَثيف
متحملاً من عسفه / ما لَيسَ يحمله الوَصيف
ما أَتعَس الحسناء يم / لك أَمرها الزوج العَنيف
فَهُناك جرح مهلك / إلا اذا اِنقطع النَزيف
قَد هبَّ يقلع دوحة / من أَصلها ريح عصوف
ماذا أَفاد الباكيا / تِ من الأسى الدمع الذَريف
الخير أن تَهوى الفتا / ة فَتى له حب شَريف
وَالشر كل الشر أَن / يغتر بالذئب الخَروف
زوجان ما أَسمى مقا / مَهما العَفيفة وَالعَفيف
ما أَحسن الثوب النَظي / فِ وَراءه عرضٌ نَظيف
إني امرؤ لا أَجهرُ
إني امرؤ لا أَجهرُ / إلا بما أَنا أَشعرُ
لا أَطمئن لغير ما / أَنا سامع أَو مبصر
أَنكرت ما حمد الوَرى / وَحمدت ما قَد أَنكروا
اِرتاب في نبأ به / يفضي إليَّ المخبر
بل لا أصدق منه شي / ئاً قبلما أَتبصر
أما الخرافة فهي ما / عنه أَفر وأَنفر
لا أَقتَفي أثر الغَوا / ني غير أني انظر
عاشرنني فرأين كَي / فَ يعف مني المئزر
لا أَكبر الأشياءَ لَي / ست في العَواقِب تثمر
العقل من إكباره / تلك السَخائف أَكبر
قد آلموني بالقَذي / فة وَالشتوم وأكثروا
وَتعصّبوا حَتّى رمو / ني بالمروق وَكفروا
إن نابني شرٌّ فإن / ني منه لا أَتَذمر
أَو جاءَني خير فَلا / أَغترّ منه وأَبطر
أرد النَمير وبعد ما / أَروي غَليلي أَصدر
وَلَقَد قنعت من الطَعا / م ببلغة تتيسر
لا كالَّذين عَلى طعا / م واحِدٍ لَم يصبروا
أَو كالَّذين إذا تغي / يرت الظروف تغيروا
أَو كالَّذين إذا تَجَم / هرت الرعاع تجمهروا
أَو كالَّذين تذللوا / أَو كالَّذين تكبروا
أَو كالمنافق جاء يظ / هرُ غير ما هو يضمر
وَالشعر لست أَقوله / إلا كَما أَنا أَشعر
ما إن أقلد من مضت / قَبلي عليه الأعصر
والشعر قائله بتق / ليد الطَبيعة أَجدَر
إن الطَبيعة مورد / للشاربين ومصدر
يجد المواضيع الكَبي / رة عندها المتفكر
وَالشعر لَيسَ سوى الَّذي / هُوَ للشعور مصور
وَالشعر بالمعنى المطا / بق للحَقيقة يكبر
وَلَقَد يثير عواطفاً / من سامعيه وَيسحر
وَالشعر مرآة بها / صور الطَبيعة تظهر
لَيسَ القَريض بطوله / بل قد يَفوق الأقصر
وَلَقَد يطيل قصيدَه / فَيجيد أَشعث أَغبَر
واذا البَراعة ووزنت / يتقدم المتأخر
أحسن بشعر عَن شعو / ر النفس جاءَ يعبر
يَرعاه شعب يستقل / لُ وأمة تتحرر
ما للأديب بقطره / في الشرق قدر يذكر
أَمّا الشَقاء فحظه / منه الأتم الأوفر
وَلَقَد يصادف عزه / من بعد ما هُوَ يقبر
من بعد ما في قبره / أَوصاله تَتَبَعثَر
ماذا من التَكريم ير / جو ميت لا يشعر
قَد فارق الجِسم يَسمو بعدما هبطا
قَد فارق الجِسم يَسمو بعدما هبطا / روح به كان قبل الموت مرتبطا
لَقَد عَلا الروح بعد الجسم مرتقياً / وَقَد هَوى الجسم بعد الروح منهبطا
قَد كانَ يضبطه إِبّان قوته / حَتّى إذا دبّ فيه الوهن ما ضبطا
احبس دموعك أَو أرسل بوادرها / فَلَيسَ يَرجع شيءٌ بعد ما فرطا
يا راكباً باطل الآمال عَن شطط / إني أعيذك من أن تركب الشططا
ماذا الَّذي أحفظ العمال فاِعتصبوا / أني لأسمع عن بعد لهم لغطا
قَد اِهتَدى من له علم بغايته / أما الَّذي هو ذو جهل فقد خبطا
ودَّ الَّذي جهل الأشياء لَو وصلت / منه اليدان النجومَ الزهر فالتقطا
قد أفرط القوم إفراطاً أضر بهم / وقبل ذلك كانوا أُمة وسطا
ورب ناس رأوا في الوقت متسعاً / وَفي المَكان الَّذي هم فيه منبسطا
ثاروا عَلى العلم باسم الدين واِحتقروا / من ليس في زمرة الثوار منخرطا
وَلا أعاتب مضطراً له ربطوا / كَما أعاتب حراً نفسه ربطا
كَم أسخطت جاهِلاً في مجلس كلمى / وَلَو توسع منه العقل ما سخطا
ما كنت يوماً بَبغداد أخا دعةٍ / ولا بِعَيشي في بَغداد مغتبطا
كالعَندَليب شدا للناس في قفص / بحيث يحيا بحبات لها التقطا
ما زلت في كل يوم ذرَّ شارقه / مكرراً عملاً لي طالما حبطا
إن القنوط من الأعمال مهلكة / ويل لمن هو من أَعماله قنطا
تغيرت فوق وجه الأرض أنظمة / حَتىّ اِلتَوى الأمر بين الناس واختلطا
ألفى الحَياة بهم تَجري بلا خطط / قوم لَها وضعوا من نفسهم خططا
بين الشعوب كفاحٌ ثار ثائره / وَلَيسَ خوف عَلى الشعب الَّذي نشطا
وَلَيسَ بين الفَتى يوماً وَحاجته / إن كان ذا هِمَّة قعساء غير خطى
رأى القويّ ضعافاً فهو يغمطهم / وَلَو رأى الأقوياء الغلب ما غمطا
ما شمر اللَيل عَن ساقيه منهزماً / حتىّ رأى الصبح مثل السيف مخترطا
لَقَد وجدت حياة الذل فاشية / وَالناس منقبضاً منها وَمنبسطا
وَللمعيشة أنماطٌ قد اِختلفت / وكل قطر يراعى أهلُه نمطا
بادَت شعوب لا تريدُ
بادَت شعوب لا تريدُ / وإذا أرادَت لا تَبيدُ
لا النار توقف ما أرا / دته الشعوب وَلا الحَديدُ
العز في صدق العَزي / مَةِ وَالشعوب كَما تريدُ
ما إِن يثبط عزم شع / بٍ همَّ وعدٌ أَو وَعيدُ
وَالناس إِمّا سَادة / لهمُ الإِرادةُ أَو عَبيد
وَالناس شتى في معي / شتهم شقيٌّ أَو سَعيد
وَالناس أَيقاظ تحس / سُ بما هنالك أَو رقود
وكذاك أيام الحيا / ة فإنها بيضٌ وسود
إِنا بعصرٍ لا يَجو / ز لمن يَعيش به القعود
ما أوصل المتأخري / نَ عَن المَدى المشي الوَئيد
تلكم بلا ريبٍ نوا / ميس لها خَضَعَ الوجود
سنن الحَياة وَلَيس عَن / سنن الحَياة لنا محيد
الشعر أكبر موقظ / يدعو فتنتبه الهجود
كل الفنون تجددت / وَالشعر يعوزه الجَديد
ما قامَ حتىّ أَثقلت / هُ من قوافيه القيود
قد حدَّدوه للورى / وَالشعر لَيسَ له حدود
لا يَرتَقي شعب عَلى ال / أدب القَديم له جمود
ما ضرَّ سامعَها لَو اِخ / تلفت قوافيها القَصيد
من كانَ ينظم عَن شعو / رٍ صادقٍ فهو المُجيد
لا خير في شعر لِما / قد قيل صاحبُه معيد
وَالشعر يحيا نزره / وَالشعر أكثره يبيد
وَالشعر إن صدقت معا / نيه يكون لهُ الخلود
وَلَقَد يشيع بيومه / فكأَنَّه مثلٌ شرود
ما ضرّ حقاً بيِّناً / أَن لا يَكون له شهود
يَكبو فَيَلقى حتفه / شعرٌ كقائله بَليد
شعر برودته عَلى / برد الجَليد أَتَت تزيد
وإذا الجَليد رأى شعا / عاً كافياً ذابَ الجَليد
هَذا لعمري ما أَرا / ه في القَريض ولا أَحيد
لمن أَنا في تاليك يا لَيل أَسمَعُ
لمن أَنا في تاليك يا لَيل أَسمَعُ / نَشيجاً له صوت يهب وَيَهجَعُ
وَقَد يَتَمادى ساعة ثم يَنتَهي / كأَنَّ الَّذي يرخيه قَلب مفجع
يصعّده من داخِل كله أَسىً / فيبسطه في الليل وَالليل يجمع
وَيَعلو إلى أَن يحسب المرء أنه / مناجٍ لأبواب السموات يقرع
إذا أَنتَ لم تأخذ بضبعيه موصلاً / إلى الملأ الأعلى فَما أَنتَ تنفع
إذا النجم هَذا لَيسَ يسمع من بكى / فقل لي لماذا فيك يا لَيل يطلع
أرى القَلب مني يَرتَضيه كأَنَّما / صديق له هَذا النَشيج المرجع
فأبكي كَما يَبكي لأنيَ مثله / كَئيبٌ لأني مثله متوجع
سأَلتك مَن هَذا الَّذي أَنا سامع / له فيك إِرناناً أَتى يتقطع
فَيا لَيل أنبئني أَتِلك حمامة / تنوح عَلى إلف نأى لَيسَ يرجع
فجاوبني أن الَّذي قد سمعته / لذو نبأ شاجٍ له القلب يهلع
وربك لم تسجع حمامة أيكة / وَلكن فتاة الحيّ أسماء تسجع
لَقَد روّعوها ثم نامَت عيونهم / وَلَيسَ سواءً نائم وَمروع
وَقَد زوجوها وَهي غير مريدة / بشيخ كَبير جاء بالمال يُطمع
وَفي الدار أزواج له غير هذه / ثلاثٌ فَوَدَّ الشيخُ لوْ هُنَّ أربع
ومن بعد أيام تزف لبيته / فتعنو لحكم الشيخ فيه وَتخضع
تضاجعه في اللَيل وهو كأَنه / أبوها فقل في أَمرها كيف تصنع
هناك ستشقى أَو تَموت كئيبة / عَلى أَن مَوت المَرء في الهمِّ أَنفع
هناك سَيَبدو اليأس وَالبؤس والأسى / لها وَتلقّاها المصائب أجمع
أللشيخ تهدى وَهيَ ترغب في فَتى / يُسمَّى نعيماً نور خديه يسطع
فَتى هُوَ يَهواها وَينزع نحوها / كَما هي تَهواه كَما هي تنزع
وَقَد أَخبروه الأمر فهو من الأسى / سَقيمٌ وَما فيه المداواة تنجع
له صرخة في اللَيل إن نام أَهله / تكاد لها صم الجبال تصدَّع
جلوها عروساً بعد سبعٍ فزمروا / وَفي مَرح الأفراح خبوا وأوضعوا
جلوها عروساً ما بها من غميزة / سوى صفرة فوق الأسيلين تلمع
وَذاكَ لحزن بات يلسع قلبها / كما أن أذناب العقارب تلسع
عيون كَما شاء المصوّر فتنة / وَجيد كَما أطرى أخو الشعر أتلع
فزفت إلى الشيخ الَّذي لشقائها / أتى طالِباً كيما بها يتمتع
فَقالَت له لا تدن يا شيخ راغباً / فأنت أبي بل أنت في السن أرفع
تصابيتَ جهلاً بعد ستين حجةً / وَتسعٍ مضتْ هَذا وَربِّك يشنع
فإن كان منك الشيب لَيسَ برادِع / لجهلك يا هَذا فإنيَ أَردع
وَلَكِنَّ ما بالشيخ من شهوة غلت / أبى أَن يعاف الشيخ ما هو مزمع
فقطب منه الوجه ينفخ غاضباً / وَمد يديه جاذِباً وَهي تدفع
يَقول لها أَسماء أَنت حَليلَتي / وَلا بد من أنَّ الحَليلة تخضع
أَحلك لي رب السَموات إنه / حَكيمٌ وإن الحق ما هو يشرع
فَلَمّا رأت أن لا مناص يصونها / من الشيخ لما أَوشك الشيخ يصرع
أحالَت عَلى كأس هناك معدة / من السم واِهتشَّت لها تتجرع
الانَ استرحنا واِستراحَت من السرى / ركابٌ لنا تحت الحمولة تظلع
الان انتهينا من مسافرة لنا / ببيداء قفر لِلَّذي جاب تفزع
الان فرغنا من نزاع دوامه / يضر بحاجات الضَعيف وَيوقع
وَخَرَّت بفعل السم فيها صَريعة / فَيا لَك من سمٍّ هنالك يصرع
وَيا لك من سم هنالك ناقع / تكاد به أَحشاؤُها تتمزع
وَألفت نعيماً وَالخَيال مصور / لَها واقفاً من حيث لا تَتَوقَّع
فمدت يداً منها إليه مشيرة / وَقالَت بصوت راجف يتقطع
أَتى وَحياض المَوت بيني وَبينه / وَجادَ بوصل منه إذ لَيسَ ينفع
نَعيمُ إلى أسماء سارعْ وَضُمَّها / فإن الرَدى يَدعو وأسماء تزمع
لَقَد جئت في وقت به الموت جاءَني / وَقَد كنت أَرجو فيه أنك أَسرَع
وَددت لَو اَنَّ الموت يبطئُ ساعةً / لعليَ من مرأى محياك أَشبع
وَلست بإنسان من الموت جازع / فإن طَريق الموت للناس مهيع
عَلى أَيّ إحسان الحَياة وبرها / أَطيب فؤاداً بالحَياة وأَطمع
كأَنَّ حَياتي حين أَبصر لونها / سراب بِبَيداءٍ بدا يتلعلع
وَلكن قبل الموت حيناً إذا أَتى / تهب عَلى الإنسان نكباء زعزع
أَما قلت خذني حيث شئت فإنني / إليك وَرَبِّي من بنانك أَطوع
حثثتُك مراتٍ عَلى أَن تفرَّ بي / وَلكن لسوء الحظ ما كنت تسمع
يَقولون إن القبر داج فناؤُهُ / يضارع لَيلاً فجره لَيسَ يطلع
أما في دجاه من كواكِب لُمَّعٍ / فإن الدجى فيه الكواكِب تلمع
غَداً يقف الأهلون حول جَنازَتي / فتصعد أَنفاس وَتنزل أَدمع
غداة غدٍ يا لهف نَفسي عَلى غدٍ / يقام على الأكتاف نعشي ويرفع
يسار به كيما يعيث به البلى / إلى حفرة كانَت أُعدَّت وَيوضَع
غداً أَنا تحت الأرض أبلى وفوقها / تَرى الناس وجه الناس منهم وَتسمع
رويدك يا حاثي عليَّ من الثَرى / فإني إلى دنياي بعد لأنزع
تمنين يا أسماء شعباً وَلعلعاً / وأين فموتي منك شعبٌ ولعلع
سَلام عَلى الدينا سَلام عَلى المنى / سلام عَلى العيش الَّذي كان يخدع
سلام عَلى الشمس الَّتي هيَ في غد / عَلى فَتيات الحيِّ دونيَ تطلع
سلام عَلى زهر الرَبيع وَحسنه / سلام عَلى روح به يتضوع
كذلك قد كانَت لدى غمرةِ الردى / تكلِّم شخص الطيف وَالشيخ يخشع
كَذلك قد كانَت تلهَّفُ وَالهَوى / عَجيب إلى أن جاءَها الموت يهرع
فَلَمّا بدا صبح وَشاعَت فجيعة / وَصاحَ بها الناعون وَالناس أَسرَعوا
أتت أمها تجثو إلى جنب رأسها / وَتلطم حر الوجه وَالوجه أَسفع
تَقول لَها وَالعَين تهمى وَقلبها / يكاد بأظفار الأسى يتقطع
أَريحانتي قَد طالَ رقدك فاِيقظي / أريحانتي من أَكثر النوم يصدع
أَريحانتي ما بال خدك ذابِلاً / وَعَهدي به بالأمس ريان ينصع
أَريحانَتي إنا قتلناك ليتَني / هلكت وَما أَبصرت غصنك يهزع
وَعض أَبوها للندامة كفه / وَما إن له هذي الندامة تنفع
به غلة يَبكي لها ملء جفنه / لعل البكا منه لما فيه ينقع
رآها عَلى وجه الفراش كأنها / عروس هوت كسلانة فَهي تهجع
وَجاؤا بأزهار الرَبيع وَنوره / يزينون نعشاً فيه أسماء تهجع
يزينون بالريحان ظاهر هودج / عليه عروس الحي أسماء ترفع
وَطافَت بذاكَ النعش من كل جانب / عيون رجال للرزية تهمع
مشى عالياً ما أوقر النعش إذ مشى / وَقَد رفعته للمقابر أذرع
يَقول نَعيم وَهوَ إذ ذاكَ قابض / مؤخرَ سامي النعش وَالنعش مسرع
لَقَد ظعن اليوم الرفاق وإننا / لنمشي عَلى الآثار منهم نشيع
نشيع ناساً راحلين هم المنى / إلى بلد فيه البلى وَنُودّع
حَبيبة قَلبي كَيفَ أدفن في الثرى / شبابك هَذا وَهو غيدان أفرع
حَبيبة قَلبي إن قَلبي يخاف أن / يعيث الثرى يوماً بمن فيه يودع
فيفسد ماءً في محياك جائلاً / وَيطفىء نوراً في جَبينك يلمع
حَبيبة قَلبي قد رحلت لغير ما / لقاء وإني عَن قَريب سأتبع
فَلَمّا أَحلوها فواروا عروسهم / بملحودة ضاقَت بمن هيَ تجمع
أكبَّ نَعيم باكياً فوق قبرها / وَقالَ فأبكَى كل من كانَ يَسمَع
وَعادوا به ذا رجفة يسندونه / بهم لَيسَ فيه للسَلامة موضع
فَعاشَ سَقيم الجسم خمسة أَشهر / وَماتَ كَذاك الحب بالناس يصنع
فواروه في قبر يجاور قبرها / عَلى ربوة إنا إِلى اللَه نَرجع
جاءَ عجزاً يزري وَجاء اِقتدارا
جاءَ عجزاً يزري وَجاء اِقتدارا / وَتردى شناعة وَفخارا
عامل الناس بالعَدالة وَالظل / مِ فَكانوا يَلقون نوراً وَنارا
جرّ عزاً إلى العراق وَذلاً / وَحياة لأَهله وبوارا
وأصار النهار لَيلاً بهيماً / وأصار اللَيل البَهيم نهارا
أفقر القوم بالعِراق وأغنى / وسَّعَ الطرقَ ضيَّقَ الأفكارا
اختفى عَن قوم وَخالط قوماً / فأرى الناس خفة ووقارا
أَخضع الناس نفذ الحكم فيهم / وَطد الأمن أرخص الأسعارا
غرب الأبرياء بث الجواسي / سَ عَلى الناس أسعف الفجارا
مقت العلم ساخراً من ذويه / بذَّر المال جرَّأ الأشرارا
قال للناس إنما الأمر شورى / بيننا ثم إنه ما اِستَشارا
أَيُّها المستبد في الأمر إيهاً / لا تُحارِب بظلمك الأحرارا
إِنَّهم قد أَبوا ومن ضيم يأبى / حكم عَبد الحَميد إذ هو جارا
كَيفَ يرضون أَن يَعيشوا مَع الدس / تور فيهم كَما تشاء أسارى
إن شمس الدستور للقوم لاحَت / فأَضاءَت بنورها الأبصارا
إن للناس في العراق إِلى الشم / سِ كما في غير العراق اِفتقارا
أَيُّها المستبد فينا رويداً / فَلَقَد جزت وَيحك الأطوارا
احذر الشعب إنه بركان / مطمئن وَقَد يجيء انفجارا
رام هتكاً لما تصون فتاة / كسبت في أَمر العفاف اِشتهارا
رام شيناً لبنت بغداد يزري / فَعَلى الشعب شعبها أَن يغارا
بنت قوم لم يدنس العرض منهم / بِقَبيح هم من سراة النَصارى
اسمها سارة وَتلك فتاة / رزقت صيتاً طبّق الأقطارا
جمعت إحساناً وَحسناً وَعِلماً / وَحَياءً وَعفَّة وَيسارا
وحنوّاً عَلى اليَتامى وَعَقلاً / أَكبرته جاراتها إكبارا
تحسب المبصرين أَعينُها النج / لُ سكارى وَما هُمُ بسكارى
شاءَ تزويجها بخادمه فاِن / تهرته فَلازم الإصرارا
كانَ من قصده التَمتع سراً / واِقتراح التَزويج كان جهارا
فأَشارَت الى السماء وَقالَت / لا تشأ لي يا رب هَذا الشنارا
رب إني ضَعيفة فأجرني / من قويٍّ يسوم عرضي اِحتقارا
صن عفافي من أَن يمس بأَيد / ألفت أَن تصافح الأوزارا
أَنا عَذراء لَم تمس عفافي / يَد باغ فصن عفاف العَذارى
ما لِقَلبي كأَنَّه بركان / هاجَ بعد الخمود منه وَثارا
احفروا لي يا أَهل بغداد قبراً / إن جِسمي خير له أَن يوارى
وأَرادَت لما أَلح عليها / ذلك الوالي المستبد اِنتحارا
غير أن الأهلين قد حسَّنوا أَن / تبرح الأهل خفية وَالديارا
سجن الخادِمات وانتهر الجي / ران عنها وهدَّد الانصارا
أَنكرت ما أَتى المروءة والدس / تور والعدل وَالحجى إنكارا
أَوجست خيفة تغير منها / وَجهها فاِكتَسى البياض اصفرارا
ذبلت للهموم منها خدود / أَشبهت قبل ذلك الجلنارا
حملت أعيناً تفيض بكاءً / وَفؤاداً مروعاً مستطارا
ثم كانَت حوادِثٌ خر منها / دَمعها فوق خدها مدرارا
أَسبلتها كَذا دموعاً غزاراً / ثم لم تمسح الدموع الغزارا
يا لَها من دموع حزن تضاهي / عقد در وَهَى فلاقى اِنتثارا
هجرت للنجاة موطنها المح / بوب وَالمال كله وَالعقارا
هجرت كل ذاك تَبغي نجاة / من يديه وَبالعَفاف فرارا
رافقتها اثنتان من راهبات ال / دير حفظاً لشخصها أَن يضارا
فنجت بالفرار من مخلب الصق / رِ كعصفور بعد أَن ريع طارا
أَيُّها المصلح الكَبير أَهَذا / ما يسميه بعضهم إِعمارا
خابَ فال الدستور إن كانَ أَهلو / هُ ضعافاً لا يحفظون الذمارا
أَتراه قَد أَخطأ الظن فيهم / إِذ رآهم جحاجحاً أَخيارا
يا نيازي تَعال وانظر الى الدس / تور في بَغداد الى أَين صارا
يا أَباة الضيم ادرأوا الظلم عنا / كَيفَ لا تغسلون هَذا العارا
البدار البدار يا أَهل بغداد / إلى السودد البدار البدارا
ما زرعتم في عقل ناشئة العص / رِ نفاقاً إلا حصدتم خسارا
أَلبسوه ثوب الولاية لكن / كانَ ما أَلبسوه ثوباً معارا
فنهوه عَن الحكومة لما / عاثَ فيها واستأثر استئثارا
قَد مَشاها خطى تعثر فيها / لا أَقال الرحمن منه العثارا
لَم يكن مجلس الإدارة إِلّا / آلة في يديه تُمضي القرارا
إن في مجلس الإدارة عضواً / حيثما دارَت الزجاجة دارا
يا مهين العراق هَل كنت تَدري / أن أَهلَ العِراق لَيسوا غيارى
أَنتَ في بغداد قضيت اللبانا / ت برغم الدستور والأوطارا
سر جَليلاً إلى سلانيك عنا / إن فيها كواعبا أَبكارا
إن فيها لَهواً وكأَساً دهاقاً / وَبناناً تحرك الأوتارا
إن فيها عيشاً رَغيداً وَرقصاً / يعجب الراقصين وَالنظّارا
غير أَنَّ الأهلين فيها أَباة / لا يطيقون ذلة وَصغارا
نبتت مثل زهرة الأقحوانِ
نبتت مثل زهرة الأقحوانِ / في رَبيع الهوى بروض الأماني
نبتت فيه وَهي ذات ابتسامٍ / فَسقيت ابتسامها بحناني
كُلَمّا طال خوطها بشرت قَل / بي بقرب اتساقه العينان
كَم ضممت ابنَتي إِلى الصدر مني / أَبتَغي أَن أَردها لجناني
وَشممت السوالف الغر منها / أَتَسلّى بها من الأشجان
ثم أَبعدتها لأنظر فيها / ثم أَدنيتها إلى أحضاني
ثم أَجلستها إلى الجنب مني / ثم قلبت شعرها ببناني
ثم كلمتها فردت كَلامي / بابتسام تَلوح فيه المَعاني
ثم قبلتها بملء شفاهي / ثم غذيتها بمحض لباني
ابنتي زهرتي فَيا ربيَ احفظ / زهرتي من كوارث الأزمان
يا ابنتي أَنتِ سلوَتي وَرَجائي / وَسراجي في لَيلة الأحزان
حُلُمي أَنتَ في مَنامي وَذِكري / حين أَدنو من يقظتي في لساني
ابنَتي قد تَرَعرَعَت فَهيَ تلعبْ
ابنَتي قد تَرَعرَعَت فَهيَ تلعبْ / كطلىً في جنبي وَتأتي وَتذهبْ
تتنزى من النشاط أَمامي / فَهي تحكي حَمامةً تتقلب
وَهيَ مثل الغَزال تشدو وَرائي / ببغام له فؤادي يطرب
خفة تطرب النفوس وَصوت / يستَبي حسنُه العقول وَينهب
وَعيون تَرنو العيون إليها / شاخصات ووجنة تتلهب
وَرواء في الخد منها جَميل / فهو ماء مصفق لَيسَ ينضب
تلع الجيد فوق قدٍّ رَشيقٍ / زانه الشعر مرسلاً يتذبذب
وإذا ما مشت مَعي في طَريق / سأَلتني عَن كل شيء وَمطلب
ابنتي هذه خلاصة نَفسي / فَهي مني مثل الحَياة وأَطيَب
رب صنها حتى تَكون فَتاة / ثم أمّاً تَرعى ابنها ليُهذَّب
ابنَتي قَد شَبَّت مَع الأيامِ
ابنَتي قَد شَبَّت مَع الأيامِ / فَهي اليَوم مثل بدر التَمامِ
أنجزت من دروسها ما به امتا / زت عَلى الغير من بنات الكِرام
وَفَشا صيتُ حسنها يَتَمَشى / مَع ذكر العفاف بين الأنام
خصها اللَه في الوَرى بِمَزايا / أكبرتها فراسة الأقوام
عفة سرّت الوقار وَطهر / ذكر الناسُ أَمره باحترام
خلق البارئُ المصور للخل / قِ ابنَتي من وداعة وَسلام
ابنَتي زَهرَتي الَّتي أَنا أَلهو / عَن كروبي بها وَعَن آلامي
ثم زفت الى كَريم عروساً / ما بها من غميزة أَو ذام
وَبدا حملها فقلنا جَميعاً / أَثمر الغصن فهو ذو أَكمام
وَحمدنا على المسرات دهراً / هُوَ فاِعلم لنا أَلَدُّ الخصام
وَفرحنا ثم اِنتظرنا فَجاءَت / بعد تعداد أشهرٍ بغلام
وَضعته وَبعد أَن وضعته / أَغمضت عَينها كَما في المَنام
رقدة قد طالَت وَطالَ اِنتظاري / لانتهاء يأَتي لَها وَختام
يا ابنتي الشَمس آذنت بالشروقِ
يا ابنتي الشَمس آذنت بالشروقِ / فايقظي من هَذا الرقاد العَميقِ
يا ابنتي يا ابنتي صديقتك الشم / سُ اِستَفاقَت من نومها فاِستَفيقي
وَالعَصافير يا ابنتي تتغنّى / للضحى فوق كل غصن رَشيق
والأزاهير للعصافير ترنو / باسمات عَن لؤلؤ وَعَقيق
وَمياه العيون تمشي الهوَينا / فوق ظل تحت الغصون رَقيق
وَعَلى الماء يا ابنتي ورقات / هي ما بين عائم وَغَريق
لَيسَ في الروض غير قلب خفوق / لأمانيّهِ ووجه طَليق
يا ابنة القبر أمك القبر تاتي
يا ابنة القبر أمك القبر تاتي / ما ينافي مودة الأمهاتِ
أمك القبر لا تَصون كَما أَر / جو ملاحات تلكم الوجنات
يا ابنة القبر أَنتَ من بعد حين / يا ابنة القبر فيه بعض الرفات
لهف نفسي عليك من وحشة القب / رِ وَمما في القبر من ظلمات
غرفة تحت طابق الأرض لا يد / خلها النور من جَميع الجهات
غرفة حالَت الصفائح فيها / بين وجه الإنسان وَالنَسمات
إن نفسي عليك يا أَنس نفسي / ذهبت إي وَربِّها حسرات
أَيُّها القبر هَل علمت بأَني / قبل موتي دفنت فيك حَياتي
عبراتي عليك تهمى وَلكن / أَنت لا تَستَفيد من عبراتي
نبا الدهر بالإخوان حَتّى تمزَّعوا
نبا الدهر بالإخوان حَتّى تمزَّعوا / وَحَتّى خلت منهم ديار وأربعُ
وَنابهمُ خطبٌ فشتَّت شملَهم / وكان بهم شمل المكارم يجمع
رجال لهم أعلى من النجم همة / وأمضى من السيف الجراز وأقطع
لقد ربطتهم بالوفاء مودة / حبائلها للموت لا تتقطع
أحن إلى عهد اللوى وَهو منقَضٍ / وأَبكي لنأي الدار وَالدار بلقع
وَيممت دار الملك أَحسب أَنَّني / إذا كنت فيها نازِلاً أتمتع
وأني إذا ما قلت قولاً يفيد في / مصالحها ألفيت من هو يسمع
وَلَم أَدرِ أني راحل لمحلة / بها الفضل مجذوم الذراعين أقطع
إلى منزل فيه العَزيز محقَّرٍ / إلى بلد فيه النَجيب مضيَّع
وَلم يتقدم فيه إلا من اِرتَدى / رداءً به أَهل الشنار تلفعوا
هنالك ناسٌ خالفوا سننَ الهُدى / فمُدَّت لهم في البغي بوعٌ وأَذرع
أتوا بشناعات فعيبوا فَحاولوا / عدولاً فَجاؤا بِالَّذي هو أَشنع
تَباهوا بما حازوه من رتبٍ سموا / بها ووساماتٍ عَلى الصدر تلمع
إذا لَم يَكن صنع الفَتى زينة له / فَلَيسَ يحلّيه الوسام المرصَّع
وَلا الرتبُ المعطاةُ ترفع شأنه / إذا لَم يكن في فعله ما يرفِّع
وَلَمّا رأَيت الغدر في القوم شيمة / وأن مجال الظلم فيهم موسع
وأن الكَلام الحق ينبذ جانباً / وأن أَراجيف الوشاية تُسمع
خشيت عَلى نَفسي فأزمعت رجعة / إلى بلدي من قبل أني أصرع
وَهَل راحة في بلدة نصف أَهلها / عَلى نصفه الثاني عيون تطلَّع
وَلكنني لما تهيَّأتُ صدَّني / عَن السير بوليسٌ وَرائيَ يهرع
فَقلت له ماذا تريد من امرئٍ / يعود لأرض جاء منها وَيرجع
بأي كتاب أَم بأية حجة / أُصَدُّ مهاناً عَن طريقي وأُمنع
فَما نبسوا لي بالجَواب وإنما / أَعدوا جواسيساً لخطويَ تتبع
فعقبني في كل يوم وَليلة / إلى الحول من تلك الجواسيس أربع
تراقب أفعالي وكل عشية / إلى يلدزٍ عني التَقارير تُرفع
هممنا بصدع البَغي حرباً لأهله / وَما إن درينا أننا نتصدع
وَلست بناس نكبةً نزلت بنا / عَلى حين ما كنا لها نتوقع
فَقَد قلعتنا رفقة من بيوتنا / كَما تقلع الأشجار نكباءُ زعزع
وَساروا بنا للسجن راجين أننا / نذل لحكم الغادرين وَنخضع
وَما علموا أنا أناس نمتهمُ / إلى العز أنسابٌ لهم لا تُضيَّع
وأنّا إذا ما نابنا الخطب لم نكن / نضيق به صدرا وَلَم نك نجزع
وأنّا من الأحرار مهما تألبت / علينا عوادي الدهر لا نتضعضع
وأنّا إذا شئنا خضوعاً لسيد / فَلَيسَ إِلى شيءٍ سوى الحق نخضع
وأنا بنو قوم كرام أعزة / لهم من معاليهم رواق مرفَّع
إن اشتد أمر فادح بسموا له / كذاك النجوم الزهر في الليل تلمع
أودعهم وَالقَلب ممتلئٌ لهم / حناناً وَجفن العين بالدمع مترع
يشيعهم قَلبي يسير وَراءهم / وَقَلبهم يمشي وَرائي يشيع
هنالك أنفاس تصاعد نارها / يقابلها من أعين الصحب أدمع
يحيط بنا من كل صوب وَجانب / فريق من البوليس يسعى ويسرع
نُبَعَّد منفيين كلّاً لبلدة / وَما ذنبنا إلا نصائح تنفع

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025