المجموع : 84
انظُر لِآدابِ الفَتى في الأَكلِ
انظُر لِآدابِ الفَتى في الأَكلِ / تَعرفهُ إِن كُنتَ بِه ذا جَهلِ
خُلق الفَتى يَظهَرُ في الطَعامِ / كَما يَبِينُ اللُبُّ في الكَلامِ
مَهما يَكُن مِن خُلُقٍ يُخفيهِ / فَإِنَّهُ في أَكلِهِ يُبديهِ
وَهَذِهِ آدابُهُ في شِعري / فَصَّلتُها كُلُؤلُؤٍ في نَحرِ
فَاِعمَل بِها إِن كُنتَ ذا كَمالِ / تُكرَمُ في الحِلِّ وَفي التَّرحالِ
دُونَكَ غَسلَ اليَدِ قَبلَ الأَكلِ / لا يَهنَأُ الأَكلُ بَغَيرِ غَسلِ
وَكَثِّرِ الأَيدي عَلى الطَعامِ / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ الكِرامِ
إِن لَم تَجد مُشارِكاً في أَكلِك / فَكثِّرِ الأَيدي وَلَو مِن أَهلِك
إِنَّ يَدَ اللَهِ مَع الجَماعَه / وَخَيرُ ما تَعلو بِهِ القَناعَه
شَرُّ الوَرى مَن أَكلُهُ بِمَعزِلِ / ذاكَ وَضِيعُ القَدرِ مَهما يَعتَلي
حَذارِ الاتِكاءَ حِينَ تَأكُلُ / وَاِعمَل كَما كانَ النَبيُّ يَعمَلُ
وَلا تُغيِّر هَيئَة الجُلوسِ / وَلا تَكُن في الأَكلِ ذا عُبُوسِ
إِيّاكَ وَالتَبديلَ في المَكانِ / فَإِنَّها مِن خِفَّةِ الإِنسانِ
إِيّاكَ وَالأَكلَ عَلى سَبيلِ / وَاِحذَر مِنَ الإِكثارِ في الفُضولِ
فَإِنَّما الفُضولُ في الطَعامِ / عِندي كَالفُضولِ في الكَلامِ
وَإِن دَعَوتَ الصَحبَ نَحوَ دارِك / فَلا تُمِلَّ القَومَ بِاِنتِظارِك
لا تَذكرِ البِطنَةَ عِندَ الأَكلِ / فَإِنَّ هَذا غايَةٌ في البُخلِ
وَلا تَقُل رُبَّ طَعامٍ يُهلِكُ / وَرغِّب القَومَ إِذا ما أَمسَكوا
وَكَرِّر القَولَ عَلى الإِخوانِ / وَاِحذَر مِن التَرغيبِ بِالإِيمانِ
فَإِنَّهُ مِن غُررِ المَكارِمِ / أَن تَذكرَ العَظيمَ في العَظائِمِ
وَحاذِر الصَمتَ عَلى الطَعامِ / فَإِنَّها مِن سيرَةِ الأَعجامِ
لا تَلتَمِس غَير الَّذي يَليكا / فَإِن هَذا خُلُقٌ يُعلِيكا
إِيّاكَ أَن تَأكُلَ مِما يَبعُدُ / عَنكَ فَهَذا خُلُقٌ لا يُحمَدُ
إِيّاكَ أَن تَأكُلَ حَتّى تَشبَعا / كَم لُقمَةٍ عادَت سِماماً مُنقَعا
إِيّاكَ وَالإِفراط في التَقَنُّعِ / فَإِنَّهُ ضَربٌ مِن التَصَنُّعِ
وَإِن تَكُن بِالمكرُماتِ تُوصَفُ / فَلا تَسِر إِلا عَلى ما يُعرَفُ
لا تُحوج الصاحِبَ لانتِقادِ / إِن كُنتَ ذا عَقلٍ وَذا سَدادِ
لا تَسبِق القَومَ إِلى طَعامِ / فَإِنَّهُ مِن جَشَعِ اللِئامِ
لا تَتَبعِ اللُقمَةَ غَير فاحِصِ / فَإِنَّ هَذا مِن فعالِ الناقِصِ
وَغُضَّ عَنهُم طَرفَكَ اِستحياء / وَلا تَقُل هَل يَشرَبونَ ماء
فَإِنَّ مِن أَخبارِ مَن قَد سَلَفا / أَن امرأً واكلَ بَعضَ الخُلفا
فَأَبصرَ الأَميرُ بَعضَ الشَعَرِ / في لُقمَةِ الفَتى فَقالَ اِنتَظِرِ
إِنّي أَرى وَسطَ الطَعامِ شَعَرا / فَنَحِّهِ فَإِنَّ فيهِ ضَرَرا
قالَ لَهُ الفَتى أَأَنتَ ناظِرُ / إِليَّ إِنّي لِلطَعامِ هاجرُ
أَتَنظُرُ الشَعرةَ في طَعامي / أَفضل مِن طَعامِكُم صِيامي
كَيفَ تَرى اللُقمَةَ فيها شَعرَه / لَيسَ الكَريمُ مَن يُحِدُّ نَظره
فَقالَ فَاستُرها وَكُن لِي غافِرا / لَيسَ الكَريمُ لِلمُساوي ناشِرا
وَهَكَذا المَرءُ إِذا ما كَرُما / تَراهُ يَخشى أَن يُقالَ لؤُما
إِيّاكَ أَن تَذكُرَ ما يُستَقذَرُ / فَإِنَّهُ مِنَ الكَريمِ مُنكَرُ
إِيّاكَ وَالإِمساكَ عَن طَعامِ / إِن كانَ يَدعُو الصَحبَ لِلقِيامِ
شاركهُمو وَلا تَشِذّ عَنهمُو / فَإِن شَبِعتَ فَاِعتَذِر إِلَيهمو
وَلا تُقَدِّر ثَمَناً لِلأَكلِ / وَلا تَقُل يَأكل هَذا مِثلي
إِيّاكَ وَالسُعالَ وَالبُصاقا / وَاِحذَر عَلى الخِوانِ الارتِفاقا
وَاِغسِل يَدَيكَ بَعدَ الانتِهاءِ / وَقَدِّمِ الأَفضَلَ عِندَ الماءِ
لا تَرفضنَّ مِنهُمو تَقدِيما / إِن قَدَّمُوكَ بَينَهُم تَكرِيما
قَد قيلَ في أَمثالِ مَن تَقَدَّمُوا / لا يَرفُض الإِكرامَ إِلّا الأَلأَمُ
لا تَحتَقِر قَدرَ امرئٍ ذي فَضلِ / وَاصبُب عَلى يَديهِ ماءَ الغَسلِ
فَلَيسَ في ذَلِكَ مِن صَغارِ / لا سِيَّما إِن كُنتَ رَبَّ الدارِ
طَهارَةُ الشَمائِلِ
طَهارَةُ الشَمائِلِ / تَظهَرُ بِالمُؤاكِلِ
فَاِدعُ إِلى الطَعامِ / أَحَقَّ بِالإِكرامِ
لا تَدعُوَنَّ فاسِقا / وَلا امرَأً مِنافِقا
وَلا كَثيرَ الصَخَبِ / وَلا حَليفَ الكَذِبِ
لا تَبتَغِ المُطاوَلَه / بِهِ وَلا المُفاضَلَه
وَاِبغِ بِهِ الإِكراما / وَصِل بِهِ الأَرحاما
فَإِنَّما المَوائِدُ / غايتُها التَوادُدُ
تُكثِرُ فيكَ الراغِبا / وَتَستَميلُ الصاحِبا
وَإِن تَكُن ذا نُبلِ / وَأَدَبٍ وَفَضلِ
فَاِدعُ فَتىً مُلَبِّيا / لا تَدعُوَنّ آبِيا
وَإِن دُعِيتَ فَأَجِب / وَلا تَقُل إِني نَصِب
وَلَبِّ مَن يَدعُوكا / مَهما يَكُن مَفلوكا
لا فَرق في القِياسِ / عِندي بَينَ الناسِ
لا فَرقَ بَينَ مُوسِرِ / فيما أَرى وَمُعسِرِ
فَكَم غَنِيٍّ باخِلِ / وَكَم فَقيرٍ باذِلِ
وَضَنَّ بِالإِكرامِ / بُخلاً عَلى اللِئامِ
فَإِنَّما اللَئيمُ / يُفسِدُهُ التَكرِيمُ
يأكُلُ ما تُقَدِّمُ / إِلَيهِ ثُمَّ يَنقِمُ
يُكثر في المَذَمَّه / وَلا يُراعي حُرمَه
إِيّاكَ وَالتَصَدُرا / إِذا الطَعامُ اِستُحضِرا
فَإِنَّما الصُدُورُ / يُعقُبها نُفُورُ
وَدَع لِرَبِّ المَنزِلِ / تَرتيبَ أَهل المحفِلِ
لا تَعتَرِض ما يَفعَلُه / فَذاكَ شَيءٌ تَجهَلُه
لَعَلَّ ذاكَ الصَدرا / بِهِ سِواكَ أَحرى
إِيّاكَ وَالتَضيِيقا / تُؤذى بِهِ الصَدِيقا
وَاِفسَح إِذا قيلَ اِفسَحِ / وَلا تَقُل لَم أَبرَحِ
وَاِغضُض مِن المَقالِ / وَاِحذَر مِنَ الجِدالِ
فَإِنَّما المُؤاكَلَه / تُفسِدُها المُجادَلَه
وَإِن تَكُن ذا أَدَبِ / فَلا تَكُن ذا غَضَبِ
تَقومُ وَسطَ القَومِ / تَرمي سِهامَ اللَومِ
حَتّى يَكُفَّ الآكلُ / وَلا يُسِيغَ الناهِلُ
وَذاكَ شَيءٌ يَكثُرُ / في عَصرِنا لا يُنكَرُ
وَاحذَر مِن الإصغاءِ / لِحُجرةِ النِساءِ
وَاِجلِس بَعيداً عَنها / لا تَقرَبَنَّ مِنها
إِيّاكَ أَن يَفتِنَكَ الشَبابُ
إِيّاكَ أَن يَفتِنَكَ الشَبابُ / وَأَن يَغُرَّ عَينَكَ السَرابُ
فَإِنَّما الشَبابُ ظِلٌّ زائِلُ / وَبَدرُهُ لا بُدَّ يَوماً آفِلُ
وَزَهرَةٌ تُذبِلُها اللَيالي / وَلَيسَ وَصلُهُ سِوى خَيالِ
سَرعانَ ما يَنقَشِعُ الجَهامُ / مِن سُحبِهِ وَيُسفِرُ الإِظلامُ
بادِرهُ ما اسطَعتَ بِما يَزينُ / وَلا تُدَنِّسهُ بِما يَشينُ
وَاِغتَنِم الشَبابَ قَبلَ الهَرَمِ / وَقَبلَ أَن تَصلى أُوارَ النَدَمِ
وَاِبخَل بِهِ إِلّا عَلى ما يَنفَعُك / وَجُد بِهِ فيما تَراهُ يَرفَعُك
فَإِنَّما أَيّامُهُ لَآلي / فَابخَل بِها إِلّا عَلى المَعالي
لا تُفنِها في لَذَّةِ المُدامِ / فَلَذَّةُ الكَأسِ إِلى آلامِ
لا يَسبِكَ الدَلُّ مِن الحِسانِ / وَاحذَر مِن التَشبيبِ بِالغَواني
وَاِطَّلبِ العَلياءَ فَهيَ أَطيَبُ / وَإِنَّ وَصلَ الغيدِ بَرقٌ خُلَّبُ
إِيّاكَ أَن تَجلِسَ في سَبيلِ / تَنظُر ذاتَ مَنظر جَميلِ
تَرشُقُها بَأَسهُمِ الأَلحاظِ / وَساقِطِ الأَقوالِ وَالأَلفاظِ
إِنّي أَرى عَجائِباً في مِصرِ / لا سِيَّما فِتيانُ ذاكَ العَصرِ
تَجَرَّدُوا مِن حِلية التَدَيُّنِ / فَلَم يَعُد إِيمانُهُم في مَأمَنِ
يَقضِي الجَهولُ ناضِرَ الشِهابِ / في لَعِبِ النَردِ مَعَ الأَصحابِ
تُنذِرهُ الساعاتُ وَهوَ سادِرُ / وَكَم هَداهُ الدَهرُ وَهوَ حائِرُ
يَقُولُ بادِر لَذَّةَ الحَياةِ / فَكُلُّ لَذّاتٍ إِلى فَواتِ
مِما حَفِظناهُ مِن العِظاتِ / وَما رَوَيناهُ عَنِ الهُداةِ
أَوّاهُ لَو كانَ الشبابُ يُبصِرُ / وَآهِ لَو كانَ المَشيبُ يَقدِرُ
لا تَزدَهيكَ عِزَّةُ المَناصِبِ / فَعِزَّةُ الدُنيا كَبَرق خالِبِ
عَمّا قَليلٍ شَمسُها تُغَيَّبُ / ما فَخرُ ذِي العَقلِ بِمَجدٍ يَذهَبُ
لا عِزَّةٌ بِمَنصِبٍ وَجاه / وَإِنَّما العزُّ بِتَقوى اللَهِ
فَحَسبُكَ التَقوى عُلاً وَعزاً / وَعُدَّةً لِمَن أَرادَ بَزّا
لا تَفتَخِر بِمَنصَبٍ وَمالِ / إِن كُنتَ ذا عَقلٍ وذا كَمالِ
دَع ما اِستَطَعتَ الفَخرَ بِالأُصُولِ / فَذاكَ فَخرُ العاجِزِ الكَسُولِ
وَإِن تَكُن بَينَ الوَرى شَريفاً / فَاضمُم إِلى تَلِيدِهم طَرِيفا
لا يُرفَعُ المَرءُ بِمَجد الوالِدِ / فَكُلُّنا فرعٌ لأَصلٍ واحِدِ
لا فَضلَ لامرِئٍ عَلى أَخيهِ / إلا بِذِكرٍ طَيِّبٍ يُبقيهِ
مِمَّا حَفِظناهُ مِنَ الآثارِ / وَما سَمِعناهُ مِن الأَخبارِ
أَنَّ امرَأً أَتى إِلى مُحَمَّدِ / يَسأَلُه عَن دينهِ وَيَهتَدي
فَأَدرَكَتهُ رِعدةٌ وَهَيبَه / لَمّا رَأى مُحَمَّداً وَصَحبَه
فَإِنَّهُ كانَ مَهِيبَ المَحضَرِ / إِن تَلقَه كَأَنَّهُ في عَسكَرِ
قالَ لَهُ النَبيُّ ماذا تَرهَبُ / مِنّا وَقَد جِئتَ إِلَينا تَرغَبُ
هَوِّن عَلَيكَ ما أَنا جَبّارُ / وَلا أَنا بَينَ الوَرى قَهّارُ
أُمّي كانَت تَأكُلُ القدِيدا / أَكرم بِهَذا خُلُقاً حَمِيدا
وَهَكذا كُلُّ عَظيم القَدرِ / دانٍ إِلى الناسِ قَليلُ الفَخرِ
وَمَن تَكُن بُغيَتُه العَلياءُ / فَقَدرُهُ في نَفسِهِ هَباءُ
يَسعى إِلى المَجدِ وَلَيسَ يَقنَعُ / وَمَن يَذُق طَعمَ العُلا لا يَشبَعُ
أَمّا قَصِيرُ الباعِ في المَعالي / فَإِنَّهُ يَقنَعُ بالآمالِ
مَهما تَكُن رُتبَتهُ صَغِيره / فَإِنَّها في ظَنِّهِ كَبيرَه
حَسبُكَ ما قَد جاءَ في الأَمثالِ / وَالكَلِمِ النَفائِسِ الغَوالي
إِن الأُسُودَ فَخرُها زَئيرُ / وَبِالنَهيقِ تَفخَرُ الحَميرُ
لا تُزهَ بِالطَريفِ وَالتلادِ / فَكُلُّ ما تَرى إِلى نَفادِ
أَوّاهُ لَو يَعرِفُ كُنهَ قَدرِهِ / في الناسِ مَن أَسقَطَهُ بِكبرهِ
لَو يَنظرُ الإِنسانُ مِمّا صُوِّرا / وَما يَؤُولُ أَمرُهُ ما اِستَكبَرا
إِن كُنتَ ذا عُلاً وَذا اِرتِفاعِ / في الناسِ فَاِحفَظهُ بِالاتِّضاعِ
وَكُن شَبيهَ البَدرِ في السَماءِ / وَنُورُهُ يَلُوحُ فَوقَ الماءِ
إِنَّ الفَتى مَن لَم يقُل أَنا أَنا / كَالغُصنِ إِن أَثمَرَ مالَ وَاِنثَنى
وَإِن يُصِب أَخُوكَ فَضلَ مَنصِبِ / فَلا تَزِد في الوُدِّ وَالتَحَبُّبِ
فَإِنَّهُ ضَربٌ مِنَ النِفاقِ / وَإِنَّهُ مِن سَيِّئِ الأَخلاقِ
وَإِن تَكُن ذا أَدَبٍ وَكيسِ / فَكُن كَما كُنتَ لَهُ بِالأَمسِ
وَزِدهُ في التَبجِيلِ وَالتَعظِيمِ / وَلا تَزد في وُدِّكَ القَديمِ
وَإِن تَزُرهُ وَهوَ في دِيوانِهِ / فَلا تُداعِبهُ لَدى إِخوانِهِ
تريدُ أَن يَفهَم مِنكَ الكُلُّ / أَنَّكَ أَنتَ الصاحِبُ المُدِلُّ
دَع ذَلِكَ الخُلقَ فَإِنّ فيهِ / غَيظاً لِمَن آخَيتَه يُؤذِيهِ
لا تَحسَبَنَّ خُلقَه ما تَفهَمُ / قَبلُ وَلا طِباعَه ما تَعلَمُ
فَإِنَّما الأَخلاقُ قَد تُبدَّلُ / وَالطَبعُ بِالعِزَّةِ قَد يُحَوِّلُ
أَولى بَني حَوّاءِ
أَولى بَني حَوّاءِ / بِالمَدحِ وَالثَناءِ
مَن قَولُهُ مَعرُوفُ / وَالآلِفُ المَألُوفُ
فَطَيّب المُعامَلَه / وَأَحسنَ المُجامَلَه
وَادَّرَعَ المُصانَعه / لِيَأمَنَ المُقاطَعَه
وَبَذَلَ العَطاءَ / لا يَبتَغي ثَناءَ
أَحسِن تَكُن أَمِيرا / وَاِزهَد تَكُن نَظيرا
لَم أَرَ كَالسَخاءِ / أَدعى إِلى صَفاءِ
وَلَيسَ كَالأَيادي / أَجلبَ لِلودادِ
قَد جادَ بِالمَعالي / مَن ضَنَّ بِالنَوالِ
وَلَيسَ لِلبَخيل / في الناسِ مِن خَليل
فَإِنَّما هُم سِربُ / وَأَينَ أَينَ الحَبُّ
لا تَبغِ بِالإِحسانِ / شُكراً مِن الإِنسانِ
وَاِبتَغ شُكرَ القادِرِ / فَاللَهُ خَيرُ شاكِرِ
عَلَّ رَبيبَ نِعمَتِك / كانَ دَليلَ نِقمَتِك
أَعرِض عَن المَثالِبِ / تَسلَم مِن المَعاطِبِ
وَاِنظُر إِلى ما فِيكَ / فَإِنَّهُ يَكفِيكَ
لَيسَ مِن التَهذيبِ / حِفظُكَ لِلعُيوبِ
وَمَن يَرى رَذائِلَه / وَلا يَرى فَضائِلَه
فَذاكَ عِندي الكامِلُ / وَهوَ البَصيرُ العاقِلُ
وَمَن يُريني عَيبي / فَذاكَ خَيرُ صَحبي
أَفدِيهِ بِالحَياةِ / لِأَنَّهُ مِرآتي
أَرى بِها القَبيحا / مِنّيَ وَالمَليحا
شَرٌّ مِن المُكاشِحِ / مَن زانَ لي قَبائِحي
فَرُبَّما يَضُرُّ / لأَنَّهُ يَغُرُّ
ذاكَ الشَفيقُ الغافِلُ / وَهوَ الصَديقُ الجاهِلُ
وَلا أُريدُ حَمدي / بِالشَيءِ لَيسَ عِندي
أَأَلبَسُ المُعارا / وَأعجَبُ اِفتِخارا
فَمادِحي بِالمَينِ / مُبالغٌ في شَيني
مَن ذَمَّني بِحَقِّ / وَعابَني بِصِدقِ
أَنصحُ عِندَ العاقِلِ / مِن مادِحٍ بِالباطِلِ
سالِم جَميعَ الناسِ / تَسلَم مِن الوُسواسِ
وَطَوِّلِ العِنانا / وَقَصِّر السِنانا
هُم حَربُ مَن يُقارِبُ / فَكَيفَ مَن يُحارِبُ
إِيّاكَ وَالمُنافَرَه / وَأَحسَن المُعاشَرَه
فَحُسنُها يَزينُ / وَسُوءُها يَشِينُ
تُقَرِّبُ الغَريبا / وَتَجمَعُ القُلُوبا
كُن لَيِّنَ الخِلالِ / في القَولِ وَالفِعالِ
سَهلاً بِغَيرِ ذُلِّ / تُحمَدُ عِندَ الكُلِّ
مَن طابَ مِثلَ الزَهرِ / يُحمَلُ فَوقَ الصَدرِ
لَكنَّما الثَقيلُ / في قَومِهِ مَرذُولُ
يُلقى عَنِ الكَواهِلِ / فَالأَرضُ أَقوى حامِلِ
وَكُن سَليمَ الجانِبِ / وَاِنظُر إِلى العَواقِبِ
لَيسَ مِن العَلاءِ / وَصفُكَ بِالدَهاءِ
يَفرُّ مِنكَ الكُلُّ / وَيَتَّقيكَ الأَهلُ
مَن ذا الَّذي لا يَهرُبُ / مِنكَ وَأَنتَ عَقربُ
يَخشاكَ مَن يُجانِبُك / فَكَيفَ مَن يُقارِبُك
فَأَنتَ كَالصَيادِ / وَالناسُ كَالجَرادِ
مَن ضَمَّه الشراكُ / فَما لَهُ فَكاكُ
تِلكَ سَجايا عالِيَه / وَذِي عِظاتٌ غالِيَه
جَمعتُها في شِعري / كَلُؤلُؤٍ في نَحرِ
ظَلِلتُ فيها مُدَّه / تِسعينَ يَوماً عِدَّه
بَينَ نَهارٍ جاهِدِ / وَبَينَ لَيلٍ ساهِدِ
مُقرَّحَ الجُفونِ / مُفَرَّقَ الشؤُونِ
وَالسُقمُ منّي بادِ / وَالهَمُّ في وِسادي
وَالفِكرُ في شَتاتِ / مِن نَكَدِ الحَياةِ
في حِين أَنَّ الأَدَبا / في أَرضِ مِصر نَضَبا
فَلا أَرى مَن يُنصِفُ / وَلا أَرى مَن يَعرِفُ
وَلا أَرى تَشجيعا / لَكِن أَرى تَشنيعا
بَينَ مَقال حاقِدِ / أَو اِنتِقاد حاسِدِ
تِجارَةُ الأَخلاقِ / أَبعَدُ عَن نَفاقِ
وَباذِلُ الآدابِ / كَباذِلِ التُرابِ
فَكِدتُ عَنها أَنكُلُ / لَولا الإِمامُ الأَفضَلُ
عَلامَةُ الزَمانِ / وَمَهبِطُ العِرفانِ
هَذا فَريدُ العَصرِ / وَغُرَّةٌ في مِصرِ
وَذُو العُلا وَالمَجدِ / فيها فَريدُ وَجدي
ذاكَ الذَكيُّ الأَروَعُ / شَمسُ هُداه تَسطَعُ
مَكانُهُ لا يُجهَلُ / بَينَ الرِجالِ أَوَّلُ
أَشباهُهُ قَليلُ / وَرَأيُهُ جَميلُ
حَبَّبَ لي الإِقداما / وَثَبَّتَ الأَقداما
تِلكَ يَدٌ لا تُكفَرُ / وَمِنَّةٌ لا تُنكَرُ
فَهَذِهِ حَوراءُ / وَمَهرُها الدُعاءُ
لا أَبتَغي جَزاء / بِها وَلا ثَناء
وَالحَمدُ لِلّهِ كَما / أَولى الجَميلَ مُنعِما
ثُمَّ الصَلاةُ أَبَدا / عَلى النَبيِّ أَحمَدا