المجموع : 163
يَا جِيرةَ الحيِّ أَيْنَ الحيُّ قَدْ بانُوا
يَا جِيرةَ الحيِّ أَيْنَ الحيُّ قَدْ بانُوا / أين الذين لهم فِي القلب أَشْجانُ
أَيْنَ الهَوادجُ إِذ زُمَّت رَكائبُها / قَدْ حازَ دونَنا وَعْرٌ وكُثْبان
أَيْنَ الَّذِين بنَوا فِي القلبِ مسكنَهم / بَيْنَ الجَوانحِ والأضلاعِ قَدْ كانوا
يا جِيرتي يَا أُباةَ الضَّيم أَيْنَ همُ / وهل أنا بعدهم فِي الناسِ إِنسان
بانوا فبانتْ شجوني والهوى نَصَبٌ / فكيف لي وفراقُ الحيِّ خُسران
زَمّوا ركائبَهم والقلبُ عندهمُ / فها أنا اليومَ جسمٌ مَا لَهُ شان
زَوَّدتُهم نظرةً والشوقُ مُحْتَدم / وعارضُ الدمعِ فِي الخدين هَتّان
وخَلَّفوني أُراعِي النجمَ مرتقِباً / مُدلَّهاً فِي عِراكِ البين وَلْهان
يا ليتيم أخذوني والفؤادَ معاً / لَمْ يبقَ لي بعدهم هَمٌّ وأحزان
بالله يَا جِيرتي أَيْنَ الحُدوج سَرَتْ / فأنتُم جيرتي للحيِّ جيران
لا تكتموا بالهوى أقسمتُ أن لكم / سِرّاً لَهُ فِي فؤادي اليومَ كتمان
هم أَنْجَدوا وفؤادي ضاع بَيْنَهمُ / أم أَتْهَموا إنني بالحيِّ حَيْران
لله وا أسفي إن الهوى أَسَفٌ / قَدْ كَانَ قلبي وفيه الحيُّ سُكان
والآن لما غدَوا أصبحتُ منطرِحاً / وهل يقوم بغير الرُّوح جُثْمان
قَدْ كَلَّفوني لحاقَ الرَّكْبِ واظَمَئي / وكيف يَلحق إِثْرَ الركب ظمآنُ
فقمتُ أَخبِط بالوَعْساءِ مُلتمِساً / وناقتي وسَرابُ البيد سِيّان
وكلما قَطعتْ وهْداً سلكتُ بِهَا / مَجاهِلاً حَقَّها سَهْل وأَحْزان
وَجْناً شَمّرْدَلة مثلُ الظَّليم لَهَا / صدرٌ أُعِدَّ بِهِ للسَّبْق مَيْدان
لا تستقر عَلَى الخُفَّين داميةٌ / من الذَّميل ولا الضَّبُعَين قِرِدان
لا أَمترِي ناقتِي بالساق من تعبٍ / إِذ لَمْ يَؤُدْها الوَنَى وَهْدٌ وقِيعان
ولا السِّياط لَهَا فِي دَمِّها أَثَرٌ / قَدْ ساقنا من سياطِ الشوقِ عِيدان
رَنّاحةٌ إِن مشتْ مثلُ الهُيام بِهَا / كالبحر من رَهَج يَعْلوه طُوفان
تنسابُ فِي جَرْيها أَوْسعتُها عَنَقاً / كَأَنَّها بالفَلاةِ القَفْرِ ثعبان
في جَرْيها رَمَلٌ فِي مشيها وَجَل / لانتْ مَعاطِفُها والركبُ جَذلان
فقلت يَا ناقتي والرَّحْلُ مُختضِب / من أَدمُعي مَا لهذا الحيِّ تِبيان
إِن السَّرَى يَا رعاك اللهُ أَجْهَدني / وَقَدْ كفاكِ النوى نَصٌّ ووِخْدانُ
فَنَهْنَهنِي ناقتي أن الزمانَ لَهُ / فِي خطة البين تَطْنيب وأوطان
كنا لَفي سِنةٍ والدهرُ مُنتيِه / حَتَّى انتبهنا وَطَرْفُ الدهرِ وسْنان
إن الزمان أخو الأشجانِ من قِدَمٍ / لا تستقر لعينِ الدهر أَجفان
لا زال ذا الدهرُ مَغْروماً بِنَا كَلِفاً / مُشتِّتاً شملَنا فالدهرُ خَوّان
رُحماك يَا دهرَنا لَمْ أَجْنِ فاحشةً / بذلتُ نُصْحي أعُقْبَى النصح حرمان
أَوّاهِ منك تُريني وَجْه عارِفةٍ / أًَحنو إِلَيْكَ وَمَا للوجهِ برهانُ
خَوَّلَتني جَنةً راق النعيمُ بِهَا / أبعدَ ذَاكَ النعيمِ اليومَ نيران
أَقصَيتني عن كرامٍ كنت أَعهدُهم / لَمْ يبقَ لي بعدَهم يَا دهرُ سُلوان
أهكذا صحبةُ الأشرافِ يَا زمني / يكون من قربِهم للمرءِ خسران
إِلَى متى أحتسِي كأسَ الهموم وكم / أُقاسي زماناً لَهُ بالرأس عُنوان
أمَا كفَى أنني بالشيبِ مُلتثِمٌ / حَتَّى علا مثلَه بالفَوْد تِيجان
قد راعني والصِّبا تَنْدو غَوارِبُه / وشِرَّتي والشبابُ الغَضُّ رَيْعَانُ
فقمت والهمُّ يَلْحوني بشَفْرته / وللفَوادحِ فِي جنبيَّ أَفْنانُ
فلم أزل أَكْدح الأيامَ ملتمِساً / كَنْفاً ألوذ بِهِ إِن عوزَّ إمكان
فبتُّ أرصد عينَ النجمِ مرتقِباً / من ذا هو اليومَ لِلاّجِين مِعْوان
فلم أجد وَزَراً مما أًُكابِده / من الزمانِ فعَزَّ اليومَ وِجْدان
وَلَمْ أجد ف الورى إِلاَّ مخادَعةً / من الخَدينِ فما للحقِّ أَخْذان
أرى للمحبِّ يراني دونَه قَدْراً / وَلَيْسَ يعلم أَنَّ الكِبْرَ نُقْصان
إن الفتى نَعست عيناه عن سَفهٍ / فِي طبعه ولطبعِ الغيرِ يَقْظان
جِبِلَّةٌ فِي طباعِ الناسِ لازمةٌ / لو أنهم أنصفوا فِي الحكم مَا شانوا
كم ذا أُقضِّي حياةً مَا نَعِمتُ بِهَا / كَيْفَ النعيمُ وكلُّ الدهر أَشْجان
ضاق الخِناقُ وضاقت بالثراء يدي / فليس لي بسِوى الرحمنِ حِسْبان
وَلَيْسَ لي ملجأٌ كيما أَلوذ بِهِ / سوى أبي طارقٍ للعِرْضِ صَوّان
مُملَّك إن رأى المهمومُ سَحْنته / لَمْ يبرحَ الأرضَ إِلاَّ وهْو جَذْلان
خلائقٌ يَتنامَى المرءُ غُرْبَته / فلُطفُها عِوَضُ الأوطانِ أَوْطانُ
مملك لا يرى الدِّينارَ ناظرُه / فما لَهُ لاجتماعِ المالِ خُزّان
لو أنما حَلَّت الدنيا براحتِه / لَمْ يبقَ يوماً بوجهِ الأرض جَوْعان
ما قام فِي بلدٍ إِلاَّ وسال بِهَا / من فَيْضِه ببقاعِ الأرضِ وِدْيان
فكم لَهُ من تُراثِ المجدِ أَوْرَثه / أُولو المَكارِمِ سُلطان وسلطان
فبابُه يلْتَجي حَتَّى البقاعِ بِهِ / وَقَدْ شكى من ظفار الخوفَ عُريان
أتاهم ناصِرٌ والأمرُ مرتبِك / والخوفُ مَا بَيْنَهم يُزْجِيه طُغيان
لا يخرجون عَلَى الأبواب من حذَرٍ / خوفَ القتالِ وهم فِي الحرب شجعان
في ثامنٍ حَلَّ والعشرين ساحتَهم / من شهرِ شعبانَ نِعْمَ الشهر شعبانُ
فأصبحوا عُزَّلاً من دونِ أسلحةٍ / والوعرُ من أَمْنِه والسهلُ ملآنُ
والبَهْمُ تَرْعَى الحيا فِي القفرِ سائمةً / مَا راعَها بالفَلا والدَّوِّ ذِئْبان
والأرضُ تَرْجِف من خوفٍ ومن فرحٍ / والإنس والجنّ فِي الحالين صِنْوان
أمست ظفار بأمنِ اللهِ فِي حَرَم / ووجهُها بمليك الأرضِ رَيَّان
تَهْمِي بِهَا من سَحابِ الفخرِ غاديةٌ / يَخْضرُّ من وَدْقها للمجد أغصان
واستمطرتْ تَذْرِف العينين من فرحٍ / إن الكريم لَيَبْكي وهْو فرحان
وغَيَّم الأَفْقُ وانهلَّت مَدامعُه / كَأَنَّما قَدْ عرا عينيه هَمْلانُ
واخضرَّتِ الأرضُ مثلَ الروضِ ضاحكةً / وَقَدْ كستْها ثيابَ الزَّهر ألوانُ
وزَمْجَر البحرُ مسروراً وهاج بِهِ / عَواصفٌ فكأن البحر غضبان
فيا لَهُ من خريفٍ زادني كَلَفاً / مَا أَبْهَج الأُنسَ أن لو طال إِدمان
طابتْ لَنَا سَكَناً حَتَّى غَدت وطناً / فها إذن نحن بالجريب رُكْبانُ
في أرضِ يعبوبَ تَخْدي اليَعْملات بِنَا / يَحفُّنا من زهور الروضِ أغصانُ
بنفسجٌ وشَميمُ الجُلَّنارِ بِهَا / وزِمْبقٌ وكبارُ الدَّوح ميطان
والياسَمين كمثلِ الدوحِ مُشتبِكٌ / وَقَدْ كُسِي من ثيابِ الزهر أَكفان
تمشي بِنَا والحَيا يعلو كَواهِلَها / وفَرْشُنا نَفْحُها ورد ورَيْحَان
تَرْقَى سَنابِكها فَوْقَ السما حُبُكاً / كَأَنَّما نحن فَوْقَ العرشِ سُكّان
ظَلّتْ بِنَا ترتمي بالبيدِ جافلةً / كَأَنَّما نحن بالبيداء قُطّان
جُبْنا بِهَا فَدْفَداً راقتْ نضارتُه / كالبحرِ خُضرتُه حَفَّته غِيطانُ
حَتَّى ارتحلْنا لأرضٍ راقَ منظرُها / أرضٍ لَهَا من صنوفِ الحسن ألوان
سكانُها من كشوب زان مسكنَهم / يحمون أرضَهُم شِيبٌ وشُبان
أرض لَهَا فِي تبوكٍ قِسْمَةٌ مُزِجت / بحسنِ بهجتها والحسنُ فَتّان
ثُمَّ انتهى سيرُنا والأُنسُ يَخْفِرُنا / أرض لَهَا قُطُنٌ للجودِ أخدان
راقتْ بساتينُها روضاً بِهَا سَكَنٌ / مثلُ الدُّمَى ظَبَياتُ الإِنسِ غِزْلانُ
ناختْ ركائبُنا والطيرُ تهتف مَا / بَيْنَ الغصونِ لَهَا بالسَّجْعِ ألحان
والريحُ تَخْفق والأعلامُ قَدْ نُشِرت / وأُنْسُنا كم لَهُ بالنُّطق إِعلانُ
وبيننا الملك الميمون ذو خُلْقٍ / طَلْق المُحَيا فصيح النطق سَحْبان
مُدرَّع بفنون المجد مُتَّزِر / بوجهه من طُروسِ الفضل عنوان
لا زال فِي فَلك الإسعادِ طالعُه / يَنْهَلُّ من كفه بالجود فَيْضان
تِيهي ظفار فأنتِ اليومَ في شرفٍ / تَقاصرتْ دونَه مصرُ ونَعمان
أتاك من مَدد الرحمنِ ذو كرمٍ / أَمدَّه بجيوشِ النصر رَحْمَن
سموتِ من شرفٍ فَوْقَ النجوم عُلىً / يَنْحطُّ عنك السُّها قَدْراً وكِيوان
حَلِيت بالمجدِ عِقْداً زانَه شرفٌ / إن البقاعَ بشَرعِ العدل تَزْدان
أصبحتِ فِي حُلَل النُّعْمَى مَزَمَّلةً / تُضْفِي عَلَيْكَ من التوفيق أرْدان
إِذ صرتِ بالملك الميمون آمنةً / وجندُه لَكَ أنصارٌ وأعوان
فلْيَهْنِك الشرفُ المخفورُ من ملك / يدور بالسعدِ مَهْمَا دار أزمان
أرَّحتُه زمناً حَلَّ الأمانُ بِهِ / نصرٌ وبرٌّ وتوفيقٌ فإمكان
خَلِّ نفسَ اللِّقا تبلُّ صَداها
خَلِّ نفسَ اللِّقا تبلُّ صَداها / كم لَهَا بالنوى تُقاسي ظَماها
خَلِّها بالسرور تَنْزِف دمعاً / إنما هَيَّجَ السرورُ بُكاها
خَلِّها تسكُب الدموعَ دِقاقاً / مِيسمُ الشوقِ باللِّقا قَدْ كَواها
خَلِّها إِنْ بعينِها لن نُبَقِّي / دمعةً تسفحُ الدِّما مُقلتاها
ذاك طبعُ المَشوقِ إِن هِيجَ شوقاً / يَمترِي العينَ كي تَصبَّ دماها
هي نفسٌ وللنفوسِ اشتياقٌ / وحنينٌ إِلَى بُلوغ مُناها
لا يَلُمْني العذولُ إِنْ بنفسي / قَبساً بالفؤاد شَبَّ لَظاها
منذ بانوا عن الديار فإني / لَمْ تكن لي مَثابةٌ فِي حِماها
لا تقوم النفوسُ إِلاَّ بنفس / يَعْبقُ الجودُ من شَميم شَذاها
ليتني كنتُ للأحبة عبداً / بِظلالِ الحُمول أَقْفو ثَراها
نَكَص الحظُّ والحظوظُ هَدايا / يَا رعَى الله مدةً قَدْ قَضاها
إِن أمتْ فيهم ففيهم غرامي / فغرامُ النفوس أَدْهَى بَلاها
فالهَوى هُوّةُ وللنفسِ داءٌ / إن آفة النفوسِ هَواها
أيُّ شيءٍ بِهِ أُعلِّل نفسي / مَا أُراها عن حبِّهم تتَناهَى
سَلبوها فلم تزل فِي هَواهم / تقطع الوَعْرَ غدوُةً ومَساها
لو سَلَوْها بقربهم لَتَسلَّتْ / لكِ نارُ الفراقِ أَصْلت شَواها
شَفع اللهُ ذا البعادِ بقربٍ / ودنا للنَّوى بَعيدُ مَداها
أَيُّها الركبُ حَثْحِثوا السيرَ واحْدُوا / فنَوادي السرور يعلو صَداها
وسما الملك للنواظرِ تزهو / فرحةُ الوصلِ من مَليك سَماها
ما ترى الدهرَ بالتهاني تَغنَّى / وبوصلِ المليكِ تيمورَ باهَى
رجع المجدُ والممالك قَرَّتْ / شرفاً عينُها وزادَ تهاها
طلعةٌ أشرقَ الوجودُ بَهاءً / من ضِياها وضوءِ نورِ سَناها
حرس اللهُ ذاتَها وشَفاها / من سَقامٍ وَقَدْ أزال عَناها
صانَها من بَواعثِ السُّقْمِ دهراً / وحَماها من الأذى ورعاها
هي ذاتٌ سرُّ الوجودِ من الل / هِ وشمسٌ قَدْ اهْتُدِي بِضياها
صحةُ الكونِ رحمةُ الله فِي الأر / ضِ بَلَى أنتَ شمسُها وضُحاها
جئت للعالمين غوثاً وغيثاً / يَا مليك الأنام أنتَ هُداها
فانعَمِ البالَ لا تزال بعزٍّ / قبسٌ للعُلى ونورُ سَناها
وصل اللهُ ذي الحياةَ بوصلٍ / مدةَ الدهر لَمْ تزل بحِماها
قَدْ تجلّى نور شعبانَ منه / يومَ عشرٍ وتسعةٍ من دُجاها
قام فِي الملكِ بالسُّعود فأرَّخ / هِمماً تحسد النجومُ عُلاها
إن تيمورَ عدلُه اليومَ أضحى / يَطِس الأرضَ وَهْدَها ورُباها
أَلا أَيُّها البابورُ بَلِّغْ سَلامِيا
أَلا أَيُّها البابورُ بَلِّغْ سَلامِيا / كِراماً كَئيباً َخلَّفوني وباكيا
وباللهِ قَبِّل كلَّ يومٍ بَنانَهم / ولا تنسَ مَهْمَا جئتَ باليَمِّ جاريا
وحَيِّهمُ عني رعَى اللهُ سادةً / لقد خَلَّفوني للهمومِ مُواليا
حزيناً عَلَى بُعد الأحبةِ نادماً / عَلَى إِثْرِهم شوقاً أَعضُّ بَنانيا
فهذا فراقٌ نرقُب الجمعَ بعدَه / فما أَقْبَح الفرقا وأَحْلَى التلاقيا
ألا عَجَّل الرحمنُ جَمْعِي بسادةٍ / وبَدَّلنا بعدَ البعادِ التَّدانيا
وشلَّت يدُ التفريق لا دَرَّ درُّها / لقد تركت عيني تُفيض المآقيا
سلبتم فؤادي إِذ أخذتم حُشتاشَتي / فصرتُ خَلِيّاً لا عليَّ ولا لِيا
فجودوا وعِفُّوا ثُمَّ عودوا لمُدْنَفٍ / يُمَرِّض جسماً فِي المحبة باليا
فها أنا لا أَشْفَى وإِن ظَنَّ خاطري / برجعاكم ألا تعيدوا اللياليا
أَلا لا رعى اللهُ الوَدَاعَ فإنه / يُبعِّدني ممن سعدتُ حَياتيا
ومن لا يلذُّ العيشُ إِلاَّ بقربِه / فإن عَلَى رَغْمي يكون التّنائيا
فأرجو يُديم اللهُ عيشي بظلِّه / فأَحظَى بذاك العيشِ طولَ حياتيا
فذاك رجائي مَا بقيتُ وبغيتي / فَحقِّق إِلهي في الحياةِ رجائيا
ودُم لي نعيماً لا يزال بكَنْفِه / وخُلءدِه فِي ملكٍ مدى الدهرِ باقيا
أشغَفُ يُزعِجني أم النوى
أشغَفُ يُزعِجني أم النوى / أم نارُ شوقٍ أم تَباريحُ الجَوى
أم حُرْقَةٌ شَبَّ لظاها فُرقةٌ / لَمْ تنطفي عنيَ حَتَّى المُلتَقَى
لمل يَزلْ يُرهِقني شُواظُها / فيَصْطَلِي من حَرِّها بردُ الحَشا
أُضحِي وسيفُ السُّهْدِ أَدْمَى مُقْلتي / مُشْحَوْحِباً يَسْفَعُني ذَاكَ اللَّظى
فالبينُ كالبينِ شديدٌ وَقْعُه / فمن رُمي بسهمِه فقد قَضَى
فارقتُ من لو فارَق الشمسَ انثنى / شعاعُها مُحْلَوْلِكاً مثلَ الدُّجى
أَوْ سامرتْه ليلةٌ مُقمِرة / ثُمَّ جَفاها لاَشتكتْ ذَاكَ الجَفا
فارقتُه والقلبُ فِي أقدامِه / والطيفُ يُدنيه إِذَا الليلُ سَجَى
إِن غاب عن إنسانِ عيني لَمْ يَغِبْ / عن ناظرِ القلبِ وإِن شَطَّ المَدَى
وإِن تناستنِي الليالي عندَه / حاشا فقلبي قط عنه مَا خَلا
أَصبحتُ مبهوتاً أُقاسي لوعتي / مبدِّدَ الأفكار مسلوبَ النُّهى
وأَدمُعي مرفضَّةٌ منهلَّةٌ / تَمَجُّها عيني دماءً بالثَّرى
حَتّامَ تَلْحونِي مُلِمّاتُ النَّوى / والقلبُ يقفو إِثرَ ذَاكَ المُلتحَى
لو أن مَا بي من ضَنىً ألقيتُه / عَلَى ثَبيرٍ ظَلَّ مكسورَ القَرَا
دَعْنِي والليلَ الطويلَ سَمَراً / أٌقضيه مَا بَيْنَ عويلٍ وبُكا
من بعدِ مَا قطعته مُتَّكِئاً / فِي سُررٍ موضونةٍ من الحَشا
قريرَ عين لَمْ تَرُعْني فُرقةٌ / ولا حميمٌ مَضَّ قلبي بالجَفا
لكنما الأيامُ طوراً تَنْتَحِي / وتارةً تُدني بعيدَ المُنْتَأَى
فالصبرُ خيرُ مَا بِهِ المرءُ اتَّقَى / قَرْعَ البَلا وخيرَ مَا بِهِ احْتَمَى
فلا يفوتُ خامِلاً نَصيبُه / ولا يرى الكَيِّسً غيرَ المُقْتَضَى
فابسط يديك قُربةً للهِ لا / تبخلْ فليس البخلُ يأتي بالغنى
قَدْ كفلَ اللهُ العبادَ رِزْقَهم / فالحرصُ لا يُجْدِي الفتى إِلاَّ العَنا
يسعى الفتى لما كُفى تَحصيلَه / هَلاّ لما كلَّفه الله سَعى
فمن يُرِد تحصيلَ مَا يَرومُه / لَمْ يُعطَ مَا لَمْ يكُ باللَّوْح جَرى
فالدهرُ لا يُعتِب مَهْمَا جُرِّدتْ / نِصالُه فالصبرُ مَنْجاةُ الفتى
ومن يعيشُ زَمناً يرى بِهِ / تَطوُّراً مَا كَرَّ صبحٌ ومَسا
فالمرءُ مَا سُرَّ بصبحٍ أبداً / إِلاَّ أتاه ليلةً نوعُ البِلى
في كلِّ يوم بَيْنَنا أعجوبةٌ / يرتاعُ منها فَطِنٌ وذو حِجَى
هل نَهْنَأُ العيشَ وذا الدهرُ إِذن / بطَيِّه تقلُّبٌ بلا انتها
وأَكؤُس الحَيْنِ لَنَا مملوءةٌ / نشربها كَرْهاً وإِن طال المَدى
لكنما آمالُنا رواحِلٌ / تَدْأَب دهراً فِي فَسيحات الرَّجا
إِني رَقيتُ ذروةَ العيشِ فإنْ / أُحَطُّ عنها فأقولُ لا لَعاً
وإِن يَغَضَّ الدهرُ عثى طَرْفَه / فَعَلَّه يَعْتاضُ مني مَا مَضَى
فليس مَا يفوتُني من عيشةٍ / أُسَا بِهِ إن كَانَ يَبْقَى لي التُّقَى
إِن يبقَ من عيشي مَا أَعُدُّه / لصونِ وجهي فَعلى الدنيا العَفا
من قارعَ الأيامَ فَلَّتْ حَدَّه / ومن يُعاكسْ دهرَه فقد وَهَى
ومن يرومُ فَوْقَ وُسْعِ طَوْقِه / يظَلُّ مفلوجَ الفؤادِ والقوى
لا يُدركُ الحظَّ الفتى بعقلِه / وكم رَقَى ذو حُمْقٍ فَوْقَ الذُّرَى
فهذه الأيام تمشي خَزَلاً / بالحُرِّ بل بالَّذْل تمشي المَطا
أُفٍّ عَلَى الدنيا خيالٌ عيشُها / فهْي خَئونٌ مَا لَهَا قَطُّ وَفا
قَدْ احْتَسيتُ شهدَها وصابَها / فما وجدتُ طعمَ ذَاكَ المُحتسَى
يَا دهرُ هَوِّن فالليالي دُوَل / فلن يُردَّ مَا بِهِ الله قَضَى
إِن كنتَ تسعى جاهِداً يَا دهرُ فِي / حَطّى فقَصْداً بَلَغ السيلُ الزُّبَى
رِفْقاً بشيخ ثَقُلتْ أَعباؤُه / فالشيبُ داءٌ لا يُداوَى بالرُّقَى
قد كنتَ أَوْفَى منذ عودي مُورقٌ / فهل تخونُ منذ عودي قَدْ ذَوَى
إِذَا ذكرتُ عابرَ الدهرِ أَقُلْ / دعْ غابرَ الأيامِ يأتي مَا يشا
أَيامُ عيشٍ بالهنا مَنوطةٌ / فاعْزِزْ بعيشَ قَرَّ عيناً بالهَنا
ذو دَعَةٍ تَمجُّها شبيبةٌ / فِي زمنٍ تُديره أيدي الصِّبا
أيامَ عيشي إِن تعودِي فَهلا / أولاً فعِنْدِي كلُّ مَا تأتي سَوا
صحبتِ من لو كنتِ فِي كَفَّيه مَا / عَراه آناً بَطَرٌ ولا خَنا
ولا اطَّباهُ سَفَهٌ بعيشةٍ / لكنه يَوَدُّ عبداً للقَرَا
يحنو لدهرٍ طُوِّرت أيامُه / قَدْ عاش فِيهِ زمناً وَمَا ارْتَوى
فِي فتيةٍ مثلِ الشموس أشرقتْ / تَهابُهم من سَطْوَةٍ أُسْدُ للشَّرى
كَأَنَّما هم إذ تراهم جُثَّماً / فَوْقَ العروشِ أُطُماً يحمِي الحِمى
أقمارُ تِمٍّ بالنَّدى تعمَّموا / واتَّزَروا وَقَدْ تَرَدَّوا بالعُلَى
همُ ملوك الأرضِ قِدْماً وهمُ / أقطابُ أفلاكِ المعَالي وللنَّدى
كم طَحْطَحوا من أُطمٍ كم دَوَّخوا / من بهُمَ كم زَحْزحوا عالي الذُّرى
همُ العَرانينُ الَّذِين لهم / تقومُ أركانُ الليالي والدُّنا
همُ الأُولَى بحورُ جودٍ وهمُ / كهفٌ وكنْفُ من يلوذُ مِن جَفا
لا تأمنُ الأيامُ منهم وهمُ / فِي مأْمَنٍ وإِنْ خَطْبٌ دَجا
سَلْطنةٌ تَوارَثوها كابِراً / عن كابرٍ فكالعروس تُجْتَلى
تسلسلتْ حَتَّى انتهتْ فِي فيصلٍ / فاعْظِمْ بمَلْكٍ بعضُه كلُّ الوَرى
فآضتِ الأيامُ تُدْلِي بَيْنَهم / مآثِراً لَيْسَ لَهَا قطُّ انتها
ثُمَّ اسْبَطرَّتْ فاستقرتْ فِي فتى / يُفرِّج المكروهَ إِنْ أمرٌ دَهَى
فهْو الَّذِي مَا شامَ طرفي مثلَه / لو أنني أرمُق أفلاكَ السما
وهْو الَّذِي أنْهَلَني مَناهِلاً / يَضيق أن يَضُمَّها وُسْعُ الفضا
هو الَّذِي تَحْيَى رُفاتُ المَيْتِ من / أخلاقه مَهْمَا تَهبّ كالصَّبا
وهْو الَّذِي رَفَّه عيشي رَغَداً / بقربه فكنتُ عبداً مُطْطَفى
وهو الَّذِي قَلَّدني صَفائِعاً / لو قُلِّد الدهرُ بهنّ مَا عَفا
من قبلِها قُلِّدتُها من فيصلٍ / صارتْ إليَّ شَرَفاً ومُنتمَى
أحلَّني بالقربِ منه منزلاً / مَا حَلّه غيري ولو نال السُّها
فلم تزلْ نُعماهُ موصولةً / حَتَّى تُفاجِيني مُلِماتُ النَّوى
كم من يدٍ لذا المليكِ بُسِطت / تُضْفِي عَلَى وجه الليالي بالجَدا
وكم لَهُ من خطةٍ فِي المجدِ قَدْ / خُطّتْ عَلَى وجه الليالي بالسَّنا
وكم تراثٍ فِي العُلى قَدْ حازَه / من ملكٍ فقد عَلا فَوْقَ العُلى
أبو سعيدٍ مَن بِهِ قَدْ أَشرقتْ / شمسُ المعالي واستنارتْ بالهدى
ما جاد قَطُّ ومنٌ بمثلِه / ولا بعرشِ الملك مثلُه اسْتَوى
فإن تَنُبْني بالنوى نَوائبٌ / فإنّ منها تركَ تيمورَ الحِمى
كنا إِذَا مَا النفسُ ضاقَ ذَرْعُها / يَنْجَابُ عنها إِنْ مُحَيّاه بَدا
أَوْ أزمةٌ يوماً ألمَّتْ بامرئ / كَانَ لَهَا رِدْءاً فصارت كالَهبا
يا بارِقاً بَلغْ سَلامي إنني / من وَهَنٍ قَدْ صرتُ مُلقىً كالعصا
واخلعْ بريقَ النّعل فِي أعتابه / وقُل سلامُ اللهِ مَا رَكْبٌ سَرَى
والْثم ثَراهُ أَيُّها البرقُ وقُل / خُلّفتموه مُغْرَماً يَقْفو الثرى
ألقى إليكم فِلْذَةً من شوقِه / لو صادفتْ رَضْوَى لَهُدَّ والْتَوى
فإِنْ تُرِدْ تاريخَ مَا نظَّمتُه / قُل سُلّم الشعرِ مَديحٌ وثَنا
إِلَى نيلِ العُلى كم من رسومِ
إِلَى نيلِ العُلى كم من رسومِ / قَطَعْنا بالسُّرَى ولكَم تَخُومِ
بجُردٍ مُنْشَئاتٍ من سَمومِ / ورَكْبٍ كالنجوم عَلَى نجومِ
مَرَقْن من الفَلاة بِهِ مُروقا /
حَنايا كالقِسِيِّ بهم تَهاوَى / بحورُ نَدَى إِذَا مَا الضيفُ آوى
وإِن مرضَ الزمانُ بِهِم تَداوَى / سَرَيْنَ بِهِم كَأَنَّهمُ نَشَاوى
عَلَى الأَكْوار قَدْ شربوا رَحيقا /
تَخُبُّ نِياقُنا والبدرُ سارِ / وقَدْحُ خِفافِها شُعلات نارِ
فلا تدري بليلٍ أَوْ نهارٍ / وصوءُ الفجرِ مثلُ النهر جار
ترى بدرَ الدُّجى فِيهِ غريقا /
سَراةٌ فَوْقَ أفلاكٍ كَأَنَّا / مَصابيحٌ إِذَا مَا الليل جَنّا
ففت أخلاقنا الأحقادَ عنا / تحث مَطِيَّنا الأشواقُ منا
ونقطع بالأحاديثِ الطريقا /
لقد هَجموا عَلَى حربي وجارُوا
لقد هَجموا عَلَى حربي وجارُوا / أناسٌ قَدْ بَغَوا والبَغْي عارُ
فليس لهم وربُّ العرشِ ثار / حَمدت اللهَ فِي قومٍ أَثاروا
شروراً فاستحالتْ لي سرورا /
همُ شَبّوا الحروبَ عليّ ظلماً / وهم ملئوا الديارَ عليّ خَصْما
فقلتُ لهم جعلتُ الحربَ سِلماً / فقالوا النار قَدْ شُبَّت قلما
دنوتُ بِهَا وجدتُ النار نورا /
بَيْنَ السُّهَا والفَرْقَدَين زَبونُ
بَيْنَ السُّهَا والفَرْقَدَين زَبونُ / ولكلّ جِذْر بالفَخارِ غُصونُ
ملكٌ لَهُ بالنِّيِّرَين سكون / يَا بدرُ إنك والحديث شُجون
مَا لَمْ يكن لمثاله تَكوين /
أنت الأمينُ وَفِي سواك خيانة / وعليك من سِمَة الجلالِ علامة
نسبُ الملوكِ إِلَى عُلاك قُلامة / لَعُظمتَ حَتَّى لو تكون أمانة
مَا كَانَ مؤتَمَناً بِهَا جِبْرِينُ /
وجريتَ فِي فَلك الغَزالة راقياً / حَتَّى تركت البدر دونَك وافيا
يأبى سموُّك أن يُرَى متناهياً / بعضُ البرية دونَ بَعضٍ خاليا
فإذا حضرتَ فكلُّ فوقٍ دونُ /
ملوكٌ لَنَا وَيْلُ السخاءِ وَطَلُّه
ملوكٌ لَنَا وَيْلُ السخاءِ وَطَلُّه / لَنَا شرفٌ مَن دونَنا لا يَحُلُّهُ
لنا قائمُ الملكِ العظيمِ ونَصْلُه / لَنَا سابقٌ نسلُ الكحيلة أصله
لَهُ غُرَّة باليُمْنِ تُسْفِر كالبدرِ /
إِذَا مَا مشى كالبحرِ يَمْرح سابحُ / وإِن غار مثلَ الريحِ بالرَّكب جامحُ
يمرّ كمثل البرقِ إِذ هو لائح / عَلَيْهِ فتىً من نسل سلطانَ صالح
مُعوَّدةً أجيادُهم مُلتقَى النَّحْرِ /
لَمْ تكتحِلْ مُقْلتي غَمْضاً وعزتِكُمْ
لَمْ تكتحِلْ مُقْلتي غَمْضاً وعزتِكُمْ / مذ جَدَّت العِيسُ وَهْناً يومَ رحلتِكُمْ
أَوحشْتُموني أَلا مُنّوا برجْعَتكم / باللهِ مَا استحسنتْ من بعدِ فُرقتِكم
عيني سواكم ولا استمتعتُ بالنظر /
ما حَرَّك الريحُ من أَوْطانِكم شَجناً / إِلاَّ بفُرقتكم قَدْ زادني شَجَنا
ولا قَضى الحسنُ من غيركم شجناً / إن كَانَ فِي الأرض شيءٌ بعدَكم حَسَنا
فإن حسنَكُم غَطَّى عَلَى نظري /
سَموتُ إلى أَوْجِ المَعالي بهمةٍ
سَموتُ إلى أَوْجِ المَعالي بهمةٍ / وعاكستُ أفلاكَ الخُطوبِ بعزمةٍ
وإن ساءني الدهرُ الخَئونُ بصدمةٍ / سأصبِر حَتَّى تَنْجَلي كلُّ غُمة
وتأتي بما تَهْواهُ نفسي المَقادرُ /
أُكابِر من دهري سِنيناً أُحامِسا / وَلَمْ أر طبعَ الدهرِ إِلاَّ مُعاكِسا
سأَجْهَده صبراً وإِن ظل شامِساً / وإِن لَبِئْسَ العبدُ إِن كنت آيِسا
من اللهِ إِن دارتْ عليَّ الدَّوائر /
سائلِ الدمعَ فِي الهوى كَيْفَ يَنْهَرْ
سائلِ الدمعَ فِي الهوى كَيْفَ يَنْهَرْ / ويقيمَ الجمالِ فيما إِذَا يُقْهَر
إِن شوقي بِهِ من الشمس أَشْهَر / أعشقُ الحُسنَ والملاحةَ والظَّرْ
فَ وأهوى محاسن الأخلاقِ /
لَمْ أزلْ فِي الهوى سميعاً مُجيباً / وافيَ العهدِ للمحبِّ قريبا
إِن شكا الهجرَ كنت عنه طبيباً / لَمْ أَخُنْ قط فِي الوداد حبيبا
لو ينادي عليَّ فِي الأسواقِ /
أنا عذبُ المَذاقِ فِعلي ونطقي / صُحبتي فِي الغرامِ صحبة صدقِ
منهجي فِي الهوى مَنوطٌ برفق / شِيمَتي شيمتي وخُلْقيَ خُلْقي
ولوَ أتى أموتُ مما أُلاقي /
فما أنا فِي الورى ملكاً مُقَدَّمْ
فما أنا فِي الورى ملكاً مُقَدَّمْ / ولا بطلاً بيومِ الرَّوْع مُعْلَم
ولا حملت كفاي رُمحاً ولَهَذم / ولا صحبتنِيَ الفرسانُ إِن لَمْ
أُصاحبْها بمأمونِ الغِرارِ /
ولا سَدتُ المَلا والأنفُ أرغمْ / ولا خُضتُ الوَغى والجوُّ أَقْتم
ولا رعتُ الكَمِيَّ إِذن فأَحجم / ولا خافتني الأملاكُ إِن لَمْ
أصبِّحها بملتفِّ الغبارِ /
بهرتْ بالجمالِ لما تَجلَّتْ
بهرتْ بالجمالِ لما تَجلَّتْ / ودَنتْ خوطَ بانةٍ فَتدلَّتْ
وثَنَتْ عِطْفَها فلما تولَّتْ / وعدتْ أن تزور ليلاً فأَلْوت
وأتت بالنهارِ تسحب ذيلا /
برزتْ بالضحى قطوفٌ فمالتْ / أخلفتْ وعدَ وصلِها واستحالتْ
فَتدانيتُ نحوها فاستقالتْ / قلت هَلاّ صدقتِ فِي الوعدِ قالت
كَيْفَ صدقي وهل تُرى الشمسُ ليلا /
فلو علم الأقوامٌ يوماً سَريرتي
فلو علم الأقوامٌ يوماً سَريرتي / وبان لهم فَضْلي وكُنْهَ حقيقتي
لما سلكوا بالهجرِ يوماً طريقتي / سيَنْدم بُعداً من يريد قَطيعتي
ويذكر قولي والزمانَ طويلا /
كنتُ فِي الأُفق حافظاً تركوني
كنتُ فِي الأُفق حافظاً تركوني / إِن تَرَوني بالأرض لا تُنكروني
إن أهلي عَلَى الثرى نبَذوني / أنا درٌّ من السما نَثَروني
يوم تزويجِ والدِ السِّبْطَيْنِ /
كنت أقوى من النجومِ انقِضاضاً / عَوَّضوني فِي الأرضِ عنه انقِباضا
وسقَوني من الدماء حِياضاً / كنت أصفَى من اللُّجين بياضا
صبغتني دماءُ نحرِ الحسينِ /
من يغرس المجدَ فليُحْكِم غِراستُه
من يغرس المجدَ فليُحْكِم غِراستُه / فحفظُك المجدَ أن تحفظ حِراسته
من يطلبِ العلمَ لا يتركْ دِراستَه / رُزِقتَ ملكاً فلم تحسنْ سياسته
كذاك من لا يَسوسُ الملكَ يَخْلَعُهُ /
إني لَفي قلقٍ من بعد فَقْدهمُ
إني لَفي قلقٍ من بعد فَقْدهمُ / لا أملك النفسَ إِذ هامتْ بوَجْدهمُ
أَبيت فِي أرقٍ أدعو بردِّهمُ / لا أَوْحَش اللهُ من قومٍ لبُعدهم
أمسيتُ أحسد من بالغُمض يكتحلُ /
أودعتُهم مُهجتي والقلبُ منزلُهم / فكان أظلمُهم فِي الحب أَعْدلَهم
لا رَبَّح اللهُ مَنْ بالهجرِ حَمَّلهم / غابوا وألحاظُ أفكاري تُمثِّلهم
لأنهم فِي ضميرِ القلب قَدْ نزلوا /
أصبحتُ من بعدِهم أبكيهمُ شَغَفاً / والقلبُ من لاعجِ الأشواقِ قَدْ تَلَفا
أَوّاه واشِقْوتي أواه والهَفَا / ساروا وَقَدْ قَتلوني بعدَهم أَسفا
يا ليتهم أَسَروا فِي الركب من قتلوا /
قَدْ صرتُ من بعدِهم أَسعى بلا قَدَمِ / وأُمزج الدمعَ من فقدانِهم بدمِ
ما بالهم تركوني اليومَ فِي عدمِ / وخلَّفوني أَعضُّ الكفَّ من ندم
وأُكثِر النَّوحَ لما قَلَّت الحِيَلُ /
فالنفسُ خلفهمُ فِي السُّقْم هائمةٌ / وأَسهُمُ البينِ بالهجران راميةٌ
وأَلْسُن النَّوح بالويلاتِ داعيةٌ / أقول فِي إِثْرِهم والعينُ دامية
والدمعُ منهمِر منها ومنهمِل /
جازوا عليّ وَلَمْ يَخْشَوا مُعاقَبةً / وَمَا رَعوا فِي الهوى مني مُصاحَبةً
فقلت للنفسِ وَهْماً أَوْ مغالطةً / مَا عَوَّدوني أحبائي مُقاطعة
بل عَوَّدوني إذَا قاطعتُهم وَصَلوا /
قَدْ حِرتُ فِي أمرهم والجسمُ قَدْ مَرِضا / وأقبلَ الحَيْنُ يومَ البين معترِضا
فلم أجد فِي حياتي بعدَهم غَرضاً / فسِرتُ فِي إِثرهم حيرانَ مُرْتَمِضا
والعِيسُ من ظِلِّها تَحْفَى وتنتعل /
إِن تكن للعُلى والمجدِ منتظِراً
إِن تكن للعُلى والمجدِ منتظِراً / فاضربْ بزِنْدِك صَلْداً يقدحِ الشَّررا
وادفعْ بعزمك للأهوالِ محتقِراً / لا يمتطي المجدَ من لَمْ يركب الخطرا
ولا ينال العُلى من قَدَّم الحذرا /
ما بالهُوَيْنا ينالُ المجدَ آملُهُ / منيعةٌ صَعْبة المَرْقَى مَنازلُهُ
لا يدركُ المجدَ من لانتْ مآكله / لا تحسبِ المجدَ تَمْراً أنت آكله
لن تبلغَ المجد حَتَّى تَلْعَق الصَّبِرا /
أُسامِرُ همي طولَ ليلي واقفُ
أُسامِرُ همي طولَ ليلي واقفُ / وشخصُ غرامي فِي الحَشاشةِ عاكِفُ
كَأَنَّ سُهاد العينِ للهمِّ عاطِفُ / فما راعَني إِلاَّ ابنُ ورقاءَ هاتفُ
بعينيه جمرٌ من ضلوعيَ مشبوبُ /
أَتَحْسَبُني الأيامُ عنها سأَنثَنِي
أَتَحْسَبُني الأيامُ عنها سأَنثَنِي / وعزمي بأفْق الشمسِ للمجدِ يَبْتَني
ومن يطلبِ العلياءَ بالصبر يَقْتَني / تَنَكَّر لي دهري وَلَمْ يَدْرِ أنني
أَعَزُّ وأحدثُ الزمان تهونُ /
زماني عَلَى الأحرارِ جَلَّ بَلاؤُهُ / ومن أفضلِ الأقوامِ عَزَّ وَلاؤُهُ
طفقتُ أُعانيه فطال عَنَاؤُهُ / فظل يُريني الخَطْبَ كيْفَ اعتداؤه
وبتُّ أريه الصبرَ كيْفَ يكونُ /