المجموع : 111
طليعةُ جَيْشِكَ الرُّوْحُ الأمينُ
طليعةُ جَيْشِكَ الرُّوْحُ الأمينُ / وظلُّ لوائِكَ الفتحُ المبينُ
وهزةُ رُمْحِكَ الظّفَرُ المُوَاتِي / وَرَوْنَقُ سَيْفِكَ الحقُّ اليقين
وبعض رضاكَ للآجالِ دنيا / وَشُكْرُ نَدَاكَ للآمالِ دين
وكلُّ مُعَرَّسٍ لكَ أو مَقِيْلٍ / بحيثُ تُظنُّ بالنّاسِ الظنون
جلبتَ الخيلَ مُشْرِفَةَ الهوادي / تَعِزُّ على قيادِكَ أو تهون
كآرامِ الصَّرِيمةِ أو مَهاها / وليسَ سِوَى الرِّماحِ لها قُرُون
سوابحَ من غمارٍ في حديدٍ / فما تدري أخَيْلٌ أم سفين
يُلَقّيها الطعانَ ولا يُبَالي / مُشِيحٌ ما يُبِلُّ له طَعِين
يُجَلّلُها ثيابَ مُكَايِدِيْهِ / إذا انْتَفَضَتْ منَ الوَرَقِ الغُصُون
ويوسِعُها بعقرهمُ مجالاً / إذا ضاقتْ عن الطيرِ الوكون
فتىً يزِنُ البلادَ وما عليها / وإن كانتْ خَلاَئِقُهُ تَزين
سما منهُ إلى رُتَبِ المعالي / قويٌّ قد سمعتَ به أمين
بكلِّ مُمَوَّهِ الصّفَحاتِ ماضٍ / تُوَقّيه الحمائل والجفون
من البيضِ الرِّقاقِ إذا انْتَضاهُ / فكلتا راحتيهِ له يَمِين
تأَلَّفَهُ الرَّدى طَرَفيْ نقيضٍ / فَمُشْتَكِلٌ عليه وَمُسْتَبين
فذاكَ الاءُ رقَّ وراقَ حتّى / بدا ما كانَ منهُ وما يكون
وتلكَ النارُ تَصْلاها الأماني / إذا شَبّت وَتَعْبُرُها المنون
سلِ الأذْفُونشَ أين الحربُ منه / وَرُبَّتَما أجابَ المُسْتعينُ
أعدَّ لها الحصونَ مُشَيَّداتٍ / وما تُغْني المعاقلُ والحصون
ولا ردَّ الجيوشَ ولا كفاها / كسيفٍ لا يحار ولا يخون
إذا صدق الحسامُ ومنتضيه / فكلُّ قرارةٍ حصنٌ حصين
وما أسَدُ العرينِ بذي امتناعٍ / إذا لم يَحْمهِ إلاّ العرين
بعينيه سما للكفرِ يوماً / فغصَّ به السُّهولةُ والحزون
نمى طلبيرةَ الدنيا حديثاً / لهُ في كلِّ قاصيةٍ شجون
ألحَّ على الرَّدى فيها غريمٌ / قليلاً ما تُعَنّيه الديون
وقارعَ دونها الحدثانَ مَلْكٌ / سما عنْ كلِّ فوقٍ فهو دون
تُسَائلُ عنه غزية أينَ تَسْري / سراياهُ فتخبرها أرين
وكانتْ لا تدينُ ولا تُدَانَى / فصبَّحها بعزمٍ لا يَدين
وجيشٍ لا يضيءُ الصبحُ منه / مخافةَ أنْ تَنَوَّرَهُ العيون
يَسيلُ على البسيطةِ منهُ سَيْلٌ / عُبَابَاهُ الحوادثُ والشؤون
به خُدَعُ المنى وَرُقَى المنايا / وصَرْفُ الدَّهْرِ يَخْشُنُ أو يلين
وما تدعو الرماحُ وما تُلَبي / وما تُخْفي الصدورُ وما تُبين
وما نمتِ المهارُ أو المهاري / وما اجتبتِ القيولُ أو القيون
سماءُ علاً تلوحُ بها المعالي / نجوماً نَوْءُها الحربُ الزَّبون
وقد هَبّتْ عتاقُ الخيلِ فيها / عواصفَ لا يُتاحُ لها سكون
وأنشاتِ الحتوفُ به سحاباً / فنقعٌ راكدٌ ودمٌ هَتُون
فليتَ أباك حيث يراك تسمو / لها والموت ردءٌ أو كمين
وقد جُنَّتْ فَنُطْتَ على طُلاها / تمائمَ بعضُ ما تَشْفي الجنونُ
أذنْ لنَضَا المشيبَ على الليالي / فتَبْذُلُ بعدَ ذلك أو تَصُون
ولارْتَجَعَ الشبابَ الغضَّ منها / فتعلمَ أنها العلقُ الثمين
وكيفَ رَأتْ طليطلةُ العوالي / بحيثُ تغيثُ باسمكَ أو تُعين
نَسَفْتَ جبالَها بحبالِ موتٍ / تدورُ بها رَحَى الحربِ الطحون
سيشكرُ سيفَكَ الإسلامُ عنها / وإن أبتِ الغلاصمُ والشئون
ولم أرَ قبلها شَجِيَاً بشيءٍ / له في إثر مُشْجِيْهِ حنين
فلولا رِزُّ جَيْشِكَ أسْمَعَتْنَا / عويلاً يُسْتَهَلُّ به الأذين
ولو تسْطيع لارْتَهَنَتْكَ وَعْداً / بيومٍ لا تُقَاوِمُهُ الرُّهُون
ولو كان الخيارُ إلى رُبَاها / دَعَتْكَ وَرَوْضُهَا تَرَفٌ ولين
ولو علمتْ بك الرِّمَمُ الخوالي / وقد خَلَتِ الليالي والقُرُون
لهلَّ إلى ذُراكَ بها سُرُورٌ / بِقُرْبِكَ أُشْرِبَتْهُ وَهْيَ طين
فإن يَمِنِ الصليبُ وناصِبُوهُ / فإنّ غِرَارَ سَيْفِك لا يَمِين
لأمرٍ ما رددتَ الخيلَ عنهمْ / وقد جَعَلَتْ مَحَايِنُهُمْ تحين
وأُسْوَتُكَ الرسولُ وإن يَشُكُّوا / فعندَ جُهَيْنَةَ الخبرُ اليقين
ثناها عن ثقيفٍ والعوالي / بهمْ لَجَبٌ ودُونَهُم رنين
فوافاهُ بهمْ ظمأٌ وَخَوْفٌ / ومقدارٌ أتى بهمُ وحين
وهادَن أهْلَ مكة عَنْ حِمَاها / وقد تكفي عن الحربِ الهُدُون
فما بَرِحُوا بها حتّى أتوها / تُثيرُ النَّقْعَ مَوْعِدُها الحجون
فإن تُحْرِزْ طليطلةَ الليالي / فَسَيْفُكَ يا عليُّ بها ضَمِين
وقد صَلِعَتْ مفارِقُها وشابَتْ / فأينَ الأرْبُ والحِلْمُ الرَّصين
نَفَتْ بُنْيانَها حُمْرث المنايا / وَوَلّتْ وهي تَخْنَى أو تَخُون
وَتَشْكو ثُكْلَهُنَّ إليكَ عَمْداً / وهل يَشْفِي منَ الوَجَعِ الأنين
أميرَ المؤمنينَ وَأيُّ مَجْدٍ / مَكَانُكَ من أرومتِهِ مكين
بهِ اقْتَصَرَ الجَمُوحُ على مَداهُ / وَأعْطَى جَهْدَ طاقَتِهِ الحَرُون
أبا يعقوبَ أنتَ ندًى وبأسٌ / وَإبراهيمُ أنتَ وتاشفين
أولئك رشحوك إلى المعالي / فلا وَكَلٌ ألفُّ ولا ضنين
أبا حسنٍ وغايةَ كلِّ حسنٍ / وفعلُكَ لا يُضَمُّ إليهِ سين
علامَ أضِجُّ منْ ظمأٍ وَضَيْمٍ / بحيثُ عُلاك والماءُ المعين
وكيف أضيعُ أو تُنْسَى حُقُوقي / وباسْمِكَ أسْتَغِيثُ وَأسْتَعين
استوفِ شَأْوَيْكَ من عزٍّ وتمكينِ
استوفِ شَأْوَيْكَ من عزٍّ وتمكينِ / واذهبْ بحظَّيْكَ منْ دنيا ومن دينِ
وَافْرُغْ لشأنيكَ من بأْسٍ ومنْ كَرَمٍ / بطشٌ شديدٌ ومنٌّ غيرُ مَمْنُون
وكِلْ عِدَاك لما تَطْوي صُدُورُهُمُ / يكفيكَ منهمْ ويكفيهمْ ويكفيني
وزاحمِ النجْمَ في عُليا مطالعه / فليس قَدْرُكَ بالأدْنى ولا الدُّون
واجعلْ مُحَيّاكَ لي عبداً أُسرُّ به / فإنْ فعلتَ فما حظّي بمغبون
وارْتَحْ إلى الحمدِ من قُرْبٍ ومن بُعُدٍ / فإنّهُ خُلُقٌ منْ آلِ حَمْدين
الضامنينَ لما قالوا إذا هَرَفَتْ / بعضُ الرجال بِنُكرٍ غيرِ مضمون
والحاكمينَ لما شاؤوا إذا غُمِزَتْ / بعضُ الرجال بمردودٍ وموهون
أقمارُ حُسْنٍ وإحسانٍ أُسودُ شرىً / وغاثةٌ مُزْنُ تأميلٍ وتأمين
ما شئتَ في السّلْمِ منْ حلمٍ ومن كَرمٍ / وفي لظى الحربِ أمثالُ المجانين
إنّ السَّرَاءَةَ لا تزْكُو لِمُختَبِرٍ / حتى يكونَ لها حظٌّ من اللين
منَ الأراقمِ صالوا كلَّ يومِ وغىً / إذْ كلُّ أرْقمَ يعدو فوقَ تِنّين
فازتْ قِدَاحُ أبيهمْ حينض أرْسلَها / بكلِّ عِلْقٍ منَ العلياءِ مَكْنُون
ربيعةُ القُرَشيْ السامي بِهِمَّتِهِ / منهُ إلى نَسَبٍ بالنَّجْمِ مَقْرون
ومن كُلَيْبٍ أفادوا كلَّ مَكْرُمةٍ / قَتْلَ الملوكِ وإحياءَ المساكين
وما أخوهُ عديٌّ إذ يقومُ بها / يومَ الذْنائبِ في وَهْنٍ ولا هون
حياةُ صِدْقٍ ومَوْتٌ في ذُرى كَرمٍ / يا نفسَ كلِّ كريمٍ هكذا كوني
وكم أبٍ لكَ لولا طيبُ عُنصُرِهِ / لم يُوجَدِ الطيبُ طبعاً في الرَّياحين
جنابُكَ للعُلا حِصْنٌ حصينُ
جنابُكَ للعُلا حِصْنٌ حصينُ / وذكرُكَ للمنى دنياً ودين
وأدْنى غايَتَيْكَ لها أَمانٌ / وكلتا راحَتَيْكَ بها يمين
أهابَ بكَ الزمانُ إمامَ عدلٍ / فَلَبَّتْهُ بكَ الحربُ الزبون
حُساماً ما انتضاهُ الدّهْرُ إلا / ليعلمَ مَنْ يَفِي مِمَّنْ يخون
صقيلَ المتنِ رَوْنَقُهُ الأماني / وماضي الحدِّ جَوْهرُه المنون
وَمَضْرِبُهُ جُهَيْنةُ كُلِّ مَجْدٍ / وسَلْهُ فعندهُ الخبرُ اليقين
إذا حَدّثْتَ في الهيجاءِ عنه / فإنَّ حديثَهُ فيها شُجون
إذا اعتمدَ النَّدى غَصّتْ جِفانٌ / وإنْ شَهِدَ الوغى صَفِرَتْ جفون
إلى مَلِكِ الملوكِ هفا بلبّي / وقد سئمتْ نواظرَها العيون
هوىً لو غيرُ ذِكْراه حَبَتْهُ / لكنتُ أقولُ سُكْرٌ أوْ جنون
إلى مَلِكٍ تَعوَّدَ بَسْطَ كَفٍّ / بخالقها تُعين وتَسْتَعين
شديدُ البأسِ في صَوْنِ المعالي / تكادُ تُذيله ممَّا يلين
أَبيٌّ حينَ يغشاها جسورٌ / قويٌّ حينَ يَرْعاها أمين
سطا أسداً وأشرقَ بدرَ تمٍّ / ودارتْ بالحتوفِ رحىً طحون
وأَحْدَقَتِ الرِّماحُ به فَأَعيْا / عليَّ أُهالةٌ حِيَ أمْ عرين
أطلَّ على سريرةِ كلِّ غيبٍ / بفكرٍ لا تُخَالِجُهُ الظنون
فما للماءِ في أرضٍ ركودٌ / ولا للنارِ في حَجَرٍ كمون
تَشَوَّفَتِ الملوكُ هوىً وَذُعْراً / إلى مَلِكٍ يُدان ولا يَدين
إلى مُتَهَلّلِ القَسِمَاتِ طَلْقٍ / كأنَّ سَنَا الصبَّاحِ له جبين
جوادٌ بالديارِ وما حَوَتْهُ / ولو أنَّ الزمانَ بها ضنين
تَعِزُّ به الركائبُ والقوافي / إذا كانتْ بأقوامٍ تهون
أبا حَسضنٍ ومولى كلِّ حُسْنٍ / دعاءً لا يَميلُ ولا يَمين
قد اهتزَّتْ بأنْعُمِكَ الليالي / كما تهتزُّ بالثَّمَرِ الغصون
أدَرْتَ على البسيطةِ كأسَ طيبٍ / تَعَاطَتْهُ السُّهولةُ والحزون
فكلُّ قرارةٍ مِسْكٌ فتيقُ / وكلُّ مُنيفةٍ عِلْقٌ ثَمين
طليعةُ جيشك الظَّفَرُ المواتي / وظلُّ لوائكَ الفتحُ المبين
عُقابٌ كلَّما أمْسَتْ بأَرضٍ / فليسَ سوى الصدورِ لها وكون
رفعتَ على التُّخومِ مَنَارَ عَدْلٍ / أنارَ وهذه الأيامُ جون
إذا وَعَدَ الزمانُ سرورَ شيءٍ / فمنكَ عليه نَذْرٌ أو يمين
أَحِنُّ إليكَ واسألْ بي وسلني / وغايةُ كلِّ مَنْ نَزَعَ الحنين
ودونكَ كلُّ مَوْمَاةٍ فَيَاحٍ / كأنَّ نهارها قَلْبٌ حزين
وَنَتْ فيها الرِّياحُ الهوجُ حتَّى / كأنَّ ظهورَها العُليا بُطُون
إذا سرَّحْتَ طَرفَكَ قلتَ بحرٌ / يذلُّ الطَّرفُ فيه ويستكين
وقد لمعَ السرابُ فقلتَ ماءٌ / وجالَ الضبُّ فيه فقلتَ نون
كأنَّ هِضَابِها والآلُ يَنْزُو / بها مَوْجٌ تَرَاقصَ أوْسَفِين
وأُخْرَى مِثْلُها إلا غَوَاشٍ / كأنَّ قعيدَها مَيْتٌ دفين
كأنَّ عمادَها كُثْبَانُ رَمْلٍ / إليكَ وقد تكونُ لها شئون
وليَّ العهدِ لي بهواكَ عَهْدٌ / كأنَّ مدائحي منه يمين
سددتَ مَفَاقري وَأشَدْتَ باسْمي / فذلَّ الصَّعْبُ وَانقادَ الحرون
وَخُيّلَ لِيْ الغِنَى فنطقتُ عَنْهُ / لِعِلْمي أنَّهُ مما يكون
أَريقُ ثَغْرِكِ أمْ ينتُ الزَّراجين
أَريقُ ثَغْرِكِ أمْ ينتُ الزَّراجين / وَعَرْفُ نَشْرِكِ أم مِسْكٌ بدارينِ
ولحظُكِ الغَنِجُ السحّارُ أم قَدَرٌ / أم ذو الفَقَارِ مَضَى في يومِ صفين
وثغرُكِ الشَّنِبُ الوضّاحُ أم بَرَدٌ / أم بارقٌ من رِضَاكِ اليوم يثنيني
إذا بدا ليَ دُرٌّ منهُ مُنْتَظِمٌ / نَثَرْتُ لؤلؤَ دمعي غيرَ مكنون
وماءُ خَدِّكِ أمْ خَمْرٌ بكأسِ مها / يروقُ في حُسْنِ إشراقٍ وتلوين
وَقدُّك الناعمُ الريَّانُ أمْ غُصُنٌ / يميسُ ليناً على كثبانِ يَبْرين
إذا انثنى وَهَفا مرُّ النسيمِ به / فأينَ منه قضيبُ البانِ في اللين
جسمٌ براهُ الإله حينَ صوَّرَه / منْ ماءِ لؤلؤة والناس من طين
وحاشَ للهِ أن يُعْزى إلى بشرٍ / أوْ أنْ يُضافَ لحسنِ الخُرَّدِ العِين
أضْحَتْ يدُ الحُسْنِ في ديباجِ وجْنَتِهِ / تُنَمْنِمُ السّحْرَ منها في أفاين
وَفَتحَتْ إذ جرى ماءُ الشباب بها / ورْدَ المحاسنِ أَو وردَ البساتين
واهاً لقلبيْ وقد أودتْ به حُرَقٌ / من شادنٍ غَنِج بالوصلِ ضِنّين
يُديرُ لي مُقَلاً مَرْضى بِلا سَقمٍ / يُمِيتُني تارةً فِيها ويُحْييني
نَفْسي الفداءُ له منْ كلِّ نائبةٍ / وإنْ يكنْ هُوَ منها لا يُفَدّيني
لا حظَّ منهُ سِوَى عَيْنِ مُسَهَّدَةٍ / عَبْرَى وَشَوْقٍ إلى كَفيْهِ يُخْديني
أُعَلْلُ النَّفْسَ فيه بالمُنَى خُدَعاً / وإن يكنْ في هواهُ ليس يُجْديني
كم عاذلٍ رامَ عَذْلي فيهِ قلتُ له / لا تَعْذُلَنّي فإنَّ العَذْلَ يُغْريني
قالوا ضَلَلْتَ طَرِيقَ الرُّشْدِ قلتُ لهم / يهنيكمُ الرشدُ إنَّ الغيَّ يَهْنيني
حَسْبي هواهُ ولا أبْغِي به بَدَلاً / فقمتُ منهُ بحظٍّ غيرِ مَغْبُون
واللهِ لا ضِقْتُ ذَرْعاً ما حَييتُ به / فخلِّني اليومَ يَبْريني وَيُضْنيني
كم زفرةٍ تَسْتَعيرُ النارُ وَقْدَتَها / ولوعةٍ طَيَّ أضْلاعي تُناجيني
وَبَرْحِ بثٍّ ووجدٍ مُؤْلمٍ وجوًى / بينَ الحَشَا ليس يَبْلى وهو يُبْليني
هوىً تعسفتُ منهُ كلَّ مُهْلِكَةٍ / وَظَلْتث أخبطُ في أهوالهِ الجون
وَخُضْتُ منهُ غمارَ الموتِ مُقْتَحِماً / وقلتُ فيه لِلَوعَاتِ الأسى بِيني
ما بالُ دضمْعِي مُطيعاً في هَواه وما / لِحُسْنِ صَبْريَ فيهِ لا يُوَاتيني
كأنَّ دمعيْ وقد غَصَّتْ مسارِبُهُ / شجوٌ تَضايَقَ في أحشاء محزون
إيهٍ أبا قاسمٍ ما لي ظمئتُ وفي / كفّيك ريّيَ أنْ لو شِئْتَ تُرويني
وما يَصُدُّكَ عنْ أشواقِ مُكْتَئِبٍ / مُغرىً بحبكَ صبٍّ فيك مَفْتون
كنْ كيفَ شئتَ فحسبي لا أَحولُ وإن / لم أُمسِ منكَ على قُرْب وتمكين
أنتَ الحياةُ ومالي عنكَ منْصَرَفٌ / وأنت حظّيَ من دنيا ومِنْ دين
حَوَيْتَ الشكرَ مِنْ بُعدٍ وأيْنِ
حَوَيْتَ الشكرَ مِنْ بُعدٍ وأيْنِ / وحُزْتَ الفخرَ مِنْ أثرٍ وَعَين
فلا صَفِرَتْ يداكَ منَ المعالي / فإني منكَ مملوءُ اليدين
وَلُحْ بينَ النجومِ أعزَّ منها / فإنّكَ بينَ أيّامي وبيني
وما تنفكُّ ردْءاً للمعالي / وزيناً للأنامِ وأيَّ زين
أَنَوءَ المِرْزَمَيْنِ إليكَ عنّي / ففي يمناهُ نوءُ المرزمين
لديه صار شَمْلي كالثريّا / وكانَ بغيرِهِ كالشّعْرَيَين
فقلْ للفرقَدَيْنِ يُسامِياني / إلى خطَّينِ أو في خطّتَين
إذا أصغَى الوزيرُ إلى ثَنَائي / فإني ثالثٌ للفرقدين
فذر يَزَنٍ أنا أو ذو نُواسٍ / ومعذرةُ الإلهِ لذي رُعَيْن
إليكَ تدافعتْ خُوْصُ المطايا / بِجَوْبِ الأرْضِ بين وجىً وأين
بكلِّ مقلّصِ السّربالِ ضرْبٍ / عزيزٍ في صُرُوفِ الدهر بين
سَما من جانِبَيْهِ إلى المعالي / على خطَرٍ منيعِ الجانبين
يخوضُ إليكَ غمرةَ كلِّ هولٍ / إذا لم يَصْلَ جاحمَ كلِّ حَيْنِ
ويخترقُ الدُّجضى جُنْحاً فَجُنْحاً / وقد رانتْ عليه كلَّ رَيْنِ
إلى أنْ ساعَفَتْكَ به الليالي / على صِدْقٍ حَذَتْه به وَمَيْن
وَقَبَّلَ رَاحَتَيْكَ فلا تَلُمْني / إذا ما قلتُ قَبَّلَ دِيمَتَين
تَقَلَّدْتَ النَّدى والبأسَ عمداً / فَصُلْتَ بأبيضينِ مُهَنّدين
وَخُيّرْتَ الثراءَ أوِ المَعَالي / وتاهَ الناسُ قِدْماً بينَ ذَيْن
وكانا خُطَّتَيْ كَرَمٍ ولكنْ / سَمَوْتَ إلى أجلِّ الخطتين
نَضَتْ دارُ الخلافةِ منكَ نَصْلاً / صقيلَ المتنِ ماضِيْ المضْرِبين
جَرَى الموتُ الزؤامُ على قَرَاهُ / كآثارِ النّيالِ على اللُّجَيْن
وَأيْنَ السيفُ نسبتُكَ ابنُ قيلٍ / وَحَسْبُ السَّيْفِ أنْ يُدْعَى ابنَ قين
أقمتَ العدلَ بالقِسْطَاسِ فينا / ولم تحفلْ بعذلِ العاذلين
وكمْ منْ لائمٍ لكَ في المعالي / كأنَّ له عليكَ فضولَ دين
أتاكَ بِنُصْحِهِ جَوْراً وَجهلاً / كما نَصَح الأمينَ أبو الحسين
أذلُّ لديكَ منْ وَتِدٍ بقاعٍ / وَأقْبَحُ فيه من بَرَصٍ بكين
فآبَ اليومَ منك وليس يَدْري / بخطِّ الباهليِّ من الحُضين
أنا أُهْدِي إليكَ الشعرَ حقاً / وبعضُ الشعر همزةُ بينَ بين
ولي أدَبٌ أمتُّ إليكَ منه / بأنصاريَّة وبهجرتين
ولما كنتَ بغدادَ القَوافي / جلبتُ إليكَ ماءَ الرافدين
وكم جارٍ ليدرِكَ منْ غُباري / تردَّى لِلْجَبينِ ولليدين
وقدْ وَأبيكَ أعْذَرَ غيرَ آلٍ / ولكنّي بعيدُ الغايتين
وَأنتَ أبا الحسينِ لنا ربيعٌ / على رَغْمِ الذينَ أو اللَّذَيْن
سَدَدْتَ مَفَاقِري وَأشَدْتَ باسمي / فها أنا منكَ بينَ عِنَايَتَيْنِ
كفيتَ تصاوُنِي وكففتَ فَقري / بقاسٍ منْ شُئُونيَ أو بِلَيْن
وقدماً كنتُ بينهما كأني / أسيرُ اثنينِ أو زوجُ اثنتين
أُلاقي ذا وذلكَ منْ مديحي / بأضيعَ من دُرَيْد في حُنَين
وألتمسُ العَلاء بغيرِ مالٍ / سِوَى الشّكْوَى بِقَلْبٍ أو بعين
وما تُغْني الصلاة بلا طَهُورٍ / ولو شُرِعَتْ بِطُولى الطُّولَيَين
فعدتُ كأنني غذ قلَّ مالي / خشيتُ عليه أختَ بني خشين
أهنّيكَ المكارمَ والمعالي / وإنكَ منهما في حِلْيَتَيْن
وفتحاً كنتَ أحْظَى النّاسِ فيه / فدونكَ أكرمَ الأكرومتين
وإن العيدَ جاءَك وَهْوَ يَسْعى / على وَجَلين من هجرٍ وبين
جعلتُ به رِضاكَ بديلَ حَجّي / فيهنيني أَبرُّ المَنْسِكَيْن
تَناصُرُ الشيبِ في فَوْدَيْهِ خِذْلانُ
تَناصُرُ الشيبِ في فَوْدَيْهِ خِذْلانُ / إنَّ الزيادةَ في النُّقْصان نُقْصانُ
لا تغْتَررْ بعيونٍ ينظرونَ بها / فإنما هيَ أحداقٌ وأجفانٌ
كمْ مُقْلَةٍ ذهبتْ في الغيِّ مذهبها / بنظرةٍ هي شانٌ أو لها شان
رهْنٌ بأضغاثِ أحلامٍ إذا هجعت / وربَّما حَلِمَتْ والمرءُ يقظان
فانظرْ بعقلكَ إن العينَ كاذبةٌ / واسمعْ بِحسّكَ إن السمعَ خوَّان
ولا تقُلْ كل ذي عينٍ له نَظرٌ / إن الرعاةَ تَرَى ما لا يرى الضان
دع الغنى لرجالٍ ينْصَبُونَ له / إنَّ الغِنَى لفضولِ الهمِّ مَيْدان
واخلعْ لَبُوسَكَ من شحٍّ ومن أملٍ / لا يقطعُ السيفُ إلا وهو عريان
وصاحبٍ لم أزلْ منه على خَطَرٍ / كأنَّني علمُ غيبٍ وهو حَسَّان
أغراهُ حظٌّ توَخّاه وأخطأني / أما درَى أن بعض الرِّزقِ حِرْمان
وَغَرَّه أنْ رآه قد تَقَدَّمَني / كما تَقَدَّمَ بسم الله عُنْوانُ
إني استجرتُ على ريبِ الزمان فتًى / إلا يكنْ ليثَ غابٍ فهو إنسان
حسبي بِعُلْيَا عليٍّ معقلٌ أشِبٌ / زمانُ سَيْري به في الأرض أزمان
صعبُ المراقي ولكنْ ربما سَهُلَتْ / على المُنى منه أوْطارٌ وأوطان
الواهبُ الخيلَ عِقْباناً مُسَوَّمَةً / لو سُوِّمتْ قبلها في الجوِّ عقبان
من كلِّ ساع أمامَ الريح يَقْدُمُها / منهُ مهاةٌ وإن شاءتْ فسرحان
دُجُنَّةٌ تصفُ الأنوارَ غُرَّتُها / وَنَبْعَةٌ يَدَّعي أعْطَافَها البانُ
عصا جَذِيمةَ إلا ما أُتيح لها / من أمرِ موسى فجاءَتْ وَهْيَ ثعبان
هيمٌ رواءٌ لو أن الماءَ صافحَها / لزالَ أو زلَّ عنها وهو ظمآن
يَكادُ يَخْلَقُ مُهْرَاقُ الدماءِ بها / فلا تَقُلْ هي أنْصَابٌ وأوثان
مَوْتَى فإن قَلِقَتْ أجفانُها علمتْ / أنَّ الدروعَ على الأبطالِ أكفانُ
نفسي فداؤكَ لا كفؤاً ولا ثمناً / ولو غدا المُشْتَري منها وكيوان
والتبرُ قد وَزَنُوه بالحديدِ فما / ساوَى ولكن مقاديرٌ وأوزان
قُوْمِي إذا شئتِ فَهَنّيني
قُوْمِي إذا شئتِ فَهَنّيني / قد زُفّتِ الدُّنيا إلى الدين
وَخُذْ حديثي عنْ بلوغِ المنى / ما بينَ مَضْنونٍ وَمَظْنُونِ
بُشْرايَ بُشْرايَ وَهضنّيني / أنتِ بمنٍّ غيرِ ممنون
أقولُ لما فازَ قِدْحِي به
أقولُ لما فازَ قِدْحِي به / منْ لكمُ بي والسُّها دوني
قد طلع البدرُ فأهلاً به / مُطالِعاً بالسَّعْدِ مَقْرُون
غيثٌ هي بالمجدِ في رَوْضَةٍ / ما شئتَ منْ عزٍّ وتمكين
فانتشقا نَشْرَ التُّقَى إنَّهُ / أطْيَبُ مِنْ نَشْرِ الرَّياحين
والتمحا زَهْرَ العُلا إنه / أَوْما إلى زهْرِ البساتين
وبأبي كيفَ تجلَّيْتُما / عن كلِّ تأميلٍ وتأمين
وكيف جاءوك بشمسِ الضحى / والليلَ في أثوابهِ الجون
جاءوك بالسّحْرِ ولا بابلٌ / والمسكِ لا من أُفْقِ دارين
واستودعوها قُبّةً سَمْكُها / أجْنِحةُ الطَّيرِ المآمين
إلا تكنْ عدناً ففي ظلّها / أنتَ وإحدى حُورِها العِين
إيهٍ أبا بكرٍ وهذي المنى / تَفْتَنُّ منها في أفانين
يا جُمْلَةَ العلم وتفصيلَه / منْ كل مَفْروضٍ ومسنون
إن جيءَ قومٌ بدواوينهمْ / فأنتَ ديوانُ الدواوين
بمنْ يباهي القوم أعداءهم / في كلِّ حَفْلٍ منكَ مفتون
قد أقْفَرَتْ منكَ ميادينُنَا / فأصبَحَتْ غيرَ ميادين
تَعَضُّ من شوقٍ ومنْ حسرةٍ / على يَدَيْ لهفانَ مغبون
وكلما سِرْتَ إلى بلدةٍ / نادتْ بأعلى الصوتِ يكفيني
حتى إذا أُوطِئْتَ حمصاً أتتْ / تَنْظُرُ في أعْطافِ قارون
زاحمْ بركنٍ غيرِ مَوْهُونِ / منْ كلِّ تحسينٍ وتحصين
فقد صفا عيشُكَ فانْعَمْ به / فهو متاعٌ لا إلى حين
أقولُ وَهزَّتني إليكَ أريجةٌ
أقولُ وَهزَّتني إليكَ أريجةٌ / كما مالَ غُصنٌ أو تَرَنَّحَ نشوْانُ
وفي المهدِ مبغومُ النداءِ وكلما / أهابَ بشوقي فهوَ قسٌّ وسحبان
يَجِدُّ بقلبي حُبُّهُ وهو لاعبٌ / ويبعثُ همّي ذكْرُه وهو جذْلان
وأُخْرى قد استفَّ الزمان شَبابها / ولم يُرْوِها إنَّ الزمانَ لظمآن
حناها فأمستْ كالهلالِ وزادها / صباحَ مشيبٍ غالها منهُ نقصان
ولم أرَ كالتَّقْويسِ شيئاَ هو البِلى / ولا سيَّما إنْ قام بالشَّيبِ بُرْهان
بكتْ ولأمرٍ ما بكتْ أُمُّ واحدٍ / لها كلّ يومٍ من تَفقُّدِهِ شان
إذا ما التقتْ أَجْفانُها ودموعُها / ففي كلِّ شيءٍ لي دموعٌ وأجفان
تقول أبا يحيى وتعرض لوعةً / بذكري فيلتفُّ ارتياح وريحان
وليسَ بيَ الإضرابُ عنكَ ولا بها / ولكنَّ إشفاقَ الوحيدة سلطان
وجازعةٍ للبينِ مثلي ولم تَكُنْ / لِتَسْلُو ولو أنَّ التَّلاقيَ سلوان
تصدَّتْ لتوديعٍ فكادتْ يؤُودُها / قلائِدُ فيها من دموعيَ ألوان
وجودُ أميرٍ كلما مرَّ ذكرهُ / فهاتِ اسقني إنَّ الأحاديث ألحان
فتىً قلما تلقاهُ إلا مُرَحباً / تلوذُ بِحقويْهِ كُهولٌ وشُبَّان
وليس بموسى غيرَ أنّي رأيْتُهُ / وكلُّ قناةٍ دون عَلياه ثُعْبان
ولا هو نوحٌ غير أني رأيتُهُ / وَرَأْفَتُهُ جُوْدِيْ وَجَدْوَاهُ طوفان
يا مَنْ تَكَهّنَ بالسُّلْوانِ أُدْرِكُهُ
يا مَنْ تَكَهّنَ بالسُّلْوانِ أُدْرِكُهُ / إن صحَّ فَهْوَ لما أنبأتَ حُلْوَانُ
أتَفْرَقُونَ لإنكاريْ ملامَكُمُ / يا قومُ مَهْلاً فما ذا اللومُ فرقان
قالوا رُزْقِنَا اعْتِصَاماً من صَبَابَتِكم / وإنَّما ذاكَ لو تدرونَ حرمان
يا لابساً عزَّةَ المولى أنافِعَتي / لديكمُ طاعةٌ منّ وَعِصْيان
ويا مليّاً بدَينٍ ليسَ يُثْقِلُهُ / هلْ يَنْقَضي منكَ لي مَطْلق وَلَيان
أعِنْدَكَ الخَصِرُ السَّلْسَالُ مَوْرِدُهُ / ولا يفوزُ بِرِيٍّ منهُ ظمآن
سوادُ قلبيَ لو تَدْري مَوَاقِعَهُ / أمِنْهُ صُوِّرُ في خَدَّيْكَ خِيْلان
خُذا حَدِّثاني عن فُلٍ وفُلانِ
خُذا حَدِّثاني عن فُلٍ وفُلانِ / لعلّي أرى باقٍ على الحدثان
وعن دُولٍ جُسنَ الديارَ وأهلِهَا / فَنِيْنَ وصرفُ الدَّهْر ليس بفان
وعنْ هَرَميْ مِصْرَ الغداةَ أَمُتّعا / بشرخِ شبابٍ أم هما هَرِمان
وعن نخلتَيْ حُلوان كيف تَنَاءَتا / ولم يطويا كشحاً على شنآن
وطالَ ثواءُ الفرقدين بِغِبْطَةٍ / أما علما أَن سوفَ يَفْترِقان
وزايلَ بين الشعريين مُصَرِّفٌ / من الدهر لا وانٍ ولا مُتَوان
فإن تذهبِ الشّعْرى العبورُ لشانها / فإن الغُميصا في بَقِيّةِ شان
وجُن سهيلٌ بالثريَّا جنونَهُ / ولكنْ سلاهُ كيفَ يلتقيان
وهيهاتِ من جورِ القضاءِ وعَدْله / شآميةٌ ألوتْ بِدَيْنِ يمان
فأجمعَ عنها آخرَ الدهر سَلْوَةً / على طَمَعٍ خَّلاهُ للدَّبرانِ
وأعْلَنَ صَرْفُ الدَّهْرِ لابْنيْ نُوَيْرَةٍ / بيوم ثناءٍ غالَ كلَّ تداني
وكانا كَنَدْماني جذيمةَ حِقْبَةً / من الدَّهْرِ لو لم تَنْصَرِمْ لأوان
فهانَ دمٌ بين الدَّكادكِ واللّوى / وما كانَ في أمثالها بمهان
فضاعتْ دموعٌ بات يَبْعَثُها الأسى / يُهَيّجِهُ قبرٌ بكلِّ مكان
ومالَ على عبسٍ وذبيانَ مَيْلَةً / فأَوْدى بِمَجْنيٍّ عليه وجاني
فَعُوجا على جَفرِ الهباءةِ عَوجةً / لضيعةِ أعلاقٍ هناك ثَمَاني
دماءٌ جرت منها التلاع بملئها / ولا ذَحْلَ إلا أن جرى فَرَسان
وأيَّامُ حرب لا يُنادى وَليدُها / أهابَ بها في الحيِّ يومُ رهان
فباتَ الرَّبيعُ والكلابُ تَهُرُّهُ / ولا مثلَ مُودٍ مِنْ وراءِ عمان
وأَنْحَى على ابني وائلٍ فَتَهَاصَرا / غُصُونَ الرَّدى من كَزةٍ وَلِدَان
تَعَاطَى كُلَيْبٌ فاستمرَّ بِطَعْنَةٍ / أقامَتْ بها الأبطالُ سُوقَ طِعان
وباتَ عديٌّ بالذنائبِ يَصْطَلي / بنارِ وغلاً ليستْ بذاتِ دُخَانِ
فَذلَّتْ رقابٌ من رجالٍ أعزَّةٍ / غليهمْ تَناهى عزُّ كلِّ مكان
وهَبُّوا يلاقون الصوارمَ والقنا / بكلِّ جَبينٍ واضحٍ وَلَبان
فلا خدَّ إلا فيه حدُّ مهنَّدٍ / ولا صدرَ إلا فيه صدر سنان
وصالَ على الجَوْنَينِ بالشّعْبِ فانثنى / بأسلابِ مطلولٍ ورِبْقَةِ عان
وأمْضى على أَبناءِ قَيْلَةَ حُكْمَهُ / على شرِسٍ أدْلَوْا به وَليان
ولو شاءَ عُدوان الزمان ولم يَشا / لكانَ عذيرَ الحيِّ من عَدَوَان
وأيُّ قبيلٍ لم يُصدَّعْ جَمِيعُهُمْ / بِبَكْرٍ من الأرْزَاءِ أو بِعَوان
خليليَّ أبْصَرْتُ الردى وسَمِعْتُهُ / فإنْ كُنْتُما في مِرْيَةٍ فَسَلاني
خُذَا مِنْ فمي هَّلا وسوفَ فإنني / أرى مِنهما غيرَ الذي تَرَيان
ولا تعداني أنْ أعيشَ إلى غدٍ / لعلَّ المنايا دونَ ما تعدان
وَنَبّهني ناعٍ مع الصُّبْحِ كُلَّما / تَشَاغَلْتُ عنه عنَّ لي وعناني
أَغَمّضُ أجفاني كأنّيَ نائمٌ / وقد لَجّتِ الأحشاءُ في الخَفَقَان
أبا حسنٍ أما أخوكَ فقد قَضَى / فيا لهفَ نفسي ما التقى أخوان
أبا حسنٍ إحدى يديكَ رُزِئْتَها / فهلْ لكَ بالصَّبرِ الجميلِ يدان
أبا حسنٍ أعْرِ المذاكيَ شُزَّباً / تجرُّ إلى الهيجاءِ كلَّ عنان
أبا حَسَنٍ ألْقِ السَّلاحَ فإنها / مَنَايا وإن قالَ الجهولُ أماني
أبا حسنٍ هل يدفعُ المرءُ حَيْنَه / بأيدِ شُجَاعٍ أو بكيد جبان
أبا حسنٍ إن المنايا وُقِيتَها / إذا أبلغت لم تتبع بضمان
أقول كأني لستُ أحفلُ وانبرتْ / دموعي فأبدتْ ما يُجِنُّ جَناني
أبا حسنٍ إن كان أوْدَى مُحَمَّدٌ / وهيهات عَدْوي فيكَ مِنْ رسفاني
أجِدَّكَ لم تَشْهَدْهُ إذا أحدَقُوا به / ونادى بأعلى الصوتِ يا لَفُلان
تَوقوْهُ شيئاً ثم كَروُّا وجَعْجَعوا / بأَرْوَعَ فَضْفاضِ الرِّداءِ هِجان
أخي عَزَماتٍ لا يزالُ يَحُثُّهَا / بحزمٍ مُعينٍ أو بِعزْمِ مُعَان
رأى كلَّ ما يستعظمُ الناسُ دونَهُ / فولَّى غنياً عنه أو متغاني
فتىً كان يضعْرَورِي الفيافيَ والدُّجى / ذواتُ جماحٍ أو ذَوَاتُ حران
تَدَاعَتْ له أبياتُ بكرِ بنِ وائلٍ / ولم تُرْجِعْنَهُ لا ظَفِرْتِ بِثان
قليلُ حديثِ النَّفْسِ فيما يرُوعُهُ / وإن لم يَزَلْ من ظَنّه بِمكان
أبيٌّ وإنْ يتبع رضاهُ فَمُصْحِبٌ / بعيدٌ وإن يُطْلَبْ جَدَاه فدان
لك اللهُ خوَّفْتَ العدا وأمِنْتَهُمْ / فَذُقْتَ الرَّدى من خِيْفةٍ وأَمان
إذا أنتَ خَوَّفْت الرِّجالَ فَخَفْهُمُ / فإنَّكَ لا تُجْزى هوىً بِهَوان
رِياحٌ وَهَبْهَا عَارَضَتْكَ عَوَاصِفاً / فكيف انثنَى أو لانَ رُكْنُ أبَان
بلى ربَّ مشهورِ البلاءِ مُشَيَّعٍ / قتيلٍ بمنخوبِ الفؤادِ هِدَان
أُنِيحَتْ لبسطامٍ حديدةُ عاصِمٍ / فخرَّ كما خَرَّتْ سَحُوقُ لِيَان
بنفسي وَأهْلي أيُّ بَدْرِ دُجُنَّةٍ / لستٍّ خَلَتْ منْ شهْرِهِ وثمان
وأيُّ أبيٍّ لا تقومُ له الرُّبَى / ثَنَى عَزْمَهُ دونَ القرارةِ ثان
وأيُّ فتىً لو جاءكمْ في سلاحه / متى صَلُحَتْ كفٌّ بغيرِ بَنَان
وما غرَّكُمْ لولا القضاءُ بباسِلٍ / أصاخ فقعقعتمْ له بِشِنَان
يقولون لا تَبْعَدْ وللهِ دَرُّهُ / وقد حِيلَ بين العَيْرِ والنَّزَوان
ويأْبَوْنَ إلا لَيْتَه وَلَعَلَّهُ / ومنْ أينَ للمقصوصِ بالطيران
رويدَ الأمَاني إنَّ رزءَ محمدٍ / عَدَا الفلكَ الأَعْلَى عنِ الدوران
وَحَسْبُ المنايا أنْ تفوزَ بِمِثْلهِ / كفاكِ ولو أخطأتِهِ لكفاني
سقاكَ كدمعي أو كجودك وابلٌ / من المزنِ بين السحِّ والهَمَلان
شآبيبَ غيثٍ لا تزالُ مُلثَّةً / بقبرِكَ حتى يلتقي الثَّريان
أبا حسنٍ وفِّ اعتزاءَك حَقَّهُ / فقد كنتما أُرْضِعْتُما بلبان
تماسكْ قليلاً لستَ أولَ مبتلىً / ببينِ حبيبِ أو بغَدْرِ زمان
أثاكِلَتَيْهِ والثَّواكِلُ جَمَّةٌ / لو أنكما بالنَّاسِ تأتسيان
أذيلا وَصُونا واجْزَعا وتَجَلَّدا / ولا تأخُذا إلا بما تَدَعان
وعُودا على الباقي المخلَّفِ فيكما / بفضلِ حُنُوٍّ منكما وحنان
خُذاهَ فَضُمَّاه إلى كَنَفَيْكُما / فإنّهُما للمجدِ مُكْتَنِفَان
سدىً ليس يَدْري ما السرور وما الأسى / مُحِيلٌ على ضَعْفَيْ يدٍ ولسان
لعلكما إن تستظلاَّ بظلّهِ / غداً إنَّ هذا الدَّهرَ ذو ضربان
لشعركما السلوانُ إن محمداً / مجاورَ حُورٍ في الجِنَانِ حسان
أقولُ وَضِقْتُ بالحدثانِ ذَرْعاً
أقولُ وَضِقْتُ بالحدثانِ ذَرْعاً / وقد شَرِقَتْ بأدْمُعِهَا الجفونُ
كذا تبكي الرياضُ على رُباهَا / وَتَذْوِي في مَنَابِتها الغُصُون
أيا أسفاً على دنيا ودينٍ / وحَسْبُكَ من هوًى دنيا ودينُ
ووأسفاً على غَفَلاتِ عيشٍ / تَخَوَّن عَهْدَها الزَّمَنُ الخَئُون
أُصِبْتُ بملءِ بُرْدَيْها عَفافاً / وعندَ مُصابها الخبرُ اليقين
بقائمة الدُّجى جنحاً فجنحاً / إذا ازدَحمَتْ على النومِ الجفون
وصائمة الهجيرِ وقد توارى / خلالَ الطُّحلُب الماءُ المعين
بنفسي نَعْشُها المحمولُ نَعْشاً / له ممّا تَحَمَّلهُ أنين
أظَلّتْهُ الملائكُ واسْتَقَلّتْ / به الرُّحْمَى وشَيّعَهُ الحنين
وَبُشّرَتِ الجنانُ وساكنوها / وأوْحَشَتِ السُّهولة والحُزون
على الدُّنيا العفاء ولستُ أكني / فما تنفكُّ تُخْني أو تخون
تَهُدُّ بناءها وتلي بنيها / بداهيةٍ تشيبُ لها القُرُون
وما أبقى النفوسَ على خطوبٍ / لها يُسْتَرْخَصُ العِلْقُ الثمين
وأحمَلَها لفادحةِ الرَّزايا / إذا لم تحملِ الورقَ الغصون
تَقَيَّلْتُمْ أبا حربٍ فسُدْتُم / وكلكمُ بِسُؤْدَدِهِ قمين
مضى وخَلَفْتموهُ على معالٍ / لكم تدنو وبينكَمْ تدين
بأربعةٍ همُ أركانُ رَضْوى / فنعمَ الكهفُ والحصنُ الحصين
وأخرى غالَها صرفُ الليالي / فأَقْوى الرَّبْعُ واحْتَمَلَ القطين
أمهجةُ بانَ من تَهْوِينَ حقاً / فَصَبراً إن تُغَالِبْك الشئون
وقلْ للحاملينَ النعشَ حقاً / حملتمْ من باحشائي دفين
قعيدكِ يا منونُ فقد تَنَاهى / بنا الأحْزَانُ واشتدَّ الحنين
أأخوتها وإبراهيمُ فيكم / صغيرٌ ما تجفُّ له جُفُون
فَكُونوا حَوْلَهُ صَوْناً وَرِدْءاً / فإنَّ الفَرْعَ تَكْنُفُهُ الغصون
يعزُّ عليَّ نيلُ الدهرِ منكمْ / وإن قالتْ حُلومُكُمُ تَهُون
أجِدَّكُمُ بكتْ هضباتُ رضوى / فكادَ الحزن فيها يستبين
وأشفقتِ النجومُ الزُّهرُ حتى / تبدتْ في النواظِر وهي جون
أما وفقيدِكمْ قَسَماً عظيماً / أُذيلُ له القصائد أو أُهين
لقد راعتْ صروفُ الدهرِ منكمْ / أُسُوداً ليس يَحْوِيها عرين
خُذُوا للصَّبْرِ أقربَ مَأْخَذَيْهِ / وإنْ أبتِ البلابلُ والشجون
فإنَّ الحرَّ أكثر ما تَراهُ / به الأَرزاءُ أصْبَرُ ما يكون
هوىً قاتلٌ ينتابُهُ الهجرُ والنَّوى
هوىً قاتلٌ ينتابُهُ الهجرُ والنَّوى / فقلْ أيَّ شيء قبلُ منها أُحاوِلُهْ
ومُغرىً بقتلي لحظُهُ مَشرَفيَّةٌ / يقيه الردَّى مُشْتَاقُهُ وهو قاتله
غزالٌ سقاهُ خَمْرَهُ الحسنُ فانْتشى / ومالَ دلالاً وازْدَهَتْهُ دلائله
أحَلّتْ دمي أحْكَامُهُ فأَسالَهُ / بلحظٍ ينالُ الشيءَ قَبْلَ يُحَاوِلُه
رشا عطَّلَتْ ما في الجفونِ جُفُونُهُ / وألقتْ على ما في الشَّمولِ شمائله
حياتي ومالي لا أقولُ وميتتي / شفاءُ غليلي ما حَوَتْهُ غلائله
ومن لي بغَرْثانِ الوشاحِ مُهَفْهَفٍ / يُجَاذِبُ عِطْفَيْهِ الصّبا ويُغازِله
فَسَلْني به أوْ سلهُ بي أيّ شادنٍ / لهُ سِمةٌ من دهرهِ لا تُزَايله
وحسبي به مهما تجافى وإن جَفَا / وزيرٌ أدَلَّتْني عليه فضائله
مِحَشُّ حروبٍ حِلْف كلِّ تَنُوفةٍ / قَنَاهُ بها مَنْصُوبةٌ وَقَنابِلُهْ
بني بَيْتَهُ في الحربِ مُشْتَجِرُ القَنَا / وبيضُ الظُّبا ما بينهنَّ جداوله
ينيرُ هلالاً في دُجى هَبواتِنَا / فتطلعُ شُهباً في سَمَاها ذَوَابِلُهُ
يسلُّ من العزمِ المُؤَيَّدِ صارماً / يودُّ القَضا أنْ لو غدا وهو حامله
ملاذاُ لملهوفٍ وأمناً لخائفٍ / وعصمةَ جانٍ أوْبَقَتْهُ أباطله
بنى مَجْدَهُ حَرْساً وبأسْاً ونائلاً / ولم يُلْهِهِ ما شَيَّدَتْهُ أوَائِله
كذا فليكنْ بانيه لا كَمَنِ اغْتَدَى / يخادِعُهُ عنْ مِثْلِهِ ويخاتله
إليهِ حَدَتْ بي أو سمتْ بيَ هِمَّةٌ / على رغم دهرٍ أُغْرِيَتْ بي غوائله
زمانيْ غشومٌ لا يُغِبُّ ولا يَنِي / ذُنُوبي إليه أنّني لا أُشَاكِله
أُعلّمُ نفسي العلمَ عنه وربما / تجاهلتُ حتى ظَنَّ أنِّيَ جَاهِلُه
فواهاً لهُ ماذا الذي هُوَ صانعٌ / ويا ليتَ شِعْرِي ما الذي هُوَ فَاعِلُه
وقد عَلِقَتْ كفّي بأروعَ / ماجدٍ وسائِلُهُ مبثوثةٌ وَوَصائِله
حسامٌ بكفِّ العزم طابَعُهُ الرّدى / وشاحِذُهُ الأقلامُ والنصرُ صاقله
تُبَاهي به حُمْرُ المنايا وسودُها / ويُزْهَى فَخاراً جَفْنُهُ وحمائله
فعدِّ عن البرقِ اليمانيْ وَشِبْهِهِ / وشمْ منه برقاً لا تخونُ مخايله
زعيمٌ مليٌّ بالأماني وغيرِها / وإن رَغِمَتْ حُسَّادُهُ وعواذله
وحدِّثْ عن البحرِ الذي هو كَوْثَرٌ / تَغارُ عليه أو تُغيرُ سواحله
إذا ما نَوَاهُ في المهمَّاتِ آملٌ / فقدْ نَجَحَتْ أسْبابُهُ ووسائله
ومُذْ قَدِمَتْ أضيافه ووفوده / فقد سَقِمَتْ أموالُهُ ومراجله
بعيدٌ من الزَّهْوِ المتَبّرِ في الورى / وإنْ زُهِيَتْ نُزَّالُهُ ومَنَازلَهُ
مآثرُ جَلَّتْ أن يحيطَ بِوصْفِها / مقالاً فما هذا الذي أنا ناقله
لعلَّكَ تُصْغي يا ابنَ زُهْرٍ على النَّوى / فقد آنَ يَقْضي ساهمُ الوَجْهِ ناحِلُه
عليلٌ رأى الشّكْوى إليكَ شفاءَهُ / وأيقنَ أن الكَتْمَ لا شكَّ قاتله
بقيَّةَ دهرٍ طالما عَبَثَتْ به / يدُ السقم حتى ليس يَمْثُلُ ماثله
رَأى البُرْءَ في كفّيْكَ ملءَ جفونه / وقد رَجَفَتْ أشْجَانُهُ وبلابله
ويهنيك بلْ يهني زمانَكَ أوْبَةٌ / أنارتْ لها أسْحَارُهُ وأصائله
زمانٌ كريعانِ الشّبابِ وَحُسْنِهِ / ألا ليتَ ذاكَ الدهرَ تُثْنَى أوائله
تَضَوَّعَ منها الأُفْقُ شَرْقاً ومغرباً / وفاحَ فَقُلْنَا مسكُ دارينَ شامله
بَكَى المحبُّ وَأيْدِي الشّوْقِ تُقْلِقُهُ
بَكَى المحبُّ وَأيْدِي الشّوْقِ تُقْلِقُهُ / أصَابَهُ خَرَسٌ فالدمعُ مُنْطِقُهُ
ما عنده غيرُ قلبٍ ماتَ أكثرُهُ / وما تَبَقّى لهُ إلا تَعَلُّقه
وما كفاه الهوى حتى يُطالِبَهُ / دَهْرٌ إلى كلِّ سُلْوانٍ يُشَوِّقُه
دهرٌ يفوِّقُ نبلاً من كِنانَتِهِ / رمى بها جَلِداً ما زالَ يَرْشُقُه
مناقضٌ لم يَزَلْ شملي يُفَرِّقُهُ / وليت أن الأسى شملاً يُفَرِّقُه
بنتُ المروءةِ مني طالقٌ أبداً / إن لم أكُنْ بجميلِ الظنِّ أسبقُهُ
ثَكَلْتُ إن لم تكنْ تُعْزَى القناعةُ لي / فحرُّ وجْهِيَ ثوبٌ لستُ أُخْلِقُه
فَمَن لقلبي بتسكينٍ يُثَبّتُهُ / ومَنْ لجفني بتغميضٍ فأُطْبِقُه
لهفي على قَمَرٍ تَمَّتْ محاسِنُهُ / من جانبِ الأفُقِ الغربي مشْرِقه
إذا تَبَسَّمَ والظلماءُ عاكفةٌ / فالبرقُ من ثَغْرِهِ يبدو تأَلُّقُه
ليت الخيالَ الذي قد كانَ يَطْرُقُني / يكونُ لي بَدلاً منه أُعَنّقه
يا صاحبيَّ نداء من عليلكما / فقد تَناهَى بمثواهُ تشَوُّقُهُ
رُدُّوا إلى الجانبِ الغربيِّ عيسَهُمُ / عسَى نسيمُ الذي يَهْوى سَيَنْشُقُه
ما في الحياةِ لِنَفْسِي بَعْدَهُمْ طَمَعٌ / آهاً على حُسْنِ وجهٍ حالَ رَوْنَقُهُ
وفي أبي القاسمِ المأمولِ لي أمَلٌ / وَإنْ تَبَاعَدَ منّي سوفَ ألْحَقُه
وقد جرى في ضميري من إشارته / في جانبي وَقَبولي ما أُصَدِّقه
وإن لجأتُ إليه ليس يَطْرقني / هَمٌّ وَإنّيَ بالإيناسِ أطْرُقُه
من لم يزلْ بخلالٍ منهُ سادَ بها / لكلِّ قلب نأى عنه تُخَلّقُه
طَلْقٌ رأى في الدجى الأعمى مَحاسِنُه / وكلُّ أبْكَمَ بالإحْسَانِ يُنْطِقُه
تَخَلَّقَ المجدُ خلقاً فيه يُشْبِهُهُ / والدرُّ ماءٌ وفي ماءٍ تَخَلُّقُه
والسمت في طَبْعِهِ شيءٌ يعودُ به / إلى البيانِ الذي قد حانَ مَنْطِقُه
يا ناظرَ الدَّهْرِ أُنْظُرْ حُسْن أحْرُفِهِ / فسوف يُنسِبْكَ ما أبصرتَ مُهْرَقُه
فلا يكنْ أحدٌ يَرْقَى مكانَتَه / فما يُسَاوَى برأْسِ الطّوْدِ خَنْدَقُه
ما عندنا كبني حمدينَ في شرفٍ / لو كانَ نجماً لكانَ النجمُ يَعشَقُه
كواكبٌ في سماءِ العزِّ قد طَلَعَتْ / من السنَّا في شُعاعٍ لستُ أَرْمُقُهُ
أعلامُ علم وآدابٍٍ فكلُّ فتىً / منهمْ إذا ما جرى لأخَلْقَ يسبِقه
وفي أبي القاسم الأعْلى ولا فندٌ / سيادةٌ هِيَ تاجٌ وَهْوَ مَفْرِقُه
وإنَّهُ ابن أبيه في سياستهِ / وفي اكتسابِ معاليه تأنُّقُه
والفرعُ كالأصْلِ لفظٌ قد جرى مثلاً / وكالذِّراع إذا ما قِسْتَ مِرْفَقُه
فيا سراجَ بني حمدينَ دعوةَ مَنْ / أَصابَهُ وصبٌ مازالَ يطْرقه
بدا بأُفْقِكَ بَدرٌ منه قابَلَهُ / غيْمٌ منَ العُدْمِ يُخْفِيهِ ويَمْحَقُه
أهْدَى إليْكَ نفيسَ القولِ عِلْقُ عُلا / كالدرِّ يَنْظِمُهُ والمِسْكِ يَفْتُقُه
فانْظُرْ وَقِسْ وانتقدْ فالنَّقْدُ أنتَ له / وليس كالتّاجِ لابن المجدِ بُخْنُقَه
ودُم شِهاباً بأفْقِ السّعْدِ مُتَّقِداً / إذا رقى مُسْترِقُّ السمْعِ يَحرِقُه
هُو الهوى وقديماً كنتُ أَحْذَرُهُ
هُو الهوى وقديماً كنتُ أَحْذَرُهُ / السُّقْمُ مَوْرِدُهُ والموتُ مَصْدَرُه
يا لوعةً هي أحلى منْ مُنى أملٍ / الآنَ أعْرفُ شيئاً كُنتُ أنكِرُه
جدٌّ منَ الشَّوق كان الهزلُ أوَّلَه / أقلُّ شيءٍ إذا فكّرْتَ أكْثره
ولي حَبِيبٌ وإن شطَّ المَزَارُ به / وقدْ أقُولُ نأَى لولا تَذكُّرُه
أبا حَسن دُعاءً أو خنيناً
أبا حَسن دُعاءً أو خنيناً / ولا آلوكَ إنْ كانَتْ خَبالا
أُنادي في التَّظلُّمِ منْ زَمَانٍ / عدا تلك الزِّيارَةَ والوِصالا
ولوْ أنَّ الخيالَ ينوبُ عني / لأبلغكَ الكَرَى قِصَصاً طوالا
ولولا أنْ أُدلّسَ في التلاقي / لَزُرْتُكَ حيثُ تَعْتَرِفُ الخيالا
فلم تَرَ بيننا وأبيكَ فَرْقاً / سوى أني أَحُقُّ إذا أحَالا
ذكرتُكَ ذكرةً جَذَبَتْكَ نحوي / فهل أحْسَنْتُ نَقْلاً أو نِقَالا
وأعلمُ أَنَّها كهواكِ سِحْراً / ولكن كيفَ تَسْتهْوِي الجبالا
بلى إنْ يدنُ طَيْفُكَ منْ وِسادي / فقد سَمَّيْتُها السّحَرَ الحلالا
وكيفَ يُحِسُّ طيفَكَ أو يراه / ولو نَصبَ الحبائلَ والحبالا
مُعَنّىً لا يزالُ سميرَ شوقٍ / عَهِدْتَ لِبَرْحِهِ ألا يَزَالا
يؤرِّقُهُ بعادُكَ كلَّ ليلٍ / تَوَهَّمَ طُوْلَ زَفْرَتِهِ فَطَالا
كأنَّ نجومَهُ أقداحُ شَرْبٍ / إذا زِيدتْ هُدىً زادتْ ضلالا
أبا حسنٍ وإن الحسنَ ممَّا / تشيرُ به مَقَالاً أو فَعَالا
لك الفضلُ الذي هُوَ فيكَ طَبْعٌ / إذا احتقبوهُ غَصباً وانتحالا
فنلتَ حقائقَ الأشياء علماً / كفاكَ البحثَ عنها والسؤالا
نَمَتْكَ إلى المكارمِ والمعالي / إذا نَجمٌ تَكَارم أو تعالى
صُقورٌ أو بدورٌ أو بحورٌ / وإنْ لم تلقَ مثلَهُمُ رجالا
إذا شَهِدُوا القتالَ فسوف تدري / لأَيَّةِ علةٍ شهدوا القتالا
بنو الهيجاء طاروا في وَغضاها / وإنْ كانتْ حُلثوْمُهُمُ ثِقَالا
إذا رتَّبْتَهُمْ شَنُّوا عليها / جِياداً ضُمَّراً وَقَنَاً طِوَالا
ونعم النازلونَ على الرَّوابي / إذا ما الشَّمْسُ أحْرَقَتِ الظّلالا
إذا التقتِ الرِّياحُ بحيثُ تدعو / بِصَوْبِ المُزْنِ حَالَفَها ابْتهِالا
ولو أني أشاءُ لأبْلَغَتْني / ذُرَاكَ وإن أساءَ بها فعالا
قلائصُ ما رَحَلْنَاهُنَّ إلا / رأيتَ بهنَّ عُصْماً أو رِئالا
كأنصافِ البُرَى وَتدِقُّ عنها / شَواها دِقَّةً تَسَعُ الخلالا
إذا انبَعَثتْ رأيتَ قِسِيَّ نَبْعٍ / وَتحْسَبُها إذا بَلَغَتْ مُحَالا
تُناسبُ شَدْقماً أو أنْكَرتْهُ / وصارَ لها السّرى عمّاً وخالا
تُراعُ من السّقابِ إذا رأتها / وتشتاقُ الأزمةَ والرِّحالا
وقد ألِفَتْ بناتِ القَفْرِ حتّى / حسبتَ الغولَ يُحْذيها النّعالا
إذا لَمَع السَّرَابُ تَبَادرتْهُ / فأحْسَبُهَا تريدُ به اشْتِمَالا
وبينَ جُفُونِها مِنْها نِطافٌ / إذا سَمِعَ الغليلُ بهنَّ حالا
لعلَّكَ يا عليُّ لها مَعَادٌ / فَيَسْقيها غِمارَاً أو سِجَالا
وتبسطَ أو تمدَّ لها يميناً / غدا نوءُ السّماك لها شِمالا
عَدَاني أنْ أزورَكَ صَرْفُ دَهْرٍ / ألحَّ فما أطيقُ له احْتِيالاَ
وَهَمٌّ من همومٍ لو تَوَخَّى / طريقَ الرِّيح كان لها عِقَالا
أبيعُكَ يا ابن بَيَّاعٍ فُؤَادي / وَغَيْرِي مَنْ إذا نَدِمَ اسْتَقَالا
وَأصْفِيكَ الودادَ وَغيْرُ وُدِّي / إذا حالتْ صروفُ الدَّهرِ حالا
إليك هوايَ تكرمةً وَبِرّاً / إذا كانَ الهوَى قِيْلاً وَقَالا
ومعذرةً بسيرِ بناتِ صَدْري / إليكَ بها اخْتِصَاراً واحتفالا
ودونكها وأنت أجلُّ قَدْراً / ولكنْ عادةٌ حُذِيتْ مِثَالا
فإنْ حَظِيتْ وأرُجو أنْ سَتحظى / فإنَّ الشمسَ نَوَّرتِ الهلالا
وإن ضاعتْ لديك فأنتَ شمسٌ / يشبُّ تَعَسُّفي فيها الذُّيالا
على خَطرٍ لو أنّ الليل مِنْهُ / لعادَ شبابُ راكبه اكتهالا
وغبّ تَعَقبٍ لو كان منه / فِرِنْدُ السيْفِ ما قَبِلَ الصّقالا
يا حُسْنَ حمَّامِنا وبَهْجَتهُ
يا حُسْنَ حمَّامِنا وبَهْجَتهُ / مرأىً من السّحْرِ كلُّهُ حَسَنُ
ماءٌ ونارٌ حَماهُما كنفٌ / كالقلبِ فيه السرورُ والحَزَنُ
ليس على لهونا مزيد
ليس على لهونا مزيد / ولا لحمامنا ضريبُ
ماءٌ وفيه لهيبُ نارٍ / كالشمس في ديمةٍ تصوب
وأبيضَّ من تحته رخامٌ / كالثلج حين ابتدا يذوب
حمامنا فيه فصل القيظ محتدم
حمامنا فيه فصل القيظ محتدم / وفيه للبرد صرٌّ غر ذي ضرر
ضدان ينعم جسم المرء بينهما / كالغصن ينعم بين الشمس والقمر
هل استمالكَ جسمُ ابنِ الأمينِ وقد
هل استمالكَ جسمُ ابنِ الأمينِ وقد / سالتْ عليه من الحمَّام أنْداءُ
كالغُصْنِ باشرَ حرَّ النارِ من كثبٍ / فظلَّ ينطفُ مِنْ أعطافِهِ الماءُ