المجموع : 478
أقولُ لِعطفِها عندَ النُهوضِ
أقولُ لِعطفِها عندَ النُهوضِ / أيا وَيلَ الصحيحِ منَ المَريضِ
حَصِيفةُ موقعِ الخَطَواتِ تَمْشي / كما قَطَّعْتَ أبياتَ العَرُوضِ
أطالَ بَلاءَنا شَعرٌ طويلٌ / تُقَلِّبُهُ على رِدفٍ عَريضِ
ثَوَتْ بالرُبْوَتينِ لهُ خيامٌ / فَوَارَتْ ما هُناكَ من الحَضيضِ
مُمنَّعةٌ رأتْ وَجْدي فَهامتْ / كما حُمِلَ النقيضُ على النقيضِ
دَعاها الشَّوقُ فانتبَهَت إليهِ / كما انتَبهَ الأسيرُ إلى القريضِ
أسيرُ الحَقِّ في حُكمٍ تَسَاوَى / فما يُدرَى الحبيبُ من البَغيضِ
يُقَلِّبُ في المَسائلِ كُلَّ طَرْفٍ / ويَلقَى النَّاسَ بالطَرْفِ الغضيضِ
كَفَتْهُ منَ الزَّمانِ سُطورُ صُحْفٍ / فتِلكَ الدَّهرُ من سُودٍ وبيضِ
يقومُ من الصَلاةِ إلى المَثاني / ومن سُنَنِ الكِتابِ إلى الفُروض
إمامُ الشِّعرِ يَبتدعُ القوافي / ويأمَنُ دُونَها حَوْلَ الجريضِ
وينتِجُ في المعاني كُلَّ بِكرٍ / منَ اللائي يَئِسْنَ من المَحيضِ
أصارَ ليُوسُفٍ بيروتَ مِصراً / تَدَفُّقُ نيلِ عِلمٍ مستفيضِ
رَوَى فرَوَى الصَدَى وجَلا فَجلَّى / لَنا ما في المشاكلِ من غُموضِ
أديبٌ كاملٌ شَهْمٌ لديهِ / تلينُ عَرِيكةُ الخَطْبِ القَضيضِ
يَقِلُّ لهُ الثَّناءُ ولو أخَذْنا / قوافيَهُ عَنِ الروضِ الأريضِ
ولَستُ بِمَنْ يَهِيضُ الحَقَّ لكِنْ / تأخَّرْنا إلى الزَمَنِ المَهيضِ
لَقيناهُ وقد أمسَى حُطاماً / وفازَ القومُ بالفَننِ الغرِيضِ
نَرُوحُ كما غَدَونا في ظَماءٍ / وتَخدَعُنا البَوارِقُ بالوَميضِ
وأطْيَبُ مَورِدٍ كأسُ المَنايا / إذا احتاجَ العُقابُ إلى البَعُوضِ
سلامُ اللهِ أيَّتُها القِبابُ
سلامُ اللهِ أيَّتُها القِبابُ / أمَضْرِبُكِ القُلوبُ أمِ التُرابُ
وما لِنَزيلِ قومِكِ من نَصيبٍ / تُرَى أيُصيبُ خيراً أم يُصابُ
وَقَفتُ بجانب الوادي فحَنَّت / لترديدي الحنينَ بهِ الرِّكابُ
وخاطَبتُ الدِّيارَ فلم تُجبْني / وما كُلُّ الخِطابِ لهُ جَوابُ
دِيارٌ لي بها قَمَرٌ مُنيرٌ / تَوارَى والسَّحابُ لهُ نِقابُ
لهُ شَفَةٌ لناظِرِها شَرابٌ / ولكن حظُّ وارِدِها السَّرابُ
وطَرْفٌ فيهِ من قلبي سَوادٌ / وكَفٌّ من دمي فيها خِضابُ
شَكَوتُ لهُ العّذابَ فصَدَّ تيهاً / وذاك الصّدُّ كانَ هُوَ العَذابُ
إذا ما لم يُهمَّكَ أمرُ شاكٍ / فلا الشَكوَى تُفيدُ ولا العِتابُ
أتَى ما لا حَسِبتُ ورُبَّ أمرٍ / حسِبتُ لهُ فما صَدَقَ الحِسابُ
ومارَسْتُ الأنامَ فكم عَدُوٍّ / عليهِ من صَداقتِهِ ثيابُ
وكم من صاحبٍ قد جَرَّ مالاً / يَجُرُّ من العِدَى ظُفرٌ ونابُ
وكم رَجلٍ دَعَوتُ فلم يُجِبْني / ويَدعُوني سِواهُ فلا يُجَابُ
نَرَى بعضاً يَعيبُ صِفاتِ بعضٍ / وما من عائبٍ إلاَّ يُعَابُ
يَعيبُونَ الأميرَ بفَرْطِ جُودٍ / كما لو عِيبَ بالمَطَرِ السَّحابُ
وكيفَ يَهابُ مِن بَذْلِ العَطايا / شُجاعٌ للمَنايا لا يَهابُ
سَجايا المجدِ سِلْسِلَةٌ تَوالتْ / كما انتَسَقَتْ مِنَ الرُّمحِ الكِعابُ
عِمادٌ في بني قَيْسٍ تَسامَى / فذَلَّت من بني يَمَنَ الصِعابُ
ثَوى مَتْنَ البِلادِ فكانَ رأساً / لهُ تَعنُو المَناكِبُ والرِّقابُ
تَرَى في وَجهِهِ سيماءَ مَجْدٍ / كعُنوانٍ يَبينُ بهِ الكِتابُ
تَعرَّضَ غيرَ مُحتجِبٍ ولكنْ / لهُ من فَرْطِ هَيبتِهِ حجابُ
عليهِ لكُلِّ سُوءٍ كُلُّ بابٍ / وليسَ عليهِ للحَسناتِ بابُ
تَقَلَّدَ بالوِلايةِ فَهْيَ سَيفٌ / بِراحةِ مَن يجودُ بهِ الضِرابُ
أتى باسم البَشير لنا بَشيراً / وفيهِ إلى مسمَّاهُ انتِسابُ
لَئِنْ عَبِثت بهِ غُصَصُ اللَيالي / فها قد جاءَها اليومَ الشَّرابُ
وإنَّ الشَّمسَ يَحجُبُها ضَبابٌ / ولكنْ ليسَ يكَسِفُها الضَّبابُ
قَدِ اعتَزَّتْ بدولتِه جبالٌ / عليها من مَكارِمهِ هِضابُ
تَبِيتُ بها الظِبا والأُسْدُ تَسعَى / وتَرعَى الشاءُ فيها والذِئابُ
لهُ من رَهطِ نَجْدَتِهِ لُيُوثٌ / لها من شُرَّعِ المُرَّانِ غابُ
يَرُدُّ العارُ أوجُهَها حيَاءً / وليسَ تَرُدُّ أوجُهَها الحِرابُ
قِيامٌ يَنظُرُونَ إلى عزيزٍ / لناظِرِهِ ابتهاجٌ واضطِرابُ
حَوَى شَطْرينِ من شَرَفٍ فهذا / لهُ إرْثٌ وذاكَ لهُ اكتِسابُ
رحيبُ الصَّدر في عُسرٍ ويُسرٍ / تَضِيقُ بوَفدِهِ تلكَ الرِّحابُ
لهم منهُ الثَّوابُ يُساقُ عَفْواً / نَعَمْ ولهُ منَ اللهِ الثَّوابُ
فتىً يُرجَى الرِّضَى والعفوُ منهُ / ويُخشَى السُّخطُ منهُ والعِقابُ
لهُ في حُكمِهِ قولٌ سديدٌ / وفي أعمالهِ رأيٌ صَوابُ
يَرَى حَقَّ الصِّحابِ عليهِ حتّى / يَرَى حَقَّ القَضاءِ فلا صِحابُ
وينظُرُ حاسِدِيهِ بعَينِ راضٍ / لحلِمٍ أرَّخوهُ وهُمْ غِضابُ
أصابَ السَبْقَ عن أمَدٍ بعيدٍ / تُقَصِّرُ دونَهُ الخيلُ العِرابُ
فقُلتُ لِمَنْ يُجاريهِ رُويداً / ستُدرِكهُ إذا شابَ الغُرابُ
قِفا بينَ الثَنّيةِ والمُصَلَّى
قِفا بينَ الثَنّيةِ والمُصَلَّى / على جَبَلٍ دَنا حتَّى تَدَلَّى
وإن أبصَرتُما ناراً فَقُولا / تُرَى أيُّ القُلوبِ عليكِ يُصلَى
منَ العَرَبِ الكِرامِ كُماةُ حَربٍ / تُناظِرُهُم كرَائِمُ لَسْنَ غُزْلا
إذا ما أرهَفوا نَصلاً لِقتلٍ / فهُنَّ أشَدُّ بالأجفانِ قَتْلا
رجالٌ يَنحَرونَ البُزْلَ جُوداً / وغِيدٌ تَنحَرُ العُشَّاقَ بُخْلا
تَرى نارَ القِرَى في الحيِّ تَعلُو / ونِيرانُ الهَوَى أعلَى وأغلَى
على ذاكَ الكَثيبِ لنا سَلامٌ / يُكاثِرُ في الكَثيِبِ الفَرْدِ رَمْلا
كَثِيبٌ قامَ فيهِ رَشِيقُ عِطْفٍ / نُشبِّهُهُ بِغُصنِ البانِ جَهْلا
رَشاً في الحيِّ تَغزلُ مُقلَتاهُ / تُرَى مَنْ علَّمَ الغِزلانَ غَزْلا
إذا أتْحَفتَ عَينيهِ بِكُحلٍ / يقولُ أراكَ تُهدي الكُحْلَ كُحْلا
رُويدَكَ أيُّها الجاني بطَرْفٍ / فكم جَنَتِ الليالي السُودُ قبلا
أدُورُ على رِضاكَ ولا أراهُ / كأنِّي طالبٌ لِسعِيدَ مِثْلا
عزيزٌ قد تَوَلَّى تختَ مصرٍ / فعَزَّ بمجدِ وَطْأتِهِ وجَلاّ
تُشِيدُ بحمدِهِ مِصرٌ ويدعو / لهُ مَنْ صامَ في مِصرٍ وصَلَّى
فَتىً لو كانَ ماءُ النيلِ مالاً / لَفرَّقَهُ على السُؤَّالِ بَذْلا
ولو كانَ المُقطَّمُ مِنْ عِداهُ / لشاهدتَ المُقطَّمَ صارَ سَهْلا
لقد جَمَعتْ بهِ النيلَينِ مِصرٌ / ولكنْ أشرَفُ النيلَينِ أحلَى
هُما النيلانِ من ذَهبٍ وماءٍ / قَدِ اجتَمعَا فَلْيسَ تَخافُ مَحْلا
يمينٌ تَملأُ الآفاقَ جُوداً / وقَلبٌ يَملأُ الأقطارَ عَدْلا
وحِلمٌ مَدَّ فوقَ الرِّيفِ رِيفاً / وحَزْمٌ قامَ فوقَ النَخلِ نَخلا
سليمٌ مُخلِصٌ سِرّاً وجَهراً / كريمٌ مُحسِنٌ قَوْلاً وفِعْلا
يَرَى من صالحِ الأعمالِ فَرْضاً / عليهِ ما تَراهُ النَّاسُ نَفْلا
إذا صَلَدت زنادُ الرأيِ أورى / وإن عقدتْ أيادي الدَّهر حلّا
يلاقي ما يفرُّ الليث منه / ويحمل ما يدكُّ الطَّود ثِقلا
نرى خيرَ الكِرامِ أباً وأُمّاً / تَولَّى عَهدَ خيرِ النَّاسِ نَجْلا
أتَتْ مِصرَ الخِلافةُ ذاتَ خِدرٍ / فكانتْ لا تُرِيدُ سِواهُ بَعْلا
أعزُّ بني العُلَى أصلاً وفَرْعاً / وأكرَمُ رَهْطِها وَضعْاً وحَمْلا
نُجِلُّ أباهُ أنْ نَدعُوهُ لَيثاً / وأنْ يُدعَى لِذاكَ اللَّيْثِ شِبْلا
لَعَمرُكُ إنَّ خيرَ الناسِ طُرَّاً / على خَيرِ المَمالكِ قد تَولَّى
دَعَوناها الكِنانةَ إذْ رَأينا / لهُ في أكْبُدِ الحُسَّادِ نَبْلا
كريمٌ ليسَ يَرضَى الفَضلَ حَتَّى / يكُون الفضلُ بينَ الفضلِ فضلا
إذا مَلأتْ يَداهُ سِجالَ رِفْدٍ / نَراها بالغِنَى كَتَبتْ سِجِّلا
قدِ اشتَمَلَتْ مَكَارِمُهُ فَمنْ لم / يصادفْ وابِلاً منها فطلاّ
فلا ثَلَّتْ لهُ الأقدارُ عَرْشاً / ولا نَسَخَتْ لهُ الأيَّامُ ظِلاّ
قد أشرقَ النُورُ أكنافِ لُبنانِ
قد أشرقَ النُورُ أكنافِ لُبنانِ / إذ حَلَّ فيها العزيزُ الباذخُ الشانِ
هو السعيدُ الذي ألطافُهُ اشتَهَرتْ / كالصُّبحِ مُستغنِياً عن كلِّ بُرهانِ
مُهذَّبٌ فاقَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ / كأنهُ مَلَكٌ في جِسمِ إنسانِ
لهُ يليقُ بِساطُ الرِّيحِ في سَفَرٍ / لأنَّهُ ليسَ أدنى من سُليمانِ
يَبيتُ كلُّ وزيرٍ تحتَ رايتهِ / طَوعاً ويَصبُو إليهِ كلُّ سُلطانِ
وحيثُما حلَّ حامتْ حولَهُ زُمَرٌ / كالماءِ حامَ عليهِ كلُّ عَطشانِ
يا زائراً ثغرَ بيروتَ الذي ابتَسَمتْ / لكم ثناياهُ عن أزهار بُستانِ
لو تَقدِرُ الأرضُ لمَّا زُرتَها فَرَشَتْ / قُدَّامكَ الطُرْقَ من دُرٍّ ومَرْجانِ
كادت تَذوبُ ثُغورُ البحر من حَسَدِ
كادت تَذوبُ ثُغورُ البحر من حَسَدِ / لِثَغرِ بيرُوتَ أو تنهالُ منْ كَمَدِ
قد زارها من رأى أضعافَ مَنظرِها / ولم تَرَى مِثَلهُ في الناسِ منْ أحَدِ
ذاكَ السَّعيدُ الذي الدنيا بهِ سَعِدَتْ / وليسَ تَنسَى أياديهِ إلى الأبَدِ
وَهْوَ الكريمُ الذي يُدعى كريمَ أبٍ / كريمَ نفسٍ كريمَ اسمٍ كريمَ يَدِ
يَسيرُ والذَهَبُ المنثورُ يَتبَعُهُ / مثلَ السَّماءِ تَرُشُّ الأرضَ بالبَرَدِ
فظَنَّتِ الناسُ أنَّ السُحْبَ قد فَتحَتْ / بِقُدرةِ الله دارَ الضَربِ في الجَلَدِ
أماتَ ذِكرَ الكِرامِ السالِفينَ كما / أحيا مكارمَهُم في سالفِ الأمَدِ
ورَدَّ لَهفةَ عَصرٍ كانَ منزِلُها / في بُهرةِ الصَّدرِ بينَ القلبِ والكَبِدِ
ضاحي الجبينِ شديدُ البأسِ مُقتدِرٌ / في طلعةِ البدرِ ألقَى جبهةَ الأَسَدِ
بدرٌ بلا كَلَفٍ لَيثٌ بلا صَلَفٍ / بَحرٌ بلا زَبَدٍ كَنْزٌ بلا رَصَدِ
عَطاؤهُ من عَطاءِ ا للهِ مُغتَرفٌ / بلا حِسابٍ ولا وَزنٍ ولا عَدَدِ
إذا دنا فاضتِ الخَيراتُ من يَدِهِ / وإن نأى فنَداهُ غيرُ مُبتعِدِ
للمُلكِ في تختِهِ رأسٌ يقومُ بهِ / ومن سَعيدٍ أتاهُ اللهُ بالعَضُدِ
شخصُ الخليفةِ بعدَ اللهِ نَحسبُهُ / وبعدَ ذاكَ سعيدٌ أوَّلُ العُمَدِ
رُكنٌ لدَولةِ هذا المُلكِ يَخِدمُها / بالمالِ والخيلِ والأبطالِ والعَدَدِ
وَهْوَ الوَفيُّ الذي يَرعَى الذِمامَ ولا / ينسَى الصديقَ ولا يَلوي عنِ الرَشَدِ
الواسعُ الحِلمِ لا يَعلُوهُ عن غَضَبٍ / والعادلُ الحُكمِ لا يَعرُوهُ من أوَدِ
والقاطعُ السيفِ لا تُثنَى مضارِبُهُ / وليسَ يَسلمُ منهُ لابسُ الزَرَدِ
يا مَنْ علينا لهُ حَقُّ الثَّناءِ كما / لنا عليهِ حُقوقُ الغَوثِ والمَدَدِ
عارٌ علينا إذا شَرَّفتَ بلدَتنا / ونحنُ كالعُمُدِ الخرساء في البَلَدِ
هذا ثناء غريق في نَداكَ يَرَى / ثَناكَ في الشِّعرِ مثلَ الرُوحِ في الجسَدِ
إذا أردتَ لهُ توجيهَ مَكرُمةٍ / فقُلْ قَبِلتُكَ لي عَبداً ولا تَزِدِ
أتَعلَمُ ما هاجَتْ بقلبي من الشُغْلِ
أتَعلَمُ ما هاجَتْ بقلبي من الشُغْلِ / مُخدَّرةٌ تَسبِي بأهدابِها الكُحْلِ
غَزالةُ إنسٍ لا غَزالةُ رَبرَبٍ / رَعتْ حَبَّةً للقلبِ لا عَرْفَجَ الرَملِ
اتتني من الزَواراء تَسحَبُ ذَيلَها / دَلالاً فزادَتْ غُلَّةَ الشَوقِ بالوَصلِ
بذَلتُ لها مَهْرَ العَرُوسِ من الحِلَى / فعافتهُ إجلالاً فأمهَرتُها عَقلي
رَبيبةُ حُسنٍ صَيَّرتْني ربيبها / ويا حبّذا ما نِلتُ من شَرَفِ المِثْلِ
ظَفِرنا بها من جُودِ أكرَمِ مُرسِلٍ / علينا فكانَتْ عِندنا أكرَمَ الرُسْلِ
هو الجوهرُ الفردُ المعرَّفُ شخصُهُ / بنَوعِ السجايا ليسَ بالجنِسِ والفَصلِ
نتيجةُ دَهرٍ لا يقاسُ بفضلهِ / صحيحُ القضايا صادِقُ الوَضْعِ والحَمْلِ
هو العُمَريُّ السَيّدُ الماجدُ الذي / لهُ الشَرَفُ المحفوظُ فَرعاً عنِ الأصلِ
لئن لم يكُ الفاروقُ أخلَفَ غيرَهُ / منَ النَسلِ أغنَى القومَ عن كثرةِ النسلِ
تَسامَى إلى أنْ صارَ أعلى من السُهَى / وفاضَ إلى أنْ صارَ أجرَى من الوَبْلِ
أشدُّ جِلاءً في الخُطوبِ من الضُّحَى / وأمضَى يَداً في المُشكلاتِ منَ النَصْلِ
تخِرُّ له الأقلامُ وهيَ نَواكِسٌ / فيُكسبُها فخراً على أنفَذِ النَبْلِ
تصيد المعاني سانحاً بعد بارحٍ / كما وقف القانص في ملتقى السبل
لهُ مِنَّةٌ طَالتْ عليّ ونعمةٌ / عَلَتْ فوقَ رأسي كالسَّحُوقِ من النَخلِ
إذا رُمتُ شكر الفضلِ أنَهضتُ همَّتي / فأقعَدها وِقرٌ جديدٌ من الفَضلِ
رمى البعضَ من شعري الضعيفِ بطَرفِهِ / فأولاهُ تقريظاً فسادَ على الكُلِّ
رأى كلُّ بيتٍ نفسَهُ كقَصيدةٍ / فضاقَ بهِ ما كانَ يَحْويه من قبلِ
بك افتَخَرتْ يا كَعبةَ الفخرِ نُبذَةٌ / قَدِ انتبَذَتْ أقصَى مكانٍ من الجَهل
تَقولُ كَفاني شاهدٌ مِثلُهُ فإنْ / جَسَرْتَ فقُلْ ما ذاكَ بالشاهدِ العَدْلِ
قضى اللهُ بالبُعدِ الذي حالَ بيننا / وهل يُرتَجى من غيرهِ صِلَةُ الحَبلِ
أرَى بينَنا شُمَّ الجِبالِ وفوقَها / جبالٌ منَ الأشوَاقِ سابغةُ الظِلِّ
تَصوغُ لنا شَكوَى النَّوَى بيدِ الهَوَى / فأقلامُنا تجري وأشواقُنا تُملي
رأى أطلالَهم دَمعي فسالا
رأى أطلالَهم دَمعي فسالا / فأظمأني وقد رَوَّى الرِمالا
عَرَفتُ لبعضِها أثراً وبعضٌ / عَفتْهُ الرِّيحُ إذْ عَصَفَتْ شَمَالا
ديارٌ للظِبا صارَتْ كِناساً / فما بَرِحتْ لها الغِزلانُ آلا
وأينَ ظِباؤها من ظَبْي إنسٍ / يَشُقُّ عليهِ أنْ يُدْعَى غَزالا
من العَرَبِ الكِرامِ عزيزُ قومٍ / تَمضَّرَ بينَهُمْ عَمَّا وخالا
وَثِقْنا مِنهُ بالتَّوحيد لمَّا / رأينا فوقَ وَجنتِهِ بِلالا
أرِقتُ لعُصبَةٍ في الحيِّ زَمُّوا / فُؤَادي عِندَما زَمُّوا الجِمالا
وقد جَدَّ الرَّحيلَ جَميلُ صبري / غَداةَ البينِ إذْ شَدُّوا الرِحالا
وَقَفْنا في رُسومِ الدَّارِ ندعو / ولكنْ منْ يُجيبُ لَنا سُؤَالا
جَرَتْ عَبرَاتُنا دالاً وميماً / فأصبحَ جَزْرُها ميماً ودالا
نُرَدِّدُ بينَ هاتيكَ الأثافي / حنينَ النُوقِ أبصَرَتِ الفِصالا
ونَلقَى من عَواصِفِها غُباراً / حسِبناهُ لأوجُهِنا جَمالا
إذا ناحَ الحمامُ أصابَ قلبي / كأنَّ على حَناجِرهِ نِبالا
وأذكُرُ من مُطوَّقِهِ أيادٍ / بِطَوْقِ البِرِّ قَلَّدَت الرِجالا
أيادٍ ظلَّ يَبسُطُها كريمٌ / تتيهُ المَكرُماتُ بهِ دَلالا
إذا قلتُ السَّحابُ كراحَتَيهِ / فقد شَبَّهتُ بالشَّمس الهِلالا
فتىً يَستَغرِقُ الأموالَ جُوداً / ولو أنَّ الجِبالَ جُعِلنَ مالا
تَزيدُ جبينَهُ الأضيافُ بِشراً / كنصلِ السَيفِ تُوسِعُهُ صِقالا
كريمٌ شَنَّ في الأموال حرباً / فما كانتْ ولا كانتْ سِجالا
شَرَى بالمالِ بينَ الناسِ حمداً / ورَبُّ الحمدِ مَن بَذَلَ النَوالا
وإنَّ المالَ كالصَهباءِ يُبدي / لَنا من نَفسِ صاحِبهِ خِصالا
فيكَتِسبُ اللئيمُ به هَواناً / ويكتسِبُ الكريمُ بهِ جَلالا
عرَفْنا القاسمَ الدِّرْعيَّ شَخصاً / تَوَهّمنْا الكرَامَ لهُ خَيالا
ينالُ دَمَ الفوَارِسِ يومَ حَرْبٍ / وليسَ يَنالُ من سَلَبٍ عِقالا
أشَدُّ الناسِ في الغَمَراتِ بأساً / وأحسَنُهم على الحَالين حالا
وأفصحُ كلِّ ذي قولٍ مَقالاً / وأنجَحُ كلِّ ذي فعلٍ فَعَالا
تُفاجي الوَفدَ نِعمتُهُ اغتيالاًُ / فتىً لا يَعرِفُ الحربَ اغتيالا
فليسَ القومُ ينتظِرونَ وَعداً / ولا يِشْكُونَ من وعدٍ مِطالا
فتىً يُصلي الحُسامَ بنارِ حربٍ / فلو لم يَنطفِئْ بِدَمٍ لَسالا
ويَفتخِرُ الحدِيدُ براحَتيهِ / على الحَجَرِ الكريمِ وإنْ تَغالَى
إذا حَمَتِ النِصالُ دِيارَ قومٍ / فبعضُ القومِ يَحْمُون النِصالا
وما تُجدِي النِصالُ بلا أكُفٍّ / تكونُ حُدُودُهنَّ لها مِثالا
تَكلَّفَ حاسدُوهُ لهُ طريقاً / فزَادَهم الضَّلالُ بها ضَلالا
لَعَمْرُكَ لا يكونُ العَفْوُ مُهراً / ولو كانَ النُضارُ لهُ نِعالا
وَفَدْنا بالقريضِ على ثَناهُ / نُطاوِلُهُ فَقَصَّرنا وطالا
إذا مَرَّتْ قَوافينا بِهَضبٍ / أرانا من عَظائِمِهِ جِبالا
لا عينَ تَثبُتُ في الدُنيا ولا أثَرُ
لا عينَ تَثبُتُ في الدُنيا ولا أثَرُ / ما دامَ يَطلُعُ فيها الشَمسُ والقَمَرُ
يُبِقي لنا الخُبْرُ فيها بعدَهُ خَبَراً / إلى زَمانٍ فيمضي ذلكَ الخَبَرُ
يا طالمَا طالَ حِرصُ الناسِ في حَذَرٍ / على الحَياةِ فَضاعَ الحِرصُ والحَذَرُ
قد غَرَّهم زُخرفُ الدُنيا وبَهجتُها / نِعمَ الغُصونُ ولكنْ بِئسَما الثَمَرُ
معشوقةٌ في هَواها باتَ كلُّ فتىً / يَهيمُ والشيخُ عنها ليسَ يزدجِرُ
هيهاتِ لا يَنتهي عن جَهلِهِ أبداً / مَن لم يكن قد نَهاهُ الشَيبُ والكِبَرُ
مضى الزَّمانُ على هذا الغُرُورِ فلم / يفطَنْ لهُ بَشَرٌ مذ قامتِ البَشَرُ
ما زالَ يَدفِنُ هذا الحَيُّ مَيِّتَهُ / ويَدفِنُ الذِكرَ معهُ حيثُ يَحتَفِرُ
الناسُ في جِنحِ لَيلٍ يخَبِطونَ بهِ / جهلاً ويا وَيلَهم إذ يَطلُعُ السَحَرُ
لا تَنقضي ساعَةٌ حتى تَقولَ لهم / يا أيُّها القومُ هُبُّوا قد دَنا السَّفَرُ
ماذا نُرَجِّي منَ الدُنيا التي طُبِعَتْ / على الدَّمارِ فلا تُبقي ولا تَذرُ
تُبدِي لنا كلَّ يومٍ في الوَرَى عِبَراً / لكن بلا يَقظةٍ لا تَنفَعُ العِبَرُ
هيهاتِ لا صاحبٌ في الدَهرِ وا أسفَا / يَبقى ولا عاشقٌ يُقضَى لهُ وَطَرُ
قد ماتَ عبد الحميدِ اليومَ منقطعاً / عنا كما شاءَ حكُمُ اللهِ والقَدَرُ
مَضَى الشقيقُ لرُوحي فَهْيَ موحشَةٌ / وبانَ شَطرُ فُؤَادي فَهْوَ منفطِرُ
قد كنتُ انتظرُ البُشرَى برُؤْيتهِ / فجاءَني غيرُ ما قد كنتُ انتظرُ
إن كانَ قد فاتَ شَهدُ الوَصلِ منهُ فقد / رضيتُ بالصَّبرِ لكنْ كيفَ اصطبرُ
أحَبُّ شيءٍ لعيني حينَ أذكُرُهُ / دَمعٌ وأطَيبُ شيءٍ عِندَها السَّهَرُ
هذا الصَّديقَ الذي كانت مَوَدَّتُهُ / كالكَوثَرِ العَذْبِ لا يَغتالُها الكَدَرُ
صافي السريرةِ مَحْضُ الوُدِّ لا مَلَقٌ / في لفظهِ لا ولا في قلبهِ وَضَرُ
عَفُّ الإزارِ حَصيفٌ زاهدٌ وَرِعٌ / لا تزدهيهِ بُدُورُ الأُفقِ والبِدَرُ
يَغَشى المَساجِدَ في الأسحارِ مُعتكِفاً / وقد طَوَتْ لَيلَهُ الأورادُ والسُّوَرُ
هوَ الكريمُ الجوادُ ابنُ الجَوادِ لهُ / بالفَضلِ يَشهَدُ بَدْوُ الأرضِ والحَضَرُ
يبكيهِ نظمُ القَوافي والصَحائفُ وال / أقلامُ والخُطَبُ الغرَّاءُ والسَمَرُ
لا غَرْوَ إنْ أحزَنَ الزَوراءَ مَصرَعُهُ / فخُزُنهُ فوقَ لُبنانٍ لهُ قَدَرُ
وإنْ يكنْ فاتَهُ نهرُ السّلامِ ففي / دارِ السّلامِ لهُ الأنهارُ تَنفجِرُ
مَضَى إلى الله حيّا اللهُ طَلعتَهُ / بالمَكرُماتِ وحيّا تُربَهُ المَطَرُ
لَئِن سَلاهُ فُؤَادي ما بَقِيتُ فقد / رَكِبتُ في الحُبِّ ذَنباً ليسَ يُغتَفرُ
لا أفلحَ البينُ ما أمضَى مَضاربَهُ / كالبرقِ يُخطَفُ من إيماضِهِ البَصَرُ
نَسعَى ونَجمَعُ ما نَجنِي فيَسلُبُهُ / منَّا جُزافاً ويَمضِي وَهْوَ مُفتَقِرُ
إنَّ الحياةَ كظلٍّ مالَ مُنتقِلاً / إلى حَياةٍ بِدارِ الخُلدِ تُنتظَرُ
هي الطريق التي تُفضي إلى خطرٍ / وحَبَّذا السيرُ لولا ذلكَ الخطرُ
نُمسِي ونُصبحُ في خَوفٍ يطولُ بها / فلا يَطيبُ لنا وِرْدٌ ولا صَدَرُ
إذا انجلتْ غَمْرةٌ قامت صَواحِبها / فليسَ تَنفكُّ عن تأريخها الغُمَرُ
لا تَبكِ إن جَدَّ بعضُ القومِ في السَفَرِ
لا تَبكِ إن جَدَّ بعضُ القومِ في السَفَرِ / إذا تَيقَّنتَ أنَّ الكلَّ في الأثَرِ
واعجَلْ إذا قُمتَ للتوديعِ في غَلَسٍ / فرُبما فاتَكَ التوديعُ في السَحَرِ
تَعدوُُ المنايا على الأرواحِ خاطفةً / منَ الأجِنَّةِ حتى الشيخِ في الكِبَرِ
تُرَى أيَذهبُ يَومٌ لا يُقالُ بهِ / قد ماتَ زيدٌ وماتتْ هِنْدُ في الخَبَرِ
يا يومَ يوسُفَ في الأيامِ نَحسَبهُ / نَظيرَ صاحِبهِ المشهورِ في البَشَرِ
يومٌ بهِ الناسُ قد شَحَّتْ قُلوبُهمُ / بالصَبرِ إذْ جادتِ الأجفانُ بالدُرَرِ
يومٌ تزَعزَعَ رُكنُ المَكرُماتِ بهِ / واكمَدَّتِ الشمسُ من حُزنٍ على القَمرِ
يومٌ بهِ العُجْمُ قبلَ العُرْبِ نادِبةٌ / تقولُ أينَ كريمُ البَدْوِ والحَضَرِ
أينَ الذي كانَ يُستَسقَى الغمامُ بهِ / يوماً إذا ضَنَّتِ الأنواءُ بالمَطَرِ
أينَ الذي كانَ يَقضِي حَقَّ خالقِهِ / في حالةِ الصفوِ أو في حالةِ الكَدَرِ
أينَ الذي كانَ غَوْثَ العائِذينَ بهِ / وعِصمةَ الجارِ عِندَ الضَنْكِ والضَرَرِ
أمسى وليسَ لهُ سَمْعٌ ولا بَصَرٌ / مَنْ كانَ في الناسِ ملءَ السَمْعِ والبَصَرِ
مَنْ لم تَسَعْهُ القُصورُ الشُمُّ باذخةً / قد باتَ منحصِراً في أضيقِ الحُفَرِ
قد كانَ يَصدَعُ ريحُ الطِّيبِ مَفرِقهُ / وكانَ يُؤْذي يديهِ ناعمُ الحِبَرِ
مُبارَكُ الوَجهِ محمودُ الخِصالِ لهُ / قلبٌ سليمٌ من الأدرانِ والوَضرِ
قد عاشَ فينا سعيداً بالغاً وَطراً / وماتَ عنَّا سعيداً بالغَ الوَطَرِ
سارَتْ لَدَى نَعشِهِ الأشرَافُ ماشيةً / تحتَ السَناجقِ ذاتَ الوَشْيِ والصُوَرِ
يبكي عليهِ بدَمعٍ فاضَ مُنسجماً / من ليسَ يبكي لوَقْعِ الصارِم الذَكرِ
ويلاهُ من فَتْكِ دُنيانا الغَرُورِ بنا / وَهيَ الحبيبةُ نَهواها من الصِغَرِ
شِبْنا وشابَتْ وما شابَتْ صبَابَتُنا / بِها ولا انتَبهَتْ عينٌ إلى السَهرِ
هذا الطَريقُ إلى دارِ البَقاءِ لنا / فلا تَفاوُتَ بينَ الطُولِ والقِصَرِ
وهو السَقامُ الذي عزَّ الدَواءُ لهُ / وليسَ تَنفَعُ منهُ شِدَّةُ الحَذَرِ
يا غافلينَ استفيقوا اليومَ واعتَبِروا / بما تلاقونَ في الدُنيا منَ العِبَرِ
الموتُ أعظَمُ شيءٍ عندَنا خَطَراً / والموتُ أيسرُ من عُقباهُ في الخَطَرِ
لِهذا الفَرْقِ دانَ الفَرْقدانِ
لِهذا الفَرْقِ دانَ الفَرْقدانِ / على خَجَلٍ فليسَ الفَرْقُ داني
وهذا القَدُّ تَحسُدُهُ العَوالي / على طَعنٍ يَشُقُّ بلا سِنانِ
بِرُوحي وجَنةٌ لاحَتْ وفاحَتْ / فكانَتْ وَردةً مِثلَ الدِّهانِ
عليها الخالُ قامَ كتاجِ مُلكٍ / فكانَ لها العِذارُ كَصَوْلجَانِ
عِذارٌ خَطَّ بالرَّيحانِ سَطراً / يَشُقُّ على لِسانِ التَرْجُمانِ
كساها سُندُساً خُضراً فألقَى / عَلَيَّ الدَمعُ ثَوبَ الأُرجُوانِ
أقولُ لعاذلي مَهلاً فإنِّي / أرَى الإحسانَ في حُبِّ الحِسانِ
فلَستُ نَظِيرَ صاحِبكُمْ أُوَيسٍ / ولَسْتُ لِصاحبي العُمَريِّ ثاني
شِهابُ الدِّينِ في الدُنيا غنيٌّ / بحُبِّ العِلم عن حُبِّ الغَواني
شِهابُ الدِّينِ في الزَوراءِ نُورٌ / يُضِئُ على أقاصي المَغْرِبانِ
ثوَى أَرضَ العراقِ فكانَ غَيثاً / بهِ تُروَى الأَباعِدُ والأَداني
فغَنَّتْ وُرْقُ لُبنانَ ابتِهاجاً / وقد بَسَمَتْ ثُغورُ الأُقُحوَانِ
أَتاني منهُ تَقريظٌ بديعٌ / تَفَنَّنَ في المعاني والبَيانِ
حَكَى عِقْدَ الجُمانِ وليس كلٌّ / يَلِيقُ بِجِيدِهِ عِقدُ الجُمانِ
على بَلَدِ السَّلامِ وساكِنيِها / سَلامُ اللهِ من غُرَفِ الجُنانِ
أَتوقُ على السَّماعِ إلى حِماها / كما اشتاقَ المُحبُّ على العِيانِ
تُرَى عيني تَرَى مَن لا أَراهُ / كما حَكَمَ القَضاءُ ولا يَراني
لَئِنْ سَمَحَ الزَّمانُ لنا بيومٍ / فذاكَ اليَومُ يَومُ المِهْرَجانِ
مَتَى نرجو الثَباتَ مِنَ الزَّمانِ
مَتَى نرجو الثَباتَ مِنَ الزَّمانِ / وشَطراهُ كأَفراسِ الرِهانِ
يُطارِدُنا بلا قَدَمٍ ويغزُو / بلا سَيف يُسَلُّ ولا سِنانِ
يقودُ الجَيشَ والساعاتُ فِيهِ / هِيَ الأَعوانُ للحربِ العَوانِ
إذا رُمتُ الفِرارَ بهِ فإِنِّي / فَرَرْتُ منَ الطِّعانِ إلى الطِّعانِ
عَرَفنا الدَّهرَ في الحالَينِ قِدْماً / فهانَ بهِ علينا كلَّ شانِ
يمرُّ عليَّ يومُ البُؤسِ فيهِ / كما قد مرَّ يومُ المِهرَجانِ
فِراقٌ واجتماعٌ كُلَّ أَينٍ / ونَوْحٌ وابتِسامٌ كلَّ آنِ
وما هذا ولا هذا بباقٍ / ولكنْ كلُّ ما في الأرضِ فانِ
بِعَيني مَن تَرَى في البُعدِ عيني / وأَحسَبُهُ على بُعدٍ يَراني
دنا منِّي فأَنْأَتْهُ اللَيالي / نأَى عَنّي فأَدنَتْهُ الأَماني
حبيبٌ لا يَلِيقُ اللَومُ فيهِ / نَعَمْ لكنْ تلِيقُ بهِ التَّهاني
وما كُلُّ الأَحِبَّةِ أَهلُ لَومٍ / ولا كُلُّ الهَوى شَرَكُ الهَوَانِ
هُوَ البَدرُ المُنيرُ بَغَى أُفُولاً / فمالَ الصُبحُ نحوَ المَغرِبانِ
رَجَوْنا عَوْدَهُ والشَّهرُ ثانٍ / فلم يَسمَحْ بهِ والعامُ ثانِ
تُذكِّرُنِيهِ لائِحةُ الدَراري / إذا سَطَعَت ورائِحةُ الجِنانِ
وأنِصبُ شَخصَهُ غَرَضاً لعيني / فتَرميهِ بَمدمَعِها الجُمانِ
على تلكَ الدِيارِ لَنا سَلامٌ / نُرَدِدُهُ مع البَرقِ اليماني
وهل يَشفِي السَلامُ غليلَ شَوقٍ / لِصَبٍّ ليس يُشفى بالعيانِ
فَعَلَت كما فَعَلَتْ سُلافُ الساقي
فَعَلَت كما فَعَلَتْ سُلافُ الساقي / هَيفاءُ تَحكِي الغُصنَ في الأَوراقِ
لَبِسَتْ منَ الوَشيِ البديعِ مَطارِفاً / ولها من الأَسرارِ حَبْكُ نِطاقِ
أَحيَتْ بِزَورتِها فُؤَادَ مُحِبِّها / مِثلَ السَّليمِ أتاهُ نَفثُ الراقي
بَعَثَ الحبيبُ بها إليَّ حبيبةً / هاجَتْ إليهِ بلابلَ الأشواقِ
مكنونةٌ أَخَذَت خُدُورَ صَحائِفٍ / فإذا بَدَت أَخَذَت خُدُورَ تَراقِ
أَلقَتْ على بَصَري وسَمعي صَبْوةً / فكلاهُما من عُصبةِ العُشَّاقِ
يا سَيِّداً مَلَكَ النُفوسَ بلُطفِهِ / فغدَت رقيقةَ رِقَّةِ الأخلاقِ
أَسمعتَها نظمَ الحبيبِ فما دَرَتْ / أحبيبُ طيٍّ أم حبيبُ عِراقِ
قد جاءَني منكَ المديحُ كأَنَّهُ / زَهرٌ يَمُدُّ لقَفرةٍ بِرِواقِ
من صَنعةِ الأَقلامِ كانَ طِرازُهُ / وطِرَازُكم من صَنعةِ الخلاَّقِ
أَهدت لَنا نَفَحَاتِ الرَوضِ في السَحَرِ
أَهدت لَنا نَفَحَاتِ الرَوضِ في السَحَرِ / خريدةٌ من ذَواتِ اللُطفِ والخَفَرِ
خاضَتْ إلينا عُبابَ البحرِ زائرةً / فليسَ بِدْعٌ بما أَهدَتْ من الدُرَرِ
كريمةٌ من كريمٍ قد أَتَت فلها / حَقُّ الكَرامةِ فَرْضاً عِندَ مُعتَبرِ
أهدَى إلينا بها رَبُّ القريضِ كما / أَهدى السَّحابُ إلينا صَيِّبَ المطرِ
محمدُ العاقلُ الشَهمُ الذي اشتهرتْ / أَلطافُهُ بينَ أهلِ البدو والحَضَرِ
في طِيبِ مَجلِسِهِ عِلمٌ لمُقتبِسٍ / وفي رَسائِلِهِ جاهٌ لمُفتَخِرِ
رَحْبُ الذِراعِ طويلُ الباعِ مُقتدِرٌ / قد نال أَسرارَهُ من فضلِ مُقتَدِرِ
كأنهُ النيلُ في فيضٍ وفي سَعَةٍ / لكنَّ مَورِدَهُ صفَوٌ بلا كَدَرِ
ماضي اليَراعِ يوشّي الطِرسَ عاملُهُ / فيُبرِزُ الحْبِرَ في أَبهَى من الحِبَرِ
تَجري على الصُحُفِ الأَقلامُ في يَدِهِ / فتُحسِنُ الجمعَ بينَ البِيضِ والسُمُرِ
أَصَبْتُ من بحرِ عِلمٍ لُجَّةً طَفَحَتْ / فكُنتُ من غَرَقٍ فيها على خَطَرِ
تَخُوضُ فيها الجواري المنشآتُ بِنا / من النُّهَى لا منَ الأَلواحِ والدُسُرِ
أَهلاً بزائرةٍ غَرَّاءَ قد نَزَلَتْ / في القلبِ مرفوعةً منهُ على سُرُرِ
أَحيتْ كليمَ فُؤَادٍ لي فقُلتُ لهُ / أُوتِيتَ سُؤْلكَ يا مُوسى على قَدَرِ
رَبيبةٌ من ذَواتِ الغُنجِ والحَوَرِ
رَبيبةٌ من ذَواتِ الغُنجِ والحَوَرِ / سَبَتْ فُؤَادي فلم تُبقي ولم تَذَرِ
قد هاجتِ الشَوقَ مني نحو مُرسِلِها / فأَصبَحَ السَمْعُ محسوداً من البَصَرِ
أَهدَى بها حَمَدُ المحمودُ مَكرُمةً / منهُ فكانَ جليلَ العينِ والأَثَرِ
هو الكريمُ الذي تَسمُو مَواهِبُهُ / عن النُضارِ فيُهدِي أَنفَسَ الدُرَرِ
أَفادني من عطاياهُ بِنافلةٍ / جاءَت على غيرِ مِيعادٍ ولا خَبَرِ
خَيرُ الكرام الذي يُعطيكَ مُبتدِئاً / وأَبهَجُ الرفد رِفْدٌ غيرُ مُنتَظَرِ
اللَوْذعي الذي في مِصرَ مَجلِسُهُ / وذِكرُهُ لا يَزالُ الدَّهرَ في سَفَرِ
جِهادُهُ في سبيلِ العِلم مُلْتَزَمٌ / وهَمُّهُ الدَّرسُ في الآياتِ والسُوَرِ
قد جاءَني مدحُهُ عَفواً فحمَّلَني / شُكراً ثقيلاً عظيمَ القَدْرِ والقَدَرِ
لَبِستُ حُلَّةَ فخرٍِ منهُ زاهرةً / بالحُسنِ لكنَّها طالَتْ على قِصَري
راقَتْ بعَينَيهِ أَبياتٌ قد انتشرَتْ / في مصرَ كالحشَفِ المطروح في هَجَرِ
هاتيكَ أسعدُ أبياتٍ ظفرتُ بها / فإنَّها جعلَتني أسعدَ البشَرِ
عينٌ قدِ استَحسنَتْ مَرْأىً فطابَ لها / واللهُ يَعلَمُ سِرَّ العينِ في الصُوَرِ
أَخافُ إنْ قُلتُ لم يَصدُقْ لهُ نَظَرٌ / مَن كان في كلِّ أَمرٍ صادقَ النَظَرِ
بَكى حَتى بَكَيتُ على بُكَاهُ
بَكى حَتى بَكَيتُ على بُكَاهُ / جَرِيحٌ عينُهُ نَزَفَتْ دِماهُ
يُسائلُ أَينَ حَلَّ رِكابُ لَيلى / ويَنسَى أنَّ لَيلَى في حشاهُ
هَوَى قلبٍ تَعَلَّقَهُ اختياراً / فَصارَ عَنِ اضطِرارٍ مُنتَهاهُ
ونارُ الحُبِّ يُوقِدُها غُرُورٌ / ولكنْ ليسَ يُخمِدُها انتبِاهُ
تَنُودُ بنا العَواطِفُ راكباتٍ / طَريقاً لا تُقيمُ على هُداهُ
فنَهوَى مَن تراهٌ العينُ طَوراً / ونَهَوى تارةً مَن لا تَراهُ
هَوِيتُ النازلَينِ دِيارَ مِصرٍ / وقلبي قد أَحَلَّهما حِماهُ
هُما القَمَرانِ في أكنافِ أَرضٍ / يَغارُ النَجْمُ منها في سَماهُ
كِلا الرَجُلَينِ من أَفرادِ عَصرِ / يُقصِّرُ كُلُّ عصرٍ عن مَداهُ
وكُلُّهما حُسامٌ مَشرَفيٌّ / تَلُوحُ إذا استُطِيرَ بهِ المِياهُ
أَصابا كُلَّ مَحمِدَةٍ وفَضلٍ / لهُ بينَ الوَرَى شَرَفٌ وجاهُ
فذاكَ مُحمَّدٌ يُثنَى جميلاً / عليهِ وذاكَ مِن حَمدٍ ثَناهُ
يَصُولُ يَراعُ كلٍّ في يَدَيهِ / بأَنفَذِ ما تَصُولُ بهِ قَناهُ
وأَبلغِ ما تُقَلِّبُهُ قُلوبٌ / وأفَصَحِ ما تَفُوهُ بهِ الشِفاهُ
أَطاعَهُما القَرِيضُ فكانَ عَبداً / بأَسهارِ الليالي مُشتَراهُ
ولو عَرَفَتْهُما الأَعرابُ قِدْماً / لَخرَّتْ نحوَ شِعِرِهِما الجِباهُ
على الإسكَندَريّةِ كلَّ يومٍ / سَلامُ اللهِ مُعتنِقاً رِضاهُ
لَئِنْ يكُ فاتَها جَبَلٌ ففيها / جِبالٌ في معارِجِها يُتاهُ
بها الجَبَلانِ من عِلمٍ وحِلمٍ / وحَزمٍ قد أَقامَهُما الإِلهُ
علَينا قام ظِلُّهما مديداً / ونورُ الشمسِ يَسطَعُ من وَراهُ
نَهيمُ إلى ضِفافِ النِيلِ شَوقاً / وإِنْ بَعُدَتْ علينا ضِفَّتاهُ
ونَرصُدُ كلَّ غاديةٍ عَساها / ترَشَّفَتِ المَواطِرَ مِن صَفاهُ
هِيَ الدُنيا تَغُرُّ بِها الأماني / وأَينَ مِنَ الذي غَرَّتْ مُناهُ
أَماتَتْ في هَواها كلَّ نفسٍ / وكلَّ فُؤَادِ صَبٍّ في هَواهُ
تَدورُ بنا على عَجَلٍ رَحاها / وداعي الموتِ قد دارتْ رَحاهُ
إذا غَرَسَ الفَتَى فيها رَجاءً / فلا يرجو الحَياةَ إلى جَناهُ
لكلِ كَرامةٍ زَمَنٌ يَعُودُ
لكلِ كَرامةٍ زَمَنٌ يَعُودُ / كما يَخَضَرُّ بَعدَ اليُبسِ عُودُ
وإِنَّ الدَّهرَ يَبخُلُ بعدَ جُودٍ / وبعدَ البُخْلِ ننظُرُهُ يجودُ
لَئِنْ فاتَ البِلادَ قديمُ عَصرٍ / فها قد جاءَها عَصرٌ جديدُ
وإِن شَقيَتْ بلادُ الشُّوفِ قدْماً / فإِنَّ اليومَ صاحبَها سَعِيدُ
كريمٌ شادَ بينَ الناسِ ذِكراً / بهِ الآباءُ تَحْيا والجُدُودُ
أَعادَ لنا البشيرَ وما كفاهُ / فكانَ على مُجرَّدِهِ يَزيدُ
عَرَفناهُ على بُعدٍ ولكنْ / تَعاظَمَ إذ دَنا ذاكَ البَعيدُ
وما كَذَبَ السَّماعُ بهِ ولكنْ / تَزَكَّتْ عِندَ رُؤيتِهِ الشُّهودُ
رئيسٌ في عَشائِرِ آلِ قيسٍ / تَسِيرُ لَدَى مَواكِبِهِ البُنودُ
يَشُبُّ النَّارَ في سِلْمٍ وحَرْبٍ / وفي الحالَيْنِ ليسَ لها خُمُودُ
هُوَ الرُّكنُ الذي لولاهُ كادتْ / قواعدُ طُورِ لُبنانٍ تَميدُ
إذا كانتْ بِلادُ الشُّوفِ تُدعَى / جَوانِبَ خَيمةٍ فَهُوَ العَمودُ
هَجَرَتْ فبِتُّ بمُقلةٍ لم تَرْقُدِ
هَجَرَتْ فبِتُّ بمُقلةٍ لم تَرْقُدِ / فأَنا على الحالينِ راعي الفَرْقَدِ
يا طَالما حَكَتِ النُجومَ بحُسنِها / حَتَّى حَكَتها في المَقامِ الأَبعَدِ
سُبحانَ من طَبَعَ القُلوبَ على الهوَى / فتَراهُ يَقصِدُها وإنْ لم يُقصَدِ
لاخيرَ في قَلبٍ بلا شُغلٍ ولا / أَرَبِ فذلكَ قِطعةٌ من جَلمَدِ
ولَقد وَقَفتُ على المنازِلِ باكياً / بينَ العميقِِ وبينَ بُرقةِ ثَهمَدِ
ما كانَ من شِيَمِي البُكاءُ وإنَّما / يأتي الزَّمانُ بشِيمةٍ لم تُعهدِ
ولَرُبَّ طَيفٍ زارَني تحتَ الدُّجَى / فلَقيتُهُ طَرَباً بلَهجةِ مَعَبَدِ
وسألتُ زَورَتهُ الغدَاةَ فقالَ لي / مَهلاً إذا ما جَنَّ لَيلُكَ فارصُدِ
يا جائِرِينَ على ضَعيفٍ حائرٍ / لا يَهتدي وَيَوَدُّ أن لا يَهتدي
ما في يدي سيفُ الإمامِ ولا أَرى / قَلَمَاً لشَيخِ القُطرِ يَجرِي في يدي
العالمُ العلمُ الذي من ظِلِّهِ / عَلَمٌ على تَيماءَ حتى المِربَدِ
يَلقاهُ طالِبُهُ بمُقلةِ خاشعٍ / ويَراهُ حاسِدُهُ بمُقلةِ أَرمَدِ
قابلتُهُ فنَظَرتُ شخصاً رَيثَما / جالستُهُ فإذا ببحرٍ مُزبِدِ
ولَكَمْ سَمِعتُ بهِ فحينَ رأَيتُهُ / ضَحِكَ العِيانُ على السَّماعِ المُسنَدِ
رجلٌ لَدَى الأَسماءِ يُحْسَبُ مُفرَداً / لكن لَدَى الأَفعالِ ليسَ بمُفرَدِ
لو أنَّ فُسحةَ عِلمِهِ في عمرهِ / لَرَجَوْتُ أن يَبقى ليَومِ المَوعدِ
أَرضى الإلهَ وخَلقَهُ كمُؤَلِّفٍ / يوماً بِنُونِ البحرِ ضَبَّ الفَدفَدِ
فيَظَلُّ يَجَهَدُ في المَدارِسِ يَومَهُ / أَبَداً ويُصبحُ عاكفاً في المَسجدِ
أَهدَيتُهُ من آلِ عيسى غادةً / أَلقى بها الإِعرابَ آلَ محمَّدِ
فإذا اقتَصَرتُ فلا لأِنَّ صِفاتِهِ / نَفِدَتْ ولكنْ ضاقَ ذَرعُ المُنشِدِ
قِفْ بالدِّيارِ وحَيِّ القومَ عن كَثَبِ
قِفْ بالدِّيارِ وحَيِّ القومَ عن كَثَبِ / فكم لنا عِندَ ذاكَ الحَيِّ من أَرَبِ
دارٌ تَرَكتُ بها قَلبي على ثِقَةٍ / من حِفظهِ إِنَّهُ في ذِمَّةِ العَرَبِ
أودَعتُهُ مَن يَصُونُ الجارَ مؤْتَمَناً / ولا أَمانَ بكفَّيهِ على الذَهَبِ
الحافظُ العهدِ تأْبى الغَدرَ شِيمتُهُ / والصَّادِقُ القولِ معصوماً من الكَذِبِ
هوَ الصَّديقُ السَّليمُ القلبِ من وَضرٍ / وَهوَ الأَميرُ الكريمُ النفسِ النَّسبِ
ما خابَ راجِيهِ في ضيقٍ وفي سَعَةٍ / ومَنْ دعا خالدَ الوهَّابَ لم يَخِبِ
إنّي عَقَدتُ لهُ عَهداً أَقومُ بهِ / في القُربِ والبُعدِ بينَ الحَرْبِ والحَرَبِ
يَزُورُني منهُ طَيفٌ عِندَ هِجرَتهِ / فكانَ عنِّي على الحالينِ لم يَغِبِ
رُوحي إلى اليَمَنِ الميمونِ طائرةٌ / على جَناحٍ من الأَشواقِ مُضطَرِبِ
أَستخدِمُ الريحَ في حَملِ السَلامِ لهُ / منِّي فتَخطَفُهُ الأَنواءُ في السُحُبِ
يا حَبَّذا بُرَقُ الأَعراب من بُرَقٍ / وحبَّذا هضَبُ الأَعرابِ من هِضَبِ
وحبَّذا كلُّ رَبْعٍ في مَنَازِلِهِمْ / كأنَّما السُمْرُ فيهِ غابةُ القَصَبِ
وكلُّ مَرْعىً بهِ الأَنعامُ سائمةٌ / كأَنَّها كُثُبٌ قامتْ على كُثُبِ
وكلُّ دارٍ بها الضِرغامُ مُؤْتلِفٌ / بالظَبيِ بينَ عَرُوض البَيتِ والطُنُبِ
يأْتونَ من نَحْرِ ذي الدِرعِ المنيعِ دُجَى / ليلٍ إلى نحرِ ذاتِ السَرْجِ والقَتَبِ
لا تَنطفي نارُهم إلا على وَدكٍ / يجري فيَفصِلُ بينَ النارِ والحَطَبِ
بَلَغَتَ يا أَيُّها الوهَّابُ ما بَلَغُوا / وفُقْتَهُم بجَمالِ اللُطفِ والأَدبِ
وَرِثتَ خيرَ أَبٍ في المجدِ مُشتهِرٍ / ولو عَدَاكَ أَبٌ أَورَثْتَ خيرَ أَبِ
هذِهْ صَحيفةُ مُشتاقٍ يُذكِّرُكم / عَهداً لنا عندكم من سالفِ الحِقَبِ
إنْ فاتني الكاتبُ المحبوبُ مَنظَرُهُ / فإنَّني اليومَ أرضى منهُ بالكُتُبِ
عاجَ المتيَّمُ بالأطلالِ في العَلَمِ
عاجَ المتيَّمُ بالأطلالِ في العَلَمِ / فأبرَعَ الدَمعُ في استهلالِهِ العَرِمِ
دَمعٌ جَرَى عن دَمٍ أو عَنْدَمٍ خَضِلٍ / يَسقي الرِّكابَ ولكنْ ليسَ بالشَبِمِ
حَيٌّ على حيِّ مَيٍّ مَيّتٌ لَحِقتْ / بذَيلِها نَفسُهُ لو تَمَّ رِيُّ ظَمِي
يَصبُو على الذِّكرِ سُكراً كيفَما ذُكرتْ / لهُ فقد أنَّ أنَّى اشتُقَّ لفظُ فمِ
ما لي أُلفِّقُ صُحْفَ العُذرِ في طَرَفٍ / من غَدْرِ مَن فيهِ مالي لا يَفي بدَمي
قد أطلقَ اللحظَ في لفظٍ يُحرِّفُهُ / فراحتِ الرُوحُ بينَ الكَلْمِ والكَلِمِ
وَقَى وَقَدْ وَقَدَ الأحشاءَ سِرَّ هَوىً / بها ليرفُو بِلَى الأطماعِ في الذِمَمِ
من دُرِّ دُرْدُرِ ثَغرٍ طابَ مَرشَفُهُ / كم سال سَلْسالُ دَمعٍ فيهِ مُرتكمِ
ثَبَتُّ في فِتنةٍ شَبَّتْ فَشِبْتُ ففي / شبيبتي شيبةٌ شَنَّتْ بني جُشَمِ
رَمَى هَوَى الغيد بي في البِيدِ رافلةً / عيِسُ النَّوَى في النَّواحي بي بلا خُطُمِ
آرامُ خَيفٍ كِرامٌ في أساوِدِها / بيضٌ صِحاحٌ تُخيفُ الأُسْدَ في الأكَمِ
قَضَتْ بخيبةِ جَفنٍ فَضَّ في شَجَنٍ / دَمعاً كدُرٍّ طُلاها اللامعِ العِصَمِ
لا عطَّلَ اللهُ دَمعاً سالَ وَهْوَ دَمٌ / عَكْساً ولا حالَ وَردٌ لاحَ كالعَلمِ
يحلو الضَّنى في الهَوَى عِندي مُغايَرةً / في العاشِقينَ لمن يشكو من السَقَمِ
هيهاتِ هيهاتِ ما أرجوهُ من رَشأٍ / وقد تَكرَّرَ منهُ اليأسُ في القِدَمِ
مَهْما أشارَ بهِ في اليومِ قُلتُ نَعَمْ / وليسَ لي عِندَهُ في الدَّهرِ مِنْ نَعَمِ
خَطَّ العِذارُ على مصقولِ عارضِهِ / حِسابَ أسْراهُ توليداً من الرَّقَمِ
أغَمضتُ شكوايَ من جَورٍ فَفسَّرها / بجَمعِنا منهُ بينَ الخَصْمِ والحَكَمِ
يا طالما مَثَّلتْ عينايَ صُورَتهُ / كمَنظَرٍ في غَديرِ الماءِ مُرتسِمِ
بَكَيتُ فافتَرَّ فانْجابتْ لنا دُرَرٌ / حتى تَطابَقَ منثورٌ بمُنتظمِ
هازَلتُهُ في اتِّساعِ الجِدِّ تَوْرِيةً / فقالَ سَلْ مَنْ أحلَّ الصَيدَ في الحَرَمِ
قلتُ اقْضِ قال اعتَزِلْ قُلتُ امضِ قال أقِلْ / فأبطَلَ القَبضُ ما وَجَّهتُ في السَّلَمِ
قابلتُهُ خاشِعَ الأبصار مُبتسمِاً / فصَدَّ عنّي دَلالاً غيرَ مُبتسِمِ
لَمَّا رأى مَدمَعي شِبهَ الشقيقِ جَرَى / راعَى النَظيرَ فغَطَّى الوَردَ بالعَنَمِ
خَيَّرتُهُ بينَ عيني والحَشا فَثَوَى / عيني ليَحجُبَها عن سائرِ النَسَمِ
طَيُّ الهَوَى نَشَرتْهُ عَبْرةٌ عَبَرَتْ / بزَفرةٍ فمَزَجْتُ الماءَ بالضَّرَمِ
أدمجتُ شكوايَ منهُ في العِتابِ وما / يُجدي العتابُ ولا الشَكوَى مَعَ الصممِ
أمسَى يُعنّفُني اللاحي فقُلتُ تُرَى / أما اكتفَيتَ بما راجعتَ قال لَمِ
فقُلتُ إنَّكَ فردٌ لا نظيرَ لهُ / إذْ رُمتُ إبهامَ سَمْنِ الوَصفِ بالوَرمِ
ماذا تُحاوِلُ يا شَعبانُ من رَجَبٍ / بمَعَنويِّ مَلامٍ منكَ مهُتضِم
أنتَ الصَبُورُ على ذَمِّ تُصادِفُهُ / في مَعرضِ المدحِ ذو حِلمٍ عن التُهَمِ
أبدَعتَ في اللَومِ لُؤماً لم يُلِمَّ بهِ / فَصلٌ من الحُكْمِ أو فَضلٌ من الحِكَمِ
لولا التَّهكُّمُ في نُصحي ائْتَمَرَتُ بهِ / إنَّ النَصيحةَ عِندي أحسَنُ الشيَمِ
أحكَمتَ في الخيرِ سِرّاً بارعاً حَسَناً / فاترُكْ مُؤَارَبَتي يا طاهِرَ الحُرَمِ
قدِ اشتَهرتَ بتَسْهيمِ الرُّقَى عَلَماً / فأنتَ أشهَرُ من نارٍ على عَلَمِ
يا راحِلينَ انظُرونا نَقتبِسْ طَرَفاً / من نُورِكم فهو يَهْدي العينَ في الظُلَمِ
جَرَّدتُ قلبَ شجيٍّ سارَ إثْرَكُمُ / مُستتبِعاً غُمضَ جَفنٍ باتَ لم يَنَمِ
أطمعتُ عيني برَصدِ الطَّيفِ مُنتظِراً / زيارةَ الزُورِ في ضغْثٍ من الحُلُمِ
حَصَرتُ مُلحقَ أجزاء الهَوَى فأنا / أهلُ الهَوَى بمِلاحِ الأرضِ كُلِّهمِ
بَكَيتُ حَوْلاً ولكنْ غيرَ مُعتذرٍ / وغيرَ مُستدرِكِ التلميحِ بالنَدَمِ
طرَّزتُ زَهْرَ الرُّبَى بالدَّمع مُنسجماً / في طيّ مُنسجِمٍ في طَيِّ مُنسجِمِ
في مَنزِلِ السِرِّ منِّي فِتنةٌ هَتَكتْ / سِترِي فأردَفتُ دَمعي غيرَ مُحتشِمِ
تيَّمتُ في القلبِ صَفْوَ الحُبِّ مُحترِساً / مَعَ التَّمكُّنِ من سَعيٍ إلى اللَمَمِ
حتى عَصانيَ صَبري بعدَ طاعتهِ / وطاعني بذلُ دَمعٍ كانَ في عِصَمِ
وعَرَّضَ الحُبُّ نفسي للبَلاءِ ولَمْ / أكُنْ بمُتلفِ نفسٍ غيرَ مُغترِمِ
سُهدٌ ووَجدٌ وتَعديدٌ أنوحُ بهِ / وزَفرةٌ كأجيجِ النَّارِ في الأجَمِ
وأدمُعٌ أربَعٌ ضَمَّنتُ مُزدَوِجاً / منها فَرائدَ ياقوتٍ فقُلتُ عِمِي
رَجَوتُ أن تَرجِعَ الأيَّامُ تَجمَعُنا / هيهاتِ لا نَتْجَ أرجُوهُ من العُقُمِ
ذَيَّلتُ بالنَّوحِ دَمعاً لا أُلامُ بهِ / ومَن بَكى لِفراقِ الإلفِ لم يُلَمِ
دَبَّجتُ صُفرةَ خَدِّي بالدُّمُوع جَرت / حُمراً وأسْوَدُ رأسي ابيضَّ عن أمَمِ
بالَغتُ مُلتزِماً ما ليسَ يَلزَمُني / حتى دُعيتُ إمامَ العِشق في الأُمَمِ
فلو أطعتُ انسِجامَ الدَمعِ حينَ جرى / لأغرقَ الرَكْبَ فوقَ الأينُقِ الرُسُمِ
ولو تَنفّستُ فوقَ البحرِ حينَ غَلا / غليلُ صَدري لخُضتُ البحرَ بالقَدَمِ
يا جيِرةَ العلَمِ المردود صاحبها / صَدراً لعَجْزٍ ينادي جِيرةَ العَلَمِ
سارُوا وما التَفتُوا نحوَ القتيلِ بهم / نَفسي فِداكُم كَرِهتُمْ مَيظَرَ الرِمَمِ
قالوا أصبْنا فلا تُوجِبْ مَلامَتَنا / نَعَمْ أصابُوا فُؤاداً بالسِّهامِ رُمي
يَكنِي عن السُهدِ طُولُ الليل بَعدَهم / مُستطرِداً من قَصيرِ الذيلِ كالهِمَمِ
قد أطعَمَتْهُ بما أرضاهُ عن كَثَبٍ / سُهولةُ الظَرْفِ فاقتادَتْهُ كالنَّعَمِ
مُرْضىً فَدَعْ أمَلاً لا يستحيلُ بهِ / بلْ يحتَسي الآلَ ماءً عُدَّ في ضَرَمِ
هُمُ الكِرامُ لهم بينَ الكِرامِ هَوىً / منَ الكرامِ وتَرديدٌ من الكَرَمِ
فطابَ تَرصِيعُ شِعري في الثَّنا لَهُمُ / وخابَ تشريعُ فِكري في المُنَى بهِمِ
أنَّى يُناقضهمْ من لا يُماثلُهُم / حتى يَرُدَّ لهم عاداً إلى إرَمِ
ما الزَّهرُ والزُهْرُ في أُفْقٍ وفي أُفُقٍ / أشهى وأشهَرُ من تَفريعِ ذِكرِهمِ
فَوِّفْ وصُغْ جملاً وأنشدْ وطِبْ زَجَلاً / وانزِلْ على حَرَمٍ من أشطُرِ الخِيَمِ
لي بَينَها قَمَرٌ في طَرْفِهِ حَوَرٌ / في ثَغرِهِ دُرَرٌ والسِمْطُ من سَقَمي
سَاوَى على لَوحِ ياقوتٍ لعارِضهِ / سَطرَين من خَطّ رَيحانٍ بلا قَلَمِ
أبكِي فأودِعُ وَرْداً ضمِنَه خَجَلاً / إنّ الحَيا يُنبِتُ الأزْهارَ في الأكَمِ
شَبَّهتُ شَيئينِ من أعطافِهِ ودِما / دمعي بشيئينِ مَوجِ البحرِ والدِيَمِ
وقُلتُ هل كانَ لولا البحرُ من مَطَرٍ / فصَحَّ لو كانَ يُجدِي مَذهَبُ الكَلِمِ
بَشَّرتُ طَرْفي بمرْآهُ فبَشَّرني / مُشاكلاً بالعَذابِ الهُونِ والنِقَمِ
مَن كانَ يبخَلُ عنّي بالكلامِ فهل / أرجُو لهُ في اجتماعِ الشَّملِ من كَرَمِ
أهوَى العَذُولَ الذي أمسى يُعللّنُي / بذِكرِهِ فَهْوَ عندي خيرُ مغتَنِمِ
يُصوِّرُ الذِكرُ لي ميمُونَ طَلعتِهِ / وَهْماً فيُوضِحُ لي عن وَجهِهِ الوَسمِ
يَحْميهِ ماضي لِسانٍ طالَ مُنعطفاً / يَفوهُ باللغُزِ مَنسُوباً إلى البَكَمِ
لو مَرَّ من قَمَرٍ شهرٌ ولم أرَهُ / لم ألقَهُ بعدَها إلاّ بِطَرْفِ عَمِي
رُمتُ الأحاجي بخَدَّيهِ فقُلتُ لهُ / رادَفتَ رَحْلَ لَظىً يا ظَبْيَ ذي سَلَمِ
لا عيبَ فيهِ سِوَى عينٍ إذا مُدِحتْ / في مَعرِضِ الذَمِّ عُدَّتْ من سُيوفِهِمِ
ووَجنةٍ ذاتِ آثارٍ تُرشِّحُها / دَماً وقد خَدَشتْها رِقَّةُ النَّسَمِ
لمعْنَيَيْهِ ائتلافٌ وهْوَ قد فَتَنَ ال / أبصارَ بالحُسن والأسماعَ بالرَنَمِ
تَعطَّفتْ فوقَ ذاك الرِّدْفِ قامتُهُ / تَعَطُّفَ الغُصنِ لمَّا مالَ في القِمَمِ
يا بارعَ الحُسنِ لي فيكَ الشِّفاءُ وقد / طَلَبتَ قتلَ مريضٍ عن سِواكَ حُمِي
أراكَ تَفتَنُّ في قتلي بلا سَبَبٍ / بُشراكَ قد نِلتَ فخراً كان لم يُرَمِ
سَعَت إلى عَدَمي في مَصرَعٍ قَدَمي / ولم تَنَلْ هِمَمي جُزْءاً منَ الشَّمَمِ
ما زالَ عقدُ يميني وجهَ نادرةٍ / كادَت تُؤَثِّرُ فيهِ أحرُفُ القَسَمِ
تألَّفَ اللَفظُ بالمَعنى لِواصِفها / كما تألَّفَ بالأوزانِ في النَغَمِ
محظُورةُ الصيدِ من دُونِ الظِبا كَرَماً / لنُكتةٍ قيلَ فيها ظَبيةُ الحَرَمِ
إذا تَزَاوَجَ دَمعي فافتضَحتُ بهِ / خافَتْ رقيباً فصدَّتْ صَدَّ مُكتتِمِ
حيَّا ليالي بُدُورٍ في الخُدُورِ لَقد / أعارَنا الدَّهرُ إياها فلم تَدُمِ
لم تَلْقَ عيني لها عَيناً ولا أثراً / فلاحَ في الوَهمِ رأيُ الشِرْكِ من ألمِ
تَظَلُّ بيضُ الظُّبَى تَحْمي مَضاجِعَها / فلا مَجازَ إليها دُونَ سفكِ دَمِ
ألدَّهرُ أغرَبُ ما في الدَّهرِ من بِدَعٍ / يَبينُ فيهِ الصِّبَى في قَبضةِ الهَرَمِ
شيخٌ لهُ الليلُ حِبرٌ والضُّحَى وَرَقٌ / يُنشِي فُنونَ اختِراع اللَوحِ والقَلَمِ
أحبابَنا في حَياةٍ نحنُ مُوجَزَةٍ / فيها الغِنَى بالرِّضَى والذُخرُ في الرُّجَمِ
فلا يَدومُ علينا قَبضُ نائبةٍ / ولا يَدومُ لكم بَسطٌ من النِعَمِ
إنّي تَجاهَلتُ في دُنيايَ مَعرفةً / هل كانَ في أهلها مَسٌّ من اللَمَمِ
دارٌ قدِ استَخْدَمَتْ عن صَبْوةٍ غَلَبَتْ / من عهدها المَلِكَ المخدومَ كالخَدَمِ
عَنيفةٌ وَزّعتْ تَوشيعَ طاعتِها / عَدْلاً على المَعْشرينِ العُرْبِ والعَجَمِ
تَنْفي بإيجابها الغاراتِ هُدْنَتَها / فلا تَعُدُّ لَيالي الأشهُرِ الحُرُمِ
بِكْرٌ عَجُوزٌ وَلودٌ حُرَّةٌ أَمَةٌ / قامتْ بتَنسيقِ وَصفٍ غيرِ مُلتئمِ
يُريكَ عنوانَها في الناسِ مُطَّرِداً / كِسرَى بنُ ساسانَ ربُّ التَّاج والغَنَمِ
نَظَلُّ نُرسِلُها في لُؤمِها مَثَلاً / ولا نَزالُ بها لَحْماً على وَضَمِ
هِيَ الدَّنيَّةُ نَدعوها لذلكَ بالدْ / دُنيا اتِّفاقاً وما يُسمَّى بحيثُ سُمِي
دارُ الخَرابِ خَرابُ الدار شيمتُها / وعَكسُ آمال آل المالِ والنِعَمِ
قد أوغَلَ النَّاسُ في حُبِّ الغِنَى سفَهاً / وعاشِقُ المالِ عبدٌ خادمُ الصَنَمِ
لا يَصحَبُ المرءُ شيئاً من غِناهُ ولو / سَلَّمْتُ ذاك لكانَتْ صُحبَةُ العَدَمِ
تجانَفَ القومُ عن تهذيبِ أنفُسِهم / فلا يُراعُون للتأديب من حُرَمِ
ما غَيَّرَ اللهُ عنهم عَقدَ نِعمتهِ / إلاّ وقد غيّروا ما في نفوسِهمِ
كلٌّ يرُوحُ بلا زادٍ سِوَى عمَلٍ / حتَّى المُلوكُ فلا تَستثنِ من أرَمِ
أينَ الذين رَوَى الراوونَ من دُولٍ / وأينَ مَن أرَّخوهُ من ذَوي العِظَمِ
شيبٌ ومُردٌ وأجنادٌ وألْويةٌ / تَفنَى جميعاً كأنْ ما قام لم يَقُمِ
أجسامُهم للثَّرَى تُعطَى وأنفُسُهم / للهِ والمالُ للأعقابِ في القِسَمِ
لا بُدَّ للجمعِ من داعٍ يُفرِّقُهُ / لكن تفاوُتُهُ في الطُّرْقِ الهممِ
والأمس واليوم في الترتيب مثل غد / لهو ولعب يزج السم في الدسم
بئسَ الحياةُ التي طابت أوائلها / إن لم يكن طابَ منها حُسنُ مُختَتَمِ
ماتَ الحبيبُ كأنَّهُ لم يُولَدِ
ماتَ الحبيبُ كأنَّهُ لم يُولَدِ / وسلا المُحِبُّ كأنهُ لم يُفقَدِ
والُحزنُ يُنشِئُهُ الحبيبُ كما نَشا / فإذا بَلِي كبَلآئهِ لم يَعْتَدِ
يا مَن نَراهُ اليومَ يَغلبُهُ البُكا / سَنَراكَ يَعصِيك التَباكي في غَدِ
هَبْ في فُؤَادِكَ من شُجُونِكَ جمرةً / أَرأَيتَ وَيَحْكَ جَمرةً لم تَخمَدِ
كم يجَهدُ الباكي المعَدِّدُ نَوحَهُ / والمَيْتُ لا يَدرِي بنَوْحِ مُعَدِّدِ
المَيْتُ لا يَدري بحالةِ قائمٍ / والحَيُّ لا يَدرِي بحالِ مُوَسَّدِ
لو دام هذا الحُزنُ ألقى رَبَّهُ / في اللحد قبلَ بِلَى الحبيبِ المُلحَدِ
من غابَ عن عينٍ فسَوفَ يغيِبُ عن / قَلبٍ فتِلكَ وِثاقُهُ في المَشهَدِ
لو أنصَفَ الباكُونَ أنفُسَهم بكَوْا / حُزناً عليها في انتِظار المَوعِدِ
هل يأمنُ الباكي هُجومَ حِمامِهِ / ما بينَ مسحِ دُمُوعِهِ المُتَرَدِّدِ
ما لي تَكلَّفتُ النَّصيحةَ مُرِشداً / في ما أعوزُ بهِ نَصيحةَ مُرشِدِ
جُمَلٌ أتيتُ بها اعتِراضاً حيثُ لا / عمَلٌ فما قامت مَقامَ المُفرَدِ
قد كنتُ أرغَبُ أن أرى قلبي كما / أهوَى ولكن ليسَ قلبي في يَدي
والقلبُ مثل العِهنِ إنْ جارَيتَهُ / لكن إذا عاصَيتهُ كالجَلمَدِ
آهاً لهذا الموتِ لا يَرثي لِمَن / يبكي ولا يحنو على المُتَنهِّدِ
كم شَقَّ أكباداً وأبكى أعيُناً / ولكم يَشُقُّ على المَدَى من أكبُدِ
والموتُ ليس بجيِّدٍ لكنّما / لولاهُ كان الحالُ ليسَ بجيِّدِ
لولا قديمُ الموتِ لاصطَنَعَ الوَرَى / مَوتاً فماتَ النَّاسُ بالمُتَجدِّدِ
لو قامَ من قَتَلتْهُ سَطوةُ مِثلِهِ / ضاقت بكثرتِهمْ رِحابُ الفدْفَدِ
والقتلُ قبلَ الموتِ كان قَدِ ابتدا / إذ كان حَتفُ الأنفِ لمَّا يَبتدي
ولقد رأيتُ الأُسْدَ أحسَنَ خَلّةً / من جِنسِ هذا الناطقِ المُتَمرِّدِ
الناسُ تَقتُلُ كلَّ يومٍ بعضَها / والأُسدُ تَقتُلُ غيرَها إذ تَعتدِي
كلٌّ يخافُ من المَنُونِ لوَقتهِ / ونَراهُ يَجهَدُ في الغِنى كمخُلَّدِ
هذا على حُكم الجُنونِ وإنَّما / قد أصبحَ المجنونُ غيرَ مُقيَّد
يا صاحِ ذَرْ عنك التَغَفُّلَ وانتَبِهْ / لا تَنظُرِ الدُنيا بطَرْفٍ أرمَدِ
سَفَرٌ بعيدٌ في مفَاوِزِ قَفْرةٍ / فالوَيلُ إنْ سافَرتَ غيرَ مُزوَّدِ