المجموع : 591
أَلا بَكِّها أُمَّ الأسى والمَصائبِ
أَلا بَكِّها أُمَّ الأسى والمَصائبِ / بِدَمعك سَحّاً بينَ سارٍ وساربِ
وَعاصِ الّذي لم يُهمِ ماءَ جفونِهِ / على فقدِ ماضٍ أو على إِثْر ذاهبِ
ولا تُغرِني بالصَّبْرِ وَالصَبرُ ما لَه / طَريقٌ إِلى ما في الحَشا والتّرائبِ
تَلومُ عَلى ما بي وأنتَ مُسَلَّمٌ / وَقد جبَّ هَذا الرُّزءُ دونَك غاربي
وَإنّيَ مَبْلوٌّ بِما لم تُبل بِهِ / فَلا تُبلِني فيهِ بلومِ المعاتِبِ
وَما مَسَّني فيما مضى مشبهٌ بِهِ / ولا مرّ شاجٍ لِي شجاه بجانبِي
مُصابٌ هَوى بِالشمّ مِن آل هاشمٍ / وَضَعْضعَ ركناً من لُؤَيّ بن غالبِ
وَلَم يَمض إِلّا بالشَّواة عن الشّوى / وَلم يرضَ إلّا بالطُّلى والذوائبِ
وَناعٍ نَعى نفسي ولم يدرِ أنّه / نَعاها فَأَغراها بلدمِ تَرائِبي
ولَم أَشفِ ما بي مِن جَوىً ومضاضةٍ / بِقَرع جبيني أَو غَضيض رَواجبي
تَمَنّيت لمّا أَن أتى وهو صادِقي / على الرّغمَ منّي أنّه كانَ كاذبي
نَسيبيَ بالودّ الصّحيح وفضلةٌ / على ودّنا ما بيننا من مَناسِبِ
وما ضرّ من كان القريبَ مودّة / مقرّبةً أنْ لم يكن من أقاربي
عَططتُ اِصطِباري عنهُ لمّا فَقَدته / عليهِ وَلَم أَقنع بعطّ جلاببي
ولمّا تُوفِّي الزينبيُّ محمّدٌ / وسارت بما لاقاه أيدي الرَّكائبِ
نفضتُ منَ الخُلّانِ كَفِّيَ بعدَهُ / ولوّيتُ عن دار الأخوّة جانبي
وَغاضتْ دُموعي في الشّؤون فلَمْ تسِلْ / على الذّاهبين بعده والذَّواهبِ
فلا مُطمِعٌ من سائر النّاس مُطمِعِي / ولا رائبٌ من بَنْوةِ الدّهر رائبي
وَإنّ ودادي بعده لمّ نَفسَه / وَحاصَ اِمتِراقاً من أكفِّ الخواطِبِ
فلا تُدنِنِي يوماً دِيار مَسّرةٍ / وَلا تغشَ بِي إلّا بيوتَ المنادِبِ
فَمَن ذا الّذي يَرجو البَقاءَ وَنَحنُ في / يَمينِ الرّدى طَوعاً وَأَيدي المَعاطِبِ
نُساقُ إِلى المَكروهُ من كلِّ وجهةٍ / ونلُوى عنِ المحبوب لَيَّ الغرائبِ
وَنُطوى كَما تُطوى البُرود بحفرةٍ / مُطمّمةٍ أعيتْ على كلّ هاربِ
فَثاوٍ بها طولَ المدى غيرُ راحلٍ / وماضٍ إليها بالرّدى غير آئبِ
ونُعدى بداء الموتِ ممَّنْ أَصابهُ / وَعَدوى المَنايا غَيرُ عَدوى الأجاربِ
وَلم يَعْرَ جلدِي كلّما ذَرَّ شارِقٌ / لِرامِي المَنايا مِن سِهامٍ صوائِبِ
فَيَثلمُني مَن لا أراهُ بِناظري / وَيَجرحُني مَن ليسَ لِي بمحارِبِ
وَما غَرّني مِنها سلامةُ سالمٍ / فَكَمْ سالمٍ من حولِهِ أَلفُ عاطِبِ
فَإنْ تُبقِني الأيّامُ بعدكَ للأَسى / عَليكَ وَحُزني فائضٌ غير ناضِبِ
فَإِنّيَ قَوسٌ ما لَها مِنك أسهُمٌ / وَنَصلُ قراعٍ ما لَهُ من مَضارِبِ
ونارٌ بلا صالٍ وضيفٌ بلا قِرى / وليلٌ بهيمٌ ما لهُ مِن كواكِبِ
فَإِنْ لَم يَكن شوك القَتادِ منَ الأسى / عَليك فراشاً لِي فشَوْلُ العقاربِ
أَبادَ الرّدى أَهلي وَأَفنى معاشِري / وَفرّقَ ما بيني وبينَ عَصائبي
وَعاثَ زَماني في قَبيلي وتارةً / يُذَعْذِعُ ما بَيني وَبين أَصاحِبي
وَأَسمَعني في كلِّ يومٍ وليلةٍ / نَشيجَ البواكي أو حنينَ النوادبِ
وَأَعرى يَميني مِن إِخاءٍ شريتُهُ / وأعَددْتُهُ ذخراً بسومِ التجاربِ
كَأنِّيَ عَوْدٌ في يديهِ مُذَلَّلٌ / تجذِّبُهُ للعَقْرِ أيدي الجواذِبِ
له مَنسِمٌ من كلّ فِهْرٍ مُشجّجٌ / وَيُبلى قراه كلَّ يومٍ براكبِ
وَمِن عَجَبٍ أنّي طَرحتُك في الثّرى / بِمَلْعَبَةٍ بينَ الرّياحِ الجنائبِ
وَوسّدْتُكَ البَوْغاءَ من بعدِ بُرْهةٍ / تَوسَّدت فيها طالعاتِ الكواكبِ
فَإِنْ تَخفَ عنّا في الترابِ فإنّما / خفيتَ وَقَد أَطلعت غُرَّ المناقبِ
وَإِن تُبْلَ في قعرِ الضّريح بغَيْهبٍ / فَقد طالَما بيّضتَ سودَ الغَياهِبِ
وَإِن تُضح مَحبوساً عنِ النُّطق بالرّدى / فَما زلتَ في الأقوامِ أوّلَ خاطِبِ
وَما أَنصَف الأقوامُ خلَّوْك في الثرى / وَراحوا إِلى أَوطارهمْ والملاعِبِ
وَما جانَبوك عَن قِلاهمْ وإنّما / تَناءَوْا جَميعاً عن بعيدٍ مجانِبِ
هُمُ أَودعوكَ التّرب عمداً وَوَدَّعوا / عَلى رَغمهم خَير اللّحى والحواجِبِ
فَإِنْ حَملوا صَعْباً عَليك فَطالما / تَحمّلْتَ عَنهم مُضْلِعاتِ الصّعائبِ
وَإِنْ أَسعَفوكَ بِالنّحيبِ تَوجّعاً / فَمن بعدِ أَن أَسعفتَهمْ بالحرائبِ
فَقدْتكُ فَقدي مِقْوَلي يومَ حاجتِي / إلى القولِ أو سيفي غداةَ التضاربِ
وَلَم يُعيِني إلّا الَّذي يطرقُ الفتى / وَإِلّا فإنّي غالبٌ كلَّ غالبِ
وَكَم سَلَبٍ أجرى الدّماء جفوننا / وَلَم تَجنِهِ فينا يمينٌ لغاصِبِ
فَلا أرَبٌ في الدّهرِ إِلّا مَحوتَه / فبِنْ بالمُنى عنّا وكلِّ المآرِبِ
أَيا ذاهباً ولّى وخلّفَ بعدَه / عَليَّ مِنَ الأحزانِ مِلْءَ جَوانبي
وَأَخطَرَني مِن بعد أَنْ كانَ لي حِمىً / وَأَفردني مِن بعد أَنْ كانَ صاحِبي
وُهبتَ لَنا ثُمّ اِرتُجعتَ إِلى الرّدى / فما لي اِنتفاعٌ بَعدها بالمواهبِ
فَإِنْ لَم أَكُنْ مَيْتاً كَما أنتَ ميّتٌ / فَما لِيَ في عَيشي نَصيبٌ لراغبِ
فَإِنْ حَجّبوكَ عَن لِقائِيَ بالثّرى / فَما حَجَبوا حزني عَليك بحاجِبِ
وَإِن تَمضِ صِفْرَ الكفّ مِن كلّ ثروةٍ / فَقد بِنتَ صِفْراً مِن جميعِ المعايِبِ
بِقلبيَ نارٌ مِن فراقكَ لَيتها / وَلا بدَّ مِنها اليومَ نارُ الحُباحبِ
ومن أين لِي من بعده بَدَلٌ بهِ / وأين بديلٌ عن زُلالٍ لشاربِ
فَتىً أقفَرتْ منه ديارُ مودّتي / وخُولستُ أحبابي بها وحبائبي
وَفارَقني لا عَن ملالِ وِصالِهِ / وكم مللٍ لي من لصيقٍ مصاقِبِ
وقال خليلي حزنُك اليومَ مُسرفٌ / كأنّ عليك الحزنَ ضربةُ لازِبِ
لَعَمْرُ اللّواحي إنّها لَمصيبةٌ / وَلكنّها لَيست كَباقي المصائِبِ
وَقَد نابَكمْ ما نابَكمْ فتأمّلوا / أمرَّ لَكمْ مِثلٌ لها في النّوائبِ
أَعِنِّي على ما بِي وَإِلّا فَخلِّنِي / فلستَ وما ثِقْلي عَليك بصاحبي
ولا تُسلِني عمّا مضى بالّذي تَرى / فَقَد حِيزَ عنِّي خير ما في حقائبي
وَلَو أنَّ غيرَ المَوتِ ضامَكَ وَحدَه / دَفعناهُ بِالبيض الرّقاق المضارِبِ
وَمُدّتْ إِليهِ مِن رجالٍ أعزّةٍ / طوالِ الخُطا أيدي القنا والقواضبِ
إِذا ركِبوا لم يَرجِعوا عن عزيمةٍ / وَإِن غَضبوا لم يَحفلوا بالعواقِبِ
هُمُ أطعموا سُغبَ الصّوارم والقنا / طعاناً وضرباً من لحومِ الكتائِبِ
وما عُظِّموا في النّاس إلّا بِحقّهمْ / وما قُدّموا في القوم إلّا بواجِبِ
وَهمْ أَخلجوا بالجدْب كلَّ مجاودٍ / وَهمْ غَلبوا في الحربِ كلَّ محاربِ
عَليكَ سَلامٌ لا اِنقِطاع لوَبْلِهِ / يجود وإنْ ضنّتْ غِزارُ السّحائبِ
ولا زِلتَ مطلولَ الثّرى أرِجَ النَّدى / تضوع ذَكَاءً من جميع الجوانِبِ
وإنْ مسّت الأرواحُ تربَك مسّةً / فمرُّ نسيمِ المُعْيِياتِ اللّواعِبِ
وَأوْلَجَك اللَّهُ النعيمَ وَلا تكنْ / بجنّاتِهِ إلّا عَليَّ المراتبِ
أَيُّ فَتىً وورِي في التُّربِ
أَيُّ فَتىً وورِي في التُّربِ / قضى ولم أقضِ به نَحْبي
زوّدني بعد فراقي له / ما شاءتِ الأحزانُ من كربِ
قلتُ لرَكْبٍ قال لِي إِنّه / ذاق الرّدى أُرجلتَ من رَكْبِ
ولا رَعَتْ عيسُك في منزلٍ / نزلتَه شيئاً من العُشبِ
وَلا يَزلْ فوكَ وقد قال ليْ / ما قال مملوءاً من التربِ
قد ضرّني الصّدقُ فمنْ ذا الّذي / يَنفعني يا قومُ بالكذبِ
نعيتَ لا بوعدت من سيَّئٍ / أفضلَ من قلبي إلى قلبي
رُمحي الّذي يَفري نُحورَ العِدى / وَفي جلادِي هوَ لِي عَضْبي
فكمْ له دونِيَ من موقفٍ / آمنني فيه من الرُّعبِ
ولم يكن لي وهْوَ في قبضتي / على المُنى شيءٌ من العَتْبِ
ما قنعتْ إلّا بِهِ همّتي / وَلَم أَقلْ إِلّا بهِ حَسبي
وَعاضَني مِن حَرجٍ ضيّقٍ / عليَّ بالإفساحِ والرُّحْبِ
هوَ الرّدى يأخذُ مِن بَيننا / إِذْ هَمّ مَنْ شاء بلا ذنْبِ
وَليسَ يُسطاع دِفاعٌ له / بِالطعنِ بالرُّمْح ولا الضّربِ
إِنْ يَبغِ مَحجوباً فما إنْ له / مِن دونه شيءٌ من الحُجْبِ
أو شاءَ أن يَأخُذَ ذا هَضْبةٍ / عاليةٍ فهو بلا هضْبِ
بزّ اليمانيّين تيجانَهمْ / مِن دونها أَردية العَصْبِ
وَاِستَلَّ من كسرى بإيوانِهِ / أطواقَه الحُمرَ مع القُلبِ
ولم تزلْ تدخل رُوَّادُهُ / مِن مُضَرٍ شِعْباً إلى شِعْبِ
وَشرّدتْ أصحابَه بطشةٌ / منه بِهمْ فهْو بلا صَحْبِ
وَلفّهمُ لفّا بِأيدي القنا / لفَّ الصّبا للغُصُنِ الرَّطْبِ
كأنّهمْ تزهر أجداثهُمْ / ذوائبٌ خرّتْ منَ الشهبِ
وكم سطا فيهمْ بأُسْدِ الشّرى / ومُطعمِي الأضيافِ في الجَدْبِ
قُل لاِمرئٍ يَطمع في خُلدِهِ / فهْوَ غَفولٌ آمنُ السِّرْبِ
لَيس كَما قدّرتَه إنّما / خُلقتَ للتّربِ من التُّربِ
لا ترجُ أن تَنْجُوَ مشياً وقد / بغاك باغٍ واسعُ الوثْبِ
تنال كفّاه إذا مُدَّتا / من كان في بُعدٍ وفى قُرْبِ
يا نائياً عنّي ومن مُنيتي / أنْ بِعْتُ بُعدي منه بالقُربِ
كم لك عندي من أيادٍ مضتْ / بيضاً وإن كنتَ من الشُّحْبِ
واللّيل كالصّبحِ لنفع الورى / والسُّمرُ كالبيضِ لدَى الحربِ
وما جرى في النّاس شيءٌ لهمْ / مَجرى سَوادِ العينِ والقلبِ
وَالقزُّ في الصُّفرةِ مخلوقةً / خيرٌ لباغيهِ من العُطبِ
فَاِفخرْ على القومِ الأُلى سُوِّدوا / في الشّرق إِنْ شئتَ وفي الغربِ
فليس فيهمْ كلِّهمْ واحدٌ / سادَ جميعَ العُجْمِ والعُرْبِ
لم تألفِ السُّوءَ ولا بتَّ في / ناحيةِ القذفِ ولا الثَّلْبِ
ولم تعُجْ باللّهوِ في خلوَةٍ / ولا مزجتَ الجِدَّ باللّعبِ
وكلّما نِلْتَ بها رُتبةً / حَمَيْتَ فيها جانِبَ الجُنبِ
كم كنتَ للأملاكِ كهفاً وكمْ / حَمَيتهُمْ بالمُلك من خَطْبِ
وكم تلافيتَ بتفكيرةٍ / صافيةٍ شَعْباً من الشَّعْبِ
كانوا ومن رأيك آراؤهُمْ / مثلَ رَحى دارتْ على قُطْبِ
قد دَرّت الدّنيا لهمْ مرّةً / وأيُّ درٍّ ليس بالحَلْبِ
كَم ذا تَداركتَ اِعوِجاجاً لهمْ / على ظهورِ الضُّمَّرِ القُبِّ
يَطوينَ يَحملنَ الرّدى للعِدى / سَهْباً من الأرضِ إلى سَهْبِ
وَكُلّما زاحَمْنَ في غَمرةٍ / شوكَ القنا السّمر على إِرْبِ
كُسِينَ أَجلالاً بِنسجِ القَنا / مِنَ النجيعِ الأَحمرِ العَصْبِ
سَقى الّذي أَصبَحتَ رَهناً بهِ / مِنَ الثَّرى أنديةُ السُّحْبِ
وَلا سَمِعنا لِخريقٍ بهِ / صوتاً ولا زَعزَعَةَ النُّكْبِ
ولا يزلْ تُنضحُ حافاتُهُ / من الحَيا بالباردِ العَذْبِ
حتّى يُرى من بين أجداثِهمْ / ريّانَ مَلآْنَ من الخِصْبِ
فليس مُلْقىً في الثَّرى ميّتاً / موسّدَ الكفِّ على الجنْبِ
مَنْ طار في الآفاق ذكرٌ لهُ / وسار بالأقلامِ في الكتبِ
فَاِلحَقْ بِمَن سمّى لنا نفسَه / بأنّه يعفو عن الذّنبِ
فما أتت كفّاكَ من سيّئٍ / يضيقُ عنهُ كرمُ الربِّ
إِذا سارتْ بنا خُوصُ الرِّكابِ
إِذا سارتْ بنا خُوصُ الرِّكابِ / ورُحنا بالهوادج والقِبابِ
دعي ما لا يردّ عليكِ شيئاً / وقومِي فاِنظري مِنّي إيابي
فإنْ فُجِعتْ يمينُك بي اِرتحالاً / فقد فجعتْ يَميني بالشّبابِ
فما يُجدي زفيري إذْ توالى / ولا يُغني بكائي واِنتحابي
ذعَرْتُ به المَها وأَرقْتُ لمّا / لبستُ قميصَه ماءَ التَّصابي
ونكّب عاذلي عن دارِ عَذْلِي / فتاركني وأقصرَ عن عتابي
فلستُ أحنّ والبيضاءُ عندي / إلى البيضاء والرُّودِ الكعابِ
ولا تَقتادني بُرَحاءُ وجْدِي / إلى ذاتِ القلائِد والسِّخابِ
فَقُلْ لِصَقيلة الخدّين حُسناً / دَعيني من ثناياك العِذابِ
فَما لي فوق جِيدِكِ من عِناقٍ / وَما لي مِن رُضابِكِ من شرابِ
وَلا لي منكِ والشّعرات بيضُ / بُعَيْدَ سوادِها غير اِجتنابِ
نِقابَكِ والبعادَ اليومَ منّي / فقد صار المشيبُ بها نِقابي
ضَللتُ عن الهُدى زمناً بسودِي / فَأَرشَدني المَشيبُ إلى الصّوابِ
أَلَمْ تَرني مُقيماً في سِراعٍ / إِلى خَطأٍ بطاء عن صوابِ
طعامي فيهمُ وعدٌ خَلِيٌّ / عَنِ الجَدوى وَشُربي من سَرابِ
لَهمْ غدرٌ بجارِهُمُ وَمكْرٌ / بِه خافٍ ولا مكرُ الذّئابِ
وَقَد مَزجوا دَهاءً بالتَّداهي / كَما خَلطوا الغَباوَة بالتّغابي
وَحبُّهُمُ الّذي لا أَرتضيهِ / فَأنفقُ فيه من جِدّي لِعابي
فَقُل لِمَعاشرٍ رجموا حِمامي / أَروني مَن يَنوب لَكمْ مَنابي
وَمَن يشفيكُمُ كَلِماً وكلْماً / لدى غَمَراتِ خطبٍ أو خطابِ
وَقَد طَرد الرّدى عنكمْ قِراعي / كما طرح النّدى فيكمْ سحابي
فأين حضيضُكمْ من رأسِ نِيقِي / ومِن أوشالكمْ أبداً عُبابي
وَما للعار في طَرَفِي مجالٌ / وأنتمْ في يَدَيْ عارٍ وعابِ
فَلا تَستَوطِنوا إلّا وِهاداً / فَإِنّ لِغيركمْ قُلَلَ الرّوابي
وَممّا ضرّمَ الأعداءَ ناراً / حلولِي من قريشٍ في اللّبابِ
وَأنّ إِلى نبيٍّ أو وصيٍّ / نُسِبتُ فمن له مثلُ اِنتسابي
وفي بيتي النبُوّةُ ما عَدَتْنِي / وقانونُ الإمامةِ في نِصابي
أَجِلْ عَينيك في مَجدي تَجدْني / وَلَجْتُ إلى العلا من كلّ بابِ
فما طُوِيتْ على لَعِبٍ ثيابي / ولا حُدِيَتْ إلى طَرَبٍ رِكابي
هو الزّمنُ الّذي يُدْني ويُنئِي / ويُقعِي حين يُقعِي للوِثابِ
جَمَعتمْ يا بني الدّنيا حطاماً / يُرى من بعدكمْ بيدِ النِّهابِ
وَقَد أَذلَلتُ ما أَعززتموهُ / فَدأبكُمُ بني الدنيا ودابي
لَقد طَلب العدى منّي معاباً / فَما وَجدوا وَقد وجدوا معابي
وَلا رجّوا ولا حذروا جميعاً / سِوى عقبي ثَوابي أو عقابي
وَمن ذا كانَ لِلخلفاءِ مِثلي / وقد مسّتْ أسِرَّتهم ثيابي
وَقَد عَتِبوا عليَّ وليس يخلو ال / عَدُوُّ ولا الوليُّ من العتابِ
فَما طَرحوا لذي أرَبٍ سؤالي / وَلا تَركوا جَوابي عن خطابي
وَما لِي بَينهمْ إِلّا ليالٍ / عذُبْنَ وغير أيّامٍ طِيابِ
وكمْ يومٍ نصرتُهُمُ وفَرْشِي / قَرا الجُرْدِ المطهّمةِ العِرابِ
كأنّي شامِخٌ في رأس طَوْدٍ / وفي الإسراعِ فوق قطاةِ جابِ
وفي كفّي صقيلٌ لا بصقلٍ / له عهدٌ طويل بالقِرابِ
إذا حَمَلَتْهُ كفّي في هِياجٍ / فويلٌ للجماجمِ والرّقابِ
وقد جمجمتُ عمّا في ضميري / فإنْ بُقّيتُ قلتُ ولم أحابِ
أَتمضي كَذا أيدي الرّدى بالمصاعبِ
أَتمضي كَذا أيدي الرّدى بالمصاعبِ / وَتذهب عنّا بالذُرى والغواربِ
وتُستَلبُ الآسادُ وهْيَ مُلِظَّةٌ / بأخياسهنّ من أعزّ المسالبِ
وتُوخذ منّا من وراء سُجوفنا / بلا رأيِ بوّابٍ ولا إذْنِ حاجِبِ
وتُقنص فينا روحُ كلّ محاربٍ / أبيٍّ جرِيءٍ وهو غير محاربِ
أَيا صاحَبي إِنْ كنتَ في إثْرِ من مَضى / على مثل حالاتِي فإنّك صاحبي
دَعِ الفكرَ إلّا في الحِمامِ ولا تُقِمْ / مع الحرصِ في دار الظّنونِ الكواذبِ
وإنْ كنتَ يوماً بالحديثِ مُعلِّلاً / لسمعِي فحدّثني حديثَ النّوائِبِ
فلي شُغلٌ عمّنْ أقامَ بمنْ مَضى / وعن معجباتٍ رُقْنَنَا بالعجائبِ
وناعٍ لسيف الدّين أضرم قولُه / ولم يدنُ ما بين الحشا والتّرائبِ
وجاء بصدقٍ غير أنّي إخالُهُ / خِداعاً لنفسي إنّه قولُ كاذبِ
فأثْكَلنِي طيبَ الحياةِ وضمّنِي / إلى جانبِ الأحزانِ من كلّ جانِبِ
فيا لكَ من رُزءٍ أزارَنِيَ الأسى / وَعرّف ما بيني وبين المصائبِ
وَلَولاه لَم أغضِ الجفونَ على قذىً / وَلا لانَ للوجدِ المبرّحِ جانِبي
أُساقُ إلى الأحزانِ من كلِّ وُجْهَةٍ / كَأنّي ذَلولٌ في أكفِّ الجواذِبِ
فلا مَطعمٌ فينا يطيبُ لطاعمٍ / ولا مشربٌ منّا يَلَذّ لشاربِ
فَقُل لِسيوفِ الهندِ من بعد فقدِهِ / تناهَيْنَ ما فيكنّ ضربٌ لضاربِ
وَقلْ لِطوالِ الخَطِّ يُركَزْن فالّذي / سَقَتْكُنَّ يمناهُ مضى غيرَ آئبِ
وَقُل لِجيادِ القُودِ لَستنَّ بعد ما / تولّى جديراتٍ بركبةِ راكبِ
وَقُل لِلمُغيرين الّذين تعوّدوا / زِحامَ العوالي في صدور الكتائبِ
دعوا ما ألِفْتُمْ من قِراعٍ فقد مضى / بحكمِ الرّدى منكم قريعُ المقانِبِ
وَقُل للسّراة النازعين إلى الغِنى / فهمْ أبداً ما بين سارٍ وساربِ
أقيموا فلا نارٌ تَوَقَّدُ للقِرى / ولا راحةٌ مفجورةٌ بالمواهبِ
فتىً أوحشتْ منه المكارم والعُلا / ولمّا قضى عُطّتْ جيوبُ المناقبِ
وَكَم لكَ مِن يومٍ لدغت كُماتَه / بِشَوكِ العوالي لا بشوك العقاربِ
وحيٍّ خبطتَ اللّيلَ حتى ملكتَهُ / على آلفاتٍ للصّعاب شَوازبِ
تراهُنّ يقضمنَ الشّكيمَ كأنّما / لَبِسنَ بنسجِ الطَّعنِ حُمْرَ الجلابِبِ
وَحَولك طلّاعونَ كلَّ ثنيّةٍ / إِلى المَجدِ حلّالونَ شُمَّ المراقِبِ
إِذا عَزموا لم يَرجِعوا من عزيمةٍ / وإنْ أقدموا لم ينظروا في العواقِبِ
وَفقدُ الصَّديقِ المَحض صَعْبٌ فَكيفَ بي / وفقدي صديقاً من أجلّ أقاربي
وَيُؤلِمني أنّي تركتكَ مفرداً / بمَدْرَجةٍ بين الصَّبا والجنائبِ
يُطاع بها أمرُ البِلى في معاشرٍ / أبَوْا أن يطيعوا غالباً بعد غالبِ
وَما منهُمُ إِلّا الّذي نال رتبةً / سَمتْ وعلتْ عن كلّ هذي المراتِبِ
فإنْ يُكسَفوا في غَيْهَبٍ من قبورهْم / فَقَد ضوّؤوا دهراً ظلام الغياهبِ
وإنْ قُبضتْ منهمْ أكفٌّ عن النّدى / فقد بُسطتْ دهراً لهمْ بالرّغائبِ
وإنْ جَثَموا بالتُّربِ طوعَ حِمامِهمْ / فكم جرّروا فينا ذيولَ المواكِبِ
ألا سقّياني دمعَ عينِيَ بعدَه / ولا تُسمعاني غيرَ صوتِ النّوادبِ
سَقى اللَّهُ ما أصبحتَ فيه من الثَّرى / زُلالَ التَّحايا عن زلالَ السّحائبِ
وَلا زالَ مَنضوحاً بعفوٍ ورحمةٍ / ورَوْحِ الجنانِ من جميع الجوانبِ
فقد طُوِيَتْ منه الصفائحُ عَنْوةً / على سامقِ الأعراقِ ضخم الضّرائبِ
كلُّ يومٍ غريبةٌ للخطوبِ
كلُّ يومٍ غريبةٌ للخطوبِ / وعجيبٌ يُنسيك كلَّ عجيبِ
حَيرٌ كالضّلال في غَسَقِ اللَّي / ل بلا صاحبٍ ولا مصحوبِ
وَاِزوِرارٌ عن الهدى فحليمٌ / كسفيهٍ ومخطئٌ كمصيبِ
وعيونٌ مملوءةٌ من دموعٍ / وقلوبٌ محشوّةٌ من وجيبِ
وذنوبٌ من الزّمان فقد عش / تُ طَويلاً وَما له مِن ذنوبِ
وَرَمَتني أَحداث هذي اللّيالي / إذْ رمتنِي بمُصمِياتِ القلوبِ
في مَليكٍ أَسطو بهِ وَحميمٍ / أَو خَليلٍ أو صاحبٍ أو نسيبِ
عُجْ عَلى هذهِ الدّيار التي لي / س لداعٍ بأهلها من مُجيبِ
دَخلتْ هَذه الرّزايا اِقتِساراً / بين قلبي وبين كلِّ حبيبِ
وَاِستَبدّت دوني بكلِّ نفيسٍ / وتناءتْ عنّي بكلّ قريبِ
وإذا ما شكوتُ ما بِي فشكوا / يَ إِلى كلِّ مُثقَلٍ مكروبِ
غَرَضٌ بالزّمانِ يَكْلِمُ بالأظ / فار منه وتارةً بالنّيوبِ
يَتهنّا بِالعيشِ وَهوَ عَلى ما / لَيسَ يَهوى مِنها لقاء شَعوبِ
لَم يَبقَ لي بَعدَ المَشيب تَصابي
لَم يَبقَ لي بَعدَ المَشيب تَصابي / ذَهَبَ الشّباب وَبعده أَطرابي
فَالآنَ ما أَرجو وِصالَ خَريدَةٍ / يَوماً وَلا أَخشى صُدودَ كعابِ
يا صاحِبي قَد عادَ عَذلكَ ظاهراً / فالشّيبُ أعذلُ منك في أحبابِي
قَد نابَتِ الخَمسون والسّبع الّتي / لِي بَعدها في العذلِ عن أصحابِي
فَلَربّما حابى العَذول فلم يلُمْ / وَالشّيبُ في الفَوْدَين لَيس يحابي
لا تخشَ منّي أن أنقّبَ عَن هَوى ال / بيض الأوانس والمشيبُ نِقابي
بَلَغَ المَشيب مآرباً ومآرباً / مِنّي وَلم أبلغ به آرابي
وَرَجوتُ منهُ شِفاءَ داءٍ كامنٍ / فَاِزدَدته وَصَباً إلى أوصابي
قد كان شافِعِيَ الشّباب إلى الدُّمى / والشيبُ بعد فراقِه أغرى بي
فَرباعهنّ سِوى رباعِيَ في الهوى / وجنابهنّ هناك غيرُ جنابي
ولقد عَمَرتُ مراسلاً من قبلهِ / فأعاد لي رُسُلي بغير جوابِ
لا ذَنبَ عندي منه إلّا أنّهُ / كان السّفير لفرقةِ الأحبابِ
وَلَقَد عَتبت على الّتي صَرَمَتْ وقد / وَصل المشيبُ وما أفاد عتابي
يا جَملُ كَيف نزعتِ حبلَكِ من يدي / لمّا نزعتُ منَ الصِّبا أثوابي
فَقَطعتِ وَصلكِ لا لجرمٍ كان لِي / وَإِلى وصالكِ جيئتي وذهابي
ساقَ الّذي بَعَثَ النّوى قَلبي كما / ساق الحُدَاةُ ضُحىً بِطاءَ رِكابِ
فَمَتى سَألتَ عَنِ الفُؤادِ فَإِنّهُ / قَد سارَ بَينَ هوادجٍ وقِبابِ
يا طالِباً يَجتابُ كلَّ تنوفةٍ / تُدمي ظهورَ العيس خيرَ جنابِ
والشمسُ في الجوزاء راميةٌ إلى / تلك المرامي كلِّها بلُعابِ
عُجْ بالوزير أبي المعالي أيْنُقِي / وَاِجعَلْ إِليه غَيبتي وإيابي
وَاِقطَعْ بهِ كَي لا أسافرَ أنسُعي / وَاِعقِرْ لَه كي لا أريمَ رِكابي
فَهوَ الّذي قَد كنتُ عُمري أَبتغي / وَأَرومُ مُقترحاً على أنصابي
وَإِذا بَلغن بِيَ المُنى موفورةً / فشعابُ غيرِ المُدلجِين شعابي
لِي مِن وِدادك وَاِصطِفائك رتبةٌ / حُبٌّ أتِيهُ بهِ على أَحبابي
وَإِذا ملأتَ منَ الثناءِ مَسامِعي / فَكأَن ملأْتَ منَ الثّراءِ عِيابِي
وإذا رضيتَ فقد حظيتُ فإنّني / أرضى بأن ترضى وذاك طِلابِي
لِي كلَّ يومٍ من جميلك مِنّةٌ / غرّاءُ تأتينِي وتقرعُ بابي
وكرامةٌ لم يدنُ منها مُكْرِمٌ / عَبقتْ بها دونَ الأنامِ ثِيابي
كرّمتَني فملكت منّي رِبْقَةً / تَأبى اِنعِتاقاً يومَ عِتْقِ رِقابِ
وَتَركتنِي وقْفاً عليكَ إِقامتِي / وإلى ديارِك موئِلِي ومآبي
كم لي إليك شفاعةٌ مقبولةٌ / ونداءُ مسموعِ النّداءِ مُجابِ
فمتى أردتُ جعلتُ قولي رائداً / في نيل موهبةٍ وصرفِ عِقابِ
فلقد كُفيتُ وفي يديك مَعونَتي / وَلَقد غَلبتُ وأنتَ مِن أَحزابي
وَمَتى ضَحيتُ ففي ذراك أظِلَّتي / وإذا ظمِئتُ فمِنْ نَداك شرابي
وأنا الّذي لك بالولاءِ مواصلٌ / فَاِغفِرْ لذاك زيارةَ الإِغْبابِ
سَلْ عَن بَسالتِهِ خفاجَةَ والظّبا / في راحتيهِ تُعطّ كلَّ إهابِ
والطّعن يَثني كلَّ من شابتْ له / تلك المفارق من دمٍ بخِضابِ
وَتَوهّموا جَهلاً بأنّكَ كالأُلى / شُلُّوا بأرماحٍ لهمْ وحِرابِ
حتّى رأَوْكَ مُصمّماً فَتَساهموا / طُرقَ الفِرارِ بقفرةٍ كذئابِ
شَرّدتهمْ فخيامُهم منبوذةٌ / مِن غير إعمادٍ ولا إطنابِ
وسلبتَ أنفسَهمْ ولم تحفلْ بما / أبقتْ مصارعُهمْ من الأَسلابِ
للَّه درُّ شجاعةٍ بكَ أَمكنتْ / نَصْلَ الأعاجمِ من طُلى الأعرابِ
ولقد لَفَفْتَهُمُ بهمْ فكأنّما / حَضَّضْتَ بين ضراغمٍ في غابِ
واليومَ لا يُنجيكَ من أَهوالِهِ / إلّا الطّعانُ وصدقُ كلِّ ضِرابِ
فالضَّربُ في هاماتهمْ منثورةٌ / فوق الثّرى والطّعن في الأَقرابِ
هدرتْ زماناً بالفرات فحولُهمْ / فَاليومَ ما فيهمْ طَنينُ ذُبابِ
أَمَّا بنو عبد الرّحيمِ فإنّهم / حدُّ الرَّجاء وغايةُ الطلابِ
لَم يَسكنوا إلّا القِلالَ وَلَم يُرَوْا / والنَّجم إلّا في رُؤوس هِضابِ
ما فيهمُ إلّا النّجيبُ لأنّه الْ / بيتُ المليءُ بكثرِة الأَنجابِ
القائِلين الفصْلَ يَومَ تخاصمٍ / وَالواهِبين الجَزْلَ يومَ رِغابِ
وَمُزاحِمين لَهم على راياتِهمْ / رَجعوا وَقد نكصوا على الأعقابِ
لَن يصلحوا قُرُباً لصونِ سُيوفهمْ / وهُمُ السّيوفُ لنا بغيرِ قرابِ
لا خيرَ في أسلٍ بغير عواملٍ / فينا ولا سيفٍ بغير ذُبابِ
ليس الرّياسة بالمُنى أو بالهوى / لكنّها بركوب كلّ صِعابِ
لا تقربوا بذئابكمْ طَلَعاً عن ال / نسَلانِ والعَسَلانِ ليثَ الغابِ
وَإِذا الجِيادُ جَرينَ لم تَحفلْ وقد / عَنَّ التسابقُ بِالهجينِ الكابي
وَصوارمُ الأسيافِ عند ضريبةٍ / ما كنّ يوماً كالكليل النابي
خُذها فَإِنْ بُقّيتُ شيئاً آنفا / تسمعْ لها ما شئْتَ من أَترابِ
وَاِسمَعْ كَلاماً لم يُحَكْ شِبْهٌ له / ملآنَ بالإحسانِ والإطرابِ
روضاً ولكنْ ليس يجنِي زَهرَه / إِلّا يمينُك مالكَ الآدابِ
وَإِذا المَسامعُ أنصفتْ لَم تَنتقصْ / إِلّا كَلامِي وحدَه وخطابي
عَنّ النساءُ لنا على وادي مِنى
عَنّ النساءُ لنا على وادي مِنى / فَاِصطَادني منهنَّ بعضُ الرَّبرَبِ
بِجمال مُتَّشحٍ بِأرديةِ الصِّبا / غضٍّ وبهجةِ رَوْنقٍ لم تنضُبِ
وطلبتُ منه وِصالَه فحُرِمْتُهُ / ومضى بمهجةِ عاشقٍ لم يُطلَبِ
وشربتُهُ بجوارحي لكنّني / من عَذْبِ طِيبِ وِصالِهِ لم أشربِ
وسَرقتُه من بين من عاينتُه / في الواد والرّقباءُ لا يدرونَ بِي
يا حَبّذا مَنْ زارَني
يا حَبّذا مَنْ زارَني / مِن بَعدِ صَدٍّ وَاِجتنابِ
نَشوانَ في أعطافهِ / طَرَبُ الشَبيبةِ والشَّبابِ
وَشكوت لمّا أنْ شكوْ / تُ إِلى نَفورِ القلبِ نابِ
مُستَنزِرٍ منِّي الجَوى / مُستحقرٍ لعظيمِ ما بِي
أجلَلْتُهُ أو خِفتُهُ / فكفيتُهُ ثِقْلَ العِتابِ
وقنعتُ منهُ بزَوْرَةٍ / عَرَضتْ ولم تكُ في حسابي
جاءتْ بلا طَلَبٍ وكمْ / صفوٍ تكدّرَ بالطِّلابِ
لَو عَنّ لي في نَيلها / طمعٌ لبعتُ بها شبابي
عَجِبتِ لِشيبٍ في عِذارِي طالعاً
عَجِبتِ لِشيبٍ في عِذارِي طالعاً / عليكِ وما شيبُ الفتى بعجيبِ
ورابَكِ سودٌ حُلْنَ بيضاً وربّما / يَكون حؤولُ الأمرِ غيرَ مُريبِ
وما ضرّني والعهدُ غيرُ مُبدَّلٍ / تبدُّلُ شَرْخِي ظَالماً بمشيبي
وما كنتُ أخشى أن تكون جنايةُ ال / مَشيبِ بِرَأسي في حِسابِ ذُنوبي
فَلا عَيبَ لي إلّا المَشيب وحبّذا / إِذا لَم يَكُن شَيءٌ سواهُ عيوبي
ماذا يضيركِ هندُ من حُبّي
ماذا يضيركِ هندُ من حُبّي / وإذا قربتُ إليكِ من قربي
لا تَعجبي مِن صَبوتي بكُمُ / فَالحسنُ أَين رأيتهُ يُصبي
وَرباعكمْ أَنَّى أفارِقها / وبها غديري العذْبُ أو عُشبي
وَلو اِستَطعتُ كَتمتُ حُبَّكُمُ / للضَّنِّ عَن قَلبي وَعَن صَحبي
وَمِنَ الغرائبِ أنّني أبداً / سِلْمٌ لمنْ هو ظالماً حربي
كم ليلةٍ نادمتُ فيك وأنتِ في / سِنَةِ الرُّقاد موائلَ الشُّهبِ
مُتقلّباً طولَ الدّجى أَسِفاً / كالصّلِّ من جنبٍ إلى جنبِ
ما تَعلمينَ وأنتِ ناعمةٌ / مَنْ بات فيكِ معانقَ الكربِ
وَأَردتُ أَن أَسلو وذا عَجَبٌ / لَو كانَ قَلبي بِالهَوى قَلبي
وَعذلتِ منّي من له أُذُنٌ / صمّاءُ عن عَذْلٍ وعن عَتْبِ
وَمَتى يَكنْ ذَنبي هَواكِ فلا / غَفرَ الإلهُ وأنتِ لي ذَنبي
أَخشى لِساني أَنْ يبوحَ بما / أشكوهُ في جِدٍّ وفي لِعْبِ
فَلِسانُ مَنْ عُرفتْ بَلاغتُهُ / أمضى إذا ما قال من عَضْبِ
بَلَغْنا ليلةَ الشِّعبِ
بَلَغْنا ليلةَ الشِّعبِ / عجالاً مُنيةَ الحبِّ
تَلاقَينا كَما شِئنا / بلا علمٍ من الرّكبِ
وَطَيفٍ طافَ في ظَمْيا / ءَ والإصباحُ في الحُجْبِ
جَفَتْ عيني وجاءتْ في / دُجى اللّيل إلى قلبي
وَزالتْ غبَّ ما زَارتْ / وما قلتُ لها حسبي
وولّتْ لم تُنِلْ شيئاً / من الغُنْمِ سوى حبّي
فَيا شِعباً تَعانقنا / بِهِ بوركتَ من شِعبِ
وَلا قُرّبتَ من جَدْبٍ / ولا بوعدتَ من خِصْبِ
فكمْ فيكَ لباغي نَفَ / لِ الأحبابِ من إِرْبِ
ومِنْ ظبيٍ غنيٍّ في / ك بالحسنِ عن القُلْبِ
كَفاه لُؤلؤا منه / لباسُ اللؤلؤ الرّطْبِ
وأطرافٌ خضابُ الل / هِ أغناهنّ عن خَضْبِ
ولمّا رأت الحسنا / ءُ في رأسِيَ كالشُّهبِ
وبيضاً كالظُّبا البيضِ / وَما يَصلحنَ للضّربِ
تُجُنِّيتُ بلا جُرمٍ / وَعوقِبتُ بِلا ذَنبِ
ولم يُصْبَوْا بشنعاءَ / وفي الشّنعاءِ ما يُصبي
ولم يُعْدَوا طِوال الدّه / ر من أنيابِهِ الجُربِ
ولا كانوا لكلِّ النّا / سِ إلّا موضعَ القُطبِ
بأعراضٍ نقيّاتٍ / من التّقريف والثّلبِ
يرون اليومَ ذا نحسٍ / إذا كان بلا شَغْبِ
ولا حَفْلَ لهمْ بالما / لِ لا يجنوه بالعضْبِ
لهمْ في كلِّ نكراءَ / حُلومٌ لَسْنَ للهضْبِ
وأيمانٌ خلقن الدّهْ / ر للطّعن وللضّربِ
وللنّفعِ وللضّرّ / وللدّفع وللذّبِّ
وَأَلبابٌ لدَى الرّوعِ / بلا شيءٍ من الرُّعْبِ
فيومُ السِّلمِ فيهنّ / كيومِ البأْسِ والحربِ
وَأَغنوا بالنّدى الغَمْرِ / عَنِ الأنواءِ والعُشبِ
وَجاؤوا ساعةَ الذُّعْرِ / على المُضْمَرَّةِ القُبِّ
وفي أيديهمُ كلُّ / طويلِ المُرتقى صُلبِ
تراه يدع الأورا / دَ في سَكْبٍ على سَكْبِ
ويرمي من دم الجوف ال / ثرى بِالأحمرِ العَصْبِ
إِذا ما لَحَفوا وجه ال / ثَرى أرديةَ العَصْبِ
وفاحوا عَبَقَ المسكِ / على بُعدٍ ومن قُربِ
ولم يَرْضَوْا سوى التّجري / ر للأذيالِ والسّحبِ
رأيتَ المجد محمولاً / على كلِّ فتىً نَدْبِ
مَضوا عنِّي فلا لذَّ / ةَ لي بالباردِ العذْبِ
ولا غمضَ ولا أرضَ / لِعَينَيَّ وللجنبِ
وقد كنتُ بهمْ دهراً / رَخيَّ البالِ والقَلبِ
بنفسي مَن نأى عنِّي / وما إنْ ملّ مِنْ قُربي
قضى من قبل أن أقض / يَ فيه وله نَحْبي
ولمّا أن نقلناهُ / على الرّغمِ إلى التُّربِ
وَأَضجعناهُ في غبرا / ءَ مَلساءَ على الجنبِ
بلا صوتٍ يناجيهِ / سوى زَعزعةٍ النُّكْبِ
دَفنّا العَضْب في الأرضِ / وكمْ في الأرض من عَضْبِ
نظرتُ إليها والرّقائبُ حولها
نظرتُ إليها والرّقائبُ حولها / فأعرضتُ خوفاً من عيون الرّقائبِ
وَلم تَكُ إِلّا نَظرةً ثمَّ لفتةً / كنُغْبَةِ ظمآنٍ من الطّير لاغبِ
رَأى الماءَ لا يَسطيع رِيّاً وإنّما / رأى الماءَ والقنّاصَ من كلّ جانبِ
ولي مطلبٌ لكنّني لا أنالُهُ / وكم عاقتِ الأقدارُ دون المطالبِ
أرى الزّاد ممنوعاً وعَذْباً كأنّه ال / سُلافُ ولكنْ لا يَذُلُّ لشاربِ
وكم صَدّ مِقْداماً وثَبّط ماضياً / على عزمِهِ جهلٌ بما في العواقِبِ
صَدّتْ وما كان الّذي صدّها
صَدّتْ وما كان الّذي صدّها / إِلّا طلوعُ الشّعَرِ الأشهبِ
زار وكَمْ من زائرٍ للفتى / حلَّ بواديهِ ولم يُطلبِ
رَكبته كُرْهاً ومن ذا الّذي / أركبه الدّهر فلم يركبِ
كأنّه نارٌ لباغي القِرَى / أضرمها القومُ إلى مَرْقَبِ
أو كوكبٌ لاحَ على أُفقِهِ / أو بارقٌ يلمعُ في غَيْهَبِ
لحمي وقد أصبحت جاراً له / زادي ودمعي وحدَه مشربي
وإنّني فيه ومن أجلِهِ / مُعاقبُ القلبِ ولم يُذنِبِ
وليس لِي حظٌّ وإن كنتُ مِنْ / أهلِ الهوى في قَنَصِ الرّبْرَبِ
وما رأينا قبلَه زائراً / جاء إلينا ثُمّ لم يذهبِ
لا تَلُمنِي فليس لي
لا تَلُمنِي فليس لي / علمُ ما في المغيَّبِ
كيف أدري وما ذهْب / تُ من البعدِ مذهبي
أنا أعشى لَدَى المطا / لب عن نُجحِ مطلبي
لو علمتُ الّذي أعو / ذُ بِهِ قبل مَركبي
لَم أَدعْ من بصيرةٍ / ضرراً أنْ تمرّ بي
ولَكُنتُ الغنِيَّ عنْ / نَدَمٍ أو تَعَقُّبِ
وَلَما كان ظافراً / بيّ يوماً مؤنّبي
لا وَلا كانَ للقذا / ةِ لِمامٌ بِمَشربي
تَصدّين عنّي للمَشيبِ كأنّما
تَصدّين عنّي للمَشيبِ كأنّما / صَرفتُ شبابي أو دعوتُ مشيبي
وكيف سُلوِّي عن حبيبٍ إذا مضى / فلا متعةٌ لي بعدهُ بحبيبِ
كأنِّيَ رَبْعٌ بعده غيرُ آهلٍ / ووادٍ جفاه القطْرُ غير خضيبِ
فلا تندُبي عندي الشّباب فإنّني / بكائي عليه وحدَهَ ونحيبي
على كلّ حالٍ أنتِ قاسيةُ القلبِ
على كلّ حالٍ أنتِ قاسيةُ القلبِ / فلا عَذَلِي يُجدي عليّ ولا عَتْبي
ولم أنْسها يومَ الفراقِ ووجهُها / يُضيءُ لَنا خلفَ البراقعِ والحُجْبِ
تَقولُ أَلا رِفقاً بقلبكَ في الهَوى / فقلتُ وهل لِي يومَ بينِكِ من قلبِ
ولولا الهَوى ما خارَ للعجْمِ مَعْجَمِي / ولا لانَ يوماً في أنامِلكم صَعبي
فَإن كنتُمُ تَعصون أمرِي تجنّياً / فأعْصى لأمري منكُمُ أبداً قلبي
حَملتُمْ كَما شِئتمْ على الهوى
حَملتُمْ كَما شِئتمْ على الهوى / وأَرشدتُمُ نارَ الغرامِ إلى قلبي
وَلمَّا دَخَلتمْ بِالهَوى في جَوانِحي / بِما جَنَت العَينان لانَ لَكُم صعبي
فَإِن لَم يَكنْ شِعبُ اللّوى ملتقىً لنا / فَلا بارَكَ الرّحمنُ في ذلك الشِّعبِ
وَإِن لَم يَكُنْ تُربٌ بِه مضجعاً لنا / فَلا اِجتَازت الأنواءُ في ذلك التُّربِ
بَنِي الحفيظَة هَل للمجدِ من طلبٍ
بَنِي الحفيظَة هَل للمجدِ من طلبٍ / ليس الطّعان له من أنجح السّببِ
هزّوا إلى الحمد عِطْفَيْ كلِّ سَلْهَبَةٍ / تبُذُّ كلَّ سِراعِ الخيل بالخَبَبِ
أُحبُّ كلَّ قليلِ الرّيثِ في وطنٍ / مُقسّمَ الفِكرِ بينَ الكور والقَتَبِ
إِمّا على صَهَواتِ الخيل موطِنُهُ / أو دارُهُ في ظهور الأينُقِ النُّجُبِ
إنّي وأصدقُ قولٍ ما نطقتُ بهِ / أَرعى منَ الوِدّ ما أرعى من النّسَبِ
ما عاقَني الحلمُ عن باغٍ عَنِفْتُ بهِ / وَلا نَسيتُ الرّضا في موطن الغَضبِ
وَلا خَلطتُ بِيَأسٍ عَن غنىً طمعاً / وَلا مَزجتُ عُقارَ الجِدِّ باللّعِبِ
أَلستُ إنْ عُدّ هَذا الخَلقُ خيرَهُمُ / لَم يَبرحوا بين جَدٍّ لِي وبين أبِ
ما للنجومِ الّتي بانَتْ تُطالِعنا / مِن كُلّ عالٍ عَلا كلَّ الورى حَسبي
فَقُل لِمن ضلَّ مَغروراً يُفاخِرني / وَما له مثلُ عُجْمي لا ولا عَرَبي
أَلَيسَ بيَن نبيٍّ مُرسَلٍ خُتِمَتْ / بهِ النبيّون أو صهرٍ له نسبي
بَني المُخلَّف ما اِستَمْتُمْ مَراتِبنا / حَتّى صَفَحنا لكمْ عن تلكُم الرّتبِ
أَلِفْتُمُ الحلمَ منّا ثُمّ طابَ لَكُمْ / لَمّا اِشرَأبّت إِليكُم أنفُسُ الغضَبِ
لَولا دفاعِيَ عَنكمْ يومَ أمْطَرَكمْ / نَوء السماكينَ أَشفيتمْ على العَطَبِ
كَم عِندَكمْ وَبِأَيديكم لَنا سَلَبٌ / لَكِنّه لَو عَلِمتمْ ليس كالسَّلَبِ
مَلأتُمونا عُقوقاً ثُمَّ نَحنُ لَكمْ / طولَ الزَّمانِ الوالدِ الحَدِبِ
عَمَرْتُ ظاهركمْ جُهدي فَكَيف بما / أَعيا عَليَّ لكُمْ من باطنٍ خَرِبِ
وَكَمْ رَضيتُ ولكنْ زدتُكمْ سَخَطاً / وَلَيسَ بعدَ الرّضا شيءٌ سوى الغَضَبِ
وَما تأمَّلتُ ما بَيني وبينَكُمُ / إِلّا رَجعتُ كظيظَ الصّدر بالعجبِ
ما اِرتبتُ منكمْ على مرِّ الزّمانِ فلِمْ
ما اِرتبتُ منكمْ على مرِّ الزّمانِ فلِمْ / ملأتُمُ اليومَ أضلاعي من الرِّيَبِ
وقد صَدقتُكُمُ حتّى رأيتُ لكمْ / وما كذبتكُمُ حظّاً من الكَذب
ما خِيرَ لِي في اِختياري وُدّكمْ وَزَرٌ / آوِي إليه ولا أنجحتُ في الطّلبِ
وكنت منكمْ قريباً قبل غدركُمُ / فصرتُ أبْعَدَ من جِدٍّ إلى اللّعِبِ
فلا تُدِلّوا بإثراءٍ أُتيحَ لكمْ / لا خَيرَ بعدَ اِفتِقارِ العِرْضِ بالنَّشَبِ
ما ضرّكمْ لو وهبتمْ لِي جميلَكُمُ / فأيُّ شيءٍ من الإجمال لم أهَبِ
قَد كنتُ أَحسبكمْ والظنُّ مَطْمَعَةٌ / عزّاً لِذي الذُلِّ أو حِرْزاً لذِي العَطَبِ
حتّى صحبتُكُمُ جهلاً بخيرِكُمُ / ثمَّ اِختبرتُ فَكنتمْ شَرَّ مُصْطَحَبِ
فَليتكمْ ما عرضتُمْ لي مودَّتكم / وَلَيتَني كنتُ مدعوّاً فلمْ أُجبِ
وطالما غِبتُمُ عن نفعِكمْ خَوَراً / وكنتُ منهُ قريبَ الدّار لم أغبِ
إنَّ الّذي اِعوجَّ من بعد اِستقامتِهِ / وَاِنسَلَّ من وَطَري فيه ومِنْ أرَبِي
نَفضتُ مِن وُدِّه كفّي وقد صَفِرَتْ / وَعُدتُ من دارهِ أَمشي إلى العَقِبِ
يَقولون لي لِمْ أنتَ للشّيب كارهٌ
يَقولون لي لِمْ أنتَ للشّيب كارهٌ / فقلتُ طريقُ الموتِ عند مشيبي
قَرِبتُ الرّدى لما تجلّلَ مَفرقي / وكنتُ بعيداً منه غيرَ قريبِ
وكنتُ رطيبَ الغصنِ قبل حلولِهِ / وغُصنِيَ لمّا شبتُ غيرَ رطيبِ
وَلَم يكُ إلّا عَن مَشيب ذوائبِي / جَفاءُ خليلٍ وَاِزوِرارُ حبيبِ
وَما كنتُ ذا عيبٍ وقد صرتُ بعده / تُخَطُّ بأيدي الغانياتِ عيوبي
فليس بكائِي للشّبابِ وإنّما / بكائِي على عُمْرٍ مضى ونحيبي