المجموع : 105
تَراءَت لَنا حَوراء في صُورَةِ الإِنسِ
تَراءَت لَنا حَوراء في صُورَةِ الإِنسِ / تُشبَّه شَمساً وَهيَ أَبهى من الشَمسِ
لَها كُلُّ يَومٍ حُلَّة مستجِدَّةً / مِنَ الحُسنِ تُنسي صورَةَ الحُسنِ بِالأَمسِ
تُذَكِّرنا حور الجِنانِ إِذا بَدَت / وَلَكِنَّها أَضعافُ ما ذَكَّرت تُنسي
تَراءَت لَنا وَالشَكلُ وَالطَرفُ شكلها / فَما بَرَحَت إِلّا وَثوب الضَنا لِبسي
وَلَمّا طَواكَ البين واجتاحَكَ الرَدى
وَلَمّا طَواكَ البين واجتاحَكَ الرَدى / بَكَيناكَ ما لَم نَبكِ قَطُّ عَلى قِطِّ
لَقَد كُنتَ أُنسي في الفِراشِ لِوحدَتي / إِذا بعدت ذاتَ الوشاحَينِ وَالقُرطِ
وَقَد كُنتَ تَحمي ما يَدبُّ مِن الأَذى / إِليَّ بدانٍ مِنكَ أَو كانَ في شَحطِ
وَتَحرُسُني كاللَيثِ يَحرسُ شَبلَهُ / وَيَقتل من ناواه بِاللَطمِ وَالخَبطِ
وَلَو كُنتُ أَدري أَن بِئراً يَغولني / بِمَهواك مِنهُ لاحتبستك بِالرَبطِ
وَلَكِنَّ أَيدي الحادِثاتِ مُصيبَة / إِذا أَرسلت سهم المَنيَّةِ لا تُخطي
فَماذا الَّذي أَنعاه مِنكَ وَما الَّذي / أَعدده من كَفِّكَ الباطِشِ السَبطِ
وَمِن حُسنِ لَونٍ في قَميصِكَ بَعدَما / رأيتُكَ تَزجي لي وَتَحكم بِالقِسطِ
وَهَل نافِعي أَنّي أَرثيك بَعدَما / رأَيتُكَ تَزجي لي وَتحكم بِالقِسطِ
وَما أَنتَ إِلّا مثل حَظّي الَّذي نأى / وَتصحيفه يا مَن يُصَوِّر بِالخَطِّ
أَبانَ لَنا من درِّهِ يَومَ وَدَّعا
أَبانَ لَنا من درِّهِ يَومَ وَدَّعا / عُقوداً وَأَلفاظاً وَثغراً وَأَدمُعا
وَأبدى لنا من دَلِّه وَجَبينِهِ / وَمَنطَقِهِ مَلهىً وَمرأىً وَمَسمَعا
فَقُلتُ أَوجه لاح من تحت بُرقُعٍ / أَم البَدرُ بِالغَيمش الرَقيقِ تَبَرقَعا
أَصَم منادي بينَهُم حينَ أَسمَعا / وَرَوَّعَ قَلباً بِالفِراقِ مُروَّعا
شجاع إِذا لاقى كَميّاً مجرَّدا / جَبانٌ إِذا لاقى غَزالاً مُقَنَّعا
رَعى اللَهَ قَلباً بِالحِجازِ عَهِدتُهُ / وَإِن كُنتُ لا أَلقاهُ إِلّا مُودِّعا
أُحِبُّ النَوى لا عَن قِلىً غَيرَ أَنَّني / أَرى أُم عمروٍ وَالنَوى أَبَداً مَعا
يُوفّي هَواها حَقَّهُ فَيَصونَهُ / وَلَيسَ يَطيب الحُبُّ إِلّا مُمَنَّعا
وَفيها وَفي أَترابِها ليَ مَنظَرٌ / هُوَ العَيشُ لَو صادفت في الرَوضِ مَربعا
حُجبنَ فَما يُبدين إِلّا لِنيَّة / بِنَفسي شُموس تَجعَل الغَرب مَطلعا
وَلَمّا أَتَينَ الرَوض يَنشُرُ بَزَّهُ / تَضَوَّعن مِسكاً خالِصاً وَتَضَوَّعا
وقدَّت كمام الزَهر عنه فخلته / عُيوناً وخلت الطَل مِنهُنَّ أَدمعا
لَقَد خلقت عَيناه لِلسَّحرِ مَعدِناً / كَما خُلق الطَيموم للجودِ مَنبَعا
وَما أَبدَع الشَمل المُشَتَّت بَينَنا / وَلَو جمع الشَمل الشَتيت لأَبدَعا
سَأَقلَع غَرسَ الحُبِّ قَبلَ عُسوِّهِ / فأعجله من قبل أَن يَتَفرَّعا
وَأَورِد أَمالي الصَواديَ مِن يَدي / أَبي غانِمٍ بَحراً مِنَ الجودِ مُترعا
سَحاباً إِذا استَسقيت جاد إِجابة / وَإِن لم تَرِد سُقياهُ جاد تَبَرُّعا
وَبَحراً إِذا ما غُصتَ لقّاك دُرَّهُ / وَإِن لَم تغص أَلقى لك الدُرَّ مُسرِعا
نَدى الوجه من فرط الصَرامَة كُلَّما / جَرى الماءُ في صِمصامَةٍ كانَ أَقطعا
وَلَولا العَطايا أَنَّها سُنَّة لَهُ / لما قال لِلدُنيا إِذا عثرت لَعا
فإِن يَلبِس الدُنيا فَلِلجودِ لا لَها / وَإِن هَجَرَ الدُنيا فَعَنها ترفُّعا
يقطِّع آناء النَهارِ عَلى الطَوى / صِياماً وآناء الظَلام تَضَرُّعا
يُراقِبُ إِحياء المَسا لِورودِهِ / إِذا راقَبَ المَرءُ المَساءَ ليَهجَعا
إِذا كانَ حِفظُ الدينِ ما أَنتَ صانِع / فَلست تَرى في الناسِ إِلّا مضيعا
وَكَم قائِل لي كَيف مدحك هَكَذا / فَقُلتُ صِفوه إِنَّ لِلحَقِّ مُقنِعا
إِذا ما مدحت ابن الحسين بِوَصفِهِ / أَو البعض منه جِئتُ بِالمَدح أَجمعا
كَريم إِذا عاداكَ لَم تَر مغنماً / مِنَ الذَمِ إِلّا أَن تَقول وَيَسمعا
تُتَبِّعُ نعماه بروق ابتسامِهِ / كَما أَتبع الغيث البروق تتبُّعا
وَتُمطِرُ لِلعافينَ حَتّى كَأَنَّهُ / برويتهم يَسقي الرَحيق المُشَعشِعا
وَلَو أَنَّ إِنساناً لعظمِ مَحلِّهِ / ترفَّع عَن قدر الثَناءِ تَرَفَّعا
فَتىً ماله لِلوافِدين وَإِنَّما / يُضاف إِلَيهِ في الكَلامِ توسّعا
وَلَيسَ يُعَدُّ الجود جوداً لأَنَّهُ / يَرى ما أَتاهُ واجِباً لا تَبرُّعا
إِذا شرعت أَقلامه في كِتابَةٍ / رأَيت العَوالي في الكَتائِبِ شُرَّعا
وَإِن صدعت أَنيابهن بِمُديةٍ / رَأَيتُ لَها شمل الحَديد مصدَّعا
تَخِرُّ غداة الرَوعِ في الطِرسِ سُجَّدا / فَبيضٌ كَبيضِ الهِندِ في الهامِ رُكَّعا
تظلُّ سُيوف الهِندِ عِندَ صَريرِها / يُتَبِّعها فيما أَرادَ تَتَبُّعا
وَلَو مَسَّ أَنبوب اليَراعِ رأَيته / يُلَبي أَنابيبَ الرِماحِ إِذا دَعى
وَما أَحَدٌ في كتَبةٍ أَو كَتيبَةٍ / بأَسجَعَ مِنهُ في الكِتابِ وَأَشجَعا
فَصيح إِذا ما جال لَم ير مغنماً / مِنَ العَيشِ إِلّا أَن يَقول وَيَسمعها
سَعى لِلعلى حَتّى إِذا ما أَصابَها / أَتَتهُ العُلى تَسعى إِلَيهِ بِما سَعى
وتحرز ما تغنى بِهِ فَكَأَنَّما / تخال الفَتى مثل الغناء مُرجَّعا
وترقص أَطراف القَنا عن جبينه / إِذا ما اعتَرى يَومَ الهياجِ أَو ادَّعى
إِذا ما دَعى الداعوَ حيَّ عَلى النَدى / وَحيَّ عَلى الهيجاء أَقبل مسرعا
وَجَيشٍ كَأَنَّ الشَمسَ قَد لَبِسَت بِهِ / مِنَ النَقعِ وَالطَيرِ الحَوائِمِ بُرقُعا
شققت إِلى أَبطالِهِ الصَفَّ مِثلَما / شققت بِنصفين الرِداء الموشَّعا
بِأَبيَض يفري كل درعٍ وَجِنَّة / فَلَيسَ يُحاشي حاسِراً أَو مدرعا
وَلَم أَرَ كالطَيمومِ إِلّا أَبا النَدى / كريمين مِن أَصلٍ كَريم تفرَّعا
لِكُلِّ بهاءٌ مِنكُما غير أَنَّني / رأَيتكُما أَبهى إِذا كُنتُما معا
لَو أَنَّكُما بَعد التَأزُرِ مُتما / تضعضع رضوى أَو شرورى تضعضعا
مَعاً أَنتُما كالنَيِّرينِ مَحلة / وَنوراً ومثل الفرقدين تجمعا
أَبا حسن أَحيَيتَ بِالجودِ حاتِماً / وَبالحُلُمِ لُقماناً وَبِالمُلكِ تُبَّعا
فُطرتَ عَلى دينِ النَدى فاكتسبته / فَحُزتَ المَعالي فِطرَةً وَتَصَنُّعا
ورتَّبته فَوقَ السَموات رُتبَةً / فَلَم يَبقَ في جودٍ لغيركَ مَطمَعا
لَقَد سُدتَ أَهل الأَرضِ مُجتمع القوى / وَقَد سُدتَّهم من قبل ذَلِك مُرضعا
إِذا أَول الخُطيِّ أَخطاك طعنه / فَلا ترج في أَخراهُ لِلضَّيمِ مدفعا
إِذا ما طَريق المَدحِ ضاق عَلى امرىءٍ / رأَيتُ طَريق المَدحِ نَحوَكَ مهيعا
فَإِن قُلتَ لَيثاً كُنتَ أَشجَع مَدفَعا / وَإِن كُنتَ غيثاً كُنتَ أَنفَع موقعا
وَإِن قلت بَحراً كُنتَ أَعذَب مورداً / وَإِن قُلتُ بَدراً كُنتَ أَبعَد مطلعا
فَهُنِّيتَ ذا العيد الَّذي هوَ حاضِرٌ / وَهُنيتَ أَلفاً مثله مُتَوَقَّعا
زَمانكَ أَعياد وَهُنِّيت مثلها / ولست أَخُصُّ اليَومَ إِلّا لأَجمَعا
كرهتَ جوار المالِ من كَرَمٍ فَما / يَرى مالُك الخَزّانِ إِلّا مودِّعا
تَواضَعَ من فَرطِ الرَجاحَةِ أَنَّهُ / إِذا وزن الشَيء الرَفيع ترفَّعا
لَقَد أَلبَسَ اللَهَ البِلادَ وَأَهلَها / بِشخصلك تاجاً بِالمَعالي مرصَّعا
بَقيتَ بَقاء الدَهرِ تُرجى وَتُتَّقى / فَما العَيشُ إِلّا أَن تَضُرَّ وَتَنفَعا
أَلَمَّ خاليَها بَعد الهُجوعِ
أَلَمَّ خاليَها بَعد الهُجوعِ / فَعادَت إِذ رأَت سيفي ضَجيعي
وَهاجَت لي بِزَورتها زَفيراً / يَكادُ يُقيم مُعوَجَّ الضُلوعِ
فَباتَت بَينَ أَعناق المَطايا / تَردَّدُ في المَجيء وَفي الرُجوعِ
فَقُمتُ مُنادياً فَإِذا سُهَيل / مِنَ الخفقان كالقَلب المَروعِ
كَأَنَّ نُجوم لَيلك حينَ أَلقى / مَراسيَهُ مَسامير الدُروعِ
وَفي الحَيِّ الحِجازيين سِربٌ / كَأَنَّ وجوههم زهر لرَبيعِ
يَحُفُّ بأشنب الأَنياب أَحوى / كَأَنَّ رُضابَهُ ذوبُ الصَقيعِ
يَنوبُ بِوَجهِهِ عَن كُلِّ شَمسٍ / يَغيب من الغُروبِ إِلى الطُلوعِ
شَفعتُ إِلَيهِ في نَومي فأعيا / فَجاءَ بِهِ المَنامُ بِلا شَفيعِ
وَلا أَنسى بروضِ الحُزنِ ريماً / يَبُثُّ الوَجدَ عَن قَلبٍ وَجيعِ
وَأَحداقُ الحدائِقِ ناظِراتٌ / إِليَّ بأعيُنِ الزَهرِ البَديعِ
تَرَقرَقَ لؤلؤ الأَنداء فيها / كَما امتلأت عُيونُ من دُموعِ
وَلست بِواثِق بِجُفون عيني / وَقَد أَظهرن ما أَخفت ضُلوعي
وَمن يستكتم الأَجفان حُباً / فَقَد أَظهرن ما أَخفَت ضُلوعي
سَقى اللَهُ الحيا نَجداً فَإِنّي / لذو قَلبٍ إِلى نجد نَزوعِ
سَقاه وابِلٌ غَدقٌ ملتُّ / لَهُ جود كَجودِ أَبي المَنيعِ
وَلَو يَحكي أَنامله سَحابٌ / لَكانَ الدَهرُ منهُ في رَبيعِ
نَزَلتُ بِهِ فَقابَلَني بِوَجهٍ / أَغَرَّ كَغُرَّةِ الفَجرِ الصَديعِ
وَماءٍ من بشاشته زُلالٍ / وروض من مَكارِمِهِ مُريعِ
لَهُ يَدُ مُحسِنٍ وَحياء جانٍ / وجود مبَذِّرٍ وَعُلى جُموعِ
وَرأي مجرِّبٍ وقتال غِرٍ / وَذمَّةُ حافِظٍ وَنَدى مُضيعِ
إِذا ذُكِرَ النَوال اهتَزَّ شَوقاً / إِلَيهِ كَهِزَّة السَيفِ الصَنيعِ
يحنُّ إِلى العَطاء حنين قَيسٍ / إِلى لَيلى لعرفان الرُبوعِ
فَلا تَحمده في بَذلِ العَطايا / فَلَيسَ لِغَيرِ ذاكَ بِمُستَطيعِ
فَمِقبَضُ سَيفه مَجرى العَطايا / ومضربُ سيفهِ مَجرى النَجيعِ
مُنىً وَمَنيَّةٍ كالصِلِ يَطوي / عَلى الدِرياقِ وَالسُمِّ النَقيعِ
وَلَو بارى بِجودِ يَدَيهِ بَحراً / لآل البَحرُ كالآلِ المروعِ
إِذا وازَنتُهُ بِالناسِ طُراً / رأَيت البَعض يَعدل بِالجَميعِ
يُناطُ بِالرّأي منه بأَلمعيٍّ / يَرى الحِدثانِ من قبل الوقوعِ
بِذي حُلُمٍ أَصَمُّ عَن الدَنايا / وَذي جودٍ لسائِلِهِ سَميعِ
مفيدٍ متلفٍ حُلو مُمِرٍّ / عَلى العالّات ضَرّارٍ نَفوعِ
بِصَدرٍ مثل ساحتِهِ رَحيبٍ / وَبَذلٍ مثل نائِله سَريعِ
إِذا لاحَت بَنوه لنا شهدنا / لِطيب الأَصل مِن طيبِ الفُروعِ
نُجومٌ سَبعة عدد الثُريّا / وَموضعُها من الحَسَبِ الرَفيعِ
فَلا زالوا كأَنجُمها إِئتِلافاً / مِنَ الحِدثانِ في حِصنٍ مَنيعِ
تَراهُ وَحَولَهُ مِنهُمُ لُيوثٌ / إِذا نهل القَنا في كُلِّ رَوعِ
حَكوهُ شَمائِلاً وَعُلىً وَجوداً / وَبأَساً عِندَ مُعترِك الجُموعِ
تَراهُمُ مِثلَما اطَّردَت كعوب / وَراء سنانها الماضي الرَفيع
يَهُزُّ أَبو المَنيع بهم سُيوفاً / لِتَقويم المُخالِفِ وَالمُضيع
فَدامَ لهم بِهِ وَلَهُ سُرورٌ / بِهِم حَتّى المَماتِ بِلا فَجيعِ
صَبٌّ نَأَى فَأَفاعي البَينِ تلسعه
صَبٌّ نَأَى فَأَفاعي البَينِ تلسعه / وَلَيسَ عِندَ ذَوي الآلامِ يَنفَعُهُ
مشرق شَقَّ عنه ثَوبَ سَلوَتِهِ / حُزناً وَأَضحى سَلبياً مِنهُ ينزَعُهُ
في كُلِّ يَومٍ له من فِرطِ لَوعَتِهِ / جِنيَّةٌ في رَضى الأَحبابِ تَصرعُه
يا صاحِبيَّ أَصبِحاني راح عذركما / كَأَساً تردَّدَ في بؤسي تَشعشُعُه
وَخَلِّياني وطرف الحُبِّ أَركضه / حَتّى تَكَلُّ عَناءً منه أَربعُهُ
أَستودع اللَهَ في أَرض الحِجازِ رشاً / في رَوضَةِ القَلبِ مأواهُ وَمربَعُهُ
إِن يُعظِمُ البين قَلبي من تَعذُّبهِ / فَلِلصَّبابَةِ ثدي راح يُرضعُهُ
ما بنت عنه قِلىً مَنّي لصُحبَتِهِ / وَلا لودٍ سَها عنه يضيعُهُ
بَل غالَني فيهِ واشٍ ما قدرتُ عَلى / مرادهِ في مضرّاتي فأدفعُهُ
وآشٍ وَشا في أَذائي جهدَ طاقته / فَلا تَهنّا بحلو العيشِ يَجرَعُهُ
موكَّلٌ بِنَبات الخَيرِ يَحصُدُهُ / وَلا يَرى مِن صَوابِ الأي يَزرَعُهُ
قَد كانَ يَحكُمُ ما يَهوى فَأَقبَلُهُ / وَما أَتى مِن خِطابٍ كُنتُ أَسمَعُهُ
فَرُحتُ أَفرقُ مِن مَوتي بِمَنزِلِهِ / إِذ كانَ لَيسَ لَهُ حِفظٌ فَيُردِعُهُ
بِاللَهِ يا وَجدُ رِفقاً بِالفُؤادِ فَما / أَطيقُ أَكثَرَ مَمّا أَنتَ تَصنَعُهُ
كَيفَ العَزاء لمن في الغرب مُهجَتُهُ / وَجسمه بَلدُ الفِسطاطِ مَرتَعُهُ
صَبٌّ سَرى النَوم عَن جفنيهِ مُرتَحِلاً / فَالدَمع في إِثرِهِ جارٍ يُشَيِّعُهُ
وَأَنتَ يا وَصلُ عُج في رَبع فُرقتنا / عَساكَ تَجمع شَملاً عِزَّ مَجمَعُهُ
وَأَسقِهِ من حَيا التَقريب ساريَة / فَإِنَّهُ داثِر قَد مُجَّ مَوضِعُهُ
عَسى اللَياليَ بِأَوطاي الَّتي سلفت / يرجعن فيهِ رُجوعاً لا تُوَدِّعُهُ
فَكَم تركنا هلال الكأسِ طالعة / فيهِ تُغَيِّب هَمَّ النَفسِ مطلِعُهُ
سَماؤُهُ كَفَّ من كَفَّ الغَرامَ بِهِ / مَمدودَةٌ نَحوَ حَبل الصَبرِ يَقطَعُهُ
وَالرّاح رائِحَةٌ فينا وَغادِيَة / عَلى مَجالِسِ رَبعٍ جَلَّ مرتَعُهُ
راحٌ هيَ الرِيحُ فاجعلها عَلى طربٍ / تِجارة قَبلَ خُسرٍ لَيسَ يَنفَعُهُ
وَمُت بِها مَوتُ مَن يُرجى الحَياة لَهُ / فَمَيِّتُ الرّاحِ مَيتٌ صَحَّ مَرجِعُهُ
مَخبيَّةُ الدَهرِ كانَت في ذَخائِرِهِ / فَجادَ من صَفوِها ما كانَ يَمنَعُهُ
كَأَنَّها شفقٌ وَالمزجُ يكسِبُها / غَيماً سرياً بِلا ريثٍ يُقشِّعُهُ
وَلائِمٌ لامَني جَهلاً فَقُلتُ لَهُ / لي في الصَبابَةِ عُذرٌ لَيسَ تَدفعُهُ
لي فاصِرف اللَومَ قَلبٌ شاعَ منكَشِفاً / في مَذهَبِ الحُبِّ يا هَذا تَشَيُّعُهُ
وَمهجة لإِمام الحُسنِ يتبعها / فَالوجه عَهدٌ عَلَينا لَيسَ يَخلَعُهُ
دَلَّ فَأَبدى الصُدودَ وَالجَزَعا
دَلَّ فَأَبدى الصُدودَ وَالجَزَعا / تيهاً وَقَد كانَ حَقَّق الطَمَعا
وَلَم يَكُن ذاكَ مِنهُ عَن مَلَلٍ / بَل كانَ يَهوى أَذِيَّتي وَلَعا
حَتّى إِذا ما يَئِستُ مِن تَمَنُّعِهِ / قِدماً من الصابِ في الهَوى جُرَعا
ظَبيٌّ تَجرَّعتُ من تَمنُّعِهِ / قِدماً مِنَ الصابِ في الهَوى جُرَعا
يَتبَعُني في الهَوى وأَتبَعه / أَكرِم بِهِ تابِعاً وَمُتَّبَعا
أَيا مَن نَعاهُ لِسانُ القَريض
أَيا مَن نَعاهُ لِسانُ القَريض / وَكالنَدِّ يَنشُرُ مِن عرفِهِ
وَمَن كالثُريّا لَهُ هِمَّة / وَقَد عُدَّ ذَلك مِن سُخفِهِ
يَعِزُّ عَلى الدَهرِ ما أَنتَ فيهِ / وَإِن جل ذَلِكَ مِن صِرفِهِ
فَلا تقنَطنَّ فَإِنَّ الخِناقَ / يَقطِّعه الضيق من حَرفِهِ
فَقَد يَقشَع الغَيمُ بَعدَ الهُطولِ / وَإِن طبَّقَ الأَرض من وَكفه
وَباري العِبادِ لَطيفٌ بِهِم / فَلا تؤيس النَفسَ من لُطفِهِ
تَبارَكَ من عَزَّ في مُلكِهِ / وَجَلَّ المُهَيمِنُ عَن وَصفِهِ
تَوَسَّل إِلَيهِ إِذا اللَيلُ جَنَّ / فيما دَهاكَ وَفي كَشفِهِ
يريحك من سجن دار البنود / وَيَكفيك ما أَنتَ مُستَكفِهِ
من القَيدِ وَالغِلِّ في أَدهَمٍ / أَليمٌ عَذابُكَ من عُنفِهِ
يفك وثاقك من أَسرِها / وَراحة قلبك من لَهفِهِ
وَإِمّا بِشُربِ حياضِ المُنونِ / فَقَد سَئِمَ العيش من خَسفِهِ
وَضاعفَ وَجدي لما سُجنت / مَقالَة من غابَ مِن طَرفِهِ
يَقول وَبَعضُ كَلام السَفيه / يُقتِّل إِن هوَ لم يُخفِهِ
أَهَذا التِهامِيُّ من مَكَّةٍ / بِرِجلَيهِ يَسعى إِلى حَتفِهِ
أَلَم يَكفِهِ أَنَّ ثوب الحَياةِ / ضاق عَلَيهِ أَلَم يَكفِهِ
أَراد يَطير مَطار المُلوكِ / وَظَنَّ الأَسِنَّة من زَفِّهِ
وَكانَ كَقائِدٍ جيش الضَلالِ / عاين جَبريلُ في صَفِّهِ
أُصيفر يرعفُ مِن نَحرِهِ / إِذا رَعف المرء مِن أَنفِهِ
وَأَحسَبُ سَيفَ ابنَ بنتِ النَبيِّ / يُخَضِّبُ حدَّيهِ من عُرفِهِ
أَرى مَلَكُ المَوتِ يَدنو إِلَيهِ / وَهوَ يَعَضُّ عَلى كَفِّهِ
أَبا الشِعرِ وَيحك تَبغي العُلى / وَأَنتَ تُقَصِّرُ عَن وَصفِهِ
وَلَم تَكُ أَهلاً بأن تستقرَّ / عَلى منبر المُلكِ أَو طَرفِهِ
لأَنَّكَ أَبور من شاعِرٍ / عَلى خِسَّةِ الشِعر مَع ضَعفِهِ
أَرقتَ دَماً بَعدَما صُنتَهُ / وَأَشعَلتَ جَمراً وَلَم تُطفِهِ
وَأَشفَيتَ مُنتَظِراً لِلبَوارِ / وَصَدرُكَ حَرّانُ لَم تُشفِهِ
لعمرُك إِنّي لَبيبُ الرِجال / من كَفَّ أَو غَضَّ من طَرفِهِ
إِذا ما إِمام الفَتى راقَهُ / فاسبيه وانظر إِلى خَلفِهِ
إِلى اللَهِ أَشكو أُموراً جَرَت / عَلى غير قَصدٍ واستَفعِهِ
وَكَم قائِلٍ سَجَنوهُ عَلى / تطلُّبِهِ الملك مِن لَهفِهِ
أَيطَّلِبُ المُلكَ مَن لَيسَ مِنهُ / وَلا من بنيه وَلا صِنفِهِ
وَمَن كانَ ذا حِنكَةٍ بِالعُلومِ / قار بِهِ البؤس مِن حَرفِهِ
إِذا نشفَ العود مِن مائِهِ / فَذَلِكَ أَدعى إِلى قَصفِهِ
وَذو الفَضل يَنظرُ في أَمرِهِ / كَذي النَقصِ يَنظُرُ في عَطفِهِ
فَإِنَّ مُصارِعَ بغي الرِجالِ / يَختَرِمُ الأُلفَ مِن إِلفِهِ
فَلا تَغبِطَنَّ أَمرأً في غَدٍ / سيقسِمُهُ السَيف مِن نِصفِهِ
مِنَ النائِباتِ فَقَد طُفنَ بي / طَواف الغَريمِ يمن يَحفِهِ
وَكُلٌّ بِما قالَهُ آثِمٌ / سيقرا الَّذي قالَ في صُحفِهِ
وَلَيسَ سِوى نَكَباتِ الزَمانِ / وَرأيٌ يُضلُّكَ في ضَعفِهِ
عَلى أَهل مَكَّةَ مني السَلامُ / ومن ثًفني الودَّ أَو أَصفِهِ
حَياتي وَبَعدَ وَفاتي إِذا / أَريتُ من اللَحدِ في لُحفِهِ
أَمّا الخَيال فَما يَغيب طُروقاً
أَمّا الخَيال فَما يَغيب طُروقاً / يَدنو بِوَصلك شائِقاً وَمشوقا
وَآفٍ يُحقِقُ لِلوَفاء وَلَم يَزَل / خدن الصَبابة لِلوَفاءِ خَليقا
وَمَضى وَقَد مَنَعَ الجُفونَ خفوقها / قَلبٌ لذكرك لا يَزالُ خَفوقا
هَل عهدنا بِلوى الشَقيقة راجِعٌ / فَيَعود لي فيهِ الوِصالُ شَقيقا
أَيام تسلك بي الصَبابَة مجهلاً / لا يَعرِف السلوان فيهِ طَريقا
أَهوى أَنيق الحُسنِ مُقتَبِل الصبا / وَأَزور مختصر الشَباب أَنيقا
لا أَلحظ الأَيام لحظةَ وامِقٍ / حَتّى يَعود زَماننا مَرموقا
وَرَكائِبٍ يخرجنَ من غَلس الدُجى / مثل السِهام مرقن فيهِ مُروقا
وَالفَجر مَصقول الرِداء كَأَنَّهُ / جِلبابُ خَودٍ أَشربته خَلوقا
نَحوَ الهُمام القائِد القرم الَّذي / قرن الإِلَه بِعَزمِهِ التَوفيقا
ملك يَروقك منظراً وَمَقالَةً / أَبَداً وَيوسع بِالصَوارِم ضيقا
يَلقى النَدى بِرَقيقِ وَجهٍ مُسفِرٍ / وَإِذا التَقى الجَمعانِ عادَ صَفيقا
رحبُ المَجالِسِ ما أَقامَ فإِن سَرى / في جَحفَل ترك الفَضاء مَضيقا
وَإِذا طَما بَحرُ الكَريهة خاضَهُ / وَأَماتَ مَن عاداهُ فيهِ غَريقا
حُجِبَت بِهِ شَمس النَهارِ وَأَشرَقت / شَمس الحَديد بِجانبيه شُروقا
أَضحى أَبو الفَضل السَميدع في الوَرى / فَرداً وَأَمسى في الذُرى مَرموقا
وَحسامه أَبَداً بوار عِداتِهِ / وَتواله في العالمين مُحيقا
اللَهَ صوَّرَهُ جَواداً خلقه / أَعلى بِهِ نور الزَمانِ أَنيقا
أَضحى السَخاء بِجَعفَرٍ مُتَخَيِّماً / فَغَدا بِهِ عقد الزَمانِ وَثيقا
يَختالُ في حُلَلِ الرَجاءِ وَيَمتَطي / هِمَماً أَقامَت لِلمَكارِمِ سوقا
فَلَضاعَ أَمر لا تَبيت تديره / وَلَظَلَّ ركب ما انتَحاكَ طَريقا
فَهَناكَ يَوم العيد يَومٌ عائِد / أَبَداً عَلَيكَ موفقاً تَوفيقا
ببقا أَمير المؤمِنينَ وَظلُّهُ / تَرجو النَجاة وَتأمن التَعويقا
فاسلم لِدَهرٍ أَنتَ دُرَّة تاجِهِ / لا زِلتَ رَبّاً للفَخارِ حَقيقا
واسلم لمكرمة شَغَلتَ بِحُبِّها / قَلباً بِحُبِّ المكرمات عَلوقا
وَبَديع شعرٍ يانِعٍ حَبَّرتُهُ / فنظمتُ منه لؤلؤاً وَعَقيقا
شَعشَعتُ مِنهُ اللَفظ ثم نظمته / فَكَأَنَّما شَعشَعتُ منه رَحيقا
أَتى الدَهر مِن حَيث لا أَتَّقي
أَتى الدَهر مِن حَيث لا أَتَّقي / وَخانَ من السَبب الأَوثَقِ
مَضى بِأَبي الفَضلِ شَطرَ الحَياة / وَما مَرَّ أَنفَسُ مِمّا بَقي
فَقُل لِلحَوادِثِ من بَعدِهِ / أَسِفّي بمن شئت أَو حَلِّقي
أَمِنتُكِ لَم يبق لي مَن أَخاف / عليه الحِمامُ ولا أَتَّقي
وَقَد كُنتَ أَشفق مِمّا دَهاه / وَقَد سكنت لوعة المُشفِقِ
وَلَمّا قضى دون أَترابِهِ / تَيَقَّنتُ أَنَّ الرَدى يَنتَقي
مَضى حينَ وَدَّع دَرّ الرَضاعِ / لدَرِّ التَفصُّحِ في المَنطِقِ
وَهَزَّ اليَراع أَنابيبه / وَهُنّىءَ بِالكاتِبِ المُفلِقِ
وَقيلَ سَيشرف هَذا الغُلامُ / وَقالَت مخايله أَخلِقِ
كَأَنَّ اللِثامَ عَلى وَجهِهِ / هِلالٌ عَلى كَوكَبٍ مُشرِقِ
وَما النَومُ إِلّا التِقاء الجُفونِ / فَكَيفَ أَنامُ وَما نَلتَقي
يَعُزُّ عَلى حاسِدي أَنَّني / إِذا طرق الخطب لَم أُطرِقِ
وَإِنّي طود إِذا صادمته / رياحُ الحَوادِث لَم يَقلقِ
وَمُهَفهَفٍ ضرب الجَمال رَواقَهُ
وَمُهَفهَفٍ ضرب الجَمال رَواقَهُ / من فَوقِهِ فأَظَلَّهُ بِرواقِهِ
يَتَثَنَّ في خُضرِ البُرودِ كَأَنَّهُ / غُصنٌ ثَنَتهُ الريحُ في أَوراقِهِ
وَكأَنَّما زرَّت جيوب قَميصه / فَوقَ الصَباحِ فَنَمَّ من أَطواقِهِ
أَتَرضونني يا آل جرّاح إِنَّني
أَتَرضونني يا آل جرّاح إِنَّني / مُدوّيٍ لكم أَضحى مَدى الدَهرِ هالِكا
وَما زِلتُ أَرجو أَن أَراكُم كَما أَرى / تَكون عَلى رغمِ المُلوكِ المَمالِكا
وَلما أَتى فَتحُ الشام رَمقتُهُ / بعين امرىء لِلرِّق أَضحى مُشارِكا
وَلَمّا أَفاد الناس مِنهُ وَأَينعت / ثِمار الغِنى مِنهُ وَلَم أَلق ذُلِكا
غَصَصتُ بِأَمرٍ لَم أَكُن جاهِلاً بِهِ / ولا راقِباً مِنهُ يُلِمُّ مُشابِكا
أَما كانَ لي في حُرمَةِ السَعيِ مِنكم / ذمام يَردُّ البَغيَ بِالعَزمِ آفكا
أَما كانَ في مَدحِ الأَمير أَبي النَدى / لكم مَذهَبٌ تَقضون فيهِ الحَسائِكا
تَرى الغيث وَهيَ العارِض الجونِ تَنثَني / لشقوة جَدّي جامِد الهطل فارِكا
تَرى البرق أَغشى العَين منكم مناره / يَعود لِبَختي أَسود اللون حالِكا
تَراني لِتَقديري حُرمتُ حِباءَكم / فَأَصبَحَ مِنّي حادِثُ الدَهرِ ناهِكا
فَإِن كانَ يُمنُ الدَولَةِ اختار مُهجَتي / وَخَلَّصها إِذا خَيَّم المَوتُ بارِكا
فَكَم عَزمَةٍ لِلمَلكِ زادَت بِحِكمَةٍ / وَسَدَّت عَلى سُبُلِ الطَريقِ المَسالِكا
وَكَم رام ثَوبَ العِزِّ إِنَّ سَتيرَهُ / بِذُلِّ وَأَن تَلقى له الدَهرَ مالِكا
أَلا إِنَّ هَذا العَبدَ رَهنَ كَفالَةٍ / وَقَد أَطلقتَه أَريحيَّة جاهِكا
وَقَد كانَ مَملوكاً وَفي رَدِّ مالِهِ / حَياةٌ لَهُ فاجعَلهُ من عُتقائِكا
لَو كانَ حَرُّ الوَجدِ يَعقب بعده
لَو كانَ حَرُّ الوَجدِ يَعقب بعده / بَردُ الوِصال غفرت ذاك لِذاكا
لا بَل شُجيتُ بِمَن يَبيتُ مُسَلَّماً / خالي الضُلوعِ وَلا يُحسُّ شجاكا
إِن يُصبِحوا صاحين مِن خَمرِ الهَوى / فَلَقَد سَقَوكَ مِنَ الغَرامِ دراكا
يا لَيت شُغلك بِالأَسى أَعداهم / أَو لا فَليت فَراغهم أَعداكا
أَهوىً وَذُلاً في الهَوى وَطماعَة / أَبَداً تَعالى اللَهَ ما أَشقاكا
يا قَلب كَيف عَلِقتَ في أَشراكِهِم / وَلَقَد عهدتُكَ تُفلِتُ الأَشراكا
أَكبيتَ حينَ تقصَّدتك سِهامهم / قَد كُنتُ عَن أَمثالها أَنهاكا
إِن ذُبتَ مِن كَمَدٍ فَقَد جَرَّ الهَوى / هَذا السِقامُ عَليَّ من جرّاكا
يا قَلب ليتك حيث لَم تَدعِ الهَوى / علَّقتَ من بِهَواك مثل هَواكا
لا تشكوَنَّ إِليَّ وَجداً بَعدَها / هَذا الَّذي جَرَّت عَلَيكَ يَداكا
لأعاقبَنَّكَ بِالغَليلِ وَإِنَّني / لَولاك لَم أَذُقِ الهَوى لَولاكا
يا عاذِلَ المُشتاقِ دَعهُ فَإِنَّهُ / يَطوي عَلى الزَفَراتِ غير حشاكا
لَو كانَ قلبك عِندَهُ ما لمتُهُ / حاشاك مِمّا عِندَهُ حاشاكا
رَبَّة اللَومِ أَقصِري فَضُّ فوكِ
رَبَّة اللَومِ أَقصِري فَضُّ فوكِ / عَن نَجيبٍ قالي البقا مَنهوكِ
مغرم كُلَّ ساعة يَستَعِرُ الحُبَّ / في طاعَة الهَوى مَسبوكِ
لا تَلُجّي في لومه واعذُريهِ / واِستَعيذي من سِترِهِ المَهتوكِ
فالهَوى يترك العَزيزَ أَخا السَطوة / في حالة الذَليل الرَكيكِ
رحت شهرين بِالغَرامِ وَلَو / نالَكِ أَبصَرتِ جَهرَةً ما يَسوكِ
ولَعَمري إِنَّ الهَوى هَيِّنُ / المأخَذِ صَعبِ المَرفوضِ وَالمَتروكِ
بَعَثَت إِلَيكَ بِطَيفها تَعليلا
بَعَثَت إِلَيكَ بِطَيفها تَعليلا / وَخضابُ لَيلك قَد أَراد نُصولا
فَأَتاكَ وَهناً وَالظَلامُ كَأَنَّما / نظم النَجوم لِرأسه إِكليلا
وَإِذا تَأَمَّلت الكَواكب خلتها / زَهراً تفتَّح أَو عُيوناً حولا
أَهدَت لنا مِن خَدِّها وَرُضابِها / وَرداً تُحَيِّينا بِهِ وَشمولا
وَرداً إِذا ما شُمَّ زادَ غَضاضَةً / وَلَو أَنَّهُ كالوَردِ زاد ذبولا
وَجَلَت لنا بَرداً يُشَهّي بَرده / نفس الحصور العابِدِ التَقبيلا
بَرداً يُذيب وَلا يَذوب وَكُلَّما / شَرِبَ المُتَيَّمُ مِنهُ زادَ غَليلا
لَم أَنسها تَشكو الفِراقَ بِأَدمُعٍ / ما اعتَدنَ في الخَدِّ الأَسيلِ مَسيلا
فَرأَيتُ سَيفَ اللَحظِ لَيسَ بِمُغمدٍ / من تحت أَدمُعِها وَلا مَسلولا
إِن دامَ دَمعكِ فاحذَري غرقاً به / وَإِذا تَوالى القَطرُ كان سُيولا
حُطّي النِقابَ لَعَلَّ سرحَ لحاظِنا / في رَوضِ وجهك يرتعنَّ قَليلا
لَمّا انتقبتِ حَسِبتُ وَجهَكِ شعلة / خلَلَ النِقاب وَخِلته قِنديلا
هامَ الفؤاد بِأَنجُمٍ مِن حَيث ما / أَبصَرتهنَّ رأَيتهنَّ أَفولا
رَحَلوا ولون اللَيل أَدهم مُصمَتٍ / فامتار مِنهُم غُرَّة وَحُجولا
يَنحون حيث تَرى المَوارِدَ طُفَّحاً / وَالرَوض غَضٌّ وَالنَسيم عَليلا
فالأقحوانَةُ ثَمَّ تلقى أُختَها / كَفَمٍ يُحاوِل مِن فَمٍ تَقبيلا
كلف الفراق بمن هويت فَكُلَّما / دانيته شِبراً تأخَّرَ ميلا
قتلتني الأَيام حينَ قتلتها / عِلماً فأبصر قاتِلاً مَقتولا
مالَت عَليَّ فَقَد جعلت مَطيَّتي / ما بين أَجفان الدياجيَ ميلاد
حَمَلت جَميلاً من ثَناء مُحمَدٍ / لِتَزور وَجهاً كالثَناءِ جَميلا
ملك يروقك منظَراً وَمقالة / كالسَيف يَحسُن رؤيَة وَصَقيلا
أَضحى السَخاء مُخَيِّماً في كَفِّهِ / حَمِدَ المحَل فَما يُريد رَحيلا
أَوَ هَل يُريد الجود بَعدَ يَمينِهِ / وَهوَ النِهايَة في العُلوِّ نزولا
لا أَستَزيد الدَهر بَعدَ لِقائِهِ / حَبي بِرؤيَتِهِ البَهيَّة سولا
عَمَّ الرَعية وَالرعاة نواله / وَالفاضل المأمول وَالمَفضولا
كالغَيث إِن جادَت يَداهُ بديمَةٍ / أَغنى بِها المَعروف وَالمَجهولا
يَرتَدُّ فِكرُكَ بِالفَضائل حاسِراً / عنه وطرفك بِالضِياء كَليلا
وَتَحوز مِن إِحسانِهِ وَعَيانه / وَبيانِهِ وَبنانِهِ المأمولا
زاد العفاة عَلى الديات وَلَم يَكُن / أَردى سِوى فقر العُفاةِ قَتيلا
وَدَعا لِسائِله وَأَعلَن شُكره / حَتّى حَسِبنا السائِل المَسؤولا
أَتَراهُ يَحسَبُ وَفدَهُ شُركاءَهُ / وَيَرى التَفرد بِالثَراء عَليلا
يا مَن يفنِّده عَلى صِلَة النَدى / أَتلوم في صِلَة الخَليل خَليلا
اللَهُ صَوَّرَهُ جَواداً خَلَقَهُ / وَتُريدُ منه أَن يَكون بَخيلا
خُلِقَ ابن إِبراهيم جوداً كُله / فَمَتى تطيق لِخَلقِهِ تَبديلا
لَو ذُقتَ مِن طَعمِ النَدى ما ذاقه / لَعَصَيتَ فيهِ لائِماً وَعذولا
أُهرب بِنَفسِك لا يهبك فَرُبَّما / أَعطى العذول الرِفد وَالمَعذولا
وَلرُبَّما فتَّشت بعض عَطائِهِ / فَوجدتَ فيهِ السَيد البَهلولا
قَتَل العداة بِجوده وَبِسَيفِهِ / وَالسَيفُ يسهل عندهم تَقتيلا
فانصاعَ قَد ملئت مَضارِب جوده / شكراً ومضرب سَيفِهِ تَفليلا
يَلقى العِدى من كُتُبِهِ بِكتائِبٍ / يَجررن من زرد الحُروف ذُيولا
وَتَرى الصَحيفَة حلبةَ وَجِيادها / أَقلامُها وَصَريرُهُنَّ صَهيلا
في كَفِّهِ قَلَم أَتَمُّ من القَنا / طولاً وَهُنَّ أَتَمُّ منه طولا
قَلَمٌ يقلِّم ظُفرَ كُلَّ ساعة يَكتَسي / وَيَرُدُّ حَدَّ شباتها مَغلولا
وَيُضيءُ منه الطَرس ساعَة يَكتَسي / صَدأ المِداد وَلا يُضيء صَقيلا
ما قَطَّ قَطُّ لكتبه أَقلامه / إِلّا نقمن عَلى العداة ذُحولا
نِبَلٌ حَباها من رؤوسِ بَنانِهِ / ريشاً ومن حلك المِداد نُصولا
فقرت شَواكل كُلُّ أَمرٍ مُشكِلٍ / ورددن مفصل ماله مَفصولا
يَدعو النَبيَّ مِنَ الجُدودِ وَحَيدراً / ومن العُمومةِ جَعفَراً وَعَقيلا
نَسَباً تَرى عنوانه في وَجهِهِ / لا شبهة فيهِ وَلا تأويلا
تغنى بِهِ عَن حُجَّةٍ وَدَلالَةٍ / من ذا يُريد عَلى النَهار دَليلا
يَحكي النَبيَّ شَمائِلاً وَفَضائِلاً / مَن لَم يَكُن كأَبيه كانَ دَخيلا
لَولا الرِسالَة بَعدَ جَدِّكَ أَحمَد / خُتِمَت لقُلنا قَد بُعثتَ رَسولا
أَشبَهتَه خَلقاً وَأَخلاقاً وَما / خالَفته جُمَلاً وَلا تَفصيلا
لَولا أَبوك لما امتلا سَمعُ امرىءٍ / في الأَرضِ تَكبيراً وَلا تَهليلا
يا ابنَ الَّذينَ إِذا اعتَراهم طارِق / تَرَكوا بُيوت المالِ منه طُلولا
يا ابنَ الكِرامِ الأَكرَمينَ مغارِساً / وَالطاهِرينَ مشائخاً وَكهولا
الطَيِّبينَ مَناقِباً وَمَآرِباً / وَمَراتِباً وَمَكاسِباً وَأُصولا
وَالمُسرعين إِلى المَكارِمِ كُلَّما / وَجَدوا إِلى إِتيانِهِنَّ سَبيلا
إِن حارَبوا ملأوا القلوب أَسِنَّة / أَو كاتَبوا ملأوا الطروس فصولا
كَم جِبتُ أَرضاً مثل صدرك في النَدى / عَرضاً وَأخرى مثل باعك طولا
حَتّى وصلت إِلَيكَ يا بَدرُ العُلى / بِمَطيَّةِ مثل الهِلال نُحولا
جَعلت رَجاءَكَ حادِياً مِن خَلفِها / وَضياء وَجهك هادِياً وَدَليلا
إِنّي جَدير بِالنَجاحِ لأَنَّني / أَمَّلت لِلأَمرِ الجَليل جَليلا
لا زالَ فِعلِكَ بِالمَقال مُرصَّعاً / أَبَداً وَعِرضُك بِالعَفافِ صَقيلا
ما غَرَّدَت ورقُ الحَمائِمِ في ذُرى / فَنَنِ الأَراكَةِ بُكرَةً وَأَصيلا
أَلَم بِمَضجَعي بعد الكَلالِ
أَلَم بِمَضجَعي بعد الكَلالِ / خَيالٌ من هِلالِ بَني هِلالِ
بِمُنطَمسِ الصوى لَو حارَ طَيفٌ / لحار بِجَوِّهِ طيف الخَيالِ
فَأَحيا ذكر وَجدٍ وَهوَ مَيت / وَجَدَّدَ رسمَ شوق وَهوَ بالي
فَتاة ما تُنال وكل شيء / نَفيسُ القَدرِ مُمتَنِعُ المَنالِ
وَما تندى لِسائِلها بِوَصلٍ / وَقَد يندى البَخيل عَلى السُؤالِ
وَيَحجُبُ بَينَها أَبَداً وَبَيني / ظَلام النَد أَو غيم الحِجالِ
بِمُقلَتِها لعمر أَبيك سِحرٌ / بِهِ تَصطادُ أَفئدة الرِجالِ
سَمِعنا بِالعُجابِ وَما سَمِعنا / بِأَنَّ اللَيثَ مِن قَنصِ الغَزالِ
لَقَد بَذَلَ الفراق لنا رَخيصاً / لِقاء العامِريَّة وَهوَ غالي
وَأَبدى من محيّاها نَهاراً / يُجاوِر من ذَوائبها لَيالي
أَحن إِلى الفِراقِ لِكَي أَراها / وَإِن كانَ الفِراق عَليَّ لا لي
أَشارَت بِالوَداعِ وَقَد تَلاقَت / عُقودُ الثَغر وَالدَمعِ المُسالِ
وَأَبكاني الفِراقُ لَها فَقالَت / بكاءُ مُتيَّمٍ وَرَحيل قالي
فَقُلتُ لَها أُوَدِّع منك شَمساً / إِلى شمس الهُدى شمس المَعالي
فَتىً عَمَّ المُلوكَ فمن سواهِم / نَوالاً مِنهُ منسكِبُ العزالي
كَذاك الغيث إِن أَرسى بِأَرضٍ / تجلَّلَ كُل مُنخَفِضٍ وَعالي
تَرى في سرجِهِ لَيثاً وَغَيثاً / وعند الغَيثِ صاعِقَة تُلالي
مَلىءٌ بِالعَطايا وَالرَزايا / وَبِالنِعم السَوابِغِ وَالنِكالِ
تبوا الجودُ يُمناهُ محلاً / فَلَيسَ يَهُمُّ عَنها بارتَحالِ
كَأَنَّ الجود بعض الكفِّ منه / فَما لِلبَعضِ عَنها من زَوالِ
يُصافِحُ مِنهُ كَفّاً من عَطايا / تَحفُّ بِها بَنانٌ من نَوالِ
وَلَم أَرَ قَبلَهُ أَسَداً يُلَبّي / إِلى الهَيجاءِ إِن دعيت نَزالِ
أظافره من البيضِ المَواضي / ولبدَته مِن الزَردِ المذالِ
تَراهُ إِذا تَشاجَرَت العَوالي / يفرُّ من الفرارِ إِلى القِتالِ
وَكَم كسبته جُرد الخَيلِ مَجداً / وَلَيسَ لَهُنَّ مِنهُ سِوى الكَلالِ
توسَّطها الوَشيجُ وَفي كِلاها / أَنابيب مِنَ الأُسُلِ الطِوالِ
يُتابِعُ جوده وَيظن بُخلاً / وَفوق الجودِ أَمراسُ الفِعالِ
كأَنَّ صِلاتَهُ لَهُمُ صَلاة / فَلَيسَ تَتِمُّ إِلّا أَن يوالي
مَكارِمُ ما أَلَمَّ بِها كَريم / سِواه ولا خَطَرنَ لَهُ بِبالِ
ورثت الفَضلَ عَن جِدٍ فَجدٍ / إِلى هود النَبيِّ عَلى التَوالي
تنقَّل مِن كَريم في كَريم / كَما ارتمت المَنازِل بِالهِلالِ
نَصرتَ ابن النَبيِّ كَما نَصَرتُم / أَباهُ لَقَد حذوتَ عَلى مِثالِ
فَإِن حارَبت فيه فَرُبَّ حَربٍ / لَكُم في نُصرَةِ التَقوى سِجالِ
فَزَيَّنَ مَجدُكَ الِقبَ البَواقي / وَمَجدُ جُدودِكَ الحَقبِ الخَوالي
وَجود الناس مِن مَوجودِ طيٍ / وجودهُم لِجودِ بَنيك تالي
يَسومونَ النُفوس بِكُلِّ عَضبٍ / يكل فَيرخِصَ المُهجَ الغَوالي
إِذا أَبصرتَهُم فَوقَ المذاكي / رأيتَ الأسد من فَوقِ السَعالي
كَأَنَّهُم عَلَيها وَهيَ تَغدو / لُؤامَ الرِيش مِن فَوق النِبالِ
إِذا ابتَدَروا إِلى الهَيجاءِ قُلنا / سِهامٌ يَبتدرنَ إِلى نِصالِ
بأَيمانٍ كَأَبحُرِها غزار / وَأَحلام كأجبلِها ثِقالِ
رَأَيتُ الناسَ مِثلَ كُعوب رُمحٍ / فَمنهُنَّ السَوافِل وَالعوالي
وَمَن ذا يَستَطيع وأيُّ قَلبٍ / لِجَيش الفَخرِ يَفخَرُ في مَقالِ
وَحاتِم طيٍّ لك عَن يَمينٍ / وزيد الخَيلَ منك عَلى الشِمالِ
وَهَذانِ اللَذانِ يُقرُّ طوعاً / بِفَضلِهما المخالف وَالموالي
وَفيكَ عَن القَديمِ غِنىً ويُغني / ضِياءَ الصُبحِ عَن شعل الذُبالِ
إِذا ما جاءَ شمس الدين غَطّى / سَناهُ كل شَمسٍ أَو هِلالِ
ثأرت بقاتلي عمرو بن هِندٍ / وَما أَنساكَهُ طولُ اللَيالي
صَفوتَ خَلائِقاً وَندىً وَأَصلاً / فَقَد أَزريتَ بِالماءِ الزُلالِ
وَلَو يَحلو كَماء المزنِ خَلقٌ / لما شَرَقَ امرؤ فيهِ بِحالِ
أَرجّي في ظِلالِكَ أَن أُرَجّى / وَيجني العزَّ قَوم في ظِلالي
فَفَضلك قَد غَدا لِلفَضلِ جيداً / وَهَذا المَدح عقدٌ مِن لآلي
وَقَد يسبيك جيد الخودِ عطلاً / وَنَسَبي ضعف ذَلِك وَهوَ حالي
رأَيت العَرضَ يحسُنُ بِالقَوافي / كَما حَسُنَ المُهَنَّد بِالصِقالِ
بِغَير مفرج تَبغي كَريماً / لَقَد حدَّثت نفسك بِالمُحالِ
أَقول إِذا ملأت العَينَ مِنهُ / وَقاكَ اللَهَ مِن عَينِ الكَمالِ
أَذهبت رونق ماء النُصحِ في العَذلِ
أَذهبت رونق ماء النُصحِ في العَذلِ / فاربَعَ فلستَ بِمَعصومِ عَن الزَلَلِ
لِكُلِّ سَهمٍ يَعُدُّ الناس سابغة / تردُّه عَنكَ إِلّا أَسهم المُقَلِ
هامَ الفُؤادُ بِشَمسٍ ما يُزايلها / غَربٌ مِنَ البَينِ أَو غيمٌ مِنَ الكِلَلِ
يَنتابُ دَمعَ النَوى وَاللَهو وَجنَتَها / فقلَّما انفَكَ ظهر الخَدِّ مِن بَلَلِ
لا شيءَ أَكفَر مِن مِسواكَ إِسحلة / يُعلُّهُ الريق لَم يورق وَلَم يَطُلِ
يَخفى شهاب الهَوى في درِّ ريقتها / كَما استكنَّ نَقيع السُمِّ في العُسُلِ
وَفي أُصول الثَنايا بارِد عَلِلٌ / نَفسي الفِداء لِتِلكَ البارِدِ العَلِلِ
كأَنَّ ريقتها بعد الكَرى عَسَلٌ / أَستغفر اللَهَ بَل أَحلى مِنَ العَسَلِ
إِيّاكَ إِيّاكَ تَطريفاً بأَنمُلِها / فَهيَ الأَسِنَّةُ في العَسّالَةِ الذَبلِ
ما بالُ طرفك لا تنمي رَميَّته / كَأَنَّما هوَ رام مِن بَني ثُعَلِ
صَدَّت بِنَجدٍ وَزارَت في طَرابُلُسٍ / وَبَينَنا عَنَقٌ لِلسُّفن وَالإِبِلِ
في خرَّد نُهَّدٍ يعكسنَ أَعيُننا / لِضَوئِهِنَّ كَعَكس الشَمسِ للمُقلِ
تَنقادُ نَحوَ هَواهُنَّ القُلوب كَما اِنقادت / إِلى هِبَةِ اللَهِ العلى ابن علي
فَتىً عَن السُمرِ بِالسُمرِ الكُعوبِ وَعَن / بيضِ الوجوهِ بِبيضِ الهند في شُغلِ
يُزَيِّنُ الدَولَة الغَرّاء مَوضِعه / إِذا تَزَيَّنَت الأَملاكُ بِالدُوَلِ
يُنبي تَبسُّمه عَن نَشرِهِ أَبَداً / وَالغَيث آيَة صَوبِ الوابِل الهَطلِ
يزينها فَوقَ ما زانته فَهوَ بِها / في حُلَّةٍ وَهوَ من عَلياه في حُلَلِ
يَبُشُّ بِالوَفد حَتّى خلت وآفده / وَآفي يُهنِّيه بِالتأخير في الأَجَلِ
عَلا فلا يَستَقِرُّ المالُ في يَدِهِ / وَكَيفَ يُمسِكُ ما في قَنَّة الجَبَلِ
يَقضي بِحُكمِ الهُدى في المُشكِلاتِ كَما / يَقضي بِحُكمِ الظُبيِ في ساعَةِ الوَهلِ
قَد حالَفَ العَدلَ في أَحكامِهِ أَبَداً / وَالعَدلُ خَيرُ اقتِناء الفارِسِ البَطَلِ
تَخشى العِدى أَبَداً صَدرَ الجَوادِ فَقَد / ظَنَّ العِدى أَنَّه صَدرٌ بِلا كَفَلِ
في جَحفَلِ لَجبٍ لَولا تبسّطه / لخلته شهباً من كَثرَةِ الأُسُلِ
كَأَنَّ حُمَر المذاكي الخمر تَحتَهم / وَبيضُهم حبَبٌ يَطفو عَلى القُلَلِ
أَمَّلتُ ذلك عِلماً أَنَّهُ رَجُل / فَردٌ فأبصرت كل الناس في رَجُلِ
يُصغي إِلى سائِلي جَدوى يَديه كَما / يُصغي المُحِبُّ إِلى التَغريدِ وَالغَزَلِ
لَو شاءَ قالَ وَلَم يَكذِب بِمَخبَرِهِ / عَن كُلِّ فَضلٍ أَراهُ أَنَّ ذَلِكَ لي
لأَنَّه اختَرَعَ العَلياء سالفة / وَسائرُ الناسِ من تالٍ وَمُنتَحِلِ
قَد أَحكم الحاكِم المَنصور دولَتَهُ / بآلَ حَيدَرَةٍ في السَهلِ وَالجَبَلِ
وَرَفَّهت كتبهم أَقصى كَتائِبِهِ / عَن الزِيادَة للأَعداءِ وَالقفلِ
تَرضى الدَراريعُ عنهم وَالدُروعُ / وَأَصدافُ القنا وَصُدور البيضِ والأُسُلِ
تاهَت بِهِم دولة الإِسلامِ واِعتَدَلَت / بِعَزمِهِم كاِعتِدالِ الشَمسِ في الحَمَلِ
شادوا وَسادوا بِما يَبنونَ مِن كَرَمٍ / أَساسُ مجدهم المُستَحكِم الأَزلي
تَشابَهوا في اِختِلافِ من زَمانِهِمُ / عِندَ اللَهى وَالنُهى وَالقَولِ وَالعَمَلِ
كالرُمُ أَوَّلَه عَونٌ لآخِرِهِ / وَآخر الرُمحِ عون الأَكعبِ الأُوَلِ
تبعتَ في الجودِ وَالعَليا أَباك وَلَم / تَكذِب كَما تبعَ الوَسميّ صَوبَ وَلي
غَيثانِ أَيّهما جادَت أَنامله / في بَلدَةٍ نَبَتَت بِالمالِ وَالخَولِ
حَلَّيتما الدِين وَالدُنيا بعزِّكما / فَلا أَزالهُما الرَحمن بِالعَطَلِ
وَلا رَأَينا بِعَيني دَهرِنا مَرَهاً / فَأَنتُما في مآقيهِ من الكُحُلِ
وَعشتُما أَبَداً في ظِلِّ مَملَكَةٍ / قَد اِستَعاذَت مِنَ التَغيير وَالدُوَلِ
ما رَقرَقَ المزنُ فَوقَ الأَرضِ أَدمعه / وَحَنَّ ذو شَجَنٍ يَوماً لمرتَحِلِ
هَبوا أَنَّ سِجني مانِعٌ لِوِصالِهِ
هَبوا أَنَّ سِجني مانِعٌ لِوِصالِهِ / فَما الخَطبُ أَيضاً لامتِناعِ خَيالِهِ
نَعَم لَم تَنَم عيني فيطرُق طَيفُهُ / زَوالُ مَنامي عِلَّة لَزَوالِهِ
فِدى الصَبِّ من لم ينسه في بَلائِهِ / وَيَنسى اسمُهُ مَن كانَ في مِثلِ حالِهِ
ومن صارَ سِجني قطعة من صُدودِهِ / وَطول التَنائي قطعة مِن مَلالِهِ
وَلَم تَرَ عيني حاسِدَينَ تَباينا / عَلَيهِ سِوى قَلبي وَتُربِ نِعالِهِ
وَإِنّي لأَطويهِ حِذاراً وَإِنَّما / يَخافُ اغتِيال الجَرحِ عِندَ اِندِمالِهِ
أَلّا بِأَبي الغُصن النَضير وَإِنَّما / كنيتُ بِهِ عَن قَدِّهِ واِعتِدالِهِ
وَلا بِأَبي بَدر المَحاقِ وَإِنَّما / يفدى إِذا حاكاه عِندَ كَمالِهِ
وَلا حَبَّذا نور الأَقاحي عابِساً / وَيا حَبَّذاه ضاحِكاً في ظِلالِهِ
فَإِن فاقه ثغر الحَبيب فَإِنَّما / أُقَرِّب ما أَعيا وجود مِثالِهِ
وَما حُسن هَذا الشِعر إِلّا لنفثِهِ / لَهُ في فَمي من قبل قطع وِصالِهِ
نَطقت بِسِحرٍ بَعدَها غَيرَ أَنَّهُ / مِنَ السِحرِ ما لَم يُختَلَف في حَلالِهِ
كَذاك ابن سيرينٍ لنفثة يوسف / تَكَلَّم في الرُؤيا بمثل مَقالِهِ
أَلا اصرِف إِلى صِدغَيهِ لحظك كله / وَدَع لَحظَه مُستَعمَلاً مِن نِصالِهِ
تَرى فيهِما نونَينِ عُطِّلَ واحِد / وَآخر مَعجوم بِنُقطَةِ خالِهِ
وَمِمّا يُسلّي خطَّة العَرض أَنَّها / وَضُرَّتَها في خطَّة لانتِقالِهِ
وَأَنَّهما مِثلَ البُروجِ لِبَدرِها / إِذا حَلَّ لَم تأمَنَ وَشيك ارتِحالِهِ
وَما الوقف إِلّا في الوزارَة إِنَّها / عقيليَّة مَحفوفة باعتِقالِهِ
أَتَستَغرِب العَلياء أَحمَد ناشِئاً / وَقَد بانَ منه الفَضل قَبلَ فَصالِهِ
صَغيراً تربّيه المَعاليَ فاضِلاً / فَسُوِّدَ مِن إِقبالِهِ في اِقتِبالِهِ
أَراني وَقَد أَعيا عَلى الفِكرِ أَمرَهُ / عَلى أَنَّ فِكري غائِضٌ في احتِفالِهِ
إِذا ما حَوى أَعلى المَراتِبِ ناشِئاً / فَماذا الَّذي يَبقى لحينِ اكتِهالِهِ
نَعَم إِنَّ غايات الجَوادِ إِذا انتَهى / إِلَيها تَبقّى فضله في خِلالِهِ
رأوا فَضلَهُ فاستَحسَنوه وَأَمسَكوا / طِباعاً عَلى أَقدارهم بِخِصالِهِ
فَأَبقوا له في الفَضلِ كثرة شكرهم / وَأَبقى لهم في الفَخرِ قِلَّةَ مالِهِ
وَعَقلٍ كَعذبِ الماءِ مِن نظم عَقله / بِعَقلِ سواه فَهوَ عَذبٌ زُلالِهِ
إِلى أَدبٍ مثل الهَواء أَو الهَوى / مَع الروحِ يَجري جائِلاً في مَجالِهِ
وَذهنٍ لَو الكافور يمنع حَرَّه / لأَزري بفخر المِسكِ عند اعتمالِهِ
وَما كُلُّ ذا التَشبيه إِلّا تَحامُلاً / عَلَيهِ وَلَكِن فضله في احتمالِهِ
وَيا سَيِّدي عَبدٌ دَعاكَ معولاً / عليك وَلَم يَخطُر سِواكَ بِبالِهِ
وَهَل يَستَعينُ المَرءُ من قَعر هُوَّه / لإِخراجِهِ إِلّا بِأَقوى حِبالِهِ
وَأَنتُم أُناس فضلهم غامر الوَرى / فَما بال مِثلي دائِراً في اِنخمالِهِ
وَإِذ صارَ سَعد وابنه مَعِقلاً لَهُ / فَما العُذر في إِطلاقِهِ من عِقالِهِ
هَل ابصَرتُموه شافِعاً بِسِواكم / وَأَنتُم بَعيد وَهوَ في ضيقِ حالِهِ
إِعتِرافي بِعِظَم فَضلِكَ فَضلُ
إِعتِرافي بِعِظَم فَضلِكَ فَضلُ / وَعُدولي عَن كُنهِ وَصفِكَ عَدلُ
كلما رُمت وصف قدرك أَلفيت / صِفاتي تَدنو وَقدرك يَعلو
فَوق طِرفٍ مِنَ العَلاءِ لَهُ / الزُهر مَسامير والأَهِلةُ نَعلُ
قَد حَلا الدَهر مِن حُلولك فيهِ / وَلَقَد يُمزَج الذُعاف فَيَحلو
فَظَلام الزَمان نورٌ وَبؤس / الدَهر نُعمى وَحَرُّهُ منك ظِلُّ
وَإِذا هَزَّكَ الإِمام لِحَربٍ / أَو لِسلمٍ فَأَنتَ نَصرٌ وَنَصلُ
تخمد الحَرب حين تَغمِد بأساً / وَتُسيل الدِماء حينَ تَسُلُّ
ثابَت الجأشِ طائِشَ الجودِ داني / العَفوِ نائي المَدى مُعِزٌّ مُذِلُّ
قوله حِكمَةُ وأَفعاله عَدلٌ / وآراؤُهُ السَديدَةُ فَصلُ
هوَ بَعضُ الأَنام في روية العَين / وَإِن عُدَّ فاضِل فَهوَ كلُ
لا يَشين النَوال منه بِمُطلٍ / إِنَّ طوق العَطاء بِالمُطلِ غُلُّ
يَهزِمُ الجَيش بِالكِتابِ كَأَنَّ / الكُتُبَ مِنهُ كَتائِبُ ما تُفَلُّ
وَكأَنَّ السُطورَ فيها صُفوف / وَكأَنَّ الحُروفَ خيل ورجلُ
كل فَصل فيهِ من القطع وَالوَصل / كَهام العِداةِ قطع وَوَصلُ
فيهِ مَحيا قَومٍ وَمَهلِكَ قَومٍ / أَسِجال مِنَ القَنا أَم سِجِلُّ
وَإِذا راشَ بِالأَنامِلِ أَنبوب / يَراعٍ كَأَنَّما هوَ نَبلُ
قَلَمٌ دَبَّر الأَقاليمَ حَتّى / ظَلَّ فيهِ داعي التَناسُخِ يَغلو
قَلمٌ صَدره سِنانٌ وأُخراهُ / حُسام وَبينَ ذَلِكَ صِلُّ
يا أَبا غانِمٍ أَرى الغَانِمَ / السالِمَ من في يَمينه منكَ حَبلُ
مدحتك العَلياء من قبل مَدحي / وَهوَ مَدحٌ بِنَفسِهِ مستَقِلُّ
لا أَهنِّيك إِذ وليت لِعِلمي / أَنَّ ما ازددتَ فيهِ عَنكَ يَقِلُّ
وَلوَ أَنَّ الإِمامَ وَلّاكَ أَمرَ الشَرقِ / وَالغَربِ كُنت عنه تَجِلُّ
قَد تَهَيَّأتُ لِلرَّحيل إِلى الأَهلِ / فَجُد لي بِمالَهُ أَنتَ أَهلُ
أَينَما كُنتُ في البِلادِ بِنَفسي / فَثَنائي يَحُلُّ حيث تَحُلُّ
قَد تملكتَ بِالمَكارِم حُرّاً / وَهوَ رِقٌّ مُحَرَّمُ ما يَحِلُّ
لا أَذُمُّ الزَمانَ إِذ كنت منه / ما بِدَهرٍ سَخا بِمثلك بُخلُ
لَجَّ في حُبِّ من هويت العَذولُ
لَجَّ في حُبِّ من هويت العَذولُ / إِذ رآني عَن حُبِّهِ لا أَزولُ
قلت لَم تدر ما الهَوى يا عَذولي / أَنتَ عِندي المَعذورُ فيما تَقولُ
كَيفَ يَشكو من لَم يَذُق جَفنَ / عينيهِ هجوعاً وَقلبه متبولُ
مولع بِالغَرامِ مذ كانَ صَبّاً / ناحِلَ الجِسمِ قَد بَراهُ النُحولُ
رشأٌ أَغيدٌ دَعاني إِلَيهِ / مِن شقاء طرف أَحمّ كحيلُ
غُصنُ بانٍ يَميسُ غضاً رَطيباً / يَجذب الخصر منه ردفٌ ثَقيلُ
يَخجل البدر في التَمامِ لحاظات / حَواها وَجهٌ وَسيمٌ جَميلُ
يَتَباهى بِبخلِهِ دون وَصلي / وَهوَ سمح عَلى بُعادي مُنيلُ
إِن تَكُن هاجِري فَذاكَ لِذَنبٍ / كان مِنّي فَإِنَّني مُستَقيلُ
إِن تَذَكَّرت رَوضة الحَزن جادَت / مِن جُفوني عليه تَترى هُمولُ
فَإِذا لَم أَنَل من الجودِ سُؤلي / فَأَخو الجودِ سَيبهُ لي جَزيلُ
رفده ناشىءٌ عَليَّ قَديماً / وَحَديثاً إِلى التَنادي بطولُ
أَنا لَولاهُ لَم أُفارِق بِلادي / لا وَلا كنت عَن بِلادي أَزولُ
كل عافٍ يَهزُّهُ لِنَوالٍ / فَهوَ كايل سُنحُه مَبذولُ
لَم يَزد فيهِ ذاك عُجباً وَلَكِن / زادَه رُتبة جداه الجَزيلُ
هِمَّة همُّها اكتِسابُ المَعالي / فوق قطب العيوق لَيسَ يَزولُ
مَلِكٌ عِندَ سلمِهِ تأمن الدَهرَ وَفي حَربِهِ / حُسامٌ صَقيلُ
يا أَبا النَصرِ قَد نصرت ثغوراً / بَعدَ ما كانَ قَد عَلاه الخُمولُ
وَحقنت الدِماء في كُلِّ ثَغرٍ / بك قَد قام عندك التَهليلُ
هَكَذا تُملَك المَعاي فيبنى الحَمد / وَالمَجد وَالثَناء الجَزيلُ
وَالحَصيف الأَريب لا يَلزم الهَمَّ / بُدنياً عَمّا قَليل تَزولُ
فابق واسلم ما دارَت الشَمس في الدُنيا / وَما قابل الغداة الأَصيلُ
مَحَل العُلى أَنّي حللت مَحلُّها
مَحَل العُلى أَنّي حللت مَحلُّها / وَفيك وَإِن حاز الوَرى البَعضَ كُلُّها
ومذ كُنتَ علياً تَميم وَطال في / كَبيراً إِذا ماتَت وَفي الناسِ قُلُّها
لَقَد يَمَّمَت علياً تَميم وَطال في / سَماء العُلى من فَخرِ فرعك أَصلها
وَكانَت سَجايا الفَضل بكراً فَعِندَما / ولدتَ قَضى الرَحمَنُ أَنَّكَ بَعلُها
فَلَيسَ يُرى في الفَضل مثلك ماجِدٌ / وَلَيسَ يُرى في غَير مثلك مِثلُها
فَفَضلُكَ مَشهورٌ وَلوَ لَم يَكُن بِها / يَمُتّ إِذا لَم يَسرِ في الناس فَضلُها
مَتى ظَمِئَت منّا قَرائِحُ فَهمنا / فَأَنتَ بِريٍّ من نُهاكَ تَعُلُّها
وَإِن عُقِدَت يَوماً مَسائِل حِكمَة / فَأَنتَ بِلا إِعمال فِكرٍ تَحُلُّها
تُصَحِّحُ أَنّي شئتَ مَنها سَقيمها / وَتأَتي إِلى ما صَحَّ مِنها تُعِلُّها
سِواءً إِذا ما رمتَ إِيضاحَ عِلمها / دَقيقُ مَعانيها عَلَيكَ وَجُلُّها
ضَمانٌ عَليَّ أَنَّ قدرَكَ يَرتَقي / بِها في مَعالٍ لا يُنال أَقلُّها
برعت عَلى أَبناء سينِّكَ رِفعَةً / فَأَنتَ فَتاها في الفَخارِ وَكَهلُها
فَضَلتهُم جَمعاً بِشيمَتِكَ الَّتي / جَنى جودها لمّا قَضى النحب مَحلُها
أَبا قاسم إِن تَستَجِد وصف مِدَحتي / فمنك مَعانيها وَأَنتَ مَحَلُّها
فَلا فَضلَ لي بَل فضلها منك كلّه / وَلَكِن كَساني حلَّة الفَخر أَهلُها