القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ حَمْدِيس الكل
المجموع : 367
ومُهنّدٍ عَجَنَ الحَديد لقينه
ومُهنّدٍ عَجَنَ الحَديد لقينه / في الطّبع نيرانٌ مُلِئْنَ رياحَا
رُوحٌ إذا أخرَجْتَهُ من جسمه / دخَلَ الجسُومَ فأخرَجَ الأرواحا
وكأنّهُ قَفْرٌ لعينكَ موحشٌ / أبَداً تَمُرّ ببابه ضحضاحا
وكأنّما جنٌّ تُرِيكَ تخيُّلاً / فيه الحسانَ من الوجوه قباحا
وكأنّ كلّ ذُبابَةٍ غرقَتْ به / رَفَعَتْ مكانَ الأثْرِ منهُ جَنَاحا
ليَ سَمْعٌ صدّ عن قَوْلِ اللّواحْ
ليَ سَمْعٌ صدّ عن قَوْلِ اللّواحْ / وفؤادٌ هامَ بالغيدِ الملاحْ
أحْدَقَ الوَجْدُ بهِ مِنْ حَدَقٍ / كَحَلَتْ بالحسنِ مرضاها الصّحاح
وَيح قلبٍ ضاقَ من أسهمها / عن جراحٍ وقعها فوق جراح
ما أرَى دمعيَ إلّا دَمَها / ربَّما احمَرّ على خَدّي وَساح
كم أسيرٍ من أُسارى قَيدِهِ / في وَثَاقِ الحبّ لا يرجو سَرَاح
وعليلٍ لا يداوى قَرْحُهُ / من جنيّ الرشفِ بالعذبِ القراح
والغواني لا غنىً عن وَصلها / أبِغَيرِ الماء يَرْوَى ذو التِياح
صَفِرَتْ كَفّايَ من صِفْرِ الوشاح / وهَفا حلمي بِهَيفاء رداح
طَفْلَةٌ تسرَحُ في أعطافِها / لِلأَظانين وللدَلِّ مراح
لَوْ هَفَا من أُذْنِها القُرْطُ على / حبلِها من بُعْدِ مَهْوَاهُ لطاح
تُورِدُ المِسْواكَ عذباً خَصِراً / كمُجاجِ النّحلِ قد شِيبَ براح
وإذا ما لاثِمٌ قَبّلَها / شقّ باللّثمِ شقيقاً عن أقاح
طارَ قلبي نَحوَها لمّا مَشَى / حسنُها نحويَ للقلبِ جناح
ما رأتْ عَينٌ قطاةً قبلها / تتَهادى في قلوبٍ لا بطاح
لا ولا شمساً بَدَتْ في غُصُنٍ / وهو في حقف يُنَدّى ويَراح
وكأنّ الحُسْنَ منها قائِلٌ / ما على من عَبَدَ الحُسْنَ جُنَاح
في اقترابِ الدّارِ أَشكو بُعدها / واقترابُ الدّارِ بالهَجرِ انتِزاح
وكَأَنّي لعبةٌ في يَدها / ما لها تُتلفُ جِدّي بالمزاح
أوَ هذا كلّه من لِمّةٍ / أبْصَرَتْ فيها بياضَ الشيبِ لاح
ما تريدُ الخود من شيخٍ غدا / في مدى السّبْعينَ بالعُمْر وراح
كان مِسْكُ اللّيلِ في مفرِقِه / فانجَلى عنهُ بِكَافورِ الصّباح
يا بَني الأَمجادِ هذا زَمَنٌ / رَفعَ الآدابَ من بعدِ اطّراح
فَسحابُ الجودِ وكّافُ الحيا / ومَراد العيش مُخْضَرّ النّواح
ويمينُ ابنِ تميمٍ عَلّمَتْ / صنعةَ المعروفِ أيْمانَ الشّحاح
مَلكٌ في البَهو منه أسَدٌ / يضعُ التّاجَ على البدر اللّياح
حالفَ النّصرَ منَ اللّه فإن / لقيَ الأعداءَ لاقاهُ النّجاح
كلّما هَمَّ بأمْرٍ جَلَلٍ / أتعبَ الأيّامَ فيه واستراح
يهبُ الآلافَ هذي هِمّةٌ / ضاقَ عنه دهرهُ وهي فياح
لَستُ أَدري نشوَةً في عِطفه / للقاءِ الوفد أم هزّ ارتياح
لو غَدت جَدوَى يَدَيه قَهوةً / ما مَشى مِن سُكرِها في الأَرض صاح
من ملوكٍ شُنّفَتْ آذانُهُمْ / بأغاريدَ من المدح فِصَاح
تَكحُلُ الأَبصارُ مِنهُم بِسنا / أوجهٍ مثلِ الدّنانير صِباح
قرّ طبعُ الجود في شيمَتِه / ما لِطَبعِ المَرءِ عَنهُ مِن بَراح
بَعضُ ما يُسديهِ مِن إِحسانِهِ / جلّ عن كلّ تَمَنٍّ واقتِراح
مِحْرَبٌ يَخرُجُ مِن أَغمَادِهِ / خُلُجاً توقدُ نِيرانَ الكِفاح
يَتحَفُ الحَربَ جناحَيْ جَحْفَلٍ / يَقذِفُ الأَعداءَ بالمَوتِ الذّباح
كُسِيَتْ قُمْصَ الأفاعي أُسُدٌ / تُوِّجَتْ فيه بِبيضات الأدَاح
تحسبُ الورد نثيراً حَوْلَهُ / وهو مُحْمَرّ مُجاجاتِ الرّماح
بَطَلٌ تَشْهَقُ مَنْ لهذمِهِ / في جباهِ الرّوعِ أفواهُ الجراح
جاعِلٌ للقِرْنِ إنْ عانَقَهُ / سَيْفَهُ طوقاً وكفَّيْهِ وِشاح
يا وَهُوبَ العيدِ في بَعضِ النّدى / والغنى والجودِ والكُومِ اللّقاح
إنَّ بَحرَيْك عَلى عَظمِهِما / حَسَدا كفَّيك في فيضِ السّماح
فإذا مُوّجَ هذا وطَما / برياحٍ جاشَ هذا برياح
حكيا جُودكَ جَهْلاً فهما / لا يزيدانِ به إلّا افتضاح
كَثُرَ الخُلْفُ ومن دانَ به / وعلى فضلِكَ للنّاسِ اصطلاح
وإذا الفخرُ تسمّى أهلُهُ / كنتَ منهم في فمِ الفخر افتتاح
من شاءَ أنْ تَسْكَرَ راحٌ بِرَاحْ
من شاءَ أنْ تَسْكَرَ راحٌ بِرَاحْ / فليَسْقِها خَمْرَ العيون الملاحْ
فإنّها بالسّحرِ ممزوجَةٌ / أمَا تَرَاها أسكَرَتْ كلّ صاح
فَما تَرى من شربها في الصّبا / في رِبْقَةِ السكرِ فهل من سَرَاح
يا من لِموصولِ الشَجا بالشجا / فليسَ للتّبريح عنه بَرَاح
تُشْرِقُ حولَيه الوجوهُ الَّتي / للبَدرِ والشَمسِ بِهنّ افتضاح
وا رحمتا للصبّ من لَوعةٍ / بكلّ ريّا الحقف صِفرِ الوشاح
يمشي اختيالُ التيه في مشيها / فعدِّ عن مَشْيِ قطاةِ البطاح
ألْقَى الهَوَى العذريُّ في حجره / حرب الغواني والعدى واللّواح
لو حملت منه قلوبُ العدى / جراحَ قلبٍ ما حَمَلْنَ الجراح
وجدي غريبٌ ما أرى شَرْحَهُ / يُوجَدُ في العَينِ ولا في الصّحاح
وإنّما يُحْسِنُ تفسيرَهُ / دَمْعٌ حِمَى السرّ به مُسْتَباح
إنْ مَسّني الضرُّ بِقَرْحِ الهَوى / فبرءُ دائي في الشرابِ القراح
من ظَبيةٍ تنفرُ من ظِلّها / وإن غدا الظلّ عليها وراح
ففي ثناياها جَنَى ريقةٍ / يا هل ترشّفْتَ النّدى من أقاح
كم من يدٍ قد أطْلَعَتْ في يدي / نجمَ اغتباقٍ بعد نجمِ اصطباح
من قهوةٍ في الكأسِ لمّاعةٍ / كالبرقِ شُقّ الغيمُ عنه فلاح
سخيّة بالسكر مَرّتْ على / دنانِها بالختم أيْدٍ شحاح
وهي جَمُوحٌ كُلّما أُلْجِمَتْ / بالماءِ كَفّتْ من غلوّ الجماح
كأنّما الكأسُ طلا مُغْزِلٍ / مُرْوِيَةٍ بالدَّرّ منه التياح
كأنّما الإبريقُ في جسمها / يَنفخُ للندمانِ رُوحَ ارتياح
في روضةٍ نَفْحَتُها مِسْكَةٌ / تُهْدى إلينا في جيوب الرّياح
تميسُ سُكْراً فكأنّ الحيا / باتَ يُحَيّيها بكاساتِ راح
كأنّما أشجارُها مَنْدَلٌ / إن لَذَعَتْهُ جَمْرَةُ الشمس فاح
كأنّما القَطْرُ به لؤلؤٌ / لم يجرِ منه ثُقَبٌ في نِصَاح
كأنّ خُرْسَ الطيرِ قد لُقّنَتْ / مَدْحَ عليٍّ فتغنّتْ فِصَاح
أرْوَعُ وَضّاحُ المحيّا كما / قابَلتَ في الإشراقِ بشرَ الصّباح
مُعَظَّمُ الملك مُقِرٌّ له / بالملك حتى كلّ حيّ لَقَاح
مجتمعُ الطعمينِ في طبعه / تَوَقُّدُ البأسِ وفَيْضُ السّماح
يُضْحِكُ في الغرب ثغورَ الظُّبا / وهنّ يُبْكِينَ عُيُونَ الجراح
مَهّدَ في المهديتين العلى / وعمّ منه العدلُ كلّ النّواح
والمُلْكُ إن قامَ به حازِمٌ / أضحى حِمىً والجدّ غيرُ المزاح
في سرجه اللّيثُ الَّذي لا يُرَى / مفترساً إلّا ليوثَ الكِفاح
كأنّما سَلّ على قِرْنِهِ / من غمده سيفَ القضاءِ المُتَاح
ذو هِمّةٍ شَطّتْ عُلاه فما / تُدْركُ بالأبصارِ إلّا التِماح
من حِمْيَرِ الأمْلاكِ في منصبٍ / ذو حسبٍ زاكٍ ومجدٍ صراح
أعاظِمٌ لم يمحُ آثارَهُمْ / دهرٌ لما خطَّته يمناهُ ماح
هُمُ اليَعاسيبُ لدى طَعْنِهِمْ / إنْ شوّكوا أيمانَهُمْ بالرّماح
كم لهمُ في الأُسْدِ من ضربَةٍ / كما سجاياهُ قريع اللّقاح
إن ابنَ يحيَى قد بَنى للعُلى / بيتاً فأمسى وهو جارُ الضراح
وصالَ بالجِدّ منوطاً به / جَدٌّ له الفوزُ بضربِ القداح
والصارمُ الهنديّ يسقي الردى / فكيفَ إن سُقّيَ مَوتاً ذباح
آراؤه في الرّوع أعْدى على / أعدائِهِ من مُرْهَفَاتِ السّلاح
وبطشُهُ ما زالَ عن قُدْرَةٍ / يُغْمِدُ في الصّفح شِفَارَ الصّفاح
لا تصدرُ الأنفسُ عن حُبِّهِ / فإنّهُ للسيّئاتِ اجتراح
كم طامحِ الألحاظِ نَحْوَ العُلَى / إذا رآهُ غَضَّ لحظَ الطّماح
وربّ ذئبٍ ذي مراحٍ فإن / عنّ له الضرغامُ خلّى المراح
يا طالِبَ المعروفِ ألْمِمْ به / تَخْلَعْ على المطلوبِ منك النجاح
نداهُ يُغني لا نَدَى غَيرِهِ / من للذُّنَابَى بِغَنَاءِ الجناح
فخلِّ مَنْ شَحّ على وفره / لا تُقْدَحُ النّارُ بزندٍ شحاح
فالربعُ رحبٌ والندى ساكبٌ / والعيشُ رغدٌ والأماني قماح
ما للوشاةِ غَدَوا عليّ وراحوا
ما للوشاةِ غَدَوا عليّ وراحوا / أعليّ في حُبِّ الحسانِ جُنَاحُ
وبمهجتي عُرُبٌ كأنّ قدودها / قُضُبٌ تقومُ بميلهنّ رياحُ
مهتزَّةٌ بقواتلِ الثَّمَرِ التي / أسماؤها الرُّمَّانُ والتُّفَّاحُ
غيدٌ زَرَيْنَ على القطا في مشيها / فلهنّ ساحاتُ القلوب بطاح
من كلّ مُصْبِيَةٍ بِضِدّيْ حسنها / فالفَرْعُ ليلٌ والجبينُ صباحُ
تفتَرّ عن بَرَدٍ فراشفُ دُرِّهِ / يَحلو له شَهْدٌ وتُسْكِرُ راحُ
لا تقتبسْ من نور وجنتها سناً / إنّ الفراشةَ حَتفُها المصباحُ
نُجْلُ العيونِ جراحها نُجْلٌ أما / تصفُ الأسنّةَ في الطعين جراحُ
يا وَيْحَ قتلى العاشقين وإنْ هُمُ / شهدوا حروباً ما لهنّ جراحُ
أوَ ما علمتَ بأنّ فُتّاكَ الهوى / حُورٌ تكافحُ بالعيون مِلاحُ
من كلّ خودٍ كالغزالةِ قِرْنُها / أسَدٌ أُذِلّ وإنّها لَرَداحُ
فالرّمحُ قدٌّ والخداعُ تَدَلّلٌ / والسيفُ لحظ والنجادُ وشاحُ
ودماءُ أهل العشق في وجَنَاتها / فكأنّ قتلاهم عليها طاحوا
وسبيَّةٍ بصوارمٍ من عسجدٍ / قد صافَحَتْ منها العلوجَ صفاحُ
حمراءَ يُسْلي شربُها وبشربها / تُنْسَى الهموم وتُذْكَرُ الأفراحُ
رَجَحَتْ يدي منها بحَمْلِ زجاجةٍ / خَفّتْ بها خَودٌ إِليّ رَجَاحُ
وكأنّ للياقوتِ ماءً مزبداً / فالدرُّ فيه بكأسها سَبّاحُ
ومجوَّفٌ لم تُحْنَ أضلُعُهُ على / قلبٍ وقلبُك نحوه مُرْتاحُ
نَبَضَتْ دقاقُ عروقهِ فكأَنَّها / في النّقْرِ ألْسِنَةٌ عليه فصاحُ
مَسّتْهُ للإصلاحِ أنمُلُ قَيْنَةٍ / فقضى بإفسادٍ له إصلاحُ
وَفَدَ السرورُ على النفوس بشَدْوها / وتمايلتْ طَرَباً بنا الأقداحُ
وكأنّما ذِكْرُ ابن يحيى بيننا / مِسْكٌ تَضَوّعَ عَرْفُهُ النفّاحُ
مَلِكٌ رَعَى الدنْيا رعايةَ حازمٍ / وأظلّ دينَ اللَّه منه جَناحُ
متأصّلٌ في الملك ذو فخر له / حسَبٌ زكا في الأكرمين صراحُ
وَسِعَ البسيطةَ عَدْلُهُ وتضاعفَتْ / عَن طولهِ الآمالُ وهي فساحُ
ذو همّةٍ عُلْوِيّةٍ عَلَوِيّةٍ / فَلها على هممِ الملوكِ طماحُ
وإشارة باللحظ يخدم أمْرَهَا / زمنٌ له سلم به وكفاحُ
يَقِظٌ إذا التبستْ أمورُ زمانه / فلرأيه في لَبْسها إيضاحُ
فكأنّما يبدو له متبرّجاً / ما يحجب الإمساءُ والإصباحُ
راضَ الزمانَ فلم يزلْ منه أخا / ذُلٍّ وقدماً كان فيه جماحُ
ورَمَى العدى بضراغمٍ أظفارُهَا / ونيوبُها الأسيافُ والأرماحُ
نَصَحتْ له الدنْيا فلا غشٌّ لها / وسَخَتْ به الأيّامُ وهيَ شحاحُ
من ذا يجاودُ منه كفّاً كفُّهُ / والبحر في معروفِهِ ضَحضاحُ
زهد الغناةُ من الغنى في جودِهِ / ولراحتَيه بِبَذله إِلحاحُ
كم قيل بَرّحَ في العطاءِ بمالِهِ / فأجَبْتُ هل للطبعِ عَنهُ بَرَاحُ
ذِمْرٌ تروحُ شموسُه وبدورُهُ / وبروجُها من معتَفيهِ الراحُ
وإِذا بَنو الآمالِ أَخْسرَ وُسْعُهُمْ / أَضحى لهُمْ في القَصدِ مِنهُ جناحُ
ولَئِن مَحا الإعدامَ صَوْبُ يمينهِ / فالجدبُ يمحوه الحيا السيّاحُ
شَهْمٌ إذا ما الحربُ أضحَت حائلاً / أَمسى لها بذُكورهِ إِلقاحُ
تطوى على سُودِ الحتوفِ بِعَزْمِهِ / ملمومةٌ ملءُ الفضاءِ رِداحُ
أَفلا تُبيدُ مِنَ العِدى أَرواحَهُمْ / ولها غُدُوٌّ نَحْوَهُمْ ورواحُ
متناوِلٌ قُمُحَ الكماة بأسمرٍ / لِدَمِ الأُسود سنانُه سَفّاحُ
وكأنّ طعنته وِجَارٌ واسِعٌ / فلثعلبِ الخطِّيِّ فيه ضُبَاحُ
وكأنّما حَبّ القلوب لرُمحِهِ / جِزْعٌ يُنَظَّمُ فيه وهو نِصَاحُ
في مأزقٍ ضنكٍ سماءُ عَجاجِهِ / تعلو وأرضُ حِمامِهِ تَنْداحُ
أنتم منَ الأَملاكِ أرواحُ العُلى / شَرَفاً وغيركُمُ لها أشباحُ
هذا عليٌّ وهو بَدْرُ مهابةٍ / كَلِفٌ به بصرُ العُلى اللمَّاحُ
هذا الّذي نَصَرَ الهدى بِسيوفِهِ / ورماحِهِ فَحِماهُ ليسَ يُباحُ
هذا الَّذي فازتْ بما فوْقَ المنى / من جوده للمعتَفينَ قِداحُ
مَنْ حُبّهُ النهجُ القويمُ إلى الهدى / فصلاحُ مبغِضِهِ الشقِيِّ صلاحُ
من صَوْنُهُ قُفْلٌ لكلّ مدينةٍ / فإذا عَصَتْهُ فسَيفهُ المِفتاحُ
يا صارمَ الدِّين الّذي في حَدّهِ / مَوْتٌ يُبيد به عِداه ذُباحُ
طَوَّقْتَني مِنَناً فَرُحْتُ كأنَّني / بالمَدْح قُمْريٌّ له إفصاحُ
وسَقَيتَني من صَوْبِ مزنك فوْق ما / يَرْوَى به قلبُ الثرى الملتاحُ
ففداك مَنْ للمالِ أسْرٌ عنده / إذْ لم يزَلْ للمال منك سراحُ
وبقيتَ للأعياد عيداً مبهجاً / ما لاجَ في الليل البهيم صَبَاحُ
وأشقرَ من خيل الدنانِ ركبتُهُ
وأشقرَ من خيل الدنانِ ركبتُهُ / فأصبحَ بي في غايةِ السكر يجْمَحُ
فألجمتُهُ بالمزج حتى وَجَدْتُهُ / بما شحّ من حُسنِ الرياضةِ يسمحُ
فيا عجَباً من روض نارٍ مكلَّلٍ / بنوّار ماءٍ في الزجاجَةِ يَسبحُ
فَحَرّ لَظاها يَلذَعُ الهمّ في الحشا / وطيب شَذاها للعَرانينِ يَنْفَحُ
خَلِّ شيبي فلستُ أدْمِلُ جُرْحاً
خَلِّ شيبي فلستُ أدْمِلُ جُرْحاً / بخضابٍ منه فَيَنْغَرَ جُرْحي
وإذا ما خسرتَ يوماً من العم / ر فهيهاتَ أنْ يُرَدّ بربحِ
عَيْبُ شَيْب يجلوه عَيْبُ خِضَابٍ / إن هذا كنكءِ قَرْحٍ بِقَرْحِ
صبغةُ اللَّه لستُ أَستر منها / بيدي في القذال قُبحاً بِقُبحِ
كم مُعنّىً منه وكَم مِن غَريبٍ / بالليالي ما بين قَوْلٍ وشرحِ
وكأنّ الخضابَ دُهْمَةُ ليلٍ / تحتها للمشيبِ غُرَّةُ صبحِ
أَبيعُ منَ الأَيّامِ عمري وأشتري
أَبيعُ منَ الأَيّامِ عمري وأشتري / ذنوباً كأني حين أخْسَرُ أربحُ
فهلَّا أذبتُ القلب من حُرَق الأسى / وصَيَّرْتُهُ دمعاً من العين يُسفحُ
وأنّى وفي عُقْبَى الشبابِ عقوبةٌ / أُسَرّ بها بئس السرورُ وأَفرحُ
مَشَطْتُ بالصبح صُبْحا
مَشَطْتُ بالصبح صُبْحا / فزدتُ في الشرح شرحا
وقد خسرتُ حياةً / غَدَتْ من الربح ربحا
لحظّك بالعُلى بالفوزِ قِدْحُ
لحظّك بالعُلى بالفوزِ قِدْحُ / وذَكرِك في غريب المجد شَرْحُ
رأيتُ مُحمداً والناسَ طرّاً / شَكا وشَكوا فلَمّا صحّ صحّوا
مُحِبّكَ في التّقى بهداكَ يُهْدى / وينحو في العُلى ما أنْت تنحو
فَبُلّغْتَ المُنى فيه ومَرّتْ / به تلك الليالي وهي صُلْحُ
ونلتَ سعادةً ما اسودّ ليلٌ / وعينَ كرامةٍ ما ابيضّ صبحُ
فَرَفْعُ النجمِ في علياكَ خَفْضٌ / وفَيْضُ البَحرِ في نُعماكَ رشحُ
رَقيقةُ ماءِ الحُسنِ يَجْري بِخَدّها
رَقيقةُ ماءِ الحُسنِ يَجْري بِخَدّها / كجَرْيِ الندى في غَضّ وَرْدٍ مُفَتِّحِ
تَثَنّتْ بِعِطفَيها عنِ العِطفِ وانثَنتْ / كنشوانَ في بَرْدِ الصّبا مُتَرَنّحِ
فتحسبُ منها الرَّجْلَ جاذبَ أَخمَصاً / فَلَيسَ بِمَعقولٍ ولا بمسرّحِ
فقلتُ لها يا أملح العينِ مشيةً / أمزنةُ جَوٍّ أنتِ أمْ سَيْلُ أبطحِ
لقد أشْقتِ الأضدادُ منك ملاحةً / فتى روحُهُ في الحبّ غيرُ مُرَوّحِ
سخاءٌ بهجرٍ من سمينٍ مُدَمْلَجٍ / وشُحٌّ بوصلٍ مِنْ هَزِيلٍ مُوَشَّحِ
أيا مُوْليَ الصّنع الجميلِ إذا انتشى
أيا مُوْليَ الصّنع الجميلِ إذا انتشى / ويا مُبْتَدي النّيْلِ الجميلِ إذا صحا
وفي كلّ أرضٍ من نداه حديقةٌ / تَضَوّعَ مسكاً نَورُهَا وتفتّحا
عطاؤك يَعْفو المحلَ صوباً فَعَيْنُهُ / تخطّ على آثاره كلّ ما محا
أأفرد بالحرمانِ من كلّ عاطلٍ / تَطَوّقَ من نعماك ثم توشّحا
أتَتْني على بُعْد النوى منك دَعْوَةٌ / قطعتُ لها بالعزم نَجْداً وصحصحا
ويَحتَالُ مِن أَهلِ القَريضِ مُصَرِّفٌ / يُهَادي القوافي في امتداحك قُرّحا
وكان عليه الحق ليلاً يجوبُهُ / إليكَ فلما لاحَ وَجْهُكَ أصبَحا
رَفَعتُ وأَصحابي إلى ما يُجِدّهُ / علاك فوَقّعْ مُمسكاً أو مُسَرّحا
سلا أيَّ سلواني أرَى مَصْرَعَ ابْنِهِ
سلا أيَّ سلواني أرَى مَصْرَعَ ابْنِهِ / وطالَ لفقد المالِ طولُ نياحهِ
كذاك حَمَامُ البُرْجِ يُذْبَحُ فَرْخُهُ / فيسلو ويأسَى عندَ قصّ جناحِهِ
ومن راقصاتٍ ساحباتٍ ذيولَها
ومن راقصاتٍ ساحباتٍ ذيولَها / شوادٍ بمسكٍ في العبير تَضَمّخُ
كما جَرّرَتْ أذيالَها في هديلها / حمائمُ أيْكٍ أو طَواويسُ تَبذَخُ
يا جَنّةَ الوصْلِ التي
يا جَنّةَ الوصْلِ التي / حَفّتْ بها نارُ الصّدودِ
مَن لي بريَّاكِ التي / فُتِقَتْ بريحانِ الخلودِ
ومُجاجَةٍ شَهْدِيّةٍ / تُجْنى من البَرَدِ البَرُودِ
وارحمتا وأنا العُبَيْ / دُ من الهوى لِشَجٍ عميدِ
يَرْمي ولكن لا يَفي / برمايةِ الغَرَضِ البعيدِ
من للمقيمِ على الصّعي / د إلى الغزالَةِ بالصعودِ
هفا القلبُ عن وَصلِ هِيفِ القدودِ
هفا القلبُ عن وَصلِ هِيفِ القدودِ / وماءُ الصِّبا مُورِقٌ منه عُودي
فُطِمْتُ ولي وَلَعٌ بالعُلى / أُجاري الصِّبا في مداها المديدِ
وما زلْتُ وطئاً فُوَيْقَ السِّماك / إلى قُطْبِها ناظراً في صعودِ
وما يُورِدُ الشيخَ إلّا الَّذي / تلوحُ شمائِلُهُ في الوليدِ
حفظتُ الدُّمَى لهوى دُمْيَةٍ / ويُحْفَظُ للبيتِ كلّ القَصيدِ
ولكنْ رأيتُ العلى ضَرّةً / تُنَافِرُ كلّ فتاةٍ خرودِ
فثُرتُ وثارتْ معيْ هِمّةٌ / قيامي لَها فارعٌ مِنْ قعودِ
وما نَوّمَتْ عَزْمَتي بلدةٌ / تُنَبّهُ في الغمر عَجْزَ البليدِ
ولا طَفْلَةُ العيش وهنانَةٌ / أروجٌ بنفحَةِ مِسْكٍ وعودِ
تُوَدِّعُ للبينِ كفّاً بكَفٍّ / ونحراً بنَحرٍ وجيداً بجيدِ
ومَنْ يطلبِ المجدَ ينزلْ إلى / قَرَا النّهد عن نَهدِ عذراء رودِ
ويَرْمِ على الخوفِ عَزْماً بعَزْمٍ / وليلاً بليلٍ وبيداً ببيدِ
وللَّه أرْضي التي لم تَزَلْ / كناسَ الظّباءِ وغِيلَ الأسودِ
فمن شادنٍ بابليّ الجفونِ / نفورِ الوصالِ أنيسِ الصدودِ
يديرُ الهوى منه طرفٌ كليلٌ / يَفُلّ ذلاقةَ طَرْفي الحديدِ
ومن قَسْوَرٍ شائِكِ البُرْثُنَينِ / له لِبْدَةٌ سُرِدَتْ من حديدِ
يصولُ بمثلِ لسانِ الشُّوَاظِ / فيولِغُهُ في نجيعِ الوَريدِ
زبانيَةٌ خُلِقُوا للحروبِ / يَشُبّونَ نيرانَها بالوقودِ
مساعِرُهُمْ مُرْهَفَاتٌ بُنِينَ / لهدّ الجماجمِ من عَهدِ هودِ
همُ المخرجونَ خبايا الجسومِ / إذا ضَرَبُوا بِخَبايا الغُمودِ
همُ المائِلونَ على الحاقِدينَ / صدورَ رماحِهمُ بالحقودِ
نُجومٌ مَطالِعُها في القَنا / ولكنْ مغاربُها في الكُبودِ
تخطّ الحوافرُ من جُرْدِهِمْ / محاريبَ مبثوثَةً في الصَعيدِ
تَخِرّ رؤوسُ العدى في الوغَى / لها سُجّداً يا لَه مِن سُجودِ
وبَرْقٍ تألّقَ إيماضُهُ / كَخَفْقِ جناحِ فؤادٍ عميدِ
يريكَ التِواءَ قسيّ الرماةِ / إذا ما جُذِبْنَ بنَزْع شديدِ
سَقَى اللَّه مِنهُ الحمى عارضاً / يُقَهْقِهُ ضاحكُهُ بالرعودِ
مَكَرَّ الطرادِ وثَغْرَ الجهادِ / ومجْرَى الجيادِ ومَأوَى الطريدِ
بحيثُ تقابلُ شوساً بشوسٍ / وغرّاً بغرِّ وصِيداً بصيدِ
وأجسامُ أحيائهمْ في النّعيمِ / وأرواحُ أمواتِهِمْ في الخُلودِ
حَسّنْ غِذاءَكَ واعتمدْ
حَسّنْ غِذاءَكَ واعتمدْ / منه على وقتٍ وحَدْ
فالنّفسُ تهزل بالمَآ / كلِ كلّما سَمِنَ الجَسَدْ
نَثَرَ الجوُّ على الأرْضِ بَرَدْ
نَثَرَ الجوُّ على الأرْضِ بَرَدْ / أيّ دُرٍّ لنحورٍ لو جَمَدْ
لؤلؤٌ أصْدافُهُ السُّحْبُ التي / أنْجَزَ البارقُ منها ما وَعَد
منحتْهُ عارياً من نَكَدٍ / واكتساب الدُّرّ بالغَوصِ نَكد
ولقد كادَتْ تعاطَى لَقْطَهُ / رغبةً فيه كريماتُ الخُرُد
وتحلّي منهُ أجياداً إذا / عَطِلَتْ راقَتكَ في حَلي الغَيَد
ذَوّبَتْهُ من سماءٍ أدْمُعٌ / فَوْقَ أرْضٍ تتلقاهُ بِخَد
فَجَرَتْ منهُ سيولٌ حولَنا / كثعابين عجالٍ تَطّرِد
وترى كلّ غديرٍ مُتئقٍ / سَبَحَتْ فيه قواريرُ الزّبَد
من يعاليلَ كبيضٍ وُضِعَتْ / في اشتباكِ الماءِ من فوقِ زَرَد
أرّقَ الأجفانَ رعدٌ صوتُهُ / كهديرِ القَرْمِ في الشّوْلِ حَفَد
باتَ يَجتابُ بِأَبكارِ الحيا / بلداً يُرْويهِ مِنْ بَعْدِ بَلَد
فَهوَ كَالحادي رَوايا إن وَنَتْ / في السُّرَى صاحَ عَليها وجَلَد
وكأنّ البرقَ فيها حاذفٌ / بضرامٍ كلّما شَبّ خَمَد
تارةً يخفو ويَخفى تارَةً / كحسامٍ كلّما سُلّ غُمِد
يَذْعَرُ الأبْصارَ محمرّاً كما / قَلَبَ الحملاقَ في اللّيلِ الأسَد
وعليلِ النّبْتِ ظمآنِ الثرى / عرّج الرّائدُ عنه فزهد
خَلَعَ الخصبُ عليه حُلَلاً / لبديع الرقمِ فيهنّ جُدُد
وسَقاهُ الريَّ من وكّافَةٍ / فَتَحَ البرقُ بها اللّيلَ وسَد
ذاتِ قطرٍ داخلٍ جَوْفَ الثرى / كَحياةِ الروحِ في مَوتِ الجَسَد
فتثنَّى الغصنُ سكراً بالنّدى / وتغنّى ساجعُ الطيرِ غَرد
وكأنّ الصبحَ كَفٌّ حَلّلَتْ / من ظلامِ اللّيلِ بالنورِ عُقَد
وكأنّ الشمسَ تجري ذهباً / طَائراً في صَيدِهِ من كلِّ يَد
خَطْبٌ يهزّ شواهقَ الأطوادِ
خَطْبٌ يهزّ شواهقَ الأطوادِ / صَدَعَ الزّمانُ به حصاةَ فؤادي
ومصيبةٌ حَرُّ المصائب عندها / بَرْدٌ بِحُرْقَتِها على الأكبادِ
وكأنّما الأحشاءُ من حَسَراتِها / يُجْذَبْنَ بينَ براثِنِ الآسادِ
كُبَرُ الدّواهي رَحّلَتْ بحلولها / قَرْماً لقد قَرَعَتْ قريعَ أعادي
سكنتْ شقاشِقُهُ وكان هديرُهُ / يستكّ منه مسامعُ الحسّادِ
وكأنّما في الترب غَيّضَ غيضها / لَحْداهُ وَرْداً عن وُرودِ صَوَادِ
نُحِرَتْ شؤوني بالبكاءِ عليه أمْ / عُصِرَتْ مدامعها من الفِرْصادِ
لم أنْتَفِع بالنفسِ عندَ عزائها / فكَأَنّها عينٌ بِغيرِ سوادِ
هَذا الزَمانُ على خَلائِقِه الَّتي / طَوَتِ الخلائقَ من ثمودَ وعادِ
لم يبق منهم من يَشُبّ لِقَرّهِ / بيَدَيهِ سِقْطاً من قداحِ زنادِ
يَفْنى ويُفْني دهرُنا وصروفه / من طارقٍ أو رائحٍ أو غادِ
فكأنّ عينك منه واقعةٌ على / بطَلٍ مُبِيدٍ في الحروب مُبَادِ
والناسُ كَالأحلامِ عندَ نواظرٍ / تَرنو إِلَيهمْ وهي دارُ سهادِ
سَهَرٌ كرى مُقَلٍ تخافُ من الرّدى / للخوْفِ هَجْرُ الطيرِ ماءَ ثمادِ
والعُمرُ يُحْفَزُ بينَ يوْمٍ سابقٍ / لا يستقِرّ وبين يومٍ حادِ
دنيا إلى أُخرى تُنَقِّلُ أهْلَها / هل تُتْرَكُ الأرواحُ في الأَجسادِ
وكأنّهنّ صوارمٌ ما فعلها / إلّا مِنَ الأَجسامِ في أغمادِ
حتى إذا فُجِعَتْ بها أشْباحُها / بَقِيَتْ لِفَقدِ حَياتِها كَجمادِ
والموتُ يُدْرِكُ والفرار مُعقِّلٌ / من فرّ عنه على سَرَاة جوادِ
ويَنَالُ ما صَدَعَ الهواءَ بخافقٍ / موتٌ ومن قَطَع الفَلا بِسُهادِ
ويسومُ ضيماً كلَّ أعصمَ شاهقٍ / ريبُ المنون وكلَّ حيَّةِ وادِ
وهِزبرَ غابٍ يحتمي بمخالبٍ / يُرْهَفْنَ من غيرِ الحديدِ حِدادِ
يَسري إِلى وَجهِ الصباحِ وإنّما / مصباحُهُ من طَرْفِهِ الوقّادِ
أوَ لا ولم يُبَلِ الحِمامُ بشبلهِ / وعنادُهُ بالدلّ غيرُ عِنادِ
وأخو الهدايةِ راحلٌ جَعَلَ التّقى / زاداً له فَتُقَاهُ أفضلُ زادِ
أنا يا ابن أختي لا أزالُ أخا أسىً / حتى أُوَسَّدَ في الضّريح وِسادي
إنّي امرؤٌ ممّا طُرقت مُهَيّدٌ / بفراقِ أهْلي وانْتزاحِ بلادي
أَودى الغريبُ بعلِّةٍ تعتادُهُ / بالكَربَ وهيَ غَريبَة العوّادِ
أمَلٌ وعِدت بهِ وأَوعدَني الرّدى / فَبِهِ يُجَذّ الوعدُ بالإِيعادِ
حيٌّ ومَيْتٌ بالخطوب تباعَدا / شَتّانَ بينَ بِعادِهِ وبِعَادي
نعيٌ دُهيتُ به فمتّ وإنْ أعِشْ / خَلْفَ المَنون فلَم أَعِش بِمُرادي
ما ثُلّمَ السيفُ الذي جَسَدُ الثرى / أمْسَى له جفناً بِغَيرِ نِجادِ
عَضْبٌ يكون عتادَ فارسِهِ إذا / ما سلّهُ والعضبُ غيرُ عَتادِ
قد كان في يُمْنَى أبيه مصمّماً / يعتدّهُ يومَ الوغى لِجِلادِ
أَعزِزْ علَيَّ بِرَونقٍ يبكي دماً / بِتَواتُرِ الأَزمانِ والآبادِ
وأقول بَدْرٌ دبّ فيه مُحاقُهُ / إنّ الكمال إِلَيه غَيرُ مُعَادِ
إن غابَ في جَدَثٍ أنارَ بنورِهِ / فَبِفَقْدِ ذاك النورِ أظْلَمَ نادي
واستَعذَبته المُعضلاتُ لأنّها / مستهدفاتُ مقاتِلِ الأمجادِ
لو أخّرَتْهُ منيَّةٌ لتقدّمَتْ / في الجود همّتُهُ عَلى الأَجوادِ
ولَكانَ في دَرْسِ العلومِ وحِفظِها / بَينَ الأَفاضلِ مبدأَ الأعدادِ
إنّ المَفاخِرَ والمحامدَ سِرّها / لِذَوي البَصائر في المَخايِلِ بادِ
زَيْنُ الحُضورِ ذَوي الفضائِلِ غائِبٌ / يا طولَ غيبةِ مُعْرِضٍ مُتَمَادِ
هلَّا حَمَتْهُ عناصِرُ المَجدِ الَّتي / طابَتْ مِنَ الآباءِ والأَجدادِ
ومكارمٌ بُذِلَتْ لِصَونِ نُفوسهِم / معدودةٌ بالفضلِ في الأَعدادِ
ونجابةٌ وَقْفٌ عَلَيهم فضلُها / مَنقولةٌ منهم إلى الأولادِ
مِنْ مُعْرِقِ الطرَفَينِ مرْكزُ فَخرِهِ / بيتٌ سماءُ عُلاهُ ذاتُ عِمادِ
المُنفِقونَ بِأَرضِهمْ أعمارَهُمْ / ما بين غزوٍ في العِدى وجِهادِ
أذْمارُ حربٍ في سماءِ قتامِهِمْ / شُهُبٌ طوالع في القَنَا المَيّادِ
وبَوارِقٌ تَنسَلُّ مِنْ أجْفَانها / ورقٌ لزرعِ الهامِ ذاتُ حصادِ
فزعَ الصريخُ إليهمُ مُستَنجِداً / فبهم ومنهم شوكة الأنْجَاد
أُسْدٌ لَبُوسُهُمُ جلودُ أراقمٍ / بُهِتَتْ لرؤيتها عيونُ جَرَاد
يا عابِدَ الرَحمَنِ حسبُكَ رحمةً / وفّى لها بالعَهدِ صَوب عِهادِ
بِحَلاوَةِ اسمِك للمَنونِ مَرارةً / طُرِحَتْ بِعَذْبِ الوِرْدِ للورّادِ
إنّي أُنادي منكَ غيرَ مُجَاوِبٍ / ميتاً وعن شوقٍ إِلَيك أُنادي
في جَوفِ قَبرٍ مُفردٍ مِن زائرٍ / قبرُ الغريب يُخَصّ بالإِفرادِ
ما بينَ مَوْتى في صباحٍ عَرّسُوا / لإِعادةٍ بالبَعثِ يومَ مَعَادِ
بَينَ الألوفِ عَفِيّةً أَرسامُهم / ولِرَسمِهِ قبرٌ مِنَ الآحادِ
أوَ لم يَكُن بقراطُ دونَ أبيكَ في / داءٍ يُعادُ لَهُ المريضُ عِدادِ
وأدقّ منهُ فِكرَةً حسبيّةً / حكميَّةَ الإصدارِ والإيرادِ
هلَّا شَفَى سَقَماً فوقّفَ برؤهُ / موتاً تمشّى مِنكَ في الأبْرادِ
هيهاتِ كان مماتُ نفسكَ مثبتاً / بِيَدِ القَضاءِ عَلَيك في الميلادِ
قصَرَتكَ كالممدود قَصْرَ ضرورةٍ / وَعَدَتْكَ عن مَدّ الحياةِ عَوَادِ
وشَرِبتَ كأساً نَحنُ في إيراقها / إِذ أَنْتَ مِنها في طِويلِ رقادِ
وتَركتَ عِرْسَك وهيَ مِنكَ جنازةٌ / ولباسَ عرسك وهوَ ثَوبُ حِدادِ
أهْدَى إلَيك مكانَها حوريّةً / مُهْدٍ وذاك الفضل فَضْلُ الهادي
عِندي عَلَيك منَ البُكاءِ بِحَسْرَةٍ / ماءٌ لِنارِ الحزنِ ذو إِيقادِ
ونياحُ ذي كَمَدٍ يذوب بِهِ إِذا / رفع الرثاءُ عقيرةَ الإنشادِ
وتَخَيّلٌ يُحييكَ في فِكري فذا / مَسْعاكَ في بِرّي ومَحض وِدادي
قَد كَانَ عيدكَ والحَياة على شَفا / مِن قَطعِ عُمرِك آخرَ الأعيادِ
أَرثيكَ عَن طَبعٍ تَجَدْوَلَ بَحْرُهُ / بَعْدَ الغيَابِ وكَثرَةِ الأَولادِ
أَنا في الثَمانين الَّتي فَتَلَتْ بِها / قَيْدي الزمانةُ عِندَ ذلّ قِيادي
أَمشي دَبيباً كَالكَسيرِ وَأَتّقي / وثباً عليّ من الحِمام العادي
ذَبُلت منَ الآدابِ روضتيَ الَّتي / جُلِيَت نَضَارتها على الرُوَّادِ
لو كنتَ بعدي لافتدِيت بأنْفُسٍ / وبما حَوَت مِن طارِفٍ وتِلادِ
فَاصبِر أَبا الحَسَنِ احتِسابَ مُسَلِّمٍ / للَّه أمرَ خواتِمٍ ومَبَادي
فَلَقد عَهِدتُك والحوادثُ جَمّةٌ / وشدادُهُنّ عليك غيرُ شِدادِ
أوَ ليسَ إِبراهيمُ نجلُ مُحمَّدٍ / بالدَفنِ صار إِلى بِلى ونَفادِ
رَدّ النَبيُّ عَلَيهِ تُربةَ لَحدِهِ / بِيَدِ النُبوَّةِ وهيَ ذاتُ أَيادي
فَتَأسّ في ابنكَ بابنِهِ وَخِلالِهِ / تَسْلُكْ بأُسْوَتِهِ سبيلَ رَشادِ
نحنُ في جَنّةٍ نُباكِرُ منها
نحنُ في جَنّةٍ نُباكِرُ منها / ساحِلَيْ جَدْوَلٍ كسَيفٍ مُجَرّد
صَقَلَتْ مَتْنَهُ مداوسُ شمسٍ / مِن خِلالِ الغُصونِ صَقلاً مُجدَّد
ومُدامٍ تطيرُ في الصحنِ سُكراً / فتُحَلّ العقُودُ منها وتعقد
جِسمُها بالبَقاءِ في الدنِّ يَبلى / وقُواها مع اللّيالي تَجَدّد
وإذا الماءُ غاصَ في النّارِ منها / أخرجَ الدُّرَّ من حبابٍ مُنَضَّد
يا لها من عصيرِ أوّلِ كَرمٍ / سَكِر الدّنُّ منه قِدَماً وعَربَد
جنّةٌ مَجّتِ الحَيا إِذ سَقاها / مُصْلِحٌ من غَمَامِهِ غيرُ مُفسِد
قَد لَبِسنا غلائلَ الظِلّ فيها / مُعْلَماتٍ منَ الشعاعِ بِعَسجَد
ورَأَينا نارِنجَها في غُصونٍ / هَزّتِ الرّيحُ خُضْرَها فهيَ مُيّد
كَكُراتٍ مُحْمَرّةٍ من عَقيقٍ / تَدَّريها صوالِجٌ من زَبَرجَد
وَكَأنّ الأَنوارَ فيها ذُبَالٌ / بِسَليطٍ منَ النّدى تَتَوَقّد
وكأنّ النّسيمَ بالفرج يُفْشِي / بينَ رَوضَاتِها سرائرَ خُرّد
حَيثُ نُسْقَى مِنَ السُرورِ كُؤوساً / ونُغَنّى منَ الطُيورِ ونُنْشَد
ذو صفيرٍ مُرجَّع أو هديلٌ / أسَمِعْتُم عنِ الغَريضِ ومَعْبَد
شادِياتٍ تُمسي الغُصونُ وتُضحي / رُكّعاً للصَّبَا بِهِنَّ وسَجّد
كان ذا والزمانُ سَمْحُ السجَايا / بِبَوادٍ منَ الأَماني وعُوّد
والصِّبا في مَعاطِفي وكَأنِّي / غُصُنٌ في يدِ الصَّبا يَتَأَوَّد
ومُضمَّنٍ راحاً يشفّ زُجاجُهُ
ومُضمَّنٍ راحاً يشفّ زُجاجُهُ / عن ماءِ ياقوتٍ بدُرٍّ يُزْبِدُ
جامٌ يجمِّعُ شربُهُ لذّاتِنا / وعقولُنا بالسكر منه تُبَدّدُ
ويَخِفُّ مَلآناً ويثقُلُ فارغاً / كالجسم تُعدَمُ روحُهُ أو تُوجَدُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025