المجموع : 265
ناغيت " لُبناناً " بشِعريَ جِيلا
ناغيت " لُبناناً " بشِعريَ جِيلا / وضفرته لجبينهِ إكليلا
وردَدْتُ بالنغَمِ الجميلِ لأرزه / ظِلاًّ أفاءَ به عليَّ ظَليلا
أو مَا ترى شعري كأنَّ خِلالَه / نسيَ النسيمُ جناحَهُ المبلولا
وحِسانَ لُبنانٍ منحتُ قصائدي / فسحبنهنَّ كَدَلِّهنَّ ذُيولا
أهديتُهُنَّ عُيونَهنَّ نوافِذاً / كعيونِهِنَّ إذا رَمَيْنَ قتيلا
فردَّدنهنَّ من الأسى وجِراحِه / كِسَراً فَرُحْتُ المُّهنَّ فُلولا
ورَجَعْتُ أدراجي أجرُّ غنيمةً / من " بنتِ بيروتٍ " جوىً وغليلا
لُعنَ القصيدُ فأيُّ مُثرٍ شامخٍ / سرعانَ ما استجدى الحسانَ ذليلا
رَدَّتْ مطامِحُه البِعادَ دوانياً / وكثيرَ ما خَدعَ الخيالَ قليلا
ناغيتُ " لُبناناً " وهل أبقى الهوى / بُقيىً على قيثارتي لتقولا
طارحتُه النغماتِ في أعيادِه / بأرقَّ من سجعِ الحمامِ هديلا
ومَسحْتُ دمعَ الحُزنِ في أتراحِه / وجعلتُ مَحْضَ عواطفي مِنديلا
وكذاكَ كنتُ وما أزالُ كما بنى / أهلي أُجازي بالجميلِ جميلا
يا شيخَ " لُبنانَ " الأشمِّ فوارعاً / وشمائلاً ومناعةً وقبيلا
مثَّلثَهُ في كلِّهنَّ فلم يُردْ / بسواك عنكَ . ولن يريدَ بديلا
إنَّ العراقَ وقد نزلتَ رُبوعَهُ / لَيَعُدُّ ساكِنَه لديكَ نزيلا
بُشرى " بشارةُ " أنْ تجوسَ خِلالَها / وتُزيرَ طرَفك أهلَها وتُجيلا
قف في ضفافِ الرافدينِ وناجِها / وتفيَّ صَفصافاً بها ونخيلا
واسمَعْ غِناء الحاصدينَ حُقولَها / للحاصداتِ من القلوبِ حُقولا
سترى القريضَ أقلَّ مِن أنْ يَجتلى / لغةَ النفوسِ عواطفاً ومُيولا
وتلمَّسِ الآهاتِ في نَبَراتِهِمْ / يُشعِلْنَ من حَدَقِ العيونِ فتيلا
واستنطِقِ " الرَّمَلاتِ " في جَنَباتها / ولطالما استوحى النبوغُ رمولا
واستوحِ كُوفاناً وبصرةَ إذ هُما / يتصدَّرانِ العالَمَ المأهولا
يستورِدانِ حَضارةً ومواهباً / ويُصدِّرانِ فطاحلاً وفحولا
وتَقرَّ " بغداداً " فانَّ دُروبَها / ستُريكَ من سِفرْ الزمانِ فُصولا
ستُريكَ كيف إذا استتمّتْ دولةٌ / أعمى الغرورُ رجالَها لتدولا
إيهٍ " بِشارةُ " لم تكنْ لتَحُدَّ من / مهوى النفوسِ ولم تكنْ لتحولا
إني رَصَدتُكَ من بعيد لم أُرِدْ / إذناً عليكَ ولا بعثتُ رسولا
ودخلتُ نفسَك لم أزاحِمْ حاجباً / عنها ولم ألجِ " الرِواقَ " فضولا
وحَلَفْتُ لا أُوذي الملوك ولا أُرى / ظِلاًّ على بابِ " الأميرِ " ثقيلا
صَونٌ لمجدِ الشعرِ أوهمَ خاطئاً / أنّي خُلِقتُ على قِلىً مجبولا
ولربما ظنَّ الرواجمُ أنّهمْ / سيرَوْنَ من هذا " المنخَّل " غُولا
وعرفتُ فضلَكَ قبل كونِك عاهلاً / تُرخي عليكَ حِجابَك المسدولا
تَلِجُ العقولَ عباقراً ونوابغاً / وتُمحِّصُ المعقولَ والمنقولا
ووجدتُك المُعطي السياسةَ حقَّها / ترعى النُّصوصَ وتُحسِنُ التأويلا
والمستجيرَ بظلِّها من ظلِّها / تتخيرُ التحويرَ والتحويلا
ولمستُ يومَك حين ضجَّ ضجيجُها / ومشتْ تدُكُّ روابياً وسهولا
تستخدمُ المتفجراتِ لدافعٍ / عن حقِّهِ وتُسخِّرُ " الأسطولا "
وعُقابُ " لبنانٍ " تَضُمُّ جَناحَها / تحمي الفِراخَ وتحرُسُ الزُّغلولا
وبنوكَ أُسْدَ الغابِ في لبِداتِهِمْ / عُبْلُ السواعد يمنعونَ الغيلا
حتى إذا انجلتِ العَجاجةُ وارتمى / شِلْواً – ربيبُ " فَجارةٍ " منخولا
وتخلتِ الأقدارُ عن متجبِّرٍ / ملأ البلادَ وأهلَها تنكيلا
وبرزتَ مثلُ السيفِ لا مُستسلماً / جُبْناً ولا نِكْساً ولا مخذولا
وتزاحمتْ بالهاتفينَ شِعابُها / يُزجُونكَ التكبيرَ والتهليلا
كنتَ الجديرَ بكلِّ ذاكَ وفوقَه / إذ كنتَ سيفَ جهادِها المسلولا
يا شيخَ " لبنانٍ " وحَسْبُكَ خِبرةً / رَفَعَتْك شيخاً في الملوك جليلا
جرَّبتَ حنظلةَ الدخيلِ وطعمَها / وصميمَها وطِلاءَها المعسولا
ولمستَ من لَهَبِ السياطِ ووَقْعها / فوقَ الظهورِ على الطُّغاةِ دليلا
ورأيتَ كيف العِلْجُ يُسمِنُ أهلَهُ / يُقري بنيهِ شعبَك المهزولا
وعرفتَ قدرَ العاملينَ مبجَّلاً / شكراً وحظَّ العاملينَ جزيلا
رَنتِ العيونُ إليكَ تُكبِرُ موقفاً / من " شيخِ " لُبنانَ النبيل نبيلا
وتُريدُ منك وقد تقلَّصَ ظلُّهم / ألا تَميزَ على الدخيلِ دخيلا
فلقد خَبَرنا نحنُ قبلَك مِثلَهُ / وأشرَّ في لغةِ الطُغاةِ مثيلاً
فاذا ب " حنظلةٍ " تَحِنُ لأختِها / وإذا ب " شدقمَ " يستظلُّ " جديلا "
وإذا بأولاوءٍ تفرِّقُ بينَهم / شتى الدُّروبِ ويلتقونَ سبيلا
فاوِض فقد غَدَت العوالِمُ عالماً / ما زالَ حَبْلُ صِلاتهِ موصولا
وسيجرِفُ التاريخُ في تيّارِه / شعباً يَظَلُ مُجانِباً معزولا
وتُراثُ " لُبنانٍ " قديمٌ نشرهُ / في المشرقينِ مواهباً وعقولا
لكنْ تَوَقَّ من الوعودِ سلاسلاً / برّاقةً ومن العهودِ كُبولا
فاوِضْ وخلِّ وراءَ سمعِك مُغرياً / وأمامَ عينِكَ شامتاً وعَذولا
ولأنتَ أعلمُ إنْ تُزحْزَحْ عندَهم / شبراً فسوفَ يُزحزحونكَ ميلا
وإذا ارتختْ عُقَدٌ تيسّرَ حلُّها / جدُّوا لكم عُقَداً تُريدُ حُلولا
" عبدَ الاله " وليس عاباً أنْ أرى / عِظمَ المقَامِ مُطوِّلاً فأطيلا
كرَّمت صيفَك يستثيرُ جلاله / نُطقاً ويدفعُ قائلاً ليقولا
يا ابنَ الذينَ تنزَّلتْ ببيوتِهم / سُوَرُ الكتابِ فرُتِّلتْ ترتيلا
الحاملينَ من الأمانةِ ثقلَها / لا مُصعِرينَ ولا أصاغِرَ مِيلا
والناصبينَ بيوتَهم وقبورَهم / للسائلينَ عن الكرامِ دليلا
والطامسينَ من الجهالةِ غَيْهباً / والمُطلعينَ من النُّهى قِنديلا
ملكوا البلادَ عروشَها وقصورَها / واستعذبوا وعْث التراب مَقيلا
يا ابنَ النبيِّ وللملوكِ رسالةٌ / مَنْ حَقَّها بالعدلِ كانَ رسولا
يرجو العراقُ بظلِّ رايةٍ فيصلٍ / أنْ يرتقي بكما الذُّرى ويطولا
لا شك أنَّ وديعةً مرموقةً / عز الكفيلُ لها فكنت كفيلا
وكيانُ مُلكٍ في حداثةِ عهدِه / يتطلَّبُ التلطيفَ والتدليلا!
وسياسة حضنتْ دُعاةَ هزيمةٍ / وتبنَّتِ التفريقَ والتضليلا
تُغري المثقفَّ أن يكون مُهادِناً / وابنَ الجهالةِ أنْ يظَلَّ جَهولا
ألقت على كتِفيكَ من زَحَماتِها / عبءاً تنوءُ بهِ الرِّجالُ ثقيلا
شدَّتْ عروقَك من كرائمِ هاشمٍ / بيضٌ نمينَ خديجةً وبتولا
وحَنَتْ عليكَ من الجدودِ ذؤابةٌ / رَعَتِ الحسينَ . وجعفراً وعقيلا
قُدْتَ السفينةَ حين شَقَّ مقادُها / وتطلَّبتْ رُبَّانَها المسؤولا
أعْطتْكَ دَفَّتها فلم تَرجِعْ بها / خوفَ الرِّياحِ ولا اندفعتَ عَجولا
وَمنَحْتَها والعاصِفاتُ تؤودُها / مَتناً أزلَّ وساعداً مفتولا
أُعطِيتَ ما لم يُعطَ قبلَكَ مثلَه / شعباً على عِرفانِكُمْ مجبولا
إنَّ العراقَ يُجلُّ بيْعةَ هاشمٍ / من عهدِ جدِّكَ بالقرونِ الأولى
هذي مصارِعُ مُنجبيكَ ودورُهم / يملأنَ عَرضاً للعراقِ وطُولا
ما كانَ حجُّهُمُ وطوفُ جموعِهمْ / لقبورِ أهلِكَ ضَلَّةً وفُضولا
حبُّ الأُولى سكنوا الديارَ يَشفُّهم / فيعاوِدونَ طلولَها تقبيلا
يا شيخَ " لُينانٍ " شكيَّةَ صارخٍ / تتخلَّلُ الترحيبَ والتأهيلا
كنّا نُريدُك لا القلوب " مغيمة " / فينا . ولا خِصبُ النفوسِ مَحيلا
لنريكَ أفراحَ العراقَ شَمالَه / وجنوبَه وشبيبةً وكُهولا
جئتَ العراقَ ومِن فِلَسْطِينٍ به / وَجَعٌ مطببَّهُ يعودُ عليلا
والمسجدُ المحزونُ يُلقي فوقَه / ليلاً – على الشرقِ الحزينِ – طويلا
ذهبتْ فِلَسْطينٌ كأن لم تَعترِفْ / مِن كافليها ضامناً وكفيلا
وعفَتْ كأن لم يمشِ في ارجائها / " عيسى " و " أحمدُ " لم يَطِرْ محمولا
والمسجدُ الأقصى كأنْ لم يرتفعْ / فيهِ أذانٌ بُكرةً وأصيلا
وثرى صلاح ِالدينِ دِيسَ وأنعلتْ / منه جيوشُ الواغلِين خُيولا
و " الحنظلُّي " بحِلْفِهِ ووعُودهِ / ما زالَ كاذبُ وعدِه ممطولا
لم يرعَ شرعَ الكافرينَ ولا وفى / حقَّيهما القرآن َ والانجيلا
أعطى " إلَنْبي " أهلَها فاستامهم / بلفورُ فاستوصى بهم عِزريلا
واليومَ يفخرُ " بالحيادِ " كفاخرٍ / بالقتلِ إذ لم " يُسلَخِ " المقتولا
قِفْ بالمعَرَّةِ وامسَحْ خَدَّها التَّرِبا
قِفْ بالمعَرَّةِ وامسَحْ خَدَّها التَّرِبا / واستَوحِ مَنْ طَوَّقَ الدُّنيا بما وَهَبا
واستَوحِ مَنْ طبَّب الدُّنيا بحكْمَتَهِ / ومَنْ على جُرحها مِن روُحه سَكَبا
وسائلِ الحُفْرةَ المرموقَ جانِبُها / هل تبتَغي مَطْمَعاً أو ترتجي طلَبا
يا بُرجَ مفْخَرةِ الأجداث لا تهِني / أنْ لم تكُوني لأبراج السَّما قُطُبا
فكلُّ نجمٍ تمنَّى في قَرارته / لو أنَّه بشُعاعٍ منكِ قد جُذبا
والمُلْهَمَ الحائرَ الجبَّارَ هل وصَلَتْ / كَفُّ الرَّدى بحياةٍ بَعْدَه سَبَبا؟
وهل تَبدَّلْتَ رُوحاً غيرَ لاغبةٍ / أم ما تزال كأمسٍ تشتكي اللَّغَبا
وهل تخبَّرْتَ أنْ لم يألُ مُنْطَلِقٌ / منُ حرّ رأيكَ يَطْوي بعْدكَ الحقَبا
أم أنتَ لا حِقَبلً تدري ولا مِقَةً / ولا اجتواءً ولا بُرءاً ولا وصَبا
وهل تصَحَّحَ في عُقْباكَ مُقْتَرحٌ / ممَّا تفَكرتَ أو حَدَّثْتَ أو كُتِبا ؟
نَوِّر لَنا إنَّنا في أيّ مُدَّلج ٍ / ممَّا تَشكَّكْتَ إنْ صِدقاً وإنْ كذبا
أبا العلاءِ وحتى اليومِ ما بَرِحتْ / صَنَّاجهُ الشَعر تُهدي المترفَ الطَّربا
يَستنزلُ الفكرَ من عَليا مَنازلهِ / رأسٌ ليمسحَ من ذي نعمةٍ ذنَبا
وزُمرةُ الأدبِ الكابي بزُمرتهِ / تفرَّقَتْ في ضَلالاتِ الهوى عُصَبا
تَصَّيدُ الجاهَ والألقابَ ناسيةً / بأنَّ في فكرةٍ قُدسيَّةٍ لقبا
وأنَّ للعبقريّ الفذِّ واحدةً / إمَّا الخُلودَ وإمَّا المالَ والنَّشبا
من قبلِ ألفٍ لَو انَّا نبتغي عِظةً / وعَظْتَنا أنْ نصونَ العلمَ والأدبا
على الحصيرِ وكوزُ الماء يَرفدهُ / وذِهنُه ورفوفٌ تحمِلُ الكتبا
أقامَ بالضَّجَّةِ الدُّنيا وأقعدَها / شيخٌ أطلَّ عليها مُشفقاً حَدِبا
بَكى لأوجاعِ ماضيها وحاضرِها / وشامَ مُستقْبَلاً منها ومرتقبَا
وللكآبةِ ألوانٌ وأفجعُها / أنْ تُبصرَ الفيلسوفَ الحُرَّ مكتئِبا
تناولَ الرثَّ من طبعٍ ومُصطَلحٍ / بالنقدِ لا يتأبَّى أيَّةً شجبا
وألهمَ الناسَ كي يَرضَوا مغبَّتهم / أن يُوسعوا العقلَ ميداناً ومضطَربا
وأنْ يَمدُّوا به في كلِّ مُطَّرحٍ / وإنْ سُقوا مِن جَناه الويلَ والحرَبا
لِثورةِ الفكرِ تأريخٌ يحدّثُنا / بأنَّ ألفَ مسيحٍ دونَها صُلِبا
إنَّ الذي ألهبَ الأفلاكَ مِقولُه / والدَّهرَ لا رَغَباً يرجو ولا رهَبا
لم ينسَ أنْ تشمَلَ الأنعامَ رحمتُهُ / ولا الطيورَ ولا أفراخَها الزُغُبا
حَنا على كلّ مغضوبٍ فضمَّده / وشجَّ منْ كان أيّاً كان مغتصِبا
سَلِ المقاديرَ هل لازلتِ سادرةً / أمْ أنتِ خجلى لِما أرهقتهِ نصبا؟
وهل تعمَّدتِ أنْ أعطيتِ سائبةَ / هذا الذي من عظيمٍ مثْلِه سُلبا
هذا الضياءَ الذي يَهدي لمكمنّه / لِصّاً ويُرشدُ أفعى تَنفُثُ العَطَبا
فانْ نَخَرتِ بما عوَّضتِ من هبةٍ / فقد جنيتِ بما حمَّلتهِ العصبا
تلمَّسَ الحُسنَ لم يمدُدْ بمُبصرةٍ / ولا امتَرى دَرَّةً منها ولا حلبا
ولا تناولَ من ألوانها صُوراً / يَصُدُّ مبتعِدٌ منهنَّ مُقتربا
لكنْ بأوسعَ من آفاقها أمداً / رَحْباً وأرهفَ منها جانباً وشَبا
بعاطفٍ يتبنَّى كلَّ معتلِجٍ / خفَّاقه ويُزكّيهِ إذا انتسبا
وحاضنٍ فُزَّعَ الأطيافِ أنزلها / شعافَه وحباها معقِلاً أشِبا
رأسٌ من العَصَبِ السامي على قفص / من العظام إلى مهزولةٍ عُصِبا
أهوى على كُوَّةٍ في وجههِ قدَرٌ / فسَدَّ بالظلْمةِ الثُقْبينِ فاحتجبا
وقال للعاطفات ِ العاصفاتِ بهِ / ألآنََ فالتمسي مِن حُكْمهِ هربا
ألآنَ يشربُ ما عتَّقتِ لا طفَحاً / يُخشى على خاطرٍ منه ولا حبَبا
ألآنَ قولي إذا استوحشتِ خافقَه / هذا البصيرُ يُرينا آيةً عَجبا
هذا البصيرُ يُرينا بين مندرِسٍ / رثِّ المعالم هذا المرتَعَ الخصِبا
زنجيَّةُ اليلِ تروي كيف قلَّدها / في عُرسها غُرَرَ الأشعار لا الشهبا
لعلَّ بين َ العمى في ليلِ غُربته / وبين فحمتَهِا من أُلفَةٍ نسبا
وساهرُ البرق والسُمَّارُ يُوقِظهم / بالجزع يخفق من ذكراه مضطرِبا
والفجرُ لو لم يلُذْ بالصبح يَشربه / من المطايا ظِماءً شُرَّعاً شُربا
والصبحُ ما زال مُصفرّاً لمقرّنَهِ / في الحُسْن بالليل يُزجي نحوه العتبا
يا عارياً من نَتاجِ الحُبِّ تكرمةً / وناسجاً عَفَّةً أبرادَهُ القشُبا
نعوا عليكَ – وأنت النور – فلسفةً / سوداءَ لا لذَّةً تبغي ولا طرَبا
وحمَّلوكَ – وأنت النارُ لاهبةً - / وِزرَ الذي لا يُحسُّ الحُبَّ ملتهبا
لا موجةُ الصَّدرِ بالنهدينِ تدفعه / ولا يَشقُّ طريقاً في الهوى سَربا
ولا تُدغدِغُ منه لذَّةٌ حُلُماً / بل لا يُطيقُ حديثَ اللذَّةِ العذِبا
حاشاك إنَّكَ أذكى في الهوى نفسَاً / سََمْحاً وأسلسُ منهمْ جانباً رطِبا
لا أكذبنَّكَ إنَّ الحُبَّ متَّهمٌ / بالجَور يأخذ مِنَّا فوقَ ما وَهبا
كم شيَّعَ الأدبُ المفجوعُ مُختضَراً / لدى العيونِ وعندَ الصدر مُحتَسَبا
صَرعى نَشاوى بأنَّ الخَودَ لُعبتُهم / حتى إذا استَيقظوا كانوا هُمُ اللُعَبا
أرتهُمُ خيرَ ما في السّحْرِ من بُدءٍ / وأضمرتْ شَرَّ ما قد أضمرتْ عُقبا
عانَى لَظَى الحُبِّ " بشَّارٌ " وعُصبتُه / فهل سوى أنَّهم كانوا له حَطبا
وهل سوى أنهم راحوا وقد نذروا / للحبِّ ما لم يجب منهم وما وَجبا
هل كنتَ تخلدُ إذ ذابوا وإذ غَبرُوا / لو لم ترُضْ منِ جِماحِ النفس ما صَعُبا
تأبى انحلالاً رسالاتٌ مقدَّسةٌ / جاءت تقوِمُ هذا العالَمً الخَربا
يا حاقِرَ النبعِ مزهُوّاً بقوَّتهِ / وناصراً في مجالي ضعفهِ الغَرَبا
وشاجبَ الموت من هذا بأسهمهِ / ومُستمِنّاً لهذا ظِلَّهُ الرَّحبِا
ومحرِجَ المُوسِرِ الطاغي بنعمتهِ / أنْ يُشرِكَ المُعْسِرَ الخاوي بما نهبا
والتَّاجُ إذ تتحدَّى رأسَ حاملهِ / بأيِّ حقٍّ وإجماعٍ به اعتصبا
وهؤلاءِ الدُّعاةُ العاكفونَ على / أوهامهم صنماً يُهدون القُرَبا
الحابطونَ حياةَ الناس قد مَسخوا / ما سنَّ شَرْعٌ وما بالفطرة اكتُسِبا
والفاتلونَ عثانيناً مُهرّأةً / ساءتْ لمحتطِبٍ مَرعى ومحتطَبا
والمُلصِقونَ بعرش اللهِ ما نسجت / أطماعُهم : بِدعَ الأهواءِ والرِيّبا
والحاكمونَ بما تُوحي مطامعُهم / مؤِّولينَ عليها الجدَّ واللَّعبا
على الجلود من التدليس مَدرعةٌ / وفي العيون بريقٌ يخطَف الذهبا
ما كان أيُّ ضلالٍ جالباً أبداً / هذا الشقاء الذي باسم الهُدى جُلبا!
أوسَعْتَهم قارصاتِ النقدِ لاذعةً / وقلتَ فيهم مَقالاً صادقاً عجبا
" صاحَ الغرابُ وصاحَ الشيخُ فالتبستْ / مسالِكُ الأمر: أيٌّ منهما نعبا "
أجللتُ فيك من الميزات خالدةً / حُرَّيةَ الفكرِ والحرمانَ والغضبا
مجموعةً قد وجدناهُنَّ مُفرَدةً / لدى سواكَ فما أغنيننا أربا
فربَّ ثاقبِ رأيٍ حطَّ فكرتَه / غُنمٌ فسَفَّ وغطَّى نورَها فخبا
وأثقلَتْ مُتَعُ الدُّنيا قوادِمَهُ / فما ارتقى صُعُداً حتَّى ادَّنى صَبيا
بَدا له الحقُّ عُرياناً فلم يَرهُ / ولاحَ مقتلُ ذي بغيٍ فما ضَربا
وإنْ صدقتُ فما في الناس مُرتكِباً / مثلُ الأديب أعان الجورَ فارتكبا
هذا اليراعُ شواظُ الحقّ أرهفه / سيفاً . وخانعُ رأيٍ ردَّه خشبا
ورُبَّ راضٍ من الحرمان قِسَمته / فبرَّر الصبرَ والحرمانَ والسغبا
أرضى وإنْ لم يشأ أطماحَ طاغيةٍ / وحالَ دونَ سوادِ الشعب أن يثبا
وعوَّضَ الناسَ عن ذُلٍّس ومَتربَةٍ / مَنَ القناعةِ كنزاً مائجاً ذهبا
جيشٌ من المُثُلِ الدُّنيا يَمُدُّ به / ذوو المواهبِ جيشَ القوَّةِ اللَّجبا
آمنت بالله والنورِ الذي رسمَتْ / به الشرائعُ غُرّاً منهجاً لَحِبا
وصُنتُ كَّل دُعاةِ الحقِّ عن زَيغٍ / والمُصلحينَ الهداةَ العُجْمَ والعَرَبا
وقد حَمِدتُ شفيعاً لي على رَشَدي / أُمّاً وجدتُ على الإسلامِ لي وأبا
لكنَّ بي جنَفَاً عنِ وعي فلسفةٍ / تقضي بأنَّ البرايا صُنِّفتْ رُتَبا
وأنَّ مِن حِكمةٍ أنْ يجتني الرُّطَبا / فردٌ بجَهد ألوفٍ تعلكُ الكَرَبا
أإن عنَّ في جنح الدجى بارق الحمى
أإن عنَّ في جنح الدجى بارق الحمى / طويت على الشوق الفؤاد المتيما
وباتت تعانيها ضلوعك جذوة / تضيئ إذا ما طارق الوجد أظلما
جهدت فلم تملك مع الحب مهجة / بها لم يصح الشوق إلا لتسقما
تود وفيه الحزم لو كانت بالحشا / ضنينا ويأبى الحب الا تكرما
سلوت الهوى فليردد النوم سالب / فجفني لم يخلق لكيلا يهوما
فما أنا من ريم الحمى بمكانه / تهون من قدري لديه ليكرما
ولا أنا ممن يقتفي الجهل كاشفاً / فؤادي مرمى للغواني مرجما
ومالي وسلسال بخد مرقرق / نصيبي منه لوعة تورث الظما
قلى لك يا ظبي الصريم وللهوى / فذاك زمان كان ثم تصرما
بمثل الذي راشت لحاظك للحشا / رماني زماني لا عفا الله عنكما
وما فيك يا عرش الشباب مزية / على الشيب الا السير فيك على عمى
سلمت وقد أسلمتني بيد الأسى / كأني إلى الموت اتخذتك سلما
خليلي هل كان السها قبل واجدا ً / خفوق الحشا أم من فؤادي تعلما ؟
وهل بحمام الأيك ما بي من الأسى / شكا فتغني واستراب فجمجما
أظنك ما رنمت إلا تجلداً / وإن قال أقوام سلا فترنما
وما ذاك من ظلم الطبيعة أن ترى / شجياً ولكن كي ترى الحزن مثلما
ولم تبكك الأزهار وجداً وانما / نثرت عليهن الجمان المنظما
فنح ينح القلب المعنى فانما / أقام علينا الليل بالحزن مأتما
وبح لي بأسرار الغرام فرحمة / بأهل الهوى غني مغن ونغما
ولا تحذر الشهب الدراري فلم يدع / لها برح الشهبين قلبا لتعلما
ومنك تعلمت القريض منمنماً / فحق بان أهديك شكري منمنما
فلا تبتئس أن آلمتك حوادث / فأن قصارى الحر ان يتالما
افي كل يوم للحواسد جولة / ارى مقدماً فيها الذي كان محجما
كأن لم أسر من مقولي في كتيبة / ولا حملت كفي اليراع المصمما
ولا كان لي البدر المعلى مسامراً / وان كنت أعلى منه قدراً واكراما
أهلاً بكُمْ رمزَ الشباب ومرحبا
أهلاً بكُمْ رمزَ الشباب ومرحبا / المُطلعين من " الفُتوة " كوكبا
الحاملينَ من " النضال " لواءه / والناهجِينَ به الطريقَ الألحبا
والناشرينَ من الأخوة مذهباً / هو خيرُ ما ارتَضتِ الشرائع مذهبا
يا من أُعينَ " قديمنُا " بقديمهم / و " حديُثنا " بحديثهم فتأشَّبا
وتَسلْسَلَ التاريخُ فيما بيننا / متقاسمينَ " أمَّره " و " الأعذبا "
إنا وانتُمْ – والتوجُع واحد - / لَيَزيدُنا المستعمرون تقرُّبا
لَيَزيدنا الألمُ الدفينُ تماسكاً / ليزيدُنا صَهرُ الخطوبِ تَصَلُّبا
وليل به نم السنا عن سدوفه
وليل به نم السنا عن سدوفه / فنمت بما تطوى عليه الأضالع
تلامع في عرض الأثير نجومه / كأن الدجى صدر وهن مطامع
رعيت به الآمال والنسر طائر / إلى أن تبدى الفجر والنسر واقع
خليلان مذهولان من هيبة الدجى / تطالعني من أفقها وأطالع
سجية مطوي الضلوع على الأسى / متى يرم السلوى تعقه المدامع
صريع أمان لم يقر به جاذب / لما يرتجي الا وأقصاه دافع
عمى لعيون الهاجعين وأسلموا / لحر الأسى جنباً قلته المضاجع
أفي العدل صدر لم تضق عنه أضلع / تضيق به الست الجهات الشواسع
رونقٌ شاع في الثَّرى وعلى الرو
رونقٌ شاع في الثَّرى وعلى الرو / ضةِ لطفٌ من السَّما مسكوبُ
ما أرقَّ الأصيلَ سال بشفَّافِ / شعاعٍ منه الفضاءُ الرحيب
كلُّ شيءٍ تحت السماء بلونٍ / شفقيًّ مورَّدٍ مخضوب
وكأن الآفاقَ تَحْتَضِنُ الأرضَ / بآصالِها إطارٌ ذهيب
مَتّعِ العينَ إنَّ حُسناً تراهُ / الآنَ من بعدِ ساعةٍ منهوب
والذي يخلَعُ الأصيلُ على الأرض / بكفِّ الدُّجى أخِيذٌ سليب
منظرٌ للحقولِ إذ تُشرقُ الشمسُ / جميلٌ وإذ يَحيِنُ الغروب
ولقد هزّني مسيلُ غديرٍ / مِنْ على جانبيهِ روضٌ عشيب
يُظهِر الشيءَ ضدُّه وتُجارى / بسواها محاسنٌ وعيوب
وكذاكَ المرعى الخصيبُ يُحلّيه / إلى الناظرينَ مرعىً جديب
ثمَّ دبَّ المَساءُ تَقْدمُه الأطيارُ / مرعوبةً وريحٌ جَنوب
وغناءٌ يتلو غناءً ورُعيانٌ / بقُطْعانِهم تَضيقُ الدروب
يَحْبِسُ العينَ لانتشار الدياجي / في السَّما منظرٌ لطيفٌ مَهيب
شفَقٌ رائعٌ رويداً رويداً / تحتَ جُنحٍ من الظلام يذوب
وترى السُحبَ طيَّةً تِلوَ أُخرى / قد أُجيد التنسيقُ والترتيب
وتراها وشعلةً الشفقِ الأحمرِ / تبدو أثناءها وتغيب
كرَمادٍ خلاَّهُ وانزاحَ عنه / قبسٌ وسْطَ غابةٍ مشبوب
ثمَّ سدَّ الأفقَ الدُّخانُ تعالى / من بيوتٍ للنارِ فيها شُبوب
منظرٌ يبعثُ الفراهة والأنسَ لقلبِ / الفلاّح حين يئوب
يعرفُ اللقمةَ الهنيئةَ في البيتِ / مُجدٌّ طولَ النهار دَءوب
بُرهةً ريثما انقضى سمرٌ / تقطرُ لطفاُ أطرافُه وتَطيب
واستقلَّ السريرَ أو حُزمةَ القشِّ / أريبٌ نِضْوٌ حريبٌ تَريب
سكنَتْ كلُّ نأمةٍ واستقرَّتْ / واستفزَّ الأسماعَ حتَّى الدَّبيب
واحتواهمْ كالموتِ نومٌ عميق / وتغشَّاهُمُ سكونٌ رهيب
ولقد تَخرِقُ الهدوءَ شُويهاتٌ / وديكٌ يدعو وديكٌ يُجيب
أو نداءاتُ حارسٍ وهو في الأشباح / لاحتْ لعينه مستريب
أو صدَى " طَلقةٍ " يبيتُ عليها / أحدُ الجانبينِ وهو حريب
تركَ الزارعُ المَزارعَ للكلب / فأضحى خلالَهنَّ يجوب
شامخٌ كالذي يُناطُ به الحكمُ / له جَيئةٌ بها وذُهوب
كانَ جُهدُ الفلاّحِ خفَّف عنه / جَهدهُ فهو مُستكِنٌّ أديب
وهو في الميلِ غيرهُ الصبحَ وحشٌ / هائجٌ ضيِّق الفؤادِ غَضوب
فاحصٌ ظُفْرَه ونابيهِ أحلى / ما لديهِ أظفارهُ والنُيوب
إنَّه عن رِعاية الحَقلِ مسئول / على ترك أمره معتوب
وكثيراً ما سرَّه أنَّه بات / جريحاً ورأسًه مشجوب
ليرى السيّدُ الذي ناب عنه / أنَّ حيوانَه شُجاعٌ أريب
ولكيلا يرى مُسامحةً / يَعدِلُ منها لغيره ويُنيب
للقُريَّاتِ عالَمٌ مُستقلٌّ / هو عن عالَمٍ سواه غريب
يتساوى غروبُهم وركودُ النفس / منهم وفجرهُم والهبُوب
كطيور السماءِ همّهُمُ الأوحدُ / زرعٌ يرَعْونه وحبوب
يلحظون السماءَ آناً فآناً / ضحكُهم طوعُ أمرها والقُطوب
أتُرى الجوَّ هادئاً أمْ عَصوفاً / أتصوبُ السماء أمْ لا تصوب
إن يومَ الفلاّحِ مهما اكتسى حُسناً / بغير الغيومِ يومٌ عصيب
وهو بالغيمِ يخنقُ القلب والأفقَ / جميلٌ في عينه محبوب
للقُرى روعةٌ وللقرويِّين / إذا صابَ أرضهم شُؤبوب
تُبْصِرُ الكلَّ ثمَّ حتى الصَّبايا / فوقَ سِيمائهم هناءٌ وطِيب
يُفرِح البيتَ أنَّه سوف تُمسي / بقراتٌ فيه وعنزٌ حَلوب
ويرى الطفلُ أنَّ حصتَّه إذْ / يُخصبُ الوالدان ثوبٌ قشيب
أذكياءٌ عيونُهم تسبقُ الألسُنَ / عمَّا ترومه وتنوب
والذي يَستمدُّ من عالم القريةِ / وَحياً وعيشةً لَلبيب
مطمئنونَ يحلُمونَ بأنَّ الخيرَ / والشرَّ كُلّهُ مكتوب
لا يطيرونَ من سرورٍ ولا حزنٍ / شَعاعاً لأنه محسوب
ولقد يغضَبون إذ ينزلُ الغيثُ / شحيحاً .والأرضُ عطشى تلوب
أتُرى كانَ يعوِز اللهَ ماءٌ / لو أتتْ دِيمةٌ علينا سَكوب
ثمَّ يستفظعون إثمَ الذي قالوا / فينوونَ عندهُ أنْ يتوبوا
فإذا الشمسُ فوقهم فيقولون / أعُقبى إنابةٍ تعذيب
أفإيمانُنا بعيدٌ عنِ الخيرِ / وُكفراننا إليه قريب
هكذا يَرجِعُ التقيُّ أمامَ / العقلِ وهو المشكِّكُ المغلوب
قلتُ إذ رِيعَ خاطري من مُحيطٍ / كلُّ ما فيه موحشٌ وكئيب
ليس عدلاً تشاؤمُ المرءِ في الدنيا / وفيها هذا المحيط الطَروب
مِلءُ عينيكَ خضرة تَستسرٌّ / النفسُ منها وتُستطار القلوب
عندَهم مثلَ غيرِهم رغباتٌ / وعليهمْ كما عليه خطوب
غير أنّ الحياةَ حيثُ / تكونُ المدنيَّاتُ جُلّها تعذيب
كلَّما استُحدثتْ ضروبُ أمانٍ / أعقبتها من البلايا ضروب
وكأنَّ السرورَ يُومِض برقاً / من خِلال الغيومِ ثمَّ يَغيب
لا ترى ثَمَّ – غيرَ أن يتركَ الحبُّ / شحوباً – وجهاً علاهُ الشحوب
ثمّ لاشيء عن سنا الشمس ممنوعٌ / ولا عن طلاقةٍ محجوب
الهواءُ الهبَّابُ والنورُ / والخضرةُ تأتي ما ليس يأتي الطبيب
ثمّ باسمِ الحصادِ في كلّ حقلٍ / تتناجى حبيبةٌ وحبيب
قال فردٌ منهمْ لأخرى وقد / هَيَّجَ نفسيهما ربيعٌ خصيب
طابَ مَنشا زروعِنا فأجابت : / إنَّ نشءاً يرعاهُ كْفءٌ يطيب
قال ما أصبرَ الحقولَ على الناسِ / فقالتْ ومثلُهنَّ القلوب
إنّ ما تفعلُ المناجلُ فيها / دونَ ما يفعلُ الشجا والوجيب
ينهضُ الزرعُ بعدَ حصدٍ وقد / يُجتثُّ من أصله فؤادٌ كئيب
يا فؤادي المكروبُ بعثرَكَ الهمُّ / كما بُعثِرَ الثرى المكروب
وعيوني هلاّ نَضبتِ وقد ينضبُ / من فرطِ ما يسيل القليب
عندَهم منطقٌ هنالكَ للحبِّ / جميلٌ وعندَهم أُسلوب
ولهم في الغرامِ أَكْثَر ممّا / لسواهمْ مضايقٌ ودروب
مُلَحٌ خُصصِّتْ لهم ونِكاتٌ / ملؤهنَّ الإبداعُ والتهذيب
ثَمَّ تحتَ الستارِ ممتَلكٌ بالحبِّ / عفواً ومثلُه مغصوب
إنهمْ يُذنبونَ . ثم يقولون: / محالٌ أنْ لا تكونَ ذُنوب
نحنُ نبتُ الطبيعةِ البِكرِ فينا / حسناتٌ منها وفينا عيوب
بنتُنا وابنُنا معاً يرقُبانِ الزرعَ / والضرعَ والضمير رقيب
ليس ندري ما يفعلانِ ولا نعلمُ / عمَّا زُرّتْ عليه الجيوب
ما علينا ما غابَ عنَّا فعندَ / اللهِ تُحصى مظاهرٌ وغيوب
غيرَ أنَّا ندري وكنَّا شباباً / نتصابى أنَّ الجمالَ جَذوب
والفتى ما استطاعَ مُندفِعٌ نحو / الصباباتِ والفتاةُ لَعوب
بالتصابي يُذكي الشبابُ ويغتُّر / كما بالرِّياح يُذكى اللهيب
ثمّ عندَ اللقاء يُعرفُ إن كان / هنلكم " نجيبةٌ ! " أو نجيب
إنّ بعضَ الرجال يبدو أمامَ الحبِّ / صُلباً والأكثرون يذوب
والتجاريبُ علَّمتنا بأنّ المرءَ / غِرٌّ يُقيمه التجريب
ليس بِدعاً أن نَستريبَ ولكن / نتمنىَّ ألاّ نرى ما يُريب
ليس فينا والحمدُ للهِ حتى الآنَ / بيتٌ " إناؤهُ مقلوب "
فإذا كانَ ما نخافُ فهرقُ الدّمِ / سهلٌ كما تُراقُ ذَنوب
منطقٌ للعقولِ أقربُ ممَّا / يدَّعيه أخو عَفافٍ مُريب
ولقد يرمزونَ " عنَّا " بأنَّا / كلُّ ما في محيطنا مَثلوب
فيقولون: قد تطيحُ من العارِ / بيوتٌ وقد تثورُ حروب
والخَناسبَّةٌ علينا ولكن / في القُرى كلُّ ناقصٍ مسبوب
عندنا كالفتى " الخفيفِ " لئيمٌ / وجبانٌ وغادرٌ وكذوب
يُخجِلُ الناسَ في القُرى أنَّ فرداً / من أُلاءٍ عليهمُ محسوب
إنَّه من خصائص المدنيَّاتِ / إليها شنارهُم منسوب
في القُرى يوسعوننا وصماتٍ / مُخجِلٍ أمرها " البداةَ " مَعيب
فيقولونَ : كلُّ شيءٍ صريحٍ / عندنا – عندكم خليطٌ مَشوب
شُوّشَتْ منكم وسيطتْ سِماتٌ / ولُغاتٌ ولهجةٌ وحليب
إنَّكم من نماذجِ العَربِ الساطينَ / ظُلماً عليهم تعريب!
كجليبٍ من البضائعِ يأتيكم من / العالمينَ وجةٌ جليب
هو منكمْ كالأهلِ في كلِّ شيءٍ / وهو فينا عن كلِّ شيءٍ جنيب
إنَّكم تمدحونَ خُبثاً وعدواناً / وغدراً كأنما المرءُ ذيب
على مجلِسي مادمت حياً أخطُّها
على مجلِسي مادمت حياً أخطُّها / وفي مرقدي ان مِتُّ خطواُّ نصائحي
فهل غيرَ أن أقضي وعندي بَثّةٌ / نعم سوفَ اشكوها لأهل الضرائحِ
بعين الهوى لي بالفراتين وَقفة / أهاجَت كمينَ الشوقِ بين الجوانح
وقد خَفَت الليل البَهيمُ فما به / سوى هاجساتِ الفكرِ لي من مَطارح
أأبهَجُ من هذا جمالاً ومنظراً / فما بالُها سَدَّت علىّ قرائحي
اتعِرفُ امواجَ الفُراتين مُهجتي / اذا استنشدُوها عن قلُوبٍ طوائح
ابحتُ لكِ الشَكوى فهل تسمعينها / والا فبَعدَ اليوم لستُ ببائح
أقمنا بجوٍّ كلُّ ما عند أهله / مجالسُ ألهاها صفير المدائح
ألا هل يعودُ الشعر فينا كأنه / من الظهر يملى عن غيُوث رواشِح
فأحسنُ مما رَدَّدَت نبراتكم / من الكلم العاري غناءَ المراسِح !
قطعتُ ولم يبلغ بيَ العمرُ شوطه / من الشعر أشواطاً بِعادَ المطارح
فقل لسنَيحٍ الطير إن لم تتَرُق له / أهازيجُ شعرٍ أين عنه " سوانحي "
كلُّ ما في الكون حب وجمالُ
كلُّ ما في الكون حب وجمالُ / بتجليك وان عز َّ المنالُ
بسط النور فكم ثائر بحر / هادئاً بات وكم ماجت رمال
ورياض ضاحَكَ الزهرَ بها / ثغرُك الصافي وناجاها الخيال
وسهول كاد يعرو هَضْبَها / نزقٌ من صبوة لولا الجلال
ما لمن يهوى جمالا زائلا / وعلى البدر جمال ما يُزال
لا عدمِناك مروجاً للهوى / جدَة فيها وللدهر اقتبال
عيشُنا غض وميدان الصبا / فيه مجرىً للتصابي ومجال
يا أحباي وكم من عثرة / سلفت ما بالُ هذي لا تقال
علَّلونا بوعود منكم / ربما قد علل الظمآنَ آل
وعدوني بسوى القرب فقد / شفَّني الهجرانُ منكم والوصال
لا أمَّل العيش ما شئتم فكونوا / لسوى حبكم يحلو الملال
أمن العدل وما جُزْتُ الصبا / ومداه يألف الشيبَ القذال
إنها أنفُسُ لم تخلق سدى / ورقيقات قلوب لا جبال
أشتكى منكم وأشكو لكمُ / إنَّ دائي في هواكم لعُضال
فعلى الرفق ! كفاني في الهوى / ما أُلاقي وكفاكم ذا المِطال
ألذنبٍ تصطلي حَرَّ الجْوى / مهجٌ كانت لها فيكم ظِلال
أرتجيها صفوة منكم وأن / زَعَموها بغيةً ليست تنال
إنما أغرى زماني بكم / نِعَمٌ طابت وأيام طِوال
لا أذُم الدهر هذي سُنة : / للهنا حال وللأحزان حال
قد حثثناها مطايا صبوة / لكُمُ أوشك يعروها الكلال
ورجعنا منكمُ خِلواً ولو / أكلت منهن آمال هزال
لا تقولوا : هجرُنا عن علة / ربما سَرَّ حسوداً ما يقال
أنا من جربتموه ذلك الطاهرُ / الحبِ إذا شِينت خِصال
شيم هذَّبْنَ طبعي في الهوى / مثلَّما يجلو من السيف الصِّقال
أيها الناعمُ في لذاته : / لذةُ النفس على الروح وَبال
شهوة غرَّتك فانقدْتَ لها / ومُنى المرء شعور وكمال
عِنادٌ من الأيَّامِ هذا التعَّسفُ
عِنادٌ من الأيَّامِ هذا التعَّسفُ / تحاول منّي أنْ أُضامَ وآنفُ
وتطلبُ أن يُستَّل في غير طائلٍ / لسانٌ فراتيُّ المضاربِ مُرهف
وللنفسُ مِنْ أنْ تألفَ الذلَّ خُطَّةَ / أجلُّ . ومن أن تُرخص القول أشرف
فكان جزائي شرَّ ما جُوزي امرؤ / عن العيشِ ملتاثِ المواردِ يعزف
تعرَّفْ إلى العيش الذي أنا مُرهقٌ / به . وإلى الحال التي أتكلَّف
تجِد صورةً لا يشتهي الحرُّ مثلَها / يسوءُ وقوفٌ عندَها وتَعرُّف
تجد حَنقاً كالأرقم الصلِّ نافخاً / وذا لَبدٍ غضبانَ في القيد يرسف
أُنغَصُّ في الزاد الذي أنا آكلٌ / وأشْرَق بالماءِ الذي أترَّشف
كما قذفَ المسلولُ من لُبَّة الحشا / دماً أستثيرُ الشعرَ جمر وأقذف
وإنّي وإنْ مارستُ شَّتى كوارثٍ / إذا راحَ منها مُتْلِفٌ جاء متلف
فما حزُّ في نفسي كغدرةِ غادرٍ / له ظاهرٌ بالمُغرِيات مُغلَّف
وفرحةِ أقوام شجاهم تفوُّقي / بأني عنهم في الغنى متخلِّف
سلَمي لي سَلمى وحسبي بقاكِ
سلَمي لي سَلمى وحسبي بقاكِ / إنَّ فيه بقاءَ من يَهواكِ
يستجدُّ الحياةَ للمرء مرآك / ويُحي ذكرى الشباب غِناك
جذبتني عيناكِ حتى إذا ما / الهبَتْني تحرَّكَت شفتاك
ولقد هانت الصبابةُ لو أنّى / أتتْني تَعِلةً من لُماك
وأرتْني يداكِ يبتدران الرَّقصَ / أضعافَ ما أرتْ قدَماك
تلتوي هذه كما التَبسَ الخَيْطُ / وتلتَفُّ تلكَ كالشُبّاك
تعتريني خواطرٌ فيكِ أحياناً / فأرتدُّ باديَ الإِرتباك
تتحّرى كفّاي تقليدَ كفيَّكِ / وتحكي خُطايَ وقعَ خُطاك
فانا في انقِباضةٍ وانبساطٍ / تارةً وانفراجةٍ واصطكِاك
وانتقاضٍ طَوراً كما انتقض الطائرُ / من وَقفةٍ على الأسلاك
ويراني من ليس يدري كأني / بِيَ مسٌ وقد أكونُ كذالك
أنا أهواكِ لا أريدُ جزاءً / غيرَ علمٍ بأنني أهواك
اطلُبيني بين الجموعِ على حينِ / احتشادٍ ما بينهم واشتباك
تعرفيني من دونهم بسِماتي / والتفاني وحيرتي وانهماكي
رُبَّ يومٍ فيه تصيَّدني الهمُّ / كما صيِد طائرٌ بشِراك
وكأني أرى الحياةَ بمسودِّ / زُجاج فكلُّ شيءٍ باكي
ملءَ نفسي وغرفتي يتراءى / شَبَحُ الهمَّ لي وملءَ السِكاك
لم تكن سلوةً لقلبي عمّا / أنا فيه إلا بأنّي أراك
قد شكوناكِ لا لذمٍّ ولكن / ليس يخلو الغرامُ إلا لشاكي
لي قلبٌ لو جاز نسيانهُ صدريَ / يوماً لجازَ أنْ ينساك
يتنزَّى طولَ الليالي ولا مِثلَ / تَنزيِّه إن جَرَت ذكراك
ويَرَى تارة من اليأس من لُقياكِ / مستسلماً بغَير حرَاك
أنتِ سلمى – وُليِّتِ مُلكاً فسوسيه / برفقٍ بحَق من وَلاّك
وهبَيه عهدَ اقتطاعٍ وكانتِ / لك في الحكم أُسوةٌ بسِواك
فارعَيِ القلبَ حرمةً مثلما / تَرعَيْن مُلكا – يُجْنى من الأملاك
افتحي لي بابَ السرور فقد سُدَّ / وبابُ السرور لي شفتاك
واطرُدي هذه الهمومَ وسَلِّي / حُزن وجهي بوجهك الضحّاك
في يَديك الجميلتَينِ إذا شئتِ / ارتهاني ومن يَديَك فَكاكي
إن رأيتِ الحديثَ يمتازُ بالرقةِ / والُلطف فيكِ عمَّن عَداك
والقوافي يَلَذُّها السَمْعُ من دونِ / قوافٍ تشدو بحسن سواك
فلأني أُجِلُّ حبَّك عن أنْ / يُتَلقَّى الا بقَلبٍ ذاكي
ولأن الشعورَ يُوريهِ ابداعُكِ / وَرْيَ الزِنادِ بالإحتِكاك
ان هذا الجمالَ سَلمى غذاءُ الروُح / لولاهُ آذَنَتْ بهَلاك
وأرى مَن يلومُ فيه كمن يرشِدُ / ذا بُلغةٍ الى الإِمساك
أو كساعٍ يَسعى لتجفيف ماءِ / النَهر إشفاقةً على الأسماك
الرَعاعُ الرَعاعُ والجَدَل الفارغُ / اني من شَرّهم في حمِاك
ضايقتْني حتى بادراكيِ الحسنَ / نفوسٌ ضعيفةٌ الادراك
تقتضي الناس أنْ يكونوا صدى الأهواءِ / منها كما تكونُ الحواكي
قال لي صاحبي يزهِّدُني فيكِ / بهذي المُغالَطاتِ الرِكاك
لكَ فيها مُزاحِمون وما خيرُ / غَرامٍ يكونُ بالاشتراك
قُلت: اخطأتَ لا أبالي وهَبْها / وردةً في منابِتِ الأشواك
اتُراني أعافُها ثم هَبْني / أنني في عواطِفي – إشتِراكي
أنا هذا أنا – وما كنتُ يوماً / في شُعوري ونَزعتي بمَلاك
ثم إني أجَلُّ من ان أُماشي / في مذاقي جماعةً وأُحاكي
أنا أهوى ما اشتّهيه ومن لا / يرتَضيني قامَتْ عليه البَواكي
انا مذ كنتُ كنتُ ما بين نفسي / والسخافاتِ هذِه في عِراك
قلى لك يا عصر الشبيبة والصبا
قلى لك يا عصر الشبيبة والصبا / فإنك مغدى للأسى ومراح
صحبتك مر العيش لا الروض يانع / لدىَّ ولا الماء القراح قراح
تفيأت أطلال التصابي وإنما / نصيبي منها حسرة وبراح
حشى أفسحت فيه المنى خطواتها / فضاقت به الأرجاء وهي فساح
يقولون : محصوص الجناح هفت به / هموم وماذا يستطيع جناح
على رسلكم إن الليالي قصيرة / وما هي ألا غدوة ورواح
أأحبابنا ماذا التغير لا الهوى / بصاف ولا تلك الوجوه صباح
تحولتم عن ركب الحب واستوى / مشوب وداد عندكم وصراح
إلى م انخداعي بالمنى وهي غرة / وتركي فيها الجدَّ وهو مزاح
هموم ترى في كل حين بمظهر / سواء هديل شائق ونواح
أغاض دموعي أنهن كرائم / وأن النفوس الآبيات شحاح
وما أعربت خرس الأراك بلحنها / عن الحب إلا كي يقال فصاح
لأهل الهوى ياليل فيك سرائر / عجاب وغدر ان ينمَّ صباح
رأوا فيك مخضر الأماني فعرسّوا / بجنحك ا شاء الغرام وناحوا
نغض لمرآك الجفون وإنما / عيون الدراري في دجاك وقاح
خروق نجوم في سماء تلاوحت / كما لاح في جسم الطعين جراح
ومرضى قلوب من وعود وخلفه / ولم تهو يوماً أنهن صحاح
براها الأسى حتى استطار شرارها / فرفقاً. فما هذي النفوس قداح
وهواجس في الليل رامت حملها
وهواجس في الليل رامت حملها / شهب فعثن بشملها المجموع
ما أنصفت فيه الطبيعة حبّها / لما دعا للشوق غير سميع
أبت الجوانح أن تقر فمن يطق / ملكا فلست بمالك لضلوعي
حبّ الرجوع إلى الشباب ولم أجد / في مرِّه ما يرتجى لرجوع
بين الأضالع صخرة لكنّها / مما جنى الأحباب ذات صدوع
قلب عليه تحالفت زمر الهوى / فمنيعه للذُّل غير منيع
قالوا استقلَّ عن الهموم فقلت لا / فهو التبيع لظالم متبوع
لا أكذبَنّكِ إنّني بَشَرُ
لا أكذبَنّكِ إنّني بَشَرُ / جَمُّ المساوي آثِمٌ أشِرُ
لا الحبُّ ظمآناً يُطامِنُ مِنْ / نفسي وليس رفيقيَ النظَر
ولكم بَصُرْتُ بما أضيقُ به / فودِدْتُ أنّي ليس لي بصر
أو أنني حجر وربتَّمَا / قد بات أرْوَحَ منّيَ الحَجَر
لا الشيءُ يُعْجِبُهُ فَيَمْنَعُهُ / فإذا عداه فكلّهُ ضَجر
ولكم ظَفِرتُ بما بصرتُ به / فحَمِدْت مرأى بعدَهُ ظفَر
شفتاي مُطْبْقَتَانِ سيدتي / والخُبْرُ في العينينِ والخَبَر
فاستشهِدِي النظراتِ جاحِمَةً / حمراءَ لا تُبْقي ولا تَذر
ولرغبة في النفس حائرة / مكبوتة يتطايرُ الشرر
إنا كلينا عارفان بما / حَوَتِ الثّيابُ وضَمَّتِ الأزُر
وبنا سواءً لا حياءَ بنا / الجذوةُ الخرساءُ تستعر
فعلى مَ تَجتهدين مُرْغَمَةً / أن تَسْتري ما ليس يَنْسَتِر
كذب المنافقُ . لا اصطبارَ على / قدٍّ كَقَدِّكِ حينَ يُهتَصَر
ومُغَفَّلٌ من راح يُقنِعُه / منك الحديثُ الحلوُ والسمر
يُوهي الحجى ويُذيبُ كلَّ تُقىً / من مُدّعيهِ شبابُك النَّضِر
ويَرُدُّ حلمَ الحالمين على / أعقابِهِ التفتيرُ والخَفَر
النَّفْسُ شامخةٌ إذا سعُدَتْ / بك ساعةً والكونُ مُحْتَقَر
وفداء " محتضن " سمحتِ به / ما تفجع الاحداثُ والغير
حلم أخو اللذاتِ مفتقد / امثالُهُ وإليه مفتقِر
وسويعة لا أستطيعُ لها / وصفاً فلا أمْنٌ ولا حَذَر
يدها بناصيتي ومحْزَمُها / بيدي . فمنتَصِرٌ ومندَحِر
فلئن غَلَبْتٌ فَخَيْرُ متَّسَدٍ / للشاعرِ الأعكانُ والسُرَر
ولئن غُلِبْتُ فغالبي مَلَك / زاهٍ . بهِ صافحٌ عني ومغتفر
أمسكتُ " نهديها " وأحسَبُني / أشْفَقْتُ أن تتدحرجَ الأُكَر
عندي من استمتاعةٍ صُوَرٌ / ومِنَ التَّغنُّجِ عندَها صُوَر
قالت وقد باتَتْ تطاوعُني / فيما أُكَلِّفُها وتأتَمِر
أمعانياً حاولتَ تَنْظِمُها / تختارُ ما تَهْوى وتَبْتَكِر
إني وردتُ " الحوضَ "ممتلئاً / " شَهْداً " يفوحُ أريجُهُ العَطِر
ولقد صدرتُ وليس بي ظَمَأٌ / للهِ ذاكَ الوِردُ والصَّدَر
وإذا صدقتْ فانه بدَنٌ / لأطايب اللذاتِ مُخْتَبَر
يا زهرةً في ريعها قُطِفَتْ / كأرقِّ ما يتفَتَّقُ الزَّهَر
نِعْمَ القضاءُ قضى بمرتشَفٍ / لي من " لماك " وحبّذا القَدَر
ما إنْ أخَصِّصُ منكِ جارحةً / كلَّ الجوارحِ منكِ لي وطر
يُزرْي بفلسفةٍ مطّولةٍ / والعلمُ شيءٌ فيك " مُخْتَصَر"
" ومعبد " لم يبل منهجه / بالسالكيه . ولم يَلُحْ أثَر
إني لآسَفُ أنْ يجورَ على / خدّيكِ خدٌّ كلُّهُ شَعَر
وعلى إهابٍ منكِ ممتلئٍ / مَرحَا إهابٌ مِلؤُهُ كَدَر
هذا الحريرُ الغَضُّ مَلْمِسُهُ / حَيْفٌ يُخَدِّشُ جَنْبهُ الوبر
عيني فِدى قَدَمَيَكِ سيّدتي / عيناكِ قد أضناهُما السَّهَر
لا أكتفي بالروحِ أُزْهِقُها / عُذرا اليكِ فكيف أعتذر
قلبٌ تجمَّعَتِ الهُمُومُ به / نَفَّسْتُ عنه فهو مزدهِر
ضنكُ المنافذِ لا مكانَ به / لمَسَرَةٍ واليومَ ينتشر
لَوْ لَمْ تُحلِّيه على سعةٍ / من رُحْبِ صدركِ كانِ يَنْفَجِر
سَحَرٌ زماني كلُّهُ لِهَوَى / ليلٍ بقربِك كلُّه سَحَر
وأرى لياليَّ الطِوالَ بها / شَبَهٌ ففي ساعاتِها قِصَر
أطِلّوا كما اتَّقدَ الكوكبُ
أطِلّوا كما اتَّقدَ الكوكبُ / يُنوِّر ما خَبطَ الغَيْهَبُ
وسيروا وان بَعُدَت غايةٌ / وشُقّوا الطريقَ ولا تَتْعَبُوا
ومُدّوا سَواعدَكم انها / معينٌ من الجُهد لا ينضُب
وهاتُوا قلوبَكُمُ أُفرِغِتْ / على نَجدةِ الحَقِّ أو فاذْهَبوا
فما إن يَليقُ بمجد النضالِ / ضعيفٌ على نَصرِه يُغصَب
وإنَّ " غداً " باسماً يُجتَلَى / بشِقِّ النفوس . ولا يُوهَب
وإني وإن كنتُ صِنْوَ الرجاءِ / في حومةِ اليأسِ لا أُغْلَب
أواعدكم من " غَدٍ " صادقاً / ويُسرِفُ في الوعد من يَكذب
أمامَكُمُ مُوعِرٌ مُلغَمٌ / بشتّى المخاوفِ مُستَصْعَب
يَسُدُّ مداخلَه أرقمٌ / وتحمي مسالِكَهُ أذؤب
وسوف يبينُ إذا ما انجَلى / غدٌ من يَجِدُّ ومن يَلعَب
فسوف يدوِّرُ " ساعاتِكم " / بما لا يَسُرُّكُمُ " عقرب "
وسوف يخونُكُمُ " خائفٌ " / وسوف يساوِمُكُم " أشعَب "
وسوف يزاملُكُم خطوةً / ويَخذِلُكم خُطوةً مُتعَب
وسوف يطولُ عناءُ الطريقِ / عليكُمْ فيَعزبُ منَ يَعْزب
وسوف تَضيقُ بِكُم دُوركُم / وسُوحُ " السجون " بكم تَرحُب
فقولوا لمن ظن أنّ الكفاحَ / غَلةُ مزرعةٍ تكذِب
وقولوا لمن ظنَ أنَّ الجموعَ / مطايا تُسَخَّرُ : يا " ثعلب "
تُريدون أنْ تستقيمَ الامورُ / وأن يخلُفَ " الأخبثَ " الأطيب
وان تجمَعُوا الشَمْل من أُمَّةٍ / يفرِّقُها " الجَدُّ " و " المذهب "
وأن يأكلَ " الثَمرَ " الزارعونَ / وأن يأخُذَ " الأرضَ " من يدأب
تريدون أن يعرِفَ الكادحونَ / من " العيش " ما عنهُم يُحجَب
تريدون أن تَطْعّنوا في الصميم / رثَّ " الطباع " وأن تضرِبوا
ومن دون ذلك أن تَصطلوا / سعيرَ الحياة وان تَسغَبوا
وأن ترِدوا ما يمُجُّ القَذَى / وأنَ تَطْعموا منه ما يَجشُب
فلا تحسَبوا أنكم في الجهاد / " هواةٌ " يضمُّهُمُ ملعَب
ولا تحسَبوا أن " مُستثمِراً " / ظلوماً لمصرعِه يَطرب
ولا تحسَبوا أن " مستعمِراً " / يُثارُ عليه ولا يغضَب
ولا تحسَبوا " الأرضَ " يَهْنا بها / ذَووها وبالدم لا تُخضَب
ولا تحسَبوا " أنَّهم يَظمأون / وطوعَ أكفِّهمُ المشرَب
فأنذرْ بحنظلةٍ خائنا / تعجَّلَه الثَمرُ الطيب
وبشَّرْ بحُلْو " الْجَنى " كادحا / على " الجِذر " من شَجر يَضرِب
فلا تهِنوا إنَّ هَذي الأكفَّ / تُملي على الدَهر ما يكتب
على سَعةٍ وفي طُنَفُ الأمان
على سَعةٍ وفي طُنَفُ الأمان / وفي حَبّات أفئدةٍ حواني
بقرب أخيهِما كرماً ولطفاً / وثائرة يُسَرُّ الرافدانِ
فتى عبد العزيز وفيكَ ما في / أبيك الشْهمِ من غُررِ المعاني
لأمرّ ما تُحس منِ انعطافٍ / عليك وما ترى من مهرجان
تأملْ في السُّهول وفي الروابي / ومختلِف الأباطحِ والمغاني
ألستَ ترى ارتياحاً وانطلاقاً / يلوح على خمائلها الحسان
وفي شتى الوُجوه ترى انبساطاً / ولو في وجه مكتئب وعاني
وذاك لأن كلَّ بني سُعودٍ / لهم فضل على قاصٍ وداني
وأنّهُمُ الملاجيءُ في الرزايا / وأنَهُمُ المطامحُ والأماني
وأنك والذي أُفِدْتَ عنه / أباك ملاذةُ الحر المُهانِ
تسوسون الرعية بالتساوي / بفرط العدْل أو فرط الحنان
فلا مثلَ الجناة يُرى بريء / ولا بَدَلَ البريء يُعافُ جاني
لكم في ذمة الأحرار دَيْنٌ / وأكرِمْ بالمدُين وبالمُدان
أبوكَ ابن السعود أبو القضايا / مشرفةً على مرّ الزمان
ولمَحُ الكوكب المُلْقي شُعاعاً / على شُعَب الجْزيرة والمَحاني
ورمزُ العبقريةِ في زمان / به للعبقرية كلُّ شأن
لها كُتِبَ الخلودُ وما سواها / برغم دعاية الداعين فاني
ولم أر مثلَهُ إلا قليلاً / مهِيباً في السماع وفي العِيان
كأني منه بين يَديْ هِزبَرٍ / أخي لِبَدٍ على بُعدِ المكان
أقول الشعر محتفظاً وئيداً / كأني خائفٌ من أن يراني
وقى اللهُ الحِجزَ وما يليهِ / بفضل أبيك من غُصَصِ الهوان
ومتَّعَ ذلك الشعبَ الموقَّى / بسبع سنينَ شيقةٍ سِمان
على حينَ اصطلى جيرانُ نجد / بجمر لظىً وسمّ الأفعوان
وقد رقَّت لها حتى عِداها / لكابوس بها مُلقى الجِران
أرادَتْه اضطراراً لا اختياراً / وليس لها بدَفْعَتِه يدان
فليت الساهرين على دَماراً / فداءُ الساهرين على الكيِان
وما سِيانِ مشتملون حَزْماً / ومشتملون أحزمةَ الغواني
تُحاك له الدسائسُ تحت ليل / من الشحناء داجي الطَّيْلسان
على يد مصطلينَ بهِ غِضابٍ / على عليائه حرِدِي اللسان
وحُسّاد لذي شرف مَهيب / رَمَوْا منه بسُلٍّ واحتقان
من القوم الذين إذا استُجيشوا / ذكا لأُنوفهم أَرجُ الجِنان
مشى للناس وضّاحاً وجاءوا / إليهم تحت أقنعة القِيان
فقل لهُمُ رويداً لا يَطيشوا / ولا يَغُررْهُمُ فرطُ التواني
فبالمرصادِ صِلٌّ أرقميٌّ / شديدُ البطش مرهوبُ الجَنان
يُريهِمْ غفلةً حتى إذا ما / تمادَوْا في اللّجاجة والحِران
مشى لهم كأروعِ ما تراه / حديدَ الناب محتشدَ الدُّخان
وقال لشيخهم إن شئتَ ألّا / أراك ترفعاً أفلا تراني ؟
إذا لم تَقْوَا أن تبنى فحايد / وكن شَهمْا يقدِّرُ صنعَ باني
مَشَيْتُمْ والملوكُ إلى مجالٍ / به أحرزتُمُ قَصَبَ الرِّهان
فجاء مقامُهُمْ عنكم وضيعاً / مقام الزَج زلَّ عن السِّنان
فلا تحسَبْ بأن دعاةَ سُوءٍ / تحرَّكُ من فلانٍ أو فلان
ولا شتى زحاريفٍ ركاكٍ / ولا شتى أساليبٍ هِجان
تَحَوَّلَ عَنْكُمُ مجرى قُلوب / موجهةٍ إليكم بِاتزان
يسُرُّ الناسَ أنَّ فتىً كريماً / يُسَرَّ كما يعاني ما يعاني
ترفع يا سرورُ عن القوافي / فانكَ لَلْغنيُّ عنِ البيان
وَهبني كنتُ ذا حَصَرٍ عِيِيّاً / وهبني كنت منحبسَ اللسان
فما قدْرُ العواطف والنوايا / إذا احتاجت لنقْلِه تَرجَمان
وليل ذكرت به صبوتي
وليل ذكرت به صبوتي / فعدت إلى الزمن الأول
تجردت عن تبعات الجدود / وبتُّ عن الغير في معزل
قست شهبه عن شكاه الهوى / وحدّقن شزراً ولم تحفل
أبثُّ لها همَّ عصر مضى / فتبسم عن عصري المقبل
سهرنا وشتان ما بيننا / وأين من المستهام الخلي !
أمان تسامت فمن أجلها / حياتي وفي شرحها مجملي
وآنست في جنحه وحدتي / فبتَّ كأني في محفل
سكون الدجى وجلال الغرام / جناحان للشاعر الأعزل
وعاذله في الهوى لو درت / بحال المحبّين لم تعذل
" ذكرت الوئام " فمن عبرة / تسيل ومن زفرة تعتلي
كمالك جر عليك الفناء / أخا القرد ليتك لم تكمل
كأن الدُّنا خص في واحد / فكل يقول الذي فيه لي
وهاتفه راعها مقدمي / فلاذت بأغصانها الميَّل
أيا ورق لا تذعري إننا / شربنا العواطف من منهل
ولا تنفري سانحات المها / أصبت الأمان على المقتل
ويا ليل ردد صدى من مضى / وأن كنت يا ليل لم تعقل
فكم بثَّ مثلي أخو حسرة / إليك الغرام فلم تحفل
ويا بدر كرر حديث الشُّجون / فلولا هوى بك لم تضؤل
ايا ليل كم فيك من خاطر / لذي لوعة بالأسى ممتلي
وكم مقلة فيك سهرانة / وكم غلَّة فيك لم تبلل
تجلى بك البدر ربُّ الجمال / فهام بطلعته المجتلي
أيا ليل هام بك المغرمون / لما فيك من عالم أمثل
فراشاً بجنحك حاموا على / سنا البدر ينزل أو يعتلي
على رغد أيها النائمون / فجفني بالغمض لم يكحل
وياليل رحماك يا ذا الجلال / ويا بدر عطفاً فأنت العلي
رمق الأُفقَ طرفُه فترامى
رمق الأُفقَ طرفُه فترامى / ورأى الحق فوقه فتعامى
كلَّ يوم للحاكمين كؤوس / جرَّعوها الشعوب جاماً فجاما
كَذَب الخائفون ما الضيمُ منا / أيُّ شعب يُرضيه أن يستضاما!؟
إن حفِظتمْ على الصُّدور وساماً / فمن الشعب قد أضعتم وساما
آيتا العرب في ندىً وزِحام / طيِّبوا ذكركم وموتوا كراما
انا ذاك الحر العراقي إمّا / حَنَّ يستنهضُ العراقُ الشام
قد كنتُ أقربَ للرجا
قد كنتُ أقربَ للرجا / ء فصرت أقربَ للقنوطِ
كلُّ البلاد إلى صعو / دٍ والعراقُ الى هبوط
في كل يوم مبدأٌ / أُواهُ من هذا السُّقوط
وطنٌ أقامت ركنه / شباننا بدمٍ عبيط
يا للرجال تلاقفتـ / ـهُ يدُ الأعاجم والنَّبيط
سقط النشيط على افتقا / ر الخاملين الى النشيط
ولقد بَكَيْتُ على حُبو / طِكِ يا بلادي لا حبوطي
يا نائماً ما نَّبهَتْـ / ـهُ الحادثاتُ من الغطيطِ
لم يبقَ من نسج الأكـ / ـفِّ المحكمات سوى خُيوط
خُدِعت جموعٌ عن صريـ / ـح الحق بالكَلِمِ البسيط
أبداً تَقَرُّ على ضيا / عٍ في حقوق أو غموط
أما أنا فكما ترى / بين الطبيعة والمحيط
أُفٍ لها من عيشةٍ / ما بين وغدٍ أو لقيط
يا شعرُ ثُرْ إن الشعو / رَ مهدَّدٌ يا نفس شيطي
العبي فالهَوى لَعِبْ
العبي فالهَوى لَعِبْ / وابعثي هِزَّةَ الطَرَبْ
مثِّلي دوَرك الجميلَ / على شرعةِ الأدب
أحسني نُقلةً وان / تَعِبَت هذه الرُكَب
فعلى وَقْع خَطوِها / يتنّزى حشىً وَجَب
روِّحي هذه النفوسَ / فقد شفَّها التَعَب
إجذبيها الى الرِضا / ادفعيها عن الغَضَب
لاتغرَّنِْكِ اوجهٌ / كطِلاء من الذَهَب
وثغور تضاحَكَت / كانعكاسةِ اللَهَب
فتِّشي عن دخائلٍ / غُيِّبَت تشهدي العَجَب
كل هذا الهياج من / أجل مرآكِ والصَخَب
ضاربُ العود ما دَرى / أيَّ اوتارِه ضَرَب
اعذريِه فإنّه / بَشَرٌ مثلُنا اضطَرَب
واقبَلي القلبَ إنّه / لك من أضلُعي وَثَب
نَسَبٌ بَينَنا الهَوَى / احفظي حُرمةَ النَسَب
رب يومٍ جذبت فيهِ / لي الأنسَ فانجذَب
ولمستُ الشبابَ في / رَيعِه بعد ما ذَهَب
حبُ " سلمى " فتىً رأَى / كلَّ ما يشتهي فحَبّ
شاعرٌ بالحياة لا / يَزدهَيه سِوى الطَرَب
انتِ " سلمى " إلى الحياةِ / وأفراحها سَبَب
أنتِ " سلمى " أجَلَّ من / الفِ عبدٍ لألف رَبّ
تتخلى الهموم إذ / تتجلين والكُرَب
ولهم باسمِ أمةٍ / سحقت غاية الارب
اثقلوا ظهرهَ كما / عضَّ بالغارب القَتَب
تركوا " الجذع " للبلاد / واختصوا بالرطب
افتحي لي سَلْمى يديك / يُقَبِّلْ يديكِ صَبّ
أبعديني عن " السياسة " / والغشِ والنَصَب
ولكي نُحرق الجميع / هَلُمي الى الحَطَب
وإذا لم يكن خذي / بعضهم انهم خشب
أإلى العيش كلُّهمْ / انا وحدي الى العَطَب
انا وحدي فيهم / ترجلت والكل قد ركب
نهبَ الشعبُ كلَّه / فهنيئاً لمن نَهَب
وهنيئاً لمن غزا / وهنيئاً لمن سَلَب
وهنيئاً لمن " تنَّمرَ " / او خانَ او كَذَب
ان كل الذي ترين من / " الجاه " و " الرُتَب"
ومن " النفخ " بالزعامة / والاسم واللقَب
واصطيادٍ بحجةِ " الوطن " / الجائع الخَرِب
هو عُقبى تَقَلُّب القوم / عاش الذي انقَلَب
خسر الدّرةَ البطيء / وفاز الذي حلب
يدي هذه رهنٌ بما يَدَّعى فمي
يدي هذه رهنٌ بما يَدَّعى فمي / لئن لم يحكِّمْ عقلَه الشعبُ يندمِ
هتفتُ وما أنفك أهتِف صارخاً / ولو حرّموا مسِّي ولو حلَّلوا دمي
ولو فتّشوا قلبي رأوا في صميمه / خلاصةَ هذا العالمِ المتألِّم
إذا تُرك الجُمهورُ يَمضي لشأنه / ويسلُك من أهوائه كلَّ مَخْرِم
وتنتابُهُ الأهواء من كلِّ جانبٍ / وترمي به شتى المهاوي فيرتمي
وتُنْشَر فيه كلَّ يوم دِعايةٌ / ويندسُّ فيها كلُ فكر مسمِّم
وتَقضي عليه فُرقة من مسدّر / وتُنْهكُه رجعيةٌ من معمَّم
ولم تلدِ الدنيا له من مؤدِّب / يهذب من عاداته ومقوِّم
فلا بد من عُقْبى تسوء ذوي النهى / وتَدمى بها سبابةُ المتندِّم
ولا بد أن يمشي العراقُ لعيشة / يشرَّفُ فيها أو لموت محتَّم
أقول لأوطانٍ تمشت جريئةً / يَمدُّ خطاها كلُّ أصيدَ ضيغم
وقرَّ بها مما تحاول أنها / رأت في اكتساب العزِّ أكبر مغنم
ألا شعلةٌ من هذه الروحِ تنجلى / على وطن ريانَ بالذُّل مُفْعَم
خذي كلَّ كذّاب فَسُلِّي لسانه / ومُرّي على ظُفر الدنيِّ فَقَلِّمي
ومُرِّي على هذي الهياكل أقبلت / عليها الجمْاهير الرُّعاع فحطِّمي
وإن كان لا يبقى على الحال هذه / سوى واحد من كل ألف فأنعم
فأحسنُ من هذي التماثيل ثُلّةٌ / تقوم على هذا البناء المرمَّم
فقد لعِبَت كفُّ التذبذب دورَها / به واستباحت منه كلَّ مُحرَّم
وقد ظهرت فيه المخازي جليةً / يضيق بها حتى مجالُ التكلُّم
وقد صيحَ نهباً بالبلادِ ومُزِّقت / بظفُرٍ وداسوها بخُفٍّ و مَنْسِم
وإني وإن لم يبق قول لقائل / ولم يتركِ الأقوامُ من متردمِّ
فلا بدَّ أن أُبكيكَ فيما أقصُّه / عليك من الوضع الغريب المذمَّم
ألا إن هذا الشَعبَ شعبٌ تواثَبَتََْ / عليهَ صروفُ الدهر من كل مَجْثم
مقيمٌ على البْلوى لِزاماً إذا انبرت / له نكبةٌ عظمى تَهون بأعظم
يجور عليه الحكمُ من متآمرٍ / وتمشي به الأهواءُ من متزعِّم
مساكينُ أمثالُ المطايا تسخَّرتْ / على غيرِ هدْيٍ منهمُ وتَفَهُّم
فلا الحكمُ بالحكم الصحيح المتمَّمِ / ولا الشعبُ بالشعب الرزين المعلَّم
تَحَدَّتْهُ أصنافُ الرزايا فضيَّقَت / عليه ولا تضييقَ فقر مخيِّم
فقد أُتخمت شمُّ " البُنوك " وأشرقت / بأموال نّهابٍ فصيحٍ وأعجم
تُنُوهِبْنَ من أقوات طاوٍ ضلوعَه / على الجْوع أو من دمع ثكلى وأيِّم
يُباع لتسديد الضرائب مِلْحَفٌ / وباقي رِتاج أو حصير مثلَّم
وما رفع الدُّستورُ حيفاً وإنما / أتونا به للنَّهْب ألطفَ سَلَم
ستارٌ بديعُ النسجِ حيكَ ليختفي / بها الشعبُ مقتولاً تضرَّجَ بالدم
به وجدت كفُّ المظالم مَكْمَناً / تحوم عليه أنَّةُ المتظلِّم
نلوذ به من صَوْلة الظلم كالذي / يفرِ من الرَّمضاءِ بالنار يحتمي
بضوء الدساتير استنارت ممالكٌ / تخبَّطُ في ليل من الجْهل مظلم
وها نحن في عصر من النور نشتكي / غَوايةَ دُستور من الغِش مبهم
هنالك في قَصْرٍ أُعدت قِبابه / لتدخينِ بطّالين هوجٍ ونُوّم
تُصَبُّ على الشعب الرزايا وإنما / يَصُبُّونها فيه بشكل منظَّم
مضت هَدرَاً تلك الدماءُ ونُصِّبَتْ / ضِخامُ الكراسي فوق هَامٍ محطَّم
ولما استَتَمَّ الامرُ وارتدَّ معشَرٌ / خلاءَ اكُفٍّ من نِهاب مقسَّم
ورُدَّت على الأعقاب زَحفاً معاشرٌ / تُحاولُ عَودْاً من حِطامٍ مركَّم
بدا الشر مخلوعَ القِناع وكُشِّفَت / نوايا صدورٍ قُنِّعت بالتكتُّم
وبان لنا الوضعُ الذي ينعَتُونَه / مضيئاً بشكل العابس المتجهِّم